المحكمة الادارية بالدار البيضاء كنموذج لتطور القضاء الإداري بالمغرب

لقد عرف القضاء الاداري المغربي محطات اساسية ساهمت بشكل او باخر في تدعيمه وبلورته سنقف عند ابرازها محاولين الوقوف كذلك عند الوضع السياسي والاجتماعي الذي ساد كل مرحلة على حدة :

المطلب الاول
وضعية القضاء الاداري قبل الحماية

من المعلوم ان المغرب قبل الحماية كان كباقي الدول الاسلامية يعتمد اساس على مبادئ واحكام وقواعد الشريعة الاسلامية الغراء في جميع الميادين بما في ذلك مراقبة سير الامور العامة التي تشرف عليها السلطات الادارية وبذلك لا يمكن ان نؤكد بان المغرب في هذه الفترة كان يعرف قانونا اداريا مستقلا ومتميزا عن القضاء العادي .

ومن جهة اخرى من الملاحظ ان المغرب لم يكن يعرف حينها اي صورة من فصل السلطات الواضح والبين، الشيء الذي كان يستحيل معه على القضاة انذاك ان يصدروا احكاما ضد الادارة، لكن هذا لا يعني ان السلطات الادارية كانت تتمتع بسلطات مطلقة تجاه رعاياها،بل تجد تخفيفا لوقع ممارسة السلطة من خلال تطبيق واحترام القواعد العامة التي تقرها الشريعة الاسلامية في كل ما يتعلق بعلاقة الحاكم بالمحكومين، سواء على مستوى السلطات العليا او على مستوى السلطات المتوسطية المرتبطة بالادارة المخزنية[1] او على مستوى السلطات المحلية المرتبطة مباشرة بالمواطنين في مختلف الجهات بالمغرب وبالاضافة الى ذلك كان المغرب يعرف قبل الحماية وجود بعض المؤسسات الترابية الاصيلة وكل اليها مراقبة حسن سير عدة مرافق من اجل الحفاظ على الصالح العام ودرء المفاسد عن المجتمع وجعل حد لاي تعسف يمكن ان يمارس ضد هذه المصالح العامة وابرز هذه المؤسسات نجد المحتسب ورجل المظالم ووزير الشكايات.

1) فالمحتسب الاصيل كان يسهر على حسن احترام النصوص الخاصة بعلاقة المواطنين مع بعضهم في معاملاتهم اليومية ومراقبة الاسعار وزجر الغش ومعاقبة المخالفين والمتلاعبين بمصالح العموم والبحث والتحري بصفة عامة في كل ما يدخل في نطاق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .

ومن هذا المنطلق يبرز دور مؤسسة الحسبة في الدولة الاسلامية على انها احدى الوظائف او الولايات العامة التي تقف الى جانب ولاية القضاء العادي وولاية قضاء المظالم حيث تمزج فيها التصرفات الادارية اليومية الجارية مع بعض الممارسات القضائية ذات التنفيذ الاني والمباشر وهي تهدف الى تطبيق مبدا المشروعية وسيادة القانون في المعاملات التجارية في المجتمع عامة في الاسواق، وفي الخلافات اليومية التي تقع بين الناس خاصة، وتبدو هذه النواحي بوضوح في تعريف الامام الماوردي ( امر بمعروف ظهر تركه، ونهي عن منكر ظهر فعله)، والجدير بالذكر ان المغرب قد غرف من هذا الموروث الفقهي والشرعي الاسلامي، بل ان وزارة الشكايات بالمغرب كانت تجسيدا لهذه الولاية ورفع المظالم كان من اوكل المهام التي يضطلع بها السلطان، باعتباره القاضي الاسمى، وقد كان الحسن الاول، يومي الاحد والثلاثاء من كل اسبوع يجلس للسماع للشكاوي التي تصله، وكان الخلفاء يولون بانفسهم المظالم ويخصصون لها اياما معلومة عند العموم، واذا استقبلوا وفدا استفسروه عن سيرة العمال والقضاة في مناطق نفوذهم قبل كل شيء، وكان المحتسب من اهم الموظفين التابعين لسلطة القاضي بينما كانت تحت نظر المحتسب امناء الاسواق بالمدن والقرى، وقد يستقبل الخليفة نفسه هؤلاء الامناء احيانا فيسالهم عن احوال السوق والاسعار .

2) اما رجل المظالم الذي كان يوجد على راس خطة المظالم فلقد وكل اليه مراقبة رجال السلطة الادارية من عمال وولاة، كما انه كان يقضي احيانا في بعض النوازل .
وولاية المظالم كانت جزءا مما يتولاه ولي الامر الاعظم ونعني السلطان او الخليفة ويقيم فيه نائبا عنه احيانا اخرى، والشرع يوجب رفع الظلم ولو كان من الخليفة الاعظم نفسه الذي اختير اختيارا شرعيا كما يقول الشيخ ابو زهرة [2]، وقد اسهب الماوردي في الحديث عن ولاية المظالم التي تحتاج الى سطوة الحماة وثبات القضاة، ويقول عنها ابن خلدون ( النظر في المظالم وظيفة ممتزجة من سطوة السلطنة ونصفة القضاة وتحتاج الى عول يد وعظيم رهبة، وتقمع الظالم من الخصمين وتزجر المعتدي وكأنه يمضي ما عجز القضاة او غيرهم عن امضائه)[3] اما وزير الشكايات فكان يوجد بالقرب من السلطان، وكان يمكن للمواطنين بان يتقدموا اليه بتظلماتهم ضد السلطات الادارية ويختار منها ما يراه مقبولا ويلخصه ويعرضه على السلطان ليتخذ هذا لاخير القرار اللازم.

هكذا نجد ان المغرب لم يعرف قضاء اداريا منفصلا عن القضاء العادي قبل الحماية بل كانت تطبق على العموم قواعد الشريعة الاسلامية في تحديد العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، وبالتالي لم يكن القضاء مكلفا بمراقبة اعمال الادارة بل كان القضاء نفسه معرضا للشكايات اذ كان بامكان المواطنين ان يتظلموا الى وزير الشكايات ضد بعض القرارات الصادرة عن القضاة .

وقد بدات هذه المرحلة تنتهي مع بداية التغلغل الاجنبي في المغرب والتي توجت بمعاهدة الجزيرة الخضراء الموقعة بتاريخ 7 ابريل 1906 وما يهم من هاته المعاهدة هي البنود التي عملت على ادخال قواعد جديدة ومتميزة عن القانون الخاص، والتي لها ارتباط بالقانون الاداري تتعلق بعضها بمسطرة نزع الملكية لاجل المنفعة العامة وتحديد كيفية البت قضائيا في النزاعات الخاصة بالاشغال العمومية وعقود الامتياز، وذلك لحماية المصالح الخاصة للشركات الاجنبية، لكن لابد من الاشارة الى ان تلك التجربة بقيت محدودة الى ان جاءت الحماية الفرنسية التي عملت على وضع قواعد اساسية متميزة عن القواعد الخاصة بعد فرض معاهدة الحماية في 30 مارس 1912 .

المطلب الثاني
القضاء الاداري في عهد الحماية

يمكن القول بصفة اجمالية ان مبدا القضاء الاداري الذي احدثته سلطات الحماية كان محدودا جدا وكان في معظمه سابقا للسياسة العامة التي طبقتها السلطات الاستعمارية، وقد تجلت اهداف الحماية الفرنسية في قرار مبدا القضاء الاداري من انها لم تنقل الى المغرب مبدا ازدواجية القضاء الذي اقرته لديها بشكل نهائي منذ انشاء القضاء المفوض بالنسبة لمجلس الدولة الفرنسي عن طريق قانون 24 ماي 1872 .

ولقد طبقت فرنسا على المغرب النظام القضائي الذي سبق ان اختارته لتونس عن طريق مرسوم 27/11/1888 والذي جاء الظهير المغربي المؤرخ في 20 غشت 1913 الخاص بالتنظيم القضائي لا يختلف عنه في جوهره وشكله بصفة عامة .

وهكذا جاءت المادة الثامنة من ظهير 12 غشت 1913 تنص على انه : ” في المواد الادارية تختص جهات القضاء الفرنسي المنشاة في امبراطوريتنا وذلك في حدود الاختصاص الممنوح لكل منها بنظر جميع الدعاوي التي تهدف الى تقرير مديونية الادارات العامة التي امرت بها، او بسبب جميع الاعمال الصادرة منها والضارة بالغير، وتختص نفس الجهات بنظر الدعاوي المرفوعة من الادارات العامة على الافراد وتمثل الادارة امام القضاء بواسطة احد موظفيها، ولا يجوز لجهات القضاء الحديث ان تامر سواء بصفة اصلية او تبعا لدعوى منظورة امامها عن الدعاوي التي سبق ذكرها باي اجراء من شانه ان يعطل او يعرقل نشاط الادارات العامة سوءا كان ذلك بتعطيل تنفيذ اللوائح التي اصدرتها او الاشغال العامة او بتعديل طريقة او مدى تنفيذها، كما يمنع عليها ان تنظر في طلبات الغاء قرار اصدرته الادارة دون الاخلال بحق صاحب المصلحة في تظلم بطريق الالتماس من جهة الادارة التي لها وحدها ان تعدل من القرار الذي يمس بمصالحه، وكون الاحكام الصادرة في المسائل الادارية قابلة في جميع الاحوال للطعن فيها بالاستئناف ولا يجوز الطعن فيها بالنقض، الا بناء على تجاوز المحاكم لسلطتها بسبب مخالفة الفقرتين الرابعة والخامسة وفي هذه الحالة يرفع النقض مباشرة بوساطة النيابة العامة ويترتب على الطعن بالنقض وقف تنفيذ الحكم ويكون البطلان الذي تنطق به محكمة النقض حجة على جميع اطراف الخصومة .

وليس خاف ان السلطات الحماية جاءت اساس لخدمة المصالح الاستعمارية واشخاص عهد اليهم بتنفيذ هذه السياسة الاستعمارية وتبعا لذلك لقي هؤلاء امامهم جميع التسهيلات من قبل الادارة بما في ذلك فتح ابواب القضاء لمقاضاة الادارة اذا ما الحقت بهم اضرارا، وبما ان نشاط هؤلاء كان محدودا او مركزا في بعض الميادين المهمة التي كانوا يسيطرون عليها وحدهم دون الرعايا المغاربة، لذلك جاء الفصل الثاني من ظهير 12/8/1913 الخاص بالتنظيم القضائي مقتصرا على ثلاثة ميادين تدخل في اطار القضايا الادارية والتي يمكن مساءلة الادارة بشانها وتتجلى في التعويض عن الاضرار الناجمة عن العقود التي تبرمها الادارة وعن الاشغال العامة التي تامر بها، وعن المسؤولية الناتجة عن الاضرار التي تتسبب فيها الادارة .

ونشير انه في جميع الاحوال لم تكن تلك المحاكم العصرية[4] مختصة بالنظر في طلبات الغاء القرارات الادارية، كما انها لم تكن مختصة بل يحظر عليها اصدار اوامر الى الادارة او عمل ما من شانه ان يؤدي الى عرقلة او تعطيل نشاطها .
ما يهمنا من كل هذا هو ان النظام القضائي الذي وضعته الحماية عمل على تمييز القضايا الادارية عن غيرها، وبالتالي حمل الادارة مسؤولية الاضرار الناتجة عن تسير ادارتها، وعن الاخطاء المصلحية لمستخدميها[5].

هكذا نستنتج ان المحاكم في عهد الحماية باختلاف انواعها كانت محرومة من النظر في دعاوي الغاء القرارات الادارية او بطلب تنفيذها، وان كان ممكنا طلب التعويض عن القرارات الادارية او بطلب تنفيذها، او طلب التعويض عن بعض اعمال الادارة اذا الحق ضررا بالغير، كما تم وبصفة استثنائية ونتيجة لبعض التذمرات التي عبر عنها الموظفون العموميون الفرنسيون الذين يعملون بالمغرب سمحت سلطات الحماية لهؤلاء وفق ظهير فاتح شتنبر 1928 بتقديم دعوى الالغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة ضد القرارات المرتبطة بنظامهم الاساسي، وذلك امام مجلس الدولة الفرنسي كما فعلت في السابق بالنسبة في تونس في سنة 1926 .

اذن يمكن ملاحظة ان المبدا العام في عهد الحماية هو انعدام دعوى الالغاء ووجود امكانيات جد محدودة، عن طريق الطعن الاستعطافي الموجه الى المقيم العام او عن طريق فحص الشرعية بشروط معينة، وبذلك لم تسمح فرنسا للمغرب الا بالقضاء المحجوز الذي كانت تعرفه فرنسا في عهد الادارة القضائية والذي تخلت عنه بصفة نهائية بصدور قانون 24 ماي 1872 .
وما يجب التاكيد عليه هو ان القضاء المغربي قد استقر على وجوب تطبيق قواعد قانونية متميزة عن قواعد القانون الخاص في المواد الادارية وبغير شك يؤكد الاستاذ محمد موغيني ان هذه القواعد كانت مستمدة من اجتهادات القضاء الاداري في فرنسا، كما استعين في تفسير هذه النصوص بالاوضاع القائمة في تونس التي وجدت في ظروف واوضاع متشابهة ولكنها اسبق في وضع نظامها القانوني .

والخلاصة التي يمكن ان نسجلها على التطور الفعلي للقضاء الاداري بالمغرب خلال فترة الحماية يتجلى في ثلاث نتائج مرتبطة :
1) بازدواجية القانون لكن مع واحدة القضاء .
2) باستمرار الادارة القاضية او المقيم العام القاضي بالنسبة لدعاوي الالغاء .
3) بتحديد مجالات الادارة
ورغم محدودية هذا التطور فانه لا يمكن ان ننكر انه تطور بالنسبة لما كان عليه الوضع قبل الحماية، يمكن القول انه كان تمهيدا للتطور الذي عرفه القضاء الاداري بعد الاستقلال سيما منذ انشاء المجلس الاعلى بمقتضى ظهير 27 شتنبر 1957 .

المطلب الثالث
القضاء الاداري في عهد الاستقلال

يعتبر انشاء المجلس الاعلى بظهير 27 شتنبر 1957[6] مرحلة اساسية في التطور الفعلي للقضاء الاداري بالمغرب، وجاء احداث المجلس الاعلى لتدعيم استقلال المغرب وذلك في نطاق الدفع باستقلال القضاء المغربي عن القضاء الاجنبي، وتبعا لظهير 27 شتنبر 1957 يختص المجلس الاعلى بالنظر في النقض ضد الاحكام الصادرة بصفة نهائية عن المحاكم القضائية كما يختص ايضا بالنظر في دعاوي الالغاء ضد القرارات الصادرة عن السلطات الادارية بسبب الشطط في استعمال السلطة وذلك كاول واخر درجة ما لم يقضي نص خاص بخلاف ذلك .

وان كان التنظيم الجديد الذي احدث المجلس الاعلى لم يدخل تعديلات جوهرية على المبادئ التي ارستها سلطات الحماية والخاصة بوحدة القضاء مع اعتبار وجود قضايا ادارية متميزة عن القضايا العادية، فانه حقق وجود قضاء مغربي مستقل يبقى المجلس الاعلى على راس هرمه ويبقى الاطار العام المقرر بظهير 27 شتنبر 1957 محافظا على جوهره في مختلف التعديلات التي عرفها للتنظيم القضائي بواسطة قانون 26/01/1965 المتعلق بتوحيد وتعريب ومغربة القضاء وبواسطة المرسوم الملكي بمثابة قانون مؤرخ في 3/7/1967 الى ان جاء الاصلاح القضائي لسنة 1974 ليؤكد على تطور القضاء الاداري نحو ابراز خصوصياته، سيما بعد صدور اجتهادات متطورة من داخل الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى .

وبذلك نخلص الى ان تطور القضاء الاداري بعد الاستقلال مر بمرحلتين :

المرحلة الاولى : تمتد من انشاء المجلس الاعلى في سنة 1957 الى الاصلاح القضائي لسنة 1974 .
المرحلة الثانية : فيمكن حصرها في الفترة منذ الاصلاح القضائي الى انشاء المحاكم الادارية في سنة 1991.

البحث الاول
المنازعات الادارية منذ انشاء المجلس الاعلى الى الاصلاح القضائي

لقد جاء احداث المجلس الاعلى بظهير 27 شتنبر 1957 ليدخل تطورا ملحوظا على مراقبة الادارة من قبل القضاء اذ فتح امام المتقاضين امكانية الغاء القرارات الصادرة عن السلطات الادارية بسبب الشطط في استعمال السلطة[7].

وينقسم المجلس الاعلى في وضعه الحالي الى خمس غرف هي الغرفة المدنية تسمى الغرفة الاولى، وغرفة الاحوال الشخصية والميراث، وغرفة جنائية، وغرفة اجتماعية، وغرفة ادارية، وهذه الاخيرة ليست وحدها المختصة بنظر القضايا الادارية، بل يمكن ان يعهد لاية غرفة داخل المجلس الاعلى بالنظر في اي قضية من القضايا المعروضة على المجلس الاعلى وقد اوكل المشرع الى الغرفة الادارية بمقتضى الفصل 362 من قانون المسطرة المدنية حق النظر في :

الطعون بالنقض ضد الاحكام القضائية الصادرة في القضايا الادارية التي يكون احد الاطراف فيها شخصا عموميا .
الطعون الموجهة ضد مقررات السلطات الادارية للشطط في استعمال السلطة .
باستثناء هذا التجديد الاساسي الذي جاء مع احداث المجلس الاعلى يلاحظ على العموم ان السمات العامة التي خلقتها الحماية الفرنسية لم يطرا عليها اي تغيير جوهري خاصة ان معظم القضاة الذين كانوا يشكلون الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى كانوا قضاة فرنسيين قبل توحيد ومغربة القضاء بمقتضى قانون 26 يناير 1965 .

ومع ذلك تجب الاشارة الى ان قضاء المجلس الاعلى لم يلبث يؤكد على مدى استقلال المنازعات الادارية ووجود قانون اداري لا علاقة له بالقانون الخاص، وخير مثال على ذلك ما اورده المجلس الاعلى في احد احكامه : حيث ان مبدا فصل السلطتين القضائية والادارية منصوص عليه بصريح العبارة في الفقرتين 4 و5 من الفصل 8 من الظهير بتاريخ 12/8/1913 المتعلق بالتنظيم القضائي، وحيث ان تطبيق هذا المبدا يجعل المحاكم المدعوة عملا بالاختصاص الاستثنائي المخول اياها في القضايا الادارية بحكم الفقرة الاولى من الفصل 8 المذكور لتقدير المسؤولية التي يمكن ان تعود للادارة غير مرتبطة بالاحكام القضائية الصادرة تطبيقا لقواعد القانون الخاص بالنسبة للدعاوي التي ليست الادارة فيها طرفا [8].
ولم يؤد توحيد ومغربة القضاء بمقتضى قانون 26 يناير 1965 الى تغيير جوهري في التظلم القضائي اذ ظلت وحدة القضاء تطبع هذا التنظيم ولكن كان من الضروري ادخال بعض التعديلات على هذا التنظيم، وهذا ما تم بالفعل بواسطة المرسوم الملكي بمثابة قانون 3 يوليوز 1967 .

لكن مع ذلك لم يدخل هذا النص الاخير تعديلات جوهرية على ظهير 27/9/1957 المنشئ للمجلس الاعلى وجاء ليكرس على العموم القواعد المقررة سابقا في مجال القضاء الاداري اذ اكد بدوره على خصوصية القضايا الادارية واعطى الاختصاص العام للمحاكم الاقليمية ( الفصل 17) علىان يتم الاستئناف امام محاكم الاستئناف (الفصل 22) وابعد محاكم السدد عن النظر في تلك القضايا، كما اكد في فصله 23 على ابقاء العلم بظهير شتنبر 1957 المؤسس للمجلس الاعلى .

ولا بد لنا من التذكير في سياق هذا التطور بالمراحل السابقة التي ادت الى انشاء المحاكم الادارية ان المرسوم الملكي بمثابة قانون بتاريخ 3 يوليوز 1967 قد الغى بفصله (48) جميع النصوص المخالفة لمضمونه وخاصة ظهير 12 غشت 1913 الخاص بالتنظيم القضائي باستثناء الفقرات ( 1 و2 و4 و5) من فصله التاسع، تلك الفقرات التي يرتكز عليها القضاء الادراي بالمغرب منذ الحماية الفرنسية ومع الاصلاح القضائي لسنة 1974 يصل تطور القضاء الاداري بالمغرب الى المرحلة التي تلي انشاء المجلس الاعلى الى درجة متطورة جزئيا لكن لم تكن جذرية ولكنها تعتبر خطوة في طريق تطور نوعي اكبر سيمهد فيها بعد عن الاعلان عن انشاء المحاكم الادارية في الخطاب الملكي ليوم 8 ماي 1990 بمناسبة انشاء المجلس الاستشاري لحقوق الانسان وقبل الرجوع الى هذا الخطاب ل ابد ان نعرض لهذا التطور الفعلي للقضاء الاداري بالمرحلة الاخيرة التي تبتدئ مع الاصلاح القضائي في سنة 1974 وتنتهي بانشاء المحاكم الادارية في سنة 1991 .

البحث الثاني
المنازعات الادارية منذ الاصلاح القضائي لسنة 1974 الى انشاء المحاكم الادارية سنة 1991

لقد جاء الاصلاح القضائي لسنة 1974 بصدور مجموعة من النصوص التشريعية والمراسيم التطبيقية لها ليدخل بعض التعديلات على التنظيم القضائي الموجودة انذاك نذكر منها على الخصوص :
1- القانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة والذي جاء يتضمنه الظهير الشريف بمثابة قانون رقم : 1.74.338 بتاريخ 24 جمادى الثانية 1354 الموافق ل 15/7/1975 .
2- الظهير الشريف بمثابة قانون رقم : 1.74.339 بتاريخ 15/7/1974 المتعلق بتنظيم محاكم الجماعات والمقاطعات وتحديد اختصاصاتها .
3- المرسوم التطبيقي لهذا الظهير المؤرخ في 15/7/1994 .
4- الظهير الشريف بمثابة قانون رقم : 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 الموافق ل 28/9/1974 بالمصادقة على قانون المسطرة المدنية .

وما دمنا بصدد الحديث عن القضاء الاداري، نشير الى ان محاكم الجماعات والمقاطعات التي حلت محل محاكم السدد لا تختص باي نصيب في ميدان القضاء الاداري، و بذلك تبقى المحاكم المختصة للبت في القضايا الادارية هي المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف والمجلس الاعلى، ولقد حلت المحاكم الابتدائية محل المحاكم الاقليمية وراتفع عددها في سنة 1974 الى (30) محكمة ابتدائية تبعا للفصل الثاني من المرسوم التطبيقي المؤرخ في 16/7/1974 ولقد عدل هذا المرسوم عدة مرات للزيادة في عدد المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف واخر تعديل تم عبر مرسوم بتاريخ 26/6/1990 ليرفع عدد المحاكم الابتدائية الى (56) محكمة حاليا، ولقد ارتفع عدد محاكم الاستئناف تبعا للفصل الثالث من نفس المرسوم التطبيقي المذكور المؤرخ في 16/7/1974 الى تسع (9) محاكم استئناف وعلى غرار المحاكم الابتدائية تم ايضا تعديل الفصل الثالث من هذا المرسوم عدة مرات كان اخرها التعديل الذي تم بالمرسوم بتاريخ : 26/6/1999 ليرتفع حاليا عدد محاكم الاستئناف الى (21) محكمة استئناف .

اما المجلس الاعلى فلم يطرا عليه اي تغيير .
اما من حيث اختصاص مختلف هذه المحاكم في القضايا الادارية نجد ان المحاكم الابتدائية اصبحت تختص في دعاوي التعويض وفق الفصلين 18 و19 من قانون المسطرة المدنية في الميدان الاداري اما كدرجة اولى او كدرجة نهائية او كدرجة اولى قبل ان تستانف احكامها امام محكمة درجة ثانية” محكمة الاستئناف” كما ان الاصلاح القضائي لسنة 1974 اكد على وجود قضايا ادارية متميزة عن القضايا العادية، اما بالنسبة لمحاكم الاستئناف فلم يات الاصلاح القضائي المذكور باي تغيير في الاختصاصات الموكولة اليها للنظر فيها، اللهم فيما يتعلق بتحديد قيمة الطلبات في القضايا التي يمكن ان تعرض على محاكم الاستئناف. اما المجلس الاعلى فلقد وقع تاكيد اختصاصاته السابقة المنصوص عليها في الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية المؤرخ في 28/9/1974 بالشكل الذي جاء في الفصل الاول من ظهير 27/9/1957 المؤسس للمجلس الاعلى ونجد من بين هذه الاختصاصات تلك التي تدخل في القضايا الادارية، ويبت فيها المجلس الاعلى ما لم يصدر نص صريح بخلاف ذلك وهي الطعون الرامية الى الغاء القرارات الصادرة عن السلطات الادارية للشطط في استعمال السلطة .

الطعن بالنقض ضد الاحكام الانتهائية التي تصدرها جميع المحاكم، وكما كان الامر عليه ايضا قبل اصلاح 1974 يبقى المجلس الاعلى هو الوحيد المختص للنظر في الدعاوي الرامية الى الغاء القرارات الصادرة عن السلطات الادارية بسبب الشطط في استعمال السلطة مع بعض الاستثناءات المحدودة جدا والتي تنص صراحة عليها نصوص معينة .

ويجب التذكير اخيرا بالنسبة للمجلس الاعلى انه بالرغم من وجود غرفة ادارية متميزة عن الغرف الاخرى، فان هذه الغرفة الادارية لا تحتكر قانونيا النظر وحدها في القضايا الادارية المعروضة على المجلس الاعلى اذ تنص الفقرة الاخيرة من الفصل العاشر من الظهير المتعلق بالتنظيم القضائي المؤرخ في 15/7/1974 على انه يمكن لكل غرفة ان تبحث وتحكم في جميع القضايا المعروضة على المجلس الاعلى ايا كان نوعها، وهذا ما تؤكده الفقرة الاخيرة من الفصل 36 من قانون المسطرة المدنية الا ان هذا الفصل يؤكد مع ذلك على ما يلي :
” يقوم الرئيس الاول بمجرد تقديم طلب النقض بتسليم الملف الى رئيس الغرفة المختصة الذي يعين مستشارا مقررا يكلف باجراء المسطرة ترفع الى الغرفة الادارية :

1) الطعون بالنقض ضد الاحكام القضائية الصادرة في القضايا التي يكون احد الاطراف فيها شخصا عموميا .
2) الطعون الموجهة ضد مقررات السلطات الادارية للشطط في استعمال السلطة غير انه يصح ان تبحث وتحكم كل غرفة في القضايا المعروضة على المجلس الاعلى ايا كان نوعها” .

ولعل هذا النص يبرز التردد الذي وقع فيه المشرع بين اختيار قضاء اداري متميز ومستقل يوكل اختصاص النظر فيه الى الغرفة الادارية ويليه اختيار نظام وحدة القضاء لا يميز بين مختلف القضايا وبين مختلف الغرف المكونة للمجلس الاعلى ويبقى المجلس الاعلى في النهاية هو المحكمة العليا، وليست الغرفة الادارية، ولعل هذا الموقف المتردد هو الذي سيؤثر الى واضعي مشروع القانون المنشئ للمحاكم الادارية، من خلال التوجيهات السامية الواردة في خطاب 3 ماي 1990 الذي يعتبر منعطفا تاريخيا هاما في مسيرة القضاء الاداري بالمغرب .

البحث الثالث
مرحلة انشاء المحاكم الادارية

لقد جاء الخطاب الملكي التاريخي ليوم 8 مايو 1990 امام اعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الانسان ليضع لبنات جديدة في تعزيز و تدعيم دولة الحق والقانون والمؤسسات وذلك عن طريق الاعلان عن اصلاحيين اساسيين يعززان احترام مبدا الشرعية من قبل السلطات الادارية حيث يكمن الشق الاول من هذا الاصلاح في انشاء المجلس الاستشاري لحقوق الانسان[9]، اما الشق الثاني فيكمن في الاعلان عن انشاء المحاكم الادارية وبالرجوع الى هذا الخطاب السامي ليوم 8 مايو 1990 في جزئه الثاني المتعلق بانشاء المحاكم الادارية، نجده ركز على مجموعة من المحاور الهامة نعتبرها اسبابا وراء احداث هذه المحاكم وتتلخص هذه المحاور في مسالتين :

1) وضع الاطار العام لمراقبة القضاء للادارة .
2) تحديد الاجراءات العملية لانجاح الاصلاح .

1- وضع الاطار العام لمراقبة القضاء للادارة
من خلال قراءة متمعنة للخطاب الملكي في موضوع تحديد الاطار العام الدافع الى الاصلاح القضائي نجد التوجيهات الملكية تؤكد على محورين :
1) بيان اسباب واهداف انتشار المحاكم الادارية
2) تحديد دور هذه المحاكم .

1) بيان اسباب واهداف انشاء المحاكم الادارية :

لقد كان محور الخطاب الملكي بشان احداث المحاكم الادارية بارزا بوضوح اذ ورد فيه التاكيد على استكمال بناء دولة الحق والقانون والاخذ بعين الاعتبار حقوق الموطنين بالنسبة لمختلف السلط العمومية، ومما جاء في الخطاب الملكي بهذا الخصوص ” واذا اردنا حقيقة ان نبني دولة القانون علينا كذلك ان ناخذ بعين الاعتبار حقوق المواطنين بالنسبة للسلط وللادارة وللدولة” .
وفي فقرة اخرى يؤكد الخطاب الملكي على ان السلطة ليس لها الحق في ان تتجاوز حدودها وتبعا لذلك يمكن للمواطن ان يشتكي ضد الاشخاص الذين يمارسون هذه السلطة بتجاوز الحدود المرسومة لها ” فدولة القانون هي هذه، فالسلطة ليس لها الحق في ان تتجاوز حدودها انذاك لازم ان يكون من حق المغربي كيفما كان ان يشتكي اما بضابط الشرطة او بضابط الدرك او القائد الذي تسعف عليه او غيرهم” .

ثم يؤكد جلالة الملك مرة ثانية على هذا التوجيه مبررا بذلك اهمية مراقبة الادارة وحق المواطن للدفاع عن حقوقه خدمة لدولة القانون فلا يمكن لهذه البلاد ان تكون دولة قانون الا اذا جعلنا كل مغربي عنده الوسيلة كي يدافع عن حقوقه كيفما كان خصمه” .
وبذلك يؤكد جلالة الملك على ان الجميع يجب ان يبقى خاضعا للرقابة القضائية في نطاق التطبيق الفعلي لمفهوم دولة القانون والزام السلطات العمومية باحترام حقوق المواطنين الشرعية .

2) تحديد دور المحكمة الادارية :
لقد اكد الخطاب الملكي ليوم 8 مايو 1990 على دور المحاكم الادارية من خلال تنظيم هذه المحاكم ومواقعها في مختلف انحاء البلاد وفي نفس الوقت اعطى الاطار للاختصاصات التي يمكن ان تقوم بها في موضوع مراقبة مختلف النشاط الذي تقوم به الادارة.
ففيما يتعلق بامتدادات هذه المحاكم على التراب الوطني، وقع التاكيد على ان تمتد المحاكم الادارية بصفة تدريجية الى كل انحاء المغرب في انتظار تكوين الاطر اللازمة، واعطى جلالته مهلة ثلاث سنوات لكي تمتد مقراتها الى كل العمالات والاقليم، اما في المرحلة الاولى وهي مرحلة انتقالية فسيتم انشاء محاكم ادارية على مستوى الجهات، على امل ان تتحول هذه المحاكم الجهوية في المستقبل الى محاكم استئناف ادارية بالنسبة للمحاكم الادارية التي ستكون في المرحلة الثانية بكل عمالة او اقليم .
اما فيما يتعلق بالاختصاصات الموكولة لها فقد حددها القانون المحدث للمحاكم الادارية وهي اختصاصات نوعية واخرى محلية :
فبالنسبة للاختصاص النوعي للمحاكم الادارية فقد بينته المادة 8 من القانون المذكور والتي جاء فيها انه تختص المحاكم الادارية مع مراعاة المادتين 9 و11 من القانون المذكور بالبت ابتدائيا :
في طلبات الغاء القرارات السلطات الادارية بسبب تجاوز السلطة .
في النزاعات المتعلقة بالعقود الادارية

في دعاوي التعويض عن الاضرار التي تسببها اعمال ونشاطات اشخاص القانون العام ما عدا الاضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات ايا كانت نوعها يملكها شخص من اشخاص القانون العام .
بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات، ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي ادارة مجلس النواب.
ما يخص تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات والضرائب ونزع الملكية لاجل المنفعة العامة .
بالبت في الدعاوي المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة .

بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة .
اما بالنسبة للمحكمة الادارية بالرباط فقد اوكل لها المشرع بالاضافة الى الاختصاصات العامة الواردة في المادة 8 التي سبق ذكرها حق النظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للاشخاص المعينين بظهير شريف او مرسوم وبالنزاعات الراجعة الى اختصاص المحاكم الادارية التي تنشا خارج دوائر اختصاص جميع هذه المحاكم وذلك وفقا لما تنص عليه المادة 11 من قانون 90/41 المحدث للمحاكم الادارية .
اما بالنسبة للاختصاص المحلي للمحاكم الادارية فتطبق بشانها قواعد الاختصاص المحلي المنصوص عليه في الفصل 27 وما يليه الى الفصل 30 من قانون المسطرة المدنية ما لم ينص على خلاف ذلك في هذا القانون او في نصوص خاصة :
واستثناء من ذلك ترفع طلبات الالغاء بسبب تجاوز السلطة الى المحكمة الادارية التي يوجد موطن طالب الالغاء داخل دائرة اختصاصها .

اختصاصات المجلس الاعلى ( الغرفة الادارية )

تختص الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى اما بصفة ابتدائية وانتهائية في بعض القضايا الادارية، واما بصفتها محكمة استئناف ادارية .
فبالنسبة للاختصاصات التي تنظر فيها الغرفة الادارية ابتدائيا وانتهائيا هي تلك المتعلقة بطلبات الالغاء بسبب تجاوز السلطة فيما يخص التصرفات التنظيمية والفردية الصادرة عن الوزير الاول وقرارات السلطات الادارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة ادارية .
اما بالنسبة للاختصاصات التي تنظر فيها الغرفة المذكورة كمحكمة استئناف ادارية تتعلق باحكام المحاكم الادارية وفق ما تنص عليه المادة 45 من القانون المحدث لهذه المحاكم .

المطلب الرابع
جهات القضاء الاداري واختصاصاتها في المغرب

تنقسم جهات القضاء الاداري في المغرب الى نوعين من المحاكم :
المحاكم الادارية .
المجلس الاعلى ( الغرفة الادارية ) باعتباره اول واخر درجة في بعض القضايا الادارية وباعتباره درجة استئناف ادارية في الاحكام الصادرة عن المحاكم الادارية .

الفرع الاول : المحاكم الادارية
نتناول في هذا الفرع كيفية احداثها وتركيبها ثم نتطرق للاجراءات المتبعة امامها بشان القضايا الادارية الموكول لها نظر البت فيها ثم نختم باختصاصات هذه المحاكم .

اولا : احداث المحاكم الادارية وتركيبها .
ينص الفصل الاول من قانون 90/41 المحدث للمحاكم الادارية على ان احداث تلك المحاكم وتعيين دوائر لنفوذها الترابي واختصاصاتها يتم بمقتضى مرسوم .
وتسري على قضاة الحاكم الادارية احكام الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم : 1.74.467 الصادر في 26 من شوال 1394 ( 11 نونبر 1974) بتحديد النظام الاساسي للقضاة مع مراعاة الاحكام الخاصة الواردة فيه باعتبار خصوصية المهام المنوطة بقضاة المحاكم الادارية، اما عن تكوين المحكمة الادارية فيتم من :
رئيس وعدة قضاة .

كتابة الضبط
ويجوز تقسيم المحكمة الادارية الى عدة اقسام بحسب انواع القضايا المعروضة عليها ويعين رئيس المحكمة الادارية من بين قضاة المحكمة مفوضا ملكيا او مفوضين ملكيين للدفاع عن الحق والقانون باقتراح من الجمعية العمومية لمدة سنتين .

ثانيا : الاجراءات المتبعة امام المحاكم الادارية

تتحدد هذه الاجراءات على نوعين : احداهما متعلقة بمقال الدعوى والاخرى خاصة بجلسات المحكمة الادارية .

1)- الاجراءات المتعلقة بمقال الدعوى
لقد اشترط المشرع في مقال الدعوى امام المحكمة الادارية ان يكون مكتوبا ومستوفيا لجميع المعلومات المنصوص عليها في الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية، وموقعا عليها من طرف محام. وان يتم تسجيل ذلك المقال بكتابة ضبط المحكمة الادارية، وان يوكل الى قاض مقرر والى المفوض الملكي للدفاع عن الحق والقانون وذلك لمتابعة ملف الدعوى والتاكد من مدى احترام الاجراءات القانونية والتحقيق في القضية .

أ‌- شرط الكتابة في مقال الدعوى
ترفع القضايا الى المحكمة الادارية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب[10] ضمانا لاستيفاء الاجراءات شروطها القانونية .

ب‌- استيفاء المقال للمعلومات القانونية :
يشترط في مقال لدعوى ان يكون مستوفيا للبيانات المنصوص عليها في الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية الذي يقتضي بضرورة توفر مقال الدعوى او المحضر او العريضة على الاسماء العائلية والشخصية وصفة او مهنة وموطن او محل اقامة المدعى عليه والمدعي وكذا عند الاقتضاء اسماء وصفة وموطن وكيل المدعي، واذا كان احد الاطراف شركة وجب ان يتضمن المقال او المحضر اسمها ونوعها ومركزها .
كما يجب ان يبين بايجاز في المقالات والمحاضر علاوة على ذلك موضوع الدعوى والوقائع والوسائل المثارة وترفق بالطلب المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء .
وفي حالة تقديم الطلب بمقال مكتوب ضد عدة مدعى عليهم وجب على المدعي ان يرفق المقال بعدد من النسخ مساوية لعدد الخصوم ويظل للقاضي الصلاحية – عند الاقتضاء – في تحديد البيانات غير التامة او التي وقع اغفالها .

ج- تسجيل المقال بكتابة الضبط :
ويجب تسجيل المقال الدعوى لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة، ويتولى كاتب الضبط تسليم المدعي وصلا بايداع المقال، يتكون من نسخة من المقال يوضع عليها خاتم كتابة الضبط وتاريخ الايداع مع بيان الوثائق المرفقة، او يمنح المساعدة القضائية طبقا للمسطرة المعمول بها في هذا المجال .
وتجدر الاشارة الى ان قانون 90/41 المحدث للمحاكم الادارية في مادته قد اعفى طلبات الغاء القرارات الادارية للشطط في استعمال السلطة من اداء الرسم القضائي .

ذ- تعيين قاضي مقرر لتحقيق في الدعوى .
بعد تسجيل مقال الدعوى يحيل رئيس المحكمة الملف حالا الى قاضي مقرر يقوم بتعيينه والى المفوض الملكي للدفاع عن الحق والقانون وذلك لمتابعة ملف الدعوى وفق النصوص التالية : 329-330 و334-335 و336 من قانون المسطرة المدنية المغربي .

اجراءات التحقيق :

يتخذ القاضي المقرر الاجراءات لجعل القضية جاهزة للحكم، ويامر بتقديم المستندات التي يرى ضرورتها للتحقيق في الدعوى، ويمكن له بناء على طلب الاطراف او حتى تلقائيا بعد سماع الاطراف او استدعائهم للحضور بصفة قانونية ان يامر باي اجراء للتحقيق من بحث او خبرة او حضور شخص دون مساس بما يمكن للمحكمة الادارية ان تامر به بعد ذلك من اجراءات في جلسة علنية او من غرفة المشورة .
وينبغي ان يجري التحقيق وفق مقتضيات الباب الثالث من القسم الثالث من قانون المسطرة المدنية المتعلقة باجراءات التحقيق .

2- الاجراءات المتعلقة بجلسات المحكمة الادارية :
لقد اشترط المشرع المغربي في جلسات المحاكم الادارية ان تنعقد وتصدر احكامها بصفة علنية، وان تشكل من ثلاثة قضاة يساعدهم كاتب ضبط ويتولى رئاسة الجلسة رئيس المحكمة الادارية او قاض تعينه للقيام بذلك الجمعية العمومية السنوية لقضاة المحكمة الادارية .
ويجب ان يحضر الجلسة المفوض الملكي للدفاع عن الحق والقانون وان يعرض هذا الاخير أراءه المكتوبة والشفوية على هيئة الحكم بكامل الاستقلال سواء فيما يتعلق بظروف الوقائع او النصوص القانونية المطبقة عليها ويعبر عن ذلك في كل قضية على حدة بالجلسة العامة ويحق للاطراف اخذ النسخة من مستنتجات المفوض الملكي بقصد الاطلاع، ولا يشارك المفوض الملكي في اطار الحكم .
وبصفة عامة تطبق امام المحاكم الادارية القواعد المقرر في قانون المسطرة المدنية[11] ما لم ينص على خلاف ذلك .

ثالثا : اختصاصات المحاكم الادارية [12]
تختص المحاكم الادارية وفق ما جاء به القانون المحدث لها بنوعين من الاختصاصات .
الاختصاص المحلي والاختصاص النوعي .

1- الاختصاص المحلي للمحاكم الادارية
تطبق امام المحاكم الادارية قواعد الاختصاص المنصوص عليه في الفصل 27 وما يليه من قانون المسطرة المدنية ما لم تنص على خلاف ذلك في نصوص خاصة .
واستثناء من ذلك ترفع طلبات الالغاء بسبب تجاوز السلطة الى المحكمة الادارية التي يوجد بها موطن طالب الالغاء، كما خص المشرع محكمة الرباط الادارية بالنظر في النزاعات الراجعة الى اختصاص المحاكم الادارية التي تنشا خارج دائرة اختصاص جميع هذه المحاكم [13].

وتكون المحكمة الادارية المرفوعة اليها الدعوى تدخل في دائرة اختصاصها المحلي مختصة ايضا بالنظر في جميع الطلبات التابعة لها او المرتبطة بها وجميع الدفوعات التي تدخل قانونا في الاختصاص المحلي لمحكمة ادارية اخرى، ولكن مع مراعاة الاستثناء المنصوص عليه في المادة 18 من القانون المحدث للمحاكم الادارية التي تقضي باختصاصها ايضا المحكمة العادية المرفوعة اليها الدعوى الاصلية بالبت في كل دعوى فرعية تهدف الى الحكم على شخص من اشخاص القانون العام بانه مدين للمدعي، كما يكون المجلس الاعلى المرفوعة اليه الدعوى تدخل في اختصاصه ابتدائيا وانتهائيا مختصا ايضا بالنظر في جميع الطلبات التابعة لها او المرتبطة بها وجميع الدفوعات التي تدخل ابتدائيا في اختصاص المحاكم الادارية .

2- الاختصاص النوعي للمحاكم الادارية

تختص المحاكم الادارية وفقا لما تنص عليه المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الادارية، مع مراعاة الاستثناءات الواردة في المادتين 9 و11 من القانون المذكور بالبت ابتدائيا .

في طلبات الغاء قرارات السلطات الادارية بسبب تجاوز السلطة

في دعاوي التعويض عن الاضرار التي تسببها اعمال ونشاطات اشخاص القانون العام ” ما عدا الاضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات ايا كان نوعها يملكها شخص او اشخاص القانون العام”

في النظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات، ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي ادارة مجلس النواب .

ما يخص تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات والضرائب ونزع الملكية لاجل المنفعة العامة .

بالبت في الدعاوي المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة .

بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة .

وبالنسبة لمحكمة الرباط الادارية فقد اوكل لها المشرع بالاضافة الى الاختصاصات العامة الواردة في المادة 8 حق النظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للاشخاص المعنيين بظهير شريف او مرسوم [14]، ولقد دعم المشرع الاختصاصات الواردة في المادة 8 بتوضيحات قانونية وذلك في الابواب التالية : 3-4-5-6-7 و8 من القانون المحدث للمحاكم الادارية .

الفرع الثاني
المجلس الاعلى ( الغرفة الادارية )
تمارس الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى نوعين من الاختصاصات باعتبارها اول واخر درجة واختصاصات اخرى تمارسها باعتبارها محكمة استئناف ادارية .

اولا : اختصاصات الغرفة الادارية باعتبارها اول واخر درجة
تظل الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى وفقا لما تنص عليه المادة 9 من القانون المحدث للمحاكم الادارية، مختصة بالبت ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الالغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة ب :
المقررات التنظيمية والفردية الصادرة عن الوزير الاول
قرارات السلطات الادارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة ادارية .

ثانيا : اختصاص الغرفة الادارية باعتبارها محكمة استئناف ادارية .
تختص الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى باعتبارها محكمة استئناف ادارية بالنظر في القضايا الادارية المستانفة لديها والصادرة عن المحاكم الادارية ويجب ان يقدم الاستئناف وفق الاجراءات وداخل الاجال المنصوص عليها في الفصل 134 وما يليه الى الفصل 139 من قانون المسطرة المدنية .

وتمارس الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى عندما تنظر في تلك الاحكام الادارية المستانفة لديها كامل الاختصاصات المخولة لمحاكم الاستئناف عملا باحكام الفصل 329 وما يليه الى الفصل 339 من قانون المسطرة المدنية ويزاول رئيس الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى والمستشار المقرر المعين من طرفه الصلاحيات الموكولة بالفصول المذكورة اعلاه الى الرئيس الاول بمحكمة الاستئناف والمستشار المقرر بها، كما تطبق احكام الفصل 141 والفصل 354 وما يليه الى الفصل 356 من قانون المسطرة المدنية امام المجلس الاعلى عندما ينحصر في احكام المحاكم الادارية المستانفة لديه .

وتعفى الاستئنافات الادارية المرفوعة الى المجلس الاعلى والغرفة الادارية من اداء الرسم القضائي، كما يمكن ان يقدمها محامون غير مقبولين لترافع امام المجلس الاعلى [15] .
اما عن اجراءات تنفيذ الاحكام الادارية بصفة عامة فقد اوكل بها المشرع بمقتضى المادة 49 من قانون 90/41 المحدث بموجبه محاكم ادارية الى كتابة ضبط المحكمة الادارية التي اصدرت الحكم المطلوب تنفيذه ويمكن للمجلس الاعلى والغرفة الادارية ان يعهد بتنفيذ قراراته الادارية الى اي محكمة ادارية .

المطلب الخامس
تجربة المحاكم الادارية بعد خمس سنوات على انشائها

( المحكمة الادارية بالدار البيضاء كنموذج ) .
لقد شكل الخطاب الملكي السامي لثامن مايو 1990 قفزة نوعية هامة في تدعيم البناء الديمقراطي بالمغرب وتطوير القضاء الاداري الذي يعتبر الدعامة الاساسية في استكمال بناء دولة الحق والقانون .
وهكذا، اعلن جلالته في الخطاب المذكور على انشاء سبع محاكم ادارية تغطي مجموع التراب الوطني عبر جهاته الاقتصادية السبع [16] في مرحلة اولى تكون انتقالية مع عزمه على تعميم هذا النوع من المحاكم ليشمل باقي عمالات واقاليم المملكة في مرحلة ثانية على ان تصبح المحاكم الحالية بمثابة غرف استئنافية لاحكام الاقاليم والعمالات .
وجاء الظهير الشريف رقم : 1.91.225 الصادر في 22 من ربيع الاول 1414 الموافق ل 10 شتنبر 1993 بتنفيذ القانون رقم : 90/41 المحدث بموجبه محاكم ادارية ليعلن في مادته الاولى عن : ” تحدث محاكم ادارية تحدد مقارها ودوائر اختصاصها بمقتضى مرسوم .

وتسري على قضاة المحاكم الادارية احكام الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم : 1.74.467 الصادر في 26 شوال 1394 ( 11 نونبر 1974 ) بتحديد النظام الاساسي للقضاة مع مراعاة الاحكام الخاصة الواردة فيه باعتبار خصوصية المهام المنوطة بقضاة المحاكم الادارية .

وهكذا انشئت سبع محاكم ادارية على الشكل الاتي :
محكمة ادارية بالرباط .
محكمة ادارية بالدار البيضاء .
محكمة ادارية بفاس .
محكمة ادارية بمكناس .
محكمة ادارية بوجدة .
محكمة ادارية بمراكش .
محكمة ادارية باكادير .

وبعد خمس سنوات من عمر هذه المحاكم يمكن القول من الان بانها كانت تجربة ناجحة بكل المعايير الموضوعية مع تسجيل بعض الثغرات نعتبرها طبيعية في مسيرة كل مولود جديد .
وهكذا نرى ومن اجل اعطاء فكرة ولو موجزة عن عمل هذه المحاكم نعطي مثلا بالمحكمة الادارية بالدار البيضاء باعتبار هذه المحكمة تغطي منطقة تمتد من المحيط الاطلسي الى سلسلة جبال الاطلس شرقا كما انها تعرف ساكنة كثيفة ونشطة فضلا على ان ولاية الدار البيضاء الكبرى التي تعتبر عصب الاقتصاد الوطني والقلب النابض له، تضم لوحدها ما يزيد على اربعة ملايين نسمة من السكان، ناهيك عن انها تضم اهم المؤسسات الاقتصادية والمكاتب والمؤسسات العمومية وهو ما يؤهلها لتكون القاطرة التي تقود قطار تطوير العمل القضائي الاداري بالمغرب .

الاختصاص الترابي للمحكمة

نصت المادة الاولى من المرسوم رقم : 2.92.59 المؤرخ في 18 من جمادى الاولى 1414 ( 3 نوفمبر 1993 ) تطبيقا لاحكام القانون رقم : 90/41 المحدث بموجب محاكم ادارية على انه :
يحدد عدد المحاكم الادارية بسبعة (7) محاكم يتعين مقارها ودوائر اختصاصها في الجدول الملحق بهذا المرسوم .
وقد نص في الضلع الثالث وما يليه من الجدول الملحق على دائرة نفوذ المحكمة الادارية بالدار البيضاء في الرقعة الترابية للعمالات والاقاليم التالية * :
عمالة الدار البيضاء انفا
عمالة الفداء درب السلطان
عمالة مشور الدار البيضاء
عمالة عين السبع الحي المحمدي
عمالة الحي الحسني عين الشق
عمالة ابن امسيك سيد عثمان
عمالة سيدي البرنوصي زناتة
عمالة المحمدية
عمالة اقليم بن سليمان
عمالة اقليم الجديدة
عمالة اقليم سطات
عمالة اقليم خريبكة
عمالة اقليم بني ملال
عمالة اقليم ازيلال
—————————————————————
احصائيات
1) بيان تفصيلي سنوي :
—————————————————————
السنة القضائية 1994 :
– القضايا المسجلة : 396
القضايا المحكومة : 120
الباقي : 276
التبليغ : 8
التنفيذ : 1
المراسلات الادارية : 1496
السنة القضائية 1995
القضايا المسجلة : 1341 + 276 قضايا من السنة الفارطة
القضايا المحكومة : 1042
الباقي : 575
التبليغ : 150
التنفيذ : 28
المراسلات الادارية : 3722
السنة القضائية 1996
– القضايا المسجلة : 1593+ 575 قضايا من السنة الفارطة
– القضايا المحكومة : 1352
– الباقي : 821
– التبليغ : 160
– التنفيذ : 30
– المراسلات : 6429
السنة القضائية 1997
– القضايا المسجلة : 2643 + الباقي من سنة 1996
– القضايا المحكومة : 2964
– الباقي : 505
– التبليغ : 1932
– التنفيذ : 34
– المراسلات الادارية : 5978
السنة القضائية 1998
القضايا المسجلة : 1658+ الباقي من سنة 1997
القضايا المحكومة : 1733
الباقي : 430
التبليغ : 266
التنفيذ : 61
المراسلات الادارية 4263