لماذا فلسفة القانون؟

الفقرة الأولى: ما هي الفلسفة؟

في البداية لنعرِّف العبارة. ماذا تعني الكلمة؟ الفلسفة في الاشتقاق اليوناني الأصلي تعني “حب المعرفة”. عمر عمل الفلسفة من عمر الإنسان. منذ القِدم القِدم والإنسان يمارس هذا النشاط الفكري الذي يصعب تحديده. لا أحد استطاع إيجاد تحديد واضح ونهائي للفلسفة لأن المسألة مرتبطة بفكر كل فيلسوف أو كاتب وبمنهجه. يمكننا اقتراح هذا التعريف: الفلسفة هي معرفة شاملة تطمح إلى تقديم تفسير شامل للعالم وللوجود الإنساني، كما هي أيضاً تساؤل بامتياز حول كافة أمور الحياة. أما أهدافها فهي بنظر البعض البحث عن الحقيقة، أو عن الخير بنظر البعض الآخر أو عن الجمال. وأيضاً عن معنى الحياة والسعادة. الفلسفة هي التفكر الدائم وعرض الأفكار على الآخرين المعارضين لأفكارنا بهدف إثارة الجدل. الفلسفة هي أيضاً خلق المفهومات وتحليلها.

الفقرة الثانية: لماذا الفلسفة

في العصور القديمة كانت المعارف مندمجة في بعضها البعض تحت إشراف أم العلوم ونعني الفلسفة التي كانت تمثل في آن العلوم الصحيحة والعلوم الإنسانية بمجملها: الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، التاريخ، الجغرافيا، التربية، الشعر، أضف إلى ذلك قيم الجمال والحسن والأخلاق والعدل، الخ… كان ينبغي أن يلم الحكيم بكل هذا كي يدخل باب الفلسفة الملوكي.

الفقرة الثالثة: العلاقة بين الفلاسفة والقانون

لا يحب الفلاسفة لا القانون ولا العاملين في القانون لأنهم مثاليون يتطلعون إلى مدينة فاضلة لا نزاعات فيها ولا محاكم. هذا هو رأي فيلسوف القانون شارل برلمان: قلة نادرة هم الفلاسفة الذين يحفظون مكاناً لصيرورة صناعة وتطبيق القانون لأن الفلاسفة، تقليدياً، يبحثون في الحقيقة، في الكينونة، في الخير وفي العدل المطلق، وهكذا فهم يصبون إلى بناء منظومة نظرية ومثال اجتماعي يعفي البشر من اللجوء إلى التقنيات القانونية.

الفقرة الرابعة: القانونيون والفلاسفة

من الشائع أن الفلسفة بعيدة بامتياز عن مجال القانون، أي أن العاملين في القانون (قضاة، فقهاء ومحامون) نادراً ما يشعرون بالحاجة لبلورة أفكار فلسفية لدعم حججهم. ويُعتقد أن الانتماء الوضعي (الانتماء إلى المذهب الوضعاني) لكبار فقهاء القانون (جيز، دوغي، باتيفول..) كان يمنعهم من الإفراط في إدخال تحاليل فلسفية. ولكن إذا نظرنا إلى هذا الأمر بعمق لوجدنا أن الفلسفة ليست غائبة إطلاقاً عن مقاربتهم للقانون. سواء تمَّ التعبير عن ذلك صراحة أم لا فإن الفلسفة هي الحاضر دوماً في أي نص قانوني وفي أي مجال اختصاصي: قانون مدني، جزائي، تجاري. الفلسفة حاضرة في أي نص متعلق بالإفلاس ومفاعيله على سبيل المثال، بالقتل عمداً، بالقبول الضمني في العقود، الخ..

سواء في صياغة القاعدة القانونية أم في الأحكام الصادرة عن المحاكم مكان الفلسفة محجوز: أوليس العدل هو غاية القانون، وإن كانت مقاربته مختلفة من شخص لآخر.