العقد الإلكتروني و موقف القانون العراقي منه

المحامية: منال داود العكيدي
كان من اثار تطور وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية انتقال العلاقات القانونية من المحيط الوطني الداخلي للدولة الى المحيط الدولي الواسع الالكتروني كما انها خرجت عن الاطار التقليدي لابرامها وتنفيذها فبعد ان كانت تتم بوسائل مادية ورقية اصبحت اليوم تسودها الوسائل الالكترونية منها التلكس والفاكس والانترنيت وهذا بالطبع اثار العديد من المشاكل نتج ايضا عن سعة الاستعمال لتلك الوسائل وهذا استدعى وجود قواعد تتناسب مع حجم تلك المشاكل ..

و يعرف العقد الالكتروني على انه ( الاتفاق الذي يتلاقى فيه الايجاب بالقبول على شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد ، وذلك بوسيلة مسموعة او مرئية ، بفضل التفاعل بين الموجب والقابل ) ،فالعقد الالكتروني لا يخرج عن كونه ( اتفاق ارادتين او اكثر على إنشاء التزامات ) لذا فهو لا يختلف عن العقد المدني التقليدي من ناحية كونه ينشىء التزامات متبادلة اما من ناحية اركان العقد الالكتروني فهــــي ذات اركان العقد المـــــدني ( تراضي ، محل ، سبب ) ، الا اننا نجد الاختلاف واضحا في ركن الرضا لا من حيث توافره وانما من حيث اختلاف وسيلة التعبير عن ارادتي الطرفين الايجاب والقبول الذي يؤدي الى نشوء عقبات تواجه القضاء تتعلق في ضبط مسالة زمان العقد ومكانه.

وبالتالي وجود فاصل زمني بين صدور الايجاب واتصال ذلك بعلم من وجه اليه وكذلك بالنسبة للقبول فقد توجد فترة زمنية بين اعلان القبول وعلم الموجب به وهذا يجعل من الصعوبة بمكان تحديد وقت ارسال واستقبال رسالة البيانات الالكترونية في حالة التعاقد الالكتروني وقد ورد في القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 في المادة 88 منه نصا عاما يشير الى التعاقد عبر وسائل الاتصال حيث تنص على ( التعاقد بالتلفون او اي وسيلة اتصال اخرى يعد تعاقد بين غائبين في المكان وحاضرين في الزمان ) وهذا النص اشار ضمنا الى العقود الالكترونية والية انعقادها بينما اشارت المادة 11 / فقرة 1 من قانون المعاملات الالكترونية العراقي المرقم 78 لسنة 2012 الى تعريف العقد الالكتروني بقولها : ( العقد الالكتروني : ارتباط الايجاب الصادر من احد العاقدين بقبول الاخر على وجه يثبت اثره في المعقود عليه والذي يتم بوسيلة الكترونية ). فضلا عن ان شروط صحة الرضا والمحل والسبب هي ذاتها في العقود المدنية والالكترونية .

وبهذا فان العقود الالكترونية لا تعتبر صورة جديدة من العقود وانما هي ذات العقود التقليدية المعروفة مع اختلاف وسيلة التعاقد بينهما ، فالاخيرة تجري في ظل اجراءات وطرق عادية تستند الى الكتابة الورقية اما العقود الالكترونية فانها تتم بصورة الكترونية دون وجود تبادل لمحرر كتابي كالوثائق والمستندات .

وقد اتجهت اغلب التشريعات ومنها القانون العراقي الى ان التوقيع الالكتروني في العقود الالكترونية له حجية في الاثبات شأنه في ذلك شان التوقيع التقليدي الذي يرد في العقود العادية فقد نصت المادة الرابعة / الفقرة الاولى من قانون التوقيع والمعاملات الالكتروني العراقي لسنة 2012 ( يعد التوقيع صحيحا وصادرا من الموقع اذا وجدت دلالة كافية على موافقة الموقع على ما ثبت في هذا المحرر الالكتروني ) وقد اعتبرت الفقرة الثانية من المادة اعلاه ان التوقيع الالكتروني له حجية مشابهة للتوقيع الخطي فيما يتعلق بالمعاملات الادارية والتجارية والمدنية.

وهناك عدة استثناءات اوردها قانون المعاملات الالكترونية المذكور اعلاه في المادة الثالثة منه وهذه المسائل تتعلق بالاحوال الشخصية كالزواج والطلاق والمواد الشخصية والمسائل المتعلقة الوصايا والوقف وتعديل احكامها وكذلك ما يتعلق بالاموال الغير منقولة بما في ذلك الوكالات المتعلقة بها وسندات ملكيتها وانشاء الحقوق العينيه عليها باستثناء عقود الايجار الخاصة بهذه الاموال كون ان الاحكام المتعلقة بهذه المسائل هي قواعد امرة لايجوز الاتفاق على مايخالفها حتى وان كان العقد الالكتروني المتعلق بمسائل الاحوال الشخصية قد جرى بين اجانب او كان قد تم خارج العراق فلا يجوز الاحتجاج به امام القضاء العراقي.

اما بالنسبة للاستثناء الوارد على الاموال الغير منقولة وما يتعلق بها فقد كانت العلة من استثنائها من نطاق سريان قانون التوقيع الالكتروني العراقي المذكور اعلاه هي انها تتطلب شكليات معينة وهذا سيوفر لها الحماية الكافية للمتعاقدين من الغش والاحتيال عند ابرام العقد الالكتروني فضلا عن ان هذه الاموال تعتبر جزءا من الثروة القومية كما يعد العقار جزءا من اقليم الدولة الذي يعد احد ركانها ولهذه الاسباب كان موقف المشرع العراقي حاجزا الاختصاص للقانون العراقي في قانون التوقيع الالكتروني والمعاملات الالكترونية الاخيرة.

كما نجد ان المشرع العراقي في القانون الاخير اخرج المسائل الاجرائية من نطاق تطبيقه ايضا اذا نصت المادة (3/2) على انه (لاتسري احكام هذا القانون على ما ياتي : اجراءات المحاكم والاعلانات القضائية والاعلانات بالحضور واوامر التفتيش واوامر القبض والاحكام القضائية) وهذا النص ما هو الا تطبيق للقواعد العامة .