بحث و دراسة عن الظروف المشددة و الاعذار المخففة لجريمة القتل العمدي في قانون الجزائري

مقدمــة

إن جريمة القتل لا ريب أنها من أفضع الجرائم على الإطلاق، وأقدمها على وجه البسيطة إذ تعود إلى ما روي عن نبأ بني آدم في قوله تعالى في سورة المائدة، الآية 22 “فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من النادمين”.

ومما لاشك فيه أيضا أن أطماع النفس وأهوائها قد تحيد بها عن الطريق السليم، لهذا كان لابد من وجود ضابط يكبحها، فتكفلت الشرائع السماوية بذلك فوضعت معيار العقاب تلتها بعد ذلك القوانين الوضعية هادفة إلى المحافظة على المجتمع وحمايته، ففرضت الجزاء على من يقترف جريمة تخالف نظمه وأحكامه، هذا الجزاء الذي تطور مع مرور الأزمان والعصور تطورا سريعا مما جعل المشرع ينشط في بيان الأسباب التي دعت إلى وجوده والأفعال التي يطبق عليها وتفصيل كل ما يمكن أن يتداخل في تحديده وأخيرا بيان تلك الظروف التي قد تؤثر فيه تشديدا أو تخفيفا أو إعفاءا كليا منه.

لأجل كل هذا فإن المشرع الجزائري على غرار التشريعات الأخرى قدر سلفا أن هناك ظروفا تقترن بالجريمة وتلازمها وتلازم مرتكبيها فتؤثر على وجه الخصوص على العقوبة، فنص على عدة ظروف جعلها سببا للتشديد أو التخفيف، إلا أن سياسته في بيان ذلك اقتصرت على ذكرها بمناسبة تحديد بعض الجرائم ولم يضع لها نظرية عامة تنظمها الأمر الذي جعل كلا من الفقه والقضاء يتولى البحث لكي يصل إلى دقائق وجزئيات الظروف المشددة والأعذار المخففة التي قد تحيط بالجريمة والتي قد يلتمسها على وجه الخصوص رجال القضاء عند ممارستهم لمهامهم وتطبيقهم لمواد قانون العقوبات التي توحي أحيانا بالتوسع في مثل هذه الظروف وبالتطبيق أحيانا أخرى وفي هذا اختلاف في التفسير.

وقد يكون هذا هو الإشكال الرئيسي الذي يصادفه القاضي في حياته العملية إذا ما اقترنت الجريمة المطروحة عليه بظروف وملابسات يصعب تفسيرها ما إذا كانت تدخل ضمن الظرف الذي قصده المشرع في مواده فتشدد العقوبة أو تخفف أم أنه لا يدخل في المعنى المقصود فيلتزم بتطبيق العقوبة كما حددها القانون للجريمة البسيطة، غير المقترنة بأي ظرف.

وإيمانا منا بأهمية الموضوع وما يطرحه من إشكاليات في الحياة العملية وإيمانا منا كذلك بفضاعة جريمة القتل العمد وانتشارها الواسع في الوقت الراهن فقد وقع اختيارنا على موضوع الظروف المشددة والأعذار المخففة لجريمة القتل العمد في القانون الجزائري.

وقد حرصنا على أن يكون هذا البحث شاملا وجامعا لكل جزئيات هذا الموضوع، كل ذلك في بيان سهل في خطة مبسطة متبوع برأي الفقه والقضاء أي الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا وقرارات المجالس القضائية التي أحطناها بتعليق منا، وبطبيعة الحال سوف نعالج هذا الموضوع من خلال مواد قانون العقوبات الجزائري المنظمة له.

وسوف نستعرض في الفصل الأول من هذه الدراسة الظروف المشددة لجريمة القتل العمد، ونخصص الفصل الثاني إلى الأعذار القانونية المخففة لجريمة القتل العمد.

الفصل الأول:
الظروف المشددة لجريمة القتل العمد في القانون الجزائري.

الظروف المشددة هي تلك الوقائع أو الملابسات التي إذا ما اقترنت بالجريمة شددت عقوبتها سواء كان هذا التشديد مغيرا لوصف الجريمة أو مبقيا لهذا الوصف.

وقد صدر قرار عن الغرفة الجنائية الأولى بالمحكمة العليا بتاريخ : 18/04/1984 في الطعن رقم 646-36 جاء فيه: “يعتبر ركنا من أركان الجريمة العنصر الذي يشترط توافره لتحقيقها بينما يعد ظرفا مشددا العنصر الذي يضاف إلى أركان الجريمة ويشدد عقوبتها”(1)

والظروف المشددة نوعان(2): ظروف مشددة خاصة وتنقسم إلى ظروف واقعية وظروف شخصية وظرف مشدد عام ويتعلق الأمر بظرف العود.

وجريمة القتل العمد من الجرائم التي شدد المشرع الجزائري عقوبتها إذا ما اقترنت بها بعض الظروف التي أشارت إليها مواد قانون العقوبات على سبيل الحصر والتي يجوز للقاضي فيها أن يتجاوز الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا لجريمة القتل العمد البسيط بل يجب عليه ذلك، فالظروف المشددة هي وجوبيه للقاضي بحيث تلزمه إذا توافرت بتطبيقها وترتيب أثرها برفع عقوبتها إلى الحد الذي قرره القانون.

وسوف نتناول الظروف المشددة لجريمة القتل العمد من خلال المباحث التالية:

المبحث الأول: الظروف المشددة بالنظر إلى النية المبيتة لدى الجاني.

المبحث الثاني: الظروف المشددة بالنظر إلى الوسيلة المستعملة.

المبحث الثالث: الظروف المشددة بالنظر إلى الغرض المراد الوصول إليه
من طرف الجاني.

المبحث الرابع: الظروف المشددة بالنظر إلى صفة المجني عليه.
(1) أنظر المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد 02 لسنة 1990 ص:242.
(2) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي العام، طبع الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002، ص: 258 و 259، فقد عرف الظروف المشددة الواقعية هي تلك التي تتصل بالوقائع الخارجية التي رافقت الجريمة وهذه الظروف تغلظ إجرام الفعل أما الظروف المشددة الشخصية فهي ظروف ذاتية تتصل بالصفة الشخصية للفاعل والشريك ومن شأنها تغليظ عقوبة من تتصل به.

المبحث الأول: الظروف المشددة بالنظر إلى النية المبيتة لدى الجاني.

تنص المادة 255 من ق.ع.ج. على أن: “القتل قد يقترن بسبق الإصرار أو الترصد”. ويتضح من نص هذه المادة أن القتل العمد يرجع في هذه الحالة إلى النية الداخلية لدى الجاني والتي تتضح وتتجلى من خلال إصراره على ارتكاب الجريمة أو ترصده بالمجني عليه.

وسبق الإصرار والترصد من الظروف التي لا يمكن اكتشافها أو إثباتها إلا إذا توجت بمظاهر خارجية وهي الأفعال المادية التي تقع من الجاني والتي تدل على ما كان يضمره في نفسه من قبل(1) وسوف نتناول أحكام الظرفين المشددين الواردين في المادة 255 ق.ع فنتكلم في المطلب الأول عن ظرف سبق الإصرار وفي المطلب الثاني عن ظرف الترصد.

المطلب الأول:
القتل مع سبق الإصرار.

عرفت المادة 256 ق.ع.ج. سبق الإصرار بأنه: “عقد العزم قبل ارتكاب الفعل على الاعتداء على شخص معين أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته وحتى لو كانت هذه النية متوقفة على أي ظرف أو شرط كان”(2).

أول ما يلاحظ أن هذه المادة تضمنت تعريفا لظرف سبق الإصرار ولكن ليس كظرف خاص بالقتل العمد وحده وإنما يمتد إلى أي جناية أو جنحة عمدية يقرر المشرع تشديد عقوبتها عند توافر سبق الإصرار، كما هو الحال في جرائم الضرب والجرح العمدي المنصوص عليها بالمادة 265 ق.ع.

والسؤال الذي يطرح في شأن المادة 265 ق.ع. هو ما مدى ضرورة ذكرها في الحكم ؟

لم نعثر على قرار للمحكمة العليا يفصل في هذه الإشكالية غير أن القضاء المصري(3) قد فصل فيها إذ قرر بأن ذكر المادة المتعلقة بظرف سبق الإصرار ليس ضروريا كونها لا تتضمن عقوبة أو جزاء معينا إلا أنه وحسب رأينا وخلافا لما جاء في الإجتهاد المصري السابق الذكر وإن كان فعلا نص المادة 256 ق.ع يعطي تعريفا وليس جزاءا معينا إلا أنه وفي نفس الوقت يعد الحدود التي رسم بموجبها المشرع الخطوط الرئيسية للقاضي عند تقديره لهذا الظرف وعليه فإننا نرى ضرورة أن يذكر في الحكم القاضي بإدانة المتهم من أجل جناية القتل مع سبق الإصرار نص المادة 256 ق.ع إلى حين صدور قرار عن المحكمة العليا يفصل نهائيا في هذا التساؤل.

(1) أنظر د: سيد البغال الظروف المشددة والمخففة في قانون العقوبات فقها وقضاءا دار الفكر العربي ص: 113.
(2) تقابلها المادة 297 ق.ع فرنسي، 231 ق.مصري، أما الشريعة الإسلامية والنظام الأنجلو سكسوني فلم يعرفا سبق الإصرار.
(3) أنظر د:سيد البغال، موسوعة التعليقات على قانون العقوبات والقوانين المكملة ج 01، دار الفكر العربي ص 489.

الفرع الأول: عناصر سبق الإصرار.

العنصر الأول: العزم أو التصميم السابق.
وهو العنصر الذي أشار إليه المشرع في سياق عباراته فقال:”سبق الإصرار هو عقد العزم قبل ارتكاب الفعل…” فهو يقتضي مرور مدة من الزمن تمضي بين العزم على ارتكاب الجريمة وبين تنفيذها فعلا.

العنصر الثاني: التفكير والتدبير.
فعلى الرغم من عدم تطرق المشرع لهذا العنصر في نص المادة 256 ق.ع إلا أن جل الفقهاء بما فيهم المصريون والفرنسيون اتفقوا على وجوب توافره لكي يتوفر الظرف المشدد إذ يجب أن يكون الجاني قد تدبر وفكر فيما يريد إتيانه ورتب عواقبه ثم ينفذ جريمته فعلا وهو مطمئن هادئ البال(1).

فالعبرة إذن لا بالزمن طال أم قصر بل بالزمن الكافي للتدبير والتفكير وبناءا على ذلك قضي في فرنسا باستبعاد سبق الإصرار في حالة القتل المرتكب تحت تأثير الهوى(2).
وسبق الإصرار بهذا المعنى ليس هو القصد الجنائي إنما هو في جوهره أمر نفسي آخر يحيط بالقصد الجنائي(3).

الفرع الثاني: ما لا يؤثر في قيام سبق الإصرار.

متى توفر لسبق الإصرار عنصراه الزمني والنفسي (عنصر التفكير والتدبير)، يتحقق الظرف وينتج أثره في تشديد العقوبة، ولا يؤثر في قيامه بعد ذلك أن يكون قصد القاتل محددا بإنسان معين أو غير معين وهذا ما جاء صراحة في نص المادة 256 ق.ع عند قولها:”أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته”.

وتطبيقا لذلك فقد قضي بتوافر ظرف سبق الإصرار في حق المتهمة (ب، ف) التي أصدرت محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة(4) في حقها حكما بالإعدام لأجل اقترافها لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار، حيث أننا وبرجوعنا إلى قرار الإحالة الصادر عن غرفة الإتهام للوقوف على ملابسات القضية، تبين أن المتهمة فعلا كانت قد فكرت في أمر جريمتها وخططت لها انتقاما لابنتها التي سبق الاعتداء عليها جنسيا من أحد أفراد عائلة الضحية، فعقدت العزم منذ تلك الواقعة على أن تثأر لإبنها، فضلا على ذلك فإن النية المبينة من طرف القاتلة لم تكن مقتصرة على الضحية بل أنها عقدت العزم على أن تقتل أي شخص من عائلة الضحية يأتي إلى منزلها، فهذا مفاده وأن المجني عليها كانت ممن شملهم التصميم السابق وعليه يكون هذا القتل وليد إصرار سابق لذلك أصاب قضاة المجلس عند إجابتهم عن السؤال المتعلق بالظرف المشدد بنعم بالأغلبية “الإيجاب”.
(1) أنظر د: احسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي الخاص، الجزء الأول، دار هومة، ص: 27 + د: محمد صبحي نجم، شرح قانون العقوبات الجزائري، قسم خاص، الطبعة الثانية، ص 44، ديوان المطبوعات الجامعية، + د: رؤوف عبيد ص: 58، وفي الفقه الفرنسي Michel Véron, Droit Pénal Spécial, 07ème édition armand colin, p 25.
(2) أنظر: د.احسن بوسقيعة، المرجع السابق ص: 27 + Michel véron Op.cit p M 25.
(3) إذ أن هناك جانبا من الفقه ركز لا على عنصر الهدوء والتفكير لدى الجاني بتوافر سبق الإصرار بل على استمرارية القصد الجنائي وإلحاح فكرته على صاحبه وعدم العدول عنه. أنظر د. رمسيس بهنام، بعض الجرائم المنصوص عليها في المدونة العقابية- الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية والعدوان على الناس في أشخاصهم وأموالهم، الناشر المعارف الإسكندرية ص 359.
(4) حكم صادر عن محكمة الجنايات لمجلس قضاء تبسة بتاريخ 01/07/2002 قضية رقم 30/2002.

كذلك لا ينال من توفر ظرف سبق الإصرار أن يكون باتا أو معلقا على شرط مثال ذلك أن تصمم امرأة على قتل عشيقها إن لم يتزوج بها أو التصميم على قتل إنسان إذا عاد إلى قرية بعد هروبه منها(1).

وأخيرا لا أثر للغلط في الشخص أو الشخصية فالقتل يعتبر مقترنا بسبق الإصرار ولو أصاب القاتل شخصا غير الذي صمم على قتله أو أخطأه وأصاب غيره.

كما أن رضا الضحية لا يمنع قيام سبق الإصرار كحالة القتل بدافع الشفقة أو بطلب منه بل إنه يظهر جليا وواضحا وجود تفكير وتنظيم سابق في مثل هذا الفعل(2).

لذلك فقد قضي بتوافر سبق الإصرار لوجود ضغينة سابقة بين القاتلة والمقتولة(3)، كما حكم بتوافره أيضا من إعداد آلة القتل والسلاح المسبق(4) أيضا ثم إثبات توافره من تدبير الجناة لقتل المجني عليه وذلك باستدراجه للركوب معه في سيارته لتنفيذ ما عقدوا العزم عليه(5).

– فمتى ثبت توافر سبق الإصرار فعلى المحكمة أن تستظهره بسؤال يشترط أن يكون مستقل ومتميز، وهذا ما قضت به المحكمة العليا في القرار الصادر عن الغرفة الجنائية والذي جاء فيه: “إذ كان السؤال المطروح على المحكمة قد تضمن فعلا رئيسيا وهو القتل العمد وظرفا مشددا، وهو سبق الإصرار، فإن مثل هذا السؤال يعد متشعبا ويؤدي إلى النقض(6)”.

كما صدر عنها قرار آخر بتاريخ 6 نوفمبر 1984 في الطعن رقم 506-35 جاء فيه:”كما يشترط أن يكون كل فعل وكل ظرف مشدد محل سؤال مستقل ومتميز حتى يتمكن أعضاء محكمة الجنايات من الإجابة عليه بكل ارتياح واطمئنان”(7).

– ولا يشترط أن يذكر لفظ سبق الإصرار صراحة فيمكن أن يكون السؤال يتضمن العبارات الدالة على قيامه عند المتهم.

فكل متهم متابع بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار فإنه يجب أن يطرح السؤال عن أركان القتل ثم سؤال مستقل ومميز عن الظرف المشدد كما يلي.
(1) أنظر: د علي عبد القادر القهوجي ود. فتوح عبد الله الشاذلي، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص الجرائم المضرة بالمصلحة العامة وجرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال، دار المطبوعات الجديدة، الاسكندرية ص 68. وفي هذا المعنى فقد قضت محكمة النقض المصرية بأن إصرار المتهم على استعمال القوة على المجني عليهما إذا منعاه من إزالة السد وتصميمهما على ذلك منذ اليوم السابق ثم حضوره فعلا إلى محل الحادث ومعه سلاح ليدل على سبق الإصرار كما عرفه القانون.
(2) أنظر:Michel véron op cit p 25.
يلاحظ أن قانون العقوبات الجزائري لم ينص على هذا الظرف المخفف في القتل العمد ولم يخفف العقوبة على القاتل إذا ما قتل المجني عليه إشفاقا أو حتى بناءا على طلب منه وذلك لأنه لا يعتد بالباعث على القتل وهذا ما يجعل الفاعل في أغلب الأحوال واقعا تحت سلطان النصوص العادية للقتل بل وخاضعا للظروف المشددة التي ترفع من العقوبة بدلا من تخفيضها كظرف سبق الإصرار، وأن القتل بدافع الشفقة قد أثار جدلا كبيرا بين الفقهاء، أنظر في ذلك الدكتور: أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي الخاص، المرجع السابق، ص 15 وما يليها + القسم الخاص في قانون العقوبات لرمسيس بهنام، ص 344 وما بعدها.
(3) حكم صادر عن محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة بتاريخ 01/07/2002 قضية رقم 30/2002.
(4) حكم صادر عن محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة بتاريخ 02/12/2003 قضية رقم 24/2003.
(5) حكم صادر عن محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة بتاريخ 06/7/2003 قضية رقم 28/2003.
(6) جنائي 24 مارس 1981 نشرة القضاة 1982 ص 203 أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة، قانون الإجراءات الجزائية في ضوء الممارسة القضائية. الطبعة الثانية، طبع الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002 ص 116.
(7) أنظر المجلة القضائية للمحكمة العليا- العدد الأول سنة 1989 صفحة 314.

السؤال الأول: هل أن المتهم مذنب لإرتكابه بتاريخ ……..ومنذ زمن لم يمض عليه أهم التقادم بالمكان……اختصاص……محكمة……بمجلس قضاء…….محكمة الجنايات….جريمة القتل العمد وهي إزهاق روح الضحية الفعل المنصوص والمعاقب عليه بالمادة 254 ق.ع.

السؤال الثاني: هل أن المتهم مذنب لإرتكاب بنفس الظروف الزمانية والمكانية المذكورة فعل القتل العمد مع ظرف سبق الإصرار المنصوص عليه بالمادة 256 ق.ع.
-ومتى انتهت المحكمة إلى توفر سبق الإصرار بأن أجيب عن السؤال المتعلق به بالإيجاب فإنه يتعين عليها ترتيب أثره من حيث تشديد العقاب ورفعه إلى الإعدام طبقا للمادة 261 ق.ع/01. وهذا ما يتضح من مراجعة نص المادة السابقة الذكر باللغة الفرنسية الذي استخدم لفظ « Assassinat » أي القتل اغتيالا والذي يعبر عن ظرفي سبق الإصرار أو الترصد كما جاء في المادة 25 ق.ع.
-وبعدها ليس للمحكمة العليا إذا ما تم الطعن بالنقض في حكم من الأحكام المتعلقة بجريمة القتل مع ظرف سبق الإصرار. إلا مراقبة طريقة طرح السؤال أما ما توصلت إليه المحكمة من اقتناع حول توافر الظرف من عدم توافره فلا رقابة للمحكمة العليا عليه. ذلك أن الأمر يتعلق بمسألة اقتناع شخصي لقضاة محكمة الجنايات طبقا للمادة 307 ق.إ.ج.
المطلب الثاني: القتل مع الترصد.
الترصد حسب ما عرفته المادة 257 ق.ع هو:” انتظار شخص لفترة طالت أو قصرت في مكان أو أكثر وذلك لإزهاق روحه أو الإعتداء عليه”(1).

أول ما يلاحظ أن ظرف الترصد كسبق الإصرار ظرف مشدد ليس خاصا بجريمة القتل العمد فقط بل يطبق على جرائم أخرى التي قرر المشرع تشديد عقوبتها إذا توفر هذا الظرف كجرائم الضرب والجرح العمدي.

وإن العلة من اعتباره ظرفا مشددا في نظر الرأي الغالب في الفقه(2) هو المفاجئة والمباغثة التي تمكن الجاني من الإقتناص من غنيمة دون صعوبة فهو ظرف يبلور لنا خطورة الجاني لما يكنه في نفسه من غدر ونذالة.

الفرع الأول : عناصر الترصد.

قيام الترصد يستلزم توافر عنصرين:

العنصر الزمني: مؤداه أن ينتظر الجاني ضحيته فترة من الزمن طالت أو قصرت قبل أن ينفذ جريمته وهذا ما هو واضح في نص المادة 257 بقولها: “انتظار شخص لفترة طالت أو قصرت….”.

(1) تقابلها المادة 232 ق.ع مصري، كما بينت مدلوله محكمة النقض المصرية حين قضت بأن “العبرة في قيام الترصد هي تربص الجاني وترقبه للمجني عليه فترة من الزمن طالت أم قصرت في مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى الإعتداء عليه دون أن يؤثر في ذلك أن يكون الترصد في مكان خاص بالجاني (أنظر د.علي عبد القادر القهوجي ود.فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 76 + د.أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 28.
(2) أنظر د.إسحاق ابراهيم منصور شرح قانون العقوبات الجزائري الطبعة الثانية 1988 ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ص 30 + د.أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 28 + د. محمد صبحي نجم المرجع السابق ص 45.

العنصر المكاني: مقتضاه انتظار الجاني للمجني عليه في مكان ما يمكنه من تنفيذ جريمته، ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا المكان لا يتطلب شروطا خاصة فقد يكون مكانا عاما مثل مسجد، مستشفى أو محطة الحافلات،…وقد يكون خاصا كمنزل أو سيارة…وقد يكون هذا المكان مملوكا للمجني عليه أو لغيره أو للجاني نفسه، وقد يكون المكان منفردا بعيدا عن العمران وقد لا يكون كذلك(1).

كما أنه لا يشترط أن يكون الجاني متخفيا ذلك أن الاختفاء ليس شرط من شروط الترصد(2) فالمهم هو عنصر المفاجئة والمباغتة.

العنصر الغائي: لقد جاء في نص المادة 257 العبارة التالية: “…..وذلك لإزهاق روحه”. ويتبين من قراءتها أنه يجب لتوافر ظرف الترصد أن يكون الهدف أو الغاية من تواجد الجاني في هذا المكان هو الإعتداء على حياة الغير، وعليه فإنه لا يكفي لتوافر الترصد أن ينتظر الجاني لساعات عديدة أمام منزل المجني عليه في مقهى ولما قدم المجني عليه قتله، لأنه قد يكون جلوس الجاني في هذا المكان عرضا أو بحكم العادة مع أصدقائه دون أن تكون لديه نية القتل، فلما رأى المجني عليه قادما ثارت ثائرته وقتله في الحال(3).

الفرع الثاني : مقارنة بين ظرف الترصد وظرف سبق الإصرار.

– من تعريف الترصد وسبق الإصرار على النحو الذي سبق، نستنتج وأن كلاهما ظرفا مشددا لجريمة القتل العمد ولكن هناك بعض الاختلاف بينهما، إذ يعد سبق الإصرار من الظروف الشخصية التي تتصل بالركن المعنوي للجريمة في حين الترصد ظرف عيني يتعلق بالركن المادي وبالنظر إلى ذلك فإن أثره ينصرف طبقا للقواعد العامة إلى كل المساهمين في الجريمة فاعلين أصليين أم شركاء، علموا به أم لم يعلموا به وذلك على عكس سبق الإصرار الذي يقتصره أثره على من توافر فيه فقط لأنه ظرف شخصي.

إلا أنه صدر قرار مبدئي عن الغرفة الجنائية للمحكمة العليا بتاريخ 29/04/2003 تحت رقم303401 يقضي بجعل سبق الإصرار والترصد في جريمة القتل العمدي ظرفين مشددين شخصيين يتعلقان بالفاعل الأصلي وحده ولا تجوز معاقبة الشريك بهما(4).

– والرأي السائد في القضاء الفرنسي وجانب من الفقه أن الترصد نوع من سبق الإصرار لأجل ذلك استقر على أنه لا ترصد دون سبق إصرار(5). بمعنى أنه حيث يتوافر الترصد يتوافر سبق الإصرار بالضرورة وأن الثاني يحوي الأول.

(1) أنظر د. علي عبد القادر القهوجي + د.فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 76.
(2) لذلك قضي في مصر بأنه يعتبر متربصا من ينتظر المجني عليه على مرأى من الناس ويفاجئه بالقتل العمد (أنظر د.أحسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجنائي الخاص المرجع السابق ص 28 + د.إسحاق ابراهيم منصور المرجع السابق ص 30).
(3) أنظر الدكتور علي عبد القادر القهوجي والدكتور فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 74.
(4) أنظر الإجتهاد القضائي للغرفة الجنائية عدد خاص 2003 المحكمة العليا قسم الوثائق ص 118.
(5) أنظر د. أحسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجنائي الخاص المرجع السابق ص 28.
كنتيجة لذلك فقد رأى الأستاذ بن شيخ لحسين(1) أنه إذا كان تصريح محكمة الجنايات إيجابيا فيما يخص سؤال الترصد و بالنفي حول سؤال سبق الإصرار فإنه يكون متناقضا. إلا أن هذا الرأي انتقد من طرف بعض الفقهاء(2) الذين يرون وأنه من الجائز أن يقترن القتل العمد بترصد دون سبق إصرار كمن ينتظر خصمه عقب مشاجرة بينهما ويقتله وهو في ثورة غضبه فيكون هذا القتل مصحوبا بترصد وحده دون سبق إصرار وذلك كون أهم عناصر سبق الإصرار اختفى في الترصد وهو عنصر هدوء البال، فحسب هذا الرأي أنه لا يصح القول أن الترصد عنصر من سبق الإصرار.

في حين الكل يتفق على إمكانية توفر سبق الإصرار دون أن يصحب ترصد.
وأمام الاختلاف المطروح حول ما إذا كان الترصد عنصر من سبق الإصرار وأمام غياب اجتهاد قضائي صادر عن المحكمة العليا يؤكد وأن الترصد نوع من سبق الإصرار، فإنه حسب رأينا أن كلا من الطرفين مستقلين ولا تداخل بينهما وإن كنا في الغالب والواقع العملي نجد اقتران الترصد بسبق الإصرار إلا أن هذا التلازم ليس حتميا خاصة وأن المشرع نص في المادة 255 ق.ع على القتل يقترن بسبق الإصرار أو الترصد. أي أنه ميز بين الظرفين، وإذا أراد مستقبلا غير ذلك فعلية أن يكتفي في التعديلات اللاحقة بالنص على ظرف سبق الأصرار دون الترصد كما فعله المشرع الفرنسي صراحة في قانون العقوبات الجديد لسنة 1992(3).

– كما أن ظرف الترصد يتوفر سواء كان القصد محددا أو غير محدد، معلقا على شرط أو موقوف على حدوث أمر أم لا رغم عدم نص المادة 257 صراحة على ذلك، كما لا ينتفي هذا الظرف نتيجة للغلط في الشخص المراد قتله، وهو في ذلك مثله مثل سبق الإصرار التي وردت هذه الأحكام صراحة بشأنه في المادة 256 ق.ع.

الفرع الثالث: إثبات الترصد واستظهاره في الحكم:

الترصد واقعة مادية يمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات بما في ذلك الإعتراف وشهادة الشهود، ويقع على النيابة العامة عبىء إثبات الترصد. ذلك أن الإثبات من واجبات سلطة الإتهام، ذلك من خلال مرافعاتها في محكمة الجنايات، وتقدير هذه الأدلة يخضع بعد ذلك لسلطة محكمة الموضوع مما دار أمامها من مناقشات وما حصلته من ظروف الدعوى وقرائنها. ومتى ثبت اقتناعها بتوافره أو عدم توفره فلا رقابة للمحكمة العليا في ذلك، بل يكفي أن يطرح رئيس المحكمة السؤال المتعلق بظرف الترصد، ويجيب عليه أعضاء المحكمة بنعم أو لا بالأغلبية حسب ما توصلوا أليه لذلك فإننا نتصور عدم وجود ذلك الظرف ليس لأنه لم يحدث بل لأنه لم يثبت كون المحلفين والقضاة في محكمة الجنايات لم يعترفوا بوجوده.

وتطبيقا لذلك فقد حكمت محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة(4) بعدم توفر ظرف الترصد في حق المتهم (ص.ع) وذلك بإجابتها عن السؤال المتعلق بهذا الظرف بالنفي.

. – إلا أنه وبعد إطلاعنا على قرار الإحالة وكذا المناقشات التي دارت بالجلسة، يتبين لنا وأن كل الظروف والملابسات التي أحاطت بالجريمة توحي بتوفر عنصر الترصد في حق المتهم حسب التعريف الوارد في المادة 257 ق.ع. فضلا عن شهادة الشهود الذين أكدوا واقعة إنتظار المتهم للضحية في مكان الحادث على متن سيارة من نوع بيجو 204. وما أن وصل الضحية حتى تفاجئ بها تسير نحوه ولولا تفطنه لكان قد قضى على حياته، ولذلك كانت المتابعة و كذلك الإحالة على محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد سليمة إلا أن الإجابة عن السؤال المتعلق بظرف الترصد والتي كانت بالنفي ستكون محل تعليق منا بعد أن نسرد المثال الثاني.

– وعلى العكس مما سبق ففي قضية أخرى(1) أين تمت متابعة المدعو(س.س) على أساس تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وكانت الإجابة عن السؤال المتعلق بالترصد بالإيجاب، إلا أنه لا يوجد في وقائع الدعوى ما يفيد وأن المتهم ترصد للضحية، سيما واقعة الإنتظار والتي تشكل أهم عناصر الترصد حسب التعريف الوارد في المادة 257 ق.ع.فقرارالإحالة الصادر عن غرفة الإتهام جاء خاليا من التعليل حول ثبوت هذا الظرف وذلك بعدم ذكره للوقائع والقرائن التي تبعث بالإعتقاد أنه فعلا ترصد للضحية، وحسب رأينا لو كان هذا القرار محلا للطعن لتم نقضه حتما لسوء تطبيق القانون على الوقائع وتشويهها.

– من خلال هذين المثالين ارتأينا أن نقول وإن كان ليس بإمكاننا أن نعقب على ما وصلت إليه محكمة الجنايات ذلك أن الأمر يتعلق بمسألة اقتناع شخصي لا رقابة للمحكمة العليا عليه، إلا أننا بالنظر إلى التعريف الوارد لظرف الترصد في المادة 257 باعتباره مسألة قانونية نعيب على ما توصلت إليه المحكمة. كما رأينا في المثال الأول الظرف كان قائما بكل عناصره ومع ذلك كانت الإجابة بالنفي عكس المثال الثاني والذي لم يكن يوجد ما يدل على توفره إلا أن الإجابة كانت بالإيجاب، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على عدم تحكم قضاة الموضوع في المفهوم القانوني للظرف المشدد وفي العناصر المكونة له حسب التعريف الوارد في المادة 257 ق.ع السابقة الذكر. وإن في ذلك أثر على الحكم الذي سوف يصدر عن المحكمة والذي قد يشكل خطرا على المتهم المحال عليها خاصة إذا علمنا أن محكمة الجنايات هي محكمة اقتناع شخصي وأن الأحكام التي تصدر عنها قد تصل إلى الإعدام كما هو الحال في المثال السابق، إضافة إلى أنها تقضي ابتدائيا ونهائيا في القضايا المحالة أمامها فكل هذه الاعتبارات نرى أنه لا يجب أن تكون مسألة الاقتناع الشخصي سببا للخروج عن التطبيق السليم للمفاهيم القانونية: وإن كانت المحكمة العليا لا تراقب أو لا تناقش قناعة القاضي فيبقى ضمير القاضي الرقيب الأوحد عليه قبل الهيئات القضائية العليا.

ونقترح لتفادي مثل هذه النتائج أن يلتزم قضاة الموضوع عند طرح السؤال المستقل والمتعلق بالظرف المشدد بتبيان وجوبا توافر العناصر القانونية للظرف، ويكون ذلك طبعا بذكر مجموع الوقائع والملابسات التي استشف منها الظرف لا الإكتفاء بذكره بلفظة كما هو ساري عليه العمل حاليا فهذه الطريقة حسب اعتقادنا ناقصة وهي ما أدت إلى ما سبق ذكره.

وبهذا تكون الأحكام التي لا تتضمن بيان الوقائع التي استشف منها الظرف أحكاما قابلة للطعن فيها بالنقض على أساس القصور في التسبيب ذلك أن الأسئلة التي تطرح على مستوى محكمة الجنايات تعد بمثابة تسبيب للحكم الجنائي، وعليه فهي تخضع لرقابة المحكمة العليا باعتبارها مسألة قانونية وعادة ما تكون هي المجال الخصب لنقض أحكام محكمة الجنايات.
(1) حكم صادر عن محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة ، في قضية رقم 24/2003، جلسة 02/12/2003.

وأخيرا إذ ما ثبت توافر ظرف الترصد فعلى المحكمة أن ترتب أثره بأن ترفع العقوبة إلى الإعدام حسب ما هو مقرر في المادة 261 ق.ع على النحو الذي سبق شرحه.

أما إذا استبعدته المحكمة فلا يجوز الحكم على المدان طبقا للمادة 263 ق.ع بعقوبة القتل البسيط وهي السجن المؤبد.

لذلك فقد صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ 10/03/199 في الملف رقم 63197 جاء فيه: “إذا كان مؤدى الفقرة الثالثة للمادة 263 ق.ع أنها تعاقب على القتل البسيط بالسجن المؤبد فإن محكمة الجنايات في قضية الحال متى إستبعدت ظرف سبق الإصرار والترصد وأدانت المتهم بالقتل العمد البسيط ومع ذلك طبقت المادة 261 ق.ع والتي تعاقب بالإعدام تكون بقضائها هذا قد أخطأت في تطبيق القانون”(1).

المبحث الثاني: الظروف المشددة بالنظر إلى الوسيلة المستعملة:

إذا كانت القاعدة العامة أن المشرع لا يهتم بالوسيلة التي تتم بها الجريمة، إلا أنه قد يلجأ أحيانا لجعل الوسيلة التي تستخدم لارتكاب الجريمة ظرفا مشددا، وهذا ما سلكه المشرع الجزائري عند تناوله لجريمة القتل العمد باعتبارها من الجرائم ذات الوسيلة المطلقة، بمعنى أنها قد تتم باستعمال أية وسيلة دون تمييز ثم خرج عن هذا الأصل من خلال اقراره بالوسيلة المقيدة، إذ قرر المشرع الجزائري أن استخدام السم في القتل أو استخدام وسائل التعذيب وأعمال وحشية يضعنا أمام نموذج خاص جدير بعقوبة شديدة وخاصة، بل أكثر من ذلك جعل مثل هذه الظروف تغير من وصف الجريمة.
فاستعمال السم كوسيلة للقتل يغير الجريمة من قتل عمد (254-263/3 من ق.ع) وعقوبتها السجن المؤبد إلى التسميم (260-261) وعقوبتها الإعدام. فالتسميم في القانون الجزائري يشكل جريمة مستقلة وقائمة بذاتها عن جريمة القتل العمد سيما عدم اشتراط جريمة التسميم للنتيجة وهي إزهاق الروح التي تعد من الأركان الأساسية لقيام جريمة القتل العمد، وهذا ما سوف نتناوله بالشرح في المطلب الأول.

ثم أن استعمال وسائل التعذيب والأعمال الوحشية يغير الجريمة من قتل عمد إلى قتل مكيف على أساس أنه اغتيال وهذا ما يتضح من نص المادة 262 ق.ع باللغة الفرنسية وهذا ما سوف نتطرق إليه في المطلب الثاني.

وقبل تفصيل ذلك تجدر بنا الملاحظة أن استخدام السم لو لم يستثنيه المشرع بنص خاص لكان حسب اعتقادنا داخلا في عموم استعمال وسائل التعذيب والأعمال الوحشية.
———————
(1) راجع الموسوعة القضائية (قرص مضغوط (CD بتاريخ/03/2003.

المطلب الأول: التسميم.

تنص المادة 260 ق.ع على مايلي: “التسميم هو الإعتداء على حياة إنسان بتأثير مواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة عاجلا أو آجلا أيا كان استعمال أو إعطاء هذه المواد ومهما كانت النتائج التي تؤدي إليها”.

لقد اعتبر المشرع الجزائري استخدام المواد السامة كوسيلة للقتل جدير بالتشديد من غيره من الوسائل الأخرى ذلك أن القتل باستخدام وسائل سامة يدل على غدر ونذالة لا مثيل لهما في صور القتل الأخرى، فضلا عن سهولة تنفيذها وإخفاء آثارها ذلك أن المجني عليه في هذه الجريمة غالبا ما يتناول هذه المادة السامة ممن يثق فيهم ويأمن لهم.

لذلك لقد صدر قرار عن الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا بتاريخ 09 ديسمبر 1980 في الطعن رقم 218-23 جاء فيه :”إن الوسيلة المستعملة في القتل لا تعد ظرفا مشددا فيما عدا التسميم الذي له حكم خاص”(1).

فهذا الإجتهاد يؤكد ما سبق وأن ذكرناه في مقدمة هذا المبحث من أن جريمة القتل من الجرائم ذات الوسيلة المطلقة بمعنى أنها تتم باستخدام أية وسيلة، إلا أن المشرع قد خرج على هذا الأصل وقرر أن استخدام السم في القتل يضعنا أمام نموذج خاص جديد بعقوبة شديدة وخاصة، فجريمة التسميم إذن من الجرائم ذات الوسيلة المقيدة.

على أن المشرع الجزائري على غرار المشرع الفرنسي لم يشأ أن يجعل من جريمة القتل بالسم جريمة تتحد مع جريمة القتل العمد في كل عناصرها وتتميز عنها فقط بعنصر الوسيلة، وإنما جعلها جريمة شكلية العبرة فيها باستخدام المادة السامة ولو لم تتم الوفاة بالفعل لذلك فإن جريمة التسميم تعتبر تامة لا مجرد شروع بمجرد استخدام السم ووضعه في متناول المجني عليه. فالنتيجة لا تتحقق بالقضاء على الحياة (بإزهاق الروح) شأن جريمة القتل العمد. وإنما يكفي لتحقق النتيجة الاعتداء بواسطة المادة السامة وهذا ما أكده الإجتهاد السابق الذكر عندما ذكر أن التسميم له حكم خاص وسوف نفصل كل ما سبق ذكره فيما يلي:

الفرع الأول: شروط تطبيق المادة 260.ق.ع.

I- الوسيلة المستعملة.
تشترط المادة 260 ق.ع وقوع الإعتداء على حياة إنسان بتأثير مواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة عاجلا أو آجلا(2).

أول تساؤل تطرحه هذه المادة هو ما هي طبيعة المواد المستعملة ؟

بالرجوع إلى نص المادة السابقة الذكر نلاحظ أن المشرع لم يحدد صراحة طبيعة المواد المستعملة مكتفيا بقوله: “مواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة…”

(1) أنظر جيلالي بغدادي. الإجتهاد القضائي في المواد الجزائية الجزء الأول الطبعة الأولى الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002.ص 258.
(2) تقابلها المادة 233 ق.عقوبات مصري والتي تستعمل مصطلح جواهر+المادة 301 ق.ع فرنسي المعدلة بموجب المادة 221/05

وقد أثارت مسألة طبيعة المواد المستعملة جدلا واختلافا في الفقه الفرنسي(1) إلا أن الراجح في الجزائر فقها(2) وقضاءا أنه لكي ينطبق نص المادة 260 ق.ع يجب أن تكون المادة القاتلة سامة وهذا ما يستشف من سياق النص بقوله “التسميم”.

كما أن المادة 260 ق.ع لا تتضمن وصف للمواد السامة، إلا أنه يشترط أن تكون صالحة بطبيعتها لإحداث نتيجة القتل ولا يهم بعد ذلك وقوع النتيجة حتما، وهذا ما يستشف من قوله: “يمكن أن…”بمعنى أنه قد يخيب أثرها كون الكمية المقدمة للمجني عليه غير كافية للقتل أو لعدم تناول المجني عليه للسم المقدم إليه، ففي كل هذه الأحوال يعاقب الجاني على أساس الشروع في جريمة القتل بالتسميم وهذا ما جرى عليه القضاء بأن الجريمة تعتبر خائبة لا مستحيلة.

وتطبيقا لذلك قضي في مصر(3) “أنه متى كانت المادة المستعملة للتسميم صالحة بطبيعتها لإحداث النتيجة المبتغاة فلا محل للأخذ بنظرية الجريمة المستحيلة، لأن مقتضى القول بهذه النظرية ألا يكون في الإمكان تحقق الجريمة مطلقا لإنعدام الغاية التي ارتكبت من أجلها الجريمة أو لعدم صلاحية الوسيلة التي استخدمت في ارتكابها. أما كون هذه المادة –سلفات النحاس- لا تحدث التسميم إلا إذا أخذت بكمية كبيرة وكونها يندر استعمالها في التسميم الجنائي لخواصها الظاهرة، فهذا كله لا يفيد استحالة تحقق الجريمة بواسطة تلك المادة، وإنما هي ظروف خارجة عن إرادة الجاني”.

وبمفهوم المخالفة لما سبق ذكره فإنه إذا تم تقديم للمجني عليه مادة غير سامة وغير ضارة وكان الجاني يعتقد أنها مادة سامة، وقصد من ذلك قتل المجني عليه، إلا أن الوفاة لم تحدث لعدم صلاحية الوسيلة للقتل، فهنا الجاني لا يمكن أن يسأل لا عن جريمة القتل بالتسميم ولا الشروع فيها على أساس أن أهم ركن من أركان هذه الجريمة وهو الوسيلة المستعملة والتي يجب أن تكون صالحة بطبيعتها لإحداث نتيجة القتل لم تتوفر وأنه طبقا للقواعد العامة إذا إنتفى عنصر من عناصر قيام الجريمة إنتفت بذلك الجريمة وتبعا لذلك تنتفي المسؤولية. وعليه فإن عدم صلاحية الوسيلة المستعملة لإحداث القتل على حسب ما ورد في نص المادة 260 ق.ع يؤدي إلى عدم مساءلة الجاني في المثال السابق عن جريمة قتل بالتسميم ولا الشروع فيها حتى إن كانت نيته قد اتجهت إلى القتل فعلا.

وإن القول بأنه يجب أن تكون المادة بطبيعتها صالحة لإحداث التسميم فهذا يعني حسب بعض الفقهاء(4) أنه يمكن أن تكون المادة غير سامة ولكن إذا ما أضيفت لها مادة أخرى أصبحت كذلك كمادة الأنتيمونيا المعدنية فهي غير سامة بطبيعتها ولكنها تصبح سامة متى أخلطت بالنبيذ ومن ثمة نأخذ حكم المادة السامة، وعلى العكس من ذلك فقد تكون المادة سامة بطبيعتها ولكنها عندما يضاف إليها مادة أخرى تزيل أثرها السام وتصبح بالتالي مادة غير سامة.
(1) إذ ذهب رأي من الفقه إلى تطبيق حكم المادة 301 على القتل الذي يحدث باستعمال مادة يمكن أن تؤدي إلى الوفاة وهذا ما يستشف من عموم النص الذي لم يتطلب أن تكون تلك المادة سامة وعليه فالعقوبة تشدد سواء كانت المادة سامة أو غير سامة ولكنها قاتلة. أما الرأي الراجح فذهب إلى قصد تطبيق المادة 301 على حالة استعمال المادة السامة، لأن المشرع أشار إلى عبارة “القتل بالسم” لذلك فإن المحاكم الفرنسية تميل إلى هذا الرأي فقد اعتبرت قتلا عمدا لا قتلا بالتسميم. إعطاء زوجة لزوجها كمية كبيرة من الخمر تفصد قتله فمات فعلا. أنظر الدكتور علي عبد القادر القهوجي + فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 79.
(2) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 33 + د.عبد المجيد زعلاني قانون عقوبات خاص مطبعة الكاهنة الجزائري 2000 ص.86.
(3) أنظر إلى سيد البغال المرجع السابق ص 139 + د.أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 33 و 34.
(4) أنظر الدكتور علي عبدالقادر القهوجي والدكتور فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 81.

فالأمر إذن يتعلق بدراسة كل حالة على حدى لمعرفة ما إذا كانت المادة التي استعملت سامة أو غير سامة وأن تحديد هذا الأمر مسألة فنية يجوز فيها للقاضي أن يستعين برأي أهل الخبرة كالخبراء في السموم والكيميائيين والأطباء.

والمواد السامة قد تكون حيوانية –كسم الثعابين- أو معدنية –كالزرنيخ وسلفات النحاس- أو نباتية –كالكوكايين- كما قد تكون صلبة أو سائلة أو غازية.

* استعمال المادة السامة:

لم يحدد المشرع الجزائري طريقة استعمال المواد السامة وهذا ما أقرته المادة 260 ق.ع. بقولها: “أيا كان استعمال أو إعطاء هذه المواد…” وعلى هذا الأساس فلا فرق بين ما إذا وضعت هذه المواد في طعام أو شراب أو دواء ولا يهم إن كان المجني عليه تناولها عن طريق الفم أو الأنف أو الحقن، ولا أهمية كذلك أن يقدم دفعة واحدة أو على دفعات متقاربة.

ب-النتيجة :
ليس من الضروري لتكون جناية القتل بالتسميم قائمة أن تتوفى الضحية، فالإعتداء كاف بمفرده، فالمهم هو استعمال المواد السامة، ولا تهم بعد ذلك النتيجة فنص المادة 260 ق.ع صريح في ذلك بقوله “مهما كانت النتائج التي تؤدي إلى ذلك”.

وعلى هذا الأساس متى تناولت الضحية المواد السامة تكون الجريمة تامة مهما كانت النتيجة والآثار المترتبة عنها(1) كأن تنجو الضحية من الوفاة أو لم يصبها مكروه لتناولها سائلا ضد السم أو ناولها إياه مرتكب جناية التسميم أو لأي دافع آخر فإن الجريمة تبقى قائمة.

فمعنى هذا أن الجاني طبقا لقانون العقوبات الجزائري يعد مسؤولا عن فعلته بمجرد وضع السم تحت تصرف المجني عليه وتناول هذا الأخير إياه ولو عدل الجاني بعد ذلك عدولا اختياريا وكشف عما فعله للمجني عليه وأسعفه بالعلاج.

أما إذا تدخل قبل تناول الضحية لهذه المواد فإن المحاولة لا توجد لكون الجريمة لم تحدث للعدول الإختياري والإرادي للفاعل.

وعليه فيسأل عن الشروع من وضع السم في متناول المجني عليه، ولم يتناوله لأسباب مستقلة عن إرادة الجاني(2) كما يسأل عن الشروع أيضا من يعطي خطأ مادة سامة بكمية ضعيفة.

ج- العلاقة السببية:
لكي يكتمل النشاط المادي لجريمة القتل بالتسميم فلا بد أن تتوافر الرابطة السببية بين تقديم المادة السامة والنتيجة التي حصلت فإذا انتفت هذه الرابطة فلا يعاقب الفاعل على جريمة القتل بالتسميم(3).
(1) أما القانون المصري فإن الجريمة تعد تامة متى حدثت الوفاة نتيجة تناول المجني عليه.أنظر الدكتور سيد البغال المرجع السابق ص 138 و 139.
(2) أنظر الأستاذ شيخ لحسين + الدكتور أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 39.
(3) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 34.

إلا أن إشتراط علاقة السببية في جريمة القتل بالتسميم، كانت محل نقاش في مصر(1)، وذلك بمناسبة قضية تتلخص وقائعها في أن شخص عزم على قتل أخته (هانم) نظرا لسوء سلوكها فوضع زرنيخا في قطعة حلوى ثم انتهز فرصة وجودها معه بالحقل فأعطاها الحلوى لتأكلها ولكنها أخذتها معها إلى المنزل وفي الصباح عثرت إبنة عمها (ندا) على تلك الحلوى فأكلت منها جزءا وسألت هانم عنها فأخبرتها هذه أن أخاها أعطاها لها، كما عرضت عليها أن تأخذها لتأكلها هي وأختها (فهيمة)، وبعد ذلك أكلت منها فهيمة أيضا وما لبث أن ظهرت أعراض التسميم على البنتين فماتت فهيمة وشفيت ندا وقدم المتهم للمحاكمة فبرأته محكمة الجنايات من تهمتي قتل فهيمة عمدا والشروع في قتل ندا وقد أيدت محكمة النقض المصرية محكمة الجنايات فيما ذهبت إليه.

فهذا الحكم كان محل تأييد من بعض الشراح المصريين وذهبوا إلى تعليل ذلك بالقول بعدم قيام مسؤولية الجاني عن قتل فهيمة وندا لإنقطاع علاقة السببية بين فعله وإصابة إحداهما ووفاة الأخرى. وذلك بتدخل إرادة المجني عليها المقصودة كعامل شاذ في حدوث تلك النتيجة.

في حين جانب آخر من الشراح المصريين ذهبوا إلى القول بأن الجاني يسأل عما وقع لكل من فهيمة وندى لأنه بفعله جعل المادة السامة تحت تصرف البنتين وأن الواقعة لا تخرج عن كونها غلط في شخص المجني عليها.

واعتبارا لما سبق فإننا نرى وأن اشتراط علاقة سببية في جناية القتل بالتسميم يتعارض فعلا مع فكرة الغلط في الشخص المجني عليها التي لا عبرة لها في قيام مسؤولية الجاني في القانون الجزائري، إذا توافرت نية القتل طبعا.

وإن فكرة الغلط في شخص المجني عليه هي تطبيقا لمسألة القصد الإحتمالي الذي يقتضي أن يسأل الجاني عن النتائج المحتمل وقوعها بمناسبة ارتكابه لجريمة معينة حتى وإن لم يكن يقصد اتيانها، وهذا ما حدث في المثال السابق.

وعلى هذا الأساس فإن الجاني في المثال السابق الذكر وطبقا للتشريع الجزائري يكون مرتكبا لجناية تسميم كل من فهيمة وندا على أساس أنه لا عبرة للغلط في شخص المجني عليه طالما لديه نية القتل والشروع في تسميم هانم.

د-نية القتل:

يستوجب التسميم توفر نية القتل، أي يتعين توفر القصد الجنائي بعنصرية العلم والإرادة، إذ يجب أن ينصرف علم الجاني إلى أن وسيلته في القتل هي مادة سامة وأنه يريد تحقيق النتيجة باستخدامها، وعليه إذا انتفى عنصر العلم والإرادة انتفت بذلك جريمة التسميم ولكن قد تقوم جريمة القتل الخطأ -قتل بالإهمال- مثال ذلك أن يخطىء الصيدلي فيضيف إلى الدواء مادة سامة فيتناولها المريض فيموت أو يزيد من كمية المادة السامة في تركيبة الدواء.

أو تقوم جريمة إعطاء مواد ضارة كاعتقاد الجاني على غير الحقيقة أن المادة ضارة لا سامة ويقدمها المجني عليه فلا يتناولها. كما تقوم نفس الجريمة في حالة تقديم الجاني للمجني عليه مادة سامة مع علمه بحقيقتها دون أن يقصد بذلك قتله فإنه إذا أضفى فعله إلى الموت فيسأل عن جريمة إعطاء مادة ضارة أفضت إلى الموت طبقا للمادة 275 لفقرة الأخيرة من قانون العقوبات.

* النية غير المحددة في جريمة التسميم:

تتحقق جناية القتل بالتسميم، ولو كانت نية الجاني غير محدودة أي ولو كان لم يقصد قتل شخص معنيا بذاته. وبالتالي يعد قاتلا بالتسميم من يضع سما في بئر يسقي منه عامة الناس سواء ترتب عن فعلة هذا موت شخص أو أكثر أو لم يترتب عليه ذلك.

* الخطأ في شخص المجني عليه:
متى توفرت نية القتل فإن الغلط في شخص المجني عليه لا ينفي قيام جريمة القتل بالتسميم، وعلى ذلك يعد قاتلا بالتسميم من يضع طعاما أو شرابا مسموما تحت تصرف شخص معين فيقوم آخر ويتناوله ويموت بسببه، إذ يعتبر موت هذا الشخص الآخر داخلا في القصد الإحتمالي للجاني وهذا ما سبق شرحه عندما تطرقنا لفكرة العلاقة السببية وتعارضها مع فكرة الغلط في شخص المجني عليه.

الفرع الثاني: إثبات التسميم وبيانه في الحكم:

– إثبات التسميم مسألة موضوعية تخضع للقواعد العامة في الإثبات، فللمحكمة أن تلجأ إلى الخبرة الطبية الشرعية ذات الأهمية القصوى في هذه المسألة الفنية المحضة فضلا على القرائن والإمارات وشهادة الشهود.

– ويقع عبئ الإثبات على النيابة العامة، ولقاضي الموضوع السلطة التقديرية بعد ذلك.
– وإن حكم القاضي بإدانة المتهم بجريمة القتل بالتسميم فلا بد أن يستظهر في حكمه الأسئلة المتعلقة بأركان الجريمة، سيما الوسيلة التي استعملها الجاني وهل كان يعلم أن المادة يمكن أن تؤدي إلى الوفاة وهل كان يقصد الإعتداء على حياة الضحية.

– فلا يشترط في جريمة التسميم أن يطرح سؤال عن فعلية القتل ثم سؤال آخر مستقل ومميز عن استعمال المواد السامة. وقد جاء في قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 22 جوان 1993(1).

“إن جريمة القتل بالتسميم هي جريمة خاصة بذاتها كاملة في تعريفها وذلك من خلال الوصف الذي منحه إياها القانون، وإن استعمال المادة السامة هو عنصر من عناصر الجريمة، إن طرح سؤال واحد يكفي للقضاة في التهمة بكاملها”.

– وليس من الضروري بعد ذلك أن يبين مقدار المادة السامة ولا نوعها(2). أما عن طريقة فعل التسميم فقد صدر قرار عن المحكمة العليا- غرفة جنائية بتاريخ 15/5/2001 رقم الملف 151.264 جاء فيه: “كما أنه لم يوضح بالسؤال طريقة فعل تسميم الضحية زرفاوي نور الدين مما يجعل هذا السؤال لكل واحد من الطاعتين غير كامل(3).

(1) أنظر الموسوعة القضائية (قرص مضغوط C.D) بتاريخ 1/03/2003.
(2) الدكتور صبحي نجم المرجع السابق ص 46.
(3) طعن بالنقض رفعه كل من غلاب رضا ومالك عبد الحق ضد النيابة العامة في الحكم الصادر بتاريخ 14/06/2000 عن محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة.
وإن كنا نرى أن كيفية أو بطريقة تقديم السم لا أهمية لذكرها في الحكم إذا ما تم إثبات تقديم السم فعلا على النحو الذي سبق شرحه.

واستعمال السم هو عنصر من العناصر المكونة للركن المادي للجريمة لذلك فإن أثره يسري على جميع مرتكبي الجريمة سواء كانوا فاعلين أصليين أو مجرد شركاء وسواء علموا به أو لم يعلموا به.
وعقوبة التسميم تناولها المشرع في هذه المادة 261 ق.ع والمتمثلة في الإعدام بقولها “يعاقب بالإعدام….أو التسميم…”.

المطلب الثاني: القتل باستخدام وسائل التعذيب أو أعمال وحشية.

لقد نص قانون العقوبات على تشديد عقوبة القتل العمد الذي ينفذ باستعمال وسائل التعذيب وأعمال وحشية وذلك في المادة 262 ق.ع بقوله: “يعاقب باعتباره قاتلا كل مجرم مهما كان وصفه استعمل التعذيب أو ارتكب أعمالا وحشية لإرتكاب جنايته”. وإن النص باللغة الفرنسية أكثر وضوحا إذ جاء فيه: “يعاقب باعتباره قاتلا اغتيالا كل مجرم مهما كان وصفه استعمل التعذيب أو ارتكب أعمالا وحشية في تنفيذ جرائمه”(1)، لذلك يذهب بعض الفقهاء(2) إلى اعتبار اللجوء إلى التعذيب والأعمال الوحشية يأخذ تكييف الاغتيال أي أنه قتل عمد مكيف بأنه اغتيال.

وترجع علة التشديد إلى فضاعة ووحشية من طرف مرتكبيها وعدم إكتراثهم بحياة الآخرين، وبالتالي يستحق عقوبة أشد من العقوبة الإعتيادية بما يحقق الردع لمن تسول له نفسه أن يأخذ هذا المنحى لإرتكاب جنايته.

فركز المشرع نظره على “وسيلة” القتل ورأى أن القتل تعذيبا أو باستخدام وسائل وحشية أمر يجب أن يوضع في الاعتبار ومن ثمة رفع العقاب حتى يصل إلى الإعدام.

الفرع الأول: العناصر المكونة للجناية:

من خلال قراءتنا المتمعنة للمادة 262 ق.ع السالفة الذكر يستنتج وأن جناية القتل باستخدام وسائل التعذيب أو أعمال وحشية تتطلب توافر العنصرين التاليين:

العنصر الأول: أعمال التعذيب أو الوحشية.

لم يحدد المشرع الجزائري وسائل التعذيب ولا الأعمال الوحشية لذلك فهناك من يرى وأن المقصود منها هو أن الجاني لا يجهز على ضحيته دفعة واحدة بفعل يؤدي مباشرة إلى إزهاق روحه بل يعمد إلى تعذيبه بتقطيع أطرافه مثلا أو بتسليط تيارات كهربائية عليه بصفة متقطعة أو بتحريض كلاب شرسة عليه أو غير ذلك من أنواع الشراسة والتعذيب”(3).
(1) Article 262 c.p : “sont punis comme coupables d’assassinat, tous malfaiteurs, quelle que soit leur dénomination, qui pour l’exécution de leur crimes, emploient des tortures ou commettent des actes de cruauté.
(2) أنظر الأستاذ بن شيخ لحسين المرجع السابق ص 41 + د.عبد المجيد زعلاني المرجع السابق ص 85.
(3) أنظر الدكتور عبد المجيد زعلاني المرجع السابق ص 85.

وهناك من ذهب إلى اعتبار وسائل التعذيب هي كل عمل وحشي مبالغ فيه كالحرق أو نزع أجزاء من الجسم(1). كما يدخل في مدلوله أيضا قتل إنسان بعد حبسه ونزع أظافره أو حبس الماء أو الطعام أياما.

العنصر الثاني: أن يكون القصد من استعمال التعذيب هو تنفيذ الجنايات.

– وهذا العنصر واضح من نص المادة 262 بقولها: “لإرتكابه جنايته”
– أول ما يلاحظ وأن عبارة جنايته هناك من فسرها على أنها جاءت عامة فهي لا تتعلق بالقتل فحسب بل تتعدى إلى كل الجنايات التي قد ترتكب ضد الأشخاص وضد الأموال(2).

إلا أننا وعكس هذا التفسير نرى أن عبارة جنايته تنصرف إلى جناية القتل فقط ذلك أنه في بداية المادة ذكر الشرع “يعاقب باعتباره قاتلا” والهاء في عبارة جنايته إنما تعود على جريمة القتل لا إلى كل الجنايات الأخرى وإلا أدى ذلك إلى نتيجة غير معقولة فكيف يمكن أن نعتبر من يستعمل وسائل وحشية للسرقة قاتلا.

– كذلك يشترط أن يستعمل التعذيب والوسائل الوحشية لتنفيذ “جناية القتل ضد الأحياء إذ يجب أن يكون قصد الجاني من استعمال هذه الوسائل هو قتل المجني عليه وبالتالي إذا وقع القتل ثم تلته استخدام طرق وحشية فلا تعد هذه الوسائل ظرفا مشددا لجريمة القتل لأن الجاني يقصد هنا إخفاء معالم الجريمة ومحو آثارها.

– لذلك فقد تمت متابعة متهمين في قضية طرحت على مجلس قضاء تبسة(3) الذين بعدما تأكدوا من وفاة الضحية قاموا بإخراج كمية من البنزين من الخزان، رشوا بها الجثة وأشعلوا فيها النار بواسطة ولاعة سجائر ولاذوا بالفرار لطمس معالم جريمتهم واكتشاف أمرهم، فأتلفت السيارة وتضخمت الجثة فقد تمت متابعتهم إضافة إلى جريمة القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد بالحرق العمدي ولم يعتبروا ذلك من قبل الأعمال الوحشية وقد أصابوا في ذلك كون أن عملية الحرق جاءت بعد وفاة الضحية وليست عندما كان حيا.

الفرع الثاني: إثباته وبيانه في الحكم.

تطبق القواعد العامة في إثبات توفر هذا الظرف وهذا راجع لأنه يعد من الظروف الموضوعية التي يكن أن تثبت بكافة طرق الإثبات، لذلك فالقاضي عادة ما يلجأ في هذه الحالة إلى تعيين أطباء شرعيين من أجل إثبات استخدام وسائل التعذيب والطرق الوحشية في القتل.

وهذا الظرف كغيره من الظروف المشددة لا بد أن تبينه محكمة الجنايات في الحكم الفاصل في جريمة القتل العمد باستخدام وسائل التعذيب والطرق الوحشية وذلك بطرح سؤال مستقل يتعلق بهذا الظرف ثم الإجابة عنه من طرف تشكيلة محكمة الجنايات بعد المداولة بلا بالأغلبية أو بنعم بالأغلبية حسب ما توصل إليه اقتناعهم، ولا رقابة للمحكمة العليا بعد ذلك.

—————————————————————————–
(1) أنظر الأستاذ بن شيخ لحسين المرجع السابق ص 41.
(2) أنظر الأستاذ بن شيخ لحسين المرجع السابق ص 42.
(3) قضية رقم 28/2003 والتي صدر بشأنها الحكم المؤرخ في 06/11/2003 عن محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة

وما تجدر الملاحظة إليه في هذا الصدد وأن المادة 262 ق.ع قليلا ما تطبق من طرف القضاة حتى وإن كانت الوقائع تشكل جريمة القتل العمد مع استعمال وسائل التعذيب وأعمال وحشية ومثال ذلك(1) قضية (ب.ع) الذي توبع من طرف نيابة تبسة من أجل ارتكابه لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد أضرارا بالضحية (ر.ز) وعلى هذا الأساس أحيل الملف على غرفة الإتهام التي أصدرت قرار بإحالة المتهم على محكمة الجنايات بنفس التهمة، وتتلخص وقائع هذه القضية في: “أن المتهم قام بأفعال شنيعة على الضحية قبل أن تتوفى إذ اعتدى عليها جنسيا ثم وضع لها مادة الفلفل داخل فرجها وقام بعدها بتقييدها ووضع قطعة قماش بفمها وعلى رأسها علب الموز وأكياس البلاستيك وصعد فوق بطنها وأخذ يضربها بركلات واستمر كذلك إلى غاية وفاتها، هذا كله بعد أن كان قد احتجزها لعدة أيام”.

فحسب رأينا بعد دراستنا لهذا الظرف فإننا نرى كل هذه الأفعال لا تعدو أن تخرج من كونها أفعال وحشية شنيعة تخضع في تكييفها إلى نص المادة 262 ق.ع.

لذلك فيعاب على نيابة تبسة وكذا غرفة الإتهام أنهم أخطئوا في تكييف الوقائع بعدم إعطائها الوصف الصحيح وهو القتل العمدي مع استعمال وسائل التعذيب واستخدام الوسائل الوحشية.

وبناءا على قرار الإحالة تمت محاكمة المتهم على أساس القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد من طرف محكمة الجنايات التي يعاب على قضاتها عدم إعادة تكييفهم للوقائع وإعطائها الوصف الصحيح، لأنه لا يوجد ما يمنعهم من إعادة تكييف الوقائع على النحو الذي رأيناه سابقا.

بل أكثر من ذلك فقد أجابت على ظرف سبق الإصرار بنعم بالأغلبية رغم أنه لا يوجد في الوقائع المطروحة سابقا ما يفيد وأن المتهم كان قد عقد العزم فعلا على قتل الضحية وأنه كان هادئ البال وأنه فكر ودبر في فعلته.

لذلك نقول ونكرر أن هذا المثال وغيره من الأمثلة السابقة إن دلت على شيء فإنما تدل على عدم تحكم القضاة في مفهوم الظروف المشددة.

وإذا أدين المتهم على أساس تهمة قتل عمد باستخدام وسائل التعذيب وأعمال وحشية فيتعين على القاضي أن يرتب الأثر المباشر على توافر هذا الظرف ويرفع العقوبة إلى الإعدام طبقا للمادة 261 ق.ع.

(1) قضية رقم 203/2003 رقم الفهرس 413/2003 صدر فيها حكم بتاريخ 13/04/2003.

المبحث الثالث: الظروف المشددة بالنظر إلى غرض الجاني لبلوغ جريمة أخرى.

نصت المادة 263 من قانون العقوبات على ما يلي: “يعاقب على القتل بالإعدام إذا سبق أو صاحب أو تلى جناية أخرى.
كما يعاقب على القتل بالإعدام إذا كان الغرض منه إما إعداد أو تسهيل أو تنفيذ جنحة أو تسهيل فرار مرتكبي هذه الجنحة أو الشركاء فيها أو ضمان تخلصهم من عقوبتها”

– يتبين من هذه المادة وأنها جاءت بظرفين مشددين لجريمة القتل العمد، الظرف الأول هو اقتران جناية القتل العمد بجناية أخرى، والظرف الثاني هو ارتباط القتل العمدي بجنحة.

– وهناك من الفقهاء من اعتبروا أن المشرع في هذه المادة جاء بنظام قانوني للجمع بجعله الجريمة الأخف ظرفا مشددا للجريمة الأشد(1).

– لذلك فما جاءت به المادة السابقة الذكر يعد استثناءا من القواعد العامة المنصوص عليها في المادة 32 ق.ع في شأن تعدد الجرائم والعقوبات، فبدلا من توقيع العقوبة الأشد (احتراما لمبدأ عدم الجمع بين العقوبات) فإن المشرع وقع عقوبة واحدة لا هي عقوبة الجناية المقترنة ولا هي عقوبة القتل العمد وإنما هي عقوبة جديدة مشددة هي عقوبة الإعدام.

– والحكمة من التشديد مؤسسة على جسامة الجرم واستخفاف المجرم بالقوانين فضلا عن الخطورة الإجرامية البالغة التي لا تكفي في مواجهتها غير عقوبة الإعدام.

– وسوف نبين أحكام الظرفين المشددين الواردين في المادة 263 فنتكلم في المطلب الأول عن اقتران جناية القتل العمد بجناية أخرى ثم في المطلب الثاني نتناول حالة ارتباط القتل العمد بجنحة.

المطلب الأول: اقتران القتل بجناية.

نص المشرع الجزائري في الفقرة الأولى من المادة 263 ق.ع على أنه: “يعاقب على القتل بالإعدام إذا سبق أو صاحب أو تلى جناية أخرى”(2).

– باستقرائنا لهذه الفقرة نجد أن المشرع يتطلب توافر ثلاث شروط لتحقق الظرف المشدد الوارد بها.
(1) أنظر الأستاذ بن شيخ لحسين المرجع السابق ص 42.
(2) تقابلها المادة 234 من قانون العقوبات المصري.

الفرع الأول: شروط التشديد.

الشرط الأول: جناية القتل العمد.

– يشترط أن تكون جريمة القتل العمد تامة لا مجرد شروع فيها(1) وهذا ما هو واضح من نص المادة 263 ق.ع.

وعلى هذا الأساس فإن الشروع في القتل العمد رغم أنه جناية إلا أنه لا يتوفر به هذا الشرط لذلك فإذا اقترن بجناية أخرى غير القتل لا تطبق العقوبة المنصوص عليها في المادة 263 ق.ع أي الإعدام وإنما تطبق القواعد العامة في تعدد الجرائم طبقا للمادة 32 من ق.ع.

فنكون أمام شروع في قتل بسيط والجناية الأخرى المقترنة به.
أيضا لا يتوفر هذا الشرط إذا أصبح جنحة بتوفر عذر من الأعذار المخففة كعذر تلبس أحد الزوجين بالزنا المادة 279 ق.ع.

– كما لا يتوفر هذا الشرط إذا وقع من الجاني الجناية المنصوص عليها في المادة 267/04 ق.ع المتمثلة في جناية الضرب المقضي إلى الوفاة دون قصد إحداثها لأنها ليست جناية قتل عمدية.

– كما لا يتوفر هذا الشرط من باب أولى إذا كان ما وقع من الجاني جنحة قتل غير عمدي مقترنة بجناية أخرى كمن يقود سيارته بسرعة فائقة في شارع مزدحم بالمارة فيقتل شخصا ثم يحاول الهرب فيمسك به أحد شهود الحادث فيصيبه إصابة تفقده بصره(2).

الشرط الثاني: وجوب توفر جناية أخرى.

يشترط فيها أن تكون لها وصف جناية أي يستبعد المخالفة والجنحة(3) ثم لا يهم بعد ذلك أن تكون تامة أو شروعا فيها بل يجوز أن تكون هي الأخرى قتلا أو شروعا فيه.
كما لا يهم أن تكون من جرائم الإعتداء على الأشخاص أو الأموال.

ويشترط كذلك أن تكون الجناية الأخرى مستقلة ومتميزة عن جناية القتل العمد(4) بحيث أنه إذا قتل الجاني بطلقة نارية خارجة من بندقية واحدة شخصين فهنا لا يطبق هذا الظرف ولا تشدد العقوبة بالمفهوم الوارد في المادة 263 ق.ع. وإنما نكون بصدد التعدد المادي نظرا لوحدة النشاط الإجرامي الذي أدى إلى نتائج متعددة وبالتالي نطبق الوصف الأشد طبقا للمادة 32 ق.ع. وهنا حتما ستعتبر جناية واحدة لوحدة الفعل المادي.

(1)أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 29 + سيد البغال المرجع السابق ص 145.
(2)أنظر الدكتور علي عبد القادر القهوجي والدكتور فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 78.
(3) إلا أنه إذا كانت الجريمة الأخرى لها وصف الجنحة فيمكن أن يتوفر ظرف آخر وهو ارتباط الجناية بجنحة إذا توفرت شروط الإرتباط..
(4)أنظر الدكتور زعلاني عبد المجيد المرجع السابق ص 88 + الدكتور بن شيخ لحسين المرجع السابق ص 43 + د.رمسيس بهنام المرجع السابق ص 378. فتكون الجناية المقترن بها القتل مستقلة عن القتل ولو كانت قتلا إذا ما ارتكب الجاني القتل مرتين متواليتين أي بفعلين ماديين كما إذا كان يطارده إثنان فقتل أحدهما ثم قتل الآخر.

الشرط الثالث: شرط المزامنة.

يجب أن تقوم بين جناية القتل العمد والجناية الأخرى رابطة زمنية، ولا يهم أي الجنايتين ارتكبت أولا. إلا أن ما تجدر الملاحظة إليه أن المشرع الجزائري لم يحدد فترة زمنية معينة ولكن يشترط أن تكون هذه الفترة قصيرة كي تتحقق فكرة الاقتران أي يشترط أن يكون هناك تقارب زمني بين الجنايتين، ومدى هذا التقارب متروك تقديره إلى قاضي الموضوع باعتباره مسألة موضوعية(1).

فالاقتران الزمني يكون قائما، إذا شرع شخص في قتل إمرأة فأطلق عليها عيارين ناريين قاصدا إزهاق روحها- أتبعها بطلقات متوالية على والدتها وشقيقتها وشخص ثالث –وجد على مسرح الجريمة- أتت عليهم جميعا طالما أن ذلك قد حصل في وقت متقارب(2)، لذلك فإننا نعيب على قضاة مجلس قضاء تبسة عند عدم تطبيقهم للفقرة الأولى من المادة 263 ق.ع على “من قتل عمدا زوجة خاله بطعنة خنجر ثم تلتها جناية أخرى هي قتل جدته بطعنة سكين أخرى”(3). ففي هذه الوقائع نلتمس وجود لفكرة الإقتران الزمني بين الجنايتين. إلا أن النيابة عند تكييف الوقائع، اقتصرت على متابعة المتهم بجناية القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد، وكذا قتل الأصول فكان يتعين عليها أن تتجنب مثل هذا التكييف وتعطي بهذه الوقائع تكييفا واحدا وهو اقتران جناية القتل بجناية أخرى.

الفرع الثاني: الأثر القانوني للإقتران:

إذا توافرت الشروط الثلاثة تحقق ظرف الإقتران فتصبح الجناية الثانية ظرفا مشددا لعقوبة القتل العمد فترفعها إلى الإعدام.
لا يمنع من تطبيق العقوبة المشددة توافر أكثر من ظرف مشدد في جناية القتل العمد، كسبق الإصرار والترصد أو التسميم حتى إذا استبعد إحداها قام الآخر محله.
وتسترد الجناية الأخرى استقلالها وتستحق العقاب عليها استقلالا بالعقوبة المقررة في القانون إذا قضى ببراءة المتهم من جناية القتل لأي سبب والعكس صحيح(4). ويتعين على القاضي أن يطرح الأسئلة المتعلقة بجناية القتل العمد ثم الأسئلة المتعلقة بأركان الجناية الثانية، ثم سؤال يتعلق بتحقق ظرف الإقتران على النحو التالي:
“هل أن جرم القتل تلته جناية السرقة بظروفها طبقا للمادة 263 ق.ع وبالطبع تكون الإجابة بلا بالأغلبية أو نعم بالأغلبية حسب الإقتناع الشخصي لمحكمة الموضوع.

المطلب الثاني: إرتباط القتل بجنحة.

نصت الفقرة الثانية من المادة 263 ق.ع على مايلي: “كما يعاقب على القتل بالإعدام إذا كان الغرض منه إما إعداد أو تسهيل أو تنفيذ جنحة أو تسهيل فرار مرتكبي هذه الجنحة أو الشركاء فيها أو ضمان تخلصهم من عقوبتها”.

يتبين من خلال استقرائنا لنص هذه الفقرة وأن المشرع الجزائري تناول من خلالها مضمون ظرف إرتباط القتل بجنحة وذلك بتبيان الغرض منه وشروط تطبيقه، فيشترط للعقاب على القتل بالإعدام طبقا لهذا النص ما سوف يأتي بيانه.
————-
(1) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي الخاص المرجع السابق ص 29.
(2) أنظر الدكتور علي عبد القادر القهوجي والدكتور فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 96.
(3) قرار إحالة صادر عن غرفة الإتهام لدى مجلس قضاء تبسة بتاريخ 03/06/2003 في قضية رقم 323/2003 فهرس
رقم 323/2003. (دورة الجنايات لديسمبر 2003).
(4) أنظر الدكتور علي عبد القادر القهوجي والدكتور فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 93.

الفرع الأول: شروط التشديد.

الشرط الأول: جناية قتل عمد.
يشترط لتوافر هذا الظرف أن يتم القتل بوفاة المجني عليه، وإلا اعتبرت الجناية شروعا وهذا ما سبق بيانه في ظرف اقتران جناية القتل بجناية أخرى، إذ يشترط أن تكون هناك جناية قتل عمد تامة ولا يكفي الشروع فيها.

الشرط الثاني: الجريمة الأخرى.
– تشترط المادة 263/2 ق.ع أن الإرتباط لا يتحقق إلا بين القتل العمد وجنحة أخرى، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق ببيان ما هو حكم ارتباط القتل بجناية ؟

– الراجح في الفقه أنه يجب أن تشدد العقوبة إذا ما ارتبط القتل بجناية وذلك حتى لا تصل إلى نتائج شاذة يرفضها العقل والمنطق، وذلك أن الأخذ بمنطق الرأي العكسي يؤدي إلى تشديد عقوبة القتل إذا ارتبط بجنحة سرقة بسيطة مثلا ورفضها إلى الإعدام. أما من يقتل بقصد ارتكاب سرقة من السرقات المرتبطة بظروف مشددة والتي بذلك تعد من الجنايات لا يعاقب عليها بالإعدام ومثل هذه النتيجة يأباها العقل والمنطق ولا سبيل لتفاديها إلا بالتسوية في الحكم بين حالة ارتباط القتل بجنحة وحالة ارتباط القتل بجناية(1).

– إلا أننا نرى وأنه في حالة ارتباط مثلا جناية القتل العمد مع جناية السرقة الموصوفة فيمكننا أن نكيف هذه الوقائع على أساس أنها اقتران جناية القتل العمد بجناية أخرى وهي جناية السرقة الموصوفة طبقا للمادة 263/01 ق.ع، وبهذا نكون في نفس الوقت قد إحترمنا قاعدة عدم القياس وإلتزمنا بحرفية النص هذا من جهة ومن جهة أخرى نكون قد تجنبنا الوصول إلى النتيجة التي يأباها العقل والمنطق والتي تطرق إليها الرأي السابق الذكر.

– كما يشترط أن تكون الجنحة مستقلة ومتميزة عن جريمة القتل لا أثرا من آثاره كإخفاء القاتل جثة القتيل مثلا، فهذا الإخفاء كجنحة لا يعاقب عليه إلا إذا وقع من غير القاتل ولا عبرة بعدئذ لنوع الجنحة، فقد تكون سرقة يرتكب في سبيلها قتل بواب المنزل مثلا، وقد تكون قتلا خطأ يرتكب في سبيل التخلص من المسؤولية عن قتل عمد على شاهد أو بوليس وسيان أن تكون الجنحة تامة أو شروعا(2).
غير أنه يشترط أن تكون الجنحة التي ارتكب القتل من أجلها معاقبا عليها وإلا فلا محل للتشديد ومثال ذلك إذا وقعت جنحة الإخفاء من الزوج أو الزوجة او الأصول أو الفروع فلا يصح هذا الإخفاء ظرفا مشددا لجناية القتل العمد لأن المادة 180/02 ق.ع لا تعاقب على مثل هذا الفعل(3).

لكن السؤال الذي يطرح هل ينطبق نفس الحكم في الحالة التي تكون الجنحة قد أدركها التقادم ؟
هناك من الشراح من ذهب إلى القول أنه لا يهم أن تكون الجنحة قد أدركها التقادم إذ تصلح رغم ذلك أن تكون ظرفا مشددا لجناية القتل العمد(4).
————–
(1) أنظر د.علي عبد القادر القهوجي والدكتور فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 94، الدكتور أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 30 + في الفقه الفرنسي Michel véron OP.cit page 27.
أما الرأي المعاكس فيرى عدم تشديد عقوبة القتل في هذه الحالة لعدم ورود النص عليها صراحة هذا من جهة وهي امتناع قياس هذا الغرض مع الغرض المنصوص عليه إستنادا إلى ما هو مستقر عليه من الحظر القياس في مجال التجريم من جهة أخرى.
(2) أنظر الدكتور رمسيس بهنام المرجع السابق ص 382 + الدكتور أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 29.
(3) أنظر د.أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 29 + الدكتور سيد البغال المرجع السابق ص 154.
(4)أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 30.

إلا أن هناك رأي في الفقه(1) وهو جدير بالتأييد والذي يرى بأن نفس الحكم الذي ينطبق على عدم تشديد العقوبة في حالة الإخفاء الذي يتم بين الأقارب أو الأصهار إلى الدرجة الرابعة لعدم العقاب عليها قانونا، ينطبق أو يسري في حالة ما إذا سقطت الدعوى العمومية في الجنحة بمضي المدة، إذ لا يمكن إعتبار مثل هذه الجنحة في حساب التشديد عند اقترانها بجناية القتل العمد، ما دام القانون قد أسقط عقوبتها وهذا فعلا ما نصت عليه المادة 06 من قانون الإجراءات الجزائية إذ اعتبرت أن التقادم يعد سببا من أسباب القضاء الدعوة العمومية وإذا نقصت هذه الأخيرة أصبحت الجنحة في هذه الحالة في حكم الجنحة غير المعاقب عليها بسقوط الدعوى العمومية.

الشرط الثالث: الإرتباط بين جناية القتل العمد والجريمة الأخرى.

يقتضي هذا الشرط الأخير أن يكون بين القتل والجنحة رابطة سببية وقد أفصح المشرع عن مضمون هذه العلاقة السببية حين قال أنه إذا كان الغرض من ارتكاب جناية القتل العمد إما إعداد أو تسهيل أو تنفيذ جنحة أو تسهيل فرار مرتكبي هذه الجنحة أو الشركاء فيها أو ضمان تخلصهم من عقوبتها.
ومثل ذلك قضية “سعودي سفيان” التي طرحت على مجلس قضاء تبسة(2) الذي انتهز فرصة وجود زوجة خاله وحدها في البيت فقام بقتلها من أجل سرقة ما لديها من مال.
فهذا القتل وقع إعدادا لإرتكاب جنحة السرقة التي لم يكن الجاني قد بدأ في ارتكابها، فالفقرة الثانية من المادة 263 هي التي كانت واجبة التطبيق إلا أن قضاة مجلس قضاء تبسة لم يشيروا إليها أصلا.

ومثال القتل الذي يحدث في فقرة ارتكاب الجريمة قصد تسهيلها أو إتمام تنفيذها، ما حدث في قضية “عبان سالم” الذي دخل إلى منزل الضحية بقصد سرقته، وأثناء تفتيش الغرفة وأخذهم لما وجدوا من نقود فزع صاحب المنزل من نومه، وإثر ذلك طعنة المتهم بسكين عدة طعنات فأرداه قتيلا(3) إلا أن المتابعة كانت على أساس تهمة القتل مع سبق الإصرار والترصد ثم أن غرفة الإتهام حال نظرها في أمر إرسال مستندات قررت قبل الفصل في الموضوع توجيه تهمة جديدة للمتهم وهي السرقة الموصوفة. وتمت إحالة المتهم على محكمة الجنايات على أساس هاتين التهمتين وحسبنا أنه كان يتعين أن يحال المتهم على أساس تهمة واحدة تتضمن الجرمين السابقين الذكر وهي تهمة ارتباط القتل بجناية (حسب ما رأيناه سابقا حول إمكانية ارتباط القتل بجناية – وتشدد العقوبة إلى الإعدام طبقا للمادة 362/02 ق.ع).

وحسبنا أنه طالما يوجد نص المادة 362/02 ق.ع. والذي يجعل ظرفا مشددا لجريمة القتل العمد إذا توافر ارتباط بينهما حسب ماهو واضح في قضية الحال فلما لم تكن الإحالة على أساس ارتباط جناية القتل العمد بجنحة السرقة وهنا لدينا جناية السرقة وقد سبق أن رأينا إمكانية ارتباط القتل بجناية- عوض أن تكون المتابعة على أساس المادتين 254 المتضمنة جريمة القتل والمادة 350 التي تنص على جريمة السرقة.

أما إذا وقع القتل خارج الأهداف السابقة الذكر إنتفت بذلك علاقة السببية بين القتل والجنحة ولا ينطبق بذلك نص المادة 362/02 ق.ع ولو قامت بينهما علاقة زمنية(4).

———-
(1) أنظر الدكتور سيد البغال المرجع السابق ص 154.
(2)أنظر القضية رقم 323/2003 قرار صادر عن غرفة الإتهام مجلس قضاء تبسة بتاريخ 03/06/2003.
(3) حكم صادر عن محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة بتاريخ 13/10/1999 في الملف 119/1999.
(4) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 30 + د.حسن البغال المرجع السابق ص 157 + الدكتور علي عبد القادر القهوجي والدكتور فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 98.

لذلك فمن الخطأ الاعتقاد بأن رابطة السببية توجد دائما كلما ارتكب القتل مع جنحة في زمان ومكان واحد، ففي كثير من الأحوال لا يتحقق هذا الشرط حتى ولو كانت الجنحة التي ارتكب من أجلها القتل هي جنحة السرقة، فقد يرتكب شخص أثناء مشاجرة جناية قتل ثم يخطر له بعد ذلك على غير قصد سابق بأن يسرق ما مع المجني عليه من النقود، ففي هذه الحالة لا يصح قانونا اعتبار السرقة ظرفا مشددا للقتل، لأن القتل إذا ارتكب في ثورة غضب وبقصد الإنتقام لم يكن القصد هنا ارتكاب السرقة.

كما أنه لا يشترط لقيام رابطة السببية أن يوجد ارتباط زمني بين الجناية والجنحة، فالفقرة الثانية من المادة 263 ق.ع. تتطلب ولو تباعد مكان الجريمتين أو فصلت بينهما مدة من الزمن كالشخص الذي يسرق وبعد مدة من الزمن يقتل الشاهد الذي رآه واستدعى للإلاء بشهادته(1).

ويتبين مما تقدم أنه يجب لإنطباق المادة 263/02 ق.ع أن تكون جناية القتل العمد قد ارتكبت تسهيلا لأرتكاب الجنحة، أي أن يكون ارتكاب الجنحة هو الغاية والهدف وأن القتل هو الوسيلة فإذا حدث العكس بأن تم ارتكاب الجنحة لتسهيل القتل فلا تشدد العقوبة على الجاني وإنما تطبق العقوبة الأشد طبقا لأحكام المادة 32 ق.ع.

ويستوي في تشديد العقوبة وحدة الجناة أو تعددهم، فقد يرتكب الجاني القتل من اجل تمكين غيره من ارتكاب جنحة أو جناية أخرى أو الفرار منها، أي لا يشترط أن يكون الجاني مساهما في الجريمتين.

كذلك لا يشترط وحدة المجني عليهم في الجريمتين أو تعددهم فتشدد العقوبة في الفرض الذي يشرع فيه شخص في سرقة مال آخر ففاجأه خفير فقتله وقر هاربا(2).
الفرع الثاني : الأثر القانوني للإرتباط.
يترتب على القول بتوفر الإرتباط بين جناية القتل العمد والجريمة الأخرى أن تفقد هذه الأخيرة استقلاليتها وذاتيتها وتصبح مجرد ظرف مشدد لعقوبة القتل العمد فترفع إلى الإعدام حسب ما نصت عليه المادة 362/02 ق.ع.

ونظرا لأهمية الرابطة السببية فإنه يجب أن يعني الحكم باستظهارها ويثبت بأن ارتكاب القتل كان لأحد المقاصد المبينة في النص أعلاه.

فمثلا في قضية “عبان سالم” التي طرحت على مجلس قضاء تبسة والتي سبق الإشارة إليها، كان يتعين على قضاة محكمة الجنايات أن يبينوا في حكمهم ما إذا كان ارتكاب جريمة القتل لإعداد السرقة أو لتسهيلها أو لإتمام ارتكابها، وهل أن السرقة كانت تمت أم شرع فيها قبل القتل، وبعد ذلك إذا ثبت أحد المقاصد المذكورة، توفرت بذلك رابطة السببية ويكون تشديد العقوبة أمر مستحق للمتهم.
ومع ذلك فتبقى مسألة إثبات توافر العلاقة السببية من عدمه من المسائل الموضوعية يستقل بها قاضي الموضوع ولا معقب عليه فيما بعد من طرف المحكمة العليا.

—————————————————————————
(1) أنظر سيد البغال المرجع السابق ص 104 + د.علي عبد القادر القهوجي والدكتور فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 98.
(2) أنظر الدكتور علي عبد القادر القهوجي والدكتور فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 99.
المهم إذا قرر القاضي في حكمه بتوافر ارتباط القتل بجنحة فيجب أن يشمل حكمه على بيان ما يلي : – جريمة القتل،
– الجريمة المرتبطة بها،
– ظرف الإرتباط: فيبين أن القتل قد ارتكب بسبب الجنحة لا باستقلال عنها.

وقد أكدت المحكمة العليا على وجوب توفر الرابطة السببية بين الجريمتين في قرار صادر عن الغرفة الجنائية بتاريخ 28 أكتوبر 1980 في الملف رقم 22518(1).

وما تجدر الملاحظة إليه في خاتمة هذا المبحث أنه على الصعيد العملي لا يعرف هذهين الظرفين المشددين تطبيقات كثيرة ويرجع الأمر لا بعدم توفرهما في الجرائم المطروحة على المحاكم بل لعدم تحكم القضاة في مفهوم هذا الظرف لذلك عادة ما تأخذ الوقائع تكييف غير التكييف المستحق لها ومثال ذلك قضية المتهم “سعودي سفيان” التي تتلخص وقائعها في أنه: “بتاريخ 25/09/2002 قام المتهم بزيارة مسكن خاله ليطلب منه مساعدته في إيجاد منصب عمل بالصحراء ففتحت له زوجة خاله التي كانت لوحدها وأخبرته أن خاله موجود بالصحراء فلاحظ أنها ترتدي مجوهرات على اعتبارها لا تزال عروسا فعقد العزم على ارتكاب جريمته لذلك بعدما خطط لكيفية ارتكاب الجريمة وتوجه يوم 28/09/2002 لمسكن الضحيتين أين فتحت له الباب زوجة خاله وقدمت له المشروب فأمسكها من شعرها وقام بذبحها فلما صرخت جاءت جدته تجري فطعنها عدة طعنات في صدرها وعند تأكد من وفاتهما قام بسرقة المجوهرات ثم توجه إلى بيت الغسيل أين أزال آثار الدم وغسل السكين وملابسه وخرج وغلق الباب…”.

فالتكييف الصحيح لهذه الوقائع من المفروض أن يكون كما يلي :
أولا: قتل زوجة الخال من أجل السرقة يكيف على أساس أنه قتل مرتبط بجنحة طبقا للمادة 263/2 ق.ع.
ثانيا: قتل الجدة يكيف على أساس أنه قتل الأصول طبقا للمادتين 258 و 261 ق.ع.
ثالثا: قتل زوجة الخال ثم قتل الجدة في نفس الظروف الزمانية والمكانية يكيف على أساس أنه اقتران القتل بجناية 263/01/ق.ع.

استحضار وسيلة القتل (سكين) قتل عمد مع سبق الإصرار طبقا للمادة 254 و 256 ق.ع.
لذلك يعاب على النيابة متابعتها للمتهم على أساس القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وقتل للأصول والسرقة متناسبة أو متجاهلة الظرفين الذين سبق ذكرهما والذين يجب أن يعاقب عليهما الجاني خاصة في الحالة التي يستبعد فيها أحد الظروف المشددة الأخرى على النحو الذي ذكرناه سابقا.

كما أنه يعاب كذلك على قضاة غرفة الإتهام عدم إضافة تهم أخرى للمتهم على أساس المادتين 263/1 و 02ق.ع وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم تحكم القضاة جيدا في الظروف المشددة لجريمة القتل العمد الأمر الذي يؤدي إلى بقاء بعض مواد ق.ع جامدة لا تعرف تطبيقا في الحياة العملية.
—————————————————————————–
(1) أنظر قانون العقوبات في ضوء الممارسات القضائية الدكتور أحسن بوسقيعة المرجع الساق الذكر ص 102.

المبحث الرابع: الظروف المشددة لجريمة القتل العمد بالنظر إلى صفة المجني عليه.

إذا كانت القاعدة العامة أن عقوبة القتل البسيط هي السجن المؤبد إذا كان المجني عليه أي شخصا عاديا كان، لكن قد يرد على هذه القاعدة استثناءا إذا كان المجني عليه أحد أصول الجاني، فتصبح صفة إبن المجني عليه في هذه الحالة ظرفا مشددا. ولقد سبق عند تعريفنا للظروف المشددة أنها تلك الملابسات والوقائع التي إذا ما اقترنت بالجريمة شددت عقوبتها وسواء أبقت على وصف الجريمة أو غيرت من وصفها” وعلى هذا الأساس فإن صفة ابن المجني عليه في جريمة القتل العمد هي في الحقيقة ظرفا مشددا إذ أنه أدى إلى تشديد العقوبة إلى الإعدام لكنه أدى في نفس الوقت إلى تغيير وصف الجريمة فأصبحت جناية قتل الأصول وهذا هو الوصف الذي منحه إياها المشرع الجزائري من خلال نص المادة 258 ق.ع فأصبحت بذلك جريمة خاصة بذاتها وكاملة في تعريفها وهذا ما سوف نتطرق إليه في المطلب الأول.

وكصورة مقابلة للوصف الأول (قتل الأصول) سوف نتناول في المطلب الثاني قتل الفروع والذي وإن كنا بتتبعنا لمواد قانون العقوبات لا نجد ما يوحي وأن المشرع جعل من قتل الفروع جريمة قتل مشددة بالنظر إلى صفة المجني عليه وهو الفرع إلا أن هناك من يرى وأنه ظرف مشدد لذلك سوف نتعرض لهذا الرأي ثم نقدم رأينا بعد ذلك حول هذا الموضوع.

المطلب الأول: قتل الأصول Parricide

تنص المادة 258 ق.ع على أن: “قتل الأصول هو إزهاق روح الأب أو الأم أو أي من الأصول الشرعيين..” وتنص المادة 261 ق.ع على أنه: “يعاقب بالإعدام كل من ارتكب جريمة القتل أو قتل الأصول…” فقتل الأصول حسب هاتين المادتين يعد قتلا عمديا مشددا وعلة التشديد هي علاقة الأبوة التي تربط بين الجاني والمجني عليه وأن كانت كافة الأديان والشرائع توجب احترام الوالدين فشريعتنا السمحاء توجب احترامهم وطاعتهم وذلك من خلال قوله تعالى: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا…”سورة الإسراء الآية 23.

فقتل الأصول جريمة بشعة وأمرا من الفضاعة والاستهتار لدرجة كبيرة تستوجب تشديد العقاب، فتنكر الفرع لأهله ووصول الخطورة الإجرامية الكامنة في نفسه الشريرة إلى حد إزهاق روح أصوله جعل المشرع يتدخل ليقضي ويتخلص من هذا الفرع الفاسد وذلك بتسليط عليه عقوبة تصل إلى حد الإعدام، وتأكيدا من المشرع على تشديد العقاب نص في المادة 282 قانون عقوبات على أنه: “لا عذر إطلاقا لمن يقتل أباه أو أمه أو أحد أصوله”.

وقد أكدت المحكمة العليا في قرار صادر من الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 771.34 بتاريخ 29/05/84 على أنه “يكون عنصر الأبوة ظرفا مشددا في جناية قتل الأصول وبهذه الصفة يجب أن يكون محل سؤال مستقل ومميز طبقا لمقتضيات المادة 305 من قانون الإجراءات الجزائية إلا كان باطلا وترتب على ذلك بطلان الحكم المبني عليه”(1).

—————————————————————————–
(1) أنظر المجلة القضائية للمحكمة العليا العدد 1 لسنة 1989 صفحة 294.
إلا أن المشرع لم يكتفي وكما سبق وأن ذكرنا بجعل صفة ابن المجني عليه في جريمة القتل ظرفا مشددا يرفع من العقوبة فحسب وإنما قرر أن هذه الصفة تضعنا أمام نموذج خاص أي أن من شأن هذا الظرف أن غير وصف الجريمة من قتل عمد إلى قتل الأصول.

الفرع الأول: شروط تحقق جناية قتل الأصول:

حتى يتحقق ظرف الأصول يجب أن تتوفر الشروط التالية:
أولا: أن يرتكب قتل عمدي بجميع عناصره القانونية.
ثانيا: العلاقة الأبوية ما بين القاتل والضحية.

الشرط الأول: أن يرتكب قتل عمدي.

فيجب في جريدة قتل الأصول أن يكون ثمة قتل عمد أو الشروع فيه، فإذا أفضى هذا الإعتداء إلى وفاة المجني عليه كانت جريمة القتل تامة. أما إذا لم تتوفر الضحية رغم الإعتداء عليها فتكون امام شروع في جناية قتل الأصول.

والفقه والقضاء متفق على أن الجريمة تقوم بغض النظر عن اقترانها بسبق الإصرار من عدمه(1) ولذلك لو فرضنا أن جناية قتل الأصول كانت عن سبق إصرار فإن ذلك لا يؤثر على العقوبة، وأنه ليس لازما على محكمة الجنايات أن تطرح أسئلة حول هذا الظرف إلا أنه إذا طرحت المحكمة أسئلة حول سبق الإصرار لا تكون باطلة(2).

الشرط الثاني: العلاقة الأبوية.

أي يجب أن يكون المجني عليه أحد أصول الجاني وهذا ماهو وارد في نص المادة 258 بقولها: “إزهاق روح الأب أو الأم أو أي من الأصول الشرعيين”.
والمقصود بالأصول في المادة السابقة الذكر الأصول الشرعيون أي الأب، الأم والجد وإن علا والجدة وإن علت دون غيرهم، ومهما بلغت درجة قرابتهم بالجاني.

فالملاحظ إن المشرع الجزائري يأخذ بالشريعة الإسلامية في الأحوال الشخصية وهي لا تعترف إلا بالقرابة الشرعية ولا يوجد أي أثر لما يسمى في الشرائع الأوروبية بالقرابة الطبيعية ولا التبني، والكفالة لذلك فإن الفقه الجزائري(3) يجمع على أن هذا الظرف المشدد لا يطبق إلا في حالة القرابة الشرعية ولا يسري على القرابة الطبيعية ولا قرابة التبني.

ويترتب على ذلك أن القرابة التي يجب توافرها هي القرابة المباشرة(4) أما قرابة الحواشي فلا تؤلف الظرف المشدد المنصوص عليه في المادة 258 ق.ع ولهذا فلا سبيل لتشديد العقوبة في جريمة القتل العمد الذي يقع بين الأزواج والزوجات وبين الأخوة والأخوات أو بين الأعمام أو العمات او أولاد الأخ أو الأخت أو بين الصهر وحميه…إلخ.

———————————————————–

(1) إلا أن الفقيه الإيطالي كرارا « carrara » يرى أن جناية القتل الأصول لا يمكن أن تكون إلا إذا وجد إضافة إلى القتل العمدي ظرف سبق الإصرار أنظر الأستاذ: بن شيخ لحسين المرجع السابق ص 30.
(2) أنظر: الأستاذ: بن شيخ لحسين المرجع السابق ص 31.
(3) أنظر: الأستاذ أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 31+ الأستاذ بن شيخ لحسين المرجع السابق ص 31 +د.عبد المجيد زعلاني، المرجع السابق ص 86.
(4) القرابة المباشرة عرفها قانون الأسرة في مادته 33 بأنها الصلة ما بين الفروع والأصول.

وهذا ما يجبرنا للتحدث على الغلط في الشخص، فإذا قتل شخص أحد أصوله نتيجة لغلط في شخص المجني عليه الذي كان يراد قتله أو أخطأ في التصويب فلا يعتبر الظرف المشدد متوفر وإنما يعاقب الفاعل على أساس جريمة قتل عمد فقط.

ولكن ما القول إذا انعكس الوضع، ووقع الجاني في الغلط المعاكس بأن أطلق النار ليقتل أباه وابنه فقتل هذا الشخص الغريب الذي لم يكن يقصده فهل تشدد عقوبته ويحكم عليه بالإعدام؟
الملاحظ أن أغلب التشريعات الجزائية تميل إلى الأخذ برأي العلامة الفرنسي “غارسون” في هذا الصدد بحيث أن الجاني الذي قصد قتل أحد أصوله أو فروعه فأصاب شخصا غريبا وقتله لغلط في الشخص أو لخطأ في التصويب إنما يعاقب بالعقوبة المقررة للقتل العمد ولا سبيل للأخذ بالظرف المشدد الناجم على القرابة المباشرة، وبهذا تنطوي هذه الواقعة على جريمتين جريمة القتل العمد الواقعة على الشخص الغريب المجني عليه وجريمة الشروع في قتل الأب وهي الجريمة الخائبة التي كان الجاني يهدف إلى تحقيقها في الأصل.

إلا أننا نرى وأن مبادئ العدالة توجب تشديد العقوبة المحددة للقتل العمد على الجاني الذي يطلق النار على أبيه مثلا فيخطئه ويقتل سواه.

الفرع الثاني: إثباته وبيانه في الحكم.

مسألة إثبات أن المجني عليه هو أصل الجاني مسألة موضوعية تخضع لتقدير القاضي بحيث يستعين بكافة طرق الإثبات كشهادة الشهود وغيرها من القرائن التي نصت عليها مدونة قانون الأسرة فيما يخص إثبات النسب كالإقرار والبينة.

إلا أنه وفي الحالة التي يدفع فيها المتهم أمام محكمة الجنايات بأنه ليس إبن المجني عليه (إنكار صفة البنوة) فهنا يكون القاضي أمام مسألة فرعية يتعين عليه في هذه الحالة أن يوقف الفصل في الدعوى الجنائية (الأصل) إلى غاية الفصل في المسألة الفرعية (الدفع).

ومتى ثبت لقاضي الموضوع أن المجني عليه هو أحد أصول الجاني طبق المادتين 258 و 261 ق.ع. وقد قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 22 جوان 1993 ملف رقم 103527، أنه “إذا كنا أمام حالة المتهم بالقتل مع سبق الإصرار والترصد فإنه لا بد من طرح سؤالين متميزين إلى القضاة والمحلفين المكونين لمحكمة الجنايات الأول حول القتل العمد والثاني حول ظرف سبق الإصرار والترصد فهذا لا يعني أننا ملزمون بطرح سؤالين كذلك فيما يتعلق بجريمة قتل الأصول إذ أنه سؤال واحد يكفي للقضاة في التهمة بكاملها، مع أنه لا يقع تحت طائلة البطلان في حالة طرح سؤالين الأول حول القتل العمد والثاني يتعلق بصلة القرابة”(1).

ومثال ذلك فإن الأسئلة التي طرحت في قضية(2) “برايس كمال” الذي أحيل على محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة بتهمة قتل الأصول طبقا للمواد 258-261 ق.ع كانت كما يلي :

(1) الموسوعة القضائية قرص مضغوط 2003 CD.
(2) حكم صادر عن محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة في 13/02/2000 ملف رقم 41/99.

السؤال الأول: هل أن المتهم برايس كمال مذنب بإرتكابه بتاريخ…..ومنذ زمن لم يمض عليه التقادم بالمكان….اختصاص محكمة….مجلس قضاء…..محكمة الجنايات كذا جريمة القتل العمد وهي ازهاق روح الضحية غوتي مريم الفعل المنصوص والمعاقب عليه بالمواد 254، 258-261 ق.ع.

السؤال الثاني: هل أن الضحية غوتي مريم تعد أحد أصول المتهم.

السؤال الثالث: هل أن المتهم برايس كمال كان ينوي قتل الضحية غوتي مريم.

– ومتى توفرت الإقتناع الشخصي لأعضاء محكمة الجنايات بأن الجرم ثابت في حق المتهم وذلك بأن أجابت عن الأسئلة المطروحة بالإيجاب فإنه يتميز عليها أن تطبق أو تقضي في حق المتهم بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 261 ق.ع والمتمثلة في الإعدام.

– ولا تأثير بعد ذلك للأعذار المخففة على عقوبة قتل الأصول وهذا ما نصت عليه المادة 282 ق.ع بنصها: “لا عذر لمن يقتل أباه أو أحد أصوله”

– بل لا تأثير حتى لرضا الضحية كان يقتل الابن والده بدافع الشفقة أو بطلب منه كونه يعاني من آلام حادة.

– وهذا على خلاف الأفعال المبررة أو المانعة للمسؤولية-أمر القانون-إذن القانون – الدفاع الشرعي أو الجنون-فإنها تطبق على قاتل الأصول.

وهذا ما حدث في قضية “برايس كمال” المتهم بقتل أمه، الذي أثبتت الخبرات الطبية الثلاث التي أجريت عليه من طرف اختصاصيين في الأمراض النفسية والعصبية والعقلية أنه لم يكن يتمتع بكل قواه العقلية أثناء ارتكابه الجريمة الحالية وأن مرضه مزمن يتمثل في انفصام شخصيته التي تصور له واقعا مشوها، وهذا يبدو في كل مراحل حياته ومن ثمة فهو غير قابل لتحمل المسؤولية الجزائية.

على هذا الأساس فقد طرحت محكمة الجنايات سؤالا احتياطيا بعد إعطاء الرأي للنيابة والدفاع طبقا لأحكام المادة 306 ق.إ.ج حول ما إذا كان المتهم وقت ارتكاب الوقائع المنسوبة إليه في حالة جنون طبقا لأحكام المادة 47 ق.ع وأجابت عن هذا السؤال بالإيجاب.

وبما انه وطبقا للمادة 47 ق.ع يعد الجنون مانع من موانع المسؤولية ويترتب عليه إعفاء المتهم من العقوبة وذلك دون الإخلال بأحكام الفقرة 02 مراعاة 21 (الأمر بالحجز القضائي في مؤسسة نفسية أو طبية للعلاج).

-فقد حكمت محكمة الجنايات بإدانة المتهم بجرم قتل الأصول وإعفائه من العقوبة طبقا لأحكام المادة 52 ق.ع والتي لم تميز بين نوع الجرائم، فللقاضي سلطة واسعة في تقدير العقوبة فإذا رأى أن هناك ما يدعو إلى تخفيف العقوبة فله أن يخففها على الجاني كما هو في الحكم التالي: “حيث أنه بتاريخ 30/12/78 قضت محكمة الجزائر في القضية رقم 23 بالسجن لمدة عشر سنوات على المتهم طبقا للمادتين 258 و 261 بعد استعمال الرأفة معه إذ أنه بتاريخ 29/04/77 أصاب والده بجروح خطيرة نتيجة طعنه بسكين وبعد نقله إلى المستشفى توفي متأثرا بجروحه وثبت للمحكمة أن المجني عليه اعتدى على والدة المتهم قبل الحادث والضرب بمنجل وأصابها بعدة إصابات مما أثار هذا الأخير ودفعه إلى ارتكاب الحادث”. وواضح من هذا الحكم أن محكمة الجنايات قد استبدلت عقوبة الإعدام بعقوبة السجن لمدة عشر سنوات نظرا لأخذها بالظروف المخففة واستعمال الرأفة مع المتهم.

– وإن صفة ابن المجني عليه في جريمة القتل العمد تعد من الظروف المختلطة فهي ظرف شخصي وموضوعي في نفس الوقت فهي شخصية كونها تتصل بشخصية المعني بالأمر وهي موضوعية لكنها تؤثر في الإجرام(1).
– وعلى هذا الأساس فإنه في حالة مساهمة الإبن في قتل والده يكون الحال كالتالي(2):

-بالنسبة للإبن: سواء كان فاعلا أو شريكا تطبق عليه الظروف المشددة فيعاقب بالإعدام.
. إذا كان فاعلا اصليا يرتكب الابن جناية قتل الأصول عملا بالظروف الموضوعية تنطبق عليه عقوبة الإعدام.
. إذا كان شريكا لقاتل والده تطبق عليه عقوبة الإعدام أيضا عملا بقاعدة الظروف الشخصية.

– بالنسبة للمساهم الثاني في جريمة قتل الأصول: بحسب ما إذا كان يعلم بأن المجني عليه والد المساهم الأول أو لا يعلم بذلك تطبق عليه الظروف المشددة أو لا تطبق سواء كان فاعلا أو شريكا.
.يرتكب المساهم الثاني في القتل جناية القتل ويعاقب بالسجن المؤبد إذا كان يجهل صفة المجني عليه بالنسبة للمساهم الأول.
. يرتكب المساهم الثاني في القتل جناية قتل الأصول ويعاقب بالإعدام إذا كان يعلم صفة المجني عليه بالنسبة للمساهم الأول وهذا عملا بقاعدة الظروف الموضوعية.

(1) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجزائي العام المرجع السابق ص 163 وما بعدها
(2) لقد تم التوصل لمثل هذا الحل تماشيا مع ما توصل إليه القضاء الفرنسي عندما طرحت عليه مسألة الظروف المختلطة إذا لم يتردد في اعتبار الشريك في المثال الذي يكون فيه الابن قاتلا لأبيه، فاعلا أصليا مساعدا coauteur حتى تطبق عليه العقوبة المقررة للفاعل الأصلي وهذا ما سلكه المشرع الجزائري في المادة 44 ق.ع أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجزائي العام المرجع السابق ص 164.

المطلب الثاني: قتل الفروع.

– بعد استعراضنا لقتل الأصول في المطلب السابق، وبينا الأحكام المتعلقة به والعلة في تشديد هذا الوصف من جريمة القتل العمد، تبادر إلى أذهاننا سؤالا يفرض نفسه علينا ألا وهو هل أن المشرع الجزائري قد تناول قتل الفروع كصورة نظيرة للوصف الأول الذي قمنا بتناوله في المطلب السابق ؟

في الوهلة الأولى نلاحظ أن المادة 258 ق.ع السابقة الذكر نصت على قتل الأصول أي حسب هذه المادة نقول وأن التشريع الجزائري من التشريعات الجزائية التي اتجهت حيال هذا الظرف المشدد المبني على أساس صلة القرابة إلى التضييق في مدلول القرابة واقتصر التشديد على قتل الأصول فقط دون الفروع.

إلا أن الدكتور “اسحاق ابراهيم منصور” يرى وأن قتل الفروع يعد ظرفا مشددا لجريمة القتل العمد.
لذلك سوف نتناول رأي هذا الدكتور في فرع أول لنقف على الأسانيد التي اعتمد عليها ثم نقدم رأينا عن قتل الفروع في الفرع الثاني.

الفرع الأول: استعراض الرأي الذي يرى وأن قتل الفروع ظرف مشدد لجريمة القتل العمد.

– ذهب هذا الرأي(1) إلى أن المشرع الجزائري تناول قتل الفروع في القسم الأول من هذا القانون المتعلق بأعمال العنف العمدية في نص المادة 272 ق.ع والتي نصت على أنه: “إذا كان الجناة هم أحد الوالدين الشرعيين أو غيرهما من الأصول الشرعيين أو أي شخص آخر له سلطة على الطفل أو يتولى رعايته، وبهذا قد تناول حالة قتل الفروع ويرى أن المادة 272 ق.ع تضمنت شروط التشديد والتي تتمثل في أنه يجب أن تقع جريمة القتل بأركانها الثلاثة ثم أنه يجب أن يرتكب القتل من طرف الأصل أو أحد الأشخاص الذين عددتهم المادة 272 ق.ع ثم أخيرا يشترط أن يكون الفرع هو المجني عليه وميز في هذا الشرط بين حالتين:

الحالة الأولى: إذا كان الفرع تجاوز سن السادسة عشر.
فيرى أنه يجب أن تطبق القواعد العامة فلا يطبق نص المادة 272 ق.ع.ج. بل نطبق نص المادة 263/03 ق.ع فتكون عقوبة السجن المؤبد وقد تكون عقوبة الإعدام إذا توافر ظرف قانوني مشدد كسبق الإصرار والترصد والقتل بالتسمم أو غيرها من الظروف المشددة التي سبق ذكرها.

الحالة الثانية: الفرع الذي لم يبلغ سن 16 سنة وقت ارتكاب الجريمة.
فيرى أن هذه الحالة هي التي يطبق عليها نص المادة 272/04 ق.ع. فمتى تحققت هذه الجريمة جاز عقاب مرتكبيها بعقوبة الإعدام بدل عقوبة السجن المؤبد ومبرر ذلك هو سلطة الأصل على الفرع في هذه الفقرة.

(1) أنظر الدكتور إسحاق ابراهيم منصور، المرجع السابق ص 42.

الفرع الثاني: رأينا في مسألة قتل الفروع.

* حسب رأينا أن قتل الفروع لا يعد قتلا مشددا بالنظر إلى صفة المجني عليه-الفرع- لذلك فإننا نعترض عما جاء به الرأي الذي سبق عرضه من عدة أوجه:

-أولا: نحن نرى أنه لا يمكن تشديد عقوبة القتل العمد في حالة ما إذا كان المجني عليه أحد الفروع والجاني أحد الأصول ذلك أن المشرع الجزائري لم يخصص لهذه الحالة نص خاص وصريح مثلما فعل بالنسبة لقتل الأصول والتي أورد لها نص صريح هو نص المادة 258 ق.ع. لذلك نعيد ونكرر أن التشريع الجزائري يبدو أنه إتجه حيال هذا الظرف المشدد المبني على أساس صلة القرابة إلى التضييق في مدلول القرابة واقتصر التشديد على قتل الأصول فقط دون الفروع هذا من جهة.

-ثانيا: ومن جهة أخرى لا يمكن ان نعتبر أن المشرع تناول قتل الفروع كظرف مشدد في القسم المتعلق بأعمال العنف العمدية إستنادا إلى منع قياس هذا الفرض مع الفرض المنصوص عليه في المادة 272/04 ق.ع طبقا إلى ما هو مستقر عليه من حظر القياس في مجال التجريم ومن ثمة في مجال التشديد.

-ثالثا: من أجل ما سبق فنحن نرى أن صفة الفرع الواردة في المادة 272 ق.ع فقرة 04 لا يمكن أن نعتبرها بأي حال من الأحوال أنها ظرف مشدد لجريمة القتل ذلك أن هذه المادة كما سبق القول جاءت ضمن القسم الخاص بجرائم العنف العمدية وعلى هذا الأساس فإن ظرف الفروع في هذه الحالة هو فعلا ظرفا مشددا ولكن ليس لجريمة القتل العمد وإنما لجريمة الضرب والجرح العمدي. المفضي إلى الوفاة دون قصد إحداثها المنصوص عليها في المادة 264/02 فالمبدأ أن هذه الجناية معاقب عليها بالسجن من 10 إلى 20 سنة إلا أنه في حالة ما إذا كان القاصر الذي لم يتجاوز 16 سنة مجني عليه (وضحية) والجاني من أحد الأصول أو ممن لهم سلطة عليه أو يتولى رعايته فتصبح في هذه الحالة جناية مشددة وعقوبتها ترفع إلى الإعدام طبقا للمادة 272/04 ق.ع.

– وأنه في حالة القاصر الذي تجاوز 16 سنة نرجع إلى تطبيق نص المادة 264/04 ق.ع لتكون عقوبته (السجن من 10 إلى 20 سنة لا السجن المؤبد طبقا للمادة 263/03 ق.ع كما جاء في الرأي السابق.

– وتعود حكمة التشديد المنصوص عليها في المادة 272/04 ق.ع إلى أنه إذا كان لمن يتولى تربية القاصر حق تأديبه وهذا الحق يبيح الضرب لأجل التعليم والتربية فإن ليس له الحق في أن يتجاوز الضارب حدود هذا الحق بأن يؤدي هذا الضرب إلى الوفاة. فإن حصل ذلك وجب العقاب ورفعه إلى عقوبة أشد.

– من أجل كل ما سبق فإننا نعيب على الرأي السابق، نرى أنه لا يمكننا أن نعتبر صفة الفرع المجني عليه في جريمة القتل ظرفا مشددا، بل أن الأب الذي يقتل أحد فروعه يكون طبقا للتشريع الجزائري خاضعا للنصوص العادية المجرمة للقتل العمد.

-نخلص في نهاية هذا الفصل إلى أنه إذا كان المتهم متابع بجناية القتل العمد المقترن بأي ظرف من الظروف المشددة التي سبق دراستها ظرفا ظرفا، فإنه يجب أن يطرح سؤال عن أركان جريمة القتل العمد ثم الأسئلة الخاصة بالظروف المشددة، والتي يجب أن تكون مستقلة ومتميزة وهذا ما نصت عليه المادة 305 من ق.إ.ج.وأكدته المحكمة العليا-غرفة جنائية- في العديد من قراراتها نذكر منها: القرار الصادر بتاريخ 23/102001 ملف رقم 277661 جاء فيه: “يجب أن يطرح السؤال مجردا عن كل ظرف شديد و أن طرح سؤال ومستقل عن هذا الظرف لا يصحح الخطأ الوارد في السؤال الرئيسي”(1).
كذلك القرار الصادر بتاريخ 24/03/1998-ملف رقم 186222 جا فيه أنه: “من المبادئ العامة أن الأسئلة توضع وتطرح عن كل واقعة معينة في منطوق قرار الإحالة وكل ظرف مشدد يكون محل سؤال مستقل وإن دمج الوقائع والظروف المشددة لهما في الأسئلة المطروحة من محكمة الجنايات يعرض حكمها للنقض”(2).

– كما انه لا يجوز الجمع بين ظرفين أو أكثر من الظروف المشددة تحت طائلة البطلان مثال ذلك الجمع بين ظرف الترصد وسبق الإصرار في سؤال واحد، وهذا ما قضت به المحكمة العليا- غرفة جنائية- في قرارها الصادر بتاريخ 23/11/99 ملف رقم 20293 جاء فيه: “من المقرر قانونا أن جمع ظرفين أو أكثر من الظروف المشددة في سؤال واحد يجعله متشعبا”(3).

– ثم انه لا يكفي وضع سؤال مستقل للظرف المشدد لكي يكون الحكم صحيحا، بل يجب بعد ذلك أن تكون طريقة طرحه سلمية وصحيحة، خاصة إذا علمنا أن طريقة طرح السؤال تعد من المسائل القانونية الخاضعة لرقابة المحكمة العليا، باعتبارها تعليلا وتسبيبا لحكم محكمة الجنايات.

– لذلك فإننا نعيب على اكتفاء قضاة الموضوع في السؤال المتعلق بالظروف المشددة بذكرها بلفظها فقط، مثال ذلك في ظرف الترصد عادة ما يكون السؤال كما يلي: “هل أن المتهم مذنب لإرتكابه في نفس الظروف الزمانية والمكانية جرم القتل العمد مع الترصد طبقا للمادة 275 ق.ع، فحسبنا أن مثل هذا السؤال يعد ناقصا كونه لا يتضمن العناصر القانونية الواردة في التعريف الذي جاء به المشرع في المادة 257 ق.ع والتي يجب أن تستخلص من وقائع الدعوى وملابساتها هذا من جهة، من جهة أخرى أن مثل هذه الطريقة تجعل قضاة الموضوع لا يتخذون الحيطة في تحرير السؤال ولا يتحملون المسؤولية التامة عند إثبات وجود هذا الظرف من عدمه على النحو الذي تطرقنا إليه سابقا ذلك أن هناك بعض القرائن والملابسات التي رجعنا إليها في بعض الملفات لا يمكن أن تؤدي عقلا ومنطقا إلى ما انتهت إليه محكمة الموضوع بل لا تتفق أصلا مع التعريف الوارد للظرف المشدد في ق.ع.

(1) أنظر الإجتهاد القضائي للغرفة الجنائية عدد خاص 2003-المحكمة العليا قسم الوثائق ص 529.
(2) أنظر د.أحسن بوسقيعة-قانون الإجراءات الجزائية في ضوء الممارسة القضائية الطبعة الثانية- الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002 ص 117.
(3) أنظر الإجتهاد القضائي للغرفة الجنائية عدد خاص 2003 المرجع السابق ص 475.

– ولكي نتجنب سوء تطبيق القانون على الوقائع وما يرتبه من آثار في حق المتهم في بعض الأحيان ومن أجل تمكين المحكمة العليا من فرض رقابتها على طريق طرح السؤال باعتباره المجال الخصب لنقض أحكام محكمة الجنايات، فإننا نقترح أن تذكر الوقائع والظروف التي تثبت وجود الظرف المشدد في صلب السؤال المتعلق به وجوبا وبذلك يكونوا قد سببوا وعللوا حكمهم تعليلا صحيحا. فعوض مثلا أن يكون السؤال المتعلق بالترصد على النحو الذي سبق ذكره لما لا يكون مثلا على النحو التالي: “هل أن وجود ضغينة سابقة بين الجاني والمجني عليه ووجود الأول مختبئا ومعه سلاح في طريق المجني عليه دون أن يكون هناك مبرر لإختفائه في هذا الطريق يعد ترصدا طبقا للمادة 258 ق.ع”.

– وعلى هذا الأساس سوف يكون السؤال ناقص وغامض ومنعدم التعليل متى كان غير متضمن للوقائع والملابسات التي استشف منها الظرف بالرغم من الإجابة عليه بالنفي أو الإيجاب، ومتى كان كذلك أرى أنه يتوجب نقض وإبطال مثل هذا الحكم على أساس القصور في التسبيب.

– ذلك أن قضاة محكمة الجنايات إن كانوا غير ملزمين بتبرير ما توصلوا إليه طبقا لقناعتهم الشخصية فإنهم ملزمون بطرح الأسئلة بطريقة صحيحة ذلك أن الأمر يتعلق بمسألة قانونية لا موضوعية تخضع لرقابة المحكمة العليا.

– قد يكون السؤال المطروح عن الظرف المشدد سؤال احتياطي، إذا تبين من خلال المرافعات والمناقشات التي دارت بالجلسة أن هناك ظروف مشددة غير مذكورة في منطوق قرار الإحالة للرئيس أن يطرح أسئلة خاصة بعد سماع طلبات النيابة العامة وشرح الدفاع وهذا ما نصت عليه المادة 306 ف1 ق.إ.ج ولا يجوز لهيئة المحكمة الإجابة عن أي سؤال إحتياطي لم يطرح بالجلسة ومخالفة هذه المادة يؤدي إلى البطلان.

– ومتى ثبت توافر أي ظرف من الظروف المشددة السابقة الذكر في حق المتهم فإنه يجب أن ترفع العقوبة من السجن المؤبد إلى الإعدام وهذا ما رأيناه سابقا- فضلا عن العقوبة الأصلية فإنه يجوز للقاضي أن يحكم على المتهم بأحد العقوبات التكميلية المنصوص عليها في المادة 09 ق.ع والمتمثلة في(1):

1- تحديد الإقامة لمدة لا تتجاوز 5 سنوات، وذلك من تاريخ إنقضاء العقوبة أو الإفراج عن المحكوم عليه.
2- المنع من الإقامة لمدة لا تتجاوز 10 سنوات من تاريخ الإفراج عن المحكوم عليه.
3- مصادرة الأسلحة والأشياء والآلات التي استعملت في ارتكاب الجريمة مع التحفظ بضمان حقوق الغير حسن النية.
إضافة إلى العقوبات التبعية التي تطبق في هذه الحالة بقوة القانون والمنصوص عليها في المادة 07 ق.ع. والمتمثلة في الحجر القانوني والحرمان من الحقوق الوطنية

(1) للمزيد من المعلومات حول العقوبات التكيملية والتبعية راجع الدكتور أحسن بوسقيعة-الوجيز في القانون الجزائي المرجع السابق ص 220 وما بعدها

الفصل الثاني : الأعذار القانونية المخففة لجريمة القتل العمد.

– بعد تناولنا للظروف المشددة لجريمة القتل العمد في القانون الجزائري في الفصل الأول من بحثنا هذا سوف نتناول في هذا الفصل الثاني الأعذار القانونية المخففة لهذه الجريمة في التشريع الجزائري بشيء من التفصيل وقبل الشروع في عرض هذه الأعذار سوف نحاول أولا أن نميزها عن الظروف المخففة والأعذار المعفية من العقاب من خلال إبراز أوجه التشابه وأوجه الإختلاف بينها.

– فالظروف المخففة هي تلك الظروف والوقائع التي تدعو إلى أخذ الجاني بالرأفة وتخفيف العقوبة عليه حالة اقترانها بالجريمة فهي أسباب عامة تركها المشرع لتقدير القاضي لذلك هناك من يطلق عليها إسم الأعذار أو الأسباب القضائية(1). وقد نص المشرع عليها في المادة 53 من ق.ع.ج.
-أما الأعذار القانونية المخففة فهي حالات محددة في القانون على سبيل الحصر ويترتب عليها مع قيام الجريمة المسؤولية تخفف العقوبة وهذا ما نصت عليه المادة 52 ق.ع.

ومن هنا نستنتج أن الأعذار القانونية لا تختلف عن الظروف المخففة من حيث آثارها فكليهما يخفف العقوبة بالنزول عن حدها المقرر قانونا. وإنما تختلف عنها من حيث حصرها مسبقا بنصوص خاصة في صلب القانون أين يتم بيان أحكامها وتحديد العقاب عند توافرها وبالتالي يكون القاضي ملزما بها عندما يصدر حكمه في القضية على خلاف الظروف المخففة التي ينظر إليها القاضي دائما عند الحكم وتقدير العقاب من خلالها، عند النطق به دون الخروج عن الإطار الذي حدده المشرع للجريمة مهما توفرت هذه الظروف.

-أما الأعذار المعفية فهي ظروف تعفي من العقوبة شخص ثبت قضائيا أنه ارتكب جريمة وهذه الأعذار وإن كانت تمحو العقاب عن الجاني إلا أنها لا ترفع المسؤولية ولا تمحو الجريمة وهذا ما نصت عليه المادة 52 ق.ع.

وبعد هذه المقارنة البسيطة بين المصطلحات السابقة نتطرق للأعذار القانونية المخففة لجريمة القتل العمد في المباحث التالية:

المبحث الأول: قتل الأم لإبنها حديث العهد بالولادة.
المبحث الثاني: عذر تجاوز حد الدفاع الشرعي.
المبحث الثالث: عذر تلبس أحد الزوجين بالزنا.

—————–
01) أنظر د.أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي العام المرجع السابق ص 247.

المبحث الأول: قتل الأم لإبنها حديث العهد بالولادة.

– جريمة قتل الأطفال حديثي العهد بالولادة هي أكثر الجرائم اتصالا بأوضاع المجتمعات وشعوبها ونظمها الإجتماعية والدينية والخلقية والإقتصادية والغالب ما ترتكب هذه الجريمة من طرف الأمهات العذارى الخاطئات، لذلك فإن المشرع الجزائري ومن زاوية الإشفاق على النساء اللواتي يردن القضاء على نتائج الخطيئة وإخفاء لعارهن اعتبر الأم التي تقتل وليدها الحديث العهد بالولاد تستفيد من عذر مخفف ونص عليه في المادة 259 و 261 ع. حيث جاء في نص المادة 259 ق.ع تعريف لقتل الأطفال وذلك بقولها: “قتل الأطفال هو إزهاق روح طفل حديث العهد بالولادة.
ونص في المادة 261 ق.ع على استفادة الأم وحدها من هذا العذر بقولها: “…ومع ذلك تعاقب الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو شريكة في قتل إبنها حديث الولادة بالسجن المؤقت من 10 سنوات إلى 20 سنة على أن يطبق هذا النص على من ساهموا أو اشتركوا معها في ارتكاب الجريمة”.
– وعلى ضوء هاتين المادتين سوف نتطرق للأركان الواجب توافرها لجريمة قتل الأم لإبنها حديث العهد بالولادة (مطلب أول) ثم كيفية إثباته وبيانه في الحكم (مطلب ثاني).

المطلب الأول: أركان جريمة قتل الأم لإبنها حديث العهد بالولادة.

إن بحث أركان جريمة قتل الوليد لا يمس الركنيين المادي والمعنوي لجريمة القتل العمد فحسب ولكنه يتناول أيضا شخص الجاني وشخص المجني عليه والدافع إلى ارتكاب الجريمة وزمن ارتكابها وسوف نحاول إجمال ذلك في أركان عامة، وهذا ما سنتناوله في الفرع الأول وأركان خاصة ومميزة للجريمة في الفرع الثاني.

الفرع الأول: الأركان العامة:

1- تحقق حياة الضحية: فجريمة القتل تقتضي أن يكون الإنسان حي وبما أننا بصدد قتل الأطفال فيجب أن يكون الطفل حي ولمعرفة وقت بداية هذه الحماية يجب بيان بداية حياة الإنسان فمتى تبدأ إذن الحياة التي لا يعود بعدها الكائن البشري جنينا وإنما يكتسب وصف (الإنسان الحي) وتحميه قواعد القتل لا قواعد الإجهاض ؟ المتفق عليه أن الحياة تبدأ لدى الإنسان ببداية لحظة ميلاده، وإن لم تكن عملية الولادة تمت بعد، فالحياة متوفرة في اللحظة التي يقرر فيها الأطباء بداية الحياة، حتى ولو تأخر نزوله بسبب عسر في الولادة أو ضيق في الرحم أو انحراف في وضعه الطبيعي ما دام من المؤكد أنه استقل بدورته الدموية بمعنى أن أحكام قانون العقوبات المجرمة للقتل تمتد لتشمل المولود في أثناء الوقت الذي تستغرقه عملية الولادة ما دام الجنين قد استقل بكيانه عن كيان أمه باكتمال نضجه واستعداده للخروج للحياة مهما تعسرت ولادته وأيا كان الوقت الذي استغرقته(1).

———————————————————————————
(1) أنظر د.أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي الخاص المرجع السابق ص 09 وما بعدها

وإثبات حياة الطفل يقع على عاتق النيابة العامة ومن أهم وسائل الإثبات في هذه الحالة اللجوء إلى الخبرة الطبية الشرعية، والتي يمكن لها أن تبين لنا ما إذا كان الطفل قد تنفس بصورة كاملة أم لا، وتكون ظاهرة التنفس تلك أحد دلائل الحياة(1).

ومما تقدم يتضح جليا أنه يشترط تحقق حياة الطفل بالمفهوم الجنائي السابق الذكر وإن كان بعدها غير قابل لأن يعيش طويلا أو كان مشوه الخلقة، ففي كل هذه الحالات تقوم المسؤولية الجزائية ولا تنتفي إلا إذا ولد الطفل ميتا فنكون في هذه الحالة بصدد جريمة مستحيلة.

2- الفعل المادي للقتل:
يعد قتل الأطفال صورة من صور القتل العمد، وعليه يتعين وجود نشاط مادي يقوم به الجاني وتتحقق به وفاة الطفل سواء كان في صورة إيجابية أو سلبية يقصد بها القضاء على حياة المولود، وهذا ما قضت به المحكمة العليا –غرفة جنائية- في قرارها الصادر بتاريخ 04 جانفي 1983 ملف رقم 30100 جاء فيه: “لا يشترط القانون لتطبيق المادة 259 ق.ع. أن يكون السلوك الإجرامي للأم فعلا إيجابيا وإنما يمكن أن يكون إمتناعا كعدم ربط الحبل السري للوليد، وعدم الإعتناء به والإمتناع عن إرضاعه”(2).

ومثال الفعل الإيجابي قضية: “مراح نصيرة المتهمة بقتل طفل حديث العهد بالولادة عن طريق حتفه ولفه في قطعة قماش ثم وضعته داخل كيس من البلاستيك ورمت به في خم الدجاج(3) فهنا النشاط المادي لجريمة قتل طفل حديث عهد بالولادة تمثل في فعل إيجابي وهو الخنق وهناك أمثلة أخرى للنشاط الإيجابي كالإغراق مثلا.
في قضية “دريد نصيرة” المتهمة هي الأخرى بقتل وليدها حديث العهد بالولادة والتي بعد أن وضعت حملها رمت به وسط بركة من المياه العكرة”(4).

3- الركن المعنوي:
فلا بد أن يتوفر في هذه الجريمة القصد العام والمتمثل في العلم بأن الطفل حي المقترن بإرادة إحداث الوفاة(5) وعليه إذا انتفت الإرادة الجنائية لدى الأم المتهمة بقتل وليدها كأن كان سبب الوفاة هو عدم الحذر أو نقص الإسعاف والعناية فهنا تكون المتابعة على أساس وجود قتل خطأ (غير عمدي) لإنتفاء إرادة القتل.
————
(1) أنظر الأستاذ بن شيخ لحسين المرجع السابق ص 34.
(2) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة قانون العقوبات في ضوء الممارسة القضائية المرجع السابق ص 101.
(3) قرار إحالة صادر عن غرفة الإتهام بمجلس قضاء تبسة بتاريخ 18/03/2003 في القضية رقم 114/2003 رقم الفهرس 352/99.
(4) قرار إحالة صدر عن غرفة إتهام بمجلس قضاء تبسة بتاريخ 8/12/1999 رقم القضية 352/99 رقم الفهرس 352/99.
(5) د.إسحاق ابراهيم منصور المرجع السابق ص 22.

– لذلك يجب إثبات الركن المعنوي في جريمة قتل طفل حديث عهد بالولادة، إلا أن ما تجدر الملاحظ إليه أن وجود آثار العنف على جسم الطفل لا يكون دليلا على أنها كانت تقصد قتله بل على الطبيب المختص أن يبين ذلك بعد الفحص الدقيق لطبيعة الجروح وخطورتها والطريقة التي استخدمت في إحداثها وبالتالي بأنها إرادية أم لا.

2- الأركان أو العناصر المميزة لجريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة.
1- صفة المجني عليه: حتى نكون في إطار تطبيق هذا العذر فيجب أن يقع القتل على طفل حديث العهد بالولادة وهذا ما نص عليه المشرع الجزائري في نص المادة 259: “قتل الأطفال هو إزهاق روح طفل حديث العهد بالولادة”.

– ما يلاحظ على هذا النص أن المشرع الجزائري لم يحدد المقصود بحديث العهد بالولادة وعليه فالتساؤل الذي يطرح ما هي المدة الزمنية التي يكون فيها الطفل حديث العهد بالولادة والتي يجب أن تقع فيها جريمة القتل حتى يمكننا تطبيق هذا العذر ؟ فكما سبق القول أن المشرع لم يحدد المدة الزمنية التي ينطبق فيها وصف حديث العهد بالولادة ويزول بمرورها تطبيق هذا العذر.

– لذلك فإن الفقه متفق على أن هذه المسألة متروك تقديرها لقضاة الموضوع وتطبيقا لذلك يكون القتل واقعا على وليد إذا نفذ من طرف الأم في مدة قصيرة وقريبة جدا من ميلاده ولم تسترجع فيها الأم بعد هدوئها النفسي وخروجها مما اصابها نتيجة الإنزعاج العاطفي الذي تلى فترة الوضع. (وإلا خضعت في غير هذا إلى النصوص العادية المجرمة للقتل)

ويرى القضاء الفرنسي أن حداثة العهد بالولادة تنتهي بانقضاء أجل تسجيل المولود في سجلات الحالة المدنية (وهو محدد بخمسة أيام في قانون الحالة المدنية الجزائري)(1).
– لذلك فإن الأستاذ لحسين بن شيخ ذهب إلى أن “صفة المولود الحديث تنتفي إذا تم تسجيله في سجلات الحالة المدنية” 5 أيام طبقا للمادة 61 من قانون الحالة المدنية رقم 70/20 المؤرخ في 19 فبراير 1970″(2)

فحسب هذا الرأي أن المدة التي يجب أن تكون بين ميلاد الطفل وواقعة القتل لا تتجاوز 05 أيام. أما إذا كان القتل تم بعد ميلاد الطفل بأكثر من 05 أيام أصبح قتلا عاديا لا قتلا لطفل حديث عهد بالولادة وتخضع بذلك الأم للنصوص المجرمة للقتل العادي ولا تستفيد من العذر.

لذلك فيتعين إذن إثبات أولا بتاريخ ميلاد الطفل وعادة ما يتم بعرض الأم على طبيب مختص في أمراض النساء ليؤكد تاريخ وصنعها لحملها ثم تاريخ ارتكاب الواقعة وعادة ما تتم في نفس يوم وضع نظرا لخصوصية هذه الجريمة.

———–
(1)أنظر د.أحسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجنائي الخاص المرجع السابق ص 32.
(2) الأستاذ لحسين بن شيخ المرجع السابق ص 37.
إلا أنه أمام سكوت المشرع عن تحديد النطاق الزمني لحداثة العهد بالولادة وكذا أمام غياب إجتهاد قضائي يقضي بأن المدة التي تختفي بها صفة حداثة العهد بالولادة هي 05 أيام فإن الأمر يبقى متروك للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع المهم أن تكون المدة بين واقعة القتل ولحظة الميلاد قصيرة وقريبة منه ويتقبلها العقل، ومثل ذلك قضية “دريد شهرة” التي سبق ذكرها فإن الفحص الطبي الذي أجري عليها من طرف الطبيب المختص في أمراض النساء أكد وضعها لحملها في غضون الأيام الخمسة الفارطة ثم اعترفت أن واقعة القتل تمت في نفس اليوم الذي وضعت فيه حملها خوفا من أهلها.

والسؤال الذي تبادر إلى أذهاننا في شأن الطفل الحديث بالولادة، هل يشترط أن يعثر عليه لقيام مسؤولية الأم ؟
لقد قضت المحكمة العليا في قرار صادر عنها في 21 أفريل 1987 في الملف رقم 46463 أن: “عدم العثور على جثة الطفل المقتول لا ينفي حتما عدم قيام الجريمة طالما محكمة الجنايات اقتنعت بأن الطفل ولد حيا وأن أمه هي التي أزهقت روحه عمدا(1).
وعلى أساس هذا الإجتهاد إذا كان العثور على جثة الطفل قد يسهل لنا إثبات تحقق حياة الطفل وذلك بإجراء خبرة طبية عليه، إلا أن عدم العثور على الطفل المقتول لا ينفي قيام مسؤولية الأم، إذا ما اعترفت مثلا بأنه ولد حيا وأنها قامت بقتله فاعترافها يعد دليل إثبات يناقش من طرف قضاة الموضوع وإذا ما تم الأخذ به أدينت الأم على أساس تهمة قتل طفل حديث العهد بالولادة بالرغم من عدم العثور عليه.

العنصر الثاني: يجب أن يكون القتل قد وقع من الأم.
لقد رسم المشرع الجزائري حدود تطبيق هذا العذر على الأم وحدها وهذا ما يتضح من خلال ما تناوله في مضمون المادة 261/02 ق.ع بقوله: “ومع ذلك تعاقب الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو شريكة في قتل إبنها حديث العهد بالولادة بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة”.
وبذلك خالف منهج المشرع المصري الذي لم ينص إطلاقا على هذا العذر، كما اتجه اتجاها معاكسا لما سلكه الشارع الإيطالي، الذي جعل الإستفادة من هذا العذر تمتد لأي شخص تربطه بالطفل قرابة مباشرة كالزوج، الأب، الأم، الأخت، العم أو الخالة أو العمة أو الخال.
وبالتالي في التشريع الجزائري لا يتصور أن يطبق هذا العذر إذا ارتكب القتل من طرف شخص غير الأم حتى وإن كان الأب أو الأخ أو الأخت ومهما كان دافعه إلى ذلك.

كذلك لكي يطبق هذا العذر يجب أن تكون الأم قد ارتكبت جريمتها على طفلها الحديث العهد بالولادة فهذا العنصر والعنصر الأول متلازمان على النحو الذي رأيناه سابقا وإلا فلا يسمح لها بالإستفادة من هذا العذر المخفف المنصوص عليه في المادة 261/02 ق.ع وبالتالي تعاقب بعقوبة القتل العمدي أو الإغتيال حسب الحالات.
كذلك يبدو أن المشرع جعل نص المادة 261 ق.ع مطلقا من خلال عدم تحديده لدافع الأم لقتل ابنها حديث العهد بالولادة. فهل هذا يعني أن الأم تستفيد من هذا العذر ولو لم يكن دافعها هو اتقاء العار ؟ يجمع الفقه على وجوب توفر هذا الدافع بل في الحقيقة هو ما يبرر ارتكاب الأم لجريمة القتل وبالتالي لا يكفي القصد العام المشترط لأية جريمة وإنما لا بد أن يتوفر لدى الأم قصدا خاصا والذي يتجلى في اتجاه نيتها إلى القتل قصد اخفاء الفضيحة وصيانة الشرف في الوسط الإجتماعي الذي تعيش فيه(2).
—————
(1) أنظر د.أحسن بوسقيعة: قانون العقوبات في ضوء الممارسة القضائية المرجع السابق ص 101.
(2) أنظر د.جلال ثروت نظرية القسم الخاص الجزء الأول جرائم الإعتداء على الأشخاص الدار الجامعية ص 271.

فالمشرع الجزائري شدد العقوبة حيث يتعين التشديد وخففها بدوافع إنسانية حيث يجب التخفيف، فظرف التخفيف لا يتناول سوى الأم الجانية التي حبلت بولدها المجني عليه سفاحا ثم دفعها إلى قتله درء الفضيحة واتقاء العار، وبهذا لا يتوفر هذا التخفيف بالنسبة للأم وإلا إذا كان الولد غير شرعي وكان ذلك لإخفاء العار، وبالتالي تخرج من تطبيق هذا العذر الأم التي لا تصون عرضها ولا تخفي العار بأن جهرت به وذاع أمر حملها بين الناس وانتشرت فضيحتها بعد أن قتلت وليدها بعد الولادة.
كما أن الأم التي قتلت وليدها بعد أن استردت توازنها النفسي وانتهى عنها اضطرابها وانزعاجها العاطفي تكون علة التخفيف بذلك قد انتهت وبالتالي تسأل على أساس القتل العمد طبقا للنصوص العادية المجرمة له.
– وإذا قلنا أنه يشترط أن يكون الدافع هو إتقاء العار يعني ذلك بالضرورة أن يكون الولد غير شرعي(1).

المطلب الثاني: إثباته وبيانه في الحكم

إذا كانت الأم متهمة بقتل طفلها حديث العهد بالولادة، فإنه يقع على النيابة العامة اثبات مسألتين مهمتين، المسألة الأولى هي إثبات أن الطفل ولد حيا، ثم اثبات واقعة القتل في حد ذاتها، ويكون لها في ذلك الإعتماد على جميع وسائل الإثبات القانونية كشهادة الشهود، الإعتراف، التحضير المسبق لوسائل ارتكاب الجريمة من طرف الأم، وكل الظروف السابقة للجريمة أو المصاحبة أو التالية لها، إلا أنه وفي غالب الأحيان يتم اللجوء إلى الخبرة الطبية الشرعية. فإثبات هذه الجريمة يكون بكافة طرق الإثبات ويترك تقدير ذلك فيما بعد إلى قضاة الموضوع.

– وإذا اقتنعت محكمة الجنايات توافر هذه الجريمة في حق الأم وقررت إدانتها على ذلك فإنه يجب أن تستظهر الأسئلة المتعلقة بالإدانة عناصر الجريمة التي سبق ذكرها وعلى الخصوص صفة الأمومة للجانية وكون القتيل طفلا حديث العهد بالولادة.

وهذا ما قضت به الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 21 أفريل 1981 رقم 24442.(2).

كما صدر عنها قرار في بتاريخ 23/12/1997 ملف رقم 190676 جاء فيه: السؤال يجب أن يتضمن ذكر طفل حديث العهد بالولادة ضحية قتل وقد ولد حيا وليس من الضروري أن يكون قابلا للحياة.

وأنه باغفال إبراز هذا الركن الجوهري في قيام جناية قتل طفل حديث عهد بالولادة تكون محكمة الجنايات قد خرقت مقتضيات المادة 305 ق.إ.ج. و 259 ق.ع ومن ثمة عرض حكمها للنقض”(3).

———–
(1) هناك من التشريعات لا تشترط أن يكون الولد غير شرعي كما لا يهمها بالتالي أن يكون الدافع إلى قتل الوليد الرغبة في ستر العار كالزوجة التي يهجرها زوجها فلا يعولها ولا ينفق عليها وتضع طفلا شرعيا فقد تشعر بضنك مادي أو معنوي لا يقل مرارة عن الذي تشعر به المرأة الخاطئة فكلتا المرأتين جديرتان بالرأفة وتخفيف العقاب، أنظر د.محمد الفاضل الجرائم الواقعة على الأشخاص الطبعة الثالثة ص 417.
(2) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة قانون العقوبات في ضوع الممارسة القضائية المرجع السابق ص 101.
(3) الموسوعة القضائية قرص مضغوط CD : 01 مارس 2003.

– أما ما توصلت إليه محكمة الجنايات من اقتناع حول إدانة أو تبرئة المتهمة فلا رقابة عليه من طرف المحكمة العليا ذلك أن الأمر يتعلق بمسألة الإقتناع الشخصي لقضاة الموضوع طبقا للمادة 307 ق.إ.ج.

لذلك قضت المحكمة العليا في القرار السابق ذكره بما يلي:

“حيث أنه ومن هذا الوجه الثاني يناقش النائب العام لدى مجلس قضاء سكيكدة إدانة المتهمة المحكوم ببراءتها وهي مسألة تدخل في اختصاص قضاة الموضوع الذين لهم كامل السيادة في التقدير وتخضع لإقتناعهم الشخصي طبقا لمقتضيات المادة 307 ق.إ.ج.

– وقد خص المشرع الجزائري الأم التي تقتل طفلها حديث العهد بالولادة بعذر مخفف، يجعل من عقوبتها السجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة بدلا من السجن المؤبد والإعدام حسب الأحوال، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 261 ق.ع.

– وعليه وطبقا لهذا النص فإن القضاة عند توفر هذا العذر فإن العقوبة المذكورة سابقا هي التي تطبق وإلا عرضوا حكمهم للنقض باعتبار الأمر يتعلق بمسألة قانونية، يتعين رقابة المحكمة العليا عليها.
– ثم أن المادة 261 نصت في آخرها على أنه لا يطبق هذا النص على من ساهموا أو اشتركوا معها في ارتكاب الجريمة.

– ومؤدي ذلك أنه إذا ساهم مع الأم مجرم آخر في قتل إبنها الحديث العهد بالولادة فإنه يعاقب طبقا للنصوص العادية المجرمة للقتل وتعاقب هي بالسجن من عشرة إلى عشرين سنة.

– فعذر التخفيف هنا هو عذر شخصي فلا ينبغي أن يتعدى أثره الأم سواء أقدمت على هذا الفعل محرضة أو فاعلة أو شريكة، وتطبيقا لذلك قضت المحكمة العليا-الغرفة الجنائية- في قرارها الصادر بتاريخ 24 جويلية 1990 ملف رقم 69053 ج بما يلي: “يعاقب القانون الأم التي قتلت طفلها حديث العهد بالولادة لا بالعقوبة المقررة للقتل العمد وإنما بعقوبة مخففة هي السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين عاما غير أنه لا يستفيد من هذا العذر المخفف غيرها ممن ساهموا أو اشتركوا معها في ارتكاب الجريمة كالزوج مثلا وذلك طبقا لأحكام المادة 261 الفقرة الثانية من قانون العقوبات”(1).

– وإن الأم المتهمة بقتل طفلها الحديث العهد بالولادة غالبا ما تستفيد إلى جانب هذا العذر المخفف من الظروف المخففة طبقا للمادة 53 ق.ع وبذلك تنزل عقوبتها إلى غاية 03 سنوات.
(1) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة قانون العقوبات في ضوء الممارسة القضائية المرجع السابق ص 102.

المبحث الثاني: عذر تجاوز حد الدفاع الشرعي.
– إن المتفحص لقانون العقوبات الجزائري يتبين له أن المشرع الجزائري لم يتناول أحكاما خاصة لهذا العذر، من خلال عدم وضع نصوص أو نص خاص به(1). إلا أن ما ورد في المادتين 277 و 278 من قانون العقوبات يعد من حالات تجاوز حد الدفاع الشرعي التي يترتب على تحققها تخفيف العقوبة.

– وتجاوز الدفاع الشرعي لا يكون له وجود إلا بتوافر حالة الدفاع الشرعي، والمقصود انتفاء التناسب بين جسامة فعل الدفاع والخطأ الذي وقع على المتعدي عليه، وعليه فليس المقصود انتفاء شرط من شروط الدفاع الشرعي، وإنما المقصود انتفاء شرط معين منها وهو التناسب. أما إذا انتفى الشرط آخر سواء لعدم وجود الإعتداء أو عدم وجود خطر حال أو كان هذا الخطر لا يشكل جريمة أو كان استعمال القوة بعد انتهاء الخطر فإن الجاني لا يكون متجاوزا لحدود حقه، و يضحي الدفاع الشرعي لا وجود له أصلا، ولا محل للبحث في تجاوز حدوده، لأن البحث محله إثبات قيام الحق أم لا.

– وسوف نتطرق فيما يلي للحالتين الذين نص عليهما المشرع الجزائري وهما عذر الضرب والعنف اللذان يبرران القتل وعذر التسلق أو ثقب الأسوار أو تحطيم داخل المنازل.

المطلب الأول: القتل لدفع اعتداء شديد.

لقد نص المشرع الجزائري على هذا العذر المخفف في المادة 277 ق.ع كما يلي: “يستفيد مرتكب جرائم القتل و الجرح والضرب من الأعذار إذا دفعه إلى ارتكابها وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص”.

– فالحقيقة أن الشخص الذي يتعرض لضرب شديد من آخر إما أن يدفع الاعتداء عليه بالضرب أو باعتداء آخر يتناسب مع الفعل المعتدي به عليه، وفي هذه الحالة يعتبر في حالة دفاع شرعي وإما أن يرتكب في سبيل دفع ذلك الاعتداء جريمة قتل أو جرح وفي هذه الحالة يكون فعل الدفاع غير متناسب مع فعل الاعتداء ويكون المدافع بهذا قد تجاوز حد الدفاع الشرعي ولذا فإن القانون يعتبره معذورا ويعاقبه بعقوبة مخففة إذا حدثت الوفاة.

الفرع الأول: أعمال الإثارة التي تبر التجاوز.

باستقرار نص المادة 277 ق.ع باللغة العربية نستنتج أنه قصر أعمال الإثارة أو الإستفزاز على نوع واحد فهو وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص، إلا أن النص باللغة الفرنسية يلاحظ أنه أضاف عبارة أخرى والمتمثلة في “الضرب والعنف الشديدين”(2).
—————————————————————————-
(1) إذ هناك العديد من التشريعات التي لم تضع نصوصا تنظم بها حالة تجاوز الدفاع الشرعي مثل قانون العقوبات الفرنسي، ومنها ما نص على هذا العذر في نص خاص كقانون العقوبات المصري في المادة 251 ق.ع على اعتبار تجاوز حد الدفاع الشرعي جنحة في جميع الأحوال يعاقب عليها بالحبس لمدة من 24 ساعة إلى ثلاث سنوات.
(2) Article 277 c.p: “Le meurtre, les blessures et les coups sont excusables s’ils ont été provoqués pas des coups ou Violences graves envers les personnes”.

وإن الترجمة الفرنسية هي الأصح لأنها تتماشى مع الآراء الفقهية ذلك أن التهديد الجسيم بالإعتداء يجعل الخطر وشيك الوقوع وعندئذ يتساوى مع الضرب الشديد في أن كلا منهما يصلح علة للإثارة(1).
– ومن هذا المنطلق يتجلى أنه ليست كل أعمال الإستفزاز غير المشروعة أو أعمال الإثارة تصح أن تكون علة للإستفادة من هذا العذر، بل حصرها المشرع في الضرب الشديد والعنف الجسيم

1- الضرب الشديد: لقد تم النص على هذا النوع من أعمال الإثارة في المادة 277 ق.ع من خلال عبارة”…وقوع شديد….” وبالتالي نستنتج بمفهوم المخالفة أنه لا يعد الضرب الخفيف عذرا يبرر القتل، فلا يتصور أن يكون رد الإعتداء بالضرب الخفيف بنتيجة القتل وتترك مسألة تقدير ما إذا كان نوع الضرب يدخل في نظاق أعمال الإثارة التي تعتبر عذرا للقتل لسلطة قاضي الموضوع فهو الذي يقرر مدى وجوده من انتفائه.

2- العنف الجسيم.
يعتبر هذا النوع من أعمال الإثارة التي تعتبر عذرا للقتل وفقا لما قررته الترجمة الفرنسية لنص المادة 277 ق.ع كما تم بيانه سابقا، فما المقصود بالعنف الجسيم ؟

– العنف عاد ما يكون عنفا ماديا ويتحقق ذلك بالإعتداء المادي على الشخص لدرجة إيذائه فعليا ومن هذا القبيل استعمال القوة الجسدية او أية وسيلة مادية لإكراه المجني عليها على الصلة الجنسية-(هتك العرض بالقوة) أو استعمال وسائل أدت إلى إحداث جروح بالغة- ففي مثل هذه الحالات إذا ما تجاوز المعتدي عليه لدفع مثل هذا الاعتداء حد فعل الإعتداء اعتبره المشرع معذورا ويعاقبه بعقوبة مخففة إذا حدثت الوفاة.

– ويطرح السؤال بشأن العنف المعنوي فهل يشترط أن يكون الاعتداء الذي يجوز دفعه بالقتل اعتداءا ماديا بحتا ؟

– يرى الدكتور إسحاق ابراهيم منصور”أنه لا يشترط أن يكون العنف ماديا فقد يكون معنويا كالتهديد بالتعدي أو القتل كإستخدام الجاني آلة حادة أو مسدس أو أي وسيلة يمكن أن تتحقق بها نتيجة القتل، فبحمل الجاني لأي نوع من هذه الوسائل تتحقق لدى المجني عليه إثارة تكون عذرا للقتل فهذا التهديد يعتبر عذر مخفف ويستحق تطبيق المادة 277 ق.ع.”(2)

– أما إذا كان العنف بسيط لدرجة لا تتحقق معه الإثارة التي تكون عذرا للقتل فإن الجاني في هذه الجريمة يعاقب على أساس النصوص العادية المجرمة للقتل دون أن يستفيد من هذا العذر، ومثال ذلك من يقوم بتهديد آخر شفويا فيقوم هذا الأخير بقتله فلا يمكن أن يتمسك في هذه الحالة بأحكام هذا العذر أو من يدفع شخص إلى أن يسقط أو يجلبه من شعره ويلوى ذراعه، وكل ذلك يبقى لسلطة قضاة الموضوع.

(1) أنظر د.إسحاق ابراهيم منصور المرجع السابق ص 48.
(2) أنظر د.إسحاق ابراهيم منصور المرجع السابق ص 48.

الفرع الثاني: شروط تطبيق هذا العذر:

يشترط لتطبيق هذا العذر 04 شروط والتي تتضح من خلال قراءة المادة 277 ق.ع والتي يستشفها الدارس لها والمتمثلة فيما يلي:

-أن يكون أعمال الإثارة موجهة لشخص الجاني، أن تكون هذه الأعمال غير مشروعة، حلول الخطر مع عدم التناسب بين الإعتداء، أن يكون تجاوز حد الدفاع الشرعي بحسن نية من جانب الجاني وسوف نتطرق لكل شرط على حدى.

– الشرط الأول : أن تكون أعمال الإثارة موجهة لشخص الجاني: حتى نكون بصدد تطبيق عقوبة مخففة على الجاني بعد ارتكابه لجريمته لتوفر العذر، يجب أن تكون أعمال الإثارة المتمثلة في الضرب الشديد والعنف الجسيم كما سبق بيانه موجهة إلى ذات شخص الجاني، الذي قام بعد ذلك بالرد عليها بالإعتداء بالقتل، وبمفهوم المخالفة فإننا لا نكون بصدد تطبيق هذا النص، إذا كانت هذه الأعمال قد وقعت على الحيوانات أو أشياء يملكها الجاني، وإنما نطبق في هذه الحالة قواعد العامة “حالة الإيذاء الحاصل على الحيوانات أو الأشياء”.

– بالإضافة إلى ذلك يجب أن تكون أعمال الإثارة واقعة مباشرة على شخص الجاني ولا تدخل فيها الأعمال الواقعة على شخص الغير. وهذا راجع للعلة التي تبرر عقوبة التخفيف والمتمثلة في الإثارة والغضب اللذان يتملكان شخصية الجاني مما يدفعان به إلى استخدام أية وسيلة لرد الخطر الموجه إليه. وهذا ما لا يتوفر إذا كان الإعتداء موجها لشخص آخر غير شخص الجاني ومثال ذلك لو قام (أ) بالإعتداء بالضرب أو العنف الجسيم على (ب) فقام (ج) بقتل (أ) دفاعا على (ب)، فلا يمكن ل (ج) أن يستفيد من تطبيق هذا النص.

الشرط الثاني: أن تكون أعمال الإثارة غير مشروعة: بالإضافة إلى الشرط الأول، فإنه لا بد من توافر شرط آخر يتمثل في أن تكون أعمال الإثارة المتمثلة في الضرب الشديد والعنف الجسيم غير مشروعة حتى نطبق العقوبة المخففة على الجاني وبالتالي يخرج تطبيق المادة 277 إذا كانت الأعمال التي سببت الإثارة للجاني أعمالا مشروعة وأمثلة هذه الأعمال، أعمال أداء الواجب كالشرطي أو الدركي وغيرهم ممن يمارسون مهمهم بحكم القانون أو الوظيفة.

كذلك الأعمال الناتجة من ممارسة الحق، كحق الأب في تأديب أبنائه، وحق الزوج في تأديب زوجته كالضرب الخفيف الذي لا يترك أثرا لا يجوز دفعها بالقوة ولا التمسك بهذا العذر.
بالإضافة إلى ذلك لا يطبق النص إذا كان العمل متمثلا في الدفاع الشرعي(1).
ويدخل في الأعمال غير المشروعة الأعمال التي تصدر عن موظف عام خارج نطاق وظيفته لأنه يأخذ وصف الفرد العادي لا يمكن له الدفع بأحكام المادة 39 عقوبات(2).
(1) أسحاق ابراهيم منصور المرجع السابق ص 49.
(2) تنص المادة 39 عقوبات جزائري “لا جريمة إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون.

3- حلول الخطر: وقد تضمن مضمون المادة 277 هذا الشرط من خلال قولها: “….لدفع الضرب….” حيث يستفاد من هذه العبارة حلول الخطر على الجاني من خلال تلقيه لضرب شديد أو عنف جسيم بشخص ليس له أية سلطة تبرر ارتكابه لهذه الأعمال وبالتالي يتحقق للجاني عذر الإستفزاز الناتج عن ارتكاب أعمال الإثارة عليها وقتها. حيث يشترط أن يكون الإعتداء واقعا وحالا وآتيا على وشك الوقوع، وبمفهوم آخر لا يمكن تطبيق النص إذا تم الإعتداء وانصرف المعتدي عليه ثم وجد المعتدي مرة أخرى فقام بقتله، لأنه في هذه الحالة يعتبر انتقاما شخصي ولا يمكن له الإستفادة من العذر لأن هناك مجالا آخر يمكنه من الإقتصاص من غريمه والمتمثل في القضاء.

الفرع الثالث: الفرق بين عذر تجاوز الدفاع الشرعي وحالة الدفاع الشرعي.

يتفق هذا العذر مع عذر الدفاع الشرعي في أن كليهما يعتبر من الأعذار القانونية التي نص عليها المشرع الجزائري حيث تناول أحكام العذر الأول في المادة 277 وأحكام العذر الثاني المتمثل في الدفاع الشرعي في نص المادتين 39 ف2 والمادة 40 ق. ع. بينما يختلفان عن بعضهما في أن العذر المخفف ينطبق في حالة عدم تناسب الإعتداء والدفاع، بالإضافة إلى ذلك فإن العذر المخفف يطبق إلا في حالة وقوع أعمال الإثارة على شخص الجاني فقط، وبتعبير آخر نقول أن العذر حالة من حالات التعرض للخطر لا يلزم أن تتوفر فيها شروط استعمال حق الدفاع الشرعي كاملا، لأنه إذا توفرت شروط الدفاع الشرعي فهو أولى بالتطبيق لأنه في صالح المتهم، وواقع الحال في رأينا أن هذا العذر لا يطبق إلا في حالات تجاوز الدفاع الشرعي(1).

المطلب الثاني: عذر التسلق أو ثقب الأسوار أو تحطيم مداخل المنازل الذي يبرر القتل:

نص المشرع على هذا العذر المخفف في المادة 277 ق.ع كما يلي: “يستفيد مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا ارتكبها لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المكونة أو ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار”.
وإذا حدث ذلك أثناء الليل فتطبق أحكام الفقرة الأولى من المادة 40 ق.ع أي يعمل هذا ضمن حالة الدفاع الشرعي.

– وقد جعل المشرع الجزائري من هذا الفعل عذرا مخففا لما في السطو على المنازل المسكونة وملحقاتها من خطورة على أموال الناس وأنفسهم ذلك لأن الشخص الذي يتسلق جدران المنازل ويثقبها ليتسلل إلى داخلها قد يكون مجرما شديد الخطورة لا يحجم عن ارتكاب أفضع الجرائم ويخشى أن لا يقف إجرامه عند حد نهب الأموال أو سرقتها بل قد يتجاوز ذلك إلى إيذاء سلامة الأشخاص أو الفتك بحياتهم.

– وقد أراد الشارع بهذا النص أن يضفي على المساكن حصانة وحرمة وأن يضع مؤيدا قويا لمبدأ من مبادئ الحقوق العامة ويصون مظهر من مظاهر الحريات المدنية الواردة في صلب الدستور، ولا جدال في أن حرمة المساكن من الحريات الدستورية الغالية التي ينبغي صونها وفرض احترامها بالمؤيد الجزائي.

(1) د.إسحاق ابراهيم منصور المرجع السابق ص 48.

الفرع الأول: الأفعال المادية المنصوص عليها في مضمون المادة.

من خلال تحليل نص المادة 278 ق.ع يتضح لنا أن المشرع قد استلزم وقوع أفعال مادية مذكورة على سبيل الحصر في نص المادة السابقة الذكر وهي التسلق الثقب أو التحطيم.

1- التسلق: لقد عرفت المادة 357 ق.ع :”يوصف بالتسلق الدخول إلى المنازل أو المباني أو الأحواش أو حضائر الدواجن أو أي أبنية أو بساتين أو حدائق أو أماكن مسورة وذلك بطريق تسور الحيطان أو الأبواب أو السقوف أو أية أسوار أخرى.
والدخول عن طريق مداخل تحت الأرض غير تلك التي أعدت للدخول يعد ظرفا مشددا كالتسلق.

2- الثقب: وقع الثقب على الأسوار أو الحيطان والمقصود بالثقب هي إحداث فتحة يمكن الدخول منها والتسلل إلى داخل المنزل.

3- التحطيم: حيث يقع على مداخل المنازل كما جاء في نص المادة 278 ق.ع والمقصود بالتحطيم هو تكسير الأبواب أو إتلافها قصد اختراقها والدخول منها، وقد يتحقق ذلك أحيانا باستخدام مفاتيح مصطنعة وقد تم تعريفها من قبل المشرع الجزائري بنص المادة 358 حيث نص على :”توصف بالمفاتيح مصطنعة كافة الكلاليب وال……والمفاتيح الصالحة لفتح جميع الأقفال والمفاتيح المقلدة أو المزورة أو المزيفة أو التي لم يعد المالك أو المستأجر أو صاحب فندق أو صاحب مسكن لفتح الأقفال الثابتة أو الأفعال غير ثابتة أو أية أجهزة للإغلاق والتي استعملها الجاني ليفتح بها، ويعتبر مفتاحا مصطنعا المفتاح الحقيقي الذي احتجزه الجاني دون حق.”

الفرع الثاني: شروط تطبيق هذا العذر.
يستفاد من نص المادة 278 ق.ع أن المشرع الجزائري قد اشترط شروطا معينة حتى ينطبق العذر.

1- أن يقع الفعل المادي على محل مسكون أو معد للسكن:

– وهذا ما يستشف من نص المادة 278ق.ع والتي تقرر بوجوب وقوع فعل مادي من الأفعال المادية السابقة الذكر على محل مسكون أو المعد للسكن ولم يكن مسكونا بقولها: “لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو ملحقاتها…ولقد تناول المشرع الجزائري تعريف المنزل من خلال نص المادة 335 بقولها:يعد منزلا مسكون كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة أو كشك ولو متنقلا متى كان معدا للسكن إن لم يكن مسكونا وقت ذلك وكافة توابعه مثل الأحواش وحظائر الدواجن ومخازن الغلال والإسطبلات والمباني التي توجد بداخلها مهما كان استعمالها حتى ولو كانت محاطة بسياج خاص داخل السياج أو السور العمومي”.

2- أن يكون وقوع الفعل المادي بقصد إرتكاب الجريمة:
حتى نكون بصدد تطبيق نص المادة 278 ق.ع يجب أن تقع الأفعال المادية التي تناولناها سابقا قصد تحقيق غرض غير مشروع أي القصد منها ارتكاب جريمة كالسرقة أو القتل وغيرها من الأفعال التي يعاقب عليها القانون. وبالتالي تظهر لنا من خلال ما تقدم علة تخفيف العقوبة، في هذه الحالة باعتبار الفعل، الذي وقع من الجاني كان دافعا للإعتداء الآثم على الأشخاص أو الأموال أو الشروع في الإعتداء. إما إذا كان الفعل المادي مع عدم توفر النية الإجرامية تم إرتكابه فلا مجال لتطبيق العذر كالذي يقوم بتسلق سور أو ثقب حائط قصد الهروب من شخص يطارده أو قصد التخفي واللعب مع طفل ففي هذه الحالات لا يتوفر قصد الإعتداء.

3-وقوع الفعل المادي نهارا:
وهذا ما أقرته المادة 278 بقولها: “….إذا حدث نهارا” فالملاحظ أن النص الجزائري وكذلك بعص نصوص قوانين أخرى قد فرقت بين وقوع الفعل نهارا ووقوعه ليلا. فإذا وقع الفعل أثناء النهار فلا يعد هذا الفعل في قبيل الدفاع الشرعي. إنما يخفف العقاب فقط عن الفاعل على النحو الوارد في القانون ويستفيد القاتل في هذه الحالة بعذر قانوني مخفف فحسب- وذلك لأن منع دخول معتد أو محاولة دخوله إلى منزل أو ملحقاته بالطرق غير المألوفة نهارا لا يجعل الفاعل في حالة دفاع شرعي وبالتالي لا يستفيد من سبب إباحة أو تبرير حيث يمكنه أن يستنجد بالمارة او برجال الشرطة.

المطلب الثالث: استظهار العذر والعقوبة المقررة له.

الفرع الأول: استظهار عذر التجاوز:

يعتبر هذا العذر واقعة مادية يتم إثباتها بكافة طرق الإثبات كما يمكن للقاضي أن يعتمد على أهل الخبرة والأطباء لتحديد مدى الضرر الذي تعرض له الجاني أو على ضوء ما ظهر له من ظروف الدعوى وملابساتها والتقارير الطبية وبذلك يتضح له نية المعتدي المرتكب للأفعال المادية هل هي نية سليمة أم إجرامية.

– فإذا توافر هذا بعذر وجب على القاضي تطبيقه وتبيانه في الحكم وذلك بطرح سؤال عنه يشترط أن يكون مستقل ومميز.

وهذا طبقا للمادة 305/04 ق.ع التي تنص على أن كل عذر وقع التمسك به يكون محل سؤال مستقل ومميز لذلك يجب على رئيس محكمة الجنايات أن يضع سؤالا خاصا حول كل عذر قانوني وقع التمسك به أثناء الجلسة وإلا كان الحكم باطلا وتعين نقضه. وهذا ما قضت به المحكمة العليا- غرفة جنائية أولى بتاريخ 6/12/88 في الطعن رقم 52367 (1) جاء فيه: “من المقرر قانونا أنه يجب على المحكمة أن تطرح سؤالا خاصا ومميزا عن كل عذر صار التمسك به، من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا للقانون.
لما كان من الثابت في قضية الحال، أن الدفاع قدم طلبا مفاده وضع السؤالين الإحتياطيين الأول خاص بتكييف الوقائع والثاني بعذر الإستفزاز فإن المحكمة التي لم ترد على طلب الدفاع ولم تطرح السؤال الخاص بعذر الإستفزاز المأخوذ من قرار الإحالة خالفت القانون ومتى كان ذلك استوجب نقص الحكم(1).

———————————————————
(1)أنظر المجلة القضائية عدد 04 سنة 1990 ص 225.

الفرع الثاني: العقوبة المقررة لهذا العذر.

لقد تناول المشرع الجزائري العقوبة المقررة في حالة قيام أي عذر لم ينص على عقوبة خاصة به في نص عام وهو نص المادة 283 من قانون العقوبات والتي تنص: “إذا ثبت قيام العذر فتخفض العقوبة على الوجه الآتي:

1- الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلق الأمر بجناية عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد.
2- الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلق الأمر بأية جناية أخرى
3- الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر إذا تعلق الأمر بجنحة في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين 1 و 2 من هذه المادة يجوز أن يحكم أيضا على الجاني بالمنع من الإقامة من خمس سنوات على الأقل إلى عشر سنوات على الأكثر”.

– ومن خلال هذه المادة فإن القاضي متى اقتنع بتوافر هذا العذر تعين عليه ترتيب أثره في تخفيف العقوبة على النحو المذكور في المادة السابقة الذكر، وبالخصوص الفقرة الأولى منها لأننا بصدد جريمة القتل والتي عقوبتها الاعتيادية هي السجن المؤبد وعليه:

– فالمتهم بالقتل العمد الذي توفر فيه عذر تجاوز الدفاع الشرعي (وقوع ضرب شديد، أو تسلق أو ثقب الأسوار وتحطيم مداخل المنازل) تكون عقوبته طبقا للمادة 283/01 قانون العقوبات الحبس من سنة إلى 5 سنوات علاوة على جواز الحكم عليه بالعقوبة التكميلية السابقة الذكر (المنع من الإقامة).

وليس للمتهم الذي لم يستفيد من هذا العذر أن يطالب بالإستفادة به أمام المحكمة العليا وهذا ما قض به المجلس الأعلى سابقا في قراره الصادر في 21 أفريل 1981 رقم 282 والذي جاء فيه: “لا يجوز للمتهم أن يطالب أمام المجلس الأعلى بالإستفادة بعذر الإستفزاز الذي يرجع تقديره إلى السلطة المطلقة لقضاة الموضوع”(1) ويرجع أصل هذا الحكم إلى مبدأ الإقتناع الشخصي الذي تقوم عليه محكمة الجنايات.

(1) أنظر د: أحسن بوسقيعة قانون العقوبات في ضوء الممارسة القضائية المرجع السابق ص 109.

المبحث الثالث: عذر تلبس أحد الزوجين بالزنا.
– لقد تناول المشرع الجزائري هذا العذر من خلال نص المادة 279 ق.ع جاء فيها ما يلي:”يستفيد مرتكب القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا ارتكبها أحد الزوجين على الزوج الآخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة تلبس بالزنا.

– فهذا العذر الذي نصت عليه المادة المذكورة أعلاه يعد تطبيقا لفكرة “الإستفزاز” وعلى هذا الأساس اعتبر المشرع الجزائري حالة تلبس أحد الزوجين بالزنا عذرا قانونيا مخففا وذلك بالنظر إلى حالة الإنفعال النفسية التي يحدثها في نفس الزوج أو الزوجة مشهد التلبس بالزنا بحيث يقدم أي منهما على جريمته في غير ترو ولا تدبر للعواقب.

المطلب الأول: شروط قيام العذر.
من مراجعة نص المادة 279 ق.ع يتبين لنا أنه لا بد من توافر شروط ثلاثة:
1- صفة الجاني.
2- مفاجئة أحد الزوجين متلبسا بالزنا.
3-القتل في الحال.

الفرع الأول: صفة الجاني.
– بالرجوع إلى نص المادة 279 ق.ع نلاحظ أنها أوردت على سبيل الحصر صفة الجاني الذي له الحق في الإستفادة من العذر وذلك بقولها: “يستفيد مرتكب القتل…من الأعذار إذا ارتكبها أحد الزوجين على الزوج الآخر أو على شريكه”. وعليه يستفيد كل من زوج المرأة الزانية وزوجة الرجل الزاني من هذا العذر، وهذا بصراحة نص المادة السابقة الذكر.

– ولقد أصاب المشرع الجزائري في هذه النقطة حينما ساوى بين الزوجين في الإستفادة من هذا العذر على خلاف المشرعين المصري والفرنسي اللذين قصرا الإستفادة من هذا العذر على الزوج وحده دون الزوجة وذلك في المادتين 237 ق.ع مصري والمادة 324 ق.ع فرنسي.

– غير أنه لا يمكن أن يستفيد من هذا العذر أقارب الزوجين وإن كانت صلتهم بهم وثيقة كالأب أو الأخ أو الإبن فهؤلاء يسألون عن قتل عمد إذا ما اقترفوا فعل الإعتداء على أحد الزوجين في ذات الظروف وهذا محل انتفاء في الفقه.

فحرمان الأهل الأقربين من تطبيق هذا التخفيف عليهم. ظلم فادح لأنهم ألصق بالمرأة من زوجه ثم أليس من الظلم أن تزني بنات الناس وأخواتهم وأمهاتهم، ويطالبون بأن لا يغضبوا ولا نعذرهم إذا إلتحقهم الغضب فأفقدهم شعورهم وأقدموا على قتل من ألحق العار بشرفهم ؟(1).

—————————————————————————-
(1) أنظر د.عبد الحميد الشواربي ظروف الجريمة المشددة والمخففة للعقاب الناشر بالاسكندرية ص 38.

– وإن العبرة في تحديد إمكانية الإستفادة من هذا العذر من عدمه، تكمن في قيام الرابطة الزوجية والتي مرجعها قوانين الأحوال الشخصية، وعليه نكون بصدد هذا العذر إذا كانت العلاقة التي تجمع بين الرجل والمرأة لم تتعدى مرحلة الخطبة ينتفي تطبيق هذا العذر بانتفاء قيام رابطة الزواج في حالة الطلاق البائن، على خلاف الطلاق الرجعي الذي لا ينهي وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية صلة الزوجية وتطبيقا لذلك فإن من طلق زوجته طلاقا رجعيا ثم فاجأها خلال فترة العدة متلبسة بالزنا فقتلها يستفيد من العذر.

ويجب أن يكون هناك عقد زواج قانوني معترف به سواء كان عقد زواج رسمي أو عرفي (بالفاتحة).

الفرع الثاني: مفاجأة أحد الزوجين متلبسا بالزنا.

لقد تناول المشرع الجزائري هذا الشرط عند قوله في نص المادة 279ق.ع: “في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة التلبس بالزنا” وما يلاحظ أن هذا الشرط تناول في مضمونه عنصرين أساسيين: المفاجأة والتلبس.

1- المفاجأة:
لكي يستفيد أحد الزوجين من هذا العذر المخفف لابد من وجود عنصر المفاجأة، ذلك أن علة النص تنحصر في “الإستفزاز” الذي يدفع الجاني –نتيجة المفاجأة- إلى القتل في الحال، فلا يكفي إذن مجرد كون الزوجة أو الزوج سيء السلوك ولو باعترافه إذا لم يكن عنصر المفاجأة متوفرا في هذه الحالة.

– وتتحقق المفاجأة في صورتها الكاملة إذا كان الزواج مبنيا على أساس الثقة والإخلاص التام ولا يساور أحد الزوجين أي شك في وفاء الزوج الآخر، ثم شاهده متلبسا بالزنا، كمن يدخل إلى بيته ليلا فيجد زوجته في مخدعه مع شخص غريب متلبسة بالزنا فيقوم بقتلها أو قتل شريكها، كذلك تتحقق المفاجأة إذا كان أحد الزوجين شك في الآخر وشاهد ذلك الوضع صدفة أو عن طريق المراقبة(1).

– وعكس ذلك فلا يستفيد أحد الزوجين من العذر المقرر في المادة 279 ق.ع إذا كان يعلم من قبل بخيانة الزوج الآخر له، فإن دبر قتله بعد هذا لا يصح أن يقال معه أنه مبني على الإستقرار، بل تطبق عليه النصوص المجرمة للقتل العمد مع سبق الإصرار.

2- التلبس:
مما هو جدير بالملاحظة أن “التلبس بالزنا” ليس مقصود به ذلك المعني العادي الوارد في نص المادة 41 من ق.إج فليس المقصود أن يشاهد الزوج زوجته في لحظة ارتكاب فعل الزنا أو عقب ارتكابها بوقت قريب أو أن تتبعه العامة بالصياح إلى آخر ما جاء في نص المادة 41 ق.إ.ج بل يكفي أن يوجد الجاني في وضع لا يدع مجالا للشك في أن فعل الزنا قد تم ارتكابه.

———————
(1) وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية، أنظر د.جلال ثروت المرجع السابق ص 264 + د.عبد الحميد الشواربي المرجع السابق ص 39.

– ومن قبيل مشاهدة الزوجة متلبسة بالزناأن يضبطها زوجها مرتدية ملابس منزلية وهي في حالة ارتباك شديد ومعها رجل غريب مختفيا تحت السرير وكان خالعا حذاءه وكانت الزوجة عند قدوم زوجها لاشيء يسترها غير جلابية النوم”(1).

– فالتلبس بالزنا هو وجود أحد الزوجين في حالة لا تدع مجالا للشك في أن الزنا قد وقع.
وقد منح المشرع الجزائري قاضي الموضوع سلطة تقديرية واسعة في تكييف الوضع الذي فوجئ فيه الزوج وبالتالي النطق فيما إذا كان يعتبر تلبسا أم لا(2).

– والملاحظ أن المشرع الجزائري لم يعد اهتماما لمكان وقوع جريمة الزنا حيث وسع من تطبيق هذا العذر متى توفر في أي مكان ولم يقصره على مكان واحد وهو منزل الزوجية مثلما فعل المشرع الفرنسي الذي اشترط وقوع جريمة الزنا في بيت الزوجية في نص المادة 324 ق.ع فرنسي.

الفرع الثالث: القتل في الحال.
يتضح هذا الشرط من خلال ما أورده المشرع الجزائري في نص المادة 274 ق.ع بقوله: “يستفيد….في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة تلبس بالزنا” ويتحقق هذا الشرط كنتيجة لشرط السابق فيشترط أن يقع القتل عند حدوث المفاجأة، ذلك أن سبب العذر هو الغضب الوقتي الناتج عن الإهانة الحاضرة، فإذا انقضى زمن كاف لزوال أثر الغضب سقط العذر وعوقب الزوج أو الزوجة طبقا للأحكام العامة، لذلك فقد قضي في مصر بأن زوجا فاجأ زوجته وشريكها متلبسين بالزنا فهجم عليهما وسارع بقتل الشريك، أما الزوجة فقد هربت إلى منزل أهلها إلا أن الزوج بعد قتل الشريك الزاني تبع زوجته إلى منزل أهلها فبلغه بعد ساعتين وهناك قتل الزوجة فقضت المحكمة بمعاقبته بعقوبة القتل العادي ولم تطبق عليه العذر المخفف(3).

ولكن قد نظل في حدود العذر طالما أن حالة “الإستفزاز” قائمة ولم تهدأ رغم مرور بعض الوقت كالذهول عقب المفاجأة أو البحث عن أداة أو سلاح ينفذ به الجاني جريمته على الزوجة أو شريكها أو عليهما وبعبارة أخرى أن هذا الشرط “الزمني” يتحقق طالما لم تهدر علة التخفيف(4).
وإن مسألة تقدير الزمن الكافي لتهدئة ثائرة أحد الزوجين مسألة موضوعية تقديرها يخضع لسلطة القاضي.
—————————————————————————
(1) وهذا ما قضت به كذلك محكمة النقض المصرية أنظر د.عبد الحميد الشواربي مرجع السابق ص 40.
(2) فقد نصت المادة 341 ق.ع على أدلة معينة على سبيل الحصر لتقييد القاضي في بناء اعتقاده لقيام جريمة الزنا.
(3)أنظر عبد الحميد الشواربي المرجع السابق ص 43.
(4) أنظر د.جلال ثروت المرجع السابق ص 264.

المطلب الثاني: إثبات عذر التلبس بالزنا والعقوبة المقررة له.

الفرع الأول: إثباته.

* باعتبار أن علة الإستفادة من عذر التلبس بالزنا تكمن في عنصر “المفاجأة” فهو إذن حالة ذهنبية تنتاب الجاني وعليه لا يمكن وضع معايير وضوابط معينة لإثباته، بل هناك عدة قرائن يمكن أن تستشف منها المحكمة مدى توافر هذا العذر، فتحديده يخضع للسلطة التقديرية للقاضي.

– وإذا تم التمسك بهذا العذر أمام محكمة الجنايات فإنه يجب أن يكون محل سؤال مستقل ومميز يطرحه رئيس محكمة الجنايات وإلا كان حكمه معيبا وقابلا للنقض وهذا ما نصت عليه المادة 305 ق.إ.ج.

الفرع الثاني: العقوبة المقررة لهذا العذر.

– بالرجوع إلى المادة 283/01 ق.ع.ج. التي تبين العقوبة المقررة عند قيام العذر المخفف يتضح أن الجريمة التي تكون عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد تخفض إلى الحبس من سنة إلى خمس سنوات.
– ومن ثمة إذا فاجأ أحد الزوجين زوجه متلبسا بالزنا وقتله فإنه بدل أن يحكم عليه بالإعدام أو السجن المؤبد تطبق عليه العقوبة المخففة المشار إليها في المادة 283/01 ق.ع أي الحبس من سنة على خمس سنوات.

– أما بالنسبة لتأثير هذا العذر على نوع الجريمة فهناك من يرى أن القتل المقترن بالعذر المنصوص عليه في المادة 279 ق.ع يعتبر جنحة لا جناية لأن القانون يعاقب عليه بعقوبة الحبس(1).

– ولكننا نعيب على هذا الرأي استنادا إلى ما نص عليه المشرع الجزائري صراحة في نص المادة 28 ق.ع من أن نوع الجريمة بطبيعتها لا تتغير بتغيير عقوبتها عند توفر عذر من الأعذار المخففة، فتخفيف العقوبة قانونا لا يغير من وصف الجريمة(2).
وعليه عندما يرتكب الزوج جريمة قتل بتوافر العذر تظل الجريمة جناية ويحاكم أمام محكمة الجنايات، لا محكمة الجنح كل ما هناك أنه يستفيد من العذر المخفف فتخفض العقوبة إلى ما نصت عليه المادة 283/01 ق.ع.
توقع عقوبة الحبس السابقة الذكر على الزوج سواء قتل زوجته وحدها أو عشيقها أو قتلهما معا-ونفس الشيء بالنسبة للزوجة-

– وما تجدر الملاحظة إليه إلى أن نص المادة 279 ق.ع قد نص على أنه “يستفيد مرتكب القتل…”ويستفاد من هذه الفقرة أنه لا يستفيد الجاني سواء كان زوجا أو زوجة من هذا العذر ما لم يكن فاعلا أصليا في ارتكاب جريمة القتل وعليه يفهم في الحالة التي يكون فيها وضع الجاني شريكا في الجريمة فإنه يسأل مسؤولية جنائية كاملة عن جريمة قتل عمد مع الفاعل الأصلي ولا يراع في هذه الحالة صفة الزوجية.

————
(1) أنظر الدكتور محمد نجم صبحي المرجع السابق ص 48.
(2) تنص المادة 28 ق.ع على أنه: “لا يتغير نوع الجريمة إذا أصدر القاضي فيها حكما يطبق أصلا على نوع آخر منها نتيجة لظرف مخفف للعقوبة أو نتيجة لظرف العود التي يكون عليها المحكوم عليه”.

الخاتمـة:
بعد هذا العرض الموجز لموضوع المذكرة المعنون بالظروف المشددة والأعذار المخففة لجريمة القتل العمد في القانون الجزائري، فإننا نخلص إلى أن كل من الظروف المشددة والأعذار المخففة بصفة عامة هي من الضرورات الملحة التي لا تخلو منها تشريعات العالم، والتي تعد في الحقيقة تكريسا لمبدأ الملائمة والذي مفاده أنه لا بد على القاضي عند تقديره للعقوبة أن يأخذ بعين الإعتبار الظروف التي وقعت فيها الجريمة والتي سوف تؤثر بدون شك على جسامة الجريمة وبالتالي على العقوبة.

– وقد رأينا أن المشرع الجزائري قد حرص على هذه العوامل مسايرا في ذلك القانونيين الفرنسي والمصري والذي تأثر بهما إلى حد بعيد بأن نص على الظروف المشددة والخاصة بجريمة القتل العمد في مواد متفرقة، وقد سبق وأن تناولنا هذه الظروف في الفصل الأول ظرفا ظرفا أين رأينا العناصر القانونية التي يجب توافرها لكل ظرف ثم تطرقنا إلى كيفية إثبات هذه الظروف المشددة عن طريق وسائل الإثبات المختلفة، كما رأينا أيضا كيف أن بعض الظروف لا ترفع من عقوبة الجريمة البسيطة فحسب بل تغير من وصف الجريمة وهذا ما تجلى بوضوح عند تطرقنا إلى التسميم وقتل الأصول، ثم أننا بينا عند تناولنا لكل ظرف كيفية بيانه في الحكم الأمر الذي جرنا للتطرق إلى كيفية طرح السؤال المتعلق بالظروف المشددة على محكمة الجنايات إذا رأينا وأنه طبقا لما نصت عليه المادة 305 ق.إ.ج وما استقر عليه اجتهاد المحكمة العليا كما سلف بيانه أنه يجب أن يطرح سؤال خاص بالظرف المشدد والذي يجب أن يكون مستقلا ومتميزا.

ولكن ما لمسناه في الحياة العملية من خلال التربص الذي قمنا به على مستوى مجلس قضاء تبسة جعلنا نستنتج أن تخصيص سؤال مستقل للظرف المشدد لا يكفي لصحة الحكم الجنائي بل يجب أن تكون طريقة طرح السؤال قانونية وسليمة فقد سبق ولاحظنا أن طريقة طرح السؤال ببساطة هل أن المتهم قد ارتكب جناية القتل العمد مع سبق الإصرار أو الترصد مثلا تثير عدة إشكالات وقد تجعل من المستحيل على المحكمة العليا مراقبة العناصر القانونية الواجب توافرها لتوفر الظرف وقد اقترحنا أن يطرح السؤال على المحكمة والمحلفين، متضمنا مجموع الوقائع والملابسات التي استشف منها الظرف حتى يجعل المحكمة والمحلفين يجيبان على السؤال على أحسن وجه وعن معرف يقينية ويكون الجواب مطابقا للقانون بل أنه يمكن أن يكون الحكم الذي يأتي خاليا من ذكر الوقائع والملابسات التي استشف منها الظرف قابلا للطعن فيه بالنقض على أساس القصور في التسبيب.

كما بينا أن المشرع قد وفق في مجالات عدة على خلاف المشرع المصري مثلا عند تناوله لظرف قتل الأصول من طرف الفروع لتشديد العقاب. إلا أنه ومن ناحية أخرى نجد هناك ظروف تأخذ بها التشريعات الأخرى ولا يأخذ بها المشرع الجزائري كقتل الفروع، قتل الموظف، الأمر الذي يجعل القاضي في التشريع الجزائري لا يوجد ما يلزمه بالأخذ بها إذا ما توفرت وبينا في الأخير كيف أنه متى توفر الظرف المشدد تعين ترتيب أثره برفع العقوبة إلى الحد الذي نص عليه القانون هذا عن الفصل الأول.

– في الفصل الثاني والذي خصصناه إلى الأعذار القانونية المخففة لجريمة القتل العمد، فإننا رأينا كيف أن المشرع الجزائري عرف الأعذار القانونية المخففة بصفة عامة في المادة 52 ق.ع، ثم تناول الأعذار المتعلقة بكل جريمة في مواد متفرقة بما فيها الأعذار المخففة لجريمة القتل العمد على النحو الذي بيناه سابقا. وقد حاولنا إظهار من خلال هذا الفصل العناصر القانونية الواجب توافرها لكل عذر حتى يمكن التمسك به والإستفادة من توافره، كما بينا كيفية استظهار هذه الأعذار في الحكم وذلك بطرح سؤال مستقل ومتميز عن كل عذر يقع التمسك به. ثم رأينا كيف أن القاضي يتعين عليه ترتيب الأثر القانوني عند توفر العذر وذلك بتخفيض العقوبة إلى الحد المقرر قانونا- وذلك طبعا بعد أن يتم إثباته بوسائل الإثبات المختلفة والتي تتناسب مع كل عذر على النحو الذي سبق تفصيله.

وما تجدر الملاحظة إليه أن المشرع الجزائري وفق في عدة مجالات فيما يخص الأعذار المخففة بأن نص مثلا على عذر قتل الأم لإبنها حديث العهد بالولادة والذي لا تأخذ به بعض التشريعات كما أنه وفق في عدم قصر الإستفادة من عذر التلبس بالزنا على الزوج فقط بل مددها إلى الزوجة أيضا، في حين نجده من ناحية أخرى لم يتوسع كثيرا في الأعذار المخففة لجريمة القتل العمد، ذلك أنه لا يأخذ ببعض الأعذار التي تأخذ بها بعض التشريعات الأخرى مثل القتل بسبب الشرف- القتل بعامل الشفقة وبناءا على طلب المجني عليه، القتل أثناء المشاجرة ، ونرى أنها أعذار حبذا لو يدرجها وينظمها المشرع الجزائري في التعديلات اللاحقة لقانون العقوبات الجزائري.

وعلى كل حال قد طرحنا من خلال عرضنا الموجز هذا عدة إشكالات تتعلق بالموضوع وحاولنا إيجاد بعض الحلول لها على ضوء الفقه والإجتهاد القضائي على أمل أن تجد هذه الإشكالات حلولا مقننة في قانون العقوبات الجزائري وذلك بجعل النصوص المتعلقة بالموضوع أكثر وضوحا لتفادي كل تأويل للنصوص ونضمن بذلك حماية حقوق الناس وحرياتهم من جهة وضمان حق المجتمع من جهة أخرى.