بحث قانوني و دراسة عن الضوابط الدستورية لنصوص التجريم و العقاب فى قضاء المحكمة الدستورية العليا

تأليف
الدكتور أشرف توفيق شمس الدين
أستاذ ورئيس قسم القانون الجنائى – وكيل كلية الحقوق بجامعة بنها
الحائز على جائزة الدولة التشجيعية فى القانون الجنائى
القاضى سابقاً

-نسبية فكرة التجريم:

عرف المجتمع الإنسانى منذ نشأته أفعالاً أطلق عليها وصف الجرائم ، فمثل هذه الأفعال دخلت منذ وقت بعيد إلى دائرة الاهتمام العام. ويتوقف تحديد مضمون هذه الأفعال وقدرها على نظرة المجتمع والثقافة التى تسوده ، وهو ما يجعلها عرضة للتبدل والتغير فى مضمونها(1). ولذلك فإن مدلول “الفعل المجرم” يمكن أن يختلف بحسب زمان ومكان ومضمون النظام الاجتماعى السائد فى المجتمع ، وهو ما يعنى أن فكرة التجريم هى فكرة نسبية فما كان محلاً للتجريم اليوم فى مجتمع قد لا يكون كذلك غداً فى مجتمع آخر. وفكرة الضرر الاجتماعى بحسبانها معيار التجريم هى فكرة نسبية كذلك ، إذ تتوقف على نظرة كل مجتمع وما يسوده من قيم وثقافات(2). ويثور الخلاف دائما حول تحديد معيار التجريم الواجب إتباعه والذى يضمن سلامة تحديد القيم القانونية المسلم بها فى المجتمع ويحقق الأهداف التى ابتغاها الشارع(3). واختلال معيار التجريم يؤدى إلى نتيجة مؤداها أن القانون لم يعد يعبر عن القيم السائدة فى المجتمع تعبيراً صحيحاً(4). وعلى الرغم من نسبية فكرة التجريم ، فإنه يبقى لها مع ذلك أهميتها باعتبارها أهم الوسائل لتحقيق ضبط السلوك فى المجتمع ، كما أنها تتضمن حصراً للأفعال التى رأى الشارع جدارة تجريمها ، وتبين ماهيتها وتحدد الغرض من العقاب عليها(5).

– مدى حرية السلطة التشريعية فى مجال التجريم والعقاب:

يتوقف تجريم فعل معين على مجموعة من الاعتبارات التى تسود كل مجتمع ، كما يتوقف هذا التجريم على نظرة الشارع فى هذه المجتمعات. فالتجريم فى حقيقة الأمر هو صدى لما يسود المجتمع من اعتبارات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وغيرها. واختيار الشارع لتجريم فعل معين رأى تجريمه دون غيره هو أمر يخرج عن نطاق هذه الدراسة التى تقتصر على تحديد الضوابط والشروط التى يجب توافرها فى نصوص تجريم الفعل الذى يرى الشارع تجريمه والعقاب عليه، دون أن تمتد للبحث عن سبب هذا التجريم. وتفسير ذلك أن هناك مغايرة من حيث التقييد والإطلاق بين حق السلطة التشريعية فى اختيار الفعل المجرم ، وبين التزامها بضوابط تجريم هذا الفعل والعقاب عليه: فبينما تتسم سلطاتها فى انتقاء الفعل المجرم وتقدير عقوبته بسلطة تقديرية واسعة ؛ فإن هذه السلطة تكون مقيدة على نحو كبير فى التزام النص عليه بالضوابط التى أرساها الدستور. فالسلطة التشريعية تتمتع بسلطة تقديرية واسعة فى اختيار الأفعال التى ترى أنها تمس بحقوق ومصالح جديرة من وجهة نظرها بالحماية وفى تقدير عقوبتها كذلك ، وهو ما يجعل هذه السلطة بمنأى فى كثير من الأحيان عن الرقابة الدستورية. فلا تخضع السلطة التشريعية للرقابة الدستورية فيما تصدره من تشريعات إعمالاً لسلطتها التقديرية ، ما لم تخالف بها أهداف الدستور(6). ودور المحكمة الدستورية العليا فى استجلاء المخالفة لأهداف الدستور يفترض أن يكون هذا الإخلال واضحاً ظاهراً جلياً بحيث يكشف عن انتفاء الضرورة أو عدم التناسب فى التجريم والعقاب ، دون أن يحتاج الأمر إلى مراجعة السلطة التقديرية للشارع والتى تقوم على اعتبارات الملاءمة فى اختيار أفضل الوسائل لتحقيق المقاصد التى توخاها الدستور(7).

ويترتب على القاعدة السابقة نتيجة مهمة ، وهى أنه إذا كانت سلطة الشارع فى اختيار الفعل المجرم وتحديد عقوبته تتسم بالتقدير ؛ فإن سلطته فى النص عليه تتسم بالتقييد بوجوب الالتزام بالضوابط الدستورية فى التجريم والعقاب.

-أهمية الدراسة:

تثير الدراسة التساؤل عن ماهية الضوابط التى يجب على الشارع الالتزام بها عند وضعه نصوص التجريم والعقاب؟ ، فإذا كانت سلطة الشارع التقديرية فى التدخل بالتجريم والعقاب تتسم بالاتساع ، فإن سلطته فى صياغة هذه النصوص ليست كذلك.وترجع أهمية الدراسة إلى عدة اعتبارات:فمن ناحية فإن الملاحظ هو ازدياد تدخل الشارع بالتجريم والعقاب فى الكثير من المسائل ، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الإفراط فى التجريم والعقاب. وهذا المسلك لا يقتصر على القانون الوطنى فحسب ؛ بل إن التشريعات المقارنة قد شهدت توسعاً كبيراً فى مجال التجريم والعقاب. وكثرة تدخل الشارع بالتجريم توجب البحث عن الضوابط التى يجب عليه الالتزام بها عند استخدامه لهذه السلطة.

ومن ناحية ثانية فإن هذا التجريم والعقاب ينال من حقوق الأفراد وحرياتهم على نحو كبير ، ومن شأن عدم وجود ضوابط على سلطة الشارع أو عدم فاعليتها أن يهدد بالافتئات على هذه الحقوق ، وأن يجعل مركز الفرد ضعيفاً تجاه الدولة.ومن جهة أخرى فإن من شأن وجود هذه الضوابط أن تؤدى إلى تدعيم الثقة بين الحكام والحكومين: فالفرد يعلم أن هناك مجالاً محتجزاً لا تستطيع سلطة الدولة أن تتعداه أو أن تتجاوز نطاقه ، وأن هناك ضوابط مصدرها الدستور تتقيد بها سلطة الدولة. والدولة بمراعاة هذه الضوابط تكون قد كفلت احترام مواطنيها وأعملت مبدأ سيادة القانون.

ونصوص الدستور التى تتصل بأصول التجريم والعقاب تتسم فى حقيقتها بقلتها وعموميتها ، وبتعدد أوجه تفسيرها. ولذلك فإن دور المحكمة الدستورية العليا فى وضع ضوابط للتجريم والعقاب يتسم بأنه دور خلاق مبدع ، تجاوزت به المحكمة الإطار الضيق لنصوص الدستور، لتستلهم حكمة هذه النصوص ، وأرست قضاء رفيع المستوى عالجت به القصور التشريعى ووضعت سياحاً يحمى الحقوق والحريات. ولا نبالغ فى القول بأن دور المحكمة الدستورية العليا فى مصر يزيد كثيراً عن دور غيرها فى الأنظمة القانونية العريقة.

ويقع على عاتق هذه الدراسة استخلاص أهم الضوابط التى أرستها المحكمة الدستورية العليا والتى يتعين على الشارع أن يلتزم بها عند وضعه نصوص التجريم والعقاب ؛ وإلا صار النص منافياً للدستور.

– تقسيم الدراسة ومنهج البحث فيها:

قسمت الدراسة إلى ثلاثة فصول: يتناولالأول ضوابط النص على الركن المادى للجريمة ، وفىالثانى ضوابط النص على الركن المعنوى لها ، وفىالثالث ضوابط النص على العقوبة.

ومنهج الدراسة يجمع بين التأصيل والتحليل معاً: فهو قد أصل ضوابط التجريم والعقاب بحسب أركان الجريمة والعقوبة عليها ، وحاول استخلاص هذه الضوابط من خلال منهج استقرائى تحليلى لأحكام المحكمة الدستورية العليا. غير أن الدراسة حاولت أن تلقى الضوء أيضاً على نماذج مقارنة للرقابة الدستورية ، أبرزها المحكمة العليا الأمريكية. وقد حاولت الدراسة تطبيق الضوابط التى استخلصتها على نصوص تجريم سارية ، لتبين مدى التزام الشارع فيها بالضوابط الدستورية فى التجريم والعقاب ، وهو عمل فقهى يحتمل الخطأ والصواب ، قصد به بيان ما يمكن أن يسفر عنه تطبيق هذه الضوابط من نتائج.

الفصل الأول
الفعل المادى والدستور

– تقسيم: نتناول فى هذا الفصل بيان أهمية الركن المادى فى الجريمة ، ثم نبين الضوابط التى أرستها المحكمة الدستورية العليا فى شأن النص عليه ، وأخيراً أثر تطبيق هذه الضوابط على بعض نصوص التجريم، كل فى مبحث مستقل.

المبحث الأول
أهمية الفعل المادى وعناصره

– أهمية الفعل المادى:

يهتم القانون الجنائى أساساً بالفعل المادى المرتكب ، ولذلك قيل إن “القانون الجنائى هو قانون أفعال” ؛ فإن انتفى وصف الفعل انتفى مبرر تدخل هذا القانون. لا شك فى أن القانون الجنائى يهتم كذلك بالجانى من خلال تقرير مدى جدارته بالعقاب وكيفية تحقيق أغراضه وقدر العقوبة الموقعة عليه وتنفيذها ؛ غير أنه مع ذلك فإن الفعل -لا الفاعل- هو الفكرة الرئيسية التى ينهض عليها القانون الجنائى فى الوقت الحاضر ، ذلك أن انتفاء وجود هذا الفعل يترتب عليه عدم جواز تطبيق أحكام القانون الجنائى(8). ويقوم الشارع بتحديد الشروط التى يتطلبها فى الفعل محل التجريم ، والتى إن انتفت لأدى هذا إلى عدم جواز توقيع العقوبة على الجانى(9). ولا تقتصر أهمية الفعل فى مجال التجريم فحسب ؛ بل إن لها أهميتها كذلك فى نطاق قانون الإجراءات الجنائية ؛ إذ لا يجيز الشارع اتخاذ إجراءات تمس الحرية الشخصية ، إلا بافتراض سبق ارتكاب فعل مادى مجرم ، أما مجرد توافر الخطورة مجردة فإنها لا تصلح سبباً للمساس بهذه الحرية(10).

ومن المتفق عليه أن للجريمة -على الأقل-جانبان : مادى ومعنوى(11) ، والجانب المادى من الجريمة هو سلوك بشرى ظهر إلى العالم الخارجى له طبيعة موضوعية جسدية ، أما الجانب المعنوى فإنه يتميز بأنه أمر مضمر فى نفس الجانى وله طبيعة شخصية نفسية(12).

وعلى الرغم من أن مدلول الفعل المجرم ليس محل اتفاق فى الفقه والقضاء المقارنين ؛ إلا أنه من المتفق عليه أن كل جريمة تتطلب فعلاً مادياً(13). فالركن المادى ضرورة فى كل جريمة ، فلا جريمة بغير نشاط مادى(14) ، “فالفكرة الشريرة مهما كان رسوخها فى النفس ، والتصميم الإجرامى الجازم بسبق الإصرار ، لا تقوم بهما جريمة طالما بقيا مجرد ظواهر نفسية لم تتخذ سبيلها إلى التعبير المادى الخارج عن كيان صاحبها”(15). فالقانون الجنائى لا يحفل بالنوايا والأفكار حتى ولو قصد صاحبها بها ارتكاب جريمة ، وذلك ما لم يتم التعبير عنها بسلوك مادى(16). ويعنى هذا أن انتفاء صفة الفعل يؤدى إلى نفى الجريمة ولو توافر الركن المعنوى ، فلا جريمة بغير نشاط مادى ظهر إلى العالم الخارجى وقام الدليل عليه(17).

وترجع أهمية الركن المادى أيضاً إلى اتصاله بأسس التجريم والعقاب ، وبصيانة الحريات ، فضلاً عن اتصاله بأسس الإثبات الجنائى. فتجريم الفعل والعقاب عليه يجد علته فى أن هذا الفعل يتبلور فيه المساس بحق أو مصلحة لها أهمية اجتماعية ، وبغير الفعل فإن النظام الاجتماعى لم يصبه ضرر(18). وهذا المساس يعد واقعة مادية تعبر عن إثم وخطورة الجانى ، ومن ثم يعد الفعل أهم العناصر لتقدير هذه الخطورة. والنوايا والأفكار والرغبات مجردة لا تصلح لأن تكون محلاً للتجريم(19)؛ إذ لا تعطى معياراً واضحاً يمكن بمقتضاه تمييز المسئول جنائياً عن غيره من الأشخاص(20).

ويتصل الركن المادى أيضاًبالحريات العامة ، ذلك أن اشتراط ارتكاب الفعل المادى من شأنه أن يحصر سلطة الدولة فى العقاب فى مجال معقول ، وأن يصون الأفراد عن مؤاخذتهم عما انطوت عليه ضمائرهم وما جال بخواطرهم(21). فتطلب الركن المادى فى الجريمة من شأنه أن يكفل حماية الأفراد من تهديد سلطات الدولة لهم بالعقاب على ما اختلجت به أنفسهم(22). فمحاسبة الأفراد عن النوايا من شأنه أنيعصف بحقوق الأفراد وحرياتهم الخاصة ، وأن يمهد لقيام الدولة الاستبدادية التى تستبيح المساس بحريات الأفراد وأمنهم باتخاذ إجراءات التحرى والاستدلال التى تنال من هذه الحريات بدعوى مخالفتهم للقانون. كما يتيح لها أن تعيد اتهام الشخص أكثر من مرة ، دون أن يستطيع أن يتمسك بسابقة معاقبته عن هذه التهمة(23). كما أنه بفرض توافر قدر من الخطورة الإجرامية لمن تتوافر لديه النية الإجرامية فإن غياب الفعل المادى يجعل من الصعوبة التمييز بين هذه النية الإجرامية الجازمة وبين مجرد بعض الأوهام التى تجول فى نفس صاحبها(24).

والمعاقبة على النية الإجرامية المتجردة من الفعل المادى من شأنه أن يؤدى إلى اتساع نطاق تطبيق القانون الجنائى وإلىالإفراط فى التجريم لينال مجرد الحالة الذهنية التى تقوم فى نفس صاحبها ، وهو ما ينال أهداف القانون الجنائى ذاتها(25). فلا يكاد يوجد امرئ لم توسوس له نفسه بفكرة شريرة ، ومن شأن تجريم النوايا التى انطوت عليها النفس أن يتعارض مع الطبيعة النفسية التى طبع الإنسان عليها(26) ، بل أن من شأن تجريم النوايا والأفكار المجردة أن يكون كل شخص محلاً للعقاب عليها(27). والفعل المادى هو أداة التمييز بين الجرائم المختلفة والوقوف على طبيعتها ، وعلى العناصر الداخلة فيها(28).

ويتصل الركن المادى للجريمةبأسس الإثبات الجنائى : فإنه إذا كان لا جريمة بغير ركن مادى ؛ فإنه أيضاً لا عقوبة بغير حكم قضائى. والحكم القضائى الصادر بالإدانة يجب أن ينهض على أدلة تثبت وقوع الفعل المجرم ونسبته إلى مرتكبه ، وهو ما لا يتأتى بغير وجود مادى لهذا الفعل(29) ، على نحو يسهل على سلطات التحقيق والمحاكمة التحقق منه وإقامة الدليل عليه. أما محض الظواهر النفسية التى لم يعبر عنها مادياً ، فإنه يكون من العسير إن لم يكن من المستحيل إقامة الدليل عليها ، فلا يمكن العقاب على ما لا يعرف(30). فماديات الفعل هى التى تجعل من السهل الوقوف على حقيقة التهمة المسندة إلى المتهم ، وتكفل قدراً من الحماية من التهم الباطلة(31). ومن ناحية أخرى ، فإن من شأن المحاسبة على النوايا والأفكار أن تجعل من العسير على المتهم أن يدرأ التهمة عن نفسه(32). والفعل محل التجريم هو فى حقيقة الأمر واقعة مادية ظهرت إلى العالم الخارجى. ويتسع مدلول الواقعة ليشمل الفعل الإيجابى والفعل السلبى ، كما يتسع ليشمل ما يأتيه الجانى من أفعال غير عمدية متى كان بالإمكان تفاديها(33).

– العناصر التى ينصرف إليها مدلول الفعل المجرم :

ينصرف مدلول الفعل إلى النشاط المادى الذى يأتيه الجانى ، ومثال ذلك فعل الضرب ، كما قد ينصرف إلى النتيجة الضارة التى يريد الجانى تحقيقها متى كان تحقيق هذا النتيجة عنصراً فى تعريف الجريمة . وبذلك يجب التفرقة بين جرائم السلوك وجرائم النتيجة : ففى الأولى لا يقيم الشارع وزناً للنتيجة التى ترتبت على الفعل ، أما فى الثانية فإن اهتمام الشارع ينحصر أساساً فى النتيجة دون أن يعبأ بصورة الفعل الذى أفضى إلى هذه النتيجة(34) ، ومثال ذلك جريمة القتل ؛ فإزهاق روح المجنى عليه يدخل فى التعريف القانونى لجريمة القتل وهى النتيجة التى يرمى الشارع إلى الحيلولة دون وقوعها(35) ، ومن ثم كان متصوراً أن يساوى بين الأفعال المحدثة لهذه النتيجة ، وهو ما يؤدى إلى التوسع فى مدلول الفعل المحدث لهذه النتيجة. وقد ينصرف مدلول الفعل إلى عناصر أخرى كما هو الحال فى سن المجنى عليها فى جريمة هتك العرض ، متى كان الشارع قد استلزم هذا العنصر فى تعريف الجريمة(36) ، كما يدخل فى مدلول الفعل الظروف المختلفة(37). وإذا كان الأصل أن يقتصر الفعل على العناصر ذات الطبيعة المادية دون العناصر ذات الطبيعة الشخصية والتى تدخل فى نطاق الركن المعنوى ؛ إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة فقد يشتمل الركن المادى على عناصر ذات طبيعة معنوية لشخص آخر خلاف الجانى: فجريمة الاغتصاب على سبيل المثال تنطوى على غياب رضاء المجنى عليها بفعل الاتصال الجنسى غير المشروع ، وانتفاء الرضاء فى هذه الحالة لا يشكل عنصراً فى الركن المعنوى الذى يقتصر فقط على الجانى دون غيره من الأشخاص(38). ولبيان ما إذا كانت هذه العناصر عنصراً فى الفعل يجب الرجوع إلى نص التجريم(39). وقد يتطلب الشارع فى بعض الأحيان وقوع الفعل من شخص له صفة معينة أو على مجنى عليه له مثل هذه الصفة(40).

– مدلول الفعل محل التجريم فى الشريعة الإسلامية :

لا يتدخل الشارع الإسلامى بالعقاب على كل خطيئة أخلاقية، وعلة ذلك إن مثل هذا التجريم يؤدى إلى مساءلة الأفراد جنائيا على مجرد أفكار أو خلجات نفس ، وهو ما يؤدى إلى التنقيب عن القلوب(41) والتدخل فى الحياة الخاصة للأفراد. وأن ما يقترن بتجريم كل خطيئة أخلاقية من أضرار يكون أكثر من النفع الذى يعود من العقاب عليها. والشريعة الإسلامية راعت بذلك أن كشف أسرار الناس وانتهاك حرماتهم يتنافى مع الأخلاق. فالأخلاق تقضى بأن على الفرد أن يفعل كل ما فيه منفعة للمجتمع ولنفسه، ولكن كثيراً من الأفعال النافعة للمجتمع لا يمكن أن يأمر بها الشارع. بل إن هناك أعمالاً ضارة لا يمكن تجريمها وإن منعتها الأخلاق: فالكذب المجرد تحظره الأخلاق ولكن لا يمكن أن تمتد يد العقاب إليه إلا إذا اقترن بفعل معين، وادى إلى إهدار مصلحة محمية. ومنشأ هذه الصعوبة فى التعرف على الجرائم التى تجول فى النفس وصعوبة الوقوف عليها. وإذا كانت القاعدة السابقة تعد من الأصول العامة فى التجريم التى سادت سياسة التجريم فى الشريعة الإسلامية بصفة عامة، فالشريعة الإسلامية قد قررت أن الأفكار والخواطر التى تدور فى مخيلة الجانى ، مهما كانت خطورتها لا يمكن أن تكون محلاً للتجريم(42) وإن منعتها الأخلاق الإسلامية.

وسند ذلك قول النى صلى الله عليه وسلم “من هم بحسنة فلم يفعلها كتبت له حسنة، ومن هم بسيئة فلم يفعلها لم يكتب له شئ”. وقوله “إن الله تعالى تجاوز لأمتى فيما وسوست او حدثت به نفسها ما لم تعمل به او تتكلم”. وعلة هذا المبدأ هو الخشية من أن يكون من شأن محاسبة الناس على نواياهم التى لم يعبروا عنها بسلوك خارجى محسوس اجتماعياً العصف بحرياتهم. ولئن كان الشارع الإسلامى قد أمر بنفى المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ، فهو لم يخرج عن القاعدة الأصولية سالفة الذكر، ذلك أن مثل هؤلاء قد نسب إليهم سلوك مادى ظهر إلى حيز الوجود وقام الدليل عليه(43) والعناصر المادية التى أقام عليها الشارع الإسلامى حكمه فى نفى المخنثين والمترجلات علته أن سلوك هؤلاء يدخل فى عداد جرائم الخطر .

المبحث الثانى
الضوابط الدستورية لتجريم الفعل

– الدستور والفعل المادى:

إن النظام القانونى يجب أن تسوده مبدأ الوحدة ، فلا تتعارض نصوصه أو تتنافر فيما بينها ، ونصوص الدستور تساهم فى تحقيق الانسجام والترابط فى بنيان النظام القانونى(44). وقد يحمى القانون الجنائى حقوقاً يقررها الدستور ، وعلى العكس من ذلك فقد يرفع الدستور بعض القواعد الجنائية إلى مرتبة المبادئ الدستورية(45). وإذا كان القانون الجنائى قد قرر أهمية الفعل بحسبانه يرسم الحد الفاصل لتدخل الشارع بالتجريم ، فإن الدستور نص -حال تقريره لمبدأ عدم رجعية النصوص الجنائية على الماضى- على أنه لا عقاب إلا علىالأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون (المادة 66 فى فقرتها الثانية). ومفاد ذلك أنه لا يصلح فى نظر الدستور للتجريم ما هو دون الفعل . وقد حرصت المحكمة الدستورية العليا على تأكيد هذه القاعدة بقولها : إن الدستور نص فى المادة 66 منه على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذى ينص عليها ، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره ، يتمثل أساساً فى فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابى مفصحاً بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائى ابتداء فى زواجره ونواهيه – هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه إيجابياً كان هذا الفعل أم سلبياً(46).

1- الصفة المادية الإرادية فى الفعل

إذا تجرد الفعل من صفته المادية الإرادية انتفى عنه وصف الفعل ، ولم يعد بذلك جديراً بالتجريم. وإذا كان القول السابق يبدو بديهياً ؛ إلا أنه أثار فى التطبيق الكثير من الصعوبات.

– تجريم الحالة الدالة على خطورة إجرامية:

نظرت المدرسة الوضعية إلى الجانى باعتباره مصدر الخطورة على المجتمع ، فليس مصدر هذا الخطر الجريمة التى وقعت ؛ وإنما هى الشخصية الإجرامية بما تنطوى عليه من تهديد إلى العود للجريمة(47) ، وأنه يجب أن يتاح للمجتمع مكنة الدفاع عن نفسه وأن يؤاخذ الجانى إذا بدت منه بادرة تدل على خطورته الإجرامية ، ولو لم يرتكب فعلاً معيناً(48). وقد أثار تجريم “الحالة” خلافاً كبيراً فى الفقه المقارن : فجرائم الحالةStatus Offense لا تنطوى فى حقيقتها على فعل غير مشروع -إيجابياً أو سلبياً -يرتبط بسلوك الشخص ، ومثال ذلك إدمان الخمر أو المخدرات أو التواجد فى حالة سكر فى مكان عام أو الاشتهار بارتكاب جرائم معينة(49). وتكمن الاعتراضات على تجريم “الحالة” فى أنها قد لا تنطوى على الصفة الإرادية التى يتعين توافرها فى الفعل المجرم ، فالجانى فيها قد لا يملك القدرة على تغيير هذه الحالة ، والنتيجة التى تترتب على عدم توافر هذه الصفة الإرادية هو انتفاء الفعل بمدلوله القانونى ، وهو ما يتنافى كذلك مع أمر الدستور الذى يحظر العقاب إلا على الأفعال المادية. ويضيف أنصار هذا الاتجاه حجة أخرى هى أن القانون الجنائى يهتم بما يفعله المرء لا بما هو عليه من حال. وأن من شأن الأخذ بتجريم الحالة أن يشجع أنصار الفكر الشمولى ، وأن ينال بالتجريم مجموعات من الأفراد تمثل أقليات غير مرغوب فيها فى المجتمع لأسباب ترجع إلى أعراقهم أو دينهم أو ثقافتهم أو توجهاتهم السياسية(50). كما أن الحالة لا تنطوى فى حقيقة الأمر على فعل مادى ملموس ، ومن ثم فإن تجريمها يخالف أسس التجريم والعقاب(51).

ويرى الرأى الآخر من الفقه أنه لا يتنافى مع فكرة الفعل محل التجريم أن يقوم الشارع بتجريم “مجرد حالة” كالتشرد والاشتباه ، أو “محض وضع ” كالحيازة ، أو أن يعاقب على الاتفاق الجنائى أو التهديد ، وسند هذا الرأى أنه فى جميع هذه الحالات توجد ثمة عناصر مادية احتجزها الشارع ، وأقام بها الركن المادى للجريمة التى عاقب عليها . وعلى سبيل المثال فالحيازة هى سيطرة مادية على شئ ، وفى الاتفاق الجنائى أو التهديد عبر الجانى عن تصميمه الإجرامى بقول أو فعل أو إيماء(52). ويرى أنصار هذا الرأى إن هناك تطبيقاً هاماً لجرائم الحالة مجاله الجريمة المنظمة ، أو الانضمام إلى عضوية إحدى التنظيمات غير المشروعة أو تولى مركزاً بها ، ففى هذه الأحوال تبدو فكرة تقرير المسئولية عن ارتكاب فعل محدد أو امتناع صعبة التحقيق ، ويكون البديل لذلك هو إقامة دعائم هذه المسئولية على “الحالة الخطرة” وصلة الفرد بالتنظيم(53). وقد توسع بعض أنصار هذا الرأى إلى القول بأنه يجوز معاقبة من تثبت خطورته الإجرامية ولو لم يرتكب فعلاً يعد جريمة ، وذلك تأسيساً على أن الخطورة الإجرامية هى مجرد حالة كامنة فى نفس الشخص ولا يلزم لتوافرها سبق ارتكاب جريمة(54). وأن هذه الخطورة يتم الكشف عنها من خلال التعرف على ما تتصف به الشخصية الإجرامية من صفات وعلامات ، ووسيلة التعرف على هذه الصفات – فى نظر هذا الرأى- هو الفحص البيولوجى والنفسى والاجتماعى للوقوف على مدى توافر هذه الخطورة فيه(55). والخطورة فى نظر هذا الرأى هى حالة نفسية لدى الجانى تنبئ عن احتمال ارتكاب الجريمة مستقبلاً وتقوم على ظروف واقعية وتتجسد فى إمارات مادية واضحة(56). ويجب أن يتاح لدى أنصار هذا الرأى للمتهم أن يثبت انتفاء هذه الخطورة لديه بأن يثبت انصلاح حاله(57). فالخطورة الإجرامية ليست أمراً مستقبلاً ؛ وإنما هى حقيقة واقعة حالة وملموسة(58). وقد أضاف البعض حجة مفادها أن تجريم الاشتباه باعتباره إحدى صور تجريم الحالة الخطرة يجد سنده فى كثرة الأفعال التى ارتكبها المشتبه فيهم فى حق الأبرياء وعجز القانون عن أن يمد يد العقاب إليهم إما لمهارتهم فى إخفاء جرائمها ؛ وإما لخوف الناس من الشهادة ضدهم(59). وقد أثرت هذه الأفكار فى التشريعات ومن بينها القانون المصرى: إذ كان الشارع يعاقب على مجرد الاشتباه بموجب المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 فى شأن المتشردين والمشتبه فيهم. وقد قضت محكمة النقض المصرية -فى ظل سريان هذا النص-أن الاشتباه حالة تقوم فى نفس خطرة قابلة للإجرام ، وهذا الوصف بطبيعته ليس فعلاً يحس فى الخارج ولا واقعة مادية يدفعها نشاط الجانى إلى الوجود ؛ وإنما افترض الشارع بهذا الوصف كمون الخطر فى شخص المتصف به ، ورتب عليه محاسبته وعقابه ، كما دلت على أن الاشتهار والسوابق قسيمان فى إبراز هذه الحالة الواحدة ، متعادلان فى إثبات وجودها ، وأن السوابق لا تنشئ بذاتها الاتجاه الخطر الذى هو مبنى الاشتباه ؛ وإنما هى تكشف عن وجوده وتدل عليه أسوة بالاشتهار ، ومن ثم جاز الاعتماد على الأحكام المتكررة الصادرة على المتهم ، ولو لم تصر نهائية – متى كانت قريبة البون نسبياً ، وكانت من الجسامة أو الخطورة بما يكفى لاقتناع القاضى بأن صاحبها خطر يجب التحرز منه”(60). وفى رأى بعض الفقه أن الخطورة يجب أن تتجسد فى صورة أفعال مادية ملحوظة فى العالم الخارجى ، وأنه لا يمكن أن تبنى على مجرد أفكار مجردة ولو كانت منافية للأفكار الاجتماعية السائدة(61).

– تجريم الحالة الخطرة يتجرد من الصفة المادية والإرادية للفعل:

إذا تجرد الفعل من الصفة المادية أو الإرادية، فإنه يفقد وصف الفعل ولم يعد بذلك صالحاً لأن يكون محلاً للتجريم. وهذه القاعدة نلمحها بوضوح فى قول المحكمة الدستورية العليا بأن”الأصل فى الجرائم أنها تعكس تكويناً مركباً من الفعل المادى والإرادة الحرة ، وذلك باعتبار أن هذه الإرادة هى التى تتطلبها الأمم المتحضرة فى مناهجها فى مجال التجريم بوصفها ركناً فى الجريمة وأصلاً ثابتاً فيها ، وأنه كأصل عام لا يجوز أن يجرم الفعل ما لم يكن إرادياً قائماً على الاختيار الحر”(62).وفيما يلى تبين بعض الأمثلة التى طبقت فيها المحكمة الدستورية العليا هذا الضابط.

1- عدم دستورية تجريم حالة الاشتباه:

كان الشارع ينص فى المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 بشأن المتشردين والمشتبه فيهم ، على حالات تجريم حالة الاشتباه والتى تعنى سبق الحكم على الجانى فى جرائم معينة(63)، وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذا التجريم تأسيساً على أن “نص المادة 66 من الدستور دل على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره ، يتمثل أساساً فى فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابى ، مفصحاً بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائى ابتداء فى زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه ، ….وان الاشتهار بالمعنى التى قصده نص المادة الخامسة المطعون فيه يعتبر فى ذاته مكوناً لجريمة لا يعاصرها فعل أو أفعال بعينها ، وهو فوق هذا يجهل بماهية الأفعال التى يتعين على المخاطبين بالقوانين الجزائية توقيها وتجنبها …وأن هذا الاشتهار ينصرف إلى حالة خطرة تستمد عناصرها من السوابق أو الأقوال أو غيرها ، وجميعها لا ترقى إلى مرتبة الفعل ، ولا يقوم هو بها. وأن صورة الاشتباه التى تقوم فى جوهرها على أحكام إدانة سابقة يظلجريمة بلا سلوك ؛ إذ ليس شرطاً لقيامها أن يكون قد عاصرها أو اتصل بها فعل محدد إيجابياً كان هذا الفعل أم سلبياً(64).

وقد قضت المحكمة الدستورية العليا كذلك -لذات هذه الأسباب-بعدم دستورية نص المادة 48 مكرراً من القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات والتى تقضى بجواز الحكم بتدابير مقيدة للحرية على من سبق الحكم عليه أكثر من مرة أو اتهم لأسباب جدية فى إحدى الجنايات المنصوص عليها فى هذا القانون(65).

2- الأمر بالاعتقال لأسباب تتعلق بالأمن العام لا يصلح فعلاً مجرماً:

كانت المادة الأولى من القانون 74 لسنة 1970 فى شأن وضع بعض المشتبه فيهم تحت مراقبة الشرطة تنص على وضع الشخص تحت مراقبة الشرطة لمدة سنتين إذا توافرت فيه حالة الاشتباه المنصوص عليها فى المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 الخاص بالمتشردين والمشتبه فيهم وصدر أمر باعتقاله لأسباب تتعلق بالأمن العام وذلك دون حكم قضائى. ومفاد ذلك أن توافر حالة الاشتباه كانت مجرمة وفقاً للمرسوم بقانون 98 لسنة 1945 ؛ غير أن القانون 74 لسنة 1970 سالف الذكر كان يجرم حالة الاشتباه وصدور أمر بالاعتقال معاً ، أى أنه أضاف صدور هذا الأمر باعتباره حالة لاحقة للاشتباه.

وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بأنه يتعين لوضع الشخص تحت مراقبة الشرطة عملاً بحكم المادة الأولى من القانون 74 لسنة 1970 أن يكون توافر حالة الاشتباه فى حقه ثابتاً بحكم قضائى وسابقاً على صدور الأمر باعتقاله ، وأنه مؤدى ذلك أن هذه المادة قد جرمت حالة جديدة لاحقة لحالة الاشتباه التى سبق أن حوكم عليها هذا الشخص ، تقوم إذا ما تم اعتقاله بعد ذلك لأسباب تتعلق بالأمن العام ثم فرضت عليها عقوبة أصلية هى الوضع تحت مراقبة الشرطة لمدة سنتين تتم بغير حكم قضائى وتتخذها الشرطة من تلقاء نفسها ، وهو ما يجعل هذه المادة مخالفة للدستور(66).

– تجريم الحالة الخطرة فى قضاء المحكمة العليا الأمريكية:

نظر فقه القانون الإنجليزى والأمريكى إلى الفعل المجرم(67)على أن مدلوله يتسع ليشمل تجريم مجرد “حالة” أو محض “وضع” كالحيازة(68). ووفقاً لهذه الوجهة فإن الركن المادى للجريمة لا يقتصر فقط على الفعل بمدلوله الإيجابى أو السلبى ؛ بل يتسع ليشمل حالات لا يبدو فيها وقوع فعل على الإطلاق(69). وقد ذهبت تشريعات الولايات المتحدة الأمريكية إلى إتباع خطة نموذج قانون العقوبات(70) ، الذى أعده معهد القانون الجنائى فى تبنى تعريف ضيق للفعل ؛ إذ عرفته بأنه “حركة عضوية “(71). وتنص المادة الثانية من هذا النموذج فى فقرتها الثانية على أن :” الشخص لا يجوز أن يعد مرتكباً لجريمة ، ما لم تؤسس مسئوليته على سلوك ينطوى على فعل إرادى”(72). وقد ثار التساؤل عما إذا كان مدلول الفعل لمجرم يشمل تجريم أفعال لا تنطوى على حركة عضوية : مثل تجريم الحالة والوضع المجرد ؟ .

لا شك أن الأخذ بالتعريف الضيق للفعل من كونه حركة عضوية إرادية(73) لا يجعل من مجرد الحالة أو الوضع فعلاً يصلح للتجريم ، ومن ناحية أخرى فإن النية الإجرامية المجردة من أى عناصر مادية لا تصلح بدورها محلاً للتجريم ، فلا قيام للجريمة بمجرد توافر الركن المعنوى(74). وعلى الرغم من أن فقه القانون الأنجلو أمريكى يسلم بصلاحية تجريم التواجد فى حالة من الحالات التى تنص التشريعات عليها مثل الإدمان على المخدرات ؛ إلا أن المحكمة العليا الأمريكية قد أرست عدة مبادئ شكلت خروجاً على هذا الفقه ، فقد قضت بأنه لا يجوز عقاب الشخص على مجرد إدمان المخدرات(75) أو لمجرد وجوده فى حالة سكر فى مكان عام(76) أو لتشرده(77). ونتناول بالدراسة أهم الأحكام التى قررتها فى ذلك.

– الإدمان على السكر أو المخدرات لا يصلح فعلاً مجرماً :

وفى قضيةRobinson قضت المحكمة العليا الأمريكية بعدم دستورية قانون أصدرته ولاية كاليفورنيا كان يجرم الإدمان على المخدرات. وقد قررت المحكمة فى قضائها أنه: “لا يجوز اعتبار الشخص الذى يعانى من مرض عقلى أو معد مجرماً ؛ وإنما يجب النظر إلى هؤلاء الأشخاص باعتبارهم مجنياً عليهم وهو ما يقتضى إخضاعهم لعلاج إجبارى يشمل الحجر الصحى والحجز أو التفتيش ؛ ولكن لا يصح اعتبار مثل هذه الحالات أفعالاً مجرمة ، وأن إدمان المخدرات إن هو إلا مرض لا يصلح أن يشكل جريمة”(78).

وفى قضية (POWELL v. TEXAS) اتهم أحد الأشخاص بأنه وجد سكراناً فى مكان عام بالمخالفة للمادة 477 من قانون العقوبات لولاية تكساس الصادر سنة 1952 والتى نصت على تجريم التواجد فى حالة سكر فى مكان عام أو فى مكان خاص غير مسكن الجانى. فدفع المتهم بأنه مدمن للخمر ، ولا يستطيع لتناوله دفعاً ؛ غير أن المحكمة رفضت هذا الدفع، وقضت بإدانته. فطعن بعدم دستورية القانون الذى حوكم بمقتضاه . والمحكمة العليا الأمريكية فرقت بين المبدأ الذى أرسته فى قضية Robinson والذى قضت فيه بعدم جواز تجريم الإدمان على المخدرات إذا كان التجريم تناول حالة يتصف بها الشخص بسبب إدمانه على المخدرات ؛ وبين التواجد بحالة سكر فى مكان عام ، وفيه لا ينصب التجريم على محض حالة ؛ وإنما على فعل “التواجد فى مكان عام بحالة سكر”(79) ، وسند هذه التفرقة أن العقاب لم يتناول الإدمان على الخمر ذاته لأنه يتماثل فى هذه الحالة مع الإدمان على المخدرات والذى سبق وأن قضت بعدم دستورية تجريمه ؛ وإنما تناول التجريم الخروج إلى مكان عام بحالة سكر ، فالتجريم لا يتناول إدمان الجانى ؛ وإنما عدم اتخاذه الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون تواجده فى مكان عام(80).

2- وضوح وتحديد الفعل المجرم

– وجوب اتصاف نصوص التشريع بالوضوح والتحديد:

وضع التشريع ليخاطب الناس جميعاً على اختلاف مداركهم وثقافاتهم وأفهامهم ، ولذلك كان من الواجب أن يتخير الشارع العبارة البسيطة السهلة الواضحة التى يفهمها كل الناس(81). “فلغة التشريع يجب أن تكون واضحة دقيقة. فاللغة المعقدة تجعل القانون مغلقاً ، كما أن اللغة غير الدقيقة تجعل القانون مبهماً. ويجب أن يكون للتشريع لغة فنية خاصة به ، يكون كل لفظ فيها موزوناً محدود المعنى. ولا يجوز أن يتغير معنى اللفظ الواحد باستعماله فى ظروف مختلفة. كما أنه إذا عبر عن معنى بلفظ معين ، وجب ألا يتغير هذا اللفظ إذا أريد التعبير عن هذا المعنى مرة أخرى. ولا يتنافى أن تكون لغة التقنين غنية وأن تكون بسيطة تنزل إلى مستوى الجمهور”(82).

وتقتضى صفة التحديد أن كل قاعدة قانونية يجب أن تنطوى على حل لمشكلة يثيرها النص ، فكل قاعدة تتضمن بالضرورة الإجابة على سؤال ورد بها ، فإذا ورد السؤال وانتفت الإجابة عليه أو كانت هذه الإجابة غير وافية أو تسمح بالتأويل والاستنتاج كان النص غير محدد(83).

وتكتسب هذه الصفات أهمية كبيرة فى نظر القانون الجنائى: ذلك أن هذا القانون يسوده مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذى يوجب أن تتصف نصوص التجريم بالوضوح وأن تبعد عن الغموض والالتباس(84). فلا يكفى أن ينص الشارع على تجريم فعل معين ؛ وإنما يجب أن يكون هذا الفعل واضح العناصر على نحو يكفل التحديد الدقيق لماهيته ، أما النص على تجريم سلوك يشوب تحديده الإبهام والغموض فإنه يكون غير صالح للتجريم لمنافاته مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات(85).

والوضوح نقيض الغموض ،ويكون نص التجريم غامضاً “إذا جهل المشرع بالأفعال التى أَثّمها فلا يكون بيانها واضحاً جلياً ولا تحديدها قاطعاً أو فهمها مستقيماً بل مبهماً خافياً على أوساط الناس ، باختلافهم حول فحوى النص العقابى المؤثم لها ودلالته ونطاق تطبيقه وحقيقة ما يرمى إليه، ليصير إنفاذ هذا النص مرتبطاً بمعايير شخصية مرجعها إلى تقدير القائمين على تطبيقه لحقيقة محتواه، وإحلال فهمهم الخاص لمقاصده محل مراميه الحقيقية وصحيح مضمونه”(86). وتحديد ماهية الفعل على نحو واضح ودقيق هو فى الواقع قيد على السلطة التشريعية ، وتؤدى مخالفة هذه القاعدة إلى أن يكون النص مشوباً بعيب عدم الدستورية لغموضه(87). وإيضاح ماهية الفعل على نحو واضح ودقيق هو الذى يميز بين التوسع المسموح به فى مدلول هذا الفعل والتوسع الذى يؤدى إلى إضافة أفعال أخرى بما يؤدى إلى خلق جرائم أخرى(88). وقد حرصت المحكمة الدستورية العليا على إبراز هذه القاعدة فى العديد من أحكامها:

1- مسئولية رئيس الحزب عما ينشر فى صحيفة حزبه:

كان الشارع ينص فى الفقرة الثانية من المادة 15 من قانون الأحزاب السياسية الصادر بالقانون رقم 40 لسنة 1977 على تقرير مسئولية رئيس الحزب عما يتشر فى صحيفة حزبه ؛ غير أن الشارع أغفل إيضاح طبيعة مسئولية رئيس الحزب عما ينشر فى الجريدة ، وإن عده مسئولاً عما ينشر فيها. وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذا النص وذلك تأسيساً على أن هذا النص قد شابه الغموض والابهام. وقد رفضت المحكمة اعتبار أن المقصود بهذه المسئولية فى هذا النص هى المسئولية المدنية دون سواها ، وهو ما كانت محكمة النقض قد ذهبت إليه لمعالجة قصور النص وعدم إيضاح طبيعة المسئولية التى تنسب لرئيس الحزب(89). وكانت حجة المحكمة الدستورية العليا فى عدم صرف معنى المسئولية الوارد فى النص المطعون فيه إلى المسئولية المدنية أن لو كان ذلك لكان مجرد ترديد للقواعد التى نظم بها الشارع المسئولية المدنية وكان قوله تزيداً لا طائل من ورائه ، “ذلك أن المشرع لا يصوغ القواعد القانونية ليؤكد بها معان تتضمنها نصوص قائمة ، ولكن ليقرر بموجبها أحكاماً جديدة إحداثاً أو تعديلاً لمصلحة يقدرها . …وأن إغفال النص المطعون فيه تحديد نوع المسئولية التى ألقاها على رئيس الحزب وبفرض صحة ذلك . لا يحيلها لزوماً إلى مسئولية مدنية بل يتعين وقوفاً على طبيعة هذه المسئولية وتحديداً لكنهها”(90).

2- عدم تحديد حدود المحميات الطبيعية المجرم الاعتداء عليها:

أحالت المادة الأولى من القانون رقم 102 لسنة 1983 بشأن المحميات الطبيعية إلى قرارات تصدر من مجلس الوزراء يحدد فيه ماهية المحمية الطبيعية ، وعاقبت نصوص القانون على صور مختلفة من المساس بهذه المحميات. وقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم450 لسنة 1986 يتضمن النص على جعل منطقة معينة محمية طبيعية ، ونصت مادته الأولى على أن “تعتبر محمية طبيعية فى تطبيق أحكام القانون رقم 102 لسنة 1983 المشار إليه وفقا للحدود الموضحة بالخريطة المرفقة كل من …..”. وقد اتهم قبطان إحدى السفن بالتعدى على هذه المحمية ، فطعن أثناء سير الدعوى بعدم الدستورية تأسيساً على أن الخريطة التى نص عليها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 450 لسنة 1986 سالف الذكر لم تنشر به خريطة تحدد حدود ومعالم المحمية ، وذلك على الرغم من إحالته إليها. وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص المادة الأولى من هذا القرار تأسيساً على ” القرار المطعون فيه إذ جهل بحدود المحميات الطبيعية التى يسرى عليها والتى يعتبر تعيينها مفترضا أوليا لإعمال النصوص العقابية التى تضمنها القانون المنظم لتلك المحميات من خلال ترسيم الدائرة التى تعمل فيها ، فإنه يكون مفتقرا إلى خاصية اليقين التى تهيمن على التجريم”(91)

3- تحديد عناصر الفعل المجرم فى جرائم المساس بالأرض الزراعية:

تناولت المحكمة الدستورية العليا بحث مدى دستورية النصوص التى جرم بها الشارع أفعال تبوير الأرض الزراعية المنصوص عليها فى المادتين 151 ، 155 من قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966 المعدل(92) ، وكان وجه الطعن أن نص التجريم يتسم بالغموض وعدم التحديد. وقد ردت المحكمة الدستورية العليا بأن الجرائم التى نص عليها قانون الزراعة ، إنما تستهدف الحفاظ على الرقعة الزراعية ورد العدوان عليها، والتى تعتبر من أولى حلقاته تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها ، بغية تغيير معالمها ثم استخدامها فى أغراض أخرى لا تتعلق بالزراعة، ومن أجل ذلك تدخل المشرع بالنص المطعون فيه مؤثماً كل فعل أو امتناع يمسها من خلال نظرة غائية هى الجامعة بين الفئتين، ومعتمداً لتحديدها ضابط عام يكون كاشفاً عن ماهية الأفعال التى حظرها ومحدداً لمضمونها بالرجوع إلى مراميها والغرض المقصود منها، ليكون مناط تجريمها ارتكابها بقصد تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها، فكلما كان ارتكاب الفعل أو الامتناع مستهدفاً تلك النتيجة المؤثمة، دل ذلك على وقوع مرتكبها فى دائرة التجريم، وبهذا أتى النص محدداً تلك الأفعال أو الامتناع بطريقة واضحة لا لبس فيها أو غموض أو التواء ، وهى قاطعة فى اتجاهها مباشرة إلى الأغراض التى توختها لتأمين المصلحة المقصودة بالحماية، لتتوافر بذلك للجريمة التى تناولها هذا النص ركناها المادى والمعنوى”(93).

ويلاحظ على هذا الحكم أن المحكمة الدستورية العليا قد أقرت بجواز التوسع فى فكرة الفعل الذى ينهض عليه الركن المادى ، وذلك إذا كانت النتيجة المترتبة على الفعل تتسم بالتحديد. وهذه الطائفة من الجرائم تسمى الجرائم ذات القالب الحر ، والتى قد يكتفى فيها الشارع بتحديد النتيجة على نحو واضح ، بينما ينص على الفعل المؤدى غليها على نحو مرن يتسع لمختلف الصور. وأبرز مثال لهذا النوع من الجرائم هو جرائم القتل العمد ، فالشارع يجرم إزهاق روح إنسان ، دون أن يهتم لتحديد صورة الفعل المؤدى إلى هذه النتيجة أو عناصره. وهذه الخطة تلتقى مع الدستور ، ذلك أن تحديد النتيجة على نحو واضح ومحدد فيه ما يكفل تحقق الوضوح فى الركن المادى ، ويختلف ذلك إذا كانت النتيجة غير واضحة أو محددة ، فإن نص التجريم فى هذه الحالة يكون مشوباً بعيب الغموض الذى يجب أن تنأى عنه نصوص التجريم.

– تجريم مخالفة قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية وقواعد الدعاية الانتخابية:

أخذ الدستور فى المادة 76 -بعد تعديلها- على سبيل الاستثناء بالرقابة الدستورية السابقة ، فأوجب عرض مشروع القانون المنظم للانتخابات الرئاسية على المحكمة الدستورية العليا بعد إقراره من مجلس الشعب وقبل إصداره للتأكد من دستوريته. وإعمالاً لهذا النص فقد عرض مشروع هذا القانون على المحكمة الدستورية العليا ، وكان يحوى نصين يجرم الشارع بأولاهما بمقتضاه مخالفة أى قرار تصدره لجنة الانتخابات الرئاسية أو ارتكاب فعل بقصد تعطيل أو وقف تنفيذ قرارات اللجنة (المادة 54 من المشروع) ، وفى ثانيهما جرم الشارع فعل كل من خالف الأحكام المنظمة للدعاية الانتخابية (المادة 55 من المشروع).

وقد قررت المحكمة الدستورية أن النصين السابقين يعاقبان على أفعال غير محددة تحديداً دقيقاً ، ومن ثم فهما يخالفان الدستور: فالنسبة للنص الأول ، فإن لجنة الانتخابات المشار إليها تصدر قرارات عدة ، لا يستوجب بعضها تقرير عقوبة جنائية عند مخالفتها ، كما أنها تتفاوت فيما بينها من حيث الأهمية ، مما يستلزم كذلك تفاوتاً عقابياً عند مخالفتها. وبالنسبة للنص الثانى ، فإن المحكمة قد رأت أن عبارة “الأحكام المنظمة للدعاية الانتخابية” فيها من العمومية والشمول ما يتناقض والقواعد التى تطلبها الدستور فى القوانين العقابية. وأن علة ذلك أنه يتعين أن تكون الأفعال التى تجرمها هذه القوانين محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها ، وأن تكون هذه القوانين جلية واضحة فى بيان الحدود الضيقة لنواهيها ، لأن التجهيل والإبهام فيها لا يجعلان المخاطبين بها على بينة من حقيقة الأفعال التى يتعين عليهم تجنبها(94).

– عدم تحديد العناصر التى تخضع للضريبة يصمه بعدم الدستورية:

فرض الشارع فى القانون رقم 24 لسنة 1999 ضريبة على الحفلات والأنشطة الترفيهية التى تقدمها المسارح والملاهى ، وأحال فى بيانها إلى الجدول المرفق بالقانون. وبعد أن بين هذا الجدول الأماكن التى تخضع لها الضريبة ، نص فى البند الحادى عشر على إخضاع الدخول إلى الأماكن الأخرى والتى يباشر فيها أى نشاط ترفيهى أو للتسلية وقضاء الوقـت، لفئة ضريبة قدرهـا 20% من مقابل الدخول. وإذ اتهمت النيابة العامة أحد أصحاب الملاهى بالتهرب من أداء هذه الضريبة ، طعن بعدم دستورية النص سالف الذكر.

والمحكمة الدستورية العليا قضت بأن النص فى الجدول سالف الذكر المرفق بالقانون “دون تحديد قاطع واضح لتلك الأماكن والأنشطة على نحو يتحقق به إحاطة الممولين بالعناصر التى تقيم البنيان القانونى لهذه الضريبة على نحو يقينى جلى، مكتفياً فى ذلك بالنص على أن يكون النشاط الذى يباشر بتلك الأماكن ترفيهياً أو للتسلية وقضاء الوقت، على الرغم من تعدد هذه الأماكن وتلك الأنشطة واختلافها، بما مؤداه أن يكون تحديد كل ذلك أمراً طليقاً بيد القائمين على تنفيذ هذه النصوص ، ويعد فى حقيقته إعراضاً من جانب السلطة التشريعية عن مباشرة ولايتها الأصلية فى تحديد نطاق هذه الضريبة وقواعد سريانها، ونقل مسئولياتها إلى السلطة التنفيذية وتفويضها فى ذلك، بما يمس بنيان الضريبة التى فرضها القانون، ويشرك تلك السلطة فى إنشائها وتغيير أحكامها، وهو المجال المحجوز للسلطة التشريعية دون غيرها بصريح نص المادة (119) من الدستور …”(95).

– عدم إيضاح الأفعال المشكلة للخطأ يجعل النص غير محدد:

من المقرر قانوناً أن انتفاء العمد يترتب عليه البحث عما إذا كان الشارع يعاقب على هذا الفعل بوصف الخطأ ، وقد ينتفى العمد لتوافر حسن نية الجانى ، وفى هذه الحالة يجب للتوصل لعقابه أن يوضح الشارع صورة الخطأ التى يجب أن يثبت ارتكاب الجانى لها ؛ وإلا لأدى ذلك إلى تقرير مسئولية الجانى عن فعل لا يشكل خطأ. ويلاحظ أن الأمر لا يتعلق هنا بالركن المعنوى ؛ بل مازلنا فى دائرة الركن المادى: وبيان ذلك أن الخطأ فى الجرائم غير العمدية هو الركن المادى فى هذه الجرائم والذى يمكن أن يأخذ صوراً مختلفة.

وقد كانت المادة 18 من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها تقرر عقوبة تقوم على مجرد مخالفة أحكام المواد 2، 10، 11، 12، 14، 14 مكررا من هذا القانون، إذا كان مقارفها حسن النية ، فوفقاً لهذه النصوص فإن تداول الأغذية التى يقوم الدليل على غشها أو عدم صلاحية صلاحيتها ، يشكل جريمة حتى ولو كان الجانى حسن النية لا يعلم بغشها أو عدم مطابقتها للمواصفات. وقد طعن بعد دستورية هذا التجريم ، وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم الدستورية تأسيساً على أن “أن الجرائم غير العمدية لا تقوم إلا على الخطأ، وأن صوره على اختلافها يجمعها معيار عام يتمثل فى انحرافها عما يعد سلوكا معقولا للشخص المعتاد، وأن هذه الصور على تعددها، تتباين فيما بينها سواء فى نوع المخاطر التى تقارنها، أو درجتها ، ويتعين بالتالى أن يتدخل المشرع ليحدد ما يكون منها مؤثما فى تقديره، مع بيان عناصر الخطأ فى كل منها تعريفا بها، وقطعا لكل جدل حول ماهيتها ، توقيا لالتباسها بغيرها، وتعيينا جليا لما ينبغى على المخاطبين بالنصوص العقابية أن يأتوه أو يَدعَوه من أفعال، إذ لا يجوز لمثل هذه النصوص، أن تُحّمل الناس مالا يطيقون، ولا أن تؤاخذهم بما يجهلون، ولا أن تمد إليهم بأسها وقد كانوا غير منذرين، ولا أن تنهاهم عما ألبس عليهم، وإلا قام التجريم فيها على أساس من الظن والإبهام …. ، وكان تحديد مضمون الأفعال أو مظاهر الامتناع التى تقوم عليها هذه الجرائم، من خلال بيان عناصر الخطأ، بما ينفى التجهيل بها، ضرورة يقتضيها اتصال هذا التجريم بالحرية الشخصية … وكان النص المطعون فيه قد قرر جزاء جنائيا فى شأن متهم حسن النية وعن صور من الخطأ قَصَرُ عن تعيينها من خلال تحديد عناصرها”(96).

وفى تقديرنا أن حكم المحكمة الدستورية العليا السابق أقيم على أسس علمية سليمة ، ذلك أن عدم إيضاح صورة الركن المادى فى الجرائم غير العمدية ، يؤدى إلى تقرير مسئولية الجانى الافتراضية عن نتائج لم يتخذ سلوكه تجاهها صورة العمد أو الخطأ. وبذلك الحكم استبعدت المحكمة فكرة المسئولية الموضوعية أو المسئولية بدون خطأ ، والتى تجعل الجانى مسئولاً عن النتيجة أياً كان صورة الخطأ الذى يتوافر فيه.

– اتساع نص تجريم الاتفاق الجنائى وغموض عباراته:

كان الشارع يجرم بنص الفقرة الأولى من المادة 48 من قانون العقوبات الاتفاق الجنائى الذى عرفته بأنه “اتحاد شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة أوعلى الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها”. وقد عرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا التى قضت بعدم دستورية هذا النص تأسيساً على أن هذا النص لم يشترط عددا أكثر من اثنين لقيام الجريمة، كما لم يتطلب أن يستمر الاتفاق لمدة معينة أو أن يكون على قدر من التنظيم، وقد يكون محل الاتفاق عدة جنايات، أو عدة جنح، أو مجموعة جرائم مختلطة من النوعين معاً، كما قد لا يرد الاتفاق إلا على جناية أوجنحة واحدة، ولم يستلزم النص أن تكون الجريمة أو الجرائم المتفق على ارتكابها على درجة من الجسامة، بل قد يكون محل الاتفاق اقتراف أى جنحة مهما كانت قليلة الأهمية فى دلالتها الإجرامية، كما أنه ليس بلازم أن تتعين الجناية أو الجنحة محل الاتفاق كما لو تم الاتفاق على استعمال العنف – بأى درجة – لتحقيق غاية الاتفاق، سواء كانت هذه الغاية فى ذاتها مشروعة أو غير مشروعة، ومن ثم فإن نطاق التجريم جاء واسعا فضفاضا لا تقتضيه ضرورة اجتماعية مبرَّرة(97).

وتحليل حكم المحكمة سالف الذكر يكشف عن تعدد أسباب قضائها بعدم دستورية نص المادة 48 سالف الذكر وأهم هذه الأسباب أن التجريم الذى نص عليه الشارع يعد تجريماً واسعاً فضفاضاً يفتقر إلى التحديد ، ومن ثم يتنافى مع مبدأ الشرعية ، ذلك أن الشارع قد اكتفى بتحقق الاتفاق بمجرد اتحاد شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة دون أن يتطلب عدداً فوق هذا أو أن يستمر الاتفاق مدة معينة أو أن يكون على قدر من التنظيم ولم يستلزم أن تكون الجريمة المتفق على ارتكابها على درجة من الجسامة ، كما أنه لم يتطلب تتحدد هذه الجريمة. وقد أضافت المحكمة حجة أخرى مفادها عدم تناسب العقوبة المقررة لجريمة الاتفاق مع إثم الجانى ، ذلك أن الجريمة المتفق على ارتكابها قد تقل عقوبتها عن جريمة الاتفاق ذاتها ، مما يدل على مبالغة الشارع فى العقاب وعدم تناسبه.

ومن الحجج أيضاً أن تجريم الاتفاق يتنافر مع سياسة الشارع فى تجريم الشروع ، ذلك أن العزم على ارتكاب الجريمة والأعمال التحضيرية لها لا يكفى لتوافر البدء فى التنفيذ. غير أنهذه الحجة الأخيرة فى تقديرنا محل نظر ، إذ لم يحل هذا الاعتبار دون تجريم الشارع صوراً مختلفة من الأعمال التحضيرية على وجه الاستقلال ، متى كان هذا التجريم قد استوفى ضوابطه الدستورية المقررة.وسوف يلى فى هذه الدراسة بيان مدى تطبيق الحكم بعدم دستورية الاتفاق الجنائى على نصوص أخرى قد تشتبه به.

– وضوح الفعل المجرم فى قضاء المحكمة العليا الأمريكية:

وقد قضت المحكمة العليا الأمريكية بأن :”النصوص العقابية يجب أن تعرف الفعل المجرم تعريفاً يكفل للشخص العادى أن يفهم ماهية الفعل الذى يحظر الشارع ارتكابه وأن يجرى النص على هذه الأفعال على نحو لا يؤدى إلى التحكم أو التمييز”(98). وقد كان قانون عقوبات ولاية كاليفورنيا الأمريكية ينص على تجريم “السلوك المخل بالنظام””disorderly conduct” وعرفت هذا السلوك بأنه كل تسكع أو تجول فى الطرقات أو من مكان إلى آخر دون سبب ظاهر أو عمل يقتضى ذلك ، أو من يرفض الإفصاح عن شخصيته وتعليل سبب تواجده حينما يطلب منه رجل الشرطة ذلك ، إذا كانت الظروف المحيطة بمثل هذا الشخص تدل وفقاً للشخص المعتاد أن السلامة العامة تتطلب هذا الإفصاح(99). وقد قضت المحكمة العليا الأمريكية بإبطال هذا النص لأنه لا ينطوى على معيار يمكن للشخص أن يحدد بمقتضاه ما الذى يجب عليه فعله تنفيذا لما يتطلبه الشارع منه ، وأن مثل هذا النص يتيح سلطة تقدير واقعية تامة بيد رجل الشرطة ليحدد ما إذا كان الشخص قد أدى ما تطلبه منه القانون من عدمه ، وهو ما يشوب نص التجريم بالغموض مما يجعله واجب الإبطال”(100)(101).

3-عدم صلاحية الفعل لتقرير المسئولية عن إحداث النتيجة

يجب أن يكون الفعل سبباً أساسياً لإحداث النتيجة(102). ويؤدى النص على فعل غير صالح لتحقق النتيجة التى أراد الشارع تجريم حدوثها إلى أن يفقد هذا الفعل صلاحيته للتجريم. فغذا أقام الشارع صلة تحكمية مفترضة بين الفعل والنتيجة ، فإن مؤدى ذلك أن الجانى سيسأل فى هذه الحالة عن نتيجة لم تترتب عن فعله ، وهو يخل بقاعدة شخصية المسئولية الجنائية ، كما أن ذلك يعنى أن الإثم الجنائى تجاه النتيجة لا يتوافر فى حقه. ويؤدى تقرير مسئولية الجانى عن نتيجة لم تترتب يقيناً عن فعله إلى المساس بفكرة العدالة ، كما أنها تنال كذلك من فكرة الردع. وسوف نرى إلى أى حد طبقت المحكمة الدستورية العليا هذه القاعدة.

– افتراض قيام الجانى بالتجريف لمجرد حيازته أتربة متحصلة من التجريف:

كان الشارع يجرم تجريف الأراضى الزراعية (المادة 150 من قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966) ، ولكنه نص فى الفقرة الثالثة من المادة 154 من قانون الزراعة على أنه يعتبر مخالفاً فى هذا الحكم -التجريف- كل من يملك أو يحوز أو يبيع أتربة متخلفة عن تجريف الأرض الزراعية أو ينزل عنها بأية صفة أو يتدخل بصفته وسيطاً فى شئ من ذلك ، ويستعملها فى أى غرض ، …. .وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذا النص تأسيساً على أن “النوايا التى يضمرها الجانى فى نفسه لا يتصور أن تكون محلاً للتجريم ، وأن على محكمة الموضوع ألا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام الجنائى التى قام الدليل عليها جلياً واضحاً ، بل يتعين أن تجيل بصرها فيها ، منقبة من خلال عناصرها – عما قصد إليه الجانى حقيقة من وراء ارتكابها ، فلا تكون الأفعال التى آتاها الجانى إلا تعبيراً خارجياً ومادياً عن إرادة واعية لا تنفصل عن النتائج التى أحدثتها ، بل تتصل إليها وتقصد إليها أو على الأقل أن يكون بالإمكان توقعها ،…..”(103). وقد استندت المحكمة كذلك فى سبيل إبطال هذا النص إلى مخالفته أصل البراءة وقواعد الإثبات الجنائى.

وفى تقديرنا أن التحليل الدقيق لهذا القضاء يكشف عن أن المحكمة لم تعتبر مجرد ملكية الأتربة المتحصلة من التجريف أو بيعها أو حيازتها أفعالاً تؤدى إلى قيام جريمة التجريف ذاتها ، فهذه الأفعال لا تتوافر لها الصلاحية لإحداث النتيجة التى عناها الشارع.

4- ضوابط الفعل الذى تقوم به جريمة الامتناع :

– ماهية الامتناع المجرم:

الامتناع المجرم قد يكون مصدره واجب قانونى(104) ، أو أخلاقى ، أو تعاقدى ، كما قد يكون مصدره فعلاً سابقاً للشخص ذاته كالتزام الشخص بدرء الخطر الناجم عن فعل سابق له سبب خطراً محتملاً(105) . وقد يرتكب الفعل المادى بطريق الامتناع ، ويتحقق هذا الامتناع إما بالإحجام عن إتيان فعل معين أو بالامتناع عن الحيلولة دون فعل يرتكب . فجوهر الامتناع فى حقيقته أنه فعل إرادى ، ويترتب عليه وقوع الجريمة كنتيجة لهذا الامتناع(106). وقوام الامتناع هو الواجب الملقى على عاتق الشخص والذى يحجم عن القيام به ، ومن هنا يمكن أن يمثل هذا الواجب سبباً فى التوسع فى نطاق التجريم: وهو ما ينال من مبدأ الشرعية ، كما ينال أيضاً من مدلول الفعل المجرم. فإذا أقررنا بمبدأ التوسع فى نطاق الواجبات فإن هذا سيؤدى إلى توسع مماثل فى عدد الأفعال المجرمة فى حالة الامتناع عن تنفيذ هذه الواجبات(107).

– امتناع الخلف العام عن تنفيذ قرارات الترميم:

ثار التساؤل عما إذا كان يمكن تقرير مسئولية الوارث عن الامتناع عن تنفيذ قرار الترميم الصادر من الجهة الإدارية؟(108). وعلة هذا التساؤل هى أن المسئول عن هذه الأعمال هو المورث ، لا الوارث ، وأنه لا يجوز تقرير مسئولية هذا الأخير الجنائية عن أعمال منسوبة إلى مورثه؟. وقد عرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا التى قضت بدستورية نصوص قانون رقم 49 لسنة 1977 المعدل بشأن إيجار الأماكن فيما تضمنه من مسئولية ذوى الشأن عن تنفيذ قرارات الترميم التى تصدرها لجنة المنشآت الآيلة للسقوط. وقد أسست المحكمة قضاءها على أن مالك العقار هو الملزم بحسب الأصل – بالمحافظة على ملكه وتعهده بالصيانة والترميم وكان تقاعسه عن ذلك يؤدى فضلاً عن الخطر الداهم على الأرواح والأموال إلى تعرض الثروة العقارية للهلاك والانهيار ، وأن الشارع قد استهدف الحفاظ على العقارات باعتبارها ثروة قومية والحرص على سلامة الأرواح والأموال، وذلك بحث المالك على تعهدها بالصيانة والترميم ، ولا يكون بإنزاله العقوبة على المالك الذى لم يبادر بتنفيذ قرار الترميم قد خالف الأحكام العامة فى التجريم والعقاب(109).

وفى تقديرنا أن المحكمة قد انتهت صواباً إلى القضاء بدستورية النصوص التى يجرم بها الشارع الامتناع عن تنفيذ قرار لجنة المنشآت الآيلة للسقوط ، فعناصر الفعل المجرم الذى ينسب إلى المتهم القيام به ، والذى يصلح أن يكون محلاً لتقرير المسئولية عنه ، جميعها متوافر. وهذا الفعل الذى يسأل الخلف العام عنه قوامه الامتناع ، وهو فعل مغاير تماماً للفعل المنسوب لمورثه ارتكابه. فانتقال الملكية إلى الوارث يجعل له مركزاً قانونياً وواقعياً بصفته مالكاً ، وإذا أعلن بقرار نهائى صادر من لجنة المنشآت بوجوب القيام بأعمال ترميم العقار الذى يملكه ، فإن ذلك القرار يشكل واجباً مصدره القانون وعمل اللجنة ، ونهائية هذا القرار والإعلان به يمثل شرط عقاب لا يجوز الحكم بالعقوبة إلا بعد التحقق منه ، وهو ما يعنى أن عناصر فعل الامتناع المجرم جميعاً متحققة.

– الامتناع عن تصحيح أو إزالة أعمال البناء المخالفة:

يجرم الشارع إقامة أعمال البناء بغير ترخيص ، كما ينص على اعتبار الامتناع عن إزالتها أو تصحيحها فعلاً مجرماً ، وقد فرض الشارع غرامة يومية تبدأ من تاريخ الامتناع عن تنفيذ القرار أو الحكم النهائى الصادر بالإزالة أو التصحيح أو الاستكمال ، كما رتب الشارع تقرير مسئولية الخلف العام أو الخاص عن تنفيذ ما سلف ، وأن تبدأ المدة المقررة للتنفيذ من تاريخ انتقال الملكية (لمادة 24 من من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء رقم 106 لسنة 1976). وقد طعن فى تجريم الامتناع عن إزالة أو تصحيح الأعمال المخالفة بعدم دستوريته تأسيساً على غموض النص العقابى ، إذ يكون تطبيقه رهناً بتحقق الامتناع عن تنفيذ الحكم أو القرار النهائى ، وأن الغرامة المفروضة غير مقيدة زمانياً بقيد ما ، وأن حكم هذه المادة يمتد فى حق الخلف العام والخاص وهما غير مسئولين عن الجريمة ، وأنه لا يجوز إيقاع جريمة فى غيبة نشاط إجرامى لا يتخذ مظهراً مادياً ، إذ أن الامتناع عن التنفيذ تتمثل مادياتها فى الآثار التى رتبها فعل سابق عرض أمره من قبل على القضاء…….. . غير أن المحكمة الدستورية العليا قضت بأن جريمة إحداث أعمال معيبة تستقل بأركانها عن جريمة الامتناع عن إزالتها أو تصحيحها. فبينما تستنفذ الجريمة الأولى موضوعها بعد تدخل الجانى إيجابياً ليقيم هذه الأعمال ، فإن ثانيتهما تفترض أن يكون الامتناع عن إزالتها أو تصحيحها -بعد إحداثها-نشاطاً سلبياً قصد به الجانى أن يبقيها على حالها دون تغيير ، وأن استقلال هاتين الجريمتين عن بعضهما البعض مؤداه أن لكل منهما مقوماتها ، ولا يعتبر الفصل فى أيتهما -بالتالى-قضاء فى ثانيتهما(110).

المبحث الثالث
تطبيق ضوابط تجريم الفعل

– تمهيد: سبق أن تناولنا الضوابط التى استخلصناها من أحكام المحكمة الدستورية العليا ، والتى تضع قيداً على الشارع عند نصه على تجريم فعل معين. وفيما يلى نحاول تطبيق هذه الضوابط على بعض نصوص التجريم التى أثارت جدلاً ، وصولاً لما إذا كانت هذه النصوص تلتقى وأحكام الدستور ؛ أم أنها تجافيه؟.ويلاحظ أن هذا التطبيق هو عمل فقهى بحت ، ولذلك فهو يحتمل الخطأ والصواب والرد عليه. وفيما يلى نبين أهم هذه النصوص.

– جريمة تعرض الصحفى لحرمة الحياة الخاصة:

نصت المادة 21 من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة على أنه لا يجوز للصحفى أو غيره أن يتعرض للحياة الخاصة للمواطنين ، كما لا يجوز له أن يتناول مسلك المشتغل بالعمل العام أو الشخص ذى الصفة النيابية العامة أو المكلف بخدمة عامة إلا إذا كان التناول وثيق الصلة بأعمالهم ومستهدفاً المصلحة العامة.

وقد نصت المادة 22 من هذا القانون على المعاقبة على مخالفة أحكام المادة سالفة الذكر بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ، ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وكان الشارع قد تدخل بتعديل المادة 308 من قانون العقوبات والتى تعاقب على العيب أو الإهانة أو القذف طعناً فى عرض الأفراد أو خدش سمعة العائلات ، فأضاف بالقانون رقم 93 لسنة 1995 عبارة “أو المساس بحرمة الحياة الخاصة”.

والتجريم الذى نص الشارع عليه فى المادة 21 من قانون الصحافة أوسع نطاقاً مما كان ينص عليه القانون 93 لسنة 1995 ، فهذا الأخير كان يحصر التجريم فى حالة العيب أو الإهانة أو القذف ، بينما يجرم قانون الصحافة مجرد التعرض للحياة الخاصة للأفراد.

– تقدير مدى دستورية النص على تجريم الاعتداء على الحياة الخاصة فى قانون الصحافة:

فى تقديرنا أن خطة الشارع المصرى محل نظر وتتعارض مع الضوابط الدستورية لنصوص التجريم:فمن ناحية فهى تخالف الأصول المستقرة فى التشريع الجنائى ، التى توجب حصر الأفعال المجرمة على نحو واضح ومحدد ، وألا يتصف التجريم باتساع بحيث يكون مترامى الأطراف على نحو يتعذر معه تحديده.

ومن ناحية ثانية فإن الشارع المصرى قد جانبه التوفيق فى هذا النص لأن الرأى قد اختلف فى تحديد مدلول الحياة الخاصة اختلافاً كبيراً ، وقد امتد هذا الخلاف إلى فقه القانون المدنى والدستورى وأحكام القضاء ، وليس من حسن التقدير النص على تعبير يتصف بالغموض على هذا النحو وتختلف حوله الآراء(111).

ومن ناحية ثالثة فإن الشارع يبدو بهذا النص وكأنه قد اقتفى أثر القوانين المدنية ، وفاته أن هناك فارقاً كبيراً بين المسئوليتين الجنائية والمدنية ، ففى حين أن المسئولية المدنية يمكن أن تقام على فكرة الضرر دون تحديد ماهية الأفعال المحدثة له ؛ فإن المسئولية الجنائية لا تقوم إلا بتحديد واضح لماهية الأفعال المجرمة ، وذلك احتراماً لمبدأ الشرعية الجنائية.

ومن ناحية رابعة فإن خطة الشارع المصرى تخالف خطة كافة التشريعات الجنائية المقارنة التى تحدد على نحو دقيق ماهية الأفعال التى يمكن أن تنسب إلى الصحفى وتنطوى على التعرض للحياة الخاصة للأفراد. فالتشريعات العقابية المقارنة كالقانون الفرنسى والألمانى والأمريكى لم تتضمن نصاً مجرداً مفتقراً للتحديد على النحو الذى نص عليه الشارع المصرى فى قانون الصحافة.

ومن ناحية خامسة ، فإن خطة الشارع فى تجريم المساس بالحياة الخاصة فى قانون الصحافة تخالف خطته فى تجريم هذا الاعتداء الوارد فى المادة 309 مكرر من قانون العقوبات. فالشارع قد أدرك صعوبة وضع ضابط للحياة الخاصة ، فضيق من نطاق التجريم باشتراط وقوع المساس بها بوسائل معينة ، هى التجسس السمعى أو البصرى.

ومن ناحية سادسة ، فإن قوام الفعل الذى نص عليه الشارع للمساس بالحياة الخاصة هو “التعرض” ، وهو فعل يفتقر على التحديد ويعتريه الغموض ، فما الذى يعنيه التعرض ، وما مضمونه ، وكيف يتحقق؟ ، وهل مجرد مساس الصحفى بالحياة الخاصة ولو كان بسيطاً يشكل تعرضاً؟. وفى تقديرنا فإن تحديد الفعل المجرم على هذا النحو لا يلتقى مع الضوابط التى قررتها المحكمة الدستورية العليا.

وأخيراً ، فإن خطة الشارع المصرى بهذا التجريم -فى تقديرنا- غير دستورية ؛ ذلك أنه وإن نص الدستور على حرمة الحياة الخاصة ، فإنه من المقرر فى فقه القانون الدستورى أن هناك طائفة من الحقوق التى نص عليها الدستور ولكنها لا تقبل التطبيق مباشرة ، وإنما يجب تحديد مضمونها على نحو واضح ، فالحق فى الحرية الشخصية والحق فى حرمة الحياة الخاصة من الحقوق التى لا تصلح للتطبيق مباشرة ، وإنما يجب على القانون أن يحدد نطاق تطبيقها.

– تحديد الجريمة السابقة فى جرائم غسل الأموال:

نصت المادة الثانية من قانون مكافحة غسل الأموال رقم 80 لسنة 2002 على أنه “يحظر غسل الأموال المتحصلة من جرائم …… والجرائم التى يكون الإرهاب–بالتعريف الوارد فى المادة 86 من قانون العقوبات– أو تمويله من بين أغراضها أو من وسائل تنفيذها ، ……. ، والجرائم المنظمة التى يشار إليها فى الاتفاقيات الدولية التى تكون مصر طرفاً فيها……”. وقد نص الشارع فى الفقرة الأولى من المادة 14 من قانون مكافحة غسل الأموال على أنه “يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سبع سنوات وبغرامة تعادل مثلى الأموال محل الجريمة ، كل من ارتكب أو شرع فى ارتكاب جريمة غسل الأموال المنصوص عليها فى المادة (2) من هذا القانون”.

– تقدير مدى دستورية نص الشارع على تجريم غسل الأموال:

1-من حيث الإحالة إلى الجرائم المنظمة المشار إليها فى الاتفاقيات الدولية:

نص الشارع فى بيانه للجرائم السابقة التى تحصل منها المال الذى قام الجانى بغسله على”الجرائم المنظمة التى يشار إليها فى الاتفاقيات الدولية التى تكون مصر طرفاً فيها”. والنص على هذا النحو يخالف مبدأ الشرعية ، ذلك أنه يحيل فى عنصر أساسى لجريمة غسل الأموال إلى “ما يشار إليه فى الاتفاقيات الدولية من جرائم منظمة” ، وهى عبارة تتصف بالغموض وعدم التحديد وتتعارض مع مبدأ الشرعية الذى كفله الدستور. فإذا كان تعبير “الجريمة المنظمة” فى نظر الفقه والتشريع الجنائى المقارن هو تعبير مختلف على تفسيره وتحديد نطاقه(112) ، فإنه لا يجوز أن يحيل الشارع المصرى فى بيان عنصر فى جريمة ينص عليها إلى تعبير ليس له معنى محدد.

ومن ناحية أخرى فإن الشارع المصرى ذاته لم يستخدم فى قانون العقوبات أو أى قانون آخر تعبير “الجريمة المنظمة” ، فكيف يمكن أن يحيل إلى اصطلاح لم يعطه هو ذاته مدلولاً محدداً؟. بل إن التعريف الذى نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة لم ينجح فى وضع ضابط لهذه الجريمة يميزها عن غيرها من الجرائم(113).

وقد نص الشارع على أن تكون هذه الجرائم”مشارا إليها فى الاتفاقيات الدولية” ،وهو نص محل نظر:فمن ناحية فإن تعبير “الإشارة” يفيد أن الجرائم التى تشير إليها الاتفاقية قد لا يكون منصوص عليها على نحو أصلى ، ويعنى ذلك أن مجرد إشارة عارضة فى اتفاقية إلى جرائم تكفى فى نظر الشارع المصرى لأن تكون جريمة سابقة ، وهى خطة تفتقر إلى التحديد وتجعل النص معيباً.ومن ناحية ثانية فإن كثيراً من الاتفاقيات الدولية تتسم–فى مجال التجريم- بعدم الدقة: فقد تنص على بعض الجرائم دون تحديد لمضمونها أو عناصرها ، وتترك للدول الموقعة عليها تحديد ذلك ؛ وقد تستخدم عبارات ومصطلحات سائدة فى تشريعات دول دون أخرى ؛ وقد يعترى نصوص الكثير من هذه الاتفاقيات الغموض وعدم التحديد ؛ وقد تغلب الاعتبارات الدولية والمصالح السياسية على نصوصها دون مراعاة للاعتبارات والأصول القانونية. وهذه الاعتبارات جميعاً كانت توجب على الشارع ألا يحيل فى بيان عنصر من عناصر جريمة غسل الأموال إلى ما يشار إليه فى هذه الاتفاقيات.

وأخيراً فإن إحالة الشارع إلى الاتفاقات الدولية لتكون مصدراً للتجريم هو تنازل منه عن سيادته الوطنية التشريعية وينطوى على مساس بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذى يقتضى حصر مصادر التجريم فى النصوص التشريعية الوطنية.

2- من حيث النص على اعتبار جرائم الإرهاب مصدراً للمال:

نص الشارع فى المادة الثانية سالفة الذكر على تجريم غسل المال المتحصل من الجرائم التى يكون الإرهاب–بالتعريف الوارد فى المادة 86 من قانون العقوبات– أو تمويله من بين أغراضها أو من وسائل تنفيذها. وفى حقيقة الأمر ، فإن التعريف الذى أورده الشارع فى المادة 86 سالفة الذكر تتسم عباراته بالعمومية والغموض والاتساع وعدم التحديد ، ما يجعله نصاً غير دستورى. ومن ناحية أخرى فإن جرائم الإرهاب فى الغالب لا تنتج مالاً ؛ وإنما العكس هو الصحيح ، إذ يمكن أن يستخدم فى تمويلها مال غير مشروع.

3- مخالفة العقوبة المقررة لجريمة غسل الأموال للدستور:

نص الشارع فى الفقرة الأولى من المادة 14 من قانون مكافحة غسل الأموال على أنه “يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سبع سنوات وبغرامة تعادل مثلى الأموال محل الجريمة ، كل من ارتكب أو شرع فى ارتكاب جريمة غسل الأموال المنصوص عليها فى المادة (2) من هذا القانون”.وفى تقديرنا أن هذا النص ينطوى على مخالفة واضحة للدستور ، ذلك أن الشارع قدر عقوبة لجريمة غسل المال قد تزيد كثيراً عن العقوبة المقررة للجريمة الأصلية التى تحصل منها المال. فالشارع نص فى المادة الثانية على مجموعة من الجرائم التى تحصل منها المال موضوع جريمة غسل الأموال ، ومن هذه الجرائم جرائم “سرقة الأموال واغتصابها وجرائم الفجور والدعارة والجرائم الواقعة على الآثار” وهذه الجرائم قد تقل عقوبتها فى كثير من صورها عن عقوبة جريمة غسل الأموال. فعلى سبيل المثال فإن جرائم السرقة تتضمن عدداً كبيراً من الجنح والجنح المشددة ، كما أن جرائم الفجور والدعارة غالبيتها من قبيل الجنح ، ويعنى ذلك أن من تحصل على مال من جنحة سرقة وقام بالتصرف فيه إلى أحد من الغير الذى كان يعلم بمصدر المال ، فإن الجانى فى السرقة يعاقب بعقوبة الجنحة ؛ بينما هذا الغير يعاقب فى هذه الحالة بالسجن لارتكابه جناية غسل المال المتحصل من هذه الجنحة ، وهو أمر يخالف الدستور من ناحية ، ويخالف أصول التجريم والعقاب من ناحية أخرى.
– تقدير مدى اعتبار الإشراف ضابطاً للمال العام متفقاً مع ضوابط التجريم:

توسع الشارع فى المادة 119 من قانون العقوبات فى تحديد مدلول المال العام فساوى بين ملكية الجهات السابقة لهذا المال وبين إشرافها عليه أو إدارتها إياه ، حتى ولو كان هذا المال فى حقيقته مالاً خاصاً. فلقد اكتفى النص سالف الذكر فى تحديد مدلول المال العام أن يكون المال يكون كله أو بعضه مملوكا لإحدى الجهات التى حددها أو خاضعا لإشرافها أو لإدارتها. وتطبيق هذا النص يعنى توافر صفة المال العام إذا تحقق هذا الإشراف أو الإدارة من شخص عام أو من نقابة أو اتحاد أو من جمعية اعتبرت ذات نفع عام أو من شركة أو جمعية تساهم فيها إحدى هذه الجهات السابقة ، كما تتوافر صفة المال العام إذا تحقق الإشراف أو الإدارة من جهة اعتبرت أموالها أموالاً عامة.

وفى تقديرنا أن النص بهذه الصورة يتصف بالغموض والاتساع الذى يجب أن تنأى عنه نصوص التجريم والعقاب. فلا يكفى أن ينص الشارع على تجريم فعل معين أو أن يضع ضابطاً معيناً ؛ وإنما يجب أن يكون هذا الفعل وذلك الضابط واضح العناصر على نحو يكفل التحديد الدقيق لماهيته ، أما النص العقابى الذى يشوب تحديده الإبهام والغموض فإنه يكون غير صالح للتجريم. كما أن مثل هذا الغموض من شأنه أن ينال من فكرة اليقين التى يقوم عليها القانون الجنائى ، والتى تضمن إحاطة المخاطبين بأحكامه بمضمون النصوص الجنائية.

ضابط الإشراف على النحو الذى نص الشارع عليه لا يتصف بالوضوح ولا التحديد ، كما أنه يتسم بمرونة مترامية ، ويمكن أن تتعدد أوجه تفسيره ، مما يعد فى تقديرنا مخالفاً للدستور. ومن ناحية أخرى فإنه إذا كان الدستور قد نص فى المادة 33 على أن “للملكية العامة حرمة” ؛ فإن التوسع المبالغ فيه فى تحديد مدلول المال العام يعد فى تقديرنا انحرافاً بسلطة التشريع ، ذلك أن التوسع فى مضمون المال العام يعنى الخروج عن المدلول الحقيقى للمال العام مما يشكل انحرافاً وتجاوزاً لسلطة التشريع. وقد أدى التوسع المبالغ فيه فى هذا النص إلى اعتبار جميع أموال البنوك أموالاً عامة فى تطبيق نصوص جرائم المساس بالمال العام ، لأن قانون البنوك رقم 88 لسنة 2003 قد أناط بالبنك المركزى وهو شخصية اعتبارية عامة وظيفة الإشراف على هذه البنوك(114).

– تجريم تزوير وإتلاف المحرر الإلكترونى ومدى اتفاقه مع الضوابط الدستورية:

عاقب الشارع فى قانون التوقيع الإليكترونى بوصف الجنحة على تزوير أو إتلاف محرراً إليكترونياً (المادة 23 من القانون رقم 14 لسنة 2004 بشأن التوقيع الالكترونى).ويؤخذ على هذه الخطة أن التزوير أو الإتلاف قد يقع على محرر إليكترونى تتوافر له صفة الرسمية ، وفى هذه الحالة تكون العقوبة المقررة بالنص السابق هى الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين. والنتيجة التى تترتب على ذلك أن من يقوم بتزوير أو استعمال مستند ورقى رسمى يكون مرتكباً لجناية ؛ بينما لو كان محل هذا التزوير أو الاستعمال محرر إليكترونى كانت الجريمة جنحة يجوز الحكم فيها بالغرامة فقط. وفضلاً عن ذلك فإن من يقم بتزوير مستند عرفى ورقى كانت عقوبته الحبس وجوباً (المادة 215 من قانون العقوبات) ؛ بينما لو كان محل هذا التزوير مستنداً إليكترونياً لجاز الحكم عليه بعقوبة الغرامة فقط. وهو ما يجعل هذه العقوبة تفتقر إلى الردع ، كما أنها لا تحقق ما هدف إليه الشارع من توفير الثقة والطمأنينة فى المعاملات الإليكترونية.

وهذا النص فى تقديرنا تتوافر فيه شبهة عدم الدستورية ، ذلك أنه يخل بالمساواة بين المتهمين رغم وحدة الأفعال المرتكبة ، وهذا الإخلال دون علة واضحة. كما أن خطة الشارع تخالف الأصول العامة فى التجريم والعقاب التى تقتضى أن تكون العقوبة بقدر جسامة الجريمة وخطورة الجانى. ذلك أنه فى تقديرنا أن تزوير المحرر الإليكترونى الرسمى يفوق فى الجسامة المحرر التقليدى ، ويكشف عن خطورة الجانى الذى تتوافر له القدرة والمهارة الفنية التى تمكنه من ارتكاب جريمته ، ومن ثم فإنه يكون جديراً بالتشديد ، لا بتخفيف العقوبة عليه.

ولا يجوز القول بأن الشارع لم يشأ أن يخل بعقوبة تزوير المحررات الرسمية الواردة فى قانون العقوبات ، لأنه نص فى المادة 23 منه على أن العقوبات التالية لا تخل بأية عقوبة أشد منصوص عليها فى قانون العقوبات أو أى قانون آخر. ذلك أن النصوص العامة غير واجبة التطبيق أصلاً على فعل تزوير المحرر الإليكترونى ، إذ أن هذا المحرر لا يمكن اعتباره محرراً كتابياً على النحو الذى نص الشارع عليه قى قانون العقوبات ؛ وإلا لما كان الشارع قد أفرد قانون التوقيع الإلكترونى لمعالجة هذا النقص التشريعى.

– التزوير فى السجلات الإلكترونية للأحوال المدنية:

اعتبر الشارع فى قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 البيانات المسجلة محررات رسمية وعاقب على تزويرها بعقوبة الجناية (المادة 72 بفقرتيها) ؛ بينما عاد فى المادة 74 ونص على تجريم “تغيير هذه البيانات بالإضافة أو الحذف أو بالإلغاء” وعاقب على هذه الأفعال بوصف الجنحة ،(115)وهو فى تقديرنا تناقض ما كان يجب على الشارع أن يقع فيه ، لأن النص الأول يشتمل بالضرورة على ما تضمنه النص الثانى ، فتغيير هذه البيانات بالإضافة أو الحذف أو الإلغاء لا تعدو أن تكون هى صور التزوير.

ومن جهة أخرى يؤخذ على المادة 74 سالفة الذكر نصها على تجريم “المساس” بالبيانات والمعلومات “بأى صورة من الصور” ، ذلك أن تعبير “المساس” وإن كان يصلح أن يرد فى الشروح الفقهية إلا أنه لا يصلح أن يكون بذاته فعلاً مجرماً ، والنص على تجريم “المساس بأى صورة من الصور” يعنى أن السلوك الإجرامى غير محدد وأن الفعل المعاقب عليه يكتنفه الغموض ومن فإنه فى تقديرنا نص غير دستورى.

– مدى سريان حكم عدم دستورية تجريم الاتفاق الجنائى على نصوص قد تتشابه به:

أثار حكم المحكمة الدستورية العليا سالف الذكر بعدم دستورية نص تجريم الاتفاق الجنائى التساؤل عن مصير بعض النصوص التى قد تتشابه به ، وأهمها ما نص عليه الشارع فى جرائم الإرهاب وما نص عليه فى المادة 108 من قانون العقوبات.

– أثر الحكم بعدم دستورية الاتفاق الجنائى على جرائم الإرهاب وجريمة الرشوة:

ثار التساؤل عن أثر هذا الحكم على جريمة الاتفاق على ارتكاب جرائم الإرهاب والتى اعتبرها الشارع جريمة مستقلة بنص المادة 96 من قانون العقوبات فى فقرتها الأولى.

فذهب جانب من الفقه إلى أنه بصدور حكم المحكمة الدستورية سالف الذكر ، تكون كافة نصوص جرائم الاتفاق الجنائى الواردة فى قانون العقوبات ، ومن ضمنها جرائم الإرهاب ، غير دستورية ، وأن أثر الحكم بعدم دستورية المادة 48 سالفة الذكر ينسحب حتماً على المادة 96 سالفة البيان(116). كما ذهب رأى آخر إلى سريان حكم عدم الدستورية إلى نص المادة 108 من قانون العقوبات(117) ، التى تنص على أنه “إذا كان الغرض من الرشوة ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة ، فيعاقب الراشى والمرتشى والوسيط بالعقوبة المقررة لذلك الفعل .. ويعفى الراشى والوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة طبقاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة 48 من قانون العقوبات”.

وفى تقديرنا أن هذه الوجهة السابقة فى الفقه محل نظر ، ذلك أن البين من أسباب ومنطوق حكم المحكمة الدستورية العليا سالف الذكر أن سبب القضاء بعدم دستورية الاتفاق الجنائى كان غياب ضوابط التجريم: فالشارع -بحسب أسباب الحكم- لم يحدد طبيعة الاتفاق وما إذا كان يتصف بقدر من التنظيم أو الاستمرار ، ثم إنه لم يحدد الجريمة محل الاتفاق ، بل إن النص شمل مجرد الاتفاق على ارتكاب عنف حتى ولو لم يحدد المتفقون ماهيته. ولم ينص على تطلب جسامة معينة فى الفعل تبرر عقاب الاتفاق على ارتكابه.

والمحكمة الدستورية العليا لم تستبعد إمكانية العقاب على الاتفاق الجنائى ، وذلك إذا توافرت فيه ضوابط التجريم. ومن ثم كان أمراً منطقياً مع هذه النظرة أن تقتصر المحكمة فى منطوق حكمها على القضاء بعدم دستورية المادة 48 من قانون العقوبات فقط ، دون أن تسقط معها ما يرتبط بها من أحكام نصت عليها مواد أخرى.

وإذا كان الأمر كذلك فإن النص على تجريم الاتفاق الذى يكون موضوعه جريمة من جرائم الإرهاب لا يكون منافياً للدستور إذا استجمع الضوابط اللازمة فى الفعل محل التجريم. ومن بين هذه الضوابط ما هو متحقق فى النصوص الحالية ، فالشارع لا يطلق تجريم الاتفاق فى هذه الصورة دون تحديد ، كما فعل فى المادة 48 سالفة الذكر ، إذ يجعل موضوع الاتفاق جرائم معينة ومحددة ، وهذه الجرائم تتصف بالجسامة وخطورتها على المجتمع. وهذه المبررات تستوفى -فى تقديرنا- بعضاً من ضوابط التجريم. غير أنه يبقى مع ذلك أن يكون هذا الاتفاق متصفاً بقدر من الاستمرار على نحو يقطع بجديته وخطورته ، فلا يصح فى تقديرنا اعتبار مجرد الالتقاء العرضى لإرادتين فعلاً كافياً للتجريم ؛ بل يجب أن يتصف هذا الالتقاء بضوابط معينة تجعل منه فعلاً إجرامياً يهدد بالإيذاء المصالح التى يحميها القانون.

وللمبررات السابقة ، فإن ما نص عليه الشارع فى المادة 108 من قانون العقوبات لا صلة له بانتفاء ضوابط تجريم الاتفاق الجنائى ، فالشارع يحيل فى شأن الإعفاء من العقاب للراشى والوسيط إلى الفقرة الأخيرة من المادة 48 سالفة الذكر ، ولا يتصل الأمر بنص تجريم ؛ بل بنص يقرر مانعاً من موانع العقاب ، لا شأن له بما قضت به المحكمة الدستورية من عدم دستورية تجريم الاتفاق الجنائى.

– التعريف التشريعى للإرهاب ومدى اتفاقه مع ضوابط التجريم

نص الشارع فى المادة 86 من قانون العقوبات على أنه يقصد بالإرهاب “كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجانى تنفيذاً لمشروع إجرامى فردى أو جماعى بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه لخطر من شأنه إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو الاتصالات أو المواصلات أو الأموال أو المبانى العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح”.

وقد ميز الشارع جرائم الإرهاب بوجوب توافر قصد جنائى خاص فيها هو أن يستهدف الجانى بفعله غاية معينة هى”الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر”، وفى تقديرنا أن جوهر القصد الخاص هو أن ينصرف غرض الجانى إلى تحقيق واقعة معينة ، وهذه الواقعة لابد أن تتصف بالتحديد ، ولا يعد الإخلال بالنظام العام وتعريض أمن المجتمع وسلامته للخطر من الوقائع المحددة التى تصلح لأن تشكل قصداً جنائياً خاصاً فى جرائم الإرهاب. ومن ناحية ثانية فإنه من الأصول الدستورية المسلم بها أن أركان الجريمة يجب النص عليها بوضوح وأن تبعد عن الغموض والالتباس. وتعبيرات كالإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع للخطر تتسم بالمرونة والاتساع ؛ بل والغموض وقد تستعصى على التحديد. ففكرة النظام العام هى فكرة نسبية تتغير بتغير الزمان والمكان والفلسفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى تسود فى المجتمع ، ومن ثم فهى فكرة يصعب تحديد مدلولها أو الوقوف على محتواها ، وإذ كان مضمون هذه الفكرة قد أثار خلافاً فى الرأى فى فروع القانون المختلفة ، فإن القانون الجنائى يجب أن ينأى عن استخدام تعبيرات مختلف على تحديدها أو تتصف بالغموض والاتساع ، ولذلك فإن ما نص عليه الشارع لا يصلح فى تقديرنا ضابطاً لتمييز جرائم الإرهاب ، ويبقى ما نص عليه الشارع فى ذلك موصوماً فى تقديرنا بعيب مخالفة مبدأ الشرعية.

ومن ناحية ثالثة فإن عدم وضوح التعبيرات التى نص الشارع عليها ، سوف يفضى إلى نتيجة مؤداها صعوبة إثبات هذا القصد ، فكيف يمكن الوقوف على أن المتهم قد استهدف بفعله الإخلال بأمن وسلامة المجتمع أو أنه قد أخل بنظامه العام. وما هى القرائن المقبولة على توافر هذا القصد فى هذه الحالة؟ وهل تكفى هذه القرائن لأن تقطع دلالتها فى توافر القصد الخاص فى هذه الحالة؟.

وأخيراً ، فإنه يبدو أن خطة الشارع المصرى لا فائدة منها ، فما المبرر الذى يدعو الشارع إلى تطلب استهداف الجانى بفعله الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع للخطر. وإذا كانت الأفعال التى تشكل جرائم إرهابية تتصف فى ذاتها بالجسامة ، فإنه كان من الأوفق ألا يقيد الشارع نص تجريمه بقيود قد يؤدى تعذر إثباتها إلى نقيض مقصود الشارع.

– جرائم التنظيمات التى يكون الغرض منها الاعتداء على الحرية الشخصية والإضرار بالوحدة الوطنية:

جرم الشارع تأسيس أو الانضمام لجماعة يكون الغرض منها “الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن أو غيرها من الحريات والحقوق العامة التى كفلها الدستور والقانون , أو الإضرار بالوحدة الوطنية “.

وتعبير الحرية الشخصية هو من أكثر التعبيرات التى أثارت خلافاً فى الرأى فى فقه القانون العام ، كما أنه ليس له مدلول محدد فى نظر القانون الجنائى ، ولم يعط الشارع المصرى لهذا التعبير معنى محدداً. وكذلك الشأن فى “الحقوق والحريات العامة” ، إذ ليس لها مضمون محدد فى نظر القانون ، فضلاً عن كونها فكرة نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان ، وتستعصى على الحصر. وإيراد هذه التعبيرات فى نصوص جرائم الإرهاب هو أمر يتنافى مع أصول التجريم ، التى تحول دون النص على تعبيرات تتسم بالعمومية والاتساع فى مدلولها ، بما لا يمكن معه رسم الخط الفاصل بين الأفعال المجرمة وتلك المباحة. وفى تقديرنا أن هذه العبارات لا يصح أن ترد فى نصوص عقابية ، إذ هى عبارات مطاطة تتسم بالغموض وعدم التحديد ، وتتنافى مع مبدأ الشرعية. كما أنها تهدد حرية الرأى والتعبير ، وحرية الصحافة وتنال من أن يقوم الحوار على أساس متكافئ بين المتحاورين.

وإذا كانت أصول التجريم تقتضى أن يلحق الفعل المجرم ضرراً اجتماعياً ، وأن يكشف عن خطورة إجرامية معينة لدى الجانى ؛ فإن هذه الضوابط تبدو محل شك فى الأفعال السابقة التى جرمها الشارع: فهى أفعال مزدوجة الدلالة بحيث يصعب رسم الخط الفاصل بين اتصافها بالشرعية وبين نفى هذه الصفة عنها ، وهو ما يجعل تجريمها أمراً بالغ الصعوبة. كما أن غموض ما استخدمه الشارع من تعبيرات واتساع معناها يجعل استخلاص خطورة الجانى وإثمه فيها أمراً متعذراً. ولذلك فإن ما نص عليه الشارع يخرج فى تقديرنا عن أصول الشرعية الجنائية ، الأمر الذى يبرز الحاجة الملحة لتعديل نصوصه السابقة.

– خروج الشارع على الصفة الإرادية فى تجريم بعض الأفعال المنصوص عليها فى قانون حماية البيئة:

حظر الشارع فى المادة 69 من قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 تصريف أو إلقاء أية مواد أو نفايات أو سوائل سواء تم ذلكبطريقة إرادية أو غير إرادية ، وعاقب على هذا الفعل بوصف الجنحة. كما أنه نص فى الفقرة الأولى من المادة 60 على أنه “يحظر على ناقلات المواد السائلة أو الضارة إلقاء أو تصريف أية مواد ضارة أو نفايات أو مخلفاتبطريقة إرادية أو غير إراديةمباشرة أو غير مباشرة ينتج عنها ضرر بالبيئة المائية أو الصحة العامة أو الاستخدامات الأخرى المشروعة للبحر”.
ثم عاقب على هذه الأفعال بالغرامة التى لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه ، كما شدد العقوبة فى حالة العود لتكون الحبس بالإضافة إلى الغرامة سالفة الذكر(المادة 90 من قانون البيئة).
وفى تقديرنا أن النصوص سالفة الذكر تنافى أصول التجريم والعقاب من ناحية ، كما أنها تخالف الدستور من ناحية أخرى.
فالقواعد الأصولية فى التجريم والعقاب توجب أن تكون الأفعال غير الإرادية غير صالحة للتجريم. فهذه الأفعال لا يمكن أن يقوم بها الركن المادى الذى لا يكفى لتوافره مجرد صدور الفعل مادياً ، وإنما يجب أن يصدر هذا الفعل إرادياً. فإن فقد الجانى سيطرته على ارتكاب الفعل ، وتجرد من الإرادية ، فإنه لا يصلح أن يكون محلاً للتجريم. ومن ناحية أخرى فإنه من الأصول المسلم بها أن اشتراط الإرادة الحرة يعتبر ضماناً مهماً لحماية الحقوق والحريات فى مواجهة سلطة التجريم والعقاب ، فلا يجوز أن يجرم الفعل ما لم يكن إرادياً قائماً على الاختيار الحر(118).

وأخيراً فإن المعاقبة على الفعل غير الإرادى ينال من الكثير من الحقوق التى كفلها الدستور للفرد ، مثل حقه فى افتراض براءته ، والحق فى حريته الشخصية التى تهدد بعقوبة كأثر لهذا الفعل ، كما أن من شأن هذا التجريم أن ينال من الأسس التى يقوم عليها التجريم والعقاب ، ذلك أن إنكار الصفة الإرادية ينال من مبدأ شخصية الجريمة وكذلك شخصية العقوبة ، كما أن مثل هذا التجريم يفتقر للضرورة الاجتماعية وتكشف عن عدم تناسب ظاهر بين الفعل والعقوبة المقررة له.

تم الجزء الأول من الدراسة ويليه بمشيئة الله الجزء الثانى

المراجع

(1)Günther KAISER : Kriminologie , C. F. Müller Juristischer Verlag , Heidelberg ,( 1983) § 14 , S.49-50.

(2)Fritz BEROLZHEIMER :Strafrechtsphilosophie und Strafrechtsreform, Scientia Verlag Aalen, Darmstadt, 1963 , §22 , S.123.

(3)Kaiser § 14 , S.49-50.

(4) الدكتور مأمون محمد سلامة : جرائم الموظفين ضد الإدارة العامة ، مجلة القانون والاقتصاد ، العدد الأول ، س 39 ، مارس 1969 ، ص 131 .

(5) Kaiser § 14 , S.49 .

(6) وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بأن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها وتعتبر تخوما لها لا يجوز اقتحامها او تخطيها وكان الدستور اذ يعهد إلى أى من السلطتين التشريعية والتنفيذية بتنظيم موضوع معين فان القواعد القانونية التى تصدر عن أيهما فى هذا النطاق لا يجوز ان تنال من الحقوق التى كفل الدستور أصلها سواء بنقضها او انتقاصها من أطرافها وإلا كان ذلك عدوانا على مجالاتها الحيوية من خلال إهدارها أو تهشيمها. المحكمة الدستورية العليا جلسة 6 يناير سنة 2001 ، مجموعة الأحكام س 9 ، ص 843.

(7) وقد وسعت المحكمة الدستورية العليا من دورها فى الرقابة على السلطة التقديرية للشارع ؛ غير أن هذه الرقابة كانت تمثل استثناء وفى أضيق نطاق ، كما أنها اقتصرت على مسائل مدنية بحتة ، فضلاً عن مطالبة الفقه بوجوب عدم التوسع فى هذه الرقابة. انظر الدكتور أحمد كمال أبو المجد: دور المحكمة الدستورية العليا فى النظامين السياسى والقانونى المصرى: مجلة الدستورية ، السنة الأولى ، العدد الثانى ، إبريل 2003 ، ص 10 ، 13.

(8)SCHÖNKE (Adolf) & SCHRÖDER (Hörst):Strafgestzbuch, Kommentar , C.H.Beck’sche Ver­lagsbuchhand­lung, München, 1982 , Vorbem §§13 ff., S. 115.

(9)Jürgen BAUMANN: Grundbegriffe und System des Strafrechts , Verlag W. Kohlhammer , Stutgart , (1972) S.22..

(10)Baumann : S. 22.

(11)Mayer Dan COHEN : Actus Reus , Encyclopedia of Crime and Justice , The Free Press ,New York , (1983) , Vol. 1, p. 15

(12) Hermann BLEI :Strafrecht , besonderer Teil II ,Verlag C.H.Beck , München, (1978 ) §15 . S. 53 ; LEVASSEUR (Georges) & CHAVANNE (Albert) & MONTREUIL) (Jean) :Droit pénal géneral et procédure pénale, Sirey , Paris , (1994) , no.123 , p.58 ; JOSHUA DRESSLER: Cases and materials on criminal law , third edition , American casebook series , Thomson West , 2003 , p.121.

(13) Dressler :p.121.

(14)”Pas d’infraction sans activité matérielle”.

Roger MERLE & André VITU ; Traité de droit criminel : Problemes generaux de la science criminelle.Droit pénal general , (1984) , no.450 , p.575.

(15)الدكتور محمود نجيب حسنى : علاقة السببية فى قانون العقوبات ، دار النهضة العربية ، (1984) ، رقم 1، ص 1 ؛ الدكتور على أحمد راشد : قانون العقوبات ، القسم العام ، دار الفكر العربى (1948) ، ص 254 ؛ الدكتور محمد عيد الغريب : شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، الجزء الأول ، رقم 312 ، ص 462-463.

STEFANI (Gaston) , LEVASSEUR (George) et BOULOC (Bernard): Droit Pénal général , 16 e , Dalloz , 1997 , no.211, p.185.

(16)WHARTON (Francis): Wharton’s criminal law , 15th edition, by Charles e. Torcia, Vol. 1 Clark Boardman Callaghan , New York (1993), § 25 , p.138 ; Clarkson & Keating , p.103

(17) الدكتور عبد الفتاح مصطفى الصيفى : المطابقة فى مجال التجريم ، دار النهضة العربية ، 1991 ، رقم 47، ص 63 .

Michael JEFFERSON: Criminal Law, Pearson Professional Ltd. , Britain, (1995) p. 101; Smith & Hogan, p.33.

(18)Stefani , Levasseur et Bouloc: no. 211 , p.185 ; Clarkson & Keating , p.103.

(19) CLARKSON (C.M.V) & KEATING (H.M.): Criminal Law: text and materials, second edition, Sweet & Maxwell , London , (1990) , p.103.

(20) Cohen : p. 17.

(21) الدكتور محمود نجيب حسنى : علاقة السببية فى قانون العقوبات ، رقم 2 ، ص 2 .

LEVASSEUR & CHAVANNE & MONTREUIL: no.123 , p.58.

(22)Clarkson & Keating, p.103.

(23)Clarkson & Keating, p.103.

(24) Robinson , p. 251.

(25) Robinson , p. 251

(26)Robinson , p. 251

(27)Clarkson & Keating , p.103.

(28)Stefani , Levasseur et Bouloc: no. 212, p.185.

(29) MERLE & VITU ; Traité de droit criminel ; no.450 , p.575 ; Smith &

Hogan, p.30 ; Clarkson & Keating, p.103..

(30) Robinson , p. 251

الدكتور محمود نجيب حسنى : علاقة السببية فى قانون العقوبات ، رقم 2 ، ص 2.

Cohen, p. 17.

(31)Clarkson & Keating, p.103.

(32)Clarkson & Keating, p.103.

(33) Blei §17 , S.54-55.

(34) Smith & Hogan, p.30 ; Dressler :p.121..

(35)Dressler :p.121 ; Smith & Hogan, p.30.

(36)Cohen : p. 15

(37)Smith & Hogan, p.31.

(38)Jefferson : p.102; Cohen : p. 15-16 ; Smith & Hogan, p.31..

(39)Smith & Hogan, p.31.

(40)Smith & Hogan, p.32.

(41) الأستاذ محمد ابو زهرة : الجريمة ، دار الفكر العربى رقم 24ص 27-28.

(42) الدكتور محمود نجيب حسنى:الفقه الجنائى الإسلامى: مجلة القضاة الفصلية يناير – يونيو، 1985 ص7 ؛ قرب هذا الاستاذ أحمد فتحى بهنسى: نظريات فى الفقه الجنائى الإسلامى، 1963 ص40-41.

(43) وفى واقعة قام عمر بن الخطاب رضى الله عنه بنفى نصر بن حجاج من المدينة حين سمع قائلة تقول: هل من سبيل الى خمر فأشربها، او هل سبيل الى نصر بن حجاج، فقال لعمر وما ذنبى يا أمير المؤمنين، قال لا ذنب لك وانما الذنب لى حيث لا اطهر دار الهجرة منك. ويرى الفقه الغالب ان النفى وقع لان عمر خشى افتتان النساء به حين وجده شابا جميل الصورة، وان الجمال لا يوجب النفى ولكن عمر فعل ذلك للمصلحة. راجع المبسوط الشمس الدين السرخسى ج9 ص45. وفى تقديرنا أن الحديث الشريف يقصر النفى فى هذه الحالة على المخنثين من الرجال ومن ثم فلا يجوز ايقاع عقوبة النفى (والنفى عقوبة) إلا اذا كان هناك فعل مادى ينسب الى الجانى. ولذلك نتفق مع الرأى الذى يذهب إلى أن هناك احتمالا لان يكون هناك دور إيجابى فى سلوك نصر الشخصى ترتب عليه إغواء النساء مما استوجب نفيه. الدكتور زكريا البرى: أصول الفقه 1982، هامش ص136.

(44) Klaus TIEDMANN : La constitutionalisation de la “matiere pénal” en Allemagne , Rev.Sc. Crim , 1, 1994 , p.3.

(45) انظر فى تأصيل الصلة بين الدستور والقانون الجنائى الدكتور محمود نجيب حسنى : الدستور والقانون الجنائى ، دار النهضة العربية (1992) ، رقم 2 ، ص 2 وما بعدها.

(46) المحكمة الدستورية العليا جلسة 3 يوليه 1995 ، القضية رقم 25 لسنة 16 قضائية دستورية ، مجلة القضاة الفصلية ، س 27 ، ع2، 1994 ، ص 212 وما بعدها.

(47) الدكتور أحمد فتحى سرور : الخطورة الإجرامية ، مجلة القانون والاقتصاد ،س 34 ، العدد الأول ، مارس 1964ص 439.

(48) الدكتور سمير الشناوى : الشروع فى الجريمة ، دراسة مقارنة (1992) ، ص 59 .

(49)Cohen : Actus Reus, , p. 21.

(50) Cohen : Actus Reus, , p. 21..

(51) الدكتور محمود محمود مصطفى : أصول قانون العقوبات فى الدول العربية ، دار النهضة العربية ،(1983) ، رقم 126 ، ص 161.

(52) الدكتور محمود نجيب حسنى : علاقة السببية فى قانون العقوبات ، رقم 1، ص 1-2 والهامش.

(53)Cohen : Actus Reus, , p. 22..

(54) الدكتور رمسيس بهنام : نظرية التجريم فى القانون الجنائى ، منشأة المعارف بالإسكندرية (1996) ، ص 66-67 ؛ الدكتور رمضان الألفى : نظرية الخطورة الإجرامية ، دراسة مقارنة (1996) ، ص 8.

(55) الدكتور رمضان الألفى : ص 234 ؛ الدكتور زكى على إسماعيل النجار :ص 39.

(56) الدكتور أحمد فتحى سرور :الخطورة الإجرامية ، ص 500؛ الدكتور رمضان الألفى : ص 103-105 ؛ الدكتور سمير محمد هندى : الاشتباه وحرية المواطن بين الفقه الإسلامى والقانون الوضعى ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة عين شمس(1992) ، ص 210-212 .

(57) الدكتور رمسيس بهنام : ص 68-69الدكتور زكى على إسماعيل النجار : الخطورة الإجرامية، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية ، بدون تاريخ للطبعة ، ص 19..

(58) الدكتور زكى على إسماعيل النجار : ص 38.

(59) الدكتور رءوف عبيد : شرح قانون العقوبات التكميلى ، دار الفكر العربى ، (1979) ، ص 326.

(60) نقض 8 إبريل 1968 مجموعة أحكام محكمة النقض س 19 ، رقم 77 ، ص 408.

(61) الدكتور أحمد فتحى سرور : الخطورة الإجرامية ، ص 507.

(62) المحكمة الدستورية العليا جلسة 3 يوليه سنة 1995 القضية رقم 25 لسنة 16 قضائية دستورية ، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا ج 7 ، رقم 2 ، ص 45.

(63) وتنص هذه المادة قبل الحكم بعدم دستوريتها “يعد مشتبهاً فيه كل شخص تزيد سنه على ثمانى عشرة سنة حكم عليه أكثر من مرة فى إحدى الجرائم أو الأفعال الآتية :

1- الاعتداء على النفس أو المال أو التهديد بذلك. 2- الوساطة فى إعادة الأشخاص المخطوفين أو الأشياء المسروقة أو المختلسة. 3- تعطيل وسائل المواصلات أو المخابرات ذات المنفعة العامة.4- الاتجار بالمواد السامة أو المخدرة أو تقديمها للغير.5- تزييف النقود أو تزوير أوراق النقد الحكومية أو أوراق البنكنوت الجائز تداولها قانوناً فى البلاد أو تقليد أو ترويج شئ مما ذكر. 6- الجرائم المنصوص عليها فى القانون 10 لسنة 1961 فى شأن مكافحة الدعارة. 7- جرائم هرب المحبوسين وإخفاء الجناة ، المنصوص عليها فى الباب الثامن من الكتاب الثامن من قانون العقوبات .8- جرائم الاتجار فى الأسلحة أو الذخائر. 9- إعداد الغير لارتكاب الجرائم أو تدريبهم على ارتكابها ، ولو لم تقع جريمة نتيجة لهذا الإعداد أو التدريب. 10- إيواء المشتبه فيهم وفقاً لأحكام هذا القانون بقصد تهديد الغير أو فرض السيطرة عليه”.

(64) وقد قررت المحكمة الدستورية العليا فى هذا الحكم كذلك : “إن القوانين الجزائية تفرض على الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثراً ، ويتعين بالتالى ضماناً لهذه الحرية أن تكون الأفعال التى تؤثمها هذه القوانين محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها ، وبمراعاة أن تكون دوماً جلية واضحة فى بيان الحدود الضيقة لنواهيها ، ذلك أن التجهيل بها أو إبهامها فى بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها على بينة من حقيقة الأفعال التى يتعين عليهم تجنبها…. المحكمة الدستورية العليا جلسة 2 يناير 1992 لسنة 10دستورية ، مجلة القضاة الفصلية ، س 25 ، ع2، 1992 ، ص 71 وما بعدها.

(65) المحكمة الدستورية العليا جلسة 15 يونيه سنة 1996 ، القضية رقم 49 لسنة 17 قضائية دستورية ، مجلة القضاة الفصلية ، س 28 ، ع1-2 ، 1996 ، ص 192 وما بعدها.

(66) المحكمة الدستورية العليا جلسة 15 مايو سنة 1982 ، مجلة القضاة الفصلية ، س 26 ، 1993 ص 183.

(67) يستخدم فقهاء القانون النظام الأنجلو سكسونى والأنجلو أمريكى للدلالة على الفعل محل التجريم تعبير “Actus Reus” وهو تعبير لاتينى يعنى حرفياً “الفعل الشرير” ، ولكن هذا التعبير -بمعناه الحرفى- غير صادق الدلالة على معناه الاصطلاحى فى نطاق القانون الجنائى : فلا يشترط للتجريم أن نكون بصدد فعل مادى ، كما أنه لا يشترط أن يكون هذا الفعل شريراً

Mayer Dan COHEN : Actus Reus , Encyclopedia of Crime and Justice , The Free Press ,New York , (1983) , Vol. 1, p. 15

(68) Smith & Hogan : Criminal Law , Butterworths, Playmouth , (1992) , p,30 ; Edward L. KIMBALL : Difinition of crime , Encyclopedia of Crime and Justice , The Free Press ,New York , (1983) , Vol. 1, p. 302 ; Cohen : p.15 .

(69) Smith & Hogan, p.30.

(70)”Model Penal Code “.

(71)”Bodily Movement”.

Wharton’s, § 25 , p.140 ; Cohen , p. 16.

(72) Paul H. ROBINSON : Fundamentals of Criminal Law , 2 ed.,Boston (1995) , p.250.

(73)”willed muscular movement”.

(74) Robinson , p. 251 ; Cohen : p. 16.

(75) Robinson v. California .360 U.S.660.(1962) . Kimball, p. 302 ; Robinson , p. 253.

(76)Powell v.Texas , 392 U.S.514 (1968) , Kimball, p. 302.

(77)Papachristou v.City of Jacksonville , 405 U.S.156 (1972) , Kimball, p. 302.

(78) Robinson v. California 360 U.S. 660.(1962) , Weinreb, p.809 ; Robinson , p. 253-256 ; SHUTE (Stephen): With and without constitutional restraints: a comparison between the criminal law of England and America , Buffalo criminal law review , vol.1 , no.2 , 1998 , p.339.

(79) Robinson , p. 259

(80)Weinreb, p.813 -817.

(81) انظر فى الموضوع بالتفصيل مؤلفنا فى أصول اللغة القضائية ، دار النهضة العربية ، 2000.

(82) الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهورى : على أساس يكون تنقيح القانون المدنى المصرى ، الكتاب الذهبى للمحاكم الأهلية ، 1833-1933 ، الطبعة الثانية ، طبعة نادى القضاة ، (1990) ، الجزء الثانى ، ص 115.

(83)CORNU (Gérard): Linguistique juridique, 3e édition Montchrestien , Paris 2005 , p. 280.

(84)Cornu , p. 17.

(85) Lloyd L. WEINREB: Criminal Law , fifth ed. The Foundation Press Inc. , New York , (1993) , p.807.

(86) المحكمة الدستورية العليا جلسة 8 فبراير سنة 2004 قضية رقم 146 لسنة 20 قضائية .

(87)”void for vagueness”. Weinreb, p.807.

(88) Weinreb , p.807.

(89) نقض جلسة 15 نوفمبر سنة 1994 مجموعة أحكام النقض س 45 رقم 157 ص 1001.

(90)المحكمة الدستورية العليا جلسة 3 يوليه سنة 1995 القضية رقم 25 لسنة 16 قضائية دستورية ، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا ج 7 ، قاعدة رقم 2 ، ص 45.

(91) المحكمة الدستورية العليا جلسة أول أكتوبر سنة 1994 ، قضية رقم 20 لسنة 15 قضائية “دستورية”

(92) مضافتان بالقانون رقم 116 لسنة 1983 ومستبدلتان بالقانون رقم 2 لسنة 1985.

(93) المحكمة الدستورية العليا جلسة 8 فبراير سنة 2004 قضية رقم 146 لسنة 20 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”.

(94) قرار المحكمة الدستورية العليا بجلسة 26 يونيه سنة 2005 فى شأن مشروع قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية ، مجلة الدستورية ، العدد الثامن ، السنة الثالثة ، أكتوبر سنة 2005 ص 83-84.

(95) المحكمة الدستورية العليا جلسة 8 فبراير سنة 2004 ، القضية رقم 250 لسنة 23 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية” ، الجريدة الرسمية العدد تابع 10 (أ) 4 مارس سنة 2004.

(96) المحكمة الدستورية العليا جلسة 2 ديسمبر سنة 1995 القضية رقم 28 لسنة 17 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”.

(97)المحكمة الدستورية العليا 2 يونيه سنة 2001 ، القضية رقم 114 لسنة 21 قضائية دستورية ، مجلة القضاة الفصلية ، السنة 32 ، 2000 ، العدد الأول ، ص 133-140.

وانظر تعليق الدكتور مأمون محمد سلامة على هذا الحكم ، مجلة الدستورية ، السنة الأولى العدد الثانى 2003 ، ص 55-

(98)Kolender v.Lawson , 461 U.S. 352, 357 (1983) Weinreb , p.807.

(99)”Who loiters or wanders upon the streets or from place to place without apparent reason or business and who refuses to identify himself and to account for his presence when requested by any peace officer so to do , if the surrounding circumstances are such as to indicate to reasonable man that the public safety demands such identification “. Cal. Penal Code § 647(e).

(100) Weinreb, p.805.

(101) وقد نص نموذج قانون العقوبات الأمريكى على تجريم التسكع والطواف فى مكان أو زمان أو بكيفية غير معتادة للمحافظة على موجبات القانون وفى ظروف تنذر بالخطر على سلامة الأشخاص أو الأموال (المادة 250/6). وتطبيق هذا النص يعطى قائمة غير محدودة من الإمارات التى تعتبر من قبيل الحالة التى تنذر بالخطر والتى تجيز القبض . ويتساءل بعض فقهاء القانون الأنجلو أمريكى عن مدى اتفاق هذا النص مع الدستور ، ولا سيما وأن المحكمة العليا الأمريكية سبق وأن قضت بعدم دستورية النص المشابه له فى قانون ولاية كاليفورنيا.p.808. Weinreb

(102)Substantive cause of the crime.”

وتطبيقاً لذلك يعد الجانى مسئولاً عن فعله ، ولو كان المجنى عليه يعانى من حالة صحية غير معتادة ويشير الفقه الأنجلو سكسونى إلى أن الجانى يسأل عن المجنى عليه بالحالة التى وجده عليها. Smith & Keenan’s, p. 503.

(103) المحكمة الدستورية العليا جلسة 16 نوفمبر سنة 1996 ، مجلة القضاة الفصلية ، س 29 ، العدد الأول يونيه 1997 ، ص 155.

(104) Wharton’s, § 25 , p.139.

(105) انظر تفصيلاً فى شأن الامتناع : , p.45-52 Smith & Hogan

وفى القانون المقارن:Jean PRADEL: Droit pénal comparé , (1995) , p.233 s.

(106)Wharton’s, § 25 , p.144.

(107)ولا يقر النظام الأنجلو أمريكى واجب المساعدة كقاعدة عامة بحيث يترتب على عدم القيام بها تأثيم هذا الامتناع Cohen : Actus Reus, , p. 20 .

وقد نص الشارع الفرنسى فى المادة 223-3 من قانون العقوبات الصادر سنة 1994 على تجريم ترك شخص فى حالة يحتاج فيها لتدابير المساعدة بسبب ظروف سنه أو حالته النفسية أو الجسمانية ، ولا يفترض هذا الامتناع تحقق أى ضرر أو تشويه أو عجز أو وفاة المجنى عليه. كما يجرم الشارع الفرنسى أيضاً وضع قاصر فى حالة تعرضه للخطر ( المادة 227-15 من قانون العقوبات). وفى غير هذه الحالات التى نص عليها الشارع فإنه لا يوجد تجريم لجرائم الامتناع المجرد. Stefani , Levasseur et Bouloc: no. 214, p.187-188

(108) وهى الجريمة المنصوص عليها بالفقرة الأولى من المادة 60 من القانون رقم 49 لسنة 1977 والمعاقب عليه بنص الفقرة الأولى من المادة 79 من ذات القانون المعدلة بالفقرة الأولى من المادة 24 من القانون رقم 136 لسنة 1981.

(109) المحكمة الدستورية العليا جلسة 9 إبريل سنة 2006 ، القضية رقم 296 لسنة 25 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”.

(110) المحكمة الدستورية العليا جلسة 5 يوليه سنة 1997 ، القضية رقم 24 لسنة 18 قضائية “دستورية” ، الجريدة الرسمية العدد 29 بتاريخ 19 يوليه 1997.

(111) انظر فى تعدد التعريفات التى حاولت أن تحدد مدلول الحياة الخاصة: الدكتور أشرف توفيق شمس الدين: الصحافة والحماية الجنائية للحياة الخاصة ، دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية 2007 ، ص 12-22.

(112) انظر فى صعوبة تعريف الجريمة المنظمة والاختلاف على ضوابطه: الدكتور محمد إبراهيم زيد:الجوانب العلمية والقانونية للجريمة المنظمة ص 6-9 ؛ وانظر أيضاَ الدكتور علاء إسماعيل محمد: نظرية الجريمة المنظمة فى القانون المقارن ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة حلوان 2001 ، ص 28 وما بعدها.

(113)انظر المادة الثانية (أ) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000 والتى تنص على أنه “يقصد بتعبير جماعة إجرامية منظمة جماعة محددة البنية مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر ، موجودة لفترة من الزمن وتقوم معاً بفعل مدبر بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الجرائم المقررة وفقاً لهذه الاتفاقية ، من أجل الحصول –بشكل مباشر أو غير مباشر- على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى”. ويلاحظ أن هذا التعريف يكاد يسرى على أغلب الجماعات الإجرامية فى كل المجتمعات ، وخطورة الجريمة هو ضابط تختلف فيه المجتمعات وتتباين بشأنه السياسة التشريعية التى يأخذ بها كل نظام تشريعى.

(114) محكمة جنايات القاهرة فى القضية رقم 390 لسنة 1997 قسم الأزبكية ، والمقيدة برقم 1 لسنة 1997 كلى شمال القاهرة. وانظر الدكتور جميل عبد الباقى الصغير: تعليق على الحكم سالف الذكر دار النهضة العربية ، 2000 ، ص 28-29 ؛ وانظر حكم محكمة النقض جلسة 16 يناير 2003 الطعن رقم 39618 لسنة 72 ق ، لم ينشر بعد ، ص 51 من الحكم ، وانظر كذلك تفصيلاً مؤلفنا: الحماية الجنائية للائتمان المصرفى من الخداع ، دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ، الطبعة الثانية 2008 ، رقم 39 ، ص 57-58.

(115) نصت المادة 74 من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 على أنه “مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها فى قانون العقوبات أو فى غيره من القوانين يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اطلع أو شرع فى الاطلاع أو حصل أو شرع فى الحصول على البيانات أو المعلومات التى تحتويها السجلات أو الحاسبات الآلية أو وسائط التخزين الملحقة بها أو قام بتغييرها بالإضافة أو بالحذف أو بالإلغاء أو بالتدمير أو بالمساس بها بأى صورة من الصور أو أذاعها أو أفشاها فى غير الأحوال …”.

(116) الدكتور محمد بهجت مصطفى الجزار: الدكتور محمد بهجت مصطفى: الجرائم الإرهابية بين القانون الوضعى والشريعة الإسلامية فى ضوء أحكام القضاء ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة الزقازيق ، 2002 ، ص 376 ، ص 380-381.

(117) الأستاذ الدكتور مأمون محمد سلامة: تعليق على حكم المحكمة بعدم دستورية المادة 48 من قانون العقوبات: مجلة الدستورية ، العدد الثانى ، السنة الأولى ، إبريل 2003 ، ص 57.

(118) المحكمة الدستورية العليا جلسة 3 يوليه سنة 1995 القضية رقم 25 لسنة 16 قضائية دستورية ، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا ج 7 ، رقم 2 ، ص 45.