بحث قانوني عن المسئولية الجنائية والركن المعنوي للجريمة في القضاء الدستوري المصري

تأليف
الدكتور أشرف توفيق شمس الدين *
أستاذ ورئيس قسم القانون الجنائى – وكيل كلية الحقوق بجامعة بنها
الحائز على جائزة الدولة التشجيعية فى القانون الجنائى
القاضى سابقاً
هذه الدراسة هى الجزء الثانى من دراسة بعنوان الضوابط الدستورية لنصوص التجريم والعقاب فى القضاء الدستورى

الفصل الثانى
الركن المعنوى والدستور

– أهمية الركن المعنوى:ليست الجريمة كياناً مادياً خالصاً ، ولكنها كذلك كيان نفسى ، وإذا كان القانون الجنائى يهتم أساساً بالفعل المادى المرتكب ، بحيث أنه إن انتفى وصف الفعل انتفت الجريمة ؛ فإن القانون الجنائى يهتم كذلك بالركن المعنوى فإذا انتفى هذا الركن انتفت الجريمة كذلك. فلا قيام للجريمة بغير ركن معنوى. وتفسير ذلك أن هذا الركن هو الذى يعبر عن الإثم الذى حاك فى نفس الجانى ، وحيث تتجرد النفس من هذا الإثم فلا توجد جريمة ، ولذلك قيل بأن “الفعل لا يكون آثماً إلا إذا كانت النفس آثم

[1]).

وترجع أهمية الركن المعنوى فى أنه يتضمن العلاقة النفسية التى تربط بين ماديات الجريمة، وشخصية الجانى ، وجوهر هذه العلاقة هو الإرادة. وهذه العلاقة محل للوم القانون لأنه يسبغ على ماديات الجريمة صفة غير مشروعة ، وينهى الناس عن أن تكون لهم بها علاقة. وللركن المعنوى أهمية كبيرة فى كيان الجريمة ذلك أن الجريمة عمل إنسان يسأل عنها ويتحمل العقوبة المقررة من أجلها ، وإذا كان الشارع يضع قواعد التجريم ويسبغ على بعض الأفعال الصفة غير المشروعة ؛ فإنما يفعل ذلك لكى ينهى الأفراد عن ارتكابها ، وهو يهتم -حينما يُرتكب فعل غير المشروع- فى أن يبحث عن المسئول عن هذا الفعل ، ولا يستطيع القانون تحديد هذا المسئول إلا إذا قامت علاقة من نوع خاص بين ذلك الفعل وذلك الشخص . فأهمية الركن المعنوى مستمدة من كونه وسيلة القانون كى يطبق على الأفراد ، وهو بذلك وسيلته فى تحديد الشخص الجدير بالمسئولية الجدير تبعاً لذلك أن ينزل به العقاب وتتحقق فيه أغراضه الاجتماعية([2]).

وهناك صلة بين إثم الجانى والعقوبة التى يقررها الشارع للجريمة: فالمعيار الذى يقيس به الشارع قدر العقوبة ونوعها هو “إثم الجانى” المصاحب للفعل ، فهذا الإثم يشكل “قاعدة عليا للتقدير”([3]) يجب على الشارع الأخذ بها بعين الاعتبار حال تقديره للعقوبة. وهذه القاعدة تعنى أن قدر وحدود العقوبة واتصافها بالعدالة يرتبط على نحو لازم مع درجة إثم الجانى([4]). وقد يفضى عدم تناسب العقوبة مع هذا الإثم والمبالغة فيها إلى عدم دستورية النص عليها.

– تقسيم: نتناول فى هذا الفصل الضوابط التى أرستها المحكمة الدستورية العليا فى شأن النص على المسئولية والركن المعنوى فى الجريمة فى مبحثين مستقلين ، ثم نتبعهما بمبحث ثالث ، نبين فيه أثر تطبيق هذه الضوابط على بعض نصوص التجريم، وهو عمل فقهى محض يحاول تطبيق الضوابط السابقة على نصوص سارية وصولاً لما إذا كانت هذه النصوص تتفق مع هذه الضوابط أم أنها تتنافر معها.

المبحث الأول
الضوابط الدستورية للمسئولية الجنائية

– تمهيد:

أثارت فكرة المسئولية بدون خطأ أو ما يعرف بالمسئولية المادية جدلاً فقهياً كبيراً ، واختلفت الآراء واتجاهات التشريعات ، هل يوجد جرائم بدون ركن معنوى ، بحيث يسأل الجانى عن الفعل فحسب؟ ؛ أم أن هذا الركن لازم فى كل الجرائم بحيث لا يتصور ارتكاب الجريمة بدونه؟ ، ثم ثار خلاف آخر يتصل بالمسئولية عن فعل الغير ، فهل يمكن أن يسأل شخص عن عمل غيره ، حتى ولو لم يكن لديه الإثم الذى يبرر تقرير مسئوليته عنه؟ ، وهذا الخلاف ليس نظرياً ؛ بل تردد صداه فى التشريعات المختلفة ، ولذلك يقع على عاتق الدراسة استخلاص الضوابط التى أقرتها المحكمة الدستورية العليا فى ذلك.

– المسئولية المادية أو المسئولية بدون خطأ:

تتطلب الجريمة توافر الإثم لدى الجانى ، فحيث لا خطيئة ، فلا جريمة ، إذ لا يمكن مؤاخذة الجانى عن فعل تجرد من الإثم. وقد أثير التساؤل عما إذا كان من الممكن قيام المسئولية الجنائية دون إثم ، أى أن تكون مسئولية مادية تستمد من ارتكاب الجانى الفعل المجرم بصرف النظر عن الركن المعنوى لديه ، وهذا النوع من الجرائم يطلق عليها الفقه “الجرائم المادية”([5]). وقد ثار التساؤل بصفة خاصة بمناسبة بحث مدى ملائمة تقرير المسئولية عن فعل الغير ، إذ أن هذه المسئولية لا تعدو أن تكون صورة من صور المسئولية المادية.

– القاعدة العامة- شخصية المسئولية الجنائية:

القاعدة الأصولية تقضى بأن المسئولية عن الجريمة شخصية ، فمن لم يساهم فى ارتكاب الجريمة بصفته فاعلاً أو شريكاً يظل بمنأى عن عقوبتها([6]). فيجب أن تكون هناك علاقة مادية بين الجريمة والسلوك الإنسانى الصادر من شخص المسئول عنها: فلابد أن يساهم الجانى بفعله الشخصى فى الجريمة ، وأن تتوافر علاقة السببية بين فعل المساهمة والنتيجة الإجرامية التى يعتد بها الشارع فى التجريم والعقاب([7]).

وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا هذه القاعدة بقولها بأن الأصل فى الجريمة ، أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها ، وهى عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة موضوعها ، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله ، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها ، ولا ينال عقابها إلا من قارفها ، وأن ” شخصية العقوبة ” ” وتناسبها مع الجريمة محلها” مرتبطان بمن يعد قانوناً ” مسئولاً عن ارتكابها “. فالقاعدة الأصولية التى أرستها المحكمة الدستورية تتبلور فى شخصية الجريمة والمسئولية عنها وشخصية العقوبة عملاً بالمادة 66 من الدستور ، فالشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها ، إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكاً فيها([8]).

– المسئولية عن عمل الغير:

يعرف القانون المدنى إلى جوار المسئولية عن الفعل الشخصى المسئولية عن عمل الغير ، ويلتزم الشخص فى هذه الحالة بتعويض الضرر الذى ينشأ من فعل هذا الغير. ولكن هذه المسئولية ليس لها محل فى نطاق القانون الجنائى ، إذ لا يعرف هذا القانون إلا المسئولية الشخصية الخالصة ، ولا يتصور أن يتهم شخص أو أن يقضى بإدانته فى جريمة ليس فاعلاً فيها أو شريكاً([9]). ففكرة المسئولية عن عمل الغير هى فكرة غريبة عن القانون الجنائى. وقد حرص الشارع الفرنسى فى قانون على أن ينص على هذا المبدأ صراحة (المادة 121-1)([10]).

وقد قضت المحكمة العليا الأمريكية بعدم دستورية قانون يقضى باعتبار الوالدين مسئولين جنائياً عن الجرائم التى يرتكبها أولادهما القصر ، وقد قررت فى هذا الحكم أن مجرد توافر صفة الأبوة لا تعد بذاتها جريمة([11]).

على أن تطبيق هذا المبدأ أثار قدراً من الصعوبة ، فكثير من التشريعات الخاصة مثل القوانين المنظمة للعمل تنص على إلزام رب العمل بأداء الغرامات المحكوم بها على مديرى منشأته والتابعين له والناتجة عن مخالفة هذه القوانين. وقد حرصت بعض التشريعات على أن يعتبر هذه المسئولية مدنية محضة ، ومثال ذلك الشارع الفرنسى الذى نص صراحة على ذلك فى المادة 260-1 من قانون العمل على أن رب العمل مسئول مدنياً([12]).على أن الأمر يدق فى كثير من الصور التى ينص فيها على اعتبار الشخص مسئولاً جنائياً فى حالة ارتكاب شخص آخر فعلاً مجرماً . ومثال ذلك ما نص عليه الشارع المصرى فى المادة 58 من المرسوم بقانون 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين على أن يكون صاحب المحل مسئولاً مع مديره أو القائم على إدارته عن كل ما يقع فى المحل من مخالفات لأحكام هذا المرسوم . فإذا ثبت أنه بسبب الغياب أو استحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة اقتصرت العقوبة على الغرامة المبينة فى المواد من 50 إلى 56 من هذا المرسوم بقانون. ويماثل هذا النص ما نصت عليه المادة 15 من المرسوم بقانون 163 لسنة 1950.

من المقرر فى الفقه المقارن أن هذه المسئولية فى الحالات التى نص الشارع عليها ليست مفترضة ، وإنما تحيطها شروط تكفل تحديداً واضحاً للفعل الذى يكون الشخص مسئولاً عنه ، فيجب أن يثبت ارتكاب أحد العاملين أو التابعين للشخص ارتكاب جريمة ، ويجب أن يثبت وقوع خطأ من جانب صاحب المنشأة ، وصورة هذا الخطأ هو الإهمال فى واجب الإشراف على موظفيه ، وأنه إذا ثبتت استحالة المراقبة فإن مسئولية صاحب المحل لا تتوافر فى هذه الحالة([13]).

ومن الأمثلة أيضاً على هذه الحالات ما كان ينص عليه الشارع فى المادة 195 من قانون العقوبات من تقرير المسئولية الجنائية لرئيس التحرير عما ينشر فى صحيفته. فهل تعد هذه النصوص متفقة مع الضوابط الدستورية؟. سنرى فيما يلى ما أرسته المحكمة الدستورية العليا من ضوابط فى شأن هذه المسئولية.

1- عدم دستورية افتراض المسئولية الجنائية لرئيس التحرير:

كانت المادة 195 من قانون العقوبات تنص على معاقبة رئيس تحرير الجريدة أو المحرر المسئول عن قسمها الذى حصل فيه النشر إذا لم يكن ثمة رئيس تحرير ، بصفته فاعلاً أصلياً للجرائم التى ترتكب بواسطة صحيفته.

وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذا النص تأسيساً على أن رئيس التحرير يظل ، مسئولاً عن الجرائم التى تضمنها المقال ، ولو أثبت أنه لو لم يقم بالنشر ، لفقد وظيفته فى الجريدة التى يعمل بها ، أو لتعرض لضرر جسيم آخر ، إذ عليه فوق هذه أن يرشد أثناء التحقيق عن مرتكب الجريمة ، وأن يقدم كل ما لديه من الأوراق والمعلومات لإثبات مسئوليته ، وهو ما يعنى أنه أيا كانت الأعذار التى يقدمها رئيس تحرير الجريدة مثبتاً بها اضطراره إلى النشر ، فإن مسئوليته الجنائية لا تنتفى إلا إذا أرشد عن أشخاص قد لا يعرفهم ، هم المسئولون عن المقال أو غيره من صور التمثيل ، وهو ما يناقض شخصية المسئولية الجنائية ، التى تفترض ألا يكون الشخص مسئولاً عن الجريمة ، ولا أن تفرض عليه عقوبتها ، إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكاً فيها”([14]).

2- عدم دستورية افتراض المسئولية الجنائية لرئيس الحزب عما ينشر فى صحيفة حزبه:

كانت الفقرة الثانية من المادة 15 من قانون الأحزاب السياسية الصادر بالقانون رقم 40 لسنة 1977 تنص على أن “يكون رئيس الحزب مسئولاً مع رئيس التحرير عما ينشر فى صحيفة حزبه” ، ولم يكن الشارع يحدد نوع هذه المسئولية وما إذا كانت جنائية أم مدنية. وقد حاولت محكمة النقض معالجة هذا العوار التشريعى ففسرت المقصود بمسئولية رئيس الحزب فى النص سالف الذكر على أنها المسئولية المدنية وليست الجنائية([15]). غير أن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستورية النص سالف الذكر ، وذلك تأسيساً على إن المسئولية الجنائية التي قررها النص المطعون فيه في شأن رئيس الحزب هي في حقيقتها نوع من المسئولية بطريق القياس فقد ألحق المشرع مسئولية رئيس الحزب بمسئولية رئيس التحرير وربطها بها وجعلها من جنسها وأقامها من نسيجها وأضافها إليها لتتبعها ثبوتا ونفيا وليحيلها إلي مسئولية مفترضة في كل مكوناتها وعناصرها فلا تقوم الجريمة بها بناء علي أفعال محددة فصلها المشرع ناهيا رئيس الحزب عن إتيانها بما لا غموض فيه. وأن رئيس الحزب صار – في نطاق مسئوليته الجنائية الشخصية – تابعا لغيره في أمر يرتبط بحريته الشخصية التي لا يجوز تقييدها بأفعال ياتيها الأخرون ويكون مصيره معلقا عليها . وآية ذلك أن النص المطعون فيه يقيم المسئولية الجنائية لرئيس الحزب في الحدود التي تنهض بها المسئولية الجنائية الشخصية لرئيس التحرير فإن هو هدمها أفاد رئيس الحزب من سقوطها وإلا تحمل تبعاتها كاملة وهو ما يعتبر تمييزا جائرا بين المتهمين في مجال الحقوق التي يتمتعون بها وفقا للدستور. وأن هذه المسئولية تفترض أن زمام الصحيفة الحزبية بيد رئيس التحرير وأن إخلالاً قد وقع منه فى مجال تقييم ما ينشر بها وهو افتراض لا يستقيم وطبائع الأشياء وتأباه العدالة ([16]).

3- عدم دستورية افتراض مسئولية مالك المحل عن الجرائم التى ترتكب به:

كانت المادة (58) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين تنص على أن “يكون صاحب المحل مسئولاً مع مديره أو القائم على إدارته عن كل ما يقع فى المحل من مخالفات لأحكام هذا المرسوم بقانون ويعاقب بالعقوبات المقررة لها، فإذا أثبت أنه بسبب الغياب أو استحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة اقتصرت العقوبة على الغرامة المبينة فى المواد من (50) إلى (56) من هذا المرسوم بقانون”. وكانت المادة (15) من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بالتسعير الجبرى وتحديد الأرباح تنص على أن “يكون صاحب المحل مسئولاً مع مديره أو القائم على إدارته عن كل ما يقع فى المحل من مخالفات لأحكام هذا المرسوم بقانون ويعاقب بالعقوبات المقررة لها. فإذا ثبت أنه بسبب الغياب أو إستحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة اقتصرت العقوبة على الغرامة المبينة فى المادتين (9)، (13)”.

وقد حاول جانب من الفقه تأسيس النصوص سالفة الذكر على المسئولية الناجمة عن امتناع أحد الأشخاص الذين يكلفهم القانون بواجب مراقبة سلوك آخر عن القيام بهذا الواجب مما يؤدى إلى وقوع الجريمة ، وأنها بذلك تعد جريمة مستقلة عن جريمة التابع([17]) ، ويستوى فى ذلك أن يكون هذا الامتناع عمدياً أم بطريق الإهمال([18]).

وكنا قد ذهبنا فى دراسة سابقة([19]) إلى أن هذا الاتجاه فى الفقه وإن حاول أن يؤسس المسئولية على الإخلال بواجب المراقبة ، إلا أن النصوص سالفة الذكر–مع ذلك- لا تساعده على هذا التفسير : ذلك أن هذه النصوص تقرر مسئولية صاحب العمل حتى ولو أثبت أنه لم يهمل فى واجب الإشراف أو المراقبة وأنه قام به كاملاً ؛ بل أن هذه النصوص أوجبت الحكم بالغرامة على الرغم من ثبوت استحالة المراقبة ، وهو ما يعنى أن التجريم فى هذه الحالة لم يتناول فعلاً محدداً ، مما يجعل هذه النصوص فى تقديرنا غير دستورية.وقد أخذت المحكمة الدستورية العليا بهذه الوجهة فقضت بعدم دستورية النصين سالفى الذكر تأسيساً على أن الشارع عاقب صاحب المحل بعقوبة الغرامة رغم ثبوت إنه بسبب غيابه أو استحالة مراقبته لم يتمكن من منع وقوع المخالفة، مفترضاً بذلك علمه بوقوع المخالفة ومسئوليته عنها لمجرد كونه مالكاً للمحل والترخيص صادر باسمه، ومن ثم فقد أقام الشارع قرينة تحكمية غير مرتكزة على أسس موضوعية، ذلك أن الواقعة البديلة التى اختارها لا ترشح فى الأعم الأغلب من الأحوال لاعتبار واقعة العلم بالمخالفة ثابتة بحكم القانون ولا تربطها بالتالى علاقة منطقية بها، بل أن الثابت – وفقاً للنص – هو الاستحالة، ومن ثم فإن عمل المشرع هذا يُعد جزاءً جنائياًَ حدد اعتسافاً عن مخالفة لتكليف بمستحيل([20]).

– هل تقر المحكمة الدستورية العليا مبدأ المسئولية المادية؟:

لم تقض المحكمة الدستورية العليا فى أى من أحكامها بدستورية نص يقرر قيام المسئولية الجنائية الموضوعية ، أى المسئولية الجنائية التى تقوم على افتراض الخطأ ، وإنما اتجهت المحكمة إلى عدم دستورية النصوص التى تقيم المسئولية الافتراضية عن فعل الغير. ولكن المحكمة سطرت فى أسباب بعض أحكامها التى قضت فيها بعدم دستورية هذه النصوصما قد يدل على أنها لا تجد فى هذا النوعمن المسئولية المادية تعارضاً مع الدستور. فقد قالت “إن الأصل فى الجرائم أنها تعكس تكوينا مركباً … ليكون القصد الجنائى ركناً معنوياً فى الجريمة مكملا لركنها المادى … وهذا الأصلـ وإن ظل محوراً للتجريم إلا أن المشرع عمد أحياناً- من خلال بعض اللوائح ـ إلى تقرير جرائم عن أفعال لا يتصل بها قصد جنائى باعتبار أن الاثم ليس كامناً فيها ولا تدل بذاتها على ميل إلى الشر والعدوان ولا يختل بها قدر مرتكبها أو اعتباره ؛ وإنما ضبطها المشرع تحديداً لمجراها ، وحدا من مخاطرها وأخرجها بذلك عن مشروعيتها وهى الأصل ـ وجعل عقوبتها متوازية مع طبيعتها فلا يكون أمرها غلوا من خلال تغليظها بل هيناً فى الأعم” . وقد تتبعت المحكمة ظهور اتجاه التجريم المستند إلى المسئولية المادية فقالت ” قد بدا هذا الاتجاه متصاعدا إثر الثورة الصناعية التى تزايد معها عدد العمال المعرضين لمخاطر أدواتها وآلاتها ومصادر الطاقة التى تحركها. واقترن ذلك بتعدد وسائل النقل وتباين قوتها وبتكدس المدن وازدحام أحيائها وبغلبة نواحى الاخلال بالصحة العامة وبوجه خاص من خلال الاتصال بالمواد الغذائية سواء عند إنتاجها أو توزيعها وتداولها أو بمراعاة نوعيتها وكان لازماً بالتالى ـ ولمواجهة تلك المخاطر ـ أن يفرض المشرع على المسئولين عن إدارة الصناعة أو التجارة وغيرهم ، قيوداً كثيرة غايتها أن ينتهج المخاطبون بها سلوكاً قويماً موحداً ببذل العناية التى يتوقعها المشرع من أوساطهم ، ليكون النكول عنها وبغض النظر عن نواياهم ـ دالاً على تراخى يقظتهم ومستوجباً عقابهم . غير أن تقرير هذا النوع من الجرائم فى ذلك المجال ظل مرتبطا بطبيعتها ونوعيتها ومنحصراً فى الحدود الضيقة التى تقوم فيها علاقة مسئولية بين من يرتكبها وخطر عام لتكون أوثق اتصالاً برخاء المواطنين وصحتهم وسلامتهم فى مجموعهم وبإهمال من قارفها لنوع الرعاية التى تطلبها المشرع منه كلما باشر نشاطا معيناً وكذلك إذا أعرض عن القيام بعمل ألقاه عليه باعتباره واجباً وبمراعاة أن ما توخاه المشرع من إنشائها ، هو الحد من مخاطر بذواتها بتقليل فرص وقوعها وإنماء القدرة على السيطرة عليها والتحوط لدرئها”([21]).

وأضافت المحكمة فى حكم آخر مقررة ذات المبدأ أنه “لا يجوز بالتالى أن يكون إيقاع العقوبة المقررة لها معلقاً على النوايا المقصودة من الفعل ولا على تبصر النتيجة الضارة التى أحدثها ذلك أن الخوض فى هذين الأمرين يعطل أغراض التجريم ولأن المتهم ـ ولو لم يكن قد اراد الفعل كان بإستطاعته أن يتوقاه لو بذل جهداً معقولاً وفقاً للمقاييس الموضوعية عما يكون متوقعاً من الشخص المعتاد وغدا منطقياً بالتالى أن يتحمل الأضرار التى أنتجها ، وأن يكون مسئولاً عنها حتى ما وقع منها بصفة عرضية أو مجاوزاً تقديره ولازم ما تقدم أن هذا النوع من الجرائم ـ وتلك هى خصائصها ـ يعد استثناء من الأصل فى جرائم القانون العام التى لا تكتمل مقوماتها الا باعتبار أن القصد الجنائى ركن فيها . ذلك أن هذه الجرائم لها من الخصائص ما يشين مرتكبها ويتعين أن يكون قوامها تدخلاً إيجابياً مقترناً بالارادة الواعية التى تعطى العمل دلالته الإجرامية وبها يكون العدوان فى الأعم واقعاً على حقوق الافراد أو حرياتهم أو ممتلكاتهم أو حياتهم أو آدابهم”([22]).

– تقدير وجهة المحكمة الدستورية العليا فى تقرير المسئولية المادية:

فى تقديرنا أن ما سطرته المحكمة الدستورية العليا فى بعض أحكامها من استطراد قررت فيه جواز أن يكون التجريم مجرداً من ركن معنوى هى وجهة محل نظر وتخالف أصول التجريم ، فضلاً عن مخالفتها لأحكام الدستور وللمبادئ التى أرستها المحكمة ذاتها فى المسئولية.

فمن ناحية فإن المحكمة ربطت المسئولية المادية بالتجريم اللائحى ، وهو ربط لا محل له ، لأن نظرية التجريم من حيث طبيعة الركن المادى أو المعنوى تسرى على كافة نصوص التجريم ، أياً كان مصدر هذا التجريم.

ومن ناحية ثانية فإن المحكمة استندت لتبرير وجود هذا النوع من المسئولية إلى أنها تتقرر فى الجرائم التى “لا تدل على ميل إلى الشر أو العدوان ولا تختل بها قدر مرتكبها” وهذا التبرير فى تقديرنا محل نظر ، ففكرة التجريم تستند إلى مساس الفعل المجرم بحق أو مصلحة رأى الشارع جدارتها بالحماية ، ولا تستند إلى الميل إلى الشر والعدوان فى ذاته ، وإذا أخذنا بوجهة المحكمة فى ذلك ، فإن الكثير من الجرائم قد لا تكشف عن وجود مثل هذا الشر والعدوان ، ورغم ذلك ، فهى تتطلب توافر الركن المعنوى سواء اتخذ صورة القصد أم الخطأ. والكثير من هذه الجرائم لا يبدو أنها تنتقص إلى حد كبير من قدر مرتكبها ، دون أن يؤثر ذلك فى وجوب توافر الصلة النفسية بها. والمحكمة بذلك قد خالفت منهجها ، فالنصوص التى كانت تأخذ بالمسئولية المفترضة والتى قضت بعدم دستوريتها تتعلق بجرائم لا تنطوى على ميل للشر أو تتضمن الإقلال من قدر مرتكبها ، وعلى الرغم من ذلك قضت بعدم دستورية هذه النصوص.

ويؤخذ على ما أوردته المحكمة أنها ربطت المسئولية المادية بالجرائم التى تنال من رخاء وصحة وسلامة المواطنين ، وهى عبارات لا يمكن أن تقيم معياراً يمكن بمقتضاه الوقوف على الحدود التى يجوز تقرير هذه المسئولية الاستثنائية فيها ؛ بل إنه ليس من قبيل التجاوز القول بأن أغلب نصوص التجريم تتصل بشكل أو بآخر برخاء وصحة وسلامة الفرد فى المجتمع.

ويؤخذ على منهج المحكمة كذلك أنها أقرت نوعاً استثنائياً من المسئولية يمثل شذوذاً فى نظرية التجريم ، ويخالف المبادئ التى حرصت المحكمة على إرسائها ، إذ أن قوام هذه المسئولية أن يكون الشخص مسئولاً عن مجرد ارتكاب فعل ، دون أن يتوافر لديه الإثم الذى يربط بينه وبين هذا الفعل ، وهو ما يهدر اعتبارات العدالة والأسس التى يقوم عليها القانون الجنائى.

وقد أدى منهج المحكمة سالف الذكر إلى قولها صراحة أن من شأن تطلب الركن المعنوى فى هذا النوع من الجرائم أن يعطل أغراض التجريم ، وأن سند مسئوليته عن الفعل الضار الذى ارتكبه هو أنه كان باستطاعته توقى ارتكابه. وما قالته المحكمة فى ذلك يمكن أن يقبل فى تقرير المسئولية المدنية ، أما المسئولية الجنائية فهى تنهض على حقائق ولا تركن إلى افتراضات. ومن ناحية ثانية فإن أغراض التجريم تتطلب أيضاً أن تكون إرادة الجانى آثمة ، لأنه يتنافى مع هذه الأغراض أن يؤخذ المرء لمجرد ارتكابه فعلاً مادياً تجرد من الإثم ، لأن هذا الإثم هو محل لوم القانون.

ويؤخذ على وجهة المحكمة فى تقديرنا أنها خلطت بين تطلب الركن المعنوى وبين إثباته: فالتخفف فى إثبات الركن المعنوى فى الجرائم التى أشارت إليها المحكمة لا يعنى أن الركن المعنوى فيها غير متوافر ؛ بل يعنى أن الفعل المادى الذى ارتكبه الجانى فيه ما يدل على توافر العناصر المعنوية ؛ غير أنه يجوز له أن يثبت انتفاء هذه العناصر لديه.

ويؤخذ على وجهة المحكمة كذلك أنها خالفت اتجاه القضاء الجنائى المستقر على أنه لا جريمة بغير ركن معنوى ، سواء أكانت صورة هذا الركن هى العمد أم الخطأ.

ثالثاً: ضوابط تقرير التضامن فى المسئولية الجنائية

1- دستورية تقرير التضامن فى المسئولية الجنائية عند العلم بالغرض الإجرامى:

يثور التساؤل عن مدى دستورية النصوص التى تقرر مسئولية الفاعلين والشركاء عن الجرائم التى ترتكب بمناسبة مساهمتهم ، وقد عرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا بمناسبة الدفع بعدم دستورية النص الذى يجرم التجمهر والذى ينص على أنه “إذا وقعت جريمة بقصد تنفيذ الغرض المقصود من التجمهر فجميع الأشخاص الذين يتألف منهم التجمهر وقت إرتكاب هذه الجريمة يتحملون مسئوليتها جنائياً بصفتهم شركاء إذا ثبت علمهم بالغرض المذكور”([23]). وكان وجه الطعن أن بعض المساهمين فى هذا التجمهر لم يعلم بقصد غيره من المتجمهرين فى ارتكاب جريمة أخرى ، كما أن إرادته لم تتجه إليها ، وأن هذا الافتراض يخالف أصول التجريم والعقاب وقرينة البراءة. غير أن المحكمة الدستورية العليا رفضت هذا الطعن قائلة “بأن المادتين الثانية و الثالثة من القانون رقم 10 لسنة 1914 فى شأن التجمهر حددتا شروط قيام التجمهر قانوناً فى أن يكون مؤلفاً من خمسة أشخاص على الأقل ، و أن يكون الغرض منه ارتكاب جريمة أو منع أو تعطيل تنفيذ القوانين أو اللوائح أو التأثير على السلطات فى أعمالها أو حرمان شخص من حرية العمل باستعمال القوة أو التهديد بإستعمالها. ومناط العقاب على التجمهر وشرط تضامن المتجمهرين فى المسئولية عن الجرائم التى تقع تنفيذاً للغرض منه ، هو ثبوت علمهم بهذا الغرض ، و أن تكون نية الإعتداء قد جمعتهم و ظلت تصاحبهم حتى نفذوا غرضهم المذكور ، و أن تكون الجرائم التى إرتكبت قد وقعت نتيجة نشاط إجرامى من طبيعة واحدة ولم تكن جرائم إستقل بها أحد المتجمهرين لحسابه دون أن يؤدى إليها السير العادى للأمور ، و قد وقعت جميعها حال التجمهر. وبذلك يكون المشرع قد جعل من توافر أركان جريمة التجمهر على الوجه المعرفة به قانوناً، أمراً تتحقق به صورة المساهمة فى الجرائم التى يرتكبها أحد المتجمهرين جاعلاً معيار المسئولية و تحمل العقوبةهو العلم بالغرض من التجمهر ، واتجاه الإرادة إلى تحقيق هذا الغرض ، وكل ذلك باعتبار أن الأصل فى الشريك أنه شريك فى الجريمة و ليس شريكاً مع فاعلها ، يستمد صفته هذه من فعل الاشتراك ذاته المؤثم قانوناً ، والنصوص المطعون عليها قد أنزلت العقوبة على مرتكب الفعل المؤثم و هو فعل المساهمة فى جريمة جنائية و ليس غيره ، وما دامت أركان الجريمة قد توافرت فى حق أى شخص فهو مرتكب لها ، ومن ثم فإن المشرع لم يخرج عن القواعد العامة فى التجريم و العقاب بل التزم بمبدأ شخصية العقوبة الذى تبدو أهم سماته فى ألا يؤخذ بجريرة الجريمة إلا جناتها([24]).

2- الامتناع عن تصحيح أو إزالة أعمال البناء المخالفة:

يجرم الشارع إقامة أعمال البناء بغير ترخيص ، كما ينص على اعتبار الامتناع عن إزالتها أو تصحيحها فعلاً مجرماً ، وقد فرض الشارع غرامة يومية تبدأ من تاريخ الامتناع عن تنفيذ القرار أو الحكم النهائى الصادر بالإزالة أو التصحيح أو الاستكمال ، كما رتب الشارع تقرير مسئولية الخلف العام أو الخاص عن تنفيذ ما سلف تبدأ من تاريخ انتقال الملكية (المادة 24 من من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء رقم 106 لسنة 1976) ؛ غير أن الشارع عدل فى قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 بدء سريان هذه المدة لتكون من تاريخ الإعلان بالحكم أو بالقرار([25]) . وقد طعن فى ظل القانون السابق فى تجريم الامتناع عن إزالة أو تصحيح الأعمال المخالفة بعدم دستوريته وكان من بين أوجه الطعنأن حكم هذه المادة يمتد فى حق الخلف العام والخاص وهما غير مسئولين عن الجريمة. غير أن المحكمة الدستورية العليا قضت بأن جريمة إحداث أعمال معيبة تستقل بأركانها عن جريمة الامتناع عن إزالتها أو تصحيحها. فبينما تستنفذ الجريمة الأولى موضوعها بعد تدخل الجانى إيجابياً ليقيم هذه الأعمال ، فإن ثانيتهما تفترض أن يكون الامتناع عن إزالتها أو تصحيحها -بعد إحداثها-نشاطاً سلبياً قصد به الجانى أن يبقيها على حالها دون تغيير ، وأن استقلال هاتين الجريمتين عن بعضهما البعض مؤداه أن لكل منهما مقوماتها ، ولا يعتبر الفصل فى أيتهما -بالتالى-قضاء فى ثانيتهما([26]). ووجهة المحكمة فى القضاء بدستورية هذا التجريم يستند إلى المسئولية الجنائية المباشرة للخلف العام ، وليس لمسئوليته عن فعل مورثه.

المبحث الثانى
الضوابط الدستورية للركن المعنوى

– تمهيد:

نتناول فيما يلى الضوابط التى أرستها المحكمة الدستورية فى النص على الركن المعنوى ، وأهمها عدم جواز افتراض العلم بالوقائع التى يقوم عليها القصد ووجوب استطاعة علم الجانى بعناصر الفعل المادى.

أولا: عدم جواز افتراض علم الجانى بالوقائع:

القاعدة هى أنه يجب انصراف علم الجانى إلى كافة الوقائع والعناصر التى تقوم عليها الجريمة ، وأنه إذا ثبت غلطه أو جهله بها ، كان ذلك مؤدياً إلى انتفاء القصد الجنائى. غير أن الشارع قد افترض فى بعض الأحيان توافر علم الجانى بوقائع معينة. وعلة هذه القاعدة أن عدم انصراف علم الجانى وإرادته للماديات يفقده السيطرة على هذه الماديات ، ويجردها من الصلة النفسية التى يجب أن تتوافر بينها وبين الجانى ، كما أنها تجعله مسئولاً عن أفعال لم يحط بها علماً ولم تتجه إليها إرادته.وتطبيق هذه القاعدة يوجب على المحكمة أن تتحقق بنفسها من توافر علم المتهم فى كل واقعة تقوم عليها الجريمة وأن يكون هذا العلم يقيناً لا ظنياً أو افتراضياً. وإذا كان ذلك التحقق من واجبات المحكمة ، فإن تدخل الشارع بالنص على قرائن يفترض بها هذا العلم يعد تدخلاً منه فى اختصاص السلطة القضائية وغلاً ليد المحكمة عن القيام بمهمتها الأصلية فى مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التى عينها المشرع إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية. ومن جهة أخرى فإن قاعدة عدم جواز افتراض العلم تجد سندها كذلك من تطبيق أصل إن افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه ، إذ يقترن ذلك بتخويله الحق فى الدفاع ومواجهة الأدلة التى قدمتها سلطة الاتهام إثباتاً للجريمة ، والحق فى دحضها بأدلة النفى التى يقدمها ، ومن شأن افتراض العلم أن يخل بأصول الإثبات الجنائى وهو ما يهدر قاعدة المحاكمة المنصفة ، ويتضمن كذلك إخلالاً بحق الدفاع ويناقض افتراض البراءة([27]). وتتصل قاعدة عدم افتراض العلم كذلك بما يجب أن تكون عليه النصوص العقابية من وضوح ويقين ، وإلا أدى ذلك إلى المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم([28])

– قاعدة عدم افتراض العلم فى قضاء المحكمة الدستورية العليا:

استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على إن تحديد الفعل المادى المجرم لا يلجأ فيه إلى الافتراضات ، فلا يصح الاستدلال على وقوعه من فعل مادى آخر لا يقطع بوقوعه.

1- افتراض العلم بالتهريب من مجرد عدم تقديم المستندات الدالة على سداد الضريبة الجمركية: كانت الفقرة الثانية من المادة 121 من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 المضافة بالقانون رقم 75 لسنة 1980 فيما تضمنته من إقامة قرينة قانونية افترضت بها العلم بالتهريب فى حق الحائز للبضائع والسلع الأجنبية بقصد الاتجار إذا لم يقدم المستندات الدالة على سداد الضرائب الجمركية المقررة عليها. وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذا النص تأسيساً على أن الشارع قد أحل واقعة عدم تقديم الحائز المذكور لتلك المستندات محل واقعة علمه بتهريب البضائع التى يحوزها بقصد الاتجار فيها. وأن النيابة العامة يجب عليها إثبات واقعة العلم بالتهريب فى إطار التزامها الأصيل بإقامة الأدلة المؤيدة لقيام كل ركن يتصل ببنيان الجريمة ، ويعتبر من عناصرها ، بما فى ذلك القصد الجنائى العام ممثلاً فى إرادة الفعل مع العلم بالوقائع التى تعطيه دلالته الإجرامية. وقد استندت المحكمة كذلك إلى أن القرينة القانونية التى أقامها الشارع لا تعتبر من القرائن القاطعة ، إذ الأصل فى القرائن القانونية بوجه عام هو جواز إثبات عكسها([29]).

2- افتراض العلم بالتجريف من مجرد حيازة الأتربة المتحصلة منه:

كانت الفقرة الثالثة من المادة 154 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 تنص على أنه: ويعتبر مخالفاً فى تطبيق هذا الحكم كل من يملك أو يحوز أو يشترى أو يبيع أتربة متخلفة عن تجريف الأرضى الزراعية أو ينزل عنها بأية صفة أو يتدخل بصفته وسيطاً فى شىء من ذلك ويستعملها فى أى غرض من الأغراض إلا إذا أثبت أن التجريف كان صادراً طبقاً لأحكام المادة 150 من هذا القانون والقرارات التى تصدر تنفيذاً لأحكامه”. وقد طعن على هذا النص بعدم دستوريته لمخالفته أصول التجريم ، فقضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذا النص تأسيساً على أن “المشرع افترض علم المساهمين فى التجريف بالوقائع التى أثمها، وأنهم أحاطوا بدلالتها الإجرامية، واتجاه إرادتهم – فوق هذا – إلى العدوان على حق يحميه القانون. وهو افتراض اعتبره المشرع قائما بالنسبة إلى المخاطبين بالفقرة الثالثة جميعهم، وفى كل أحوالهم، وأيا كان القصد الجنائى لأيهم، وهو ما يعنى عقابهم ولو كانوا لا يعلمون حقا بأن الأتربة التى اتصلوا بها – وفقا لحكم هذه الفقرة – ناجمة عن أرض زراعية جرى تجريفها لغير الأغراض التى تتعلق بتحسينها وصونها، معفيا النيابة العامة بذلك من واجبها فى إثبات هذا العلم، ناقلا عبء نفيه إلى المتهم مناقضا بذلك القواعد التى تقوم عليها المحاكمة المنصفة، وأن النص المطعون فيه افترض توافر القصد الجنائى فى شأن الحائز لأتربة أرض زراعية متخلفة عن تجريفها ، حال أن هذا القصد يعتبر أحد أركان هذه الجريمة ، التى تلتزم النيابة العامة بإثباتها فى كل مكوناتها ؛ وكان هذا الافتراض يناقض أصل البراءة، ويجرده من محتواه عملا، وينقل إلى المتهم عبء نفيه على خلاف الأصل، إخلالا بالحرية الشخصية، وبضمانة الدفاع التى لايجوز فى غيبتها تحقيق الواقعة محل الاتهام الجنائى أو إدانة المتهم عنها” ([30]).

3- افتراض العلم بعدم صلاحية اللحوم المذبوحة خارج الأماكن المقررة:

كانت الفقرة الثانية من المادة 25 من قرار وزير الزراعة رقم 517 لسنه 1986 ، تنص على أن تعتبر أجزاء الذبائح غير المختومة بالخاتم الرسمى ، والمعروضة للبيع، غير صالحة لاستهلاكها آدميا. فقضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذا النص على سند من القول أن ما نص عليه الشارع يكون منسحبا إلى أمرين،أولهما: أن اللحوم المعروضة للبيع تعتبر فاسدة لمجرد عدم ختمها بالخاتم الرسمي لأحد المجازر العامة ،وثانيهما هى إن عارضها يعلم بفسادها، بما مؤداه أن القرينة القانونية التي تضمنها النص المطعون فيه، لا تقوم على مجرد افتراض القصد الجنائي، بل تجاوز ذلك إلى افتراض مادية الأفعال التي تتكون الجريمة منها الجريمة محل الاتهام من الجرائم العمدية، التي يتعين أن يكون الدليل على توافر عناصرها جميعها يقينيا لا ظنيا، أو افتراضيا ([31]).

4- افتراض العلم بالغش: كانت المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش – المشار إليه – كانت تنص – قبل تعديلها بالقانون رقم 281 لسنة 1994 – علي أن: “يعاقب بالحبس .. وبغرامة لا تقل عن ….: 1) من غش أو شرع في أن يغش شيئاً من أغذية الإنسان …، مع علمه بذلك. ويفترض العلم بالغش أو الفساد إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة، أو من الباعة الجائلين، ما لم يثبت حسن نيته، ومصدر الأشياء موضوع الجريمة”. وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذا النص تأسيساً على أن الشارع قد أحل قرينة توافر صفة معينه فى المتهم، محل واقعة علمه بغش أو فساد ما يعرضه من أغذية، منشئاً بذلك قرينة قانونية يكون ثبوت الواقعة البديلة بموجبها، دليلا على ثبوت واقعة العلم بغش أو فساد السلعة، والتي كان ينبغي أن تتولى النيابة العامة بنفسها مسئولية إثباتها فى إطار التزامها الأصيل بإقامة الأدلة المؤيدة لإسناد الجريمة بكامل أركانها إلى المتهم، وبوجه خاص ” القصد الجنائى العام ” ممثلا فى إرادة إتيان الفعل، مع العلم بالوقائع التي تعطيه دلالته الإجرامية([32]).

– ضوابط القرينة القانونية الدالة على العلم:

قد يقيم الشارع فى بعض الأحيان قرينة قانونية على توافر العلم لدى الجانى بواقعة أو صفة معينة ، وفى هذه الحالة يقع عبء نفى هذه القرينة على عاتق المتهم. غير أن النص على الوقائع التى تشكل هذه القرائن ليس مطقاً بغير قيد ؛ وإنما يلتزم الشارع فى اختياره القرينة ونصه عليها ضوابط معينة حتى يفى نص التجريم بالقواعد الأصولية التى تجعل علم الجانى محيطاً بالوقائع الضرورية التى يقوم عليها الركن المادى فى الجريمة ، وفى الوقت ذاته يسمح للجانى بإثبات عكس هذه القرينة ، ويجب ألا تكون هذه القرينة تحكمية ، وضابط ذلك أن يكون من شأن هذه القرينة أن تؤدى عقلاً إلى القول بتوافر هذا العلم. وقد اعتبرت المحكمة الدستورية العليا أن القرينة تكون تحكمية ، إذا كانت قاطعة لا يسمح للمتهم إثبات عكسها ، أو كانت الواقعة التى تفترضها لا تؤدى عقلاً للقول بتوافر العلم. فقد قضت بأن “الأصل فى القرائن القانونية قاطعة كانت أو غير قاطعة – هى أنها من عمل المشرع وهو لا يقيمها تحكماً أو إملاء ، وإنما يجب أن تصاغ القرينة وأن يتحدد مضمونها على ضوء ما يقع غالباً فى الحياة العملية”([33]). ومن القرائن التحكمية التى قضت المحكمة بعدم دستورية النصوص التى تقررها: افتراض علم الحائز بحقيقة أن البضائع الأجنبية التى يحوزها للاتجار فيها مهربة إذ اعتبرت المحكمة أن القرينة القانونية التى تضمنها النص التشريعى المطعون عليه لا تستوفى شروط القرينة الدالة على العلم ، إذ أنها تتعلق ببضائع أجنبية يجرى التعامل فيها بعد خروجها من الدائرة الجمركية ، وهو تعامل لا ينحصر فيمن قام باستيرادها ابتداء ، وإنما تتداولها أيد عديدة شراءً وبيعاً إلى أن تصل إلى حائزها الأخير ، وفى كل ذلك يتم التعامل فيها بافتراض سبق الوفاء بالضريبة الجمركية المستحقة عنها ترتيباً على تجاوزها الدائرة الجمركية التى ترصد فى محيطها البضائع الواردة وتقدر ضرائبها وتتم إجراءاتها باعتبار أن ذلك هو الأصل فيها وأن تهريبها لا يكون إلا بدليل تقدمه الإدارة الجمركية ذاتها([34]). ومن الأمثلة كذلك ما سبق الإشارة إليه من قضاء المحكمة بعدم دستورية القرينة التى تفترض فساد الذبائح من مجرد عدم ذبحها فى الأماكن المقررة ، ومن عدم دستورية اعتبار الحائز للأتربة قرينة على علمه بالتجريف.

ثانياً: افتراض إحاطة علم الجانى بالأفعال المادية خلافاً للواقع يجعل النص غير دستورى:

القاعدة العامة هى وجوب انصراف علم الجانى إلى كل واقعة يقوم عليها بنيان الجريمة ، فهو علم بأركان الجريمة وعناصرها. ويدق الأمر فى جرائم الامتناع سواء العمدية أو غير العمدية فى أثر اتساع الواجب الملقى على المتهم ، إذ يترتب على هذا الاتساع وجوب أن يحيط علمه وإرادته بكافة العناصر المادية التى ينصرف إليها هذا الواجب ، وهو ما يتعذر على الجانى من الناحية الفعلية ، فما أثر ذلك على دستورية النص؟.

عرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا بمناسبة الطعن فى المادة 195 من قانون العقوبات سالفة الذكر والتى كان الشارع ينص فيها على معاقبة رئيس تحرير الجريدة أو المحرر المسئول عن قسمها الذى حصل فيه النشر إذا لم يكن ثمة رئيس تحرير ، بصفته فاعلاً أصلياً للجرائم التى ترتكب بواسطة صحيفته. والذى يعنينا هنا ما سطرته المحكمة كسبب للقضاء بعدم دستورية هذا النص ، إذا أسست حكمها على أنه “لا يتصور فى جريدة تتعدد صفحاتها وتتزاحم مقالاتها ، وتتعدد مقاصدها ان يكون رئيس التحرير محيطاً بها جميعاً نافذاً إلى محتوياتها ممحصاً بعين ثاقبة كل جزئياتها ولا أن يزن كل عبارة تضمنتها بافتراض سوء نية من كتبها ، ولا أن يقيسها وفق ضوابط قانونية قد يدق الأمر بشأنه فلا تتحد تطبيقاتها. وأن رئيس التحرير وقد أذن بالنشر لا يكون قد أتى عملاً مكوناً لجريمة يكون به فاعلاً مع غيره ؛ ذلك أن الشخص لا يعتبر فاعلاً للجريمة إلا من خلال أعمال باشرها تتصل بها ، وتعتبر تنفيذاً لها” ([35]).

ومفاد هذا القضاء أنه يشترط لتجريم الإخلال بواجب الإشراف والرقابة أن يكون بمقدور المكلف بهذا الواجب القيام به ، أما اتساع نطاق هذا الواجب وتراميه على نحو يؤدى إلى تعذر القيام به فلا يصلح أساساً لتقرير المسئولية الجنائية عند الإخلال به. وفى تقديرنا أن المحكمة الدستورية العليا لم تستبعد بقضائها سالف الذكر إمكان تجريم فعل رئيس التحرير ولكن النص على التجريم فى هذه الحالة يجب أن يكون بمراعاة الضوابط التى أقرتها المحكمة فيجب أن يكون الواجب الذى ينسب إلى المسئول عن النشر الإخلال به محدداً ، وأن يكون بمقدوره الإحاطة بالواجب المكلف به والوقوف على ما ينشر فى القسم الذى يرأسه. وسوف نرى فيما بعد تقدير خطة الشارع فى إعادة تجريم فعل رئيس التحرير بالقانون رقم 147 لسنة 2006 بتعديل قانون العقوبات.

المبحث الثالث
تطبيق الضوابط على نصوص سارية

– تمهيد:

سبق أن تناولنا الضوابط التى استخلصناها من أحكام المحكمة الدستورية العليا ، والتى تضع قيداً على الشارع عند نصه على المسئولية الجنائية أو افتراضه العلم بوقائع معينة. وفيما يلى نحاول تطبيق هذه الضوابط على بعض نصوص التجريم التى أثارت جدلاً ، وصولاً لما إذا كانت هذه النصوص تلتقى وأحكام الدستور ؛ أم أنها تجافيه؟. ويلاحظ أن هذا التطبيق هو عمل فقهى بحت ، ولذلك فهو يحتمل الخطأ والصواب والرد عليه. وفيما يلى نبين أهم هذه النصوص.

أولاً- مسئولية الشريك عن النتيجة المحتملة:

نصت المادة 43 من قانون العقوبات على أن” من اشترك فى جريمة فعليه عقوبتها ، ولو كانت غير التى تعمد ارتكابها متى كانت الجريمة التى وقعت نتيجة محتملة للتحريض أو الاتفاق أو المساعدة التى حصلت”. وتعتبر النتيجة محتملة لأفعال الاشتراك إذا كانت هذه الأفعال تنطوى على خطر إحداث النتيجة وفقاً للمجرى العادى للأمور. ومعيار ذلك هو الشخص المعتاد فى مثل الظروف التى يمر بها الشريك ، أى أنه ليس معياراً موضوعياً خالصاً ؛ وإنما هو معيار من تحيط به هذه الظروف([36]). وقد تبنت محكمة النقض هذا الضابط فقضت بأن “الشريك مفروض عليه قانوناً أن يتوقع كافة النتائج التى يحتمل عقلاً وبحكم المجرى العادى للأمور أن تنتج عن الجريمة التى أراد المساهمة فى ارتكابها”([37]) ، وأن سند هذه المسئولية هى “افتراض أن إرادة الجانى لا بد أن تكون قد توجهت نحو الجرم الأصلى ونتائجه الطبيعية”([38]). وتطبيقاً لذلك اعتبرت المحكمة القتل نتيجة محتملة للسرقة والإتلاف واغتصاب الأنثى ، فالشريك الذى اقتصر دوره على مجرد الاتفاق أو المساعدة أو التحريض فى هذه الجرائم يسأل عن القتل لأنه يجب أن يتوقع مقاومة المجنى عليه للفاعل([39])([40]).

وفى تقديرنا أن هذا النص الذى يقرر مسئولية الشريك عن نتيجة لم تتجه إليه إرادته ، هو نص غير دستورى ، لأنه يقيم الركن المعنوى على محض افتراض هو وجوب توقع علم الشريك بالنتائج المحتملة للفعل الذى اشترك فيه وبالتالى مسئوليته عنه. وهذا الافتراض غير صحيح ، فالقصد الجنائى يقوم على علم بالفعل وإرادة تحقيقه ، ولا مجال للافتراض هذا العلم وتحميل الشريك المسئولية عنه.

ومن ناحية أخرى ، فإنه يبدو أن فكرة القصد الاحتمالى التى حاولت محكمة النقض أن تؤسس هذه المسئولية عليها لا تصمد للنقد: فجوهر هذا القصد أن الفاعل قد توقع النتائج المحتملة لفعله وأنه قبل هذه النتائج ؛ غير أنه يتعذر القول بأن الشريك الذى يقتصر دوره على إمداد الفاعل بأداة لفتح باب المسكن على علم بقتل صاحب المسكن وأنه يقبل هذه النتيجة وأنه يعد مسئولاً لذلك. ومثل هذا الافتراض ينال من تأسيس القصد الجنائى على علم يقينى فى نفس الجانى وإرادة إجرامية جازمة لارتكاب الفعل. ومن جهة أخرى ، فإنه إذا كان جوهر الركن المعنوى هو الإرادة الآثمة لدى الجانى ، وهذه الإرادة هى التى تبرر مسئولية الجانى عن جريمته ، فإنه من المشكوك فيه القول بتوافر هذه الإرادة الآثمة لدى الشريك بالنسبة للجريمة المحتملة.

وأخيراً فإن فكرة الاحتمال ، وإن كانت فكرة قانونية لها تطبيقاتها فى فروع القانون المختلفة ، ومن بينها قانون العقوبات والمجال الأوسع لها فى نطاق الجرائم غير العمدية ، ففيها يتوقع الجانى نتيجة فعله أو أن يكون باستطاعته هذا التوقع ، غير أنه لا يقبل بهذه النتيجة([41]). وهذه الفكرة وإن جاز الأخذ بها فى الجرائم غير العمدية ؛ إلا أنه لا يمكن قبولها فى الجرائم العمدية لسببين:الأول أن الفعل المرتكب فى حالة الشريك هو فعل الغير ، وليس فعل الجانى نفسه ، ومن ثم يكون هذا نوع من تقرير المسئولية عن عمل الغير ، بخلاف الجريمة غير العمدية.والثانى أنه إذا كانت الجريمة غير العمدية والقصد الاحتمالى يشتركان فى توقع النتيجة ؛ إلا أن الجانى فى جرائم الخطأ لا يقبل حدوث النتيجة ، بل هو يرفضها ولا يريد وقوعها ؛ بخلاف القصد الاحتمالى الذى يرحب فيه الجانى بحدوث النتيجة أو لا يعبأ بها. والسؤال هل يتوافر هذا القبول لدى الشريك فى الجريمة المحتملة؟ ، فى الحقيقة فإن النص لا يتطلب ثبوت هذا القبول ، وإنما أقام الشارع افتراضاً قد يجافى الحقيقة بأن هذا الشريك عليه أن يتحمل كل ما يمكن أن يأتيه الفاعل متى كان ذلك محتملاً لفعله ، وهى قرينة تحكمية تستعصى على التبرير. وخطة الشارع تجعل هناك تفويضاً دائماً من الشريك للفاعل بأنه يوافق على كل ما يقوم به إذا كان محتملاً لفعله. بل إن حظ الشريك فى المسئولية الجنائية رهين بما يأتيه الفاعل من جرائم ، ويعنى ذلك أن المسئولية عن النتيجة المحتملة قد أصبحت ترتكن إلى عناصر تحكمية ترجع لشخص الفاعل ومزاجه ورغبته ، دون أن يكون لهذه الجرائم صدى فى نفس الشريك حتى يكون مسئولاً عنها.

ويلاحظ أن ما يعتبر محتملاً أو غير محتمل للجريمة ، هى مسألة قد تختلف فيها الآراء والوجهات ، وهو ما أدى إلى تدخل محكمة النقض فى الحالات التى ثار فيها هذا الخلاف ، والنتيجة التى تستخلص من هذا أنه إذا كان ما يعتبر جريمة محتملة هو أمر غير يقينى يمكن أن تتفاوت فيه الآراء ، وقد لا يمكن معرفته إلا بعد ارتكاب الفعل ، فهل يكون من الملائم رغم ذلك افتراض مسئولية الشريك عن جريمة قد لا يقطع وقت ارتكابها بأنها محتملة للجريمة التى اشترك فيها.

نخلص مما تقدم إلى أن نص المادة 43 من قانون العقوبات الذى يقرر مسئولية الشريك عن النتيجة المحتملة هو نص يتنافى مع أحكام الدستور ومع أصول التجريم ، ويحتاج إلى تقييده تقييداً يكفل أن ينصرف علم الشريك وإرادته إلى النتيجة المحتملة ، لا أن يرتكز هذا القصد على افتراض قد يجافى الواقع ويبعد عن الحقيقة ويسوده التحكم.

ثانياً : الركن المعنوى فى جرائم الإرهاب

أهمية الركن المعنوى فى جرائم الإرهاب: ترجع أهمية الركن المعنوى فى جرائم الإرهاب فى أن هذه الجرائم تشترك مع فى مادياتها مع جرائم أخرى عادية منصوص على تجريمها فى قانون العقوبات أو فى قوانين أخرى خاصة ، ولذلك فإن الركن المعنوى هو المعيار الذى يميز بين جرائم الإرهاب بالمعنى الدقيق ، عن غيرها من جرائم ، ويترتب على اعتبار الجريمة من جرائم الإرهاب أنها تستقل بأحكام خاصة من الوجهتين الموضوعية والإجرائية. وفيما يلى نبين تقدير خطة الشارع لما نص عليه فى المادة 86 وما تلاها من قانون العقوبات من تعريف للإرهاب تطلب فيه توافر قصد جنائياً خاصاً لدى الجانى ، كما نبين خطة الشارع من نصه على القصد الجنائى فى الجرائم التى اعتبرها من جرائم الإرهاب.

– الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة وأمن المجتمع للخطر لا يصلح ضابطاً لتمييز جرائم الإرهاب:

ميز الشارع جرائم الإرهاب بوجوب توافر قصد جنائى خاص فيها هو أن يستهدف الجانى بفعله غاية معينة هى”الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر”، فليس مجرد استعمال القوة أو التهديد يكفى لاعتبارها جريمة إرهاب ، وإنما يجب أن يبتغى الجانى بفعله إحدى هذه الغايات([42]).

وفى تقديرنا فإن خطة الشارع محل نظر من نواح متعددة:

فمن ناحية فإن جوهر القصد الخاص هو أن ينصرف غرض الجانى إلى تحقيق واقعة معينة ، وهذه الواقعة لابد أن تتصف بالتحديد ، ولا يعد الإخلال بالنظام العام وتعريض أمن المجتمع وسلامته للخطر -فى تقديرنا- من الوقائع المحددة التى تصلح أن تشكل قصداً جنائياً خاصاً فى جرائم الإرهاب. ومن ناحية ثانية فإنه من الأصول الدستورية المسلم بها أن أركان الجريمة يجب النص عليها بوضوح وأن تبعد عن الغموض والالتباس. وتعبيرات كالإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع للخطر تتسم بالمرونة والاتساع ؛ بل والغموض وقد تستعصى على التحديد. ففكرة النظام العام هى فكرة نسبية تتغير بتغير الزمان والمكان والفلسفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى تسود فى المجتمع ، ومن ثم فهى فكرة يصعب تحديد مدلولها أو الوقوف على محتواها ، وإذ كان مضمون هذه الفكرة قد أثار خلافاً فى الرأى فى فروع القانون المختلفة ، فإن القانون الجنائى يجب أن ينأى عن استخدام تعبيرات مختلف على تحديدها أو تتصف بالغموض والاتساع ، ولذلك فإن ما نص عليه الشارع لا يصلح فى تقديرنا ضابطاً لتمييز جرائم الإرهاب([43]) ، ويبقى ما نص عليه الشارع فى ذلك موصوماً فى تقديرنا بعيب مخالفة مبدأ الشرعية.

ومن ناحية ثالثة فإن عدم وضوح التعبيرات التى نص الشارع عليها ، سوف يفضى إلى نتيجة مؤداها صعوبة إثبات هذا القصد ، فكيف يمكن الوقوف على أن المتهم قد استهدف بفعله الإخلال بأمن وسلامة المجتمع أو أنه قد أخل بنظامه العام. وما هى القرائن المقبولة على توافر هذا القصد فى هذه الحالة؟ وهل تكفى هذه القرائن لأن تقطع دلالتها فى توافر القصد الخاص فى هذه الحالة؟.

وأخيراً، فإنه يبدو أن خطة الشارع المصرى لا فائدة منها ، فما المبرر الذى يدعو الشارع إلى تطلب استهداف الجانى بفعله الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع للخطر. وإذا كانت الأفعال التى تشكل جرائم إرهابية تتصف فى ذاتها بالجسامة ، فإنه كان من الأوفق ألا يقيد الشارع نص تجريمه بقيود قد يؤدى تعذر إثباتها إلى نقيض مقصود الشارع.

– الإخلال بالنظام العام وسلامة المجتمع وأمنه يتحقق فى كافة الجرائم:

ربط الشارع فكرة الإرهاب بأن يستهدف الجانى من الجرائم التى يرتكبها “الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو أمنه للخطر”. ويرى بعض الفقه أن كل جريمة تخل بالمجتمع ؛ غير أن الجانى فيها لا يستهدف هذا الإخلال لذاته ، ذلك أنه لا يعدو أن يكون دافعاً للجريمة ؛ بخلاف جرائم الإرهاب التى يهدف فيها الجانى الإخلال بالنظام العام وسلامة المجتمع وأمنه لذاتها([44]).

وفى تقديرنا أن ما نص عليه الشارع لا يصلح معياراً لتمييز جرائم الإرهاب ، فكافة الجرائم يستهدف بها الجانى الإخلال بالنظام العام ، كما أنها تؤدى إلى تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر. كما أن هناك الكثير من الأفعال يصعب استخلاص هذا القصد فيها: فقيام المحكوم عليه أو أقربائه بمقاومة السلطات لمنعها من تنفيذ الحكم الصادر ضده ، ينطوى على إخلال بالنظام العام ؛ غير أنه لا يعتبر عملاً إرهابياً. وتخريب وسائل الإنتاج أو الممتلكات العامة أو ما فى حكمها عمداً(المادتان 89 ، 90 من قانون العقوبات) لا يعتبر فى نظر الشارع جريمة من جرائم الإرهاب ، ذلك أنها تخرج عن القسم الأول المخصص للجرائم التى اعتبرها الشارع من جرائم الإرهاب.

2- تعطيل تطبيق الدستور أو تغيير مبادئه الأساسية:

نص الشارع فى تعريفه للإرهاب على أن يكون الغرض من فعل الجانى”تعطيل تطبيق الدستور” (المادة 86 من قانون العقوبات) كما جرم الشارع كذلك تأسيس أو الانضمام إلى تنظيم يهدف إلى الدعوة إلى “تعطيل أحكام الدستور” ، أو “إلى الاعتداء على الحقوق العامة التى كفلها الدستور” (المادة 86 مكرراً) ، وجرم الترويج للمذاهب التى ترمى إلى “تغيير مبادئ الدستور الأساسية”([45]).

وفى تقديرنا أن هذه النصوص التى جرمت تعطيل الدستور أو الترويج لتغيير مبادئه الأساسية هى نصوص مخالفة للدستور ذاته. فالدستور الذى كان سارياً وقت وضع هذه النصوص بالقانون 97 لسنة 1992 وحتى تعديله سنة 2007 كان يتحدث عن أن الاشتراكية القائمة على تحالف قوى الشعب العامل هى نظام الدولة ، وعن أن الاتحاد الاشتراكى العربى هو التنظيم السياسى لتحالف قوى الشعب العاملة ، وأن الشعب هو الذى يسيطر على وسائل الإنتاج ، وعن أن القطاع العام يقود التقدم فى جميع المجالات ويتحمل المسئولية فى خطة التنمية. وإطلاق نصوص التجريم على النحو الذى صاغ به الشارع عباراته يؤدى إلى شمول هذه النصوص لكل من كان ينادى بتغيير النصوص السابقة ، وهو ما يؤدى إلى تهديد جسيم للحقوق والحريات. ويلاحظ أن تأسيس جماعة أو الانضمام إليها يكون غرضها تغيير مبادئ الدستور لا تتطلب فى نظر الشارع استخدام القوة أو العنف (المادة 86 مكرراً سالفة الذكر). وقد اعترض بعض نواب مجلس الشعب أثناء مناقشة القانون 97 لسنة 1992 وطالبوا بحذف عبارة تعطيل الدستور ؛ غيرأن السيد وزير العدل رد على هذا الاقتراح بأن هناك فرقاً بين تعطيل الدستور أو القانون وتغييره ، وأن الدعوة إلى التغيير تتفق مع أحكام الدستور بخلاف التعطيل([46]).وفى تقديرنا أن هذا الرد ليس حاسماً من ناحيتين: الأولى أن الشارع ذاته قد جرم ترويج الدعوة إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية (المادة 174 من قانون العقوبات) ، والثانية أن التعطيل قد يدخل فى مدلول التغيير ، فالدعوة إلى إيقاف سريان نص فى الدستور أو القانون ينطوى بالضرورة على المطالبة بتغييره.

3- غرض الاعتداء على الحرية الشخصية أو غيرها من الحريات والحقوق العامة والإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى : جرم الشارع تأسيس أو الانضمام لجماعة يكون الغرض منها ” الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن أو غيرها من الحريات والحقوق العامة التى كفلها الدستور والقانون , أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى”.

وتعبير الحرية الشخصية هو من أكثر التعبيرات التى أثارت خلافاً فى الرأى فى فقه القانون العام ، كما أنه ليس له مدلول محدد فى نظر القانون الجنائى ، ولم يعط الشارع المصرى لهذا التعبير معنى محدد([47]). وكذلك الشأن فى”الحقوق والحريات العامة”، إذ ليس لها مضمون محدد فى نظر القانون ، فضلاً عن كونها فكرة نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان ، وتستعصى على الحصر. وإيراد هذه التعبيرات فى نصوص جرائم الإرهاب هو أمر يتنافى مع أصول التجريم ، التى تحول دون النص على تعبيرات تتسم بالعمومية والاتساع فى مدلولها ، بما لا يمكن معه رسم الخط الفاصل بين الأفعال المجرمة وتلك المباحة([48]). ويثير تعبير الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى التساؤل عن مضمونهما ، وما إذا كان اختلاف الرأى وتبنى الوجهة المعاكسة لما قد يسود المجتمع من أفكار من شأنه أن يهدد السلام الاجتماعى أو الوحدة الاجتماعية. وفى تقديرنا أن هذه العبارات لا يصح أن ترد فى نصوص عقابية ، إذ هى عبارات مطاطة تتسم بالغموض وعدم التحديد ، وتتنافى مع مبدأ الشرعية. كما أنها تهدد حرية الرأى والتعبير ، وحرية الصحافة وتنال من أن يقوم الحوار على أساس متكافئ بين المتحاورين([49]).

وإذا كانت أصول التجريم تقتضى أن يلحق الفعل المجرم ضرراً اجتماعياً ، وأن يكشف عن خطورة إجرامية معينة لدى الجانى([50]) ؛ فإن هذه الضوابط تبدو محل شك فى الأفعال السابقة التى جرمها الشارع: فهى أفعال مزدوجة الدلالة بحيث يصعب رسم الخط الفاصل بين اتصافها بالشرعية وبين نفى هذه الصفة عنها ، وهو ما يجعل تجريمها أمراً بالغ الصعوبة. كما أن غموض ما استخدمه الشارع من تعبيرات واتساع معناها يجعل استخلاص خطورة الجانى وإثمه فيها أمراً متعذراً. ولذلك فإن ما نص عليه الشارع يخرج فى تقديرنا عن أصول الشرعية الجنائية ، الأمر الذى يبرز الحاجة الملحة لتعديل نصوصه السابقة.

ويبدو أن الشارع بتأثير الانتقادات السابقة قد قام بحذف عبارة “السلام الاجتماعى” الواردة فى المادة 98 و من قانون العقوبات وذلك بموجب المادة الخامسة من القانون رقم 147 لسنة2006 ، وقد فات الشارع أن هذه العبارة قد وردت فى نصوص أخرى من بينها نص المادة 86 مكرراً التى تجرم تأسيس تنظيم أو الانضمام إليه يكون غرضه النيل من السلام الاجتماعى. وخطة الشارع تستعصى على التبرير ، فإذا كان قد أقر بصحة الانتقادات الموجهة إلى هذه العبارة وغيرها ، فيكون لازماً حذفها من كافة النصوص التى ترد فيها ، لا أن يتقرر الحذف جزئياً ليرد على نص دون النص الآخر.

– افتراض الاشتراك دون تطلب علاقة سببية مع الجريمة الأصلية:

خرج الشارع على القواعد العامة فى المساهمة الجنائية فى جرائم الإرهاب ونص على أنه “يعاقب باعتباره شريكافي الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب([51]): 1-كل من كان عالماً بنيات الجانى وقدم إليه إعانة أو وسيلة للتعيش أو السكنى أو مأوى أو مكاناً للاجتماع([52]) أو حمل رسائله ([53]) أو سهل له البحث عن موضوع الجريمة أو إخفائه أو نقله أو إبلاغه.

2- كل من أخفى الأشياء التى استعملت فى ارتكاب الجريمة أو أعدت للاستعمال فيها أو تحصلت منها مع العلم بذلك.

3-كل من أتلف أو اختلس أو أخفى أو غير عمداً مستنداً من شأنه تسهيل كشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها”.

– تقدير مدى اتفاق خطة الشارع مع الدستور:

إذا كان يمكن تبرير اعتبار المساعدة اللاحقة صورة من صور الاشتراك وفقاً لأصول السياسة الجنائية وخطة بعض التشريعات المقارنة ؛ فإنه لا يمكن تبرير اعتبار شخص شريكاً فى جريمة لم تتجه إرادته إلى الاشتراك فيها ، بل ولم يدر فى خلده أنه يمكن أن يساهم فيها. فمجرد تقديم طعام أو شراب أو مشورة قانونية أو رعاية طبية لا يمكن اعتباره اشتراكاً فى الجريمة. فإذا أراد الشارع افتراض هذا الاشتراك دون أن تتوافر صلة السببية بين فعل الجانى والجريمة ، فإن ذلك مؤداه عدم جواز التجريم بهذه الكيفية ، ذلك أن الركن المادى للجرائم لا يفترض ، كما أن تقرير مسئولية الشريك عن الجريمة الأصلية دون أن يتوافر لديه قصد الاشتراك فى الجريمة يدخل فى باب المسئولية عن عمل الغير ، وهذه المسئولية لا تلتقى مع نصوص الدستور التى تجعل المسئولية الجنائية دائماً شخصية. كما أن اعتبار أفعال إتلاف أو اختلاس أو إخفاء أو تغيير مستند من شأنه تسهيل كشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها ، هو أمر لا صلة له بالجريمة الأصلية ، ولا يمكن أن تتقرر مسئولية الجانى فى هذه الحالة بناء على افتراض الشارع. وهذه الأفعال تعد من الأفعال الماسة بالعدالة والتى تستهدف تضليلها وطمس الدليل فى الدعوى ، ويمكن العقاب عليها كأفعال مستقلة ؛ غير أنه لا يمكن أن نعتبر مرتكبيها شركاء فى الجرم الأصلى ، إذ لا ينسب إليهم دور فيه. ويلاحظ أن هذه الأفعال لا تعتبر من قبيل المساعدة اللاحقة ؛ فنشاط الجانى فيها منبت الصلة بالجريمة الأصلية. فالمساعدة اللاحقة تفترض ارتكاب نشاط يتصل بالجريمة الأصلية ويعتبر امتداداً لها ؛ أما إتلاف مستند بهدف عدم كشف الجريمة ، فإنه فعل مستقل لا صلة له بالجريمة الأصلية ، ولا يعتبر امتداداً لها ، ولا يسوغ فى أصول السياسة الجنائية تقرير مرتكب هذه الأفعال كشريك فى الجريمة الأصلية.

– تجريم التشجيع دون توافر نية الاشتراك فى الجريمة:

وقد خرج الشارع على القواعد العامة كذلك بتجريمه التشجيع على ارتكاب جريمة من جرائم الإرهاب ، وذلكبمعاونة مادية أو مالية دون أن تكون لدية نية الاشتراك مباشرة فى ارتكاب تلك الجرائم([54]). ويعنى التشجيع تعضيد الجانى وشد أزره معنوياً. غير أن الشارع قد تطلب أن يقع هذا التشجيع بوسيلة معينة هى “المعاونة” سواء أكانت مادية أو مالية ، ويعنى ذلك أن التشجيع المعنوى لا يكفى لتوافر الجريمة. وتطبيقاً لذلك فإن إدارة أموال التنظيم والتى تأخذ شكلاً مشروعاً أو إمداده بالسلاح تعتبر من أفعال المعاونة المعاقب عليها([55]). ويلاحظ على خطة الشارع أنه كان يكفيه النص على المعاونة المادية لأنها تشمل المعاونة المالية أيضاً([56]).

ومن ناحية ثانية فإن هناك تناقضاً فى النص على تجرم التشجيع بالمعاونة المادية على ارتكاب جريمة من جرائم الإرهاب ؛ بينما يذكر الشارع فى الوقت ذاته أنه لا يشترط أن تتوافر لدى المشجع نية الاشتراك مباشرة فى ارتكاب الجريمة. وإذا كان الشارع قد تطلب أن ينصرف غرض المشجع إلى أن يرتكب الجانى جريمة معينة ، فإن النص على عدم تطلب قصد الاشتراك يكون مناقضاً لما تطلبه الشارع.

ومن ناحية ثالثة فإن معاونة الجانى لغيره من الجناة معاونة مادية بهدف ارتكاب جريمة من جرائم الإرهاب هو فى حقيقة الأمر اشتراك فى هذه الجريمة بطريق المساعدة ، فالمساعدة تتحقق بالمعاونة على ارتكاب الجريمة متى كان الغرض من هذه المعاونة معلوماً لمن يقدمها ، وبذلك يضحى النص لا لزوم له. وإذا كان الأصل أن مجرد التعاطف مع فكرة الجريمة أو استحسانها لا يرقى إلى درجة التحريض ؛ فإن الشارع قد جرم فعل التشجيع على الرغم من أنه فعل دون التحريض على ارتكاب الجريمة.

وقد حاول البعض تفسير خطة الشارع بقوله أن الجانى فى هذه الصورة يقوم “بتشجيع غيره على ارتكاب جريمة من الجرائم التى نص الشارع عليها دون علم منه بنوعية الجريمة التى شجع عليها ولا زمان أو مكان ارتكابها”([57]).

وفى تقديرنا أنه يتعذر تبرير وجهة الشارع ، وهو ما يدعونا إلى التساؤل: هل يمكن تقرير مسئولية شخص عن جريمة لم يعلم نوعها ولا زمانها ولا مكان ارتكابها. نعتقد أن أصول السياسة الجنائية تأبى تقرير ذلك ، فهو شخص شجع شيئاً لم يعرف نوعه ولا زمانه ولا مكانه ، فأى دور لهذا الشخص وأى إثم يمكن أن ينسب إليه؟.

ثالثاً – مدى دستورية افتراض العلم بسن المجنى عليه فى الجرائم الماسة بالعرض:

– الجهل أو الغلط فى سن المجنى عليه:

الأصل المقرر أن على سلطة الاتهام إثبات علم الجانى بسن المجنى عليه. غير أنه تثور فى بعض الأحيان صعوبة إثبات هذا العلم، وذلك فى حالات يبدو فيها للجانى عذره، كما لو لم يكن يعلم السن الحقيقية للمجنى عليه أو ظن خطأ أنه فى سن يتجاوز به سن الرضا كأن يكون مظهر المجنى عليها يبعث على الاعتقاد بكبر سنها لنموها الجسدى أو تصرفاتها الشخصية أو إلى غير ذلك فهل يعتد فى هذه الحالة بغلط الجانى ، أو بعدم علمه بهذه السن؟.

ذهبت محكمة النقض المصرية إلى افتراض علم المتهم بحقيقة سن المجنى عليه، واعتبرت القصد فى حالة ما إذا جهل المتهم بهذه السن متوافراً وسند المحكمة فى ذلك أن “كل من يقدم على مقارنة فعل من الأفعال الشائنة فى ذاتها أو التى تؤثمها قواعد الآداب وحسن الأخلاق يجب عليه أن يتحرى بكل الوسائل الممكنة حقيقة جميع الظروف المحيطة قبل أن يقدم على فعله، فإذا هو أخطأ التقدير حق عليه العقاب، ما لم يقم الدليل على أنه لم يكن فى مقدوره بحال أن يعرف الحقيقة”([58]).

وقد انتقد جانب من الفقه المصرى هذا القضاء تأسيساً على خروجه على القاعدة العامة فى الإثبات، وما تقتضيه من إلقاء عبئه على عاتق سلطة الاتهام([59])، وأنه يقود إلى الاكتفاء بالخطأ بالنسبة للعناصر التى يفترض العلم بها مما يعنى أن يصير الركن المعنوى لهذه الجرائم مزيجا من القصد والخطأ([60]). وعلى العكس من ذلك ذهب فريق آخر إلى تأييد قضاء محكمة النقض، وسنده فى ذلك أن محكمة النقض اقتصرت على المساس بجانب الإثبات لا الموضوع، وأن السن حالة يحيطها القانون بالعلانية ويكفل لها الإشهار، وأن المظهر الخارجى لكل شخص يفصح فى أغلب الحالات عن حقيقة سنه، وأن الادعاء بالجهل بالسن هو ادعاء تكذبه القرائن وغالباً ما يلجأ إليه المتهم للتخلص من المسئولية الجنائية([61]).

وفى تقديرنا أن ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية ومن أيدها هو الأدنى إلى الصواب، فإثبات سلطة الاتهام أن المتهم ارتكب فعل هتك العرض مع صغير هو دليل على توافر القصد لديه، فالقضاء المصرى مازال يتطلب توافر القصد ومن ضمنه العلم بسن المجنى عليه، بل إنه فى تقديرنا فإن الإثبات مازال ملقى على عاتق سلطة الاتهام، وهى بإثباتها وقوع الفعل الفاحش من المتهم وعلى مجنى عليه صغير فى السن عمدا، فإنها تكون أقامت قرينة مستفادة من هذه الإمارات والمظاهر على أن الجانى يعلم حقيقة سن المجنى عليه، فإن نازع المتهم فى ذلك عليه أن يبدى دفاعاً مقبولاً، وهو أنه لم يكن بمقدوره بحال أن يقف على حقيقة سن المجنى عليه. وقرينة العلم ، وإن كانت قرينة قضائية ؛ إلا أنه بفرض النص عليها فلا يتنافى ذلك مع الدستور ، إذا أتيح للمتهم إثبات عكسها. وبذلك نرى أن محكمة النقض لم تخالف الأصول العامة فى الإثبات وأن منهجها أقيم على اعتبارات قانونية وعملية جديرة بالتأييد.

رابعاً: مدى دستورية تجريم إخلال رئيس التحرير بواجب الإشراف

بعد أن قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة 195 سالفة الذكر والتى كانت تقرر مسئولية رئيس التحرير عما ينشر فى صحيفته ، تدخل الشارع وأضاف المادة ٢٠٠ مكررًا (أ) من قانون العقوبات بالقانون رقم 147 لسنة 2006 ، والتى نصت على أن ” يكون الشخص الاعتباري مسئولا بالتضامن مع المحكوم عليه من العاملين لديه، عن الوفاء بما يحكم به من التعويضات في الجرائم التي ترتكب بواسطة ما يصدره الشخص الاعتباري من الصحف أو غيرها من طرق النشر، ويكون مسئولا بالتضامن عن الوفاء بما يحكم به من عقوبات مالية إذا وقعت الجريمة من رئيس التحرير أو المحرر المسئول.

وتكون مسئولية رئيس التحرير أو من يقوم مقامه في الإشراف على النشر مسئولية شخصية. ويعاقب على أي من الجرائم المشار إليها في الفقرة السابقة بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه، وذلك إذا ثبت أن النشر كان نتيجة إخلاله بواجب الإشراف”.

وفى تقديرنا أن الشارع وإن حاول أن يقيم مسئولية رئيس التحرير على سند من المسئولية الشخصية التى قوامها الخطأ الشخصى ، وليست المسئولية عن عمل الغير ؛ فإن خطته -مع ذلك- لم تسلم من مخالفة الدستور. فقد سبق القول بأن المحكمة الدستورية العليا قد أرست مبدأ مهماً قوامه أن اتساع نطاق الواجب وتراميه ، يحول دون توافر الركن المعنوى حتى ولو أخذ صورة الخطأ. فالمحكمة قد أوضحت ضمن أسباب حكمها للقاض بعدم دستورية نص المادة 195 سالف الذكر أنه”لا يتصور فى جريدة تتعدد صفحاتها وتتزاحم مقالاتها ، وتتعدد مقاصدها ان يكون رئيس التحرير محيطاً بها جميعاً نافذاً إلى محتوياتها ممحصاً بعين ثاقبة كل جزئياتها ولا أن يزن كل عبارة تضمنتها بافتراض سوء نية من كتبها ، ولا أن يقيسها وفق ضوابط قانونية قد يدق الأمر بشأنه فلا تتحد تطبيقاتها”.

وهذه الأسباب تبلور قاعدة أصولية فى القانون هى أنه لا التزام بمستحيل ، وهذه القاعدة فى القانون الجنائى لها أهميتها ، لأنه لا يشترط أن يصل الواجب إلى درجة الاستحالة ؛ بل يكفى صعوبة الإحاطة به وأدائه ، فلا يتصور تجريم الإخلال بواجب الإشراف ، إذا اتسع نطاق هذا الواجب على نحو يتعذر الإحاطة بمضمونه ومحتواه. وهو فى تقديرنا تجريم يتنافى كلية مع الدستور كما أنه يجافى أصول التجريم ، فهو تجريم يفتقر للفعل المادى وإلى الإثم على حد سواء.

وللدلالة على عدم توفيق الشارع فى نصه سالف الذكر أنه لا يمكن تجريم فعل تحت مسمى الإخلال بواجب الإشراف ، الذى يتصف بالعمومية وغير محدد تحديداً دقيقاً ، ولهذا السبب فلا يجوز مثلاً تجريم فعل الوزير أو المحافظ أو المدير عن إخلاله بواجب الإشراف العام على مرءوسيه؟ ، ولا يمكن تقرير مسئوليتهم عن الجرائم التى يرتكبها هؤلاء المرءوسين. وفى تقديرنا أنه إذا كان يمكن اللجوء لفكرة الإخلال بواجب الإشراف فى مجال المسئولية المدنية ؛ فإن الأخذ بها فى نطاق المسئولية الجنائية فى غير محله ، بل هو إقحام لفكرة غريبة على قواعد هذه المسئولية على نحو يهدد الحريات ويجعل كل خطأ يرتكبه أحد المحررين بمثابة خطأ شخصياً ينسب لرئيس التحرير.

نخلص مما تقدم إلى أن ما نص عليه الشارع فى تقرير مسئولية رئيس التحرير عن الخطأ فى واجب الإشراف ينافى الدستور وأصول التجريم.

خامساً : المسئولية الجنائية عن فعل الغير فى قانون البيئة

نص الشارع فى المادة 72 من قانون البيئة على أنه “….يكون ممثل الشخص الاعتبارى أو المعهود إليه بإدارة المنشآت المنصوص عليها فى المادة 69 التى تصرف فى البيئة المائية مسئولاً عما يقع من العاملين بالمخالفة لأحكام المادة المذكورة ، …….. وتوقع عليه العقوبات المنصوص عليها فى المادة 87 من هذا القانون”.

والجريمة التى قرر الشارع مسئولية ممثل الشخص الاعتبارى أو مدير المنشأة عنها وتقع من العاملين بها هى إلقاء أو تصريف مواد أو نفايات أو سوائل غير معالجة من شأنها إحداث تلوث فى الشواطئ المصرية أو المياه المتاخمة لها سواء تم ذلك بطريقة إرادية أو غير إرادية (المادة 69 من قانون البيئة).

– الرأى المؤيد لتقرير المسئولية الجنائية عن فعل الغير فى قانون البيئة:

أيد بعض الفقه وجهة الشارع فى تبنيه النص على تقرير المسئولية الجنائية عن فعل الغير فى قانون البيئة فيقول أنصار هذا الاتجاه “أن نص المادة 72 من قانون البيئة هو “نص صريح على المسئولية الجنائية للمتبوع عن الجرائم المرتكبة بواسطة التابع بالمخالفة لأحكام قانون البيئة المذكور ، قصد به المشرع حث من حملهم القانون المسئولية الجنائية على بذل أقصى جهدهم فى أداء واجبهم فى الإدارة والإشراف بواسطة التابع بالمخالفة لأحكام قانون البيئة بما يضمن تنفيذ هذه الأحكام” ([62]). ويذكر أنصار هذا الرأى مبرراتهم للأخذ بمبدأ المسئولية عن عمل الغير فى قانون البيئة ، أن جرائم تلويث البيئة ترتكب لأسباب اقتصادية ومالية ، وأن الالتزامات التى ألقاها الشارع على المنشآت للمحافظة على البيئة تتطلب نفقات مالية باهظة ، وأن ارتكاب جرائم الاعتداء على البيئة هو فى حقيقة الأمر يكون بقصد تجنب هذه النفقات المالية. وأن صاحب العمل فرداً أو شركة يكون فى الغالب هو المستفيد من عدم تنفيذ هذه الالتزامات ، لذلك يرى هذا الرأى أنه من العدالة مساءلته جنائياً عن أفعال تابعية عملاً بالقاعدة التى تقضى بأن الغرم بالغنم. ويذكر صاحب هذا الرأى مبرراً آخر وهو أن تنفيذ العقوبات التى يقضى بها لن يكون له فاعلية فى مواجهة التابع ، ذلك أن موارده المالية قد تعجز عن الوفاء بقيمة العقوبات المالية المحكوم بها ، ومن ثم كان لابد من أن يتحملها صاحب العمل باعتباره المستفيد من المخالفة وبحسبان أنه القادر مالياً على دفع قيمة الغرامات المحكوم بها ، وإلا أدى القول بغير ذلك إلى إفلات المحكوم عليه من العقاب. ويضيف هذا الاتجاه أن الشارع قد وسع فى نطاق تجريم أفعال الاعتداء بالبيئة ، كما أن القضاء قد أضفى تفسيراً موسعاً لنصوص تجريم هذه الأفعال ، وامتد هذا التفسير الموسع إلى أركان جرائم البيئة المختلفة فاتسم الركن المادى بالتوسع فى صياغة نصوص التجريم واتصافها بالمرونة ، كما أن جرائم التلويث صارت أقرب إلى الجرائم المادية التى يتلاشى القصد الجنائى من بين أركانها.

وأخيراً يدلل هذا الرأى على وجهته بالقول بأن من شأن جسامة الآثار المترتبة على أفعال تلويث البيئة أن تبرر الأخذ بالمسئولية الجنائية عن فعل الغير فى هذه الجرائم ، ذلك أن هذه الجرائم تنال من مقومات الإنسانية ذاتها وأثرها لا يقتصر على الحاضر فقط ؛ بل يمتد إلى المستقبل ويشمل تأثيرها المساس بتوازن البيئة الطبيعية بأسرها([63]).

– تقدير هذا الرأى – مخالفة نص المادة 72 من قانون البيئة للدستور:

فى تقديرنا أن حجج الرأى سالف الذكر غير حاسمة: فالقول بجسامة الآثار المترتبة على أفعال الاعتداء على البيئة لا علاقة له بقواعد المسئولية الجنائية عن هذه الأفعال. وليس من شأن جسامة آثار جريمة معينة أن تغير فى الأسس التى تقوم المسئولية عنها.

وفى تقديرنا أنه ليس من الصواب النظر إلى جرائم المساس بالبيئة على أنها أخطر الجرائم قاطبة ، ذلك أن هناك الكثير من الجرائم الأخرى التى قد تفوقها أهمية. كما إن الكثير من جرائم البيئة لا يبدو فيه الضرر الناتج عنها جسيماً ، ولذلك خصها الشارع بعقوبات بسيطة.

ومن ناحية أخرى فلا يبدو لنا وجود صلة ما بين التوسع من جانب الشارع فى النص على جرائم الاعتداء على البيئة والتوسع المماثل من جانب القضاء فى تفسير أركان هذه الجرائم ، وبين الأخذ بالمسئولية الجنائية عن فعل الغير. فهذا التوسع فى التجريم لا يفضى بالضرورة إلى التخلى عن القواعد الأصولية فى التجريم والعقاب والتى تقضى بشخصية المسئولية الجنائية.

ومن وجهة أخرى ، فإن هذا التوسع فى نطاق التجريم وفى مدلول أركان جرائم البيئة هو أمر محل نظر أصلاً ، ذلك أنه من المقرر فى نظر السياسة الجنائية الحديثة أن الإفراط فى التجريم ينال من الأهداف التى يسعى الشارع إلى تحقيقها ، فضلاً عن تهديده حريات الأفراد وإلقائه بالمزيد من الأعباء على عاتق جهات الضبط والتحقيق والمحاكمة والتنفيذ. ويلاحظ كذلك أن التوسع فى النص على أفعال التجريم قد يفضى بالنص الجنائى إلى الغموض وعدم التحديد ، وهو ما يؤدى إلى منافاته للدستور الذى يوجب أن يحدد نص التجريم بدقة وبوضوح كاف ، حتى يمكن إلمام المخاطبين به والوقوف على أحكامه.

وليس صحيحاً أن القضاء يعتبر جرائم الاعتداء على البيئة من قبيل الجرائم المادية التى لا تتطلب ركناً معنوياً ؛ ذلك أنه من الأصول المقررة فى القانون المصرى والمقارن أن الأفعال المادية لا تكفى بمفردها للتجريم ، وأنه حيث لا توجد خطيئة لا توجد جريمة. فإذا انتفى الركن المعنوى بصورتيه –القصد والخطأ- لما أمكن مساءلة الشخص عن جريمة. ولا يبدو لنا أيضاً أن استفادة صاحب المشروع من مخالفة أحكام قانون البيئة من تابعيه يصلح مبرراً للقول بمسئوليته عن الجرائم التى يرتكبها تابعيه: ذلك أن العبرة فى التجريم والعقاب هى بصدور فعل مادى له كيان محسوس ، من الجانى مع توافر الركن المعنوى لديه ، ولا يمكن أن يكون مجرد استفادة شخص من مخالفة أحكام القانون مبرراً لتقرير مسئوليته عن أفعال لم تصدر منه.

وإذا كان لهذا المبرر أهمية فإن الأخذ به لا يكون فى مجال المسئولية الجنائية ؛ بل يكون فى مجال التعويضات والجزاءات غير الجنائية ، إذ يمكن تأسيس مسئولية أصاحب المشروعات فى هذه الحالة على قواعد تسمح بتقرير مسئوليتهم المدنية عن أفعال تابعيه ؛ غير أن هذا المبرر لا يصلح لتغيير أسس المسئولية الجنائية.

ويلاحظ أن الشارع فى قانون البيئة قد أخذ بهذه الوجهة فجعل أصحاب المنشآت والمحال مسئولين بالتضامن عن الأضرار التى تنجم بسبب فعل ماس بالبيئة وجعلهم مسئولين كذلك عن إزالة آثار هذه الأفعال([64]).

ولهذه الاعتبارات أيضاً فإنه ليس من الصحيح القول بأن من شأن تقرير المسئولية الجنائية عن فعل الغير أن يضمن عدم إفلات مرتكبى جرائم الاعتداء على البيئة من العقاب ، ذلك أن الشارع قرر المسئولية المدنية لأصحاب المنشأة عما يرتكبه العاملون لديهم. وما ذكره الرأى سالف الذكر من أن أصحاب المشروعات هم المخاطبون بالالتزامات التى نص عليها الشارع فى قانون البيئة ، ومن ثم تكون المخالفة فى حقيقة الأمر منسوبة إليهم هو قول محل نظر ، ذلك أن الشارع قد نص على تجريم الإخلال بهذه الالتزامات إذا وقع هذا الإخلال من هؤلاء. وفى هذه الحالة يكون تجريم هذا الإخلال على نحو أصلى ، إذ ينسب إليهم الامتناع عن القيام بواجب فرضه القانون ، والمسئولية الجنائية التى تنشأ عن هذا الامتناع هى مسئولية أصلية ، وليست مسئولية عن عمل الغير. ويؤخذ على الرأى سالف الذكر أيضاً أنه يستخدم تعبيرات غريبة على القانون الجنائى ، ذلك أن هذا القانون لا يأخذ بالمسئولية الجنائية للمتبوع عن أعمال تابعه ، فهذا التعبير وإن جاز استخدامه فى فروع القانون الأخرى ؛ إلا أنه ليس من الجائز استخدامه فى القانون الجنائى الذى يرتكز على فكرة شخصية المسئولية.

وفى تقديرنا أن نص المادة 72 من قانون البيئة سالف الذكر والذى يأخذ بالمسئولية الجنائية عن فعل الغير يكون متنافياً مع القاعدة الأصولية التى تقضى بشخصية المسئولية الجنائية ، وأن المرء لا يسأل إلا على ما اقترفت يداه. كما أنه يتنافى من وجهة أخرى مع نص المادة 66 من الدستور وما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا سالف البيان. وإذا كان أخذ الشارع بالمسئولية الجنائية عن فعل الغير هو وجهة محل نظر للاعتبارات الدستورية والأصولية سالفة الذكر ، فإن مما يصم النص بالمخالفة الصريحة لنصوص الدستور أن ينص على اعتبار الفعل غير الإرادى مشكلاً لجريمة تقع من عامل بالمنشأة ، ثم يجعل من ممثل الشخص الاعتبارى أو مدير المنشأة مسئولاً عن هذا العمل غير الإرادى.

خاتمة

تناولت الدراسة الضوابط التى أرستها المحكمة الدستورية العليا فى المسئولية الجنائية فبينت أن المحكمة لم تأخذ بالمسئولية الجنائية الافتراضية عن فعل الغير ، فأبطلت النصوص التى كانت تفترض مسئولية رئيس التحرير ورئيس الحزب عما ينشر فى صحيفتيهما ، والنصوص التى كانت تفترض مسئولية مالك المحل عن الجرائم التى ترتكب به.

وقد بينت الدراسة أن ما ورد بأسباب بعض أحكام المحكمة الدستورية من إقرار بمبدأ المسئولية المادية هو محل نظر ويخالف الدستور وأصول التجريم ، فضلاً عن إخلاله بالحريات وبمنهج المحكمة ذاته.

وقد تناولت الدراسة الضوابط التى أرستها المحكمة الدستورية فى النص على الركن المعنوى ، وأهمها عدم جواز افتراض العلم بالوقائع التى يقوم عليها القصد ووجوب استطاعة علم الجانى بعناصر الفعل المادى ، وبينت الحالات التى قضى قيها بعدم دستورية هذا الافتراض والحالات التى قضى فيها بدستورية التضامن فى المسئولية الجنائية. وعرضت الدراسة لضوابط القرينة القانونية التى أرستها المحكمة والتى يجوز أن يستخلص منها العلم بواقعة معينة ضمن عناصر القصد الجنائى

وقد حاولت الدراسة الضوابط التى استخلصتها على بعض نصوص التجريم السارية ، فأسفر التطبيق عن أن عدداً من نصوص التجريم لا يتفق مع الضوابط التى أرستها المحكمة الدستورية ، ومن بينها النص الذى يقرر مسئولية الشريك عن الجريمة المحتملة ، ونصوص جرائم الإرهاب الواردة فى قانون العقوبات والتى توجب توافر قصد “الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر” ، أو أن يكون الغرض من فعل الجانى “تعطيل تطبيق الدستور” أو الدعوة “لتعطيل أحكام الدستور” ، أو “إلى الاعتداء على الحقوق العامة التى كفلها الدستور” أو الترويج للمذاهب التى ترمى إلى “تغيير مبادئ الدستور الأساسية”. كما انتهت الدراسة إلى عدم دستورية النص على أن يكون غرض الجانى فى بعض هذه الجرائم هو الاعتداء على الحرية الشخصية أو غيرها من الحريات والحقوق العامة والإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى .

وقد خلصت الدراسة كذلك إلى عدم دستورية افتراض الاشتراك فى جرائم الإرهاب دون أن يكون هناك صلة سببية مع الجريمة الأصلية ، لأنه لا يمكن تبرير اعتبار شخص شريكاً فى جريمة لم تتجه إرادته إلى الاشتراك فيها ، بل ولم يدر فى خلده أنه يمكن أن يساهم فيها.

وقد خلصت الدراسة إلى أن افتراض علم الجانى فى جرائم المساس بالعرض بسن المجنى عليه هو افتراض يلتقى مع نصوص الدستور ، وهو افتراض يستند إلى قرينة استوفت الضوابط التى قررتها المحكمة الدستورية وتقبل إثبات العكس.

وقد انتهت الدراسة إلى عدم دستورية تجريم إخلال رئيس التحرير بواجب الإشراف والذى نص عليه الشارع بالقانون 147 لسنة 2006 لاتساع واجب الإشراف الملقى على عاتق رئيس التحرير والذى يتعذر الإحاطة والإلمام بكل دقائق ما ينشر.

كما خلصت إلى عدم دستورية النص الوارد فى قانون البيئة والذى يقرر مسئولية ممثل الشخص الاعتبارى عن الجرائم التى يرتكبها أحد العاملين فيه.

تم الجزء الثانى من الدراسة ويليه بمشيئة الله الجزء الثالث
(1)BONNIE (RICHARD J.) / COUGHLIN (ANNE M.) JEFFRIES (JOHN C.) / LOW (PETER W.): Criminal law , Second Edition , Foundation Press , New York 2004 , p.170.

(2)LEVASSEUR (Georges) & CHAVANNE (Albert) & MONTREUIL (Jean) : Droit pénal géneral et procédure pénale , paris , 1994 , p 66 s.

الدكتور محمود نجيب حسنى : النظرية العامة للقصد الجنائى ، دراسة تأصيلية مقارنة للركن المعنوى فى الجرائم العمدية ، دار النهضة العربية ، (1978): رقم 74 ، ص 76 ، وأيضاً شرح قانون العقوبات القسم العام الطبعة السادسة 1989 ، رقم 542 ، ص 501.

(3)”übergeordnetes Massprizip”.ويعبر عنها الفقه الألمانى :

(4)UPHOFF (Roland):Die deutsche Strafzumessung unter dem Blickwinkelamerikanischer Strafzumessungsrichtlinien. Strafzumessungsrecht und praxis in Deutschland in rechtsvergleichender Darstellung mit amerikanischen Strafzumessungsrichtlinien und der Idee der Tatpropotionalität , Shaker Verlag , Achen 1998, S.7.

(5) انظر فى هذا الموضوع تفصيلاً: الدكتور أحمد عوض بلال : الجرائم المادية والمسئولية الجنائية بدون خطأ -دراسة مقارنة- ، دار النهضة العربية ، 1993، ص 5.

(6)انظر فى الموضوع الدكتور محمود عثمان الهمشرى: المسئولية الجنائية عن فعل الغير ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية ، الطبعة الأولى ، دار الفكر العربى 1969 ، ص1.

(7) الدكتور أحمد فتحى سرور: القانون الجنائى الدستورى ، رقم 79 ، ص 182.

(8) وقد استندت المحكمة فى هذه القاعدة الأصولية كذلك إلى الأصول المقررة فى الشريعة الإسلامية ولئن كان ما تقدم يعبر عن العدالة الجنائية فى مفهومها الحق ، ويعكس بعض صورها الأكثر تقدماً ، إلا أن ذلك ليس غريباً عن العقيدة الإسلامية ، بل أكدتها قيمها العليا ، إذ يقول تعالى فى محكم آياته ” قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تفعلون ” فليس للإنسان إلا ما سعى ، وما الجزاء الأوفى إلا صنو عمله ، وكان وليد إرادته الحرة ، متصلاً بمقاصدها”. المحكمة الدستورية العليا جلسة 1 فبراير سنة 1997 القضية رقم 59 لسنة 18 قضائية دستورية ، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا ج 8 ، ص 86.

(9)Stefani , Levasseur et Bouloc: no.545 , p.271.

(10)Stefani , Levasseur et Bouloc: no.345 , p.271.

(11)The status of parenthood cannot be a crime”. State v.Akers , 400 A.2d 38 (N.H.1979) , Weinreb, p.810.

(12)Stefani , Levasseur et Bouloc: no.345 , p.271.

(13) Stefani , Levasseur et Bouloc: no.356 , p.281-283.

(14)المحكمة الدستورية العليا جلسة 1 فبراير سنة 1997 القضية رقم 59 لسنة 18 قضائية دستورية ، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا ج 8 ، ص 86.

(15) فقضت بأن “الفقرة الثانية من المادة 15 من القانون 40 لسنه 77 ….قد جاء نصها فى صيغه عامة يشوبها الغموض والإبهام ولم يحدد فيها المشرع طبيعة هذه المسئولية وما إذا كانت مدينة أم جنائية ولم يشر من قريب أو بعيد إلى مسئوليه رئيس الحزب الجنائية كما لم يرد فيها ما يفيد الخروج على الأحكام العامة فى المسئولية الجنائية باعتناق نظرية المسئولية المفترضة ولو أراد الشارع تقرير مسئولية رئيس الحزب الجنائية لما أعوزه النص على ذلك صراحة وأحال فى ديباجته إلى المادة 195 من قانون العقوبات التى ترتب مسئوليه رئيس التحرير الجنائية وهو ما لم يحدث الأمر الذى ترى مع هذه المحكمة إزاء غموض النص والتجهيل به التحرز فى تفسيره وعدم تحمل فى تفسيره وعدم تحمل عباراته فوق ما تحتمل وأن يفسر بتوسع لمصلحة المتهم وتضييق ضد مصلحة عملا بما أستقر عليه قضاء هذه المحكمة فى هذا الخصوص وان تكون المسئولية المنصوص عليها فى هذه الحالة قاصرة على المسئولية المدنية. هذا فضلا عن انه إذا كانت المحكمة تتصدى للتفسير فإنه يكون أصح تفسيرا أن يكون إيراد المشرع للحكم الخاص= =بمسئوليته المدنية دون المسئولية الجنائية بما يعنى أن ما أورده المشرع فى هذا الشأن هو تكرار تشريعى لما هو مقرر فى القواعد العامة فى القانون وهو أمر مندوب فى أصول التشريع لأن التكرار هنا تأكيد للمعنى فى مناسبة قد يثور الجدل فى شأنها من أن يفسر هذا الإيراد على أنه مد لأحكام المسئولية الجنائية ليشمل من لم يقارف الجريمة ولم يكن له بها شأن فعلى لما كان ما تقدم”. نقض جلسة 15 نوفمبر سنة 1994 مجموعة أحكام النقض س 45 رقم 157 ص 1001.

(16) المحكمة الدستورية العليا جلسة 3 يوليه سنة 1995 القضية رقم 25 لسنة 16 قضائية دستورية ، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا ج 7 ، قاعدة رقم 2 ، ص 45. وفى هذا الحكم قضت المحكمة الدستورية العليا بأنه لما “….كانت الفقرة الثانية من المادة 15 من قانون الأحزاب السياسية الصادر بالقانون رقم 40 لسنة 1977 قد شابها الغموض والابهام وكان المشرع قد أغفل إيضاح طبيعة مسئولية الحزب عما ينشر فى الجريدة فإن أصح تفسير لهذه الفقرة أن يكون حكمها منصرفاً إلى مسئوليته المدنية دون سواها ترديداً للقاعدة العامة فى شأن هذه المسئولية وهو تكرار قد يكون مطلوبا ومندوباً إذ هو توكيد للمعنى فى أحوال قد يثور الجدل بشأنها توقياً لمد أحكام المسئولية الجنائية إلى أشخاص لا شأن لهم بالجريمة . وهذا الاجتهاد مردود أولاً بأن النص المطعون فيه لو كان مجرد ترديد القواعد التى نظم بها المشرع المسئولية المدنية لصار تقريره عبثاً ولغواً ، ذلك أن المشرع لا= =يصوغ القواعد القانونية ليؤكد بها معان تتضمنها نصوص قائمة ، ولكن ليقرر بموجبها أحكاماً جديده إحداثاً أو تعديلاً لمصلحة يقدرها . …بأن إغفال النص المطعون فيه تحديد نوع المسئولية التى ألقاها على رئيس الحزب وبفرض صحة ذلك . لا يحيلها لزوماً إلى مسئولية مدنية بل يتعين وقوفاً على طبيعة هذه المسئولية وتحديداً لكنهها”.

(17) الدكتور محمود نجيب حسنى : شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، دار النهضة العربية (1982) ، رقم 736 ، ص 659 ؛ الدكتور أحمد فتحى سرور : الوسيط فى قانون العقوبات ، القسم العام ، دار النهضة العربية (1981) ، رقم 357 ، ص 581 ؛ الدكتور محمد عيد الغريب رقم 456 ، ص 719.

(18)الدكتور محمود نجيب حسنى : رقم 357 ، ص 581.

(19) انظر بحثنا بعنوان: ماهية الفعل محل التجريم فى قضاء المحكمة الدستورية العليا “دراسة مقارنة” ، دراسة مقدمة إلى المؤتمر العلمى الأول لكلية الحقوق بجامعة حلوان الذى عقد بالقاهرة فى 30-31 مارس 1998

(20) المحكمة الدستورية العليا جلسة 14 يناير 2007 ، فى القضية رقم 124 لسنة 25 قضائية “دستورية”.

(21) المحكمة الدستورية العليا جلسة 2 ديسمبر 1995 القضية 28 لسنة 17 دستورية مجموعة الأحكام س 7 ، ص 262

(22) المحكمة الدستورية العليا جلسة 3 يوليه سنة 1995 القضية رقم 25 لسنة 16 قضائية دستورية ، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا ج 7 ، قاعدة رقم 2 ، ص 45.

(23) المواد “2” ، “3” ، ” 3 مكرراً ” من القانون رقم 10 لسنة 1914 فى شأن التجمهر

(24) المحكمة الدستورية العليا جلسة 29 إبريل سنة 1989 ، مجموعة الأحكام س 4 ، رقم 29 ، ص 228.

(25) تنص المادة 107 من قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 على أنه يعاقب المخالف بغرامة تعادل 1% (واحد في المائة) من إجمالى قيمة الأعمال المخالفة عن كل يوم يمتنع فيه عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار النهائي من= =الجهة المختصة من إزالة أو تصحيح أو استكمال، وذلك بعد انتهاء المدة التي تحددها الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم بالوحدة المحلية لتنفيذ الحكم أو القرار.

ويكون الخلف العام أو الخاص مسئولاً عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار النهائي من إزالة أو تصحيح أو استكمال، وتبدأ المدة المقررة للتنفيذ من تاريخ إعلانه بالحكم أو القرار إعلانا قانونياً، ويطبق في شأنه الأحكام الخاصة بالغرامة المنصوص عليها في هذه المادة. كما تسرى أحكام هذه الغرامة في حالة استئناف الأعمال الموقوفة، وذلك عن كل يوم اعتباراً من اليوم التالي لإعلان ذوى الشأن بقرار الإيقاف.

(26) المحكمة الدستورية العليا جلسة 5 يوليه سنة 1997 ، القضية رقم 24 لسنة 18 قضائية “دستورية” ، الجريدة الرسمية العدد 29 بتاريخ 19 يوليه 1997.

(27) المحكمة الدستورية العليا جلسة 2 فبراير سنة 1992 ، مجموعة الأحكام ، س5 ، رقم 21 ،ص 165

(28) حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم 114 لسنة 21 ق دستورية جلسة 2 يونيه سنة 2001 الجزء 9 ص 987

(29) المحكمة الدستورية العليا جلسة 2 فبراير سنة 1992 ، مجموعة الأحكام ، س5 ، رقم 21 ،ص 165

(30) المحكمة الدستورية العليا جلسة 16 نوفمبر سنة 1996 قضية رقم 10 لسنة 18 قضائية “دستورية”.

(31)المحكمة الدستورية العليا جلسة 20 مايو سنة 1995 مجموعة الأحكام ، س 6 ، قاعدة 43 ، ص 686.

(32)المحكمة الدستورية العليا جلسة 20 مايو سنة 1995 ، مجموعة أحكام المحكمة س 6 ، رقم 44 ، ص 716.

(33) المحكمة الدستورية العليا جلسة 2 فبراير سنة 1992 ، سالف الذكر

(34)حكم المحكمة الدستورية العليا جلسة 2 فبراير سنة 1992 ، سالف الذكر.

(35) المحكمة الدستورية العليا جلسة أول فبراير 1997 ، القضية رقم 59 لسنة 18 قضائية دستورية ، مجلة القضاة الفصلية ، العدد الأول ، يناير-يونيه 1997 ، ص 186.

(36) انظر مؤلفنا فى قانون العقوبات القسم العام ، طبعة 2007 ، ص 239 وما بعدها ؛ الدكتور أحمد فتحى سرور: القسم العام 1996 ، رقم 307 ، ص 463 ؛ الدكتور محمود نجيب حسنى : رقم 508 ، ص 474. وانظر الدكتور عمر السعيد رمضان قانون العقوبات ، حيث يرى أن المعيار موضوعياً خالصاً ، المرجع السابق رقم 281 ، ص 453 ، وإلى هذه الوجهة أيضاً الدكتور مأمون محمد سلامة: القسم العام ص 501.

(37)نقض 8 يناير سنة 1934 مجموعة القواعد القانونية ، ج 3 ، رقم 180 ، ص 234.

(38) نقض جلسة 30 يناير 1961، مجموعة أحكام محكمة النقض ، س 12 رقم 25 ص 156.

(39)نقض 30 يناير سنة 1961 مجموعة أحكام محكمة النقض س 12 ، رقم 25 ، ص 156 .

(40) نقض 20 نوفمبر سنة 1940 مجموعة القواعد القانونية ، ج 3، رقم 107 ، ص 119.

(41) ولهذا الاعتبار نادى بعض الفقه بأن تكون مسئولية الشريك عن الجريمة المحتملة غير عمدية. انظر فى هذا الرأى الأستاذ الدكتور محمود نجيب حسنى: رقم 509 ، ص 476. ورغم وجاهة هذا الرأى ، إلا أنه قد يرد عليه بأنه حتى فى الجرائم غير العمدية ، فإنه لابد أن يثبت ارتكاب الجانى لفعل ابتداء ، ويكون من شأن هذا الفعل أن يؤدى إلى إحداث النتيجة ، ولا نرى أن فعل المساعدة أو الاتفاق مثلاً الذى ارتكبه الشريك فى الجريمة الأصلية يمكن أن يؤدى إلى ارتكاب الجريمة المحتملة ، ففى تقديرنا أن علاقة السببية بين نشاط الشريك والنتيجة المحتملة منقطعة ، ولا يمكن بحث الركن المعنوى قبل استيفاء توافر الركن المادى بعناصره المختلفة من فعل ونتيجة وعلاقة سببية.

(42) انظرفى بيان وتأييد خطة الشارع :كلمة الأستاذة الدكتورة فوزية عبد الستار أثناء مناقشة قانون مكافحة الإرهاب ، مضبطة المجلسة الجلسة 102 ، ص 17؛ الدكتور عبد المهيمن بكر: إجراءات الأدلة الجنائية ، الجزء الأول ، فى التفتيش ، الطبعة الأولى ، 1996-1997 ، ص 150-151 ؛ الدكتور محمد عبد اللطيف: الدكتور محمد عبد اللطيف عبد العال: جريمة الإرهاب، دراسة مقارنة ، (1994) ص 53 ؛ الدكتور محمد بهجت مصطفى الجزار: الجرائم الإرهابية بين القانون الوضعى والشريعة الإسلامية فى ضوء أحكام القضاء ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة الزقازيق ، 2002 : ص 82 ؛ الدكتور عصام عبد الفتاح عبد السميع مطر: الجريمة الإرهابية ، دار الجامعة الجديدة للنشر بالإسكندرية ، 2005.: ص 100.

(43) انظر أيضاً فى هذا النقد: الدكتور إمام حسانين خليل عطا الله: الإرهاب والبنيان القانونى للجريمة ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة ، 2000.ص 436-437.

(44) الدكتورعبد المهيمن بكر : ص 152.

(45) تنص المادة 174من قانون العقوبات على أنه “يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات…من ارتكب ..فعلا من الأفعالالآتية: (أولاً) ….. . (ثانيا) ترويج المذاهب التى ترمى الى تغير مبادئ الدستورالأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة او الارهاب او باية وسيلة اخرى غير مشروعه”.

(46) انظر رد المستشار فاروق سيف النصر وزير العدل السابق على العضوين الأستاذ رفعت بشير والدكتور حمدى السيد، قانون العقوبات ومذكراته إصدار إدارة التشريع بوزارة العدل 1993 ص 814-815 ، ص 820-821.

(47) انظر فى هذا الموضوع تفصيلاً الدكتور أشرف توفيق شمس الدين: الحماية الجنائية للحرية الشخصية من الوجهة الموضوعية ، دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية الطبعة الثانية 2007 ، وأيضاً السياسة التشريعية لمكافحة الإرهاب ومدى اتفاقها مع أصول الشرعية الجنائية ، دراسة نقدية للقانون المصرى ، مجلة الدستورية العدد 12 ، 2007.

(48) الدكتور نور الدين هنداوى: السياسة الجنائية للمشرع المصرى فى مواجهة جرائم الإرهاب ، دار النهضة العربية ، 1993، رقم 12 ، ص 29.

(49)وقد اعترض بعض أعضاء مجلس الشعب أثناء مناقشة القانون 97 لسنة 1992 على هذه العبارة (الأستاذ لطفى واكد والدكتور مصطفى السعيد)، وقد رد المستشار فاروق سيف النصر وزير العدل السابق والدكتور أحمد فتحى سرور رئيس المجلس بأن هذه العبارة قد سبق أن رددتها المادة 98 أ مكرر من قانون العقوبات والتى نص عليها الشارع منذ سنة 1970 ، وأن إعادة ذكرها فى المادة 86 مكرراً لا ينطوى على استحداث حكم جديد. انظر فى ذلك مضابط الجلسات ، المنشورة فى قانون العقوبات ومذكراته الإيضاحية ، إصدار وزارة العدل – سابق الذكر ، ص 806-807. وفى تقديرنا أن الحجة السابقة ليست حاسمة ذلك أن خطأ النص عليها فى المادة 98 مكرر أ المضافة بالقانون 34 لسنة 1970 ليس مبرراً لتكرار هذا الخطأ وإعادة النص عليها بالقانون 97 لسنة 1992.

(50) الدكتور عبد الفتاح مصطفى الصيفى: القاعدة الجنائية ، ص 43.

(51) وهذه الأحكام نصت عليها المادة 82 من قانون العقوبات ، ومد الشارع تطبيقها على جرائم الإرهاب بموجب نص المادة 88 مكرراً ب من قانون العقوبات. وانظر أيضاً: الدكتور مأمون سلامة: – الأحكام العامة فى جرائم أمن الدولة من جهة الخارج ومن جهة الداخل ، دار النهضة العربية ، 1997، ص 26-27 ؛ الدكتور عصام عبد السميع مطر: ص 128-129 ؛ الدكتور إمام حسانين خليل عطا الله: ص 502.

(52) وتتحقق الإعانة لمن يقدم إلى الجانى مبلغاً من المال يعينه على نفقات المعيشة أثناء فترة اختفائه عن أعين العدالة وعدم قدرته على الظهور والعمل: ومثال ذلك أن يقدم إلى الجانى مسكناً للإقامة فيه أياً كانت صورته ، وسواء أقام مع الجانى أو أقام هذا الأخير بمفرده. ولفظ الإعانة أو الوسيلة ورد على نحو يفيد الإطلاق لكل ما من شأنه أن يعين أو يمثل وسيلة للجانى للتعيش أو السكنى فيدخل فيها تقديم الملابس والأدوات ؛ ولكن لا يشترط أن يحدث ذلك بصورة متكررة لأن الجريمة ليست من جرائم الاعتياد ، فيكفى لقيامها تقديم إعانة أو وسيلة للتعيش أو السكن لمرة واحدة. ويجب أن تكون الإعانة وما إليها من تسهيلات منطوية على عمل “إيجابى” يخرج عن المألوف عرفاً فى صلة مقدم هذه الأشياء بالشخص الآخر. فلا يدخل فى ذلك الحالات التى يشترك فيها شخص مع آخر فى المعيشة أو السكنى ، كحال الزوجة مع زوجها أو الولد مع أبيه. الدكتور عبد المهيمن بكر : القسم الخاص فى قانون العقوبات ، دار النهضة العربية ، ط 7، 1977 ، ص 227-228.

(53) يقصد بذلك حمل الرسائل من الجانى أو إليه ، ويجرم الشارع بوصف الاشتراك مجرد حمل الرسائل حتى ولو لم يتم إبلاغها ، ولا يشترط أن تكون هذه الرسائل متعلقة بالنشاط الإجرامى للجانى ، كما لا يشترط أن ترتكب الجريمة الأصلية التى حمل الشريك رسائلها. الدكتور إمام حسانين خليل عطا الله: ص 504.

(54) وتنص الفقرة الثانية من المادة 96 سالفة الذكر على أنهيعاقب بالسجن المشدد أو السجن كل من شجع على ارتكاب احدى الجرائم المنصوص عليها فى المواد 87 و 89 و 90 و 90 مكررا و 91 و 92 و 93 و 94 من هذا القانون بمعاونة ماديةأو مالية دون ان تكون لدية نية الاشتراك مباشرة فى ارتكاب تلك الجرائم .

(55) الدكتورة هدى حامد قشقوش: الجريمة المنظمة ، رقم 30 ، ص 34-35.

(56)الدكتور إمام حسانين خليل عطا الله: ص 538.

(57) الدكتور حسام محمد سامى جابر: المساهمة التبعية فى القانون الجنائى المصرى ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية ، بدون تاريخ.، رقم 77 ، ص 132 والهامش.

(58) نقض 11 نوفمبر 1940؛ نقض 31 مايو 1943 الموسوعة الذهبية للقواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض، ج10 رقمى 1123،1125 ص443 وما بعدها؛ نقض 24 يناير 1985 مجموعة أحكام محكمة النقض س36 رقم 19 146؛ نقض 21 أكتوبر 1986 مجموعة أحكام النقض س37 رقم 150 ص783؛ نقض 20 يناير 1991 الطعن رقم 73 لسنة 60ق ، مجلة القضاة الفصلية س25 العدد الأول 1992 ص497.

(59) الدكتور عبد المهيمن بكر رقم 343 ص705؛ الدكتور أحمد فتحى سرور رقم 431 ص646-647.

(60) الدكتور أحمد فتحى سرور هامش ص647.

(61)الدكتور محمود نجيب حسنى رقم 771 ص571، وانظر أيضا النظرية العامة للقصد الجنائى رقم 28 ص70-71؛ الدكتور حسن صادق المرصفاوى ، ص667-668.

(62) الدكتور فرج صالح الهريش: جرائم تلويث البيئة ، دراسة مقارنة ، 1998 ، ص 377-378.

(63) الدكتور فرج صالح الهريش : 359-364.

(64) انظر على سبيل المثال المادة 96 من قانون البيئة.