مفهوم الشـريك في الفقـه الاسـلامي :

إن فقهاء الشريعة الاسلامية يقسمون الاشتراك إلى الاشتراك المباشر(1). والاشتراك غير المباشر (الاشتراك بالتسبب)، ويعرف فقهاء الشريعة الشريك (المتسبب) : بانه من لا يدخل في تنفيذ الركن المادي للجريمة بصورة مباشرة، وإنما يكون دوره ثانويا متمثلا في تواطؤ أو تحريض أو إعانة(2). ويعرف البعض الآخر المتسبب بانه: الذي يعاون في ارتكاب الجريمة أما بمنع الدفاع عن المجني عليه أو بمنـع أغاثته، وأما بغـل يديه عن العمـل للقيـام بالتنفيـذ المبـاشر للجريمـة(3).

وقد ركز فقهاء الشريعة على بحث أحكام الاشتراك المباشر أكثر من أحكام الاشتراك بالتسبب نظرا لجسامة عقوبة الشريك المباشر عندما تكون الجريمة حدية أوقصاص(4). بينما لا يعاقب المتسبب بغير التعزير(5). وان كانت مساهمته في جريمة حدية أو قصاص. ولكن هذه القاعدة لها أستثناء في جرائم الاعتداء على النفس وما دونها أي جرائم القتل والجرح، وحجتهم في ذلك ان من طبيعة هذه الجرائم ان تقع بالمباشرة والتسبب – وانها تقع كثيرا بالتسبب – فلو طبقت القاعدة على المباشرة فقط لأمتنع توقيع العقوبة المقدرة على المتسبب مع انه قد نفذ الركن المادي للجريمة كما فعل المباشر(6).

كما عرف فقهاء الشريعة الاسلامية الغراء نظرية الفاعل المعنوي واطلق الفقهاء على هذه الحالة بالمباشرة الحكمية تفريقا لها عن المباشرة الحقيقية. وجمهور الفقهاء متفقون على ان استعمال الحيوان موجبا للقصاص، إذ يذهب الشيعة الزيدية إلى القول (ما أخرجه القرد المعلم فانه يقطع به إذا خرج بامره أي بامر السارق لا باختيار القرد)(7). والشيعة الامامية تتحقق الجريمة لديهم إذا وضع السارق المال على جناح طائر من شأنه العودة إليه تعلق الامر بالقطع لانه كالآلة عنده. والحال هو نفسه لدى الحنابلة فقد جاء في المحلى لابن حزم (إذا هجم الكلب على انسان أو حيوان فقتله ضمن من حرضه المال أو الدية أو يطلق عليه الكلب حتى يفعل به ما فعل الكلب باطلاقه )(8).

ومما تقدم يتضح مدى الدقة في الأصطلاحات القانونية التي أستعملها الفقهـاء المسـلمون التي تمنع اللبس الذي وقعت فيه بعض التشريعات المعاصرة التي تطلق لفظ الشريك دونما تمييز بين من باشر الجريمة وبين من لم يباشرها.

________________________

(1) يطلق على الشريك المباشر بـ (الفاعل الاصلي) : وهو من يحقق بسلوكه الركن المادي للجريمة. ينظر في تفصيل ذلك : عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الاسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، ط2، مكتبة دار العروبة، القاهرة، 1959، ص401.

(2) ينظر في تفصيل ذلك : د.مصطفى الزلمي، المسؤولية الجنائية في الشريعة الاسلامية، ج1، مطبعة أسعد، بغداد، 1982، ص180.، د.احمد فتحي بهنسي، نظريات في الفقه الجنائي الأسلامي، ط2، مؤسسة الحلبي وشركاؤه، القاهرة، 1969، ص79.

(3) محمد ابو زهرة، الجريمة والعقوبة في الفقه الاسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة،1976، ص414.

(4) الحد : عقوبة مقدرة بنص الشارع الحكيم تثبت حقا لله تعالى لا يجوزالنزول عنه، والحد مقرر لجرائم محدودة بالغة الخطورة هي الزنا والقذف وشرب الخمر والسرقة وقطع الطريق والبغي والردة. ينظر في تفصيل ذلك : المبسوط لشمس الدين السرخسي، ج9، مطبعة السعادة، القاهرة، 1324هـ ، ص36 .

(5) التعزير : عقوبة تجب حقا لله أو لآدمي في كل معصية ليس لها عقوبة مقدرة من قبل الشرع الاسلامي مثل أكل الربا ومال اليتيم، والخلوة بأجنبية وأكل الميتة. ينظرفي تفصيل ذك : عبد العزيز عامر، التعزير في الشريعة الإسلامية، ط3، القاهرة، 1957، ص63.

(6) ينظر في ذلك : د.عبد القادر عودة، المصدر السابق، ص373 وما بعدها.، د.احمد فتحي بهنسي، نظريات في الفقه الجنائي الاسلامي، ط5، دار الشروق، القاهرة، 1988، ص79.

(7) ينظر في ذلك: د.محمد سلام مدكور، المسؤولية الجنائية ومراعاة ظروف الجناة في الفقه الاسلامي، مجلة قضايا الحكومة، ع1، س22،1978، ص8.، فراس عبد المنعم، الفاعل المعنوي للجريمة، رسالة ماجستير، كلية القانون – جامعة بغداد، 1996، ص31 وما بعدها.

(8) ينظر في ذلك : احمد بن يحيى المهدي المرتضى، كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار، ج5، مكتبة الخانجي، مكان الطبع (بلا) ، 1947، ص181.، ابو القاسم نجم الدين الحلي، ج2، ط1، مطبعة الآداب، النجف، 1969، ص154.،

المؤلف : منى محمد عبد الرزاق
الكتاب أو المصدر : مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .