عدم دستورية الشروع الفوري في إيقاع الحجز الإداري على أموال المحجوز عليه المنقولة دون إمهاله مدة لسداد دينه

الدعوى رقم 185 لسنة 32 ق “دستورية” جلسة 4 / 5 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من مايو سنة 2019م، الموافق الثامن والعشرين من شعبان سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمــــد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا. نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 185 لسنة 32 قضائية “دستورية”
المقامة من
محمد محمد عبدالونيس
ضد
1- رئيس مجلس الـوزراء
2- رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية

الإجراءات

بتاريخ الثالث عشر من نوفمبر سنة 2010، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نصى المادتين (4 و7/2 ،3) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وقدمت الهيئة المدعى عليها الثانية مذكرة طلبت في ختامها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا أصليًّا وآخر تكميليًّا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعى عليه الثاني كان قد وُقع لصالحه حجز إداري على منقولات المدعى المبينة بمحضر الحجز المؤرخ 21/11/2009، وقد رفض المدعى التوقيع على محضر الحجز، وتم تعيينه حارسًا على المحجـوزات، وتحديد اليـوم المعلن لبيعها، وتم لصق صورة من محضر الحجـز بمقر شيخ البلد، وإذ لم يقـدم المدعى المحجوزات في اليوم المحدد للبيع، فقد تحرر ضده محضر بتبديدها قيد برقم 9986 لسنة 2009 جنح إدكو، فأقام المدعى الدعوى رقم 3 لسنة 2010 مدنى تنفيذ إدكو ضد المدعى عليه الثاني، طلبًا للحكم ببطلان محضر الحجز واعتباره كأن لم يكن، وبجلسة 22/2/2010، حكمت المحكمة في منازعة تنفيذ موضوعية برفض الدعوى، فطعن المدعى على هذا الحكم بالاستئناف رقم 18 لسنة 2010 مدنى مستأنف تنفيذ رشيد، بطلب إلغاء الحكم المستأنف، والقضاء مجددًا في منازعة تنفيذ موضوعية ببطلان محضر الحجز، وبجلسة 24/3/2010، دفع المدعى بعدم دستورية نصى المادتين (4، 7) من القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز الإداري، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.

وحيث إن المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أنه “يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقًا لحكم المادة السابقة بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة”. ومؤدى ذلك – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن المشـرع أوجب لقبول الدعاوى الدستورية أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما نصت عليه المادة (30) سالفة الذكر من بيانات جوهرية تنبئ عن جدية هذه الدعاوى ويتحدد بها موضوعها، وذلك مراعاة لقرينة الدستورية لمصلحة القوانين، وحتى يتاح لذوى الشأن، ومن بينهم الحكومة – الذين أوجبت المادة (35) من قانون المحكمة إعلانهم بالقرار أو الصحيفة – أن يتبينوا كافة جوانبها ويتمكنوا في ضوء ذلك من إبداء ملاحظاتهم وردودهم وتعقيبهم عليها في المواعيد التى حددتها المادة (37) من القانون ذاته، بحيث تتولى هيئة المفوضين بعد انتهاء تلك المواعيد تحضير الموضوع وتحديد المسائل الدستورية والقانونية المثارة وتبدى فيها رأيها مسببًا وفقًا لما تقضى به المادة (40) من قانون المحكمة الدستورية العليا. متى كان ذلك، وكانت مناعي المدعى قد توجهت إلى عبارة “ويشرع فورًا في توقيع الحجز” الواردة بعجز الفقرة الأولى من المادة (4) من القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز الإداري، وعبارة “ويقوم هذا الإجراء مقام الإعلان” الواردة بعجز الفقرة الثانية من المادة (7) من القانون ذاته، دون باقي أحكام المادة (4)، والفقرتين الثانية والثالثة من المادة (7) من ذلك القانون، المطعون فيهما، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة للنصوص المشار إليها، فيما عدا العبارتين المار ذكرهما.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة والمدعى عليه الثاني بعدم قبول الدعوى لانتفاء مصلحة المدعى، فهو مردود بأن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة في الدعوى الدستورية – وهـى شرط لقبولها – مناطها ارتباطها عقـــــلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية التي تطرح على هذه المحكمة لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وأن هذا الشرط يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، فلا تفصل في غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي. متى كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن المدعى قد عُين حارسًا على المال المحجوز عليه إداريًّا، ثم وجه إليه اتهام بتبديد ذلك المال لعدم تقديمه في الموعد المحدد للبيع، فأقام دعواه الموضوعية التي تدور رحاها حول طلب الحكم ببطلان محضر الحجز الإداري الموقع ضده واعتباره كأن لم يكن، وكان المدعى لم ينازع في وجوده بشخصه إبان تنبيهه بالأداء، وإنذاره بالحجز، وتوقيع الحجز على منقولاته، ومن ثم فإن مصلحته الشخصية المباشرة تكون متحققة في الطعن على عبارة “ويشرع فورًا في توقيع الحجز” الواردة بعجز الفقرة الأولى من المادة (4) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري، وعبارة “ويقوم هذا الإجراء مقام الإعلان” التى تضمنها عجز الفقرة الثانية من المادة (7) من القانون المشار إليه، بحسبان القضاء في دستوريتهما سيكون له أثره على صحة الحجز الموقع على منقولات المدعى محل الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع في الطلبات المطروحة عليها في تلك الدعوى، الأمر الذى يتعين معه القضاء بقبول الدعوى بالنسبة لهما في حدود النطاق المتقدم.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (4) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري تنص على أن “يعلن مندوب الحاجز إلى المدين أو من يجيب عنه تنبيهًا بالأداء وإنذارًا بالحجز ويشرع فورًا في توقيع الحجز مصحوبًا بشاهدين”.

وتنص الفقرة الثانية من المادة (7) من القانون ذاته على أنه “وتعلق نسخة من محضر الحجز على باب المركز أو القسم أو المأمورية أو على باب دار العمدة أو الشيخ الذى يقع الحجز في دائرته ويقوم هذا الإجراء مقام الإعلان”.

وحيث إن مناعى المدعى على النصين المطعون فيهما تتحدد في مخالفتهما نصوص المواد (32، 34، 64، 65، 67، 68) من دستور سنة 1971، وذلك بما تضمناه من إخلال بحق الدفاع، تمثل في حرمان المحجوز عليه إداريًّا من مهلة تفصل بين مُقدمات الحجز وإيقاعه من ناحية، وافتراض العلم القانوني ببيانات محضر الحجز من ناحية أخرى، مما يصم النصين المطعون فيهما بإهدار الحق في الملكية، ومخالفة أصل البراءة.

وحيث إن الرقابة على دستورية النصوص التشريعية – أيًّا كان تاريخ العمل بها – إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، لكون هذه الرقابة تستهدف أصلاً – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التى وجهها المدعى للنصين المطعون فيهما تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعـدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية النصين المطعون فيهما، اللذين مازالا قائمين ومعمولاً بأحكامهما – محددًا نطاقهما على النحو المتقدم – من خلال أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدولة القانونية – وعلى ما تنص عليه المادة (94) من دستور سنة 2014 – هي التي تتقيد في ممارستها لسلطاتها، أيًّا كانت وظائفها أو غاياتها، بقواعد قانونية تعلو عليها، وتردها على أعقابهـا إن هي جاوزتها، فلا تتحلل منها، ذلك أن سلطاتها هذه – وأيًّا كان القائمون عليها – لا تعتبر امتيازًا شخصيًّا لمن يتولونها، ولا هي من صنعهم، بل أسستها إرادة الجماهير في تجمعاتها على امتداد الوطــــن، وضبطتها بقواعد آمرة لا يجوز النزول عنها، ومن ثم تكون هذه القواعد قيدًا على كل أعمالها وتصرفاتها، فلا تأتيها إلا في الحدود التى رسمها الدستور، وبما يرعى مصالح مجتمعها.

وحيث إن مضمون القاعدة القانونية التي تعتبر إطارًا للدولة القانونية، تسمو عليها وتقيدها، إنما يتحدد – من منظور المفاهيم الديمقراطية التي يقـوم نظام الحكم عليها، على ما تقضى به المواد (1، 4، 5) من دستور سنة 2014 – على ضوء المعايير التي التزمتها الدول الديمقراطية في ممارستها لسلطاتها، واستقر العمل فيما بينها باطراد في مجتمعاتها، فلا يكون الخضوع لها إلا ضمانًا لحقوق مواطنيها وحرياتهم، بما يكفل تمتعهم بها أو مباشرتهم لها دون قيود جائرة تنال من محتواها أو تعطل من جوهرها.

وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن التنفيذ جبرًا على أموال المدين بما له من آثار خطيرة عليه، لا يكون إلا بسند تنفيذي استظل به دائنه قبل التنفيذ، ولم يبلغه إلا بطريق تحقق به دينه وصحته، وصار حقيقة قانونية أو قضائية يجوز التنفيذ بمقتضاها، وخروجًا على هذا الأصل العام جاءت أحكام قانون الحجز الإداري رقم 308 لسنة 1955 بأوضاع استثنائية، منها أن جعلت الأمر المكتوب الصادر من الوزير أو رئيس المصلحة أو المحافظ أو المدير أو ممثل الشخص الاعتباري العام حسب الأحوال أو من يُنيبه كل من هؤلاء كتابة، معادلاً للسند التنفيذي الذى يجوز التنفيذ به وفقًا لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، وهذا الاستثناء الوارد على حظر التنفيذ على أموال المدين قبل الحصول على سند تنفيذي حقيقي على نحو ما سلف، لا تبرره إلا المصلحة العامة في أن تتوافر لدى أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها على النحو الذى يحقق سير المرافق العامة وانتظامها، وهو بذلك استثناء بحت لا يجوز نقله إلى غير مجاله، كما لا يجوز إعماله في غير نطاقه الضيق الذى يتحدد باستهدافه حسن سير المرافق العامة وانتظامها.

كما استقر قضاء هذه المحكمة على أن قانون الحجز الإداري لم يتوخ مجرد تقرير حقوق للجهات العامة تحصل بموجبها على مستحقاتها دونما اعتداد بضرورة موازنتها بالحماية التشريعية التي ينبغي كفالتها للمدين المحجوز عليه باعتباره الأصيل في خصومة التنفيذ لتعلقها بأمواله ومصالحه الرئيسية.

متى كان ما تقدم، وكان نص الفقرة الأولى من المادة (4) من القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز الإداري، وإن أوجب على مندوب الحجز إعلان المدين أو من يجيب عنه تنبيهًا بالأداء وإنذارًا بالحجز، إلا إنه لم يفصل بين مُقدمات الحجز الإداري التي تجرى بهذا الإعلان، والغاية من تقريرها، وهى إمهال المحجوز عليه مدة يقدرها المشرع بنص خاص – أو بإعمال نص المادة (75) من قانون الحجز الإداري الذى يجرى على أنه “فيما عدا ما نُص عليه في هذا القانون تسرd جميع أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية التي لا تتعارض مع أحكام هذا القانون”، مما مؤداه تطبيق ما ورد بنص الفقـرة الرابعة من المادة (281) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، الذى لم يجز إجراء التنفيذ إلا بعد مضى يوم على الأقل من إعلان السند التنفيذي – وذلك كله قبل الشروع في توقيع الحجز فعليًّا، حتى تتحقـق من خلال هذه المهلة الغاية من إجراء مُقدمات التنفيذ، ولتدرك وسائل التشريع غاياته، فينضبط بذلك حكم إيقاع الحجز الإداري على المنقول بالرابطة الدستوريــة المتعين التزامها بين أهداف التشريـع والوسائل التي تحققهــا، وهو ما لم يلتزم به المشرع بالنص المطعون فيه، الذى جمع مُقدمات تنفيذ الحجز الإداري مع الشروع في إيقاعـه في وحدة زمنية واحدة، أو تكاد، مفترضًا – بغير سند – عدم تحصيل الجهة الحاجزة دينها إلا بالشــروع فورًا في إيقاع الحجز على منقولات المدين، غير عابئة بتباين المراكز القانونية للمحجوز عليهم باختلاف أحوال التنفيذ، ودون مراعاة لأحوال التنفيذ التي تنتفى عنها الخشية من عدم تحصيل الجهة الحاجزة لدينها، سواء ما تعلق منها بإقرار المدين بالدين المحجوز لأجله، وعدم منازعته في أساس الالتزام أو مقداره، مع اقتران ذلك بسعي جدي للوفاء بالدين، أو تقديم المدين من التأمينات الشخصية ما يضمن الوفاء بدين الجهة الحاجزة، ومن ثم فـإن الشروع الفوري في إيقاع الحجـز الإداري على أموال المحجوز عليه المنقولة دون إمهاله مدة لسداد دينه، إنما يُعسر – في غالب الأحوال – على المديـن النأي بماله عن إيقاع الحجز عليه، وتدبير شئونه الخاصة ليتمكن من الوفاء بدينه، حتى يُرفع الحجز عنه رضاءً أو قضاءً، مما مؤداه أن النص المطعون فيه وقد قرن إعلان التنبيه بالأداء، وإنذار الحجز، بالشروع في توقيع الحجز، يكون متصادمًا مع الغاية من تقرير هذا الإعلان، والأهداف المبتغاة منه، كما يجاوز ما يتوخاه قانون الحجز الإداري من تقرير حقوق للجهات العامة تحصل بموجبها على مستحقاتهـا بصورة استثنائية، بما تقتضيه من أن يكون نطاق تطبيقها متصلاً بتسيير جهة الإدارة لمرافقها، إلى مجال لا يُعتد فيه بضرورة موازنة هذه الحقوق بالحماية التشريعية التي ينبغي كفالتها للمدين المحجوز عليه، ومن ثم تكون عبارة “ويشرع فورًا في توقيع الحجز” الواردة بعجز النص المطعون فيه، قد أخلت بمبدأي سيادة القانون، وخضوع الدولة للقانون، بالمخالفة لنص المادة (94) من الدستور.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساسًا للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها، أو تقيد ممارستها، وباعتباره وسيلة لتقرير الحقوق المتكافئة للحقوق جميعها، إلا أن مجال إعماله لا يقتصر على ما كفله الدستور من حريات وحقوق وواجبات، بل يمتد – فوق ذلك – إلى تلك التي يقررها التشريع. وإذا كانت صور التمييز المجافية للدستور يتعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونًا للانتفاع بها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن مناط دستورية أي تنظيم تشريعي ألا تنفصل نصوصه أو تتخلف عن أهدافها، ومن ثم فإذا قام التماثل في المراكز القانونية التي تنتظم بعض فئات المواطنين، وتساووا بالتالي في العناصر التي تكونها، استوجــــب ذلك وحـدة القاعـدة القانونية التي ينبغي أن تنتظمهم، ولازم ذلك، أن المشرع عليه أن يتدخل دومًا بأدواته لتحقيق المساواة بين ذوى المراكز القانونية المتماثلة، أو لمداركة ما فاته في هذا الشأن.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد استقر على أن حق الدفاع غدا غائرًا في وجدان البشر، مرتبطًا بالقيم التي تؤمن بها الأمم المتحضرة، مؤكدًا مبدأ الخضوع للقانون، ناهيًّا عن التسلط والتحامل، مفرزًا إرادة الاختيار، مبلورًا الدور الاجتماعي للسلطة القضائية في مجال تأمينها للحقوق على اختلافها، واقعًا في إطار الأسس الجوهرية للحرية المنظمة، نائيًّا عن أن يكون ترفًا عقيمًا أو سرفًا زائدًا، قائمًا كضرورة تفرض نفسها ليبطل كل تنظيم تشريعي على خلافها، فلا يكون القبول بها رمزيًّا، بل فاعلاً ومؤثرًا، تغليبًا لحقائقها الموضوعية على أهدابها الشكلية، إنفاذًا لمحتواها، وتقيدًا بأهدافها، فلا ينازع أحد في ثبوتها أو يحجبها.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان نص الفقرة الثانية من المادة (7) من قانون الحجز الإداري السالف الإشارة، وقد اعتبر أن تعليق نسخة من محضر الحجز الإداري على المنقول، الذى يرفض المدين أو من يجيب عنه التوقيع عليه، على باب المركز أو القسم أو المأمورية أو على باب دار العمدة أو الشيخ الذى يقع الحجز في دائرته، إجراء يقوم مقام الإعلان، ممايزًا بذلك بينه وبين المحجوز على منقوله حجزًا إداريًّا بطريق حجز ما للمدين لدى الغير، بمقتضى نص المادة (28) من قانون الحجز الإداري، الذى يكون إعلانه بصورة من محضر الحجز بواسطة ورقة من أوراق المحضرين، تعلن وفقًا للقواعد المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية، طبقًا لنص الفقرة الثالثة من المادة (29) من قانون الحجز الإداري، وعلى نحو ما جرى به قرار التفسير الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 4 يناير سنة 1992 في الطلب المقيد برقم 11 لسنة 13 قضائية “تفسير”، وذلك على الرغم من وحدة عناصر المركز القانوني للمحجوز على منقوله حجزًا إداريًّا، سواء وقع بطريق حجز المنقول، أو حجز منقول المدين لدى الغير، بالنظر إلى تماثل عناصر المركز القانوني لكليهما، بدءًا من صفة الجهة الحاجزة، ومرورًا بطبيعة الدين المحجوز لأجله، وانتهاء بنوع المال المحجوز عليه في طريقي الحجز المذكوريـن، ومن ثم فإن عبارة “ويقوم هذا الإجراء مقام الإعلان” الواردة بعجز الفقـرة الثانية من المادة (7) المشار إليها، تكون متضمنة تمييزًا تحكميًّا لا يستند إلى أسس موضوعية تبرره، وتغدو بذلك مصادمة لمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادتين (4، 53) من الدستور.
وحيث إن اعتبار النص المطعون فيه تعليق نسخة من محضر الحجز في الأماكن التي أوردها إجراء يقوم مقام إعلان المحجوز على منقولة في حال رفضه، أو من يجيب عنه، التوقيع على التنبيه بالأداء والإنذار بالحجز ومحضر الحجز، فإنه بذلك يفترض أن مواجهة المحجوز عليه أو من يجيب عنه بالتنبيه بالأداء والإنذار بالحجز تُحقق علمه بالجهة الحاجزة، وأساس المديونية المحجوز لأجلها، ومقدارها، والمنقولات التي وُقع الحجز عليها، والمكان والزمان المحددين لبيعها، والجهة التي آلت إليها نسخة محضر الحجز، وكان محضر الحجز إنما يعادل السند التنفيذي، بما يوجب إعلانه لشخص المدين، أو في موطنه الأصلي، ليتحقق بذلك علمه اليقيني أو الحكمي بالبيانات الجوهرية للحجز الموقع عليه، وكانت الغاية من إعلان المحجوز عليه بمحضر الحجز الذى رفض المدين، أو من يجيب عنه، التوقيع عليه، لا يحققها التنظيم القانوني الذى تضمنه النص المطعون فيه، ولا تدركها الوسيلة التي اعتبرها تقوم مقام الإعلان، بمراعاة جسامة الأثر المترتب على رفض التوقيع على محضر حجز المنقول، إذ لا يحول ذلك الرفض دون تعيين المحجوز عليه حارسًا على الأشياء المحجوزة عملاً بنص المادة (11) من قانون الحجز الإداري، وما قد يستتبعه تعيين المحجوز عليه حارسًا على المنقول، من وقوعه تحت وطأة الاتهام بتبديد المنقول المحجوز، في أحوال عدم تقديمه للتنفيذ عليه في المكان والزمان المحددين لبيعه، دون ثبوت علمه اليقيني أو الحكمي بالبيانات الجوهرية لمحضر الحجـز على ما ســلف بيانه، ومن ثم تغدو عبارة “ويقوم هذا الإجراء مقام الإعلان” التي تضمنها عجز النص المطعون فيه، مصادمة للحق في الدفاع، بالمخالفة لنص المادة (98) من الدستور.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية عبارة “ويشرع فورًا في توقيع الحجز” المنصوص عليها في عجز الفقرة الأولى من المادة (4) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري، وعبارة “ويقوم هذا الإجراء مقام الإعلان” الواردة بعجز الفقرة الثانية من المادة (7) من القانون ذاته، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .