نصَّت اغلب التشريعات المقارنة لحق المؤلف (1). على ضرورة توفر شروط معينة، لبسط الحماية القانونية على الاعمال الفكرية. وهذه الشروط مستمدة من طبيعة النتاج الفكري، وكيفية تقديمة الى الجمهور اولا، ومن شخصية صاحب النتاج الفكري عند معالجته للفكرة موضوع المصنف باسلوب مبتكر وجديد ثانياً، فالشروط في جملتها اما أن تكون شرطا موضوعيا يدور مع وجود قدر من الابتكار في اسلوب عرض الفكرة، او شرطا شكليا يتمثل في طريقة عرض الاسلوب على الجمهور، ونعالج كلا من هذين الشرطين في بند المستقبل .

البند الاول : الشرط الموضوعي

لاجل بسط الحماية القانونية لابد من توفر الشرط الموضوعي، الذى يستمد اساسا من معالجة الفكرة باسلوب شخصي متميز بالجدة والابتكار، فاصالة المعالجة واسلوب طرح الفكرة هو سر الحماية وجوهرها. واستناداً إلى هذا، فلابد من توفر قدر من الابتكار في الترجمة، ويذهب رأي فقهي الى القول بان الاصالة والابتكار هي ايجاد الجديد المفيد في أي عمل فكري (2). وهناك راي يعرّفها بانها الطابع المميز لشخصية المؤلف والتي تظهر في المصنف (3)، وجرى تعريفها لدى البعض الاخر بانها تمييز المصنف بطابع اصيل في الانشاء او التعبير(4)، كما يذهب اخرون الى القول بانها الدور البارز لشخصية المؤلف في اظهار المصنف(5)، بل هي الجهد الذهني الذي يبذله الانسان لخلق فكرة تتميز بطابع شخصي خاص(6). ومن خلال هذا العرض، فان الاصالة هي الأسلوب الشخصي المتبع من قبل المترجم المتميز بطابع ذهني لنقل فكرة معينة الى احدى اللغات الاجنبية . فالاصالة والابتكار تظهر في جهد المترجم الشخصي لنقل فكرة معينة بشكل جديد من خلال اختياره للالفاظ والمعاني والعبارات التي تنسجم مع الفكرة التي ينقلها (7)، فعمل المترجم هنا لايقتصر على مجرد النقل الحرفي للافكار، الذي قد يؤدي في اغلب الاحيان الى تشويه المصنف، انما يعتمد اساسا على اسلوبه في التعامل مع الافكار والحفاظ عليها واظهارها بصورة جديدة ومتماسكة من دون الاخلال بمعانيها الاساسية(8). فالاصالة بهذا المعنى تشكل حجر الزاوية في مجال اعمال حق المؤلف ويرجع الاساس في تقديرها الى الطابع الشخصي الناتج عن جهود المبدع وقدراته الذاتية (9) ، فلا يهم والحالة هذه ان تكون الفكرة مستلهمة من ابداع سابق، بل يكفي ان يكون الابداع حاملا بصمة شخصية لمن قام بترجمته وانجازه(10). واستناداً إلى هذا، ثار تساول بشان الاصالة والابتكار في عمل المترجم، على اعتبار ان هذا العمل يسير على خطى مصنف سابق له ومنقول منه من حيث الاصل(11).فيذهب النظام الانكلوسكسوني بهذا الصدد الى ضرورة كون المصنف غير منقول او مستنسخ – مشتق -عن مصنف اخر كليا كان هذا النقل او جزئيا والا فلا حماية لهذا النوع من المصنفات (12). ويبدو ان هذا الاتجاه يتطلب الابتكار الاصيل المطلق ـ ان صح منا هذا الوصف ـ ويشترط لبسط الحماية ان يكون المصنف مستقلا عن غيره من المصنفات وغير منقول من مصنف اخر لاجل بسط الحماية عليه، أي ان يستقل جهد المترجم في ترجمته عن جهد المؤلف الاصلي . اما الاتجاه اللاتيني فيذهب الى ان النقل او الاستنساخ من مصنف اخر لايعني غياب الاصالة والابتكار، بل ان الطابع المميز لمؤلفه هو الاساس وان كانت المصنفات المشتقة لا ترقى الى مرتبة الاصالة الكاملة – المطلقة -(13). فالابتكار الذي يتجسد في الترجمة هو ابتكار نسبي، وهذا ما ايده جانب من الفقه على اعتبار ان المترجم بعمله يستلهم افكار من سبقه ويستعيرها ثم يعالج هذه الاستعارات باسلوب شخصي في اختباره الالفاظ والعبارات الخاصة (14)، فالترجمة تتجسد في اطار صورة موجودة سلفا لا يمكن الخروج عنها على خلاف المصنف الاصلي الذي يتمتع بابتكاراتٍ مطلقة او ابداع كامل (15) ، فالابتكارية النسبية تتفق مع ما يعرف بالمصنفات المشتقة او المركبة وهذا ما عليه الاتجاه العالمي في غالبية التشريعات بشرط اصالتها والتي تتجسد بديهياً فيما اجراه المترجم من اختيارات في الالفاظ والمعاني(16). ويمكن القول، ان الابتكارية أياً كانت نسبية ام مطلقة فالمهم ان نكون بصدد ابتكار ما. فالقانون يبسط الحماية لمجرد وجود ابتكار من دون تمييز بين ما هو اصلي او مشتق هذا من ناحية، اما الناحية الثانية فهي ان نتاجات الفكر الإنساني لا يمكن ان ترقى الى الكمال المطلق والابتكارية الكاملة، لان كل مؤلِّف مهما بلغ نتاجه من دقة فانه لا يخلو من هفوات، فضلاً عن ان كل مؤلف أو مترجم ينظر الى الفكرة التي يقوم بمعالجتها وترجمتها من زاوية مختلفة، والغرض من التمييز بين الابتكار في المصنفات الاصلية والمشتقة هو الوقوف على درجة الحماية التي فرضها القانون للمصنفات الاصلية بمجرد ظهورها من دون قيد او شرط، على عكس المصنفات المشتقة التي فرض القانون لحمايتها عدم الاخلال بحقوق المؤلِّف الأصلي، وعلى هذا الاساس فان الحماية القانونية تنبسط على الفكرة المترجمة ذاتها فيما لو ترجمت من مترجمين اثنين على الرغم من البعد في الشبه بينهما. فاساس الحماية هو اسلوب المعالجة واختيار الالفاظ في هذا السياق وفقا لما تمليه عليه شخصيته وابداعاته الذهنية . وهذا المعنى ينطبق على البرامج المترجمة المعدة بواسطة الحاسوب فهي تنطوي على عنصر الابتكار رغم استخدام هذا النوع من المصنفات لنمط معين ومحدد سلفا (17)، فالابتكار يستمد من طبيعة البيانات التي تتمم معالجتها وعرضها وتجميعها وترتيبها، فالحماية تدور مع الجهد المبذول سواءً أكان في الخلق ام العرض ام التبويب (18) ، فمتى ما حمل المصنف جهداً شخصياً وتوصل الى نتائج لم يسبقه اليها احد شملته الحماية، وهذا ماسار عليه القضاء الفرنسي (19) . ومتى ماوجد طابع شخصي في معالجة فكرة ما امتد القانون لحمايتها دون النظر الى اهمية المصنف المترجم وقيمته (20) ،وقد قيل في هذا المعنى ان هناك اتفاقاً عاماً على ان جودة المصنف او قيمته من المسائل التي تتعلق بذوق كل فرد وانها لاتمثل عنصرا من عناصر تعريف المصنف (21) .

البند الثاني : الشرط الشكلي

لفرض الحماية القانونية، لابد من وجود الشكل والتعبير المفهوم للاصالة والابتكار الذي، يدركه العقل البشري وتظهر من خلاله الى الوجود، وهذا يعني التعبير عن الفكرة بشكل مادي. والتعبير هو تجسيد الفكرة بشكل مادي ملموس يمكن للجمهور الاطلاع عليه،(22)فالقانون يحمي من باب اولى الافكار اذا ما افرغت في قالب معين، والا فانها بذاتها مستبعدة من نطاق الحماية، لانها من حيث الاصل حق للكافة وبالتالي لايمكن تقييد حرية الاشخاص بعدم ايجاد افكار او اللجؤ الى افكار لاتزال في طور المعالجة ولم تتجسد بشكل مادي (23)، فمن غير المعقول ان نفرض على الكافة احترام فكرة لم تظهر الى الوجود بشكل مادي لمجرد ادعاء ملكيتها لشخص معين، فهذا يؤدي الى وضع العراقيل والعقبات بل تحجير لدور الابداع عند معالجتها بصيغة معينة إلا بعد موافقة من يملكها (24). ثم ما هي الطريقة لاسناد هذه الفكرة الى من يدعي عائديتها وهي عنصر معنوي كامن بين ثنايا النفس، مما يثير بذلك مسائل واشكالات يصعب التوصل معها الى حلول وبالتالي الحد من تقدم العلوم والمعارف . وهذا المعنى ينطبق على الترجمة، على الرغم من أن الفكرة المترجمة محمية اصلا. الا ان الحماية تنصب على فكرة الاسلوب الذي عالج فيه المترجم فكرة موجودة في الاصل، فالفكرة التي جسدها المترجم في تعبير معين واسلوب معين هي التي تخضع للحماية . واستنادا إلى هذا، لابد من تجسيد المصنف المترجم وافراغه في صورة مادية يبرز فيها الى الوجود، ولا يبقى مجرد مشروع بالذهن بحاجة الى اطار يظهر فيه، متى ما تجسد بشكل معين خضع لقواعد الحماية التي تخضع لها سائر المصنفات (25)، بل ان المصنَّف يجب ان يتداول – ينشر – بين الجمهور الذي من اجله تم صياغة الفكرة ومعالجتها بالشكل الذي ظهرت به، وهذا يعني انفصاله عن ذهن صاحبه واستقلاله بشكل مادي (26)، ولا أهمية بعد ذلك للشكل الذي ظهرت به هذه الفكرة فهو مختلف باختلاف طريقة العرض والصياغة التي تم التعبير بها عن فكرة معينة (27)،وهذه القاعدة منصوص عليها في صلب قانون حماية حق المؤلف العراقي في مادته الاولى فقرة (1) بالقول (( او طريقة التعبير عنها….)) وكذلك المشروع العراقي لحق المؤلف في مادته (3)اولا منها. فالنظام الانكلوسكسوني يستوجب ضرورة ان يكون المصنف مثبتا بالكتابة او باي شكل مادي اخر لكي يتمتع بالحماية، على الرغم من كون المصنف ابداع ذهني وليس شيئا ماديا اخر لكنه لا يكتسب الحماية الا بعد التعبير عنه ماديا (28). فهذا النظام يستبعد كما يبدو، التعبير الشفهي للمصنف لان شرط التثبيت بالكتابة او بشكل مادي وهو الاساس لبسط الحماية القانونية على المصنف. أما التشريعات اللاتينية المستمدة من اتفاقية برن بما فيها القانون الفرنسي، فلا تتطلب شكلا معينا انما تنبسط الحماية أيا كان التعبير المستخدم في عرض المصنف والشكل الذي ظهر به إلى الوجود. وهذا المعنى تجسد في نص المادة (112/1 )من القانون الفرنسي عندما نص على ان الحماية تشمل المصنفات الأدبية والعلمية مهما كانت طرق التعبير عنها (29). فخلاصة القول، أن القانون لا يحمي الافكار بذاتها الا اذا ارتدت ثوبا خارجيا تظهر فيه للوجود. فإنها من حيث الاصل غير خاضعة للحماية لان طبيعتها تأبى مثل هذا التقييد، لذلك قيل ان الافكار حق للكافة ويمكن لاي شخص الاستفادة منها او الاستئثار بها على وجه الاطلاق، فالتعبير هو الشكل الذي يمكن من خلاله تثبيت فكرة معينة باي طريقة مادية بعد معالجتها باسلوب ذهني يجسد فيه المترجم مميزات شخصيته ويعكس ابداعاته وابتكاراته الذهنية، فالافراغ انما هو وسيلة لاسناد الامتيازات والجهود الذهنية لشخص معين هو صاحب الاسلوب والتعبير الذي ظهرت به فكرة معينة لى الوجود، وبالتالي الاحتجاج بها تجاه الغير بعدها حق له.

______________________

– من القوانين المقارنة م1/ من القانون العراقي ،م1-111/ من القانون الفرنسي لحماية حق المولف رقم (385) لعام 1995 المعدل والمشروع العراقي لحماية حق المؤلف لسنة 1993في مادته(3)،والقانون المصري لحماية حق المؤلف رقم (354) لسنه 1958 المعدل ، م1 / منة والقانون الاردني رقم (22) لسنة 1992 م3 / منه ، والقانون الاماراتي رقم (40) لسنه 1992 م2/ منه، والمادة الاولى من الاتفاقية العربية لحماية حقوق المولف، والمادة الاولى من التشريع النموذجي العربي لحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 1998 منشور في حقوق المؤلف في الوطن العربي في اطار التشريعات العربية والدولية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 1999، ص220

2- أ. عبد الوهاب التحافي، موسوعة القوانين الاجتماعية الثورة (17 – 30) تموز تشريعات الرعاية الاجتماعية (1) بغداد، 1999 ، ص 152.

3- د. نوري حمد خاطر، قراءة في قانون حماية حق المؤلف الاردني، مجلة مؤته للبحوث والدراسات، مجلد 12، عدد (1) 1997 ، ص 372 .

4- د. عبد المنعم فرج الصدة، حق الملكية، ط3، مصر، 1967، ص 304 .

5- د. توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية، مصر، 1974، ص 554 .

6- خاطر لطفي، قانون حماية حق المؤلف والرقابة على المصنفات، ط1، مصر، 1988، ص 17.

7- د. حسن كيرة، المدخل الى قانون، الاسكندرية ، 2000، ص 484.

8- د. محمد حسين منصور، نظرية الحق، مصر، 1998، ص 132 – 133 .

9- claude colombet، grands principes du droit dauteure et des droits voisins dans le monde ، unesco، 1990 – 1992 ، p 21.

0- Desbois، propriete litteraire et artistique، dalloz، paris، 1974 ،n8 .p.4. 1- خاطر لطفي، ص 16.

2- نوري حمد خاطر، قراءة في قانون حق المؤلف ص 372 كذلك اليونسكو، المبادي الاولية لحق المؤلف 1981 ص 34

3-claude، op، cit، p 34

4- Desbois، op، cit، no 8، p 4 (5) خالد حمدي عبد الرحمن، الحماية القانونية للكيانات المنطقية، مصر، 1994 ص 219-220.

6- Caude، op،cit، p35

7- د. نوري حمد خاطر، الحماية المدنية لبرامج الحاسوب، مؤتمر العلمي الاول لحقوق الانسان ، عمان الاردن 1999 ص 134 – 135.

8- د. حسام الدين الاهواني، حماية حقوق الملكية الفكرية في مجال الأنترنت، بحث مقدم الى المؤتمر العالمي الاول، حول الملكية الفكرية، الاردن ،2000 ،ص 8 – 9، وايضا د. نواف كنعان ص 213

9- د.نوري حمد خاطر، الحماية المدينة لبرامج الحاسوب، ص 134

20- د. جلال علي العددي، د.رمضان ابو السعود ، د.محمد حسين قاسم، الحقوق وغيرها من المراكز القانونية، الاسكندرية ،1996 ،ص 383 ، وايضا د. تركي صقر، حماية حقوق المؤلف بين النظرية والتطبيق، دمشق، 1996، ص 73 – 74 .

21- Claude ،op، cit ،p 23

22- د. نوري حمد خاطر ،الحماية المدنية لبرامج الحاسوب، ص 133.

23- المبادي الاولية لحق المؤلف، اليونسكو، ص 18.

24- نوري حمد خاطر، قراءه في قانون حق المؤلف، ص 373 – 374

25- خاطر لطفي، ص 16

26- د. محمد شكر سرور ،النظرية العامة للحق ، ط1 ،مصر، 1979 ،ص 75

27- د. مصطفى الجمال ،د .حمدي عبد الرحمن ،المدخل لدراسة الفانون، نظرية الحق، مصر، د ت، ص 22

28- Claude ، op، cit، p 20

29- L-112 -1 ( les dispositions du present code protegent ies dorits des auturs sur toutes les oeuveres de esprit qule quels soient le gener la forme d expression le merite ou la destination )

المقابلة لنصوص المواد 1/ ا من القانون العراقي ،م 3 اولا من المشروع العراقي لحق المؤلف لسنة 1993،م1/من التشريعي النموذجي العربي لحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة ،م/2 من اتفاقية برن م 1/من الاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف، م1 / من القانون المصري ،م3/1من القانون الاردني ،الفصل 1/من القانون التونسي.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .