أجملت المادة (6‏) من القانون الشروط الشرعية (الموضوعية) لعقد الزواج فأكدت على أنه : –

‏(أ)- لا ينعقد عقد الزواج إذا فقد شرطاً من شروط الانعقاد أو الصحة المبينة فيما يأتي : –

(أ) اتحاد مجلس الإيجاب والقبول .

‏(ب) سماع كل من العاقدين كلام الآخر واستيعابهما بأن المقصود منه عقد الزواج .

‏(جـ) موافقة القبول للإيجاب .

‏(د) شهادة شاهدين متمتعين بالأهلية القانونية على عقد الزواج .

‏(هـ) أن يكون العقد غير معلق على شرط أو حادثة غير محققة .

‏وعليه ، سوف نتطرق إلى دراسة هذه المادة لبيان وشرح أهم شروط عقد الزواج وهي (شروط الانعقاد – وشروط الصحة) .

أولاً : شروط الانعقاد : –

‏وهي الشروط التي يتم العقد بوجودها وينعدم بانعدامها ولا يترتب على العقد أي حكم من الأحكام التي وضع العقد لإفادتها . أي بعبارة أدق ، هي الشروط التي إذا اختل شرط منها كان العقد باطلا . وهي كثيرة ، منها ما يتعلق بالعاقد ، ومنها ما يكون شرطا في المعقود عليها ، ومنها ما يخص صيغة العقد (1) .

١- أن يكون العاقد أهلا لمباشرة العقد : وتتحقق الأهلية بالعقل والتمييز لأن العقد يعتمد الإرادة والقصد والرضا من العاقد ، وعليه فلا ينعقد زواج المجنون والصبي غير المميز ، لأن كلا منهما ليس أهلا للتصرف . ونصت الفقرة (1) من المادة (7‏) على ذلك (يشترط في تمام أهلية الزواج العقل واكمال الثامنة عشرة) غير أنه استثنى من هذه القاعدة العامة ، الصغير الذي أكمل الخامسة عشرة من العمر ، ولم يبلغ سن الرشد ، وأجيز من قبل القاضي بالزواج ، بعد موافقة وليه الشرعي ، وكذلك المريض عقليا ، والقاصر الذي بلغ الخامسة عشرة ولم يكملها للضرورة القصوى.

٢- سماع كل من العاقدين كلام الآخر واستيعابهما بأن المراد منه إجمالا عقد الزواج ، وعليه فلا ينعقد زواج الأصم إلا إذا فهم المقصود منه بطريقة ثانية.

٣- اتحاد مجلس الإيجاب والقبول : وفيه يكون كل من الطرفين حاضراً في المجلس ويصدر فيه الإيجاب والقبول مرتبطاً أحدهما بالآخر بشرط أن لا يقع بينهما ما يدل على الانشغال والأعراض عن العقد.

٤- موافقة القبول للإيجاب ومطابقته له : وتتحقق هذه الموافقة باتحاد القبول والايجاب فيب موضوع العقد ومقدار المهر ، ذلك لأن العقد عبارة عن اجتماع الإرادتين على شيء واحد ، فإذا اختلفا فلا اجتماع ، ولا عقد (2) . وعليه إذا قال رجل لآخر زوجت ابنتي (ليلى) لابنك (محمد) على ٠ ‏مهر قدره ألف دينار ، وقبل زواجها لابنه المعين بالمهر المسمى صح العقد . وكذلك لو قالت المرأة زوجتك وانكحتك نفسي يا فلان بن فلان على مهر معجل (٥٠٠) دينار ومؤجله (ألف دينار) فقال الرجل قبلت التزويج على مهر معجله (١٠٠) دينار ومؤجله (٢٠٠) دينار لا ينعقد العقد .

٥- أن يكون العقد غير معلق على شرط أو حادثة غير محققة . ومعنى هذا ، أن لعقد الزواج صيغا وأحكاماً ، الأصل أن يصدر الإيجاب والقبول بصيغة مطلق غير مقيدة بشيء أصلاً ويقع صحيحاً . أما إذا علق فيه الإيجاب والقبول من كلاهما على مضمون جملة أخرى بإحدى أدوات الشرط أو على حصول أمر في المستقبل لا ينعقد العقد . لأن عقد الزواج من عقود التمليكات التي لا تقبل الاضافة إلى المستقبل ، ولا التعليق على ما كان معدوما وقت التعاقد . ‏ولكن ما حكم العقد المقرون بشرط ؟ هنا ينبغي أن نلاحظ أمرين : –

(أ) إذا كان الشرط ملائماً للعقد ومن مقتضياته أو مما جرى عليه العرف فلو قالت المرأة للرجل زوجتك نفسي بشرط عدم إخراجي من القطر العراقي فقبل الرجل الزواج ، واذا اشترطت في العقد ألا يتزوج عليها زوجها مح العقد والشرط معاً ، ‏والشرط المتعلق بحق الزوجة في اختيار السكن المثبت في عقد الزواج هو شرط صحيح ، عملا بحكم الفقرة (3‏) من المادة (6‏) من قانون الأحوال الشخصية (3). ولا تكون الشروط معتبرة ولا يلزم الوفاء بها ما لم تدرج ضمن عقد الزواج (4).‏

(ب) أما إذا كانت الشروط غير مشروعة ولا تقتضيها طبيعة العقد ، كما لو اشترطت الزوجة في العقد بأن يطلق ضرتها أو أن يتخلى عن واجبه في الإنفاق على أبويه المحتاجين للنفقة ، أو يسكنها في بيت أهلها ، فالعقد صحيح والشرط باطل ولا يجبر الزوج على الوفاء به .

‏ودليل ذلك قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : (المؤمنون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالا ، وأشارت الفقرة (3) من المادة (6) إلى أن (الشروط المشروعة التي تشترط ضمن عقد الزواج معتبرة يجب الإيفاء بها) . أما غير المشروعة فإنها لا تؤثر في العقد فيكون العقد صحيحا والشرط باطلاً ونهى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها بقوله : (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مئة شرط) . فضلا عن ذلك يحق للزوجة طلب الفسخ عند عدم الإيفاء بها وهذا ما نصت عليه الفقرة (4) من المادة ذاتها) للزوجة طلب فسخ العقد عند عدم إيفاء الزوج بما اشترط ضمن عقد الزواج) .

ثانياً : – شروط الصحة :

‏يشترط لصحة انعقاد عقد الزواج شروط إذا توفرت كان العقد صحيحاً ومنتجا ‏لآثاره ، وان تخلف فيها شرط أو اكثر كان العقد فاسداً ، وهذه الشروط هي (5) :

١- أن لا تكون الزوجة محرمة على الرجل تحريما مؤبداً – كأن تكون أخته أو خالته أو نحوهما – ولا مؤقتاً – كأخت زوجته أو خالتها أو عمتها – أي أن تكون المرأة محلا صالحاً للزواج . وعلى هذا الأساس صيغة المادة (12) بقول (يشترط لصحة الزواج أن تكون المرأة غير محرمة شرعاً على من يريد التزوج بها) .

2- وجود الولي : اشترط لصحة العقد موافقة الولي إذا كانت المرأة صغيرة أو مجنونة ، أما إذا كانت كبيرة وعاقلة فهي أحق بنفسها محلى وفق ما نصت عليه المادة (2) من التعديل الثاني لقانون الأحوال الشخصية رقم (21) لسنة ١٩٧٨ ‏ ، حيث أجازت لمن أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج بموافقة وليه (الأب) وأذن من القاضي . ‏

3- حضور الشهود العقد : اختص الشارع عقد الزواج من بين سائر العقود باشتراط ‏الشهادة عليه ، بحضور شاهدين عاقلين بالغين عادلين(6). يسمعان كلام ‏المتعاقدين (الزوجين) ، وأن يفهما أن المراد منه عقد الزواج حتى يتحقق الفرض من الشهادة لأن الشهادة شرط في عقل الزواج ولا يصح العقد بل ونها . استدلالا بقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) : (لا نكاح إلا بشهود) وقال : (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) . ذلك أن عقد الزواج له شأن عظيم في الإسلام . لما يترتب عليه من المصالح الدينية والدنيوية في وجب إذاعته واشهاد الناس عليه والعلم به تشريفا له وتكريما . هذا واختلف الفقها ، المسلمون في كون الشهادة شرط انعقاد أم صحة أم أنه يصح بعدمها ، فبعض الفقهاء يرى أنه لا يصح عقد النكاح دون شهادة ، والبعض الآخر يرى وجوب إعلان العقد وليس الإشهاد عليه ويرى المالكية أنه يحب الاشهاد على الدخول وليس العقد . وآخرون يرون أنه يصح العقد والدخول دون شهادة . إلا أن المستحب هو الإشهاد ، وأخيرا استقر قانون الأحوال الشخصية على وجوب الشهادة لما لعقد الزواج من أهمية فنصت الفقرة (د) من المادة (6) من القانون على (شهادة شاهدين متمتعين بالأهلية القانونية على عقد الزواج) ويجوز أن يكون الشاهدان من أقارب الزوجين كالأب والابن والأخ والعم . . إلخ ، ويشترط أن يكونا مسلمين إذا كان الزوجان مسلمين .

٤- أن يكون العقد مؤبدا غير مؤقت بمدة معينة أو غير معينة ، فلو قال رجل لامرأة تزوجتك لمدة سنة – مثلا – لم يكن الزواج صحيحا .

‏يتضح مما تقدم ، أهمية شروط الصحة في العقد ، حيث أن تخلفها كلها أو بعضها يجعل العقد فاسداً ، وبالتالي لا يحل دخول الرجل بالمرأة ، وإن دخل بها وجب أن يتفرقا والا فرقهما القاضي جبرا (7) ، مع ترتب بعض الآثار على هذا الزواج الفاسد كالنسب ووجوب العدة ومهر المثل.

ثالثاً : شروط النفاذ : –

‏وهي أن يكون العاقد ذا ولاية في إنشاء العقد ، فإذا لم يكن للعاقد أهلية الزواج ، كأن يباشره الصغير أو المعتوه ، أو عقد لغيره من غير ولاية عليه ولا وكالة منه ، كما يباشر فضولي عقد زواج الغير. وأمثال هذه العقود تكون موقوفة غير نافذة. وعمليا يندر وجودها أمام المحاكم.

رابعاَ : شروط اللزوم :

‏وهي التي إذا تخلف أحاها كان لصاحب الشأن حق طلب فسخ عقد الزواج ، وتقوم هذه الشروط على القاعدة الفقهية التي تعطي العاقد أو الولي الحق في الفسخ إذا شاب العقد عيب من عيوب الرضا . كالتغرير الذي يصيب عقل الزواج وبالذات ما يتعلق بالكفاءة. . . أو إذا زوجت البالغة العاقلة نفسها من غير ولي أو بأقل من مهر المثل ، أو الزواج بغي كفء ، أو ظهر أن في الزوج عيبا مستحكما لا يمكن استمرار الحياة الزوجية معه إلا بضرر. وهذه الشروط أصبحت غير ذات موضوع بالنظر لأحكام قانون الأحوال الشخصية العراقي.

___________________

1- انظر بهذا الخصوص ، د. أحمد الكبيسي وأخرون ، شرح قانون الأحوال الشخصية ، مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر ، جامعة الموصل ، الطبعة الاولى ، ١٩٨٠ ‏ ، ص ٣٢ ‏.

2-انظر حسين على الاعظمي ، احكام الزواج ، مطبعة المعارف ، الطبعة الثانية بغداد 1948 – 1949 ، ص ٢٠ ‏ ، وكذلك زكي الدين شعبان ، الزواج والطلاق في الإسلام ، الدار القوصية للطباعة والنشر ، القاهرة ، ١9٦٤ ، ص ١٦ ‏.

‏3- قرار ٤٨١ ‏/ شخصية/ ١٩٧٦ ‏ ، بتاريخ ١٤ ‏/ ٤ ‏/ ١٩٧٦ ‏منشور في مجموعة الأحكام العدلية ، العدد (الثاني) السنة السابعة ١٩٧٧ ‏.

4- قرار ٥٩٨ ‏/ شخصية/ ٩٨٠ ‏في ١٢ ‏/ ٥ ‏/ ١٩٨٠ ‏منشور في مجلة الأحكام العدلية العدد (2) ١٩٨٠ .

5. لاحظ المزيد من التفاصيل ، أنور العمروسي ، المرجع الوافي في قضاء الأحوال الشخصية للمعلمين ، دار الفكر الحديث للطبع والنشر ١٩٦3 ‏ص ١3٨- ١٤٦ ‏. وزكي الدين شعبان ، الزواج والطلاق في الإسلام ، المرجع السابق ، ص ١٩ – ٢٠ ‏ ، الأستاذ أحمد الحصري النكاح والقضايا المتعلقة بها ، مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة الحديثة للطباعة ١٩٦٧ ‏، ص ١٨٢ ‏- ٢٠٥ ‏.

6. اختلف الفقهاء في العدالة (اي أن يكون الشاهد غير ظاهر الفسق والجنون) فقال الشافعي لا ينعقد النكاح بشهادة الفاسق . ومثلهم قال المالكية أنه لا تصح شهادة الفاسقين في حين قال جمهور الفقهاء ومعهم أبو حنيفة وأحمد في رواية عنه . على قبول شهادته في عقد الزواج لأن الفاسق له ولاية على نفسه ، فله أن يزوج نفسه ، ومن كان من أهل الولاية على نفسه ، كان أهلاً للشهادة انظر مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية منشور في المجلة العربية للفقه والقضاء . تصدرها الأمانة العامة لمجلس وزراء العدل العرب / المغرب / العدد الثاني – السنة الثانية / تشرين أول / 1985؟ ص ٧٦ ‏.

7- راجع د. احمد الكبيسي ، شرح قانون الاحوال الشخصية ، في الفقه والقضاء ، والقانون – الزواج والطلاق واثارهما ، مطبعة الارشاد ، بغداد – الجزء الاول ، 1970 ، ص٥٩ ‏ ، وحسين علي الأعظمي ، أحكام الزواج ، المرجع السابق ، ص ٢١- 2٢ . وعبد الرحمن الصابوني ، نظام الأسرة وحل مشكلاتها في ضوء – الإسلام ، دار الفكر ، ١٩٦٩ ‏ ، ص ٥٦ ‏- ٥٨ ‏.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .