وفضلاً عن القيود القانونية المقررة لمصلحة خاصة والتي يفرضها المشرع على حق الملكية، فإنه يمكن أن يكون محلاً لنوع آخر من القيود يجد مصدره في الإرادة. سواء أكان تم ذلك عن طريق الإرادة المشتركة، أي الاتفاق، أم عن طريق الإرادة المنفردة. إذ كان تقييد حق الملكية يجد تطبيقاً هاماً له عندما يتمثل مصدر التقييد في شرط اتفاقي يتحقق بالعقد المكسب للملكية. وهو المعروف بالشرط المانع من التصرف والمقيد له. ذلك الشرط الذي انتهى بالتطور القانوني بإجازته. فالقانون والقضاء الفرنسي لم يجيزا في بادئ الأمر شرط المنع من التصرف إلا بعد فترة ابتغاء حماية مصالح مشروعة يكون الشرط فيها مؤقتاً وفي حالات وردت في القانون حصراً(1).

وقد تبنى المشرع المصري هذا الموقف، مما حدا به إلى صياغته في المواد 823 و 824 من التقنين المدني المصري الحالي. وكذلك سار المشرع الأردني على النهج نفسه إذ أجاز شرط المنع من التصرف: ونص عليه في المادة (1028) والمادة (1029)(2). ويقصد بشرط المنع من التصرف الشرط الذي يمنع المالك من التصرف في ملكه، كما لو اشترط الواهب على الموهوب له عدم التصرف في المال الموهوب لمدة معينة فهو يزيد على تصرف قانوني نحو العقد، أو الوصية، أو الهبة(3). وفيما يتعلق بموقف الفقه والقضاء العراقي من شرط المنع من التصرف فسنوضحه فيما يأتي:

لم يرد في القانون المدني العراقي نص يجيز أو يمنع الشرط المانع من التصرف. الأمر الذي أدى إلى كثرة الآراء لدى الشراح والفقهاء في العراق، فمنهم من يرى أن عدم أخذ المشرع العراقي بحكم المادتين المصريتين (823) (824) لا يمكن تفسيره إلا على أساس عدم رغبة المشرع العراقي في الأخذ بأحكامها، إذ ترك الأمر في ذلك إلى القواعد العامة التي تنص عليها المادة (131) من القانون المدني العراقي. لأن الأصل أن شرط المنع من التصرف مخالف للنظام العام، لتجريده الملكية من أبرز عناصرها، ولمخالفته لمبدأ حرية تداول الأموال، فهو غير جائز إلا في الأحوال التي نص عليها القانون، أو جاء بها المشرع كالوقف، على أن المنع في هذه الأحوال يجب أن يكون مبنياً على باعث مشروع، ومقصوراً على مدة معقولة(4).

ويذهب رأي آخر إلى القول: بأنه لا مناص من تطبيق أحكام القواعد العامة. وهي تقضي بأن كل شرط غير ممنوع بالقانون وغير مخالف للنظام العام أو الآداب العامة بشرط صحيح يجب احترامه. وعلى هذا فإن شرط المنع من التصرف متى كان مؤقتاً وكانت للمشترط مصلحة جدية من وراء اشتراطه هذا يعد شرطاً صحيحاً يجب العمل به(5). في حين يرى فريق ثالث من الشراح في العراق أنه : لا يمكن تفسير إغفال النص المصري المذكور عندما نقل المشرع العراقي أحكامه من مشروع القانون المدني المصري إلا بالرغبة عن الأخذ بحكمه في هذا الموضوع ولا يمكن القول بمضمونه استناداً إلى مبدأ حرية التعاقد المقررة في القانون المدني العراقي، لأن هذا المبدأ مقرر في القانون المدني المصري نفسه.

وعلى الرغم من ذلك فإنه لم يغن عن النص على شرط عدم جواز التصرف كشرط استثنائي مقيد بقيود محددة بغايته. كما أن حرية التعاقد يعارضها من جهة أخرى ولاية المالك على ما يملكه وعد هذه الولاية سلطة واجبة الحرمة على الناس كافة، وغير خاضعة إلا لما يتقرر بالنص من قيود(6). ونذهب إلى ما ذهب إليه الرأي الأخير، إذ يعد أقرب إلى الصواب. ذلك لأن القيود التي ترد على حق تصرف المالك في ملكه لابد من النص عليها صراحةً. وكان على المشرع العراقي إضافة نص المادتين المصريتين (823 و 824) إلى القانون المدني العراقي لحسم الخلافات الفقهية، ولمنع اختلاف أحكام القضاء العراقي.

_____________________

1- د. حسن كيرة – الموجز في أحكام القانون المدني – منشأة المعارف – الإسكندرية – 1975 – ص 120.

2- د. علي هادي العبيدي – مصدر سابق – ص 23. وأنظر كذلك د. عبد الرزاق السنهوري – مصدر سابق – ص 507.

3- د. علي هادي العبيدي – مصدر سابق – ص 42.

4- د. عبود عبد اللطيف البلداوي – مصدر سابق – ص 295.

5- د. صلاح الدين الناهي – مصدر سابق – ص105. وأنظر كذلك د. حسن الذنون – مصدر سابق – ص 62 – بند 58. تنص المادة (57) من القانون المدني العراقي على أنه: (( يصح أن يرد العقد على أي شيء آخر لا يكون الالتزام به ممنوعاً بالقانون أو مخالفاً للنظام العام أو للآداب)).

6- د. صلاح الدين الناهي – مصدر سابق – ص 105.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .