ان دراستنا في هذا الموضوع سوف تقتصر على الخصائص الآتية:

أولاً. الوكالة بالخصومة من العقود الرضائية.

ثانياً. الوكالة بالخصومة من عقود المعاوضة.

ثالثاً. الوكالة بالخصومة من العقود الملزمة للجانبين.

رابعاً. الوكالة بالخصومة تقوم على الاعتبار الشخصي.

أولاً. الوكالة بالخصومة من العقود الرضائية:

تنعقد الوكالة بالخصومة بمجرد توافق ارادة الموكل مع ارادة الوكيل على تمثيل الاخير للأول في خصومته امام القضاء دون ان يستوجب انعقادها -الوكالة بالخصومة– شكلا خاصا، مما يستتبع القول انها من العقود الرضائية، اذ يجوز إنشاؤها بصورة شفوية او بالكتابة بسند عادي أو رسمي، في هذه الحالة تكون الكتابة للاثبات لا للانعقاد. ان الفقه(1) الإسلامي مجمع على انعقاد الوكالة بصورة عامة ومنها الوكالة بالخصومة بكل لفظ يدل على ارادة التوكيل وليس للتوكيل لفظ مخصوص فيصح بكل ما يدل العرف او اللغة على انه توكيل كوكلتك او انت وكيلي او أذنت لك او فوضتك عني او انبتك عني. الا ان معرفة المحكمة للصلاحيات القانونية التي يتمتع بها الوكيل بالخصومة والممنوحة له من الموكل أمر مهم ويتطلب الوقوف عليها لتجنب اثار انكار اعمال واجراءات الوكيل بالخصومة المتخذة نيابة عن موكله ولاسيما الضارة منها والتي تكون نتيجة متوقعة في الوكالات التي تتم بصورة شفوية، ولسد المجال امام من ينوي انتحال صفة الوكيل بالخصومة عن احد الخصوم، ولتوفير ضمانة أكيدة لإجراءات التقاضي وحمايتها من الدفع بالبطلان، وكذلك بدافع العمل على استقرار الأحكام والقرارات القضائية، فانه يتوجب على القاضي اولا وقبل كل شيء التأكد من صحة التوكيل من خلال تكليف الوكيل بالخصومة اثبات وكالته عن موكله وما تتضمنه من صلاحيات ممنوحة، لهذا فقد اجمع الفقه(2) الإسلامي على ضرورة اثبات الوكيل انه مفوض من الموكل وبيان الصلاحيات التي يمتلكها بموجب هذا التوكيل قبل مباشرته لخصومة الموكل. وذكر السرخسي في المبسوط ما يأتي: (وإذا وكل الرجل بالخصومة عند القاضي يعرف الموكل فهو جائز لأن علم القاضي بالوكالة يتم إذا عرف الموكل وعلمه أقوى من شهادة الشهود عنده، وإن لم يعرفه لم يقبل ذلك منه حتى يشهد للوكيل على الوكالة شاهدان يريد به أن الوكيل إذا حضر خصم يدعي لموكله قبله مالاً وذلك الخصم يجحد وكالته فالقاضي يقول للوكيل قد عرفت أن رجلاً من الناس قد وكلك، ولكني لا أدري من يدعي له الحق الآن هو ذلك الرجل أم لا لأني ما كنت لأعرف ذلك الرجل فلهذا لايجد الوكيل بداً من إقامة البينة على الوكالة من جهة ذلك الرجل الذي يدعي الحق له)(3). أما القوانين المقارنة فقد جاءت مواقفها مطابقة لموقف الفقه الإسلامي، الا انها حصرت طريق اثبات الوكالة بإبراز سند التوكيل(4). والمقصود بسند التوكيل هو (سند يتضمن اقرار الموكل باتخاذ شخص معين وكيلاً عنه يتمتع بالصلاحيات القانونية المدرجة فيه ومصادق عليه من قبل جهة رسمية ذات اختصاص).

ان وجوب اثبات الوكالة بالخصومة بسند التوكيل الذي يصادق عليه بشكل معين حدده القانون(5). ادى بجانب من الفقه القانوني(6). إلى القول ان عقد الوكالة بالخصومة لا ينعقد ما لم تراع فيه الشكلية التي نص عليها القانون. إلا ان اشتراط اثبات الوكالة بالخصومة من خلال ابراز سند التوكيل حصرا والذي يراعى في تصديقه الشكل المنصوص عليه في القانون لا يتنافى مع الخاصية الرضائية لهذا العقد، اذ بادى ذي بدء يتفق الموكل والوكيل على المسائل الجوهرية لهذا العقد اتفاقا نهائيا كالأتعاب وبيان مصير الخصومة – أي نتيجتها المتوقعة – وغالباً ما يدفع الموكل للوكيل بالخصومة جزءا من الأتعاب ومن ثم يحرر الموكل سند الوكالة او التوكيل ويصدقه لدى الجهة المختصة بتصديقه، أي ان الوكالة بالخصومة تنعقد اولا ونتيجة وجود هذا العقد يصادق الموكل لوحده سند الوكالة بوصفه دليلاً مادياً ملموساً على صحة تفويضه للوكيل وامتلاكه للصلاحيات القانونية التي تخوله حق تمثيل الموكل لدى القضاء، كما ان الأصل في العقود مبدأ الرضائية والإستثناء ما ينص عليه القانون بما انه لا يوجد نص قانوني يضفي الصفة غير الرضائية على هذا العقد فلا يجوز القول خلاف المبدأ العام، كما ان التكليف باثبات التصرف يقتضي حتما وجود تصرف سابق يكون محلاً للإثبات ولا يعقل العكس، كما ان نصوص القوانين المقارنة باستثناء القانون العراقي واضحة يفهم منها ان الغاية من سند الوكالة هو اثبات التفويض وما يتضمنه من صلاحيات، فبالنسبة إلى القانون الأردني فان نص الفقرة الثانية من المادة (63 ) من قانون أصول المحاكمات المدنية يتضمن بانه (يجب على الوكيل ان يثبت وكالته عن موكله بسند رسمي …) اما بالنسبة إلى القانون المصري فان المادة (73) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تضمنت بانه (يجب على الوكيل ان يقرر حضوره عن موكله وان يثبت وكالته عنه …)، اما القانون الفرنسي فقد نصت المادة (416) من قانون الإجراءات المدنية انه (على كل شخص ينوي تمثيل احد أطراف الدعوى ان يثبت استلامه للوكالة التي تمنحه الصلاحيات القانونية …

اما القانون العراقي فان الشق الأخير للفقرة أولاً من المادة (51) من قانون المرافعات المدنية جاء غامضا غير موضح لهذه الغاية اذ نص على ما يأتي: -(…ويكون ذلك بوكالة مصدقة من كاتب العدل او المحكمة المنظورة أمامها الدعوى…). الا ان القراءة المتفحصة والمتأملة للنص يفهم منها ان الغاية من سند الوكالة هو إثبات التوكيل وما يحتويه من صلاحيات ولاتعني مطلقا ان الشكلية المطلوبة في تصديق سند الوكالة ركن اخر من اركان عقد الوكالة بالخصومة، ولازالة هذا الالتباس والابهام حول نص الفقرة اولا في المادة (51 ) من قانون المرافعات المدنية ولبلورة الغاية منه نقترح إعادة صياغة النص بما يؤمن تحقيق الهدف والغاية. وعلى الرغم من أن الوكالة بالخصومة من العقود الرضائية، فانه طبقا للقواعد العامة يجوز لأطراف العقد الاتفاق على جعله عقداً شكلياً من خلال اتفاقهم مثلا أن كتابة العقد هي ضرورية للانعقاد، ففي مثل هذه الحالة لا يصبح العقد منعقدا ما لم يتم تحريره، وان الشروط التي تغير من خاصية العقد يجب مراعاتها ما دامت لا تخالف قاعدة قانونية أمرة وقواعد النظام العام والآداب.

ثانياً. الوكالة بالخصومة من عقود المعاوضة :

الوكالة بالخصومة عقد فيه فائدة ومنفعة لكل من المتعاقدين –الوكيل بالخصومة والموكل– أي ياخذ فيه كل من المتعاقدين مقابلاً لما أعطاه، فالوكيل بالخصومة يسدي خدماته القانونية ويمثل موكله أمام القضاء مقابلاً للأجور التي ياخذها، والموكل يدفع الاجور مقابل الانتفاع بالخبرة القانونية التي يقدمها الوكيل بالخصومة وعن تمثيله امام القضاء، يستنتج مما تقدم ان هذا العقد هو من عقود المعاوضة. وعلى الرغم مما توصلنا إليه من عدّ الوكالة بالخصومة من عقود المعاوضة فانه يمكن عدها من عقود التبرع، وذلك في حالة التوكل في خصومة الغير مجانا او تنازل الوكيل بالخصومة عن حقه بالاتعاب اذ بتوافر نية التبرع لدى الوكيل بالخصومة وفقدان التوازن الاقتصادي بين ما يعطيه وما ياخذه يصبح العقد عقد تبرع لا عقد معاوضة(7). الا ان اكتساب الوكالة بالخصومة خاصية المعاوضة هي الغالبة والشائعة، اذ أن غالبية الوكلاء بالخصومة ممن يعمل لقاء أجر كالمحامين والمكتب الاستشاري القانوني، اما الوكلاء من الاقارب فانه يتصور انعقاد الوكالة بالخصومة معهم دون مقابل، الا ان وجودها
في الواقع العملي(8) ضئيل جدا اذ لا تشكل نسبة (0.1 % ) من مجموع وكالات الخصومة، لذا أطلقت خاصية المعاوضة على الوكالة دون خاصية التبرع. ان تصنيف الوكالة بالخصومة من عداد عقود المعاوضة يجعلها متميزة عن الوكالة بصورة عامة التي تعد بالأصل من عقود التبرع إذا لم يشترط الوكيل الأجر أو كان ممن يعمل بلا مقابل(9).

ثالثاً. الوكالة بالخصومة من العقود الملزمة للجانبين:

يعد العقد -الذي يفرض التزامات متقابلة في ذمة كل من العاقدين بحيث يصبح كل واحد منهما دائنا ومدينا في ذات الوقت- عقدا من العقود الملزمة للجانبين، وبما ان الوكالة بالخصومة تنشئ التزامات متقابلة في ذمة الموكل وذمة الوكيل بالخصومة، اذ يلتزم الموكل بدفع الأتعاب للوكيل بالخصومة وما أنفقه الوكيل من مصاريف في تنفيذ الوكالة وتعويضه عن أية أضرار تصيبه بسبب تنفيذ الوكالة، والوكيل بموجب عقد الوكالة بالخصومة ملزم بمباشرة خصومة موكله واطلاعه على المراحل التي وصلت اليها الخصومة، إذاً هناك التزامات تفرض على اطراف عقد الوكالة بالخصومة مما يمكن معه القول ان الوكالة بالخصومة عقد ملزم للجانبين. ومع إقرارنا ان الوكالة بالخصومة تفرض التزامات متقابلة على طرفيها، الا انه قد يتصور ان تكون الوكالة بالخصومة ملزمة لجانب الوكيل وحده ولا تفرض التزامات على الموكل، ان هذا التصور يكون في حالة الوكالة بالخصومة المجانية – التبرعية – أي دون فرض أتعاب للوكيل ولم تكن هناك نفقات للوكيل في تنفيذ الوكالة ولم يصبه أذى يوجب تعويضه عنه(10). ان عدّ الوكالة بالخصومة من عداد العقود الملزمة للجانبين وطبقا للقواعد العامة يرتب نتائج عديدة منها ان امتناع احد أطراف عقد الوكالة بالخصومة عن تنفيذ التزاماته يعطي الحق للمتعاقد الآخر بطلب فسخ العقد(11)، وهذا ما يسمى بالشرط الفاسخ الضمني(12) وانه اذا استحال على الوكيل بالخصومة او الموكل تنفيذ التزامه بسبب خارج عن ارادته فان التزامه ينقضي بسبب استحالة التنفيذ(13)، ويسقط معه الالتزام المقابل ويتحمل من استحال عليه تنفيذ الالتزام تبعة استحالة التنفيذ(14)، فعلى سبيل المثال اذا التزم الوكيل بالخصومة تجاه موكله باقامة دعوى معينة، وبعد الاتفاق صدر قانون يمنع المحاكم من سماع مثل هذه الدعوى، فان الوكيل بالخصومة يكون في هذه الحالة قد استحال عليه تنفيذ التزامه ويتحمل لوحده تبعية ذلك ويسقط التزام الموكل بدفع الأجور للوكيل وإذا كان الوكيل بالخصومة قبض أجوره فعليه الالتزام باعادتها. ويترتب على عدّ الوكالة بالخصومة من العقود الملزمة للجانبين انه اذا لم يقم الوكيل بالخصومة او الموكل بتنفيذ التزامه كان للمتعاقد الآخر ان يمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يقوم غريمه بتنفيذ التزامه(15)، وهذا ما يسمى بقاعدة الدفع بعدم التنفيذ(16).

وثمة تساؤل يطرح ههنا أيجوز تمسك الوكيل بالخصومة بهذه القاعدة – قاعدة الدفع بعدم التنفيذ – في مراحل الخصومة كافة اذا اخل الموكل بالالتزامات المفروضة عليه ؟ ان الإجابة عن هذا التساؤل تقتضي التفريق بين حالتين، حالة مباشرة الوكيل بالخصومة اجراءات التقاضي باسم الموكل، وحالة عدم المباشرة بعد بخصومة الموكل. ففي حالة عدم المباشرة باجراءات التقاضي باسم الموكل أي لم يقم بتمثيل موكله ولم يستعمل سند الوكالة المعطى له، فانه يجوز له التمسك بهذه القاعدة طبقا للقواعد العامة، اما في حالة مباشرة الوكيل بالخصومة اجراءات التقاضي باسم موكله باقامة الدعوى او حضوره جلسات المرافعة نيابة عنه مثلا، فانه لا يحق له الامتناع عن تنفيذ التزاماته الناشئة عن عقد الوكالة بالخصومة حتى يرغم موكله على تنفيذ التزاماته، اذ أن الامتناع عن مباشرة إجراءات التقاضي باسم الموكل تنجم عنه اثار قانونية معينة حسب المرحلة التي وصلت اليها الخصومة، وان هذه الآثار القانونية الناجمة عن الامتناع او التوقف منظمة بقواعد قانونية آمرة اقتضتها متطلبات تنظيم حسن سير اجراءات التقاضي، وعلى افتراض إمكانية الاستعانة بقاعدة الدفع بعدم التنفيذ في كل مراحل الخصومة فان هذا الوضع سيضر المصلحة العامة المتمثلة بتعطيل عمل مرفق القضاء او تأخير عمله لان الاخذ بالقاعدة سيؤدي إلى وقف السير في الدعوى وتأخير حسمها، كما يضر الأخذ بهذه القاعدة مصلحة الخصم وخصوصا عندما يتخذ التمسك بقاعدة الدفع بعدم التنفيذ أسلوباً للمماطلة والتسويف، كما ان جلسات المحكمة مخصصة للنظر في الخصومة القائمة بين الموكل وخصمه لا للبحث في تنفيذ التزامات كل من الموكل ووكيله، والمحكمة مقيدة بعريضة الدعوى، وان الاحوال الطارئة على المرافعة التي تستوجب وقف المرافعة او انقطاعها والتي وردت على سبيل الحصر لم تورد حكماً لمثل هذه الحالة، بل ان حالة وفاة الوكيل بالخصومة التي تكون اولى بالاهتمام لما لها من تاثير في حقوق الموكل وتعد اقوى ذريعة من التمسك بقاعدة الدفع بعدم التنفيذ، لم يسمح المشرع بوقف المرافعة لسببها بل اجاز(17) للمحكمة ان تمنح الموكل اجلا مناسبا لتوكيل وكيلٍ آخر أو مباشرة الخصومة بنفسه، وعليه لو امتنع الموكل المدعي عن دفع اجور وكيله المتفق على دفعها بعد اقامة الدعوى، فليس للوكيل بالخصومة الامتناع عن مباشرة الدعوى لان ذلك سيؤدي إلى ترك الدعوى للمراجعة واذا لم يراجع موكله ولا المدعى عليه المحكمة في اليوم المعين للمرافعة واذا مضت عشرة ايام على ترك الدعوى للمراجعة ولم يقدم احد الاطراف طلب فتح السير فيها ابطلت الدعوى بحكم القانون(18)، واذا كانت الدعوى سبق وان تركت للمراجعة فان مجرد عدم الحضور وتركها للمرة الثانية يرتب ابطالاً لعريضة الدعوى(19)، وقد يكون المدعى عليه- خصم موكله- حاضرا جلسة المرافعة التي توقف عن مباشرتها الوكيل للضغط على موكله لتنفيذ التزاماته، فان عدم حضور المرافعة يعطي للمدعى عليه الحق بطلب ابطال عريضة الدعوى واذا كان المدعي عليه وكيلا يحضر عنه فانه يحكم له بثلث اجور المحاماة(20)، او النظر بالدعوى غيابيا بحق المدعي(21). وإذا كان موكله هو المدعى عليه في الخصومة، فان امتناع وكيله عن حضور جلسات المرافعة متمسكا بقاعدة الدفع بعدم التنفيذ لا يوقف المرافعة بل تستمر المحكمة باجراءات التقاضي وتسير المرافعة بحقه حضوريا(22) لثبوت حضوره جلسة او جلسات المرافعة السابقة، وقد تصدر المحكمة حكما ضده وتنقضي مدد الطعن بالحكم ويكتسب الحكم درجة البتات ويصبح قطعياً إذ أن مدد الطعن حتمية من النظام العام(23) وعدم مراعاتها يسقط الحق بالطعن. في هذا السياق قضت محكمة تمييز العراق بأن(24) (الثابت من أوراق الشكوى ان المميز (المحامي) لم يقم بالطعن بالحكم الصادر بحق موكله متذرعا ان موكله لم يراجعه لدفع رسم الطعن ، في حين كان عليه تقديم الطعن ضمن مدته المحددة وتسديد الرسم من ماله الخاص وعدم اضاعة فرصة الطعن على موكله لان رجوعه على الموكل بما انفق من مصاريف مضمون بنص القانون). واذا كان الوكيل بالخصومة بعد مباشرته اجراءات التقاضي باسم موكله لا يستطيع التمسك بقاعدة الدفع بعدم التنفيذ لارغام موكله على تنفيذ التزاماته، الا انه بامكانه اعتزال الوكالة أو التذرع بالاعتزال أسلوباً لارغام موكله على تنفيذ التزاماته، فان لم يجد التمسك باعتزال الوكالة فلا يكون امام الوكيل بالخصومة سوى مقاضاة موكله امام القضاء عن اخلاله بتنفيذ التزاماته الناجمة عن عقد الوكالة بالخصومة.

رابعاً. الوكالة بالخصومة تقوم على الاعتبار الشخصي

ان غالبية العقود الواردة على العمل ومنها عقد الوكالة تقوم على الاعتبار الشخصي، ويقصد بالاعتبار الشخصي هو ان تكون ذات الشخص او صفة فيه هي سبب رضاء المتعاقد الاخر في التعاقد، او ان تكون هذه الذات او تلك الصفة شرطا معتبرا في العقد(25)، أي ان شخصية احد المتعاقدين او كليهما محل اعتبار او ان يكون لها اعتبار خاص في التعاقد بحيث تكون شخصية المتعاقد او صفة من صفاته عنصراً جوهرياً في العقد(26). ان من المعروف ان طبيعة عقد الوكالة تقتضي ان تكون شخصية الوكيل محل اعتبار لدى الموكل، وكذلك تكون شخصية الموكل محل اعتبار لدى الوكيل ولا سيما في الوكالة دون مقابل، فالموكل عندما يقيم غيره مقام نفسه لابد ان يكون قد راعى في ذلك شخصية الوكيل او صفاته، وكذلك الوكيل اذ قد يكون السبب او الدافع إلى قبوله الوكالة شخصية الموكل او صفاته(27). ان عد الوكالة بالخصومة وكالة من نوع خاص(28)، يستتبع الأمر حتما قيام الوكالة بالخصومة على الاعتبار الشخصي، اذ غالبا ما يهتم الموكل بشخص الوكيل بالخصومة وصفاته، لما لشخص الوكيل بالخصومة وصفاته من اثر في تحقيق غاية العقد. اذ ان تحقيق غاية الوكالة بالخصومة تختلف من وكيل لاخر نتيجة اختلاف الوكلاء في صفاتهم ومؤهلاتهم، لذا نلاحظ ان الموكل عندما يسند مهام خصومته إلى الوكيل بالخصومة ويفوضه الصلاحيات القانونية لمباشرة خصومته وتمثيله امام القضاء فانه يعتمد في ذلك على نواحي عديدة(29) منها مهنة الوكيل، فلا يعقل ان الموكل يختار لمباشرة خصومته نيابة عنه غير ممتهنين الوكالة بالخصومة ممن يشهد لهم بالاحتراف لهذه المهنة والتمتع بالكفاءة العالية والمؤهلات العلمية في هذا الاختصاص، كما ان اخلاق الوكيل وحالته الصحية وسنه وديانته تؤخذ بنظر الاعتبار من قبل الموكل عند التعاقد معه. ان شخصية الوكيل بالخصومة اكثر ما تراعى وتكون محل اعتبار في عقد الوكالة بالخصومة من شخصية الموكل، ولعل قلة الاعتداد بشخصية الموكل وصفاته من قبل الوكيل بالخصومة، ان الوكيل يعد التوكل في خصومات الغير مورداً مالياً يتعيش منه، فقلما يهتم بشخصية الموكل ويعير لها الاعتبار في التعامل، كما ان تمسكه بهذه المسالة قد يفوت على نفسه فرصة العمل. ان اكتساب الوكالة بالخصومة لهذه الخاصية يرتب نتائج عدة منها ان الغلط في شخصية الوكيل بالخصومة او صفة من صفاته تجعل عقد الوكالة بالخصومة وطبقا للقواعد(30) العامة عقداً غير نافذ، وان التزامات الوكيل بالخصومة تكون التزامات شخصية، ووفقا للقانون
العراقي(31) لا يجوز لغير الوكيل بالخصومة تنفيذ هذه الالتزامات، الا اذا وافق الموكل على ذلك، أي لايجوز للوكيل بالخصومة توكيل غيره من وكلاء الخصومة في مباشرة خصومة الموكل بينما تجيز بعض(32) القوانين المقارنة –استثناءً من الأصل(33)- قيام الوكيل بالخصومة توكيل غيره من الوكلاء لمباشرة خصومة موكله، مالم يمنع من ذلك في سند التوكيل. وغني عن البيان أن المادة (25) من قانون المحاماة العراقي(34) كانت تسمح للمحامي خصماً أصلياً كان أو وكيلاً بالخصومة أن ينيب عنه في تنفيذ الوكالة بالخصومة محامياً آخر تحت مسؤوليته مالم يكن في سند الوكالة ما يمنع ذلك، إلا أن المادة المذكورة ألغيت بقرار مجلس قيادة الثورة المنحل ذي العدد 709 والمؤرخ في 3/6/1979. ان موقف القانون الأردني والمصري تجاه هذه المسالة أفضل من موقف القانون العراقي واجدر بالتأييد، إذ قد تستجد في أثناء مباشرة خصومة الموكل مسائل يتطلب حسن الموقف فيها ومراعاة لمصلحة الموكل أن يوكل الوكيل بالخصومة غيره من وكلاء المهنة فمثلاً اذا صدر حكم ضد الموكل فان التنفيذ السليم لالتزامات الوكيل بالخصومة يقتضي قيامه بالطعن في هذا الحكم، فاذا أصيب بمرض يمنعه من تقديم الطعن خلال المدة القانونية المحددة للطعن في الحكم وأعاقه المرض عن الاتصال بموكله فان جواز توكيل غيره من وكلاء الخصومة في مثل هذه الأحوال يعد أفضل الحلول والأصلح لخدمة مصلحة الموكل بدلا من انقضاء مدة طعن الحكم وفوت طريق من طرق الطعن بالحكم على الموكل وان الوكيل بالخصومة هو المؤهل لتقدير ذلك من الموكل نفسه، لذا يعد عدم الإشارة في القانون العراقي إلى حق الوكيل بالخصومة بتوكيل غيره من الوكلاء في خصومة موكله استثناءً من الأصل نقصا تشريعيا يقتضي سده، لذا نقترح على المشرع العراقي مسايرة القوانين المقارنة ومنح الوكيل بالخصومة صلاحية توكيل غيره من وكلاء الخصومة ضمن الصلاحيات الممنوحة في الفقرة (أ) من المادة (52) من قانون المرافعات وتعديل النص بالشكل الآتي: (الوكالة بالخصومة تخول الوكيل ممارسة الأعمال والإجراءات التي تحفظ حق موكله ورفع الدعاوى والمرافعة فيها حتى ختامها ومراجعة طرق الطعن القانونية وحق توكيل غيره من وكلاء الخصومة مالم ينص سند الوكالة على خلاف ذلك أو لم يوجب القانون فيه تفويضاً خاصاً). كما يترتب على قيام الوكالة بالخصومة على الاعتبار الشخصي ان موت الموكل او الوكيل او خروج أحدهما عن الأهلية يعد سببا(35) لانتهاء الوكالة بالخصومة وعدم انصراف آثار الوكالة بالخصومة على ورثتهما بنص القانون(36). وأخيرا يترتب على قيام الوكالة بالخصومة على الاعتبار الشخصي انها تعد من العقود غير اللازمة(37)، فيحق(38) للموكل عزل وكيله في أي وقت شاء، كما يحق للوكيل بالخصومة اعتزال الوكالة في أي وقت شاء.

____________________________

1- ابن قدامة، المعنى والشرح الكبير على متن المقنع، ج5، ط1، دار الفكر، دون مكان الطبع، 1984، ص202؛ الكاساني، ج6، مصدر سابق، ص20 ؛ الرملي، مصدر سابق، ص27؛ الامام احمد بن يحيى بن المرتضى، البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار، ج5، ط1، مكتبة الخانجي، مصر، 1949، ص55 ؛ القفال، مصدر سابق، ص116 ؛ تيسير محمد عبد المحسن طه، مصدر سابق، ص47.

2- ابن عابدين، مصدر سابق، ص199؛ الزيعلي، مصدر سابق، ص280، ابن نجيم، مصدر سابق، ص145؛ القفال، مصدر سابق، ص122؛ ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، ص264؛ د. محمد بن ابراهيم الغامدي، التوكيل في الخصومة في الفقه الإسلامي ملخص بحث منشور على الانترنيت موقع:

http://www.uqu.salmajalot/shariaramag/mag 24/fo8.htm.

3- الإمام شمس الدين السرخسي، المبسوط، ج19، ط3، دار المعرفة، بيروت، دون سنة طبع، ص16.

4- جاء في نص المادة (51/ف1) من قانون المرافعات المدنية العراقي انه (… يكون ذلك بوكالة مصدقة من الكاتب العدل او المحكمة المنظورة امامها الدعوى …) وتقابلها الفقرة أولى من المادة (63) من قانون أصول المحاكمات المدنية الاردني اذ جاء فيها ( … الا بواسطة محامين يمثلونهم بمقتضى سند توكيل ) والمادة (73 ) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري والمادة ( 379 ) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني والمادة (87 ) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني اليمني والمادة (415) من قانون الاجراءات المدنية الفرنسي.

5- في القانون العراقي يصادق على سند الوكالة من قبل المحكمة التي تنظر في الدعوى او دائرة كاتب العدل عملا بأحكام الفقرة (أولاً) من المادة ( 51 ) من قانون المرافعات المدنية العراقي والفقرة (أولاً) من المادة (11) من قانون الكتاب العدول العراقي ذي الرقم 33 لسنة 1998.

6- د. عبد الرزاق احمد السنهوري، الوسيط، ج7، مصدر سابق، ص405؛ واستاذنا الدكتور عباس العبودي، التنظيم القانوني للوكالة بالخصومة، مصدر سابق، ص33؛ ود. عدنان ابراهيم السرحان، شرح القانون المدني العقود المسماة في المقاولة والوكالة والكفالة، ط1، مكتبة دار الثقافة، عمان، 1996، ص102.

7- يرى الأستاذ الدكتور حشمت ابو ستيت انه ليس من السهل التمييز بين المعاوضة والتبرع في جميع الأحوال، والقاضي في تقديره انما يستعين بمعيارين معيار نفسي ومعيار اقتصادي، فالمعيار النفسي يتلخص في توافر نية التبرع وعدمه، واما المعيار الاقتصادي فيقضي الموازنة بين ما يقدمه كل من المتعاقدين للمزيد راجع كتابه، مصادر الالتزام، دون اسم المطبعة ومكان الطبع، 1963، ص64.

8- أجريت إحصائية لعدد الوكالات بالخصومة المنعقدة بين الأقارب والمبررة أمام القضاء في منطقة استئناف نينوى للأعوام 2000 و2001 و2002 و2003 وتوصلت إلى انها لا تتعدى (0.1%) من مجموع وكالات الخصومة وان غالبية الوكالات الخصومة تمنح للمحامين.

9- المادة (940/ف1) من القانون المدني العراقي تقابلها المادة (857) من القانون المدني الاردني والمادة (709) من القانون المدني المصري.

0- د. احمد عبد الرزاق السنهوري، الوسيط، ج7، مصدر سابق، ص373 ؛ ود. عدنان السرحان، مصدر سابق، ص103.

1- المادة (177 / ف1 ) من القانون المدني العراقي وتقابلها المادة (157 ) من القانون المدني المصري.

2- د. عبد الرزاق السنهوري، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزامات، دار الفكر، دون مكان وسنة طبع، ص131.

3- المادة (425 ) من القانون المدني العراقي وتقابلها المادة (159) من القانون المدني المصري.

4- راجع المادة (180 ) من القانون المدني العراقي.

5-المادة (282 ) من القانون المدني العراقي وتقابلها المادة (161 ) من القانون المدني المصري.

6- للمزيد من الإطلاع عن هذه القاعدة راجع بحث الأستاذ زهير البشير الموسوم “قاعدة الدفع بعدم التنفيذ”، مجلة القانون والسياسة، كلية القانون، جامعة بغداد، العدد الأول، 1976، ص195، وبحث الدكتور عزيز كاظم جير الموسوم “الامتناع المشروع عن تنفيذ العقد، قاعدة الدفع بعدم التنفيذ”، دراسة مقارنة بالفقه الاسلامي، مجلة الرافدين للحقوق، تصدر عن كلية القانون جامعة الموصل، العدد 16، المجلد الأول، السنة الثامنة، 2003، ص53.

7- المادة (85) من قانون المرافعات المدنية العراقي.

8- الفقرة اولا من المادة (54 ) من قانون المرافعات المدنية العراقي.

9- الفقرة ثالثا من المادة (54 ) من قانون المرافعات المدنية العراقي.

20- المادة (75 ) من قانون المرافعات المدنية العراقي.

2- الفقرة ثانيا من المادة (56) من قانون المرافعات المدنية العراقي.

22- الفقرة اولا من المادة (55 ) من قانون المرافعات المدنية العراقي.

23- المادة (171) من القانون المرافعات المدنية العراقي.

24- رقم القرار 456 / 1999 في 5/3/1999 ، القرار غير منشور.

25- اياد احمد البطانية، الاعتبار الشخصي واثره في التعاقد، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون جامعة بابل، 1999، ص11.

26- جلال علي العدوي، اصول الالتزامات، منشاة المعارف، الاسكندرية، 1997، ص49.

27- د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط ، ج7، مصدر سابق، ص645، عدنان السرحان، مصدر سابق، ص119.

28- راجع ص ( 44 ) من هذه الاطروحة.

29- اياد احمد البطانية، مصدر سابق، ص 60-70.

30- المادة (118 /ف2) من القانون المدني العرقي وتقابلها المادة ( 153 ) من القانون المدني الاردني والمادة ( 121 / ف2 ) من القانون المدني المصري والمادة ( 1110 ) من القانون المدني الفرنسي.

3- المادتان ( 249 و 939 ) من القانون المدني العراقي.

32- المادة ( 63 / ف4 ) من قانون اصول المحاكمات المدنية الاردني والمادة ( 78) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري.

33- الاصل في القانونين الاردني والمصري عدم جواز تنفيذ التزامات الوكيل الا من قبله ما لم يأذن له بحق توكيل غيره راجع المادتين ( 356 و 843 ) من القانون المدني الأردني والمادتين (208 و 708) من القانون المدني المصري.

34- نصت المادة (25) من قانون المحاماة العراقي الملغاة على أن (للمحامي سواء كان خصماً أصلياً أو وكيلاً في الدعوى أن ينيب عنه في الحضور أو في المرافعة أو في غير ذلك من إجراءات التقاضي محامياً آخر تحت مسؤوليته بكتاب غير خاضع لرسم الطابع يرسله إلى المحكمة مالم يكن في سند الوكالة ما يمنع ذلك).

35- المادة ( 969 ) من القانون المدني العراقي وتقابلها المادة ( 862 /ف4 ) من القانون المدني الأردني والمادة ( 714 ) من القانون المدني المصري.

36- عدم انصراف آثار العقد على الخلف العام قد يكون بسبب طبيعة العقد او باتفاق المتعاقدين او بنص القانون راجع المادة ( 142 / ف1) من القانون المدني العراقي وتقابلها المادة ( 206 ) من القانون المدني الأردني والمادة (145 ) من القانون المدني المصري.

37- حول العقد غير اللازم راجع د. عبد القادر الفار، مصادر الالتزام، ط1، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1998، ص110.

38- المادة ( 947 / ف1 ) من القانون المدني العراقي وتقابلها المادة ( 863 ) من القانون المدني الاردني والمادة ( 715 ) من القانون المدني المصري.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .