معالجة حالة التعدد في الجنسية العراقية

المؤلف : اياد مطشر صيهود
الكتاب أو المصدر : مجلة رسالة الحقوق السنة السادسة العدد الثالث 2014، جامعة ذي قار كلية القانون

لمعالجة حالة التعدد في مفردة الجنسية طٌرحت عدة حلول، منها:-
أولا / الحلول التشريعية .
ولعل بواكير المعالجات المطروحة في هذا المقام هو ما جاءت به اتفاقية لاهاي عام 1930 (والمبرمة في 12نيسان 1930 )، والتي تنص، على مايلي:-
1- ورد في ديباجة هذه الاتفاقية، النص الاتي:-
(( من المصلحة العامة للجماعة الدولية أن يسلم كافة أعضائها بأنه يجب أن يكون لكل فرد جنسية كما يجب أن تكون له جنسية واحدة))

وورد فيها أيضا :(( إن المثل الاعلى الذي يجب أن تتجه إليه البشرية في مادة الجنسية هو القضاء الكامل على ظاهرتي “التعدد” وانعدام الجنسية” )).
2- وقد تضمنت المادة السادسة منها، الاتي:-
(( إن كل فرد يملك جنسيتين(أو عدة جنسيات) دون أن يكون لإرادته دخل في ذلك يحق له أن يتخلى عن إحداها ولا يجوز لأي دولة من الدول التي يتمتع بجنسيتها حرمانه من التخلي عنها إذا كانت إقامته العادية والاساسية خارج إقليمها وكان مستوفيا للشروط التي وضعتها هذه الدولة للتخلي عن الجنسية)).وهذه هي الاساليب المباشرة التي تبنتها هذه الاتفاقية لحل مشكلة التعدد وهي في جوهرها قائمة على مبدأ “الاختيار” بمعنى أن يكون لكل فرد الحق في اختيار إحدى الجنسيات المتعددة ويتخلى عن الاخرى(أو الاخريات) .

ولكن على الرغم من هذه الاسس التي تبنتها الاتفاقية لتقليل حالة التعدد والتأكيد على سلبياتها، فأن هذه المعالجات المباشرة جاءت منقوصة وتشوبها عيوب كثيرة، منها :
هل تملك الدولة حق الرقابة على هذا الاختيار؟ وهل تكون هذه الرقابة في أحوال التعسف والتلاعب فقط أم تشمل جميع الحالات؟ وهل يُجبر الفرد على الاختيار؛ أي يُلزم بإحدى الجنسيات المتنازعة؟ هذه الاسئلة وغيرها لم تجب عنها الحلول التي تبنتها هذه الاتفاقية، وفي قبال ذلك حاولت الاتفاقية تعزيز الحلول المباشرة بحلول أخرى غير مباشرة، وذلك في سبيل القضاء على التعدد واسبابه، وتمثَل ذلك في حالتين فقط هما؛ ألا يكون لتجنس الزوج أثر في جنسية الزوجة دون رضاها(م 10 )، وكذلك عدم إسترداد الزوجة لجنسيتها السابقة على الزواج دون إبداء رغبتها في ذلك(م 11 ) .

أما في موضوع تنازع الجنسيات، فيمكن القول بصددها إنها تتوزع على الفروض الاتية: (1).

الفرض الاول / أن يٌعرض النزاع أمام قاضي يتمتع بإحدى الجنسيات .
وهنا تشير المادة الثالثة من اتفاقية لاهاي، إلى أنه” أذا كان للشخص جنسيتان فأكثر جاز لكل دولة من الدول التي يتمتع بجنسيتها أن تعتبره من وطنييها”، لذلك فجنسية دولة القاضي تلعب بالنسبة الى باقي الجنسيات المتواجدة دورا حاذفا ؛ تحذف مسبقا كل إمكانية للمفاضلة أو الاختيار، فهي تطبق دون سواها، فقواعد الجنسية قواعد عامة وإقليمية في التطبيق وعليه ترفض أي فكرة للتزاحم، وهذا أمر طبيعي يستمد من ” مبدأ الاختصاص الوطني المانع”، وهو مبدأ يستحثه مبدأ السيادة .

وفي العراق على الرغم من إقرار القانون “الدستور العراقي وقانون الجنسية” لمبدأ تعدد الجنسية، إلاَّ أن قانون الجنسية قد أشار صراحة إلى تطبيق القانون العراقي بحق من يتمتع بأكثر من جنسية من بينها الجنسية العراقية، ويتضح ذلك من نصّ الفقرة الثانية من المادة العاشرة من قانون الجنسية النافذ رقم 26 لسنة 2006 ، بقولها:
” تُطبق المحاكم العراقية القانون العراقي بحق من يحمل الجنسية العراقية وجنسية دولة أخرى”

أي أن مبدأ التعدد قُيد بضرورة تطبيق القانون العراقي ، استنادا إلى هذا النص، كما يُمكن الاستدلال أيضا بما نصّ عليه القانون المدني العراقي رقم 20 لسنة 4254 المُعدل(2)، فقد تضمنت الفقرة الثانية من المادة 44 منه، ما يلي:

“على أن الأشخاص الذين تثبت لهم في وقتٍ واحدٍ بالنسبة إلى العراق الجنسية العراقية وبالنسبةِ إلى دولةٍ أجنبيةٍ أو عدة دول أجنبية جنسية تلك الدول فالقانون العراقي هو الذي يجب تطبيقه”.

هذا نصّ واضح في ترجيح القانون العراقي عند التطبيق في حالة التعدد، من جهة، ومن جهة أخرى، فإنَّ القانون المدني العراقي لسنة 1953 قد أشار صراحة لمبدأ تعدد الجنسيات، وان كانت نصوص قانون الجنسية العراقي الملغي لسنة 1963 تغافلت عن هذا النص وسلبت منه هذا المُعطى (غالبا )، دون ما يتعلق بترجيح كفة القانون العراقي عند التطبيق. وهذا الموقف نلاحظه أيضا في القانون اللبناني، فلقد أكدت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل اللبنانية، في الاستشارة رقم 198/ر/1954 بتاريخ 5/3/1954 على ان العبرة عند التنازع في الجنسيات بالقانون اللبناني(3)، وكذلك ما أكدته في استشارتها الأخُرى بقولها:
” يبقى اللبناني المُكتسب لجنسيات أُخرى إلى جانب جنسيته اللبنانية خاضعا لأحكام قانونه الوطني لا سيما في مسائل الأحوال الشخصية”(4) وهذا يعني ان القانون العراقي وكذا اللبناني قد سمح لجنسية القاضي العراقي بان تُمارس دورا حاذفا لباقي الجنسيات في حالة تعدد الجنسيات والتي من بينها جنسية القاضي العراقية(5).

الفرض الثاني / أن يُعرض النزاع أما قانون دولة اجنبية عن القاضي .
وفي مثل هذا الفرض يبرز التنازع بين قانون جنسيات ليس من ضمنها قانون جنسية القاضي، وهو ما يجعل القاضي أمام اختيار صعب وهو في معرض ترجيحه لإحدى الجنسيات على غيرها، لذلك تعددت الحلول الفقهية المعروضة ومنها؛ الاخذ بالجنسية الاحدث أو تفضيل الجنسية الاقدم او ترك الامر لاختيار صاحب العلاقة إلى غيرها من الحلول المطروحة.وقد تبنت اتفاقية لاهاي حلا يقوم على أساس اختيار الجنسية “الفعلية” أو “الحقيقية”، بمعنى أن يختار القاضي قانون الجنسية المعبرة عن حقيقة انتساب الفرد فعلا لدولة معينة من بين الدول التي يحمل جنسيتها. فالجنسية الفعلية في تحديدها تستند الى ظروف واقعية يقدرها القضاء ولا تخضع في تقديرها لرقابة محكمة التمييز، والقاضي في مسيرته هذه يستعرض مجموعة الشواهد والادلة والقرائن التي تعتبر قرينة على ارتباط الشخص بإحدى هذه الجنسيات وتعلقه بها.(6).
ثانيا / الحلول الفقهية .
جاهد الفقهاء في سبيل وضع حلول عملية مناسبة لأجل الحيلولة دون ظاهرة التعدد في الجنسيات ، وكُللت جهودهم بمجموعة من الآراء الفقهية التي ترقد على اصابع الباحث، متمثلة بالاتي : –
أ- ذهب جانب من الفقه الى تبني مبدأ مؤداه ضرورة العمل على توحيد أسس التمتع الجنسية، فإما اعتماد أساس حق الدم أو أساس حق الإقليم.(7). وهذا الرأي على الرغم من صدق توجهاته الساعية لمنع التعدد إلا أنه يُواجه بعقبات، منها ماهو مثالي ومنها ماهو عملي، وعلى النحو الاتي:-
1- العقبات المثالية: وتتجسد بتقييد حرية الدول من حيث المعايير التي تتبناها لمنح جنسيتها الوطنية، وهو ما قد لايتفق مع مصالحها المبنية على ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والسكانية.
2- العقبات العملية: وهي عقبات أفرزها التطبيق العملي لمثل هذه الدعوات)توحيد اسس منح الجنسية(، ولعل مثلها الواضح هو مابيناه من إشكالية التعدد المنبثقة عن تطبيق كل من القانون البلجيكي والقانون الفرنسي، على الرغم من تماثلهما والى وقت قريب.
ب- يُسلم أنصار هذا التوجه بالتعدد) وخاصة المعاصر للميلاد( نتيجة لاختلاف الاسس بين الدول، ولكنهم يميلون في مبناهم الفقهي إلى إعطاء متعدد الجنسية الحق في الاختيار بين الجنسيات التي يحملها، وذلك عند بلوغه سن الرشد، فيتمسك بإحداها ويتخلى عن الاخريات(8) ويَرد على هذا التوجه الانتقادات والتساؤلات ، بالإضافة لذلك فأن من شأن هكذا رأي هو جعل روابط القانون العام والمسائل المتعلقة بسيادة الدولة ومنها الجنسية بيد الافراد لابيد المشرع الوطني، وهو مالا ترتضيه الدول في سياستها التشريعية. ولكن يمكن أن يكون لهذا الرأي نصيب من الواقعية والقبول في الحالة التي توجد فيها إتفاقية بين الدول التي يتمتع الفرد فيها بجنسياتها لتنظيم مفردة الاختيار وممارسته (مع عدم إغفال صعوبة أو استحالة مثل هذا الحل على صعيد كافة الدول).
ت- وقد أقترح البعض الأخذ بفكرة “التقادم المسقط” كما هو الحال بفكرة التقادم المسقط في القانون المدني لتجنب ظاهرة التعدد، ويتحقق ذلك، وفقا لانصار هذا الراي حينما لا يمارس الفرد حقوقه والتحمل بالتزاماته تجاه إحدى الدول التي ينتسب إليها مدة من الزمن، فتسقط عنه جنسيتها.(9)

ولعل من من عيوب هذا الرأي أنه يُدخل احد مفاهيم القانون الخاص التي تتعلق بحقوق الأفراد فيما بينهم في نطاق القانون العام، وهو مالا تقبله مبادئ هذا القانون، لأنه يجعل مسألة تطبيق القانون العام بيد الافراد. مع التأكيد على أن الجنسية ليست حقا خاصا للفرد فقط و بل هي تمثيل حقيقي لإرادة الدولة التي تضفيها بتشريعها ودون ارتكاز على إرادة الفرد بشكل عام .

ث- ويذهب غالبية الفقه إلى أن هذه الظاهرة يمكن تجنبها في أحوال التعدد اللاحق للميلاد، وذلك عن طريق تعليق كسب الجنسية الجديدة على التخلي عن الجنسية القائمة، أو إعطاء حق الاختيار للشخص حين اكتسابه للجنسية الجديدة بغير إرادته كما هو الحال في الزوجة والاولاد القصر الذين يكتسبون جنسية رب العائلة المتجنس حديثا بحكم القانون.(10) وإجمالا فقد عبر القضاء المصري عن ذلك بالقول إن طبيعة الجنسية القائمة على الولاء لا تحتمل فكرة التعدد في الولاء لحاملها وخاصة في ممارسة الحقوق السياسية.

(11)ولعل هذا التوجه تعتريه بعض الاشكالات المهمة منها،إن من غير المتصور أن توافق الدولة على تجريد مواطنها من جنسيته عند اكتسابه لجنسية دولة أخرى دون قيد أو شرط، وهو ماعَمد إليه المشرع العراقي في ضوء المادة العاشرة من قانون الجنسية العراقية النافذ رقم 26 لسنة 2006 ، والت ينصت على أنه : ((أولا : يحتفظ – العراقي الذي يكتسب جنسية أجنبية بجنسيته العراقية مالم يعلن تحريريا عن تخليه عن الجنسية العراقية)).

وهو ما نصت عليه أيضا المادة الثانية عشرة من هذا القانون، بقولها: (إذا تزوجت المرأة العراقية من غير العراقي واكتسبت جنسية زوجها فإنها لاتفقد جنسيتها العراقية مالم تعلن تحريريا تخليها عن الجنسية العراقية))(12) كما إن الدول لن تتخلى عن مبدأ الاسترداد، وبخاصة في الاحوال التي يكتسب فيها مواطنها جنسية اخرى على الرغم من إرادته.وهو ما نجده جليا في توجه المشرع العراقي في قانون الجنسية النافذ لسنة 2006 ، عندما نطالع فيه النصوص الاتية:-
1- نص الفقرة ثالثا من المادة العاشرة والتي صرحت ب: ((للعراقي الذي تخلى عن جنسيته العراقية أن يستردها إذا عاد إلى العراق بطريقة مشروعة وأقام فيه ما لا يقل عن سنة واحدة. وللوزير أن يعتبر بعد انقضائها مكتسبا للجنسية العراقية من تاريخ عودته. وإذا قدم طلبا لاسترداد الجنسية العراقية قبل انتهاء المدة المذكورة. ولا يستفيد من هذا الحق إلا مرة واحدة)).
2- المادة (13)، من القانون والتي جاءت متضمنة مايلي: ((إذا تخلت المرأة العراقية عن جنسيتها العراقية وفقا لأحكام البند (ثالثا ) من المادة (10) من هذا القانون، حق لها أن تسترد جنسيتها العراقية بالشروط الآتية:-
أولا :إذا منح زوجها غير العراقي الجنسية العراقية، أو إذا تزوجت هي من شخص يتمتع بالجنسية العراقية. وترجع إليها الجنسية من تاريخ تقديمها طلبا بذلك.
ثانيا : إذا توفي عنها زوجها أو طلقها أو فسخ عقد الزواج، ترجع إليها الجنسية من تاريخ تقديمها طلبا بذلك. على أن تكون موجودة في العراق عند تقديمها الطلب))
3- المادة (14) منه، والتي جاءت بالصيغة الاتية:-
((أولا : إذا اكتسب غير العراقي الجنسية العراقية يصبح أولاده غير البالغين سن الرشد عراقيين بشرط أن يكونوا مقيمين معه في العراق.
ثالثا : إذا فقد عراقي الجنسية العراقية، يفقدها تبعا لذلك أولاده غير البالغين سن الرشد، ويجوز لهم أن يستردوا الجنسية العراقية بناءا على طلبهم، إذا عادوا إلى العراق وأقاموا فيه سنة واحدة، ويعتبرون عراقيين من تاريخ عودتهم. ولا يستفيد من حكم هذا البند أولاد العراقيين الذين زالت عنهم الجنسية العراقية بموجب أحكام القانون رقم (1) لسنة (1950) والقانون رقم (12) لسنة .(1951)
4- المادة (18) منه، والمصرحة ب:-
((أولا : لكل عراقي أسقطت عنه الجنسية العراقية لأسباب سياسية أو عنصرية أو طائفية أن يستردها بتقديم طلب بذلك وفي حالة وفاته يحق لأولاده الذين فقدوا الجنسية العراقية تبعا لوالدهم أو والدتهم أن يتقدموا بطلب لاسترداد الجنسية العراقية.

ثانيا : لا يستفيد من حكم البند (أولا ) من هذه المادة العراقي الذي زالت عنه الجنسية بموجب أحكام .)) القانون رقم (1)لسنة 1950 والقانون رقم (12)لسنة 1951
ج- ومن الحلول الفقهية الحديثة، والتي طرحها الفقه، الحل الداعي الى أن المطلوب عند تعدد الجنسيات ليس هو المحافظة على جنسية قاضي النزاع عندما تكون من الجنسيات المتواجدة، أو الجنسية الفعلية في الحالات الأخرى، وإنما ما هو المطلوب هو إعمال “الروح الجوهرية والمعمقة لقاعدة النزاع” وذلك ضمن النظرة الوظيفية للمسألة.

فترجيح جنسية ما من بين الجنسيات المتواجدة يكون من خلال المؤسسة القانونية التي تطرح من خلالها، أو التي تعمل لها.فإذا كانت القاعدة هي اعتماد الجنسية الوطنية عندما يتعلق ألامر بحقوق وامتيازات نص عليها المشرع الوطني على أساس الجنسية الوطنية إذا كان أطراف العلاقة من الوطنيين، إلا أنه في الحالة التي تكون فيها محاكم دولة أجنبية( قد يحمل الفرد جنسيتها أيضا ) هي أقدر على فصل النزاع أو أكثر اتصالا به وقد جرى تنفيذه أو تنفيذ قسم أساسي منه في الخارج، يمكن التخلي عن هذه القاعدة.(13) إذا فالحل يكون باعتماد أسلوب مرن من خلال هذا الاتجاه الفقهي والقضائي الحديث، والذي لايرتكز على قواعد محددة مسبقا ، تقضي بترجيح جنسية قاضي النزاع عندما تكون مطروحة من بين الجنسيات المتواجدة، اوالجنسية الفعلية عندما لاتكون جنسية قاضي النزاع هي من بين الجنسيات المتواجدة. فالقاضي عند التعرض للمسألة لايقتضي ان يكون مسيرا مسبقا بحل عام وإنما عليه أن ينظر إلى المسألة على أنها مسألة أولية تابعة لمسألة أصلية تثار من خلالها ويكون من الأنسب حلها على ضوء هذه المسألة الأصلية من حيث طبيعتها والغاية منها، فالحل هو وظيفي.

فجنسية قاضي الموضوع قد لاتكون هي الجنسية الواقعية أو المعبرة بالنسبة للفرد أو العلاقة، فقد يحملها الشخص دون أن يكون له أدنى ارتباط أو أتصال بالدولة، كما في أغلب التشريعات التي تعتبر الفرد وطنيا بمجرد الولادة للاب)أو ألام(، وقد لايكون لهذا الفرد أو والده أدنى اتصال بإقليم الدولة.(14)ولعل موقف القانون العراقي واضح من خلال الفقرة الاخيرة (م33/1) من القانون المدني والتي تعتد بمبدأ الجنسية الفعلية، في ضوء النص على تطبيق القانون العراقي على من يتمتع بأكثر من جنسية، إذ افترض المشرع ان التقاضي أمام المحاكم العراقية في مثل هذه الحالة دليل على وجود نوع من الإرتباط بين هؤلاء الأشخاص والإقليم العراقي ما يُبرر تطبيق أحكام القانون العراقي في مثل هذا الفرض.

اخيرا، يمكن القول بانه قد لا يكون هناك حل تام لموضوع التعدد الا اننا نتصور ان المعالجة قد تتم وفقا للتصورات الاتية:-
اولا / على المستوى القضائي .
1- اذا عرض النزاع على القاضي المتمتع بإحدى الجنسيات المتعددة فقانون القاضي هو الفيصل في الحكم على النزاع.
2- اما اذا لم تك جنسية القاضي من بين الجنسيات المتعددة، فالحل باعتماد مبدأ الجنسية الفعلية
القائمة على اقوى الروابط بين الفرد واحدى الدول التي يتمتع بجنسيتها.
ثانيا / على المستوى التشريعي: (15) .
نرى ضرورة اعتماد مبدأ التخلي عن الجنسية الوطنية عند اكتساب جنسية اجنبية اخرى، وهذا الخيار قد يكون مفروضا من الجهة مانحة الجنسية الجديدة او من الدولة الاولى التي يتمتع بجنسيتها وسواء كان هذا الخيار متعلقا بطالب التجنس بذاته او بمن يتبعونه، وهو ذات الحل المتصور في حالة استرداد الجنسية الوطنية فيجب ان يتم عندها التخلي عن الجنسية الاجنبية التي اكتسبها سابق ا اصالة او تبع ا .وليس في هذا التقرير اخراج للجنسية عن دائرة تحكم الدولة ونظامها إذ ليس الخيار الا صيغة للتعبير عن ارادة الفرد مقررة اصلا بموجب قانون الدولة بالأصل كما وان هذا الخيار لا يحدث اثره الا بعد ان توافق الجهات المختصة على طلبه التحريري بالتخلي عن الجنسية او حتى استردادها.
_______________
1- لاحظ في تفصيل ذلك: –
* سلامة احمد عبد الكريم، المبسوط في شرح نظام الجنسية، دار النهضة العربية، القاهرة 1993 ،ص 194 وما بعدها.
* استاذنا منصور سامي بديع، المنازعات في مادة الجنسية(نظرات في مشروع قانون الجنسية اللبنانية الجديد)، مجلة الدراسات القانونية، جامعة بيروت العربية، كلية الحقوق، العدد السادس، كانون الثاني(يناير)، 2001 ، ص 185 ومابعدها.
* الجداوي، احمد قسمت، القانون الدولي الخاص، الجنسية ومركز الأجانب، ج 1 1979 ، ص 429 وما بعدها.
* رياض فؤاد، الوسيط في القانون الدولي الخاص،ج 4، ط 9، دار النهضة العربية، القاهرة 1999ص 123
2- الوقائع العراقية، العدد 3015 ، بتاريخ 8/9/1951.
3- صادر شكري، وبريدي أنطوان، “مجموعة اجتهادات هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل”، ج 10 ، القانون الدولي الخاص، صادر المنشورات الحقوقية، بيروت، 2004
. ص 10061
4- الاستشارة رقم 1651/1995بتاريخ 12/6/1995 ص 1395 والاستشارة رقم 29/ر/1970 بتاريخ 13/1/1970 ج 1، ص1109 .
5- وهذا الحكم يُطبق في حالة عديم الجنسية ايضا ، فقد نصت المادة 33/1 من القانون المدني العراقي لسنة 1951 على ما يلي: ” تُعين المحكمة القانون الذي يجب تطبيقه في حالة الأشخاص الذين لا تُعرف لهم جنسية أو الذين تثبت لهم جنسيات مُتعددة في وقت واحد”.
6- صادر شكري وبريدي انطوان، مصدر سابق، ص 1110
7- لاحظ في ذلك المصادر الاتية:- –
* ديب فؤاد، القانون الدولي الخاص، ط 2، دمشق، جامعة دمشق، 1999 ، ص 81
* رياض فؤاد، مصدر سابق، ص 136 ، حيث أورد قضية كارلييه الفرنسي والذي ولد في
بلجيكا والتي تعطي للشخص المولود فيها جنسيتها مثلها مثل فرنسا.
* الجداوي، مصدر سابق، ص 421
8- عبد الله عز الدين، القانون الدولي الخاص، ج 1، دار النهضة العربية، القاهرة ، 1968 ص 229 وما بعدها.
9- أورده صادق هشام، الجنسية ومركز الاجانب، مج 1، منشأة المعارف . الاسكندرية، 1977 ، ص 387
10- فهمي، محمد كمال، صول القانون الدولي الخاص، ط 2، مؤسسة الثقافة الجامعية،
. الإسكندرية 1992،ص 109.
* صادق هشام، الجنسية ومركز الاجانب، ج 1، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1977 ، ص 388 وما بعدها.
* الراوي جابر إبراهيم، شرح أحكام القانون الدولي الخاص الأردني، دراسة مقارنة، بلا 1986، ص 60
* عبد العال عكاشة محمد، الاتجاهات الحديثة في مشكلة تنازع الجنسيات، دار الجامعة الجديدة
للنشر،الاسكندرية ،1996ص 52 وما بعدها.
11- خالد هشام، المركز القانوني لمتعدد الجنسية، دار الفكر العربي، القاهرة، 2001 ، ص 218
12- ونعتقد ان هذه المادة(12) لا حاجة لها، بعد أن أورد المشرع نصا عاما في أطار الفقرة –
أولا من المادة العاشرة، فلفظ العراقي لفظ عام يشمل الرجل والمرأة العراقية، ولا مورد للاستثناء هنا، لاسيما بعد ان اشار المشرع الى ان العراقي هو الشخص الذي يتمتع بالجنسية العراقية، وهو نص واضح في إطلاقه وعموميته.
13- عبد العال عكاشة محمد، الاتجاهات الحديثة في مشكلة تنازع الجنسيات، مصدر سابق،
ص86.
* أستاذنا منصور سامي بديع، الوسيط في القانون الدولي الخاص، دار العلوم العربية، بيروت، 1944 ، ص 203
* كما يلاحظ الامثلة التي اوردها الدكتور منصور سامي بديع حول عدم سلامة الحل الداعي الى تبني قانون القاضي على طول الخط في مؤلفاته الاتية:-
– منصور، سامي بديع، المنازعات في مادة الجنسية)نظرات في مشروع قانون الجنسية اللبنانية الجديد(، مجلة الدراسات القانونية، جامعة بيروت العربية، كلية الحقوق، العدد السادس،كانون الثاني)يناير(، 2001 ، ، ص 189وما بعدها.
– الدور الحمائي للقضاء المدني للقضاء الديني في مسائل الاحوال الشخصية، مجلة العدل، لعدد
. الثالث والرابع، سنة 1998 ، ص 204 وما يليها وخاصة ص 214
14- وقد اكد هذا التوجه قرار( DUJaque ) المبدئي الصادر عن محكمة التمييز الفرنسية بتاريخ 22 تموز 1987 ، الغرفة المدنية الاولى، والذي أعتبر صراحة إنه يقتضي العودة إلى روح الاتفاق)الدولي الفرنسي البولوني بتاريخ 5 نيسان سنة 1967 حول القانون المطبق في مادة الحقوق العائدة للأشخاص أو حقوق العائلة، كذلك في مادة الصلاحية القضائية والصيغة التنفيذية في المادة المذكورة( للفصل في مسألة تعدد الجنسيات، وبالتالي صدقت المحكمة قرار محكمة استئناف باريس بتاريخ 18 حزيران سنة 1985 ، والذي قضى بإعطاء الصيغة التنفيذية لقرار صادر عن المحاكم البولونية أعتمد جنسية الولد البولونية في مسألة الحضانة رغم أن الولد يتمتع أيضا بالجنسية الفرنسية، جنسية المحكمة الناظرة في الصيغة التنفيذية، كذلك الوالدة التي حصلت على حضانته بالقرار البولوني ووالده، ورغم أن الوالد كان قد أستحصل من القضاء الفرنسي على حكم بالطلاق وبالحضانة، وقد اعترفت المحاكم البولونية أولا بهذا الحكم، ثم عادت وعدلت في معطياته لجهة الحضانة إثر مراجعة من الام.
– استاذنا: سامي منصور، المنازعات في مادة الجنسية (نظرات في مشروع الجنسية الجديد) مصدرسابق، 192
15- هذا على فرض ان الدولة راغبة بمنع التعدد، والا فالمعالجة ليست ذات اثر الا على المستوى الاول فقط

إعادة نشر بواسطة محاماة نت