ضرر الضحایا: ماذا یأمل الضحایا من القانون؟ – لارا روسیتي خیمینز دو بارغا / ترجمة: وفاء صالح .

”الحقوق“ و“الضرر“ مصطلحان ّقل ارتباطھما ببعضھما. فالحقوق یُنظر إلیھا كمجموعة من القوانین الجامدة والزجریة التي لا تراعي معاناة المجتمع. ّ لكن ھذا لا یعني أن السلطات العامة التي ّ تسن القوانین لا تكترث للأضرار التي تحصل للأفراد، زد على ذلك فرضھا للألم كعقوبة بالرغم من أنھا تنتھك القوانین. وحتى لو كانت العقوبة الجسدیة محظورة، فإن عقوبة الحبس ھي مصدر لمعانة أكثر ً تعقیدا ولا یستھان بھا، ـ حتى لو كانت تحترم الضمانات الدستوریة -. یبدو أن القانون لا یھدف إلى تعویض أمامھم.

ًالمضرورین عن معاناتھم بقدر كونھ عائق
لطالما أكد القضاة على أن جبر الضرر بالمال منافاً للأخلاق، وأنكروا على ضحایا الجرائم أن القانون سیعوضھم [بالمال]. كما أن ھذه النظریات ـ الھدامةـ تعتبر ّ أن التعویض یؤدي إلى إثراء غیر مشروع للمضرورین. ُصممت المسؤولیة المدنیة كوسیلة عقاب جدید للمذنب ولیست وسیلة للتعویض.

كما أن الفقھ والقضاء الفرنسي والإسباني یدعمان وبشدة ھذه النظریات مؤكدین أن “ ّكل تقدیر الضرر بالمال سیكون ً تعسفیا“ ویحرم المضرورین من الحصول على تعویض. ھذا الرأي مقبول تماماً من منظور قانوني؛ لأن القانون یجب أن یحمي ”الأمن القانوني“، وبالتالي فھو یحذر من القرارات القضائیة التعسفیة، ویمنع الاثراء بلا سبب. لكن وجود ھذین الخطرین مدعاة للشك.

وللتعویض عن الضرر، یجب على المضرور:

أولا أن یثبت وجود الضرر الذي ِ ألحق بھ مع ذكر المتسبب بذلك.

قد یعتقد البعض أن ھذا القرار تعسفي لكنھ قرار قضائي مرتكز على وقائع مثبتة.

ثانیا یجب أن یعوض المضرور عن الضرر بمبلغ من المال
من خلال إجراءات محددة ومنصوص علیھا بحسب المسألة كالفحص الطبي. یجب أن تكتب التقاریر بوضوح لكیلا یسفر عن الفقھ والقضاء تناقض أو تعسف، ولا یكون ھناك مكان للظلم. ألیس من المنطقي القول إن تعویض الضرر بالمال سیكون أقل ًظلما من الغیاب الكلي للتعویض؟ عاجلا أم ً آجلا، سوف یتوجب على القضاة الإجابة عن ھذه السؤال، عندما یواجھون قضیة نقل دم ملوث بالسیدا، ففي ھذه القضیة لا یمكن منع التعویض للمضرور، (ھذا حرمان من العدالة).

لھذا فإن أحكام القضاء تطورت بشكل إیجابي وقبلت بإمكانیة تحدید تعویض للمضرورین من الأخطاء التي ارتكبت بوحشیة أو بتھاون. حصل ھذا التغییر في القوانین بلمح البصر من غیر تحلیل شامل للأسباب التي دفعت القضاة لتغییر موقفھم. لكن ھل المجتمع لا یحتاج إلى تبریر بشأن ھذا التغیر؟

إن القانون یتطور استجابة لمطلب الشعب، وفي دعوى التعویض المجتمع ھو من یحد من التساھل ویضع القوانین في مكانھا الصحیح. یجب ألا نغفل عن أمر وھو أن المواطنین ھم الذین اختاروا السلطة التشریعیة، ونتیجة لذلك فإن القرارات التشریعیة لدیھا مكون سیاسي جبار، بمعنى أنھ یستحیل فھم القانون من غیر تحلیل دور الضرر في النموذج الثقافي الذي تندرج فیھ.

في الواقع، لا یمكن أن نتصور الضرر بطریقة متماثلة بین الثقافات المختلفة. فنحن لا یمكننا أن نقر بوجود الضرر إلا عندما یتجلى، فالضرر یكون مخفي في النفس. یحدد النموذج الثقافي ً أیضا مكانة الحظ والقدر مقارنة بالسعي وراء المطالبات. ففي الدول النامیة، یصاحب الرغبة بالأمان الاقتصادي الحاجة إلى الاستقرار ومیزانیة عالیة قدر المستطاع. نتیجة لذلك تحول الإیمان بالقدر والحظ السيء إلى اللوم والمسائلة. فلا عجب أن نرى الیوم رجل یتعثر في الطریق یطالب بتعویض من الحكومة بسبب حال الرصیف السيء.

فتحول التعثر البسیط من محض صدفة إلى سوء إدارة من الحكومة والتي تعتبر ”مسؤولة“. لكن القانون مضى قدماً في ھذا
الموضوع، فنحن نجد في كل مرة الكثیر من قضایا ”المسؤولیة دون خطأ“ التي تفرض تعویض من غیر اثبات لوجود الإساءة صحیح أنھ عندما اقرت المحاكم ولأول مرة بالحق في الحصول على تعویض مادي عن المعاناة، فإن المجتمع لم یصل إلى درجة رفض الفرصة، لكن لوحظ أن القرارات القضائیة التي تدعم النظریات الایجابیة لم تواجھ معارضة شدیدة من الرأي العام.

ففي عام ١٩٦١م أقر مجلس الدولة الفرنسي بإمكانیة تعویض كل جوانب الألم الجسدي والنفسي بعد قضیة (lelisserand،( . وبعد عدة سنوات، تبع الفقھ والقضاء الإسباني خطى المحاكم الفرنسیة، وطبقوا ھذا وكان ھذا القرار الایجابي ً مقبولا عموماً القرار. فلم یعد التعویض المادي ً منافیا للقانون الذي حول محاجة المضرورین إلى ما اسماه بعض المسؤولین ب“المتاجرة بالمشاعر“. على كل حال، لا یرجى من القانون إدراك لمعاناة البشر، لكن كل ما یمكنھ فعلھ ھو وضع سلسلة من الآلیات التي
تمكن المضرور من الحصول على تعویض مالي عن الضرر الذي لحق بھ. والسؤال ھنا، ماھي ھذه الآلیات؟

تنص كل قاعدة قانونیة على عقوبة تطبق في حالة انتھاك قاعدة ذات صلة. الغرض من ھذه العقوبة حمایة الأفراد الذین تتولى الدولة حمایتھم، كالحیاة في حالة القتل، أو السلامة الجسدیة في حالة الضرب، لكنھا لا تعتبره في أي حال من الأحوال كوسیلة
لتعویض المضرور. فالعقوبة وظیفتھا الردع ولیس التعویض. تجنبت قوانین العدید من الدول نظریات كانط. ھذا الفیلسوف الألماني یعتبر أن العقوبة لیست مرتكزة على دوافع لمنفعة المجتمع لأنھا ست ّحول الفرد لأداة لصالح المجتمع. كان القانون الجنائي بالنسبة لكانط ھو ترجمة قانونیة لأمر مطلق، فھذا القانون تأكید للعدالة. وعكس ھذا المنطق، ھو القانون الذي یصمم العقوبة كأداة للوقایة من الجرائم وذلك لتنظیم المجتمع، فھو یرفض تصور العقوبة كوسیلة لإرضاء المضرور. بالرغم من أننا نستطیع تفھم المضرور من منظور إنساني؛ فھو یرید رؤیة المعتدي یزج بھ في السجن، إلا أن المسؤولیة الجنائیة لیست وسیلة أن مبلغا من المال سوف یعوض الضرر الذي لحق للتعویض عن الضرر على عكس المسؤولیة المدنیة. لكن ھل نعتقد حق بالمضرورین وبعائلاتھم؟ ھو بمثابة وضع تثمین للألم والمعاناة. ولا ننكر أن العلاقة بین ”الألم“ و ”المال“ صادمة؛ إن القول بأن المال ّ یعوض الضرر حق لأن ھناك ً آلاما داخلیة یصعب تعویضھا بالمال. ومن المفارقة، أن الرغبة بالتعویض عن الضرر تتطلب بالضرورة وجود تكافؤ بین الضرر ومبلغ التعویض. فعل سنستطیع إیجاد عناصر مكافأة على المیزان؟ ھل فقدان المرء لیده ّ یثمن ب١٥٠٠٠ €؟ ھل أصبحنا نقول “ سوف أدفع مبلغ ١٥٠٠٠ لأنني لم أتأثر بھذا الفقد“؟ أو على العكس، ”أرید ھذه لید مقابل ١٥٠٠٠”؟ یجب رفض ھذا السیناریو الأخیر لأن الأحكام لا تتضمن المتاجرة بالألم أو بأعضاء البشر.

لا نرید أن یتحول المجتمع إلى سوق نتاجر فیھ بالأضرار مقابل المال. بل الھدف من التعویض ھو تخفیف الضرر، فالمضرور یتلقى المال من المتسبب بالضرر لكي یستطیع تعویض الخسائر التي تسببت بھا الإصابة. دوفع عن ھذا الفكر في المحاكم الھولندیة في القرن السادس عشر: فالتعویض یكون لتكالیف العلاج وأجر الطبیب. ویقدم لنا القانون العرفي الفرنسي في القرن الرابع والخامس عشر مثال آخر: فالتعویضات المادیة تكون لعائلة المتوفي. لقد حاول القانون إعادة التوازن الاقتصادي لدحض الظلم. لكن ینبغي الانتظار عدة قرون لكي یدرج التعویض عن ”الضرر المعنوي“ من ضمن التعویض المال.

أي ضرر یعالجھ القانون في عصرنا؟ أخذ الضرر بالحسبان وفق تمییز قدیم جداً ضل حتى یومنا ھذا یفصل بین الضرر المعنوي البحت والضرر المعنوي الناتج عن ضرر جسدي، و في ھذا الأخیر تكون نتائج الألم متباینة بسبب الإصابة الجسدیة.

كما یفرض القانون ً تعویضا عن انتھاك خصوصیة الآخرین، كالفضائح أو التشھیر. إن المحاكمة على ھذه الجنایة یحمي الحق المعنوي للمرء، ویجب أن یشمل التعویض الضرر المعنوي. ھذا الضرر مختلف لانھ لا یصاحبھ ألم جسدي، ونتیجة لذلك یسھل تحدیدھا. على عكس قضایا التعویض عن الأضرار الجسدیة، فینبغي تحدید الضرر المعنوي البحت والضرر المعنوي الناتج عن ضرر جسدي؛ لأنھ حتى لو كان الإثنان یعوضان ً مادیا فإنھما یقومان على أسس مختلفة ً جذریا.

عندما یتعرض المرء لإصابة نتج عنھا إعاقة في یده، فیجب أن یعوض عن ھذا الضرر الجسماني. وإذا كانت یده ھي مصدر دخلھ، ولم یعد بإمكانھ إتمام عملھ بسبب عجزه عن تحریك یده، وجب تعویضھ ً أیضا عن ھذا الضرر. فالتعویض یختلف لعازف البیانو المحترف أو أمین المكتبة بحسب القانون. ھل یوجد ضرر آخر یؤخذ بعین الاعتبار مثل الضرر الجسماني والكسب الفائت؟ في الواقع، أقرت المحاكم الفرنسیة بإمكانیة تعویض الضرر المعنوي، لكن ھذا الضرر یصعب اكتشافھ واثباتھ. ورد في النظام الانجلوساكسوني تصنیف ذو أھمیة یساعد على تمییز الضرر المعنوي. ھذا النظام یفصل الضرر الخاص عن العام.

فالضرر الخاص ھو ”الضرر الاقتصادي“ الذي یتضمن انقطاع الاجر، والتكالیف الطبیة، والمصاریف التي تسبب بھا الحادث، ھذا الضرر یمكن اثباتھ قبل الدعوى. بالمقابل یكون الضرر الغیر اقتصادي على شكل ألم جسدي، وضرر یعیق المرء عن أداء للعائد السنوي للمضرور، وإمكانیة الحصول على علاوة، والوقت نشاطاتھ بسبب الحادث، وتفویت الفرص التي تُحسب وفق ذي ُمنع منھ المضرور من مزاولة مھنتھ. إذا كانت النتائج المترتبة على الحادث لا یمكن معالجتھا، فیحدد التعویض وفق لمتوسط العمر المتوقع. یجب إثبات كافة ھذه الأضرار أمام التأمینات، أو أمام المحاكم في حالة التنازع القضائي. سوف تكون الدعوى طویلة وباھضھ التكلفة، لكن ھل من طریقة لتجنبھا؟

لكي نحلل بدقة المسائل الناشئة عن الاجراءات القانونیة، سأستند في حدیثي عما أنا على درایة بھ وھو نظام القانون الاسباني، عملت ”المحكمة الاسبانیة العلیا“ بھذا الصدد التقدیرات الاتیة:
١ -التعویض یكون للأشخاص المضرورین ولیس للورثة، فلیس كل وریث متضرر.
القانون الاجرائي مسؤول عن توثیق الدعوى من بین جملة أمور. فإذا كان المضرور یرید تقدیم شكوى بنفسھ فلن یواجھ مشكلة. لكن ما العمل إذا توفى المضرور بسبب حادث أو جنایة؟ في ھذه الحالة سیقر القانون بشرعیة التعویض للورثة؛ لأنھم یحلون محل المضرور ً شرعا. لكن ربما یكون ھناك أشخاص مرتبطین قانونیاً بالمتوفى لكن لیس ً عاطفیا، وسیواجھون صعوبة في طلب تعویض الضرر الذي ألحق بھم. لھذا السبب، فإن المحاكم الاسبانیة تطلب شرطا واحدا لطلب التعویض وھو أن یكون الشخص متضرر من موت المضرور. لكن یجب إثبات وجد الضرر، فلا یكفي أن یظھر تأثره بفقد المضرور.

٢ -مبدئیا، یجب منح التعویض عند إثبات الضرر فورا. یتعلق الأمر بتنفیذ للإجراء مدني مدمج بإجراء جنائي لكن یتبع قوانین الدعوى المدنیة.

إن الإجراءات المدنیة والجنائیة منفصلة. وقانون العقوبات الإسباني یتیح لطالب التعویض أن یختار دعوى واحدة،وبناء علیھا سوف یحدد القاضي مقدار تعویض المسؤولیة المدنیة أو العونین (الجنائیة والمدنیة)، لیحدد المسؤولیة الجنائیة والمدنیة بشكل منفصل. وبالرغم من النھج المتبع فإن قانیین الدعوى المدنیة ھي التي تحكم.

٣ -في بعض الأحیان، یكون الضرر المعنوي، والألم والمعاناة ناتجة عن فقدان شخص قریب ًجدا، أو التغییر جذري في الأحوال المعیشیة لیست بحاجة لإثباتھا لأنھا واضحة، وھذا الظھور یثبت الضرر.
لذلك، أقر القانون الاسباني الاسباني بوجود ضرر لا حاجة لإثباتھ. فمن خلال ممارسة ھذه المھنة، طبق ھذا القانون كثیرا، كقضیة طلب أبوین تعویضا بسبب وفاة طفلھما ذات الخمس سنوات جراء حادث سیر على سبیل المثال. وبالرغم من ھذا القانون إلا انھ یجب إثبات الضرر في معظم القضایا. لكن ماھي الوسائل المتاحة لإثبات الضرر؟
إن القاضي ھو الموكل بتقدیر الضرر من غیر تحیز، من خلال خبرتھ في ملاحظة ردود فعل المضرور، فھو یستطیع أن یقیم الألم بشكل موضوعي. لكن ھل ھو مؤھل لذلك؟ القاضي ھو من یتحكم بسیر الدعوى بشكل صحیح. فھو یقرأ الوقائع، ومنھا یتصور ما حدث بطریقة منطقیة، معتمدا على الأدلة التي قدمت خلال الدعوى. بغض النظر عن جھل القاضي بالمعرفة العلمیة، ھل یستطیع أن یقیّم الضرر بحیاد بالرغم من معرفة تفاصیل الحدث؟ من المرجح أنھ سیحاول تقدیر الضرر بموضوعیة وعقلانیة بناء على تجربتھ. لكن تجربة الألم مرتبطة بالمضرور. لھذا السبب یفضل اللجوء إلى شخص مؤھل لیحلل بدقة التجاریة الشخصیة للفرد، بمعزل عن الأحداث التي عیشت.

أصبحت الخبرة الطبیة الشرعیة ھي الوسیلة المثلى بالنسبة للقضاة لفھم حالة المضرور، فھي تقدر حالة المضرور وفق معاییر طبیة. فالفحص الطبي یجب أن یوكد الادعاءات التي لا یمكن ملاحظتھا. و دور الطبیب الشرعي ھو تحویل الألم ”الشخصاني“ إلى ألم ”موضوعي“. ولا یكفي أن یحلل الطبیب ویقیس الألم، بل یجب علیھ أن یجعل نتاجھ واضحة للقاضي. یخضع تجسید الألم لتحول لغوي مزدوج: فالطبیب یحول مشاعر وأحاسیس المضرور ویترجمھا بمصطلحات طبیة مفھومة لغیر المتخصصین في ھذه المھنة. یجب على الطبیب أن یكتب التقریر بمصطلحات غیر علمیة لكي یستطیع القاضي فھم حجم ألم المضرور ویقدره انة وجلیة.و بعد تفسیر ھذا الألم، ھل سوف یستطیع القاضي تفھم حجم بناء على ذلك. ھذه الترجمة المزدوجة یجب أن تكون رنّ الضرر؟ بالطبع لا، ً نادرا ما یبدي القضاة رغبتھم بفھم مطلق للحالة، فھدفھم ھو التعویض الموضوعي ولیس اظھار التعاطف مع المضرور.

لكي یكون التعویض ً إلزامیا، ینبغي إیجاد المسؤول عن الحق المدني الذي یكون ً ملزما بدفع مبلغ من المال للمضرور. فلو حكم
على شخص، أثناء الدعوي الجنائیة، بأنھ مرتكب الضرر، فسیكون ھو مسؤول عن الحق المدني. لكن ھناك قضایا استثنائیة حیث یكون الأشخاص المسؤولون لیسوا مرتكبین للجریمة، ففي قضایا الأطفال، یكون الأبناء ھم المسؤولین، فإذا كانت الوقائع واضحة مبدئیا لن تظھر مشكلة. لكن ھل نستطیع الحصول على تعویض مع عدم وجود المتسبب بالضرر؟

كان القانون لا ینص على تعویض المضرور عندما لا یتحمل شخص مسؤولیة الضرر الذي یراد تعویضھ. لذلك تطور القانون ووجدت ”المسؤولیة بدون خطأ“، والتي لا تشترط وجود المتسبب بالإھمال لكي یقوم بتعویض المضرور. غالباً ما تواجھ ھذه الإشكالیة في قضایا المؤسسات في إطار قانون حمایة المستھلك، لأنھ یستحیل إثبات الخطأ في قضایا التصنیع، مما دفع القانون إلى تحمیل الشركات مسؤولة إثبات أنھم غیر مسؤولین عن معیوبیة منتجاتھم. لكن كیف نعرف ما الذي حدث لتكون العبوة معیوبة؟

حتى السلطات العامة مضت قدما من أجل حمایة المضرورین. ففي قضیة التعویض الفردیة التي تلقاھا ضحایا ھجمات ١١ مارس ٢٠٠٤ ،في مدرید من الحكومة الإسبانیة. أقر مجلس الوزراء، في یوم ١٣ مارس ٢٠٠٤ ،بقرار تقدیري من الحكومة بمنح الجنسیة الاسبانیة للضحایا الأجانب ولعائلات اللذین لقوا حتفھم بسبب الھجوم. التبریر الذي قدمھ مجلس الوزراء لیس لدعم القضاء فقط: «حادثة التفجیر ھي كارثة إنسانیة على الجمیع»، ولأن الحكومة أرادت مساعدة الضحایا الأجانب وتسھیل حیاتھم الاجتماعیة في اسبانیا منحتھم الجنسیة. یعمل القانون كوسیلة أخیرة لیجنب الضحیة من عدم حصولھ على تعویض. في ھذه الحالة، كانت الآلیات مرنة لوضع نھایة لمطالبات المجتمع المصاب.

ھناك اعلان للمعاناة، أخذت الدولة التدابیر القانونیة التي یمكن ان تكون مشبوھة من منظور سیاسي. كیف یمكن للدولة أن تعوض ھذا الضرر المھول من غیر أن تتخذ تدابیر الوقائیة للادعاءات الإصلاح السیاسي والانتخابي؟

إن القانون، بصفتھ مجموعة من القواعد الجامدة التي تنظم المجتمع، لا یستطیع تجاھل حاجة المضرورین للتعویض. في معظم القضایا، یستجیب القانون لمطالب المضرورین، لكن یجب أولا تبین الألم الذي لا یمكن التعبیر عنھ، واثبات وجوده للحصول على تعویض. الإجراء لیس بسھل، ویمكن أن یؤدي إلى ظھور تناقض بین ما ّمر بھ المضرور، وبین ما یسمیھ ضرر. فمن غیر ، ومدمرة للنفسیة. لكن لیس بید اثبات لوجود الضرر لا یستطیع القانون التدخل. سوف تكون المحاكمة طویلة ومكلفة اقتصادیاً القانون حیلة. تفرض ضمانات الدولة الخاصة عقبات، یصعب تخطیھا نفسیا للحصول على التعویض. وھنا یأتي دور المحامي، فیجب علیھ أن یبلغ ّ موكلھ عن الصلاحیات والمخاطر التي قد یواجھا في عرض القضیة على المحاكم. ً غالبا ما ینصح المضرورین بحسم ھذا النوع من القضایا مع شركات التأمین، لكن لماذا نكتفي بتسویة غیر عادلة في حین أن المحاكم باستطاعتھا تعویضنا بعدل؟ بالرغم من الأعباء التي سنتحملھا أثناء الدعوى، إلا أن ھذه ھي الوسیلة الوحیدة لتحقیق العدالة.

بالإضافة إلى ذلك، لو كان المضرورین من نقل الدم الملوث بالسیدا لم یناضلوا ضد ما نسمیھا بالمسؤولیة المدنیة الطبیة، ولو كان ابن المضرور بحادث لم یطالب بتعویض بسبب الضرر المعنوي الذي ألحق بھ، فستكون استجابة المحاكم الیوم مختلفة.
وھذا لا یعني أن كل قضیة یجب أن تھدف إلى تقدم الفقھ والقضاء، لكن عندما یحرص المضرور على مصالحھ، وسلامتھ الجسدیة والنفسیة سیفید المجتمع. لكن ھل ستكون العقبات الإجرائیة أقل سلبیة مقارنة بالمنافع التي سیحظى بھا المضرور؟
أن حدود القانون في التعویض واضحة. وقد یكون في بعض القضایا غیر مجدي لتجاوز تجربة الألم. بالرغم من أننا رأینا سابق القوانین تقدم أیضا عدة وسائل غیر مكلفة للحصول على التعویض، تشكل المحاكم الوسیلة الأخیرة للحصول على تعویض، وبالرغم من القیود، إلا أن للمحاكم دور أساسي في تطویر آلیات التعویض عن الضرر، وفي تخفیف معاناة الضحایا. یشغل الفقھ والقضاء وظیفة مھمة أیضا وھي الإعلام، بصرف النظر عن تفاصیل كل قضیة، ”خاصةً المبلغ المالي الذي یدفع لتعویض عن الضرر، والذي یولد العدید من النقاشات“. قد تكون التسویة مفیدة ـ حتى لو أعطي المضرور مبلغ أقل من الذي طلبھ- فھي تتضمن أیضا ً إقرارا ً رسمیا بالضرر، أولیس ھذا أثمن من التعویض بحد ذاتھ؟ صحیح أنھ في بعض القضایا، كقضایا الاعتداء الجنسي، یتحاشى فیھا الاعتراف العلني لأننا نؤمن بأن النسیان ھو الذي یعید التوازن المفقود لحیاة المضرور. لذلك تعتبر ھذه الجریمة الوحیدة التي لا یكشف فیھا المضرور إلا برضاه لیخضع للدعوى. ومع ذلك فإن الاعتراف بالجریمة لا غنى عنھ لتعویض الضرر بالنسبة لبعض الضحایا. فالتشھیر یضیف قیمة باعتباره وسیلة تعویض. وعلى سبیل المثال: طالب المضرورین من الدكتاتوریة العسكریة في اسبانیا الفرانكیة َ الحكم العسكري في تشیلي باعتراف بوجود جرائم وما ترتب علیھا من ضرر.

یصعب القول بأن القانون تریاق ضد الضرر لكنھ یمكن أن یتیح وسائل فاعلة بلا شك للحصول على تعویض، واعتراف بالضرر یمنع التعبیر عنھ لدوافع مختلفة ًجدا. فقد الضرر الشخصي خصوصیتھ إلا أنھ كسب مكانة ھامة ونافعة في تأسیس قانون موضوعي یفید كافة الأفراد.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت