الفرق القانوني بين الإضراب و كلاً من ” المظاهرة و الاعتصام و الاستقالة “

المؤلف : محمد سليم محمد امين – نوزاد احمد ياسين
الكتاب أو المصدر : مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية جامعة كركوك ، العدد17 المجلد 5

التمييز بين الاضراب و المظاهرة

المظاهرة في اللغة هي المعاونة ، والتظاهر : التعاون ، واستظهر به اي استعان به ،والظهارة بالكسر. والمظاهرة مصدر ) ظاهر ( من ) فاعل ( اصلها من ظهر ، يدل على قوة وبروز (1) وعرفت اصطلاحا بانها : “خروج جمع من الناس مجتمعين في الطرق او الشوارع او نحو ذلك ، للمطالبة بشيء معين او لا ظهار القوة او نحو ذلك )2) وعرفها اخرون بانها : ” قيام مجموعة من الناس بالتجمهر في مكان عام ، والتحرك نحو جهة معلومة مطالبين بتحقيق مطالب معينة او مؤيدين لأمر او معارضين له ، معبرين عن مطالبهم بشعارات وهتافات ، او من خلال صور و لافتات “(3).

وبذلك يتضح لنا ان هنالك شبها معينا بين حقي الاضراب والتظاهر ، وهو ان كليهما عبارة عن تجمع عدد من الافراد يسبقه اتفاق وتدبير من قبلهم بقصد الوصول الى مطالب معينة ، حيث انهما يعرقلان الحياة اليومية للافراد ويعطلانها ، ومع ذلك فانهما يختلفان في العديد من النواحي اهمها :

1-ان الاضراب يمارس من قبل العمال والموظفين ضد صاحب العمل او السلطة العامة ،بينما يقوم المواطنون ) سواء اكانوا موظفين ام عمالا ام طلابا أم مواطنين عاديين ام غيرهم ( بالتظاهر ضد الدولة .
2-يؤثر حق الاضراب على الحياة الاقتصادية ، ومن ثم فهو يتعارض مع حق العمل ،بينما يؤثر حق التظاهر على حركة المرور وقد يؤثر على الحياة السياسية ، ومن ثم فهو يتعارض مع حرية التنقل .
3-الهدف من الاضراب دائما هو تحسين حالة فئوية معينة هم العمال والموظفون على اختلاف مطالباتهم ، بينما الهدف الاساس للتظاهر هو الاعتراض على سياسة الحكومة او تأييدها او لغيرها من الاسباب ، لذلك غالبا ما تقوم به منظمات المجتمع المدني والاحزاب السياسية او اية قوى اخرى فضلا عن المواطنين العادي.
______________
1- عبد الرحمن بن سعد الشتري ، المظاهرات في ميزان الشريعة الاسلامية ، ط 1 الرياض ، 1432ه ، ص 9.
2- د. محمد بن عبد الرحمن الخميس ، المظاهرات والاعتصامات والاضرابات ، ط 1 دار الفضيلة الرياض ، 2006، ص 13
3- اسماعيل محمد البريشي ، المظاهرات السلمية بين المشروعية والابتداع ، بحث منشور بمجلة دراسات ، علوم الشريعة والقانون ، المجلد 41 ، العدد 1،2014،ص141.

التميز بين الاضراب و الاعتصام

الاعتصام هو التمسك بشيئ معين وعدم مفارقته ، فاذا قلت اعتصمت بالله اي تمسكت بحبل الله ولم افارقه ، والمقصود بالاعتصام في الوقت الحاضر : الاعتكاف في مكان معين كالمصانع والجامعات واماكن الدوام الرسمي ونحوها والمكوث فيها وعدم مفارقتها احتجاجا على امر معين(1) والقصد منه هو لفت نظر المسئولين للاستجابة لمطالبهم الشخصية والمهنية ،فالاعتصام اذا يرتبط بالمكان وعدم الخروج منه بعد انتهاء فترة العمل .

ان الاعتصام بذلك يقترب من مفهوم الاضراب من حيث السلوك السلبي ، فالاعتصام هو الامتناع عن الخروج من مكان معين ، والاضراب عبارة عن الامتناع عن اتيان فعل او عمل معين ، كما انه يجمعهما وحدة الغرض وهو لفت نظر المسئولين لمطالبهم الشخصية او المهنية للاستجابة وتحقيق تلك المطالب ، كما ان كلا الفعلين مجرم من جانب المشرع العقابي في بعض الدول ، وحتى ان الدول التي تبيحهما قيدتهما بشروط معينة . هذا وان المشرع العراقي(2) عد الاعتصام نوعا من انواع الاضراب بموجب قوانين العمل العراقية المتعاقبة رقم 1 لسنة 1958 م52 منه والقانون رقم 151 لسنة) 1970 م( 130 منه .

اما اختلاف كليهما عن الاخر ، فيتمثل بالسلوك السلبي لكل منهما ، لكن السلوك السلبي للاعتصام اكثر خطورة منه في الاضراب ، وذلك حينما لا يستجيب صاحب العمل لمطالب العمال المضربين عن العمل ، ومن ثم يصح ان يكون الاعتصام امتناعا ذي درجة اعلى من الاضراب واكثر تطورا للمشكلة .

ثم ان السلوك السلبي للاعتصام يتمثل بعدم الخروج من مكان معين ، بينما لا يشترط الاضراب ذلك. كما يبدو الاختلاف بينهما كذلك في الاثار او الخسائر المادية الناجمة عن كل منهما ، فالأضراب قد يخلف أضرار في حالة امتناع الموظف عن العمل ، بينما لا يقتصر الاعتصام على مجرد الامتناع عن العمل من المكان دونما يصاحبه في الغالب حريق او تخريبات أو مشاكل نفسية وخاصة للم ا رجعين، فيكون الاضرار الناجمة عنه اكثر من نتائج الاضراب(3)
___________________
1- عبد الرحمن بن سعد الشتري ، المظاهرات في ميزان الشريعة الاسلامية ، ط 7 ، الرياض 1432 هجري، ص 14.
2-عرف المشرع العراقي الاعتصام في المادة 52 من قانون العمل العراقي رقم 1 لسنة 1958 بقوله )هو احتلال مجموع أو جماعة من العمال او المستخدمين في أي مشروع لمحل العمل وايقافهم العمل ، ورفضهم السماح لدخول رب العمل أو من يمثله أو السلطات المختصة لمحل العمل او استخدام عمال او مستخدمين آخرين مكانهم “.
3- د. محسن محمد العبودي ، الشغب في الملاعب الرياضية ، د.م.و.س.ط ، 2011 ، ص 8

التمييز بين الاضراب والاستقالة

يقصد بالاستقالة : ترك الموظف وظيفته بإرادته وهي على نوعين :
1- الاستقالة الصريحة : وفيها يقدم الموظف طلبا تحريريا الى مرجعه المختص برغبته واختياره ، ويشترط موافقة الادارة عليه صراحة او ضمنا (1)
2- الاستقالة الحكمية : وتعني ترك الموظف عمله بصورة نهائية من خلال انقطاعه عن الدوام مدة محددة دون موافقة الادارة ، ودون ان يستأنف عمله خلال مدة محددة من ذلك الانقطاع كما حدده القانون(2) .

ان الاستقالة هي حق من حقوق الموظف ، لكنها مقيدة بعدم الاخلال بمبدأ دوام سير المرفق العام بانتظام واطراد ، وبالطبع اذا ما قام بها الموظف في وقت غير ملائم ، ولايمكن للادارة عندئذ شغل الفراغ الذي تركه الموظف المستقيل ، وبصورة خاصة في الاستقالة الجماعية وهي تلك الاستقالة التي يقدمها عدد من الموظفين في وقت واحد و بناء على اتفاق سابق على ترك الخدمة الوظيفية .

ولهذا تعد هذه الاستقالة الاكثر خطورة وضررا على المرافق العامة وسيرها بانتظام واطراد(3) وهي بذلك تقترب من أحد انواع الاضراب غير المشروعة وهو الاضراب المفاجئ ، لان من شأن كليهما شل أو عرقلة سير المرفق العام بانتظام واطراد ، ولهذا عاقب الكثير من المشرعين على الاستقالة الجماعية ، من ذلك المشرع الفرنسي في المادة 126 عقوبات فرنسي ، والمشرع المصري في المادة 124 عقوبات مصري ، والمشرع العراقي في المادة 364 عقوبات عراقي .

وعلى هذا الاساس يشترك كل من : ) الاستقالة الجماعية ( مع ) الاضراب المفاجئ ، وهو الاضراب بدون اخطار الادارة ( في انهما يؤديان الى النتيجة نفسها ، وهو عنصر المفاجأة وتأثيرها على عرقلة السير العادي للمرفق العام ، حيث يستند بعض الاراء الى نص هذه المادة لتجريم جميع انواع الاضراب وبصورة عامة ، لكننا لا نشاطر ذلك الرأي)4) فنحن لا نرى في الاستقالة ) الفردية او الجماعية ( اض ا ربا ، بسبب اختلافهما من النواحي الاتية :

1- ان الاضراب هو توقف مؤقت عن العمل من جانب الموظف مع بقائه في وظيفته في الوقت ذاته ، بينما في الاستقالة يترك الموظف وظيفته بصورة نهائية ، ولاتبقى هنالك اية رابطة تربطه بالوظيفة العامة .

2-  في الاضراب ، هنالك سبب عام – اذا صح القول- دفع المضربين الى الاضراب وهنالك غرض أو مطلب جماعي يبتغيه المضربون عن الدوام ، بينما لا يشترط توافر ذلك الغرض في الاستقالة ، وان توافر فهو صعب التثبت ، لان الاستقالة قد تكون لأسباب اضطرارية أو لاغراض شخصية كإيجاد الموظف عملا اخر مثلا .

3- ان الاضراب يمارس دائما بصورة جماعية ، بينما الاستقالة تمارس بصورة فردية غالبا ،وقد تمارس بصورة جماعية – وهو امر نادر الحدوث جدا.
____________
1- د. شاب توما منصور ، القانون الاداري ، ج 7 ، دار الطبع والنشر الاهلية ، بغداد 1970 ،ص 376
2- فوزت فرحات ، القانون الاداري العام ، الكتاب الاول ، ط 7 ، مكتبة الحلبي الحقوقية ، لبنان ، 2004 . ص 365
3- حمدي القبيلات ، القانون الاداري ، ج 1 ط 1 دار وائل للنشر ، عمان ، الاردن ، 2008 ،، ص 302
4- د. خالد خليل الظاهر ، القانون الاداري، الكتاب الثاني، ط 1 دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة ، عمان 1997 ص 44 ،

إعادة نشر بواسطة محاماة نت