سحب الجنسية العراقية و إلغائها

المؤلف : جويتار محمد رشيد – محمد جلال حسن
الكتاب أو المصدر : اشكاليات قانون الجنسية العراقي 26 لسنة 2006 في مجال منح الجنسية وسحبها /مجلة كلية…

كان قانون الجنسية العراقية لسنة 1963 )الملغي( يتضمن غزارة في الأحكام التي تفقد العراقي جنسيته كعقوبة على إتيانه عملا من الأعمال، كقبول العراقي وظيفة في الخارج لدى حكومة أجنبية أو إحدى الهيئات الأجنبية أو الدولية سواء أكانت صديقة أم معادية(1) فضلاً عن صدور قرارات عدة من مجلس قيادة الثورة المنحل تقضي بإسقاط الجنسية العراقية عن عراقيين لمجرد أن النظام السابق قد”اشتبه” في احتمالية عدم ولائهم للنظام، كالقرار في 7/5/1980 الذي قضى بإسقاط الجنسية العراقية عن كل عراقي إذا تبين عدم ولائه للثورة(2). وفي جميع هذه الحالات لم تكن القرارات الصادرة بإسقاط الجنسية العراقية أو تجريدها من الشخص قابلة للمراجعة القضائية بأي شكل من الأشكال(3)، مما يعني أنها كانت قرارات استبدادية بعيدة عن الحقيقة والموضوعية تحركها أهواء النظام لا أكثر ولا أقل.

وبعد صدور الدستور الجديد للعراق والذي نص على أنه يحظر إسقاط الجنسية العراقية عن العراقي بالولادة لأي سببٍ من الأسباب(4)، ألغى القانون الجديد للجنسية العراقية جميع الحالات الجائرة لفقدان الجنسية وألغى قرار مجلس قيادة الثورة المنحل والقرارات الأخرى الجائرة وأعاد الجنسية العراقية إلى كل شخص أسقطت عنه الجنسية العراقية بموجب هذه القرارات.

كما نص القانون الجديد على حق كل عراقي أسقطت عنه جنسيته لأسباب سياسية أو عنصرية أو طائفية ان يستردها بتقديم طلب بذلك وفي حالة وفاته يحق لأولاده الذين فقدوا الجنسية العراقية تبعاً لوالدهم أو والدتهم أن يتقدموا بطلب لاسترداد الجنسية العراقية.

ومن جهة أخرى، ألغى المشرع الفقد التلقائي للجنسية العراقية والذي كان يتحقق بسبب اكتساب العراقي جنسية أجنبية في دولة أجنبية (5) وأصبح الآن يحق للعراقي الذي يكتسب جنسية أخرى ان يحتفظ بجنسيته العراقي إلا إذا أعلن تحريريا رغبته في التخلي عن الجنسية العراقية(6) .

لقد استجاب المشرع للمبادئ الواردة في الدستور بشأن حظر إسقاط الجنسية العراقية عن العراقيين بالولادة ولم ينص في القانون الجديد على أي حالات للفقد تشمل العراقيين بالولادة باستثناء التخلي الإرادي عن الجنسية العراقية بسبب اكتساب جنسية أخرى. وفيما يخص سحب الجنسية العراقية، ينص البند )ب( من الفقرة )ثالثا( من المادة ) 18( من الدستور العراقي على جواز سحب الجنسية العراقية من المتجنس بها في الحالات التي ينص عليها القانون .

وتطبيقا لهذا النص الدستوري تنص المادة ) 15 ( من قانون الجنسية العراقية على حالتين يجوز فيهما سحب الجنسية العراقية من المتجنس بها، الأولى إذا ثبت قيام المتجنس بعمل أو محاولته القيام بعمل يعد خطرا على امن الدولة أو سلامته(6)؛ والثانية إذا ثبت تقديم المتجنس معلومات خاطئة عنه أو عن عائلته عند تقديم طلب اكتساب الجنسية العراقية.

سنركز هنا على الحالة الثانية لسحب الجنسية العراقية، وهي سحب الجنسية العراقية من المتجنس بها إذا ثبت تقديمه معلومات خاطئة عنه أو عن عائلته عند تقديم طلب اكتساب الجنسية العراقية. وفي هذا السياق، تنص الجملة الثانية من المادة ) 15 ( من قانون الجنسية العراقية النافذ على انه ” للوزير سحب الجنسية العراقية من غير العراقي التي اكتسبها إذا … قدم معلومات خاطئة عنه أو عن عائلته عند تقديم الطلب اثر صدور حكم قضائي بحقه مكتسب لدرجة البتات”.

فيما يخص هذه الحالة، التي تعد جديدة في التشريع العراقي، يمكن ايراد الملاحظات التالية:

1-إن المادة ) 15 ( من قانون الجنسية لا تبين كيفية تقديم المعلومات الخاطئة، وحمل النص على إطلاقه يؤدي إلى الاستنتاج بأنه أيا كانت الطريقة التي قدمت بها المعلومات، وسواء أكانت عن عمد أو بدونه، فإنها تكون مشمولة بحكم المادة ) 15 (. كما لا يبين النص نوع أو طبيعة المعلومات الخاطئة أو مدى إسهامها في إكتساب الجنسية العراقية، ويدل ظاهر النص على ان المعلومات الخاطئة هي أي معلومة تكون قد وردت في طلب اكتساب الجنسية العراقية وبغض النظر عن مدى تأثيرها في اكتساب الجنسية.

أخيرا، لم يحدد النص المقصود بالعائلة. إن عقوبة سحب الجنسية من الشخص كونها من اخطر العقوبات التي يمكن ان تطال الفرد، إذ تجرده من الصفة الوطنية في المجتمع العراقي، تقتضي ان يحدد المشرع وبدقة نطاق تطبيق هذا النص، لا أن يتركه محلاً للاجتهاد أو التفسير اللذين قد ينطويان على التعسف.

2- إن المادة ) 15 ( من القانون تعالج سحب الجنسية من المتجنس بها فقط. واغفل المشرع تنظيم حالة إلغاء شهادة الجنسية العراقية بسبب الحصول عليها بالغش أو التزوير أو الخطأ تاركا الحكم في ذلك لتعليمات الجنسية العراقية رقم ) 1( لسنة 1965 المعدلة والتي لا تزال نافذة(7) وهذه التعليمات، لا تميز، في هذا السياق، بين من يتمتع بالجنسية العراقية الأصلية وبين من اكتسبها بطريق التجنس(8) إذ تنص الفقرة ) 8( من هذه التعليمات على انه: “كل شخص حصل على شهادة الجنسية أو التجنس بناء على إبدائه أقوالا كاذبة أو تقديمه أوراقا أو معلومات غير صحيحة يقرر الوزير إلغاء الشهادة التي استحصل عليها بهذه الطريقة وعندئذ على المدير العامة إبطال الشهادة … ولا يسترد أي رسم دفع لغرض الحصول عليها.

ويعتبر قرار الإلغاء ساريا من تاريخ حصول الشخص على الشهادة بصورة غير مشروعة”. ولما كانت التعليمات في مرتبة ادنى من نص القانون ولا يجوز لها ان تخالفه، بذلك يكون المتجنس الذي يقدم معلومات خاطئة في طلبه قد استبعد من نطاق تطبيق الفقرة ) 8( من التعليمات، ولا يجوز بالتالي إلغاء شهادة تجنسه إنما يمكن سحبها بموجب المادة(15) من القانون إثر حكم قضائي بات يثبت تقديمه معلومات خاطئة. من هنا يبدو الإرباك الذي أوقع المشرع العراقي نفسه فيه، فمن يزور شهادة الجنسية العراقية الأصلية، وكل من قدم معلومات غير صحيحة من اجل الحصول على هذه الشهادة، فإن هذه الشهادة، بموجب تعليمات قانون الجنسية، تلغى وبأثر رجعي وتلغى شهادة جنسية كل من حصل عليها تبعاً له.

في حين ان سحب الجنسية عقوبة شخصية لا تنال غير الشخص الذي سحبت منه ولا يمتد أثرها إلى الماضي(9) والاهم من هذا كله أن سلطة الوزير في سحب الجنسية مقيدة بوجوب صدور حكم قضائي بات يثبت تقديم المتجنس معلومات خاطئة في طلبه. أما من يحصل على شهادة الجنسية العراقية أو شهادة التجنس استناداً أو تبعاً لتجنس من تسحب منه الجنسية العراقية، فإنها لا تسحب منه إلا إذا ثبت بحكم قضائي وبقرار من الوزير تقديمه هو الآخر معلومات خاطئة في طلبه، أو قد يفقدها بالتبعية بموجب المادة ) 14 /ف 2( أو قد تلغى شهادة جنسيته أو تجنسه إذا كان قد تم الحصول عليها عن طريق الغش أو التزوير.

3- إن المادة ) 15 ( تقتصر على حالة تقديم المتجنس نفسه معلومات خاطئة عنه أو عن عائلته، ولا تنصرف إلى أولئك الذي حصلوا على الجنسية العراقية استنادا إلى تلك المعلومات الخاطئة. فلو قدم الأب في طلب تجنسه معلومة تفيد أن له ولدا غير بالغ سن الرشد، ثم تبين أن الولد كان بالغا وقت تجنس والده، فإن الأب سوف تسحب جنسيته وبأثر يسري على المستقبل فقط، في حين لا يمكن سحب جنسية الولد لعدم تقديمه معلومات بنفسه.

مما يثير التساؤل عن مصير جنسية الولد، وليس من سبيل سوى بإلغاء شهادة جنسية الولد استنادا إلى التعليمات، والإلغاء يكون بأثر رجعي ويعتبر الولد وكأنه لم يحصل عليها(10)من هنا يبدو التناقض في النتائج التي يسفر عنها تطبيق المادة ) 15 ( من القانون.

فمن غير المنطقي ان تسحب جنسية الأب في حين ان جنسية الولد تلغى بأثر رجعي. ومن ناحية أخرى، يمكن القول إن سحب الجنسية من الأب في المثال أعلاه عقوبة غير عادلة بحقه لأن المعلومة التي قدمها كانت تتعلق بولده ولم تسهم مطلقا في حصول الأب على الجنسية العراقية.

يظهر مما تقدم ان معالجة المشرع لحالة فقدان الجنسية بسبب الحصول عليها عن طريق تقديم معلومات غير صحيحة هي معالجة غير صحيحة وذلك لأنها معالجة جزئية تقتصر فقط على المتجنس الذي يقدم معلومات خاطئة ولا تمتد إلى سواه. ثم ان من يحصل على شهادة التجنس عن طريق الغش أو تقديم معلومات غير صحيحة، يعد تجنسه باطلا لأن الغش يفسد كل شيء ومن ثم يجب ان تلغى شهادته أسوة بمن يحصل على شهادة الجنسية الأصلية عن طريق الغش أوالتزوير.

كل هذا يدفع للقول إن المشرع يجب ان يعيد النظر في الجملة الثانية من المادة ) 15 ( من القانون بإلغائها وترك مضمونها للتعليمات رقم ) 1( لسنة 1965 )المعدلة(، والذي يشمل حكمها في هذا السياق كافة الحالات التي تتعلق بالحصول على الجنسية عن طريق الغش أو تقديم معلومات غير صحيحة، بما في ذلك الحالة التي تغطيها المادة )15( من قانون الجنسية العراقية.
________________
1- انظر الفقرة (2) من المادة (20) من هذا القانون ، وانظر ايضا الفقرتان (1و3) من نفس المادة .
2- نصت الفقرة (1) من هذا القرار على ما يلي : ” تسقط الجنسية العراقية عن كل عراقي من اصل اجنبي اذا تبين عدم ولائه للوطن والشعب والاهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة .
3- منعت المحاكم العراقية من النظر في الدعاوي الناشئة عن تطبيق احكام قانون الجنسية العراقية وذلك بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 413 المرخ في 15/4/1975( الملغي ).
4- المادة (18/ثالثا /أ).
5- انظر المادة (11/1) من قانون الجنسية العراقية رقم 43 لسنة 1963 ( الملغي ).
6- المادة (10/1) من قانون الجنسية العراقية رقم 26لسنة 2006.
7- هذه الحالة ما خوذة ، مع بعض الاضافة والتعديل ، من قانون الجنسية العراقية الملغي لسنة 1963 . حيث كانت المادة (19) من القانون الاخير تنص على انه ” للوزير سحب الجنسية العراقية عن الأجنبي الذي اكتسبها اذا قام او حاول القيام بعمل يعد خطرا على امن الدولة او سلامتها .
8- انظر المادة (21/1) من قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2006 التي تقضي بنفاذ هذه التعليمات بما لا يتعارض واحكام هذا القانون لحين صدور ما يحل محلها او يلغيها .
(36) د. ممدوح عبد الكريم حافظ ، القانون الدولي الخاص وفق القانون العراقي والمقارن ، ط1 ، دار الحرية للطباعة ، بغداد 1973 ، ص152 .
(37) د. حامد مصطفى ، مبادئ القانون الدولي الخاص من وجهة نظر القانون العراقي ج1 ، ط2 مطبعة المعارف ، بغداد 1970 ، ص173.
9- انظر حامد مصطفى ، المرجع السابق ،ص 173.
10- غالب علي الداوودي ، القانون الدولي الخاص : النظرية العامة واحكام الجنسية العراقية ، ط1 مطبعة اسعد ، بغداد 1974 ، ص 183 .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت