الحلول القانونية لوضع محتجزي مخيمات تندوف

مقال حول: الحلول القانونية لوضع محتجزي مخيمات تندوف

وضعية محتجزي مخيمات تندوف بين الأزمة الانسانية والحلول القانونية

محمد بوبوش

باحث في العلاقات الدولية-جامعة محمد الخامس-الرباط

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

إن الحديث عن قضية الصحراء لا يمكن فصله عن الحديث عن وضعية المغاربة المحتجزين بمخيمات تندوف فوق الأراضي الجزائرية الذين اعترفت لهم المفوضية بوضع لاجئين بشكل جماعي وليس بملتمسي لجوء.

فالمحتجزون- (اللاجؤون) كما يحلو للجزائرتسميتهم- الصحراويون قد أجبروا لأسباب عديدة وفي سياق ظروف وملابسات مختلفة إلى التنقل نحو المناطق المحاذية للأقاليم الصحراوية المغربية والتجمع في مخيمات أقيمت في المنطقة الخاضعة للسيادة الجزائرية، وهم يوجدون في وضع يتناقض كليا مع القانون الدولي لأسباب عديدة، أهمها أنهم محتجزون في مخيمات عسكرية ضدا على مبادئ القانون الدولي الذي يفرض شروطا صارمة، يجب على بلد اللجوء التقيد بها عند السماح لإقامة هذه المخيمات (الحرص على ضمان الطابع المدني والإنساني والسلمي لهذه المخيمات الذي تشدد عليه الخلاصة رقم 94 المعتمدة من لدن اللجنة التنفيذية للمفوضية في 08 أكتوبر 2002)، فضلا عن كون اللاجئين الصحراويين قد حرموا منذ ما يزيد عن 30 سنة من الحماية الدولية بمعناها الواسع التي يكفلها لهم القانون الدولي من خلال ضرورة توفير الحلول الدائمة لوضعهم الإنساني المأساوي.

المحور الأول: الوضعية المعيشية لسكان مخيمات تندوف:

يمكن القول أن وضعية مخيمات تندوف تتميز بالخصائص التالية:

1- الاعتماد على المساعدات الدولية :

منطقة تندوف صخرية قاحلة يشق فيها العيش حيث لا تتوفر بها ظروف الحياة إلا بالاعتماد الكامل على المساعدات الدولية, ومنذ عام 1993 يخصص مكتب الشؤون الإنسانية التابع للمجموعة الأوربية برامج مساعدة سنوية تنقسم بسبب الاعتماد الكامل للسكان عليها،إلى مساعدات غذائية طارئة 84% ومساعدات طبية 9,4″% ومساعدات لإعادة التأهيل 6,6 %.ولزيادة فاعلية المساعدات ومنع الازدواج، يجري تنسيق دقيق مع مصادر المساعدات الدولية الأخرى . وتهدف هذه المساعدات إلى توفير الأغذية الضرورية والمحافظة على ظروف المعيشة والحالة الصحية للاجئين في مستوى مقبول. وسيحتاج الأمر على فترة طويلة لتهيئة الصحراويين العائدين للخروج من حالة الاتكال التام على المساعدات إلى تحقيق قدر نسبي من الاكتفاء الذاتي .
يضاف إلى ذلك، أن المحتجزون الصحراويين يعتمدون اعتماداً كبيراً على المساعدات الدولية، والتي ظهرت بشكل جلي في مشروع قرار بتقديم مساعدات إنسانية للاجئين الصحراويين ، والتي تناقصت وأصبحت تدفع بشكل غير منتظم . وتشارك في هذا التقييم وكالات دولية مثل برنامج الغذاء العالمي، والذي يؤكد بأن السكان، يعانون بشكل دوري من نقصان شديد في الغذاء . إن هذه المشكلة التي ظلّت تتكرر منذ بداية 1990، قد ضربت وبخطورة مضاعفة في عام 2005، عندما أعلن برنامج الغذاء العالمي، ومكتب المفوض السامي لشؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة، بأن عدد الأشخاص الذين يستحقون المساعدة، سوف يتناقص منذ ذلك التاريخ إلى 90000 ألفاً من أصل 155000 ألفاً (158000) عام 2004. هذا الانخفاض بأكثر من 40% قد استدعى تعليقات عديدة ومتناقضة.

فقد رأى المغرب في انخفاض السكان المعنيين، تأكيداً من قبل الهيئات الدولية الرئيسية، بأن أعداد اللاجئين الصحراويين قد كان مبالغاً فيها، وأن جزءً من المساعدات كان يُحوَّل من قبل الجيش الجزائري أو قادة البوليساريو لتمويل الجمهورية الصحراوية الديمقراطية العربية (SADR) بدرجة رئيسية. تلك المساعدة التي كانت في شكل مواد غذائية ، وأدوية وآلات، كانت تباع بشكل منتظم بواسطة شبكات في جنوب الجزائر. (تندوف، وبيشار، لابدلا، أوم لا سال وآدرار)؛ وفي شمال موريتانيا (بئر موغرين، عين بن تلي، لهفيرا، زويرات، نواذيبو، شوم وأطار)، وحتى في نواكشوط العاصمة .

2- التأثير على الصحة:

تراقب المفوضية الأوربية عن كثب ظروف معيشة المحتجزين الصحراويين في مخيمات تندوف، وقد لوحظ أن مستويات التغذية والصحة العامة والرعاية الطبية تتدهور بانتظام على مر السنين رغم المساعدات الدولية. وحسب دراسة أجرتها إحدى المنظمات الدولية غير الحكومية الإيطالية اللجنة الدولية من أجل تنمية الشعوب ومعها منظمة ألمانية هي منظمة ميديكو إنترناشينال، فإن سوء التغذية في المخيمات يرجع إلى عوامل مختلفة هي رداءة الغذاء والبيئة القاسية وتخلف النظام الصحي كما أن من أكثر الأمراض شيوعا هو الإسهال الذي يصيب الأطفال والتهابات الجهاز التنفسي في الشتاء، كما يعاني عدد كبير من الأطفال من الصمم أو ضعف حاسة السمع. فالحصول على مياه الشرب مسألة شديدة الصعوبة، أو أنها غير صالحة للاستهلاك الآدمي أو أن نوعيتها دون المستوى المطلوب أو ملوثة .

ويواصل برنامج الغذاء العالمي تزويد لاجئي الصحراء الغربية بما قدره 125000 حصة غذائية عامة شهريا، إلى جانب التغذية المدرسية والتغذية التكميلية للأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من سوء التغذية والنساء الحوامل والمرضعات، وبوجه عام قام برنامج الغذاء العالمي بتوزيع 24896 طنا من المواد الغذائية في الفترة من كانون الثاني-يناير 2008 إلى كانون الثاني-يناير 2009.
ورغم تلك الجهود فإن دراسة أجراها في أيار-مايو 2008 برنامج الغذاء العالمي و”منظمة أطباء العالم”، وهي منظمة إسبانية غير حكومية،لتقييم مستوى التغذية، كشفت أن سوء التغذية لا يزال يمثل مشكلة رئيسية في المخيمات. وفي أعقاب مبادرة مشتركة بين الوكالات لوضع إستراتيجية في مجال التغذية، بدأ برنامج الغذاء العالمي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مهمة مشتركة لتحديد كيفية تحسين ما تحدثه تدخلاتهما في مجال التغذية من أثر .
وفي قطاع المياه والصرف الصحي، تعمل المفوضية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مع منظمة غير حكومية إسبانية، هي منظمة “الأندلس للتضامن الدولي” Solidariad International Andalucia باعتبارها الشريك المنفذ المسؤول عن بناء وصيانة شبكة إمدادات المياه في كل مخيم من المخيمات الأربعة. وحتى الآن، تم بنجاح في عام 2008 توسيع نطاق مشروع إقامة شبكة للإمداد بالمياه كان قد بدأ عام 2007، كمشروع تجريبي في جزء من مخيم أوسرد و ذلك لتشمل الشبكة المخيم بكامله.

3-التغيرات الثقافية والنفسية:

إن الحياة في المخيمات محنة شاقة بسبب تمزق العائلات واختفاء الأقارب وغياب الآباء والوفيات.وإلى جانب حالة الإعياء التي يشعر بها جميع السكان،هناك مشكلة جيل بكامله لا يعرف إلا حياة المخيمات.ومما يزيد من تفاقم المشكلة أن هذا المجتمع يعطي للعائلة أو المجموعة الأولوية على الفرد .
وقد دعمت المفوضية قطاع التعليم عبر توفير عدد كبير من الكتب المدرسية والملابس الرياضية والأزياء المدرسية لتلاميذ المدارس والمعلمين، والأسرة والحشيات والبطانيات للمدرسة الداخلية في المخيمات ومعدات المطابخ .

* مسؤولية الجزائر في مجال قانون اللاجئين

ما يبعث على الاستغراب حقا هو موقف الجزائر تجاه مصير(المحتجزين) اللاجئين الصحراويين. فعلى خلاف ما يقع في سائر البلدان الأخرى التي تستقبل أعدادا مهمة من اللاجئين، والتي تسعى عادة إلى إقناع المجتمع الدولي بضرورة العمل على عودة اللاجئين إلى بلدانهم أو إعادة توطينهم إذا ما استحالت هذه العودة. فالجزائر تعارض بشدة عودة سكان المخيمات إلى الأقاليم الصحراوية المغربية، ومن المتوقع أنها سوف ترفض أيضا التعاون مع المفوضية في حال ما إذا قررت هذه الأخيرة تطبيق برنامج لإعادة توطين اللاجئين الصحراويين في بلدان أخرى. وفي هذه الحالة، فإنها ستتنصل مرة أخرى من تحمل التزاماتها الدولية تجاه اللاجئين الصحراويين والمجتمع الدولي. فالجزائر تتحمل المسؤولية الكبرى فيما يرجع لمصير اللاجئين الصحراويين، باعتبارها البلد المستقبل وبلد اللجوء الأول، وأيضا بصفتها صاحبة السيادة الإقليمية وفقا للقانون الدولي.
أن الجزائر لم تف بالتزاماتها في ما يتعلق بالسكان المحتجزين فوق أراضيها بموجب اتفاقية 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين والبرتوكول ذي الصلة لسنة 1967 .كما انتقدت اللجنة الجزائر للعراقيل التي تضعها في وجه برنامج تبادل الزيارات العائلية الذي تشرف عليه المفوضية السامية للاجئين بين مخيمات تندوف والأقاليم الجنوبية للمملكة.والأدهى من ذلك -يتأسف التقرير- فإن “الحكومة الجزائرية ترفض الاعتراف بمسؤوليتها في ما يتعلق بالوضع في المخيمات”، مضيفا أنه من أجل التنقل فإن الصحراويين المحتجزين في تندوف مجبرون على الحصول على ترخيص موقع من طرف السلطات الجزائرية وال”البوليساريو”.كما استنكر التقرير تحويل المساعدات الدولية الإنسانية الموجهة للمخيمات، مشيرا الى أن برنامج الغذاء العالمي يقدم لوحده حصصا غذائية لأكثر من 125 ألف شخص في حين أن عدد سكان المخيمات لا يتجاوز 90 ألف شخص في أفضل الحالات.وفي هذا السياق، انتقد التقرير إصرار السلطات الجزائرية على رفض السماح بإجراء إحصاء لسكان المخيمات.+خلاصات اللجنة الأمريكية تتقاسمها منظمات أمريكية مستقلة أخرى+وتوصلت منظمات أمريكية مستقلة أخرى الى نفس خلاصات اللجنة الأمريكية للاجئين والمهاجرين.وهكذا فقد أكد المركز الجامعي للدراسات القانونية (يونيفيرسيتي سانتر فور ليغال ستاديز)، وهو مجموعة تفكير أكاديمية، في تقرير حديث أنه يتعين وضع حد لمعاناة السكان المحتجزين في مخيمات تندوف الناجمة عن عدم وفاء الجزائر بالتزاماتها تجاه القانون الدولي.وطالب محررو هذا التقرير في هذا السياق المفوضية السامية للاجئين بضرورة حضورها بشكل “ملموس” في المخيمات لضمان حماية حقوق السكان بما في ذلك حرية التنقل.وأعربوا عن أسفهم لكون هذه المنظمة الأممية المنوط بها بالفعل حماية اللاجئين “تقتصر على دور ثانوي ينحصر في تزويد المخيمات بالغذاء والمعدات”.

حتى لا تحرم ساكنة تندوف من حقوقها ، وشدد تقرير (يونيفيرسيتي سانتر فور ليغال ستاديز) على أنه بالنظر “للخروقات المرتكبة خلال العقود الثلاث الماضية، فانه من الضروري أن يتغير الوضع في مخيمات تندوف، حتى لا يشب جيل جديد من السكان محرومين من حقوقهم وفرصهم في العيش ومن مستقبلهم”.

كما لاحظ التقرير أن المفوضية السامية للاجئين لديها الصلاحية لطلب تدخل هيئات أممية أخرى من قبيل مجلس الأمن من أجل حماية حقوق اللاجئين.وفي انتظار ذلك -يضيف التقرير – فإن السكان المحتجزين في المخيمات فوق التراب الجزائري “يعيشون في ظروف مادية ومعنوية مزرية”، مشددة على مسؤولية الجزائر في حماية حقوق ساكنة مخيمات تندوف.وأكد التقرير أنه حان الوقت لكي تتولى المفوضية السامية للاجئين مراقبة الوضع في المخيمات ب”فعالية أكثر”، حتى تضمن في جو من الشفافية والمسؤولية توزيع المساعدات الموجهة للسكان والدعوة الى التنفيذ السريع لاحصاء للسكان وتفادي عملية عسكرة المخيمات.وطالب التقرير أيضا المفوضية السامية للاجئين بتنفيذ برنامج للترحيل الإرادي للسكان، بمنأى عن كل عملية ترهيب، حتى يتمكنوا من العودة الى المغرب أو مغادرة المخيمات لإعادة إسكانهم في بلد ثالث .

والملفت للنظر أن الجزائر تصر على رفضها إجراء إحصاء لمحتجزي تندوف، بالرغم من أن المفوضية السامية للاجئيبن طلبت ذلك رسميا من الجزائر، والجميع يدرك ان هذا الرفض يكشف إصرار الجزائر تضخيم أعدادهم لتبرير صرف المساعدات التي توجه إليهم، إذ تدعي الجزائر والبوليساريو أن عددهم يفوق 160 ألفا بينما لا يتجاوز عددهم الحقيقي 50 ألفا، بحسب المفوضية السامية للاجئين، علما أن الرقم مضخم لا يعكس الحقيقة بحسب أكثر من جهة مشهود لها بالنزاهة والمصداقية.فالإحصاء الذي يطالب به المغرب يعد إجراء أساسيا لحماية اللاجئين، وسوف يمكن من تحديد الأشخاص المنحدرين حقيقة من الأقاليم الجنوبية، كما أن عملية الإحصاء ستسهل عمل المفوضية في تفعيل دورها الحمائي والمؤسساتي، من خلال فتح حوار مع اللاجئين في هذه المخيمات واستقصاء آرائهم، وتمكينهم من التعبير الحر عن مواقفهم بخصوص الاستمرار في البقاء بالمخيمات او العودة الطوعية إلى ارض الوطن .
وعلى الرغم من كون الممارسة الدولية قد وسعت من السلطة المعترف بها للدول في وضع الأشخاص رهن الاحتجاز سيما في مجال تشريعات الهجرة وقوانين الأجانب، فإن المبدأ الذي أكدت عليه العديد من الأدوات الاتفاقية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان هو الحق في الحرية والأمان الشخصي وعدم جواز توقيف الأشخاص أو اعتقالهم تعسفا.
فأمام انتشار سياسات الاحتجاز وتدهور ظروف اعتقال الأجانب واللاجئين وخطورة الانتهاكات التي أصبحوا عرضة لها في العديد من الدول، عبرت اللجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن قلقها وانشغالها بسبب ” ممارسات وسياسات احتجاز معينة ربما تمثل انتهاكا للمبادئ والمعايير والأعراف الدولية لحقوق الإنسان”.

وقد تبنت اللجنة قرارا بشأن احتجاز طالبي اللجوء رقم 21/2000,كما ناقشت دور المبادئ التوجيهية الخاصة بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشأن المعايير والمقاييس السارية فيما يتعلق باحتجاز طالبي اللجوء التي اعتمدت في سنة 1999، والتي تتضمن صياغة واضحة للحد الأدنى من المعايير المتعلقة باحتجاز طالبي اللجوء التي يجب على الدول احترامها كما دعتها إلى الامتثال للالتزامات الاتفاقية في هذا المجال.
وقد حظيت هذه المبادئ التوجيهية بدعم اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان حيث أنها حثت في قرارها وبإصرار كل الدول التي لم تنفذ بعد هذه المبادئ، على التقيد بها وتطبيقها على طالبي اللجوء الموجودين في إقليمها. وتنص المبادئ المذكورة على أنه بموجب القانون الدولي يجب ألا يتم احتجاز طالبي اللجوء إلا في ظروف استثنائية ومحدودة جدا، وحتى عندما تضطر الدولة إلى ذلك فيجب أن يكون الاحتجاز على أساس كل حالة على حدة .

كما ورد التأكيد فيها على أن الاحتجاز حتى إذا كان مطابقا للقانون الدولي وملائما لهذه المبادئ فإنه يجب أن يتم في ظروف إنسانية وفي معزل عن الأشخاص المدانين بسبب جرائم جنائية.
وتعرضت هذه الوثيقة أيضا للبدائل الأخرى الممكنة للاحتجاز التي ينبغي تطبيقها، منها الآليات المتعددة للمراقبة من قبيل المثول بصورة دورية أمام السلطات الأمنية أو القضائية وإخلاء سبيل الأشخاص بكفالة ، واستخدام ” المراكز المفتوحة” التي تخصص لإقامة طالبي اللجوء والتي يسمح لهم بمغادرتها في النهار فقط.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الدول أن تحاول تفادي احتجاز الفئات الضعيفة مثل الأطفال وضحايا التعذيب والمسنين والمعاقين والأشخاص الذين يعانون من اختلالات نفسية أو عقلية.

وإذا كان من الضروري فرض الاحتجاز على مثل هؤلاء الأشخاص، فيجب مراعاة حاجاتهم الخاصة في ظروف الاحتجاز، كما يجب احترام مبدأ وحدة العائلة وعدم الفصل بين أفراد الأسرة الواحدة أثناء الاحتجاز.
وفي جميع الأحوال يجب إتاحة الفرصة الكافية لطالبي اللجوء المحتجزين للاتصال بمحاميهم وأفراد أسرهم واستقبالهم، ومنحهم إمكانية الحصول على كل المعلومات والاستمارات والوثائق ذات الصلة بقضيتهم باللغات التي يفهمونها.
وإذا كانت الخلاصات والمبادئ التوجيهية المتعلقة باحتجاز اللاجئين وطالبي اللجوء تكشف عن الأهمية التي ما فتئت تحظى بها هذه الإشكالية في السنوات الأخيرة، فإنها تعكس أيضا القلق الكبير لمفوضية شؤون اللاجئين والأمم المتحدة بشأن التدهور الخطير لأوضاع اللاجئين وطالبي اللجوء، الناتج عن انتشار سياسة احتجازهم في مراكز اعتقال تنتفي فيها شروط الحد الأدنى للمعاملة الإنسانية، ولمدد طويلة ولأسباب غالبا ما لا تكون متلائمة مع ضوابط ومعايير حقوق الإنسان والمبادئ التوجيهية الواجب احترامها في هذا المجال .
وتعتبر المفوضية السامية للاجئين من جهتها – وبصفتها الساهرة على مراقبة مدى وفاء الدول بالتزاماتها طبقا لاتفاقية جنيف 1951، كما تعتبر بمقتضى نظامها الأساسي وجميع خلاصات و توصيات لجنتها التنفيذية المتعلقة بحماية اللاجئين، مسؤولة عن اطلاع سكان مخيمات تندوف وتعريفهم بحقهم المشروع في التمتع بحقهم في إعادة التوطين في بلدان أخرى، كما أنها مطالبة باستطلاع رأي مختلف الدول التي يمكنها أن تساهم في استقبال أعداد من اللاجئين الصحراويين في إطار إعادة التوطين. في نهاية المطاف فأن تطبيق أي حل من الحلول الدائمة المذكورة يبقى رهينا بمدى توفر الإرادة السياسية للبلد المستقبل وحسن نيته في معالجة البعد الإنساني للنزاع بمعزل عن تعقيداته السياسية .

4- حرمان سكان المخيمات من الحق في المساعدات والخدمات الاجتماعية

يجدر التذكير بداية أن اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين تكرس عددا من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعترف بها للاجئ والتي تم التنصيص عليها ضمن فصول متعددة للاتفاقية.
فقد تضمن الفصل الثاني منها المتعلق بالوضع القانوني للاجئ حماية حقه في ملكية الأموال المنقولة وغير المنقولة والحقوق الأخرى المرتبطة بها.
وتطرقت الاتفاقية في فصلها الثالث لحق اللاجئ في مزاولة أعمال الكسب مثل العمل المأجور والعمل الحر والمهن الحرة الأخرى، كما تعرضت في فصلها الرابع لمجموعة من الحقوق المتعلقة برعاية اللاجئ مثل حقه في الاستفادة من التوزيع العمومي المقنن للمنتجات والمواد غير المتوفرة بالقدر الكافي والسكن والتعليم والإعانات العمومية وتشريع الشغل والضمان الاجتماعي.

أما الفصل الخامس من الاتفاقية فقد حدد ” التدابير الإدارية” التي يمكن اتخاذها في حق اللاجئ مثل المساعدة الإدارية وحرية التنقل وبطاقة الهوية ووثائق السفر.

غير أن الحماية التي توفرها الاتفاقية للاجئين تعتبر الحد الأدنى الذي يجب على جميع الدول المتعاقدة احترامه وليس هناك في بنود الاتفاقية ما يحول دون تمتيع اللاجئين ببعض الحقوق والمزايا بمعزل عن الاتفاقية (المادة 5) .
وتؤكد الممارسة في مجال حماية اللاجئين، أن هناك تفاوت وتنوع كبير في الحقوق والمزايا والتسهيلات التي تمنحها الدول للاجئين الموجودين في إقليمها، وذلك تبعا للتشريعات الداخلية وأيضا للظروف الاقتصادية السائدة في هذه الدول.

وما يلفت الانتباه، أن الاتفاقية حصرت الاعتراف بهذه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالنسبة ” للاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها”، وهو الوضع الذي لا ينطبق على طالب اللجوء – على الأقل خلال المرحلة الأولى من وجوده في الإقليم – بحيث أن مسطرة البت في طلب الحصول على صفة اللاجئ يقتضي آجالا زمنية تتفاوت من دولة لأخرى.

ومن الناحية الواقعية، إذا كانت الدول المتعاقدة في غالبيتها تعترف للاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها بهذه الحقوق وتضمن لهم التمتع بها، فإن الأمر يختلف بالنسبة لطالب اللجوء، إذ أنه غالبا ما يحرم من الحماية الاجتماعية التي توفرها اتفاقية جنيف وفي أحسن الحالات لا يستفيد إلا من جزء ضئيل من هذه الحقوق والمزايا.
ويرجع تدهور الوضع الاجتماعي لطالبي اللجوء بفعل حرمانهم من الحقوق والمزايا المعترف بها لغيرهم من اللاجئين الحاصلين على الصفة إلى العديد من الأسباب السياسية والاقتصادية والأمنية المتداخلة يمكن التركيز من بينها على سببين رئيسيين:

فمن جهة، يعتبر اعتماد سياسة اجتماعية متشددة تجاه طالبي اللجوء كإحدى الأدوات التي يفضلها أنصار المنطق التقييدي في مجال حماية اللاجئين الذين ينظرون إلى الأغلبية الساحقة من طالبي اللجوء ” كمهاجرين مقنعين” .

وعلى المستوى الإنساني، يجدر التذكير بأن الجزائر كانت، وإلى حدود سنة 1996، قد منعت المفوضية السامية للاجئين من دخول مخيمات اللاجئين الموجودة فوق ترابها، وحالت بالتالي دون أداء مهمة المفوضية بالشكل المطلوب.

وفضلا عن ذلك، تمادت الجزائر، وبشكل مباشر، في فرض رقابة صارمة على المخيمات، وخصوصا من خلال مراقبة تنقل السكان والحد منه. وهي بالتالي مسؤولة عن عدم تطبيق الاتفاقية المتعلقة بوضعية اللاجئين – التي اعتمدها يوم 28 يوليوز 1951 مؤتمر الأمم المتحدة للمفوضين بشأن اللاجئين وعديمي الجنسية، الذي دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى انعقاده بمقتضى قرارها 249 (د-5) المؤرخ في 14 دجنبر 1950 – والتي تنص على أنه “تمنح كل من الدول المتعاقدة (وهي هنا حالة الجزائر) اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها حق اختيار محل إقامتهم والتنقل الحر ضمن أراضيها”.

إن غياب حل دائم للنزاع، إلى حد الآن لا يمكنه بأي وجه من الوجوه، أن يحرم مطلقا سكان مخيمات تندوف من حقوقهم، التي يضمنها القانون الدولي، والتي تنص عليها الاتفاقيات الدولية المتعلقة باللاجئين المصادق عليها من طرف ما لايقل عن 168 دولة.

وبالفعل سجلت اللجنة الأمريكية للاجئين والمهاجرين في آخر تقاريرها حول الوضع في مخيمات تندوف أن الجزائر لم تف بالتزاماتها فيما يتعلق بالسكان المحتجزين فوق أراضيها، وترفض الاعتراف بمسؤوليتها في ما يتعلق بالوضع في المخيمات سواء في ما يتعلق بإحصاء سكانها من قبل الجزائر، وتحويل المساعدات الإنسانية إلى حساب القائمين على جبهة البوليساريو عبر المتاجرة فيها بالأسواق السوداء كسبيل من أجل الثراء السريع على حساب محنة ومأساة آلاف البشر والطابع العسكري للمخيمات، والتضييقات على حرية التنقل والإقامة والتضييق والتمييز في مجال التشغيل والإدماج واستمرار العبودية في المخيمات ووضعيات استرقاق يعيشها بعض ساكنتها وهو الشيء الذي ظلت جبهة البوليساريو والجزائر تنفيانه بشدة جملة وتفصيلا .
وأكد السفير المغربي عمر هلال أن الملاحظات الواردة في هذا التقرير تؤكد أن الجزائر تنتهك الشرعية الدولية، وقرارات اللجنة التنفيذية للمفوضية السامية للاجئين والخاصة بقضية الإحصاء، والقرارات المتعلقة بضرورة الحفاظ على الطابع المدني للمخيمات. كما أنها، يضيف السيد هلال، تشكل انتهاكا من قبل الجزائر للقانون الدولي الخاص باللاجئين، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة ، ومقتضيات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومعاهدة جنيف، والميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية.

ولاحظ السيد هلال أن تقرير اللجنة الأمريكية للاجئين والمهاجرين يعزز، في ما يخص استمرار الاسترقاق في المخيمات، خلاصات التقرير الأخير لمنظمة “هيومان رايتس ووتش” (2008) حول الرق في هذه المخيمات، ويؤكد الشهادات التي استقاها صحافيان استراليان في فيلمهما” أبارتيد الصحراء”.وأضاف الديبلوماسي المغربي أن القيود المفروضة على حرية التنقل والإقامة في مخيمات تندوف التي تطرقت إليها الوثيقة، تؤكد أن ساكنتها ضحية للاحتجاز.وأوضح أنه بالنظر لاستمرار اعتراض الجزائر على العودة الطوعية لساكنة مخيمات تندوف، فإن المغرب يجدد تأكيد طلبه إلى المفوضية السامية للاجئين من أجل إدماج هؤلاء السكان ضمن استراتيجيتها من أجل حلول دائمة، وجهودها من أجل تفعيل حل إعادة توطينهم في بلد آخر.

وذكر السيد هلال بأنه ومنذ اندلاع النزاع حول الصحراء المغربية، فإن المغرب لم يتوقف عن إثارة اهتمام المفوضية السامية للاجئين والمجتمع الدولي حول الوضع الإنساني المأساوي للساكنة المحتجزة في مخيمات تندوف والمعاملة المهينة التي تتعرض لها، موضحا أن مخاوف المملكة تأكدت من خلال عدد من التقارير الدولية، ومنها تقرير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش (2009) اللتين انتقدتا بشدة عدم تحمل الجزائر لمسؤولياتها الدولية في المخيمات، لصالح “البوليساريو”. وخلص الديبلوماسي المغربي إلى أن موقفا كهذا يشكل مسا صارخا بحقوق ساكنة المخيمات وعقبة كأداء أمام مهام المفوضية السامية للاجئين في ما يتعلق يتوفير الحماية لهذه الساكنة .

المحور الثاني:أبعاد إحصاء سكان مخيمات تندوف:

مما لا شك فيه أن تأكيد مجلس الامن على احصاء سكان مخيمات تندوف يستجيب لضرورة انسانية ملحة بالنظر الى معاناة المحتجزين في هذه المخيمات ، في غياب تام لأبسط شروط الكرامة الانسانية. و يرى الدكتور محمد حنين أن عملية الاحصاء لا تختزل في مجرد كونها عملية تقنية و لكنها تنطوي على ثلاثة أبعاد أساسية:

البعد الأول ذو طابع انساني يتجلى في كون ضبط عدد اللاجئين يعتبر آلية لتمكين المفوضية العليا للاجئين من تقديم المساعدة الانسانية للمقيمين في المخيمات بناء على تقديرات متحكم فيها بما يكفل تلبية الحاجيات الحقيقية للمستفيدين . فغياب احصاء هؤلاء المحتجزين لا يسمح بتحديد الحاجيات الإنسانية بكيفية دقيقة مما يساهم في تبذير موارد المفوضية العليا لشؤون اللاجئين نتيجة لتحويل المساعدات الإنسانية الدولية ، التي تم تقديمها على مدى سنوات عديدة لمخيمات تندوف على أساس أرقام تم تضخيمها لأغراض مختلفة .
وأمام انعدام تعداد رسمي لسكان المخيمات سبق لكل من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي سنة 2005 تقدير عدد هؤلاء السكان في 90 ألف شخص وهي تقديرات مبالغ فيها مقارنة مع مختلف التصريحات الصادرة عن العائدين من تندوف الى أرض الوطن و التي تجمع على أن هذا العدد لا يتجاوز على أكبر تقدير 50 ألف شخص ، بينما تدفع كل من البوليساريو و الجزائر بأن هذا العدد يتجاوز 164 ألف شخص.

البعد الثاني ذو طابع سياسي و يتجلى في كون عملية الاحصاء تسمح بتحديد الأشخاص ذوي الأصول الصحراوية و الأشخاص المنتمين لبلدان أخرى و يقيمون في المخيمات ، و هو ما يساعد المفوضية الأممية على القيام بدورها المؤسساتي، المتمثل في فتح حوار فردي مع الأشخاص ذوي الأصول الصحراوية حول مدى رغبتهم في البقاء بها أو الإلتحاق بالمغرب، أو الإستقرار في دولة أخرى خارج تندوف.ومن شأن هذه العملية أن تفتح المجال لخيارات سياسية جديدة لحل النزاع في احترام تام لارادة المعنيين بالأمر.

البعد الثالث ذو طابع قانوني و يرتبط بما تتيحه عملية الإحصاء من امكانيات لتحديد العدد الحقيقي للسكان الذين تتم المطالبة باسمهم بتقرير المصير، ومن تم فهذه العملية تشكل مدخلا قانونيا ضروريا لضمان ممارسة حق تقرير المصير لكونها تمكن من معرفة الحجم الحقيقي للمطالبين بهذا الحق، ومن شأن عملية الاحصاء أن تساهم في الالتزام بممارسة هذا الحق من خلال التعبير الحر عن إرادة كل شخص في إطار عملية الاستجواب الفردي من طرف المفوضية الأممية، كما تسمح هذه العملية بتوفير حماية دولية فعلية لسكان المخيمات، والزام الجزائر باعتبارها البلد المضيف للاجئين بتحمل المسؤولية الدولية عن حماية هؤلاء اللاجئين و ذلك طبقا لمعاهدة 1951 حول اللاجئين ، و هو ما يعبر عن وعي مجلس الأمن بإجماع أعضائه باستحالة الإبقاء على مخيمات تندوف خارج إطار القانون الدولي.

وإذا كانت كل هذه الأبعاد تبرز مدى أهمية احصاء سكان مخيمات تندوف وهو ما أدركته المجموعة الدولية وعبرت عنه بالإجماع في قراري مجلس الأمن سواء في السنة الماضية أو في هذه السنة، فان الجزائر لازالت تحلق خارج السرب و ترفض عملية الاحصاء دون تبرير مقبول، محاولة بذلك الاستمرار في مناوراتها السياسية لتوظيف النزاع في خدمة مصالحها الاستراتيجية في علاقتها بالمغرب، و بمجرد اصدار قرار مجلس الأمن تحركت الآلة الجزائرية في المنطقة لإقامة مخيمات جديدة في تندوف لإيواء أشخاص جدد يتم استقدامهم اما من مناطق جزائرية أو من بلدان افريقية مجاورة ، و ذلك بهدف تضليل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين و التأثير على عملية الاحصاء في حالة الضغط من أجل تنظيمها، وما تتجاهله السلطات الجزائرية هو أن الاستمرار في هذه المناورات سيتحول الى قنبلة موقوتة بالنسبة لأمن المنطقة ، يصعب عليها التحكم في الوقاية من أخطارها.

المحور الثالث: المفوضية والحلول الدائمة لمحتجزي تندوف

1 – حق العودة

تعني العودة الطوعية للوطن أن اللاجئين يقررون بحرية العودة لوطنهم بعد مراجعة جميع المعلومات المتاحة عن الأحوال في بلد المنشأ، وقد تكون هذه العودة منظمة أو تلقائية. وفي جميع الأحوال ينبغي أن تكون العودة طوعية. ويتم تشجيع العودة الطوعية كحل نهائي مفضل لكل من اللاجئين والمجتمع الدولي، ولكن يتعين الوفاء بشروط أساسية.

وتشجع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين على الإعادة الطوعية (العودة الطوعية للاجئين إلى أوطانهم الأصلية) بوصفها الحل الأمثل لأزمات اللاجئين. وتترتب على المفوضية مسؤوليةٌ قانونية في تشجيع هذه العودة، وتسهيلها والتشجيع عليها .
إن حق المرء في العودة إلى بلده حقٌّ إنسانيٌّ أساسي تعترف به كثيرٌ من القوانين الدولية لحقوق الإنسان . وهو مضمونٌ بشكلٍ أكثر وضوحاً في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تحت الحق في حرية الانتقال الذي يتضمن حق الشخص في دخول بلده . ويمكن العثور على أساس الحق في العودة بموجب قانون اللاجئين الدولي في اتفاقية اللاجئين وفي البروتوكول الملحق بها عام 1967، إضافةً إلى كثيرٍ من الاتفاقيات الإقليمية الخاصة باللاجئين، وكذلك قرارات الأمم المتحدة والنتائج التي خلصت إليها اللجنة التنفيذية في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين .
تعد العودة الطوعية، منذ زمن بعيد، أفضل الحلول لمشكلات اللاجئين. (جدول التحركات الرئيسية للعودة الطوعية للوطن في عام 1995، حسب الوجهة التي يقصدها اللاجئون)
ففي عام 1933 عاد أكثر من1.800.000 لاجئ إلى بلادهم الأصلية، في كل من أفغانستان وكوريا وإثيوبيا وميانمار والصومال.

ويعتمد أسلوب المفوضية في العودة الطّوعية، على عدة عوامل أهمها: أحوال البلد الأصلي، فما لم تقنع المفوضية بأن الظروف الأمنية تسمح بعودة اللاجئين، فإنها لا تشجع على العودة، ولكن يجوز لها أن تسهل حركات العودة التلقائية، ويكون ذلك مثلاً بتقديم مِنَح للسفر، أو مِنَح عينية، كما حدث في حالة الأفغان العائدين من باكستان، وجمهورية إيران الإسلامية. أما إذا كانت ظروف البلد الأمنية تسمح بالعودة، فإن المفوضية تعمل بنشاط على تشجيع العودة وتنظيمها، كما حدث عند نقل 41000 لاجئ بطرق الجو إلى ناميبيا، أو عودة 387.000 لاجئ كمبودي من تايلاند في عام 1992، وفي أوائل 1993. كما بلغ عدد العراقيين الذين عادوا طوعاً بعد حرب الخليج 3010 وذلك حتى 31 مايو 1991 (أُنظر جدول العدد الإجمالي للاجئين العراقيين الذين غادروا المملكة العربية السعودية طواعية تحت إشراف المفوضية) .
وفي حالات أخرى تشجع، المفوضية العودة للوطن، وتقديم المساعدات للعائدين، ولكنها لا تنظم النقل إلاّ لمن يعجزون عن وضع ترتيبات لأنفسهم؛ كما حدث عند عودة 1.700.000 لاجئ موزمبيقي في منتصف 1993 .وعندما تنظم المفوضية العودة الطوعية، أو تسهلها؛ فإنها تحاول ـ بقدر الإمكان ـ وضع إطار قانوني لحماية حقوق العائدين ومصالحهم. ومن الخطوات اللازمة لذلك:

(أ) التفاوض على أحكام العفو.
(ب) وضمانات عدم توجيه تهم ضد العائدين. وتكون هذه الترتيبات في شكل اتفاقيات مكتوبة بمناسبة العودة.

وكثيراً ما تبرم اتفاقيات ثلاثية بين البلد الأصل، وبلد اللجوء، والمفوضية تنص على شروط العودة، وتقرر ضمانات للعائدين.
والرجوع الطوعي بعد البقاء لزمن طويل في حالة اللجوء، يتطلب ـ غالباً ـ منح اللاجئ الوسائل المادية الكفيلة بمساعدته على بناء حياة جديدة في بلده، وهذا يتطلب موارد مالية ضخمة، خاصة إذا كان عدد العائدين كبيراً جداً، ولم تعد دولة الأصل قادرة على إيوائهم في ظروف ملائمة، بعد انهيار إمكاناتها لسبب من الأسباب من بينها الحروب الأهلية.

ولتشجيع العودة الطوعية وضمان نجاح عملية إعادة الاندماج، توسعت أنشطة المفوضية في دولة الأصل وامتدت لتشمل تقديم المساعدة، دون التفريق بين اللاجئين والعائدين والسكان المحليين المتضررين، وسدّ حاجات المجتمع المحلي؛ بهدف تثبيت السكان ومنع وقوع عمليات نزوح جديدة.
كما تقوم المفوضية، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بمساعدة العائدين ومجتمعاتهم على استعادة الاكتفاء الذاتي بأتباع أسلوب عرف باسم “المشروعات سريعة الأثر”. ومن هذه المشروعات إصلاح المرافق الأساسية، أو إعادة بنائها؛ مثل المدارس والمراكز الصحية، والطرق، والجسور، أو تشجيع القطاع الزراعي بتقديم البذور والحيوانات والآلات، وتسهيل النقل، أو تشجيع التجارة الصغيرة في المناطق الريفية والحضرية.

2-الاندماج المحلي

إذا تعذرت العودة الطوعية للاجئين، يكون العمل على توفير أسباب الاستقرار في البلد المضيف، ولا يتم ذلك إلاّ بموافقة حكومة بلد اللجوء. فتسعى المفوضية لإقناع الحكومات بإدماج اللاجئين في دولهم الجديدة وتشجيع ذلك، باقتراح برامج إنمائية تسهر على وضعها وتمويلها المفوضية، حتى يتسنى للاجئين تحقيق الاكتفاء الذاتي، والمساهمة في إنعاش اقتصاد بلدهم الجديد. ومع تزايد أعداد اللاجئين، أصبحت فرص الاستقرار المحلي محدودة جداً.
بيد أن هذا الحل لا يمكن تحقيقه إلا بإنهاء حالة اللجوء، عن طريق التجنيس (اكتساب جنسية البلد المضيف)، وتكريس الإدماج القانوني للاجئ في دولة الإقليم، حتى يستعيد التمتع بحماية وطنية
وقد عرفت نسبة الاندماج المحلي تضاؤلا كبيرا في السنوات الاخيرة يعزى بالأساس إلى تفاقم الازمة الاقتصادية التي تجتاح البلدان المعروفة تفليديا باستقبالها لأعداد مهمة من اللاجئين،فضلا عن غياب التضامن والتقاسم الحقيقي بين الدول لتحمل أعباء استقبال اللاجئين وإدماجهم في مجتمعات اللجوء .
ترى كارين جاكوبسن أن “الاندماج الواقعي” ظاهرة واسعة الانتشار إلى حد كبير حيث يندمج اللاجئون الذي حققوا الاستقرار الذاتي بصفة غير رسمية بالمجتمع بعد عيشهم فيه لفترة من الوقت وقدرتهم على تحقيق الاكتفاء الذاتي. ولا يمثل الاندماج الواقعي عبئا على الحكومة المضيفة, إذ لا يكون عليها إلا ترك هؤلاء اللاجئين وشأنهم. غير أن ذلك لا يعني ضرورة قيام الحكومات المضيفة بتخصيص أراض للاجئين أو منحهم امتيازات خاصة. فتمتع اللاجئين بحرية الحركة, يتيح لهم التفاوض مع أبناء المجتمع المضيف من ملاك الأراضي وأرباب الأعمال, وطرق أبواب التجارة والتماس أسباب العيش المختلفة مساهمين بذلك في نمو الاقتصاد المحلي.

وبخصوص الاندماج المحلي، يعتبر المغرب أن الجزائر لم تطبق هذا الحل أبدا، والذي لم تفعله إلا بالنسبة للجزائريين المنحدرين من منطقة تندوف، والذين تم زرعهم في المخيمات من أجل تضخيم الأرقام، مذكرا بأن الجزائر كانت قد سمحت في السنوات الأخيرة، لأكثر من20 ألف شخص منهم، بالاندماج في مدن وقرى جزائرية.
أما بالنسبة للمغاربة من أصل صحراوي، فقد تم تهميشهم وإقصاؤهم من هذا الحل الدائم, الأمر الذي يشكل انتهاكا صارخا من جانب البلد المضيف، الجزائر، للقاعدة الأساسية للمساواة أمام الولوج الى الحقوق بالنسبة لهذه الساكنة.

3-إعادة التوطين:

أما الحل الدائم الثالث فهو إعادة التوطين، أي نقل اللاجئين من بلد اللجوء الأول إلى بلدٍ آخر يوافق على تقديم الحماية لهم. وتعتبر إعادة التوطين استراتيجية حماية ملائمة في حالة اللاجئين الذين لا يمكن ضمان سلامتهم وأمنهم في بلد اللجوء الأول، أو حالة اللاجئين الذين تكون لهم احتياجاتٌ إنسانية خاصة لا يمكن تلبيتها في بلد اللجوء الأول. كما أنه حلٌّ دائمٌ مناسب بالنسبة لمن لا يستطيعون العودة إلى بلدهم الأصلي أو الاندماج في بلد اللجوء، أو لا يرغبون بذلك. كما تمثل إعادة التوطين آليةً يمكن للبلدان الغنية من خلالها تحمّل قسط من المسؤولية عن مشكلة اللاجئين بشكلٍ عام .

وبالرغم مما تبذله الحكومات التي توفر اللجوء من جهود طيبة إلى أبعد الحدود لمساعدة الفارين من ديارهم وأوطانهم، تظل مأساة اللاجئين ومعاناتهم قائمة. فقلما يتمكن اللاجئون من العودة إلى ممارسة أنشطتهم اليومية ببساطة في موقع جديد، وأن يعيشوا حياتهم ويعملوا كما كانوا يفعلون من قبل. وأحياناً ما تكون التهديدات التي دفعت اللاجئين إلى مغادرة أوطانهم في المقام الأول موجودة أيضاً في الدول التي لجئوا إليها. وقد تكون هناك مخاطرة في إجبار اللاجئين على إعادة التوطن قبل أن يكونوا مستعدين لذلك، أو قد تكون هناك مصادر خطر جديدة للأشخاص ذوى الاحتياجات الخاصة أو بعض شرائح مجتمع اللاجئين.
وحين يكون اللاجئون الأفراد في خطر، أو تكون هناك أسباب أخرى تدعو لمساعدتهم على ترك المنطقة، تحاول المفوضية العليا لشئون اللاجئين إعادة توطينهم في دولة ثالثة آمنة. وتعد عملية إعادة التوطين، جنباً إلى جنب مع إعادة اللاجئين إلى أوطانهم طواعية، وإعادة إدماج اللاجئين محلياً حيث يتواجدون، أحد الحلول الثلاثة طويلة المدى التي تعمل بشأنها المفوضية نيابة عن اللاجئين.

ومن خلال إعادة التوطين، يحصل اللاجئون على الحماية والإقامة القانونية، وغالباً صفة المواطنة في نهاية الأمر من جانب الحكومات التي توافق على فتح مجتمعاتها لأعضاء جدد، حالة بحالة. وتتطلب مهمة استقبال اللاجئين وتوطينهم أن تعمل المفوضية العليا لشئون اللاجئين عن كثب مع سلطات مركزية ومحلية، وأيضاً جمعيات أهلية، وجماعات دينية واجتماعية. وغالباً ما تكون الجهود التي تبذلها الجمعيات الأهلية هي السبيل لتوعية الرأي العام في الدول المضيفة بمأساة اللاجئين المعوذين.
وتعمل المفوضية العليا لشئون اللاجئين بشكل متواصل على تحسين قدرتها على تحديد اللاجئين الذين يحتاجون إلى إعادة توطين، وذلك من خلال توفير برامج تدريبية موسعة للعاملين بها ولشركائها. ويرسى “دليل إعادة التوطين”،الذي تم تنقيحه مؤخراً، معايير واضحة لإحالة اللاجئين الأفراد إلى الدول ذات الاحتمالات المبشرة. غير أن قبول أو رفض الحالات التي تحيلها المفوضية يعود إلى الدول المعنية، التي قد تقرر أيضاً قبول لاجئين لم تتم إحالتهم من جانب المفوضية في برامج إعادة التوطين، و بمجرد أن يصل اللاجئ إلى الدولة محل إعادة التوطين يصبح مسئولية تلك الدولة.

وقد شهدت الفترة التالية للحرب العالمية الثانية، إعادة توطين مئات الآلاف من المجريين، والتشيليين، والأوغنديين، والفيتناميين، والبوسنيين في عمليات ضخمة متعاقبة. واليوم، هناك عشر دول تقليدية توفر الموطن، لديها حصص وبرامج إعادة توطين سنوية، وهي: أستراليا، وكندا، والدنمارك، وفنلندا، وهولندا، ونيوزلندا، والنرويج، والسويد، وسويسرا، والولايات المتحدة الأمريكية. وبالإضافة إلى هذه الدول التقليدية العشر، هناك ثماني دول تبرز كمحل لإعادة التوطين، حيث بدأت تنفيذ برامج لإعادة التوطين بالتعاون مع المفوضية العليا لشئون اللاجئين، وهي: بنين، والبرازيل، وبوركينا فاسو، وتشيلي، وأيسلندا، وأيرلندا، وأسبانيا، والأرجنتين. أما الدول الأخرى، فتقبل حالات اللجوء على أساس خصوصيتها. وقد ظلت المفوضية العليا لشئون اللاجئين تشجع على الدوام المزيد من الحكومات لتوسيع فرص إعادة التوطين للاجئين المحتاجين.
وفيما تتباين المعايير التي تلجأ إليها الدول لتحديد أهلية إعادة التوطين، مثل أعداد اللاجئين التي تقبلها، وجميع البرامج التي تعترف بالعديد من الظروف القاهرة، ومن بينها حالات الحماية، وإعادة توحيد الأسرة، واللاجئون ذوى الاحتياجات الخاصة مثل النساء اللاتي يواجهن المخاطر، والمعوقين، والحالات المرضية الخطيرة.

* برامـــج جديـــدة لإعـــادة التوطيـــن:

ومقارنة بعمليات إعادة التوطين الضخمة التي شهدتها السنوات الأخيرة، ومن بينها على سبيل المثال، العمليات الخاصة باللاجئين الفيتناميين والبوسنيين، تتسم عمليات إعادة التوطين التي تقوم بها المفوضية العليا لشئون اللاجئين بالمزيد من التنوع. ففي عام 1966 ، كان ثلث الحالات التي أحالتها المفوضية لإعادة التوطين من اللاجئين الأفارقة، وغالبيتهم من الصوماليين، والأثيوبيين، والإريتريين، والسودانيين. كما كان الثلث الآخر ممن تم إعادة توطينهم في نفس العام من منطقة الشرق الأوسط، وأغلبيتهم من العراقيين والإيرانيين. وفي نفش العام، كان25 % من اللاجئين الذين تم إعادة توطينهم بمساعدة المفوضية العليا لشئون اللاجئين من يوغوسلافيا السابقة، و12% من جنوب شرق أسيا. وقد تم في عامي 1999، و2000 تكثيف عملية تنويع أنشطة إعادة التوطين. فقد تم،على سبيل المثال، في عام 1999، إعادة توطين لاجئين ينتمون إلى ما يزيد على 10 جنسيات رئيسية في أفريقيا، خرجوا من 30 دولة تقريباً في مواطن متعددة في القارة، وغيرها من دول العالم. وقد شهد عدد الحالات النشيطة في أفريقيا وحدها ارتفاعاً من 3,922(12,462لاجئ) عام 1966 إلى 8,254 21,111لاجئ) عام1999.
وتدعم المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إعادة التوطين في سياق سياسات أوسع تهدف جاهدة إلى معالجة أسباب الأزمة في أقرب وقت ممكن، ودعم مبدأ اللجوء. وتبقي القدرة على إعادة توطين اللاجئين المحتاجين سبيلاً فاعلاً لتوفير الحماية للاجئين وأيضاً لإيجاد حل دائم لأزمتهم .
تقوم في الوقت الراهن ثماني حكومات *باستضافة عدد كبير من اللاجئين يقدر بـ 155ألف لاجئ، يتم إعادة توطينهم سنوياً في دول جديدة. وقد وضعت المفوضية العليا لشئون اللاجئين ضمن أولويتها البحث عن دول أخرى على استعداد لقبول هذه القطاعات الضعيفة من البشر، ودعم البرامج التي تم إدخالها حديثاً في أماكن مثل الأرجنتين، وتشيلي، وبنين، وبوركينا فاسو، والبرازيل، وأيرلندا، وأيسلندا، وأسبانيا.
وفي أعقاب تنفيذ برامج إعادة التوطين في أمريكا الجنوبية، استقبلت كل من الأرجنتين، وتشيلي، والبرازيل أعداداً متزايدة من اللاجئين. وقبلت تشيلي للمرة الأولي لاجئين من أذريبيجان، كما جددت البرازيل التزامها بالترحيب بلاجئين من إيران، والهند، وبوتسوانا.
وفي عام 1999، وافقت أيرلندا رسمياً على قبول لاجئين على أساس مبدأ إعادة التوطين، وتستضيف الآن لاجئين من رواندا، والسودان، وأفغانستان، والكاميرون، وليبريا، والكونغو، والصومال، وتونس، وإيران .

أما أيسلندا فقد وافقت عام 1966 على وضع حصة سنوية لإعادة التوطين، وإن كانت قد قامت في السابق بتوطين لاجئين من مناطق نائية مثل بولندا، وفيتنام. وتعد وزارة الشئون الاجتماعية، ممثلة في جمعية الصليب الأحمر، مسئولة عن اختيار، وقبول، ودمج اللاجئين في البلد، الذي استضاف في السنوات الأخيرة لاجئين ينتمون لخلفيات عرقية متعددة من منطقة البلقان.
ورغماً عن أن أسبانيا ليس لديها حصص ثابتة، أو برامج سنوية لإعادة التوطين، فقد أبدت الحكومة الأسبانية استجابة لنداءات المفوضية العليا لشئون اللاجئين، واستقبلت عام 1999 عدداً من ألبان كوسوفو وصل إلى 1,426لاجئاً، وذلك بموجب “برنامج الإخلاء الإنساني” الذي تنفذه المفوضية. وفي فبراير من عام 2000، تم إعادة توطين مجموعة من 17 أفغاني من أوزباكستان.
وفي أفريقيا، تقوم كل من بنين وبوركينا فاسو بتنفيذ برامج لإعادة التوطين منذ عام1998.
فقد تم إعادة توطين ما يقرب من 130 لاجئاً في بنين من مناطق مختلفة مثل تشاد، ومنطقة البحيرات العظمي، وغينيا الاستوائية، والسودان، وسيراليون، والجزائر، منذ بدء المشروع، مع إدراج جميع الأطفال الذين في سن الدراسة في المدارس الابتدائية والثانوية. بل إن بعض اللاجئين يحصلون على تدريب جامعي ومهني.
وفي بوركينا فاسو، تقوم اللجنة القومية للاجئين بإدارة معظم الخدمات الخاصة بهم، فيما تضطلع المفوضية العليا لشئون اللاجئين بمسئولية التعليم، والنقل، وغيرها من الأنشطة الأخرى. وقد قامت بوركينا فاسو بإعادة توطين العشرات من اللاجئين، ومعظمهم من منطقة البحيرات العظمي، وإن كان بينهم عدداً من لاجئي السودان، وإريتريا، والصومال. وقد اندمج الوافدون الجدد في النسيج الاجتماعي للدولة، مع إدراج جميع الأطفال في المدارس، وحصول بعض البالغين على التدريب المهني أو فرص عمل بالفعل .

وبهذا الصدد، فإن المسعى المغربي بإعادة توطين سكان مخيمات تندوف، يتماشى بشكل تام مع مهمة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ويتميز بطابعه المفتوح والطموح أمام الرفض المزدوج للجزائر للترحيل الطوعي وللادماج بعين المكان لسكان هذه المخيمات.
وأقرت الوفود المشاركة في الدورة الستين للجنة التنفيذية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في 29 سبتمبر-02 أكتوبر 2009، بأن الطلب المغربي من شأنه أن يمنح بصيص أمل وحرية لسكان مخيمات تندوف في انتظار حل سياسي نهائي للنزاع الاقليمي حول قضية الصحراء المغربية.

ولعل السؤال الأهم بعد ذلك هو ، ما مدى موضوعية وعلمية ما تطرحه الجزائر وجبهة البوليساريو في الواقع ؟ وهل فعلاً عودة اللاجئين إلى ديارهم غير ممكنة ، ارتباطاً بجملة المبررات التي يدّعيها خصوم الوحدة الترابية ؟ والتي تنطلق من مقولة أن القرى والبلدات الفلسطينية قد دمرت ولم تعد موجودة ، وأن العودة في الأساس ستؤثر على البنية الديمغرافية داخل الاقليم الصحراوي ، وأخذاً بتلك الادعاءات ” تبنى البعض عدم واقعية موضوع العودة ” ، ونحن هنا نعيد طرح السؤال إذا كانت العودة غير ممكنة وفق مفهوم من يروج لها ؟ فعليه أن يقدم لنا لماذا فرضية عدم الواقعية؟ أو الإمكانية ؟ وهل هي استنادا لحقائق علمية وموضوعية؟ وما مدى مشروعية ما يطرح ارتباطاً بقواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ؟
إن حق العودة خارج نطاق الاجتهاد أو التفسير ، وفق ما قرره القانون الدولي الذي يلزم من يوجه له القرار بضرورة التقيد بالتنفيذ، ووفق كل الشواهد وتجربة العقود الماضية فمن غير المعقول أن يترك للجزائر أمر تنفيذ تلك القرارات طوعياً وبإرادة خالصة منها ، بل يجب أن يكون التنفيذ جبرياً ، وذلك بإكراه من يوجه له الخطاب التقيد بالتنفيذ ارتباطاً بإرادة المجتمع الدولي .
وفيما تمر السنوات واللاجئ الصحراوي لا زال يعيش التشرد عن وطنه ، فيما يدير الكيان الانفصالي و معه الجزائر الظهر لكل القرارات الدولية ، ليكون بامتياز الدولة الخارجة على القانون الدولي والشرعية الدولية.

من الوجهة القانونية، يعتقد أحد الباحثين أن مطالبة المغرب بإعادة توطين لاجئي مخيمات تندوف يتطابق مع مقتضيات القانون الدولي اللاجئين والقانون الإنساني، ولا يزيد عن مطالبة المفوضية اللاجئين بالالتزام بمسؤوليتها وإعمال مقتضيات نظامها الأساسي والسعي إلى إيجاد حلول دائمة وملائمة لهذه الفئة من اللاجئين.

فالمغرب ما فتئ منذ سنوات عديدة ينادي المجتمع الدولي بضرورة وضع حد للمأساة الإنسانية المفروضة على اللاجئين الصحراوين في مخيمات تندوف، مطالبا المفوضية ـ غير ما مرة ـ بالإشراف على عملية إحصاء شامل ودقيق ونزيه لعدد سكان مخيمات تندوف بالجزائر، كما طالب في مرات عديدة بالإعمال الفوري لحق العودة الطوعية للوطن، في الوقت الذي تتمادى البوليساريو والسلطات الجزائرية التي تأوي هذه المخيمات في الأراضي الخاضعة لسيادتها، في مصادرة حق هؤلاء اللاجئين في ممارسة حرية التنقل والعودة الاختيارية إلى الوطن لمن أراد ذلك منهم.

كما أن الجزائر ترفض منذ أكثر من ثلاثة عقود الإدماج المحلي لهؤلاء اللاجئين واستيعابهم في المجتمع الجزائري.
ويضيف الاستاذ محمد عمرتي أنه أمام استحالة تطبيق حق العودة الطوعية إلى الوطن (الأقاليم الصحراوية المسترجعة أو باقي مناطق المملكة)، وتعنت الجزائر باعتبارها بلد اللجوء الأول في عدم إدماجهم في مجتمعها، فإن القانون الدولي اللاجئين (اتفاقية جنيف لسنة 1951 وبروتوكولها الملحق لسنة 1967) فضلا عن الاستنتاجات المعتمدة من طرف اللجنة التنفيذية لمفوضية اللاجئين، ينص على إمكانية إعادة التوطين في بلدان أخرى كحل من الحلول الدائمة.

المحور الرابع: الحل السياسي لوضعية سكان المخيمات:

* تصور حق العودة في إطار الحكم الذاتي:

إن المملكة المغربية ظلت تغذي كل الآمال المتعلقة بحل العودة الطوعية إلى الوطن، الذي تعتبره المفوضية والمجتمع الدولي أكثر الحلول تفضيلا، من خلال إطلاق المملكة المغربية، ومنذ بداية النزاع، نداء «إن الوطن غفور رحيم»، ومعلوم أن هذا النداء استجاب له العديد من الصحراويين رغم وضعية الحصار والاحتجاز الذي يمارسه الجيش الجزائري على المخيمات.
وضعية استدعت تحرك الدبلوماسية المغربية لتنبه المنتظم الدولي إلى وضعية الاحتجاز في الجزائر ومنع المغاربة المتواجدين بتندوف من العودة الطوعية إلى وطنهم الأصلي.
ومعلوم أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين قد تفهمت هذا المشكل فسارعت إلى الضغط في اتجاه فتح خط بري بين المغرب والجزائر لتبادل الزيارات، مكسب عده عدد من المراقبين فرصة تذكي رغبة العودة الحقيقية للمحتجزين إلى المغرب وطنهم الأم.
وكانت المفوضية السامية للاجئين كانت قد بدأت حملتها من أجل العودة الطوعية للاجئين، غير أن السلطات الجزائرية، حالت دون مواصلة الوكالة الأممية لمهمتها، حيث منعتها من إطلاع ساكنة المخيمات على حقها في العودة الطوعية.

وهكذا فقد عرقلت الجزائر تفعيل هذا الحل منذ ما يزيد عن30 سنة، منددا بكون الجزائر تعد, بشكل مثير للاستغراب، البلد المضيف الوحيد في العالم الذي عارض, ليس لأسباب إنسانية، وإنما لأسباب سياسية واضحة، عودة السكان النازحين إلى بلدهم الأصلي.
ويتطلب مشكل الصحراء الإسراع في تطبيق النظام الجهوي والخروج من النزعة القبلية التي كانت سببا في تشديد المركزية من أجل الحفاظ على الوحدة الترابية من جهة وفشل الاستفتاء الذي كان مقررا لحل هذا المشكل من جهة أخرى. والأولوية التي تمنح لهذه الجهة جاءت على لسان الملك الحسن الثاني حيث قال: “ها نحن اليوم نريد أن نطبق على أرض الصحراء والأقاليم الصحراوية، هذه الفضيلة الوطنية حتى ندعم تلك الجهة بما تستحقه من خير ورفاهية…وها نحن اليوم مقبلون على وضع أسس الجهة المغربية وأردنا وفاء بوعدنا واحتراما لالتزاماتنا أن نبدأ بالأقاليم الصحراوية” .

إن الجهوية هي أساس تدعيم التنمية المحلية من خلال المشاريع التنموية الاجتماعية والاقتصادية كما تمكن المواطنين من تنظيم وتدبير شؤونهم المحلية والجهوية في إطار استقلال ذاتي إداري وتدبيري. كما تبدو عملية تدبير الانتقال الديمقراطية وترسيخه في كل أنحاء المغرب، بما فيها الأقاليم الصحراوية في إطار العبء الثقيل للممارسات السياسية التي كانت سائدة في العلاقة بين أجهزة الدولة والمجتمع الصحراوي، والتي كانت تتحكم فيها أولوية الحفاظ على الوحدة بكل الوسائل، بما فيها استعمال العنف وإذا كانت بقية المناطق المغربية التي تعرضت هي الأخرى لعنف الدولة والتي تعرف التحول الديمقراطي التدريجي لا تطرح الاختيار الانفصالي، فإن هذا الاختيار مطروح في صفوف شرائح متعددة ضمن المجتمع الصحراوي، ولذلك فإن تدبير التحول الديمقراطية في المناطق الصحراوية يتطلب التفكير في الأسباب العميقة التي تدفع باستمرار الأطروحة الانفصالية ومدى يتلاءم جوهرها مع التحولات التي ما فتئ المغرب يعيشها، ومع التحولات التي تفرضا العولمة حاليا .
إن الإستراتيجية الأساسية للمغرب في تكريس وحدته الترابية تكمن في تطوير مشروعه الديمقراطي المرتكز على الجهوية، فهذه الأخيرة لا ينبغي أن تبقى مجرد نصوص بل لابد من تفعيلها على أرض الواقع من خلال تمكين الصحراويين، وكذلك باقي سكان المغرب من أجهزة تمثيلية ذات اختصاصات فعلية وإمكانات مالية تسمح لها بالتدبير المحلي الفعلي انطلاقا من الخصوصيات التي تتمتع بها وكذلك إدماج كافة مكوناتها بعيدا عن الهاجس الأمني المحض الذي تحكم في تدبيرها طيلة السنوات الماضية .

وقد أعلن جلالة الملك محمد السادس نصره الله يوم 3 يناير من سنة 2010 في خطابه السامي (الاستثنائي) قراره الإصلاحي على المستوى الدستوري، والذي يتمثل في العمل بالسياسة الجهوية من خلال الارتكاز على أربعة مبادئ رئيسية وهي: الوحدة، والتوازن، والتضامن، اللاتمركز الواسع. بيد أن هذه السياسة الإصلاحية الشاملة التي ستنفذ في كل ربوع المملكة المغربية ستعتمد على سياسية جهوية موسعة متدرجة لخلق أقطاب إدارية واقتصادية متنافسة وفي نفس الوقت طي ملف الصحراء بشكل نهائي .
وبذلك يكون المغرب قد بدأ العد العكسي نحو إحداث نقلة نوعية على صعيد البنية المؤسساتية لنظامه السياسي، فالنظام الجهوي الموسع يعتبر، انطلاقا من مختلف التجارب التي نهجته، خيارا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا يتوخى في العمق تمكين مختلف جهات البلاد من الصلاحيات والموارد التي تؤهلها لتلبية حاجيات سكانها ومتطلباتهم والإسهام بشكل موازٍ في التنمية الوطنية الشاملة على أساس التضامن والتآزر والمساهمة في التطور العام للوطن.
والمغرب، باختياره هذا التوجه المتقدم، ينخرط بذلك في إطار ما يعرفه العالم من تطورات سياسية واقتصادية والتي أصبحت تتطلب منظورا آخر للحكامة غير المنظور المركزي الذي أبان عن محدوديته وقصوره في تلبية حاجيات مختلف المناطق وكافة الشرائح الاجتماعية. كما أن إعطاء جلالة الملك لأعضاء اللجنة مهلة محددة، نهاية يونيو، لتقديم تصور عام للنموذج الجهوي المغربي بعد الإصغاء والتشاور مع الهيآت والفعاليات المعنية والمؤهلة، يؤكد أن المغرب، ممثلا في أعلى سلطة به، جاد في المضي قدما لتفعيل هذا النموذج .

خاتمة:

إن سلوك الجزائر العدواني يوضح بجلاء أنها دولة مارقة وفوق القانون الدولي، ويبقى على المغرب التضييق على النظام الجزائري في المحافل والمنتديات الدولية لكشف ألاعيبها وخروقاتها لالتزاماتها الدولية اتجاه ملف محتجزي تندوف،وفي نفس الوقت توضيح الموقف المغربي السليم ، ومبادرته البناءة حول الحكم الذاتي.`

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.