أن الفرقة بين الزوجين ، تقع بحكم القاضي ، وتسمى تفريقا قضائيا. وحيث أن الاصل في الطلاق ، بيد الزوج البالغ العاقل الذي تعود عليه معظم التبعات المادية والأعباء العائلية فقد أعطى القانون الزوجة الحق في طلب التفريق بوساطة المحكمة ، إذا وجدت السبب الذي يتعذر معه استمرار الرابطة الزوجية . وذلك لوجود علة في الزوج لا يرجي شفاؤها ، أو كانت العلة لا يؤمل زوالها قبل سنة ، إذا وجدته متصفا بأحد العيوب المستحكمة فيه ولا يمكنها المعيشة معه إلا بضرر وهذا ما نصت عليه المادة) ‏43) أولا بقولها ” للزوجة طلب التفريق . عند توفر أحد الأسباب . . . .” . ‏وقد اختلف الفقهاء في تحديد هذه العيوب التي تمنع من الاستمتاع ، أو تنفر الآخر ، بحيث لم يعد من الممكن تحقيق مقاصد الزواج ، وجعل القانون العلة المبررة لطلب الزوجة التفريق ، شاملة للعلل العقلية ، كالجنون والعته ء وللعلل الجسمية ، كالجذام والبرص والسل ، والعلل الجنسية ، كالعنة والزهري والعقم أو ما يماثلها . ‏وقد جعلت الفقرات (٤ ‏و ٥ ‏و ٦) من المادة (٤٣ ‏/آولآ) من قانون الأحوال الشخصية بعض العيوب التي يتعسر فيها استمرار الحياة الزوجية ، وتعطي الحق للزوجة فقط طلب التفريق- فليس للزوج طلب التفريق اذا وجد زوجته مصابة بمرض عقلي(1) لأحد الأسباب الآتية :

أولاً : الفقرة (٤) “اذا وجدت زوجها عنينا أو مبتلى بما لا يستطيع معه القيام بالواجبات الزوجية ، سواء أكان ذلك لأسباب عضوية أو نفسية ، آم اذا أصيب بذلك بعد الدخول بها وثبت عدم امكان شفائه منها بتقرير صادر عن لجنة طبية رسمية مختصة ، على آنه اذا وجدت المحكمة أن سبب ذلك نفسي ، فتؤجل التفريق لمدة سنة واحدة ، شريطة أن تمكن زوجها من نفسها خلالها ‏” .

‏ويلاحظ أن النص يشمل بعض الأمراض الجنسية الحاصلة قبل العقد ، أو بعده ، سواء أكانت عضوية آم نفسية أو التي تصيب بها بعد الدخول ء أو العلة الطارئة. وعلى ذلك ، فاذا وجدت الزوجة زوجها مصابا بمرض العنة- هو عدم القدرة الجنسية- مثلا وقت النكاح أو لم يستطع الدخول بها دخولا حقيقيا لسبب يتعلق بجهازه التناسلي وهو نوعان ، عضوي ، أي مرض فعلي في الجهاز التناسلي أو نفسي ، أي ليس به علة بدنية أو عضوية بل نفسية كالخوف أو الخجل مثلا ولم تكن تعرف بعنته وقت النكاح فلها أن تطلب التفريق بدعوى ترفعها للقاضي. وعلى القاضي أن يتأكد من عدم امكانية شفائه بتقرير صادر من اللجنة الطبية المختصة بذلك(2). ‏آما اذا تبين للمحكمة ، أن العلة نفسية أو يحتاج الى مدة فتؤجل التفريق لمدة سنة واحدة شريطة أن تمكن زوجها من الاتصال بها خلال تلك الفترة . وبعدها تقرر المحكمة رد الدعوى أن دخل بزوجته أو التفريق أن لم يستطع الدخول بها .

ثانياً : ونصت الفقرة (٥) من المادة ذاتها ” اذا كان الزوج عقيما أو ابتلى بالعقم بعد الزواج ولم يكن لها ولد على قيد الحياة ” وقد جعلت هذه الفقرة ، عقم الزوج ، سببا مبررا لطلب الزوجة التفريق سواء أكان عقيما أم ابتلى بالعقم بعد الزواج لكي لا تحرم الزوجة من اشباع عاطفة الأمومة في نفسها . بيد أن المشرع منع حق المرآة بطلب التفريق لعقم الزواج اذا أثمر الزواج ولو ولدا واحدا ذكرا آم أنثى وبقي على قيد الحياة . ولا مجال لتطبيق هذه الفقرة اذا كانت الزوجة عقيما فلا يحق للزوج طلب التفريق وانما له اقامة دعوى طلاق على وفق المادة (٣٩) من القانون . ويثبت العقم بالإحالة الى معهد الطب العدلي . والمراد بالعقم هنا الذي لا يؤمل شفاؤه أما إذا تضمن التقرير امكان الشفا ، خلال مدة معينة فلا يحكم القاضي بالتفريق .

ثالثاً : آما الفقرة (٦) من هذه المادة نفسها ، فقد جعلت العلة التي لا يمكن معها معاشرته بلا ضرر سببا للتفريق بقولها : ” اذا وجدت بعد العقد ، أن زوجها مبتلي بعلة لا يمكن معها معاشرته بلا ضرر ، كالجذام أو البرص أو السل أو الزهري أو الجنون أو آنه قد أصيب بعد ذلك بعلة من هذه العلل أو ما يماثلها ، على آنه اذا وجدت المحكمة بعد الكشف الطبي ، أن العلة يؤمل زوالها ، فتؤجل التفريق حتى زوال تلك العلة ، وللزوجة أن تمتنع عن الاجتماع بالزوج طيلة مدة التأجيل ، آما اذا وجدت المحكمة ، أن العلة لا يؤمل زوالها خلال مدة مناسبة وامتنع الزوج عن الطلاق وأصرت الزوجة على طلبها ، فيحكم القاضي بالتفريق “.

‏لقد بينت هذه الفقرة أن من أهم الحالات التي يتعذر أو يتعسر فيها استمرار الحياة الزوجية ، وجود علة في الزوج لا يؤمل زوالها . والفقرة جعلت العلة المبررة لطلب التفريق ، شاملة للعلل العقلية-كالجنون والعنة والخبل والصرع- وللعلل العضوية الجسيمة- كالجذام والبرص والسل الرئوي- والعلل الجنسية- كالجب والعنة والخصاء والزهري . . . وما الى ذلك من العيوب(3) التي تمنع من الاستمتاع أو تنفر الآخر.

وقد جعلت هذه الفقرة ، من حق القاضي ، أن يحكم بالتفريق ، متى ثبت لديه بالكشف الطبي أن العلة لا يمكن زوالها ولا يرجئ منها برئ ولم يوافق الزوج على الطلاق وأصرت الزوجة على طلبها عندئذ يحكم القافي بالتفريق. أما إذا كانت العلة يمكن البرء منها أو يؤمل زوالها ، فإن على القاضي أن يؤجل القضية مدة مناسبة حتى زوال تلك العلة. ولا تجبر الزوجة على الاجتماع بالزوج خلال فترة التأجيل ، ونرى أن يحدد المشرع فترة التأجيل على الأقل سنة تبدأ من تاريخ ثبوت العلة كما هو الحال في بعض القوانين العربية(4) .

‏هذا ولا بد من ملاحظة أنه إذا حصلت العلة بعد العقد ، وعلمت الزوجة بالعيب وصدر منها ما يدل على رضاها ، أو قبلت بالزوج وهي عالمة بحاله قبل العقد أو بعده. ورضاها سواء أكان صراحة أم دلالة فإنه يسقط حقها في طلب التفريق لتلك العلة التي علمت ورضيت بها . وكذلك إذا كان الزوج عالما بالعيوب (غير الخفية) فليس له طلب الفخ أو التريق. ‏وقد استحدث المشرع العراقي هذا السبب في التعديل الثاني رقم (٢١) لسنة1978 ‏لقانون الأحوال الشخصية ، غير أنه جعل هذا الحق للزوجة فقط ، وكان الأولى به أن يجعله للزوجين معا كما فعلت بعض القوانين (5) ومثلت الفقرة (٦) الأمراض والعلل التي تعد سببا للتفريق وهي العلل التي لا يمكن أن تكون معها المعاشرة الزوجية بلا ضرر. وكان الأجدر بالمشرع أن يطلق أسباب التفريق ولا يحصرها بعدد ، ما دام لم يلتزم برأي مذهب معين ، وعلى هذا جرى القضاء العراقي. ‏هذا وأن الأمراض والعلل كالعنة والجنون والسل الرئوي والعقم والزهري يستند في إثباتها إلى رأي الأطباء المختصين أو التحليلات المرضية.

_________________

1- قرار ٨3٩ ‏/ شخصية/ ١٩٨١ ‏بتاريخ ٨ ‏/ ١٢ ‏/ ١٩٨١ ‏. مجموعة الأحكام العدلية ، العدد الرابع السنة الثانية عشرة ، ت ١ ‏ ، ك ا ، ١٩٨١ ‏.

‏2- قرار ٩٨٧ ‏/ شخصية/ ١٩٨٦ ‏ ، بتاريخ ٢٠ ‏/ ٦ ‏/ ١٩٧٦ ‏. منشور في مجموعة الأحكام العدلية ، العدد الثاني ، السنة السابعة ، ١٩٧٢ ‏.

3. اختلف الفقهاء في جواز التفريق للعيب اختلافا كبيرا ٠ ‏فذهب الظاهرية إلى عدم جواز ذلك ، لأنه لم يصح عندهم ما يصلح أن يكون دليلا على هذه المسألة إلا أن أغلب الفقهاء ومعهم الجعفرية على أنه يثبت هذا الحق للزوجين إذا ظهر بالزوج الآخر عيب يجعل الحياة الزوجية عديمة الفائدة .

‏غير أنهم اختلفوا في مسألتين :

‏لمن يثبت هذا الحق . والثانية في العيوب التي يثبت بها حق التفريق . فبالنسبة للأولى : قال الحنفية يثبت الحق للزوجة فقط لا يثبت للزوج . . في حين بقية المذاهب تقول يثبت للزوجين معا ، إذا ما وجد الزوج أن زوجته مصابة بعيب يمنع قيام الحياة الزوجية كالجنون أو الجذام أو الأمراض التناسلية أو غير ذلك من العيوب الجنسية (القرن والفعل والاخطاء) أو غيرها من العمى والأقعاد والعرج البين .

‏أما الثانية : فقد ذهب (الحنفية والشافعية) إلى أن العيوب التي تجعل الحق للزوجة في طلب التفريق هي ” الجب- قطع العضو التناسلي- والعنه- عدم القدرة الجنسية . والخصاء ” وزاد الجعفرية وأخرون بالجذام والبرص للمزيد من التفاصيل راجع الدكتور أحمد الكبيسي شرح قانون الأحوال الشخصية ، المرجع السابق ، ص ٢٦٨ ‏- ٢٧٠ ‏.

‏4- تنص المادة (١٢٠) من قانون الأحوال الشخصية الأردني على أنه ” إذا جن الزوج بعد عقد النكاح وطلبت الزوجة من القاضي التفريق يؤجل لمدة سنة فإذا لم تزل الجنة في هذه المدة وأصرت الزوجة على طلبها بحكم القاضي بالتفريق ” . وكذلك المواد (٥ ‏ا ١ ‏ ، ٦ ‏ا ١) وأيضا المادة (٠٣ ‏ا) من المشروع للقانون العربي الموحد للأحوال الشخصية .

5- تنص المادة (103) من مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية على انه ” لكل من الزوجين طلب التفريق لعلة في الآخر لا يرجى منها برء ، أو يرجى بعد مضي أكثر من سنة ، عقلية كانت العلة أم عضوية ، أصيب بها قبل العقد أو بعده ، علمها الآخر قبل الدخول أو بعده ولم يرضى بها” ، أم إذا كانت العلة يرجى منها برء قبل مضي سنة ، فتمنحه المحكمة أجل منة قبل التطليق.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .