التعويضات القانونية للأضرار الجسمانية المترتبة عن حوادث المرور

مقال حول: التعويضات القانونية للأضرار الجسمانية المترتبة عن حوادث المرور

التعويضات القانونية للاضرار الجسمانية المترتبة عن حوادث المرور

مقدمة:

ان حوادث السير هي كل واقعة ينجم عنها وفاة او اصابة او خسارة في الممتلكات بدون قصد سابق و بسبب المركبات او حمولتها اثناء حركتها و يدخل ضمن ذلك حوادث الاحتراق اثناء حركة المركبة على الطريق العام و لاعتبار الحادث المروري حادثا فعلا لابد من توافر العناصر التالية:

*المركبة:ولفظ المركبة هنا ينصرف الى المركبة كسائق و ركاب وحمولة.
*سير المركبة او كينونة المركبة في حالة حركة على الطريق العام: وهذا يقصد به ان تكون المركبة في حالة حركة على الطريق العام ولانه في حالة وقوع الحادث في مكان خاص او اثناء توقفها فان الحادث في هذه الحالات يتحول الى حادث جنائي وليس مروري.

*الضرر:فالضرر قد يكون جسمانيا بمعنى اصابات بشرية بانواعهااو وفاة سواء كانت الوفاة عقب الحادث مباشرة او بعد فترة زمنية دون تحديد او قد تكون خسائر في الممتلكاتالعامة او الخاصة.

*الفعل دون قصد: وهذا امر مهم للغاية لانه في الحالة العكسية يعني ارتكاب جناية.
و باعتبار ان الحادث المروري كما سلف بيانه قد يرتب اضرارا جسمانية فقد سعى كل من المشرع عبر دول العالم والمشرع الجزائري بشكل خاص الى تنظيم هذه المسالة اي تعويض الاضرار الجسمانية الناشئة عن حوادث المروراذ ارسى المشرع الجزائري الاطار القانوني الذي يستدعي التطبيق في حالات كهذه هذا ما يدفنا الى التساؤل عن النظام القانوني المطبق على هذه المسالة؟ و ماهو الاساس القانوني في ذلك؟ وكيف يتم تطبيق القانون المنظم لهذا المجال على هذه المسائل؟

المبحث الاول:النص القانوني المطبق لتعويض الاضرار الجسمانية الناتجة عن حوادث المرور.

سعيا من المشرع لتنظيم عملية تعويض الاضرار الجسمانية الناشئة عن حوادث المرور فقد اقر الامر 74/15 المؤرخ في 30/01/1974 المتعلق بالزامية التامين على السيارات و بنظام التعويض عن الاضرار حيث تبنى المشرع من خلاله نظاما جديدا لتعويض الاخطار و الاضرار الجسمانية التي تصيب الضحايا وذلك دون تمييز بين نوع وظروف الحادث و بدون البحث عن مصدر الخطا الا في حالات استثنائية و الملاحظ هنا ان المشرع الجزائري قد تخلى عن مبدا المسؤولية المدنية التي ترتكز على فكرة الخطا كما عرف هذا القانون تعديلا بالقانون رقم 88/31 المرخ في 19/7/1988 و المتعلق بالزامية التامين على السيارات و بنظام تعويض الاضرار.

المطلب الاول:اساس حق التعويض في حوادث المرور الجسمانية.

كما اسلف وذكرنا ان الحادث المروري واقعة مادية ينتج و يترتب عنها حق التعويض للمضرور عن ضرر جسماني لكن السؤال المطروح ماهو الاساس الذي يبنى عليه هذا الحق؟ لقد كان الخطا هو اساس قيام المسؤولية المدنية و فيما بعد تراجع المشرع الجزائري عن هذا المبدا و تبنى نظرية جديدة للتعويض وهوتعويض خارج نطاق المسؤولية.

الفرع الاول:الخطا كاساس لقيام المسؤولية المدنية.
لقد كان المشرع الجزائري قبل صدور الامر 74/15 السالف الذكر يقيم المسؤولية على اساس الخطا اذ تنص المادة 124 من القانون المدني الجزائري على انه” كل عمل اي كان يرتكبه المرء و سبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض”. من هنا نجد ان قوام المسؤولية التي ترتب التعويض توافر 3 شروط اساسية و هي الخطا و الضرر و العلاقة السببية بينهما.
و يمكن ان تزول هذه المسؤولية و بالتالي يزول الحق في التعويض باثبات عدم وجود خطا او عدم وجود علاقة سببية بين الخطا و الضرر كما اقام المشرع الجزائري هذه المسؤولية المدنية على اساس المادة 138 من القانون المدني الجزائري وهي مسؤولية حارس الاشياء اذ نصت هذه المادة138:”كل من تولى حراسة شيء و كانت له سلطة الاستعمال و التسيير و التوجيه يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء.”

وهنا بافتلراض الخطا لا يمكن قبول اثبات عكسه حيث لا يجوز للحارس ان ينفي الخطا عن نفسه بان يثبت انه لم يرتكب خطا او انه قام بما ينبغي من حيث لا يفلت زمام الشيء من يده اي ان الخطا الذي قامت عليه المسؤولية هو خطا في الحراسة وهذا التزام بتحقيق نتيجة و ليس ببذل عناية ولا يملك المدعى عليه من هذه المسؤولية الا اثبات ان الضرر قد وقع بسبب عمل الضحية او عمل الغير او الضروف الطارئة او القوة القاهرة وهذا وفقا للمادة 138 من ق.م.ج

الفرع الثاني: اساس التعويض وفقا للامر 74/15
بالاطلاع على المادة8 من الامر 74/15 و التي تنص على”كل حادث سير سبب اضرارا جسمانية يترتب عليه التعويض لكل ضحية او ذوي حقوقها وان لم تكن للضحية صفة الغير تجاه الشخص المسؤول مدنيا عن الحادث و يشمل هذا التعويض كذلك مكتتب التامين ومالك المركبة كما يمكن ان يشمل سائق المركبة و مسبب الحادث ضمن نفس الشروط المنصوص عليها في المادة 13″
وهنا اصبح تعويض المضرور مضمون قانونا في كل الحالات.

المطلب الثاني: كيفية تطبيق الامر 74/15

لكي يمكن تطبيق هذا الامر لابد من تحقق شروط فماهي؟

الفرع الاول:ان يكون الضرر جسمانيا.
لم يعرف الامر 74/15 الضرر الجسماني اما القانون العام فقدفاقر بانها تلك الاصابات التي تصيب جسم الضحية ذاتها و ما يصاحبها من الام الكسور و الجروح و ما يترتب من عجز مؤقت او عجز جزئي او كلي دائم عن العمل بحيث يتم اثبات هذه الاضرار من خلال شهادة طبية. كما تجدر الاشارة ان القانون 88/31 المتمم و المعدل للامر 74/15 فانه نص على جميع انواع الاضرار الجسمانية بما فيها ضرر التالم المتوسط و الهام و الضرر المعنوي.

الفرع الثاني:ان تكون المركبة هي التي الحقت الضرر.
لقد اقر المشرع الجزائري في المادة 1 من الامر 74/15 ” انها تعد مركبة كل مركبة برية ذات محرك وكذلك مقطوراتها او نصف مقطوراتها وحمولاتها ويقصد بالمقطورات ونصف المقطورات مايلي:-المركبات البرية المنشاة بقصد ربطها بمركبة برية ذات محرك و تكون تلك المركبات مخصصة لنقل الاشخاص او الاشياء.
-كل جهاز بري مرتبط بمركبة ذات محرك.
-كل الية اخرى يمكن ان تكون مشابهة للمقطورات او نصف المقطورات بموجب مرسوم.”

المبحث الثاني :الخطا كمقياس للتعويض وفقا للامر74/15

وفقا للامر السالف ذكره فان التعويض يستفيد منه المضرور من الحادث الذي تسببت فيه المركبة و قد يختلف هذا المضرور فقد يكون من الغير كالراجلين او المارة او الراكبين سواء من عائلة المؤمن له او من اقاربه او اي شخص اخر فالسائق ولو كان متسببا في الحادث يمكن ان يستفيد من التعويض ان اصيب بضرر بغض النظر عن خطئه و مسؤوليته عن الحادث و يكفي للضحية او ذوي حقوقه للاستفادة من التعويض ان يثبت ان الاضرار الجسمانية التي لحقتها تسببت فيها المركبة ذات المحرك وهذا التعويض هنا مبني على اساس نظرية الضمان و ليس على اساس الخطا لكن يجدر الاشارة الى انه لا يمكن اعتبار نظام عدم الخطا مطلقا بل هناك استثناءات فماهي؟

المطلب الاول:خطا السائق غير العمدي في التعويض.

تنص المادة 13 من الامر 74/15 على انه”اذا حمل سائق المركبة جزء من المسؤولية عن جميع الاخطاء ما عدا الاخطاء المشار اليها في المادة التالية فان التعويض الممنوح له يخفض بنسبةة الحصة المعادلة للمسؤولية التي وضعت على عاتقه الا في حالة العجز الدائم المعادل ل50 بالمئة ولا يسري هذا التخفيض على ذوي حقوقه في حالة الوفاة.”وهنا عند ثبوت مسؤولية السائق بنسبة 100 بالمئة فلا يستفيد من اي تعويض اذا ما لحقه ضرر جسماني الا اذا كان العجز الدائم مساوي او يفوق 50 بالمئة فهنا السائق الضحية يستحق التعويض كاملا.
-عند تقسيم المسؤولية بين السائق والضحية غير السائق في حادث المرور فالتعويض يخفض حسب حصة مسؤوليتهبين السائق و الضحية غير السائق حسب حصة مسؤوليته بشرط ان تكون نسبة العجز الدائم اقل من 50 بالمئة بينما الضحية غير السائق لا تطبق عليه القاعدة.

الفرع الثاني: تعويض السائق في حالة السكر و السارق وشركائه.

*تعويض السائق في حالةالسكر.
لقد نصت المادة 14 من الامر 74/15 ” اذا كانت المسؤولية الكاملة و الجزئية عن الحادث مسببة عن القيادة في حالة السكر او تحت تاثير الكحول او المخدرات او المنومات المحضورة فلا يحق للسائق المحكوم عليه بهذا السبب المطالبة باي تعويض و لاتسري هذه الاحكام على ذوي حقوقه في حالة الوفاة”

*تعويض السارق وشركاءه.
لقد نصت المادة 15 من الامر 74/15 في هذا المجال “اذا سرقت المركبة فلا ينتفع السارق و الاعوان بتاتا من التعويض و لا يسري هذه الاحكام على ذوي حقوقهم في حالة الوفاة وكذلك الاشخاص المنقولين وذوي حقوقهم.” كما ان المادة7 من المرسوم 80/37 التي وردت تحت باب الاضرار المستثناة من التزام الصندوق الخاص بالتعويضات تستثنى هي بدورها السارق وشركائه من التعويض الا اذا بلغت نسبة العجز اكثر من 66 بالمئة .

المبحث الثالث: اجراءات الحصول على التعويض.

من خلال تعريف الحادث المروري الجسماني بانه واقعة مادية يترتب عنها امرا احدهما جزائي و يتمثل في توقيع العقوبة والاخر مدني يتمثل في التعويض و نجد هنا ان حوادث المرور لا تعرف تدخل للسلطة العامة و انما يقتصر الامر على تبادل البيانات اللازمةلاملاء التصريح بالحادث و يقدم التصريح من المعنيين لشركة التامين من اجل التسوية الودية وفي حالة عدم التسوية للنزاع وديا فالطرف المضرور امامه اللجؤ الى المحكمة المدنيةللفصل فيها اما الحوادث الجسمانية فالامر يستدعي النظر لان الاضرار التي ارتكبها المخطا اصابة حق المجتمع مما يجعله معرضا للجزاء و ينبغي الزامه بالتعويض.

المطلب الاول: التسوية الودية.

من خلال الامر 74/15 فان شركات التامين تبادر باقتراح مبالغ التعويض المستحقة على الاطراف المدنية تلقائيا ولقد صدر المرسوم 80/35 بتاريخ 16/02/1980 من خلال المادة4 منه التي جاء فيها انه يجب على السلطة التي قامت بالتحقيق ان ترسل نسخة من المحضر خلال مهلة لا تتجاوز 10 ايام الى شركات التامين المعنية وفي حالة ارتكاب الحادث من قبل مجهول او غير مؤمن عليه يرسل المحضر الى الصندوق الخاص بالتعويضات و يجوز للمؤمن ان يطلب من الضحية موافاته بكل الشهادات الطبية .

المطلب الثاني: اجراءات التعويض امام القاضي الجزائي.

ان الدعوى العمومية ملك للمجتمع يمارسها ويباشرها وكيل الجمهورية و هنا بمجرد وقوع الحادث الجسماني تقوم مصالح الضبطية القضائية بالتحريات الاولية اللازمة لمعاينة الحادث و تحرير محضر بذلك فيه مكان الحادث و المتسبب فيه و اسماء الضحايا و الوضعية القانونية للسيارة و المسؤول المدني و يرسل بعدها المحضر و نسخة مصادقة منه مع جميع الوثائق الثبوتية و خاصة خريطة الحادث خلال 10 ايام ابتداء من تاريخ التحقيق الى النيابة العامةو نسخة من المحضر المحرر الى شركات التامين المعنية و يمكن للمضرور الحصول على نسخة من وكيل الجمهورية خلال 30 يوم من تاريخ طلبها.كما يجب على المضرور ان يتحصل على اول شهادة طبية تثبت مدى الضرر و ان ترسل هذه الشهادة خلال 8 ايام من تاريخ الحادث الى السلطة التي شرعت في التحقيق هذا في حالة الجرح الخطا. اما في حالة القتل الخطا فيقدم المتهم الى السيد وكيل الجمهورية الذي تقدم له محضر التحريات الاولية عن الحادث الذي تكون قد حررته بعد التحقيق. وهنا يكيف وكيل الجمهورية وقائع الجريمة ويحرك الدعوى العمومية ثم يحيل القضية امام محكمة الجنح او قسم المخالفات.

المطلب الثالث:اجراءات الحصول على التعويض امام القاضي المدني.

ان مسالة المطالبة بالتعويض عن الاضرار الجسمانية قد تفصل فيها المحكمة الجزائية و قد تختص بها ايضا المحكمة المدنية باعتبارها صاحبة الولاية بها اساسا فاذا قام وكيل الجمهورية بحفظ اوراق القضية لوفاة المتسبب في الحادث او وفاة الضحية او ذوي حقوقه فيبقى السبيل الوحيد للمضرور و ذوي حقوقه هو المطالبة المدنية عن طريق رفع دعوى عادية امام المحكمة المدنية وذلك بعد استدعاء جميع الاطراف بما فيها شركة التامين.

* الخاتمة:

من خلال هذه الدراسة نخلص الى ان المشرع الجزائري وعلى غرار مشرعي العالم قد اول مسالة تعويض الاضرار الجسمانية الناشئة عن حوادث المرور عناية بالغة من خلال ارساء اطار قانوني ينظم هذا المجال او هذه المسائل كما يلاحظ ان الاساس الذي تنبني عليه عملية التعويض اختلف من مرحلة الى اخرى و هذا يفسر بكون القانون هو بطبيعته مساير للتطورات الحاصلة كما ان فكرة او نظرية الضمان العام هي وسيلة هامة لتحقيق اكبر قدر من التعويض عن هذه الاضرار الجسمانية و التي قد تكون جسيمة في اغلب الاحيان.

المراجع:

1-دعوى التعويض في حوادث السيارت الزامية تامين السيارات و نظام تعويض الاضرار الناشئة عن حوادث المرور في التشريع الجزائري الديوان الوطني للاشغال التربوية .د / بن عبيدة عبد الحفيظ.
2-التامينات الخاصة في التشريع الجزائري الجزء الاول التامينات البرية.طبعة الثالثة 2002 د/ عبد الرزاق بن خروف.
*النصوص القانونية:
-الامر رقم 74/15 المؤرخ في 30/01/1974 المتعلق بالزامية التامين على السيارات و بنظام التعويض عن الاضرار.
– القانون 88/31 المؤرخ في 19/07/1988 المعدل و المتمم للامر رقم 74/15 المتعلق بالزامية التامين على السيارات.

شارك المقالة

1 تعليق

  1. سلام عليكم وجزاكم الله خيرا على هذه المعلومات التي تفيدونا بها أود منكم استفسار بخصوص موضوع حدت معي حادت سير سنه ماضيه كنت داهبه لعملي في سيارتي وتفاجئت بسيارت أخرى صدمتني وهادا كلفني بأنفاق كتير على سيارتي ووكلت دعوه للمحامي ولأن لم يتصل بي أود معرفة كم مده حكم على تعويضات وهل بإمكاني مطالبة محامي بأعطائي تعويض بسيط حتى قبل أن يصدر حكم لأني محتاجه لقليل من مال وجزاكم الله خيرا اتمنى اجابتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.