قواعد في التدريب القضائي الفلسطيني

قواعد في التدريب القضائي

المقدمـة:

يمثل التدريب القضائي أهم الموضوعات التي تشغل ذهن العاملين في مجال القضاء من قضاة وموظفين والمحامين وجمهور المواطنين الذين يتعاملون مع قطاع القضاء حيث أنه لا يمكن المجادلة لمدرك عاقل أن الركيزة الأولى واللبنة الأساسية في النهوض بأي مرفق من المرافق وتطوير ورفع مستواه من حيث الأداء أن ذلك يجب أن يرتكز في المقام الأول على العنصر البشري من العاملين في ذلك المرفق عبر التركيز على رفع كفاءتهم وتأهيلهم والنهوض بأدائهم، إلا أن هذا التأهيل والتدريب والتطوير لا يمكن أن يحقق النجاح المرجو منه وأن يؤتي ثماره التي يريدها القائمون عليه إلا عن طريق إقناع الموظف المستهدف بالتدريب والتأهيل وإطلاعه على أهداف هذا التدريب وبرامجه المتبعة فيه بكل وضوح وشفافية وبطريق حفز الهمم وبث روح الحماسة والتفاعل بين العاملين لحملهم عن قبول فكرة التدريب والترحيب بها والتفاعل معها لأنه ما من موظف يحظى بفرصة لتطير ذاته وأدائه إلا ويرحب بها ويتفاعل معها عدا القليل النادر من متواضعي الهمة والطموح.

لقد اهتمت القوانين والأنظمة بموضوع التدريب القضائي، فقد نصت المادة 17 من قانون السلطة القضائية لسنة رقم 1 لسنة2002 (يضع مجلس القضاء الأعلى نظاماً لتدريب القضاة وإعدادهم قبل تولي أعمال القضاء)، وبالرجوع إلى مدونة السلوك القضائي رقم 3 لسنة 2001 في المادة 43 منها والتي تنص (على القاضي ان يحضر الدورات التدريبة والندوات وورشات العمل التي يقرر المجلس القضائي اشتراكه فيها وعليه أن يقدم تقريراً خطياً في نهاية كل دورة وفقاً لنموذج مُعدّ سلفاً لهذه الغاية)، وكذلك فإنه وحسب لائحة التفتيش الصادرة بموجب قرار مجلس القضاء الاعلى رقم 4 لسنة 2006 القضائي في المادة 6 فقرة ب والمادة 21 ، كل ذلك تعطي انطباعاً عن الأهمية للتدريب القضائي والتي جميعها تنصبّ على رفع مستوى مهارة القائمين على تنفيذ القوانين وتنمية قدراتهم وملكاتهم الفكرية القانونية على حل جميع الإشكاليات القانونية التي يفرزها الواقع العملي وتنتج عن تطبيق القوانين عن الوقائع والحالات التي تجد بعد صدور القوانين واللوائح التنفيذية لهذه القوانين، فهنا إدارة الدعوى وإجراءاتها والقرارات الخاصة بالدعوى التمهيدية والنهائية وأحكام الإثبات.

إذن يجب أن يكون هناك تخطيط وأهداف واضحة عند البدء في البرامج التدريبية للقضاة حيث أن سوقهم إلى التدريب والتأهيل بطريقة تعسفية تعتمد أسلوب الإكراه والتجهيل، فإن ذلك وإن حقق انصياعاً شكلياً وبدنياً من القاضي فإنه لا يمكن أن يحقق قبولاً وارتياحاً وتفاعلاً ومشاركة منه مع برامج التدريب وبالتالي فإن هذه البرامج بالنسبة له إما برامج ترفيهية أو سفرات سياحية أو غير ذلك، كما تكون بالنسبة للمال العام هدراً أو ضياعاً دون جدوى، فإذا كانت هذه الجوانب مهمة للموظفين المراد إلحاقهم ببرامج تدريب وتأهيل فكيف يكون الحال إذا كان المستهدف من التطوير والتدريب هم القضاة حامل لواء الحق والعدل. إن الواجب في هذه الحال يتعاظم والمسؤولية تكون أكبر بوجوب أن يراعى في تدريب القضاة وتأهيلهم جوانب كثيرة مهمة وحساسة وأن من أولاها وأهمها أن يكون إلحاق القضاة بهذه البرامج بأسلوب الدعوة والترحيب وإطلاعهم على الأهداف المرجو تحقيقها من وراء هذه البرامج وإشراكهم في التخطيط لها واستطلاع آرائهم في كل الجوانب المتعلقة بها مما له مساس بظروفهم من حيث أماكن الدورات وأوقاتها ومواضيعها ونحو ذلك وأن يكون ذلك بأسلوب المشاورة والمشاركة أو طرح القرارات للتصويت، وهذا الأمر في نظري ليس ترفاً ولا تفضلاً ومنّة من أحد بل هو أبسط الحقوق للقضاة على قيادتهم وما يتناسب مع مكانتهم وفضلهم، أما أن يساق القضاة إلى برنامج التدريب والتطور قسراً ويُقحَمون فيها إقحاماً دون نقاش أو مشاركة منهم في رسم مسارها ومدتها وتوقيتها ومواضيعها ودون اهتمام بمدى قناعتهم بأهميتها وغايتها فذلك أمر يستحق المراجعة والوقوف عنده مطولاً.

إن تدريب القضاة وتأهيلهم إذا أريد به النهوض بمرفق القضاء وزيادة كفاءة العمل في المحاكم يجب أن يبنى على عدة أُسس لها أهميتها البالغة والتي إن تم تجاهلها فسيكون التدريب مجرد عبء على ميزانية الجهاز القضائي ووقت القضاة الثمين، ومن أبرز هذه الأسس:

أولاً: إشراك القضاة في رسم خطط التدريب والتأهيل والسعي إلى توضيح أهداف وغايات هذه الدورات لهم والحرص على إقناعهم بها حتى يأتوا إليها برغبة تامة وحرص على الاستفادة لا لمجرد هدر الوقت بلا طائل أو خوف من التقييم القضائي.

ويجب أن يختار القاضي وفق استبانة توزع عليهم بالتوقيت المناسب لظروفه والمكان المناسب لرغبته والموضوع المناسب لما يعتقد أنه في حاجة إلى التدريب فيه، فالقاضي إنسان بالغ عاقل رشيد يعرف مصلحة نفسه ويستطيع تحديد جوانب حاجته وضعفه من الناحية العلمية والإجرائية دون وصاية من أحد، ومع ذلك فبالإمكان أن تشارك الجهة المنظمة لبرامج التدريب في تقديم النصح والمشورة للقاضي في تحديد المواضيع الأنسب له، كما بالإمكان وفي أضيق الحدود إلزام القاضي ببعض الموضوعات التي يرى وجعه فيها أن التدريب فيها لا يمكن تجاوز أهميته ولا بد من إدراك الفرق بين الدورات التدريبية التي تعقد للقضاة وبين دورات التجنيد العسكري الإلزامي المفروض في بعض الدول.

ثانياً: التركيز على المواضيع الأهم للقضاة، فالمهم أن تبتدئ بالجوانب الموضوعية اوالإجرائية ذات الصلة المباشرة بالاختصاصات القضائية، وقد سبق وأن ذكرت بعض الأمثلة لا داعي لتكرارها.

ثالثاً: ينبغي أن يراعى في عقد الدورات للقضاة الفوارق الشخصية بينهم من حيث العمر والمرتبة والتخصص وجوانب القصور أو الضعف التي تختلف من قاضي إلى آخر.

رابعاً: من أهم المهمات وأَوْلَى الأولويات مراعاة عدم تأثير حركة التدريب والتأهيل للقضاة على القضايا وسرعة الفصل منها، يجب أن لا يحدث هذا التدريب خللاً ملحوظاً في ذلك الجانب المهم بل يجب أن يكون عقد الدورات وفق برامج يُراعى بدقة هذه الناحية وضمان عدم تأثيرها.

خامساً: ينبغي أن يراعى في عقد الدورات للقضاة تجانس القوانين وتطابقها إذا ما كانت الدورات في بلد خارج نطاق فلسطين، إذ لا فائدة تُرجَى من الدورات إذا كانت في بلد قوانينها بعيدة عن القوانين الفلسطينية ولا رابط بينها، لأننا أمام بحث تدريب للقضاة وليس مجرد الإطّلاع على قوانين البلاد الأجنبية لأن ذلك يشكّل هدراً للمال العام دون أي مردود على القاضي أو تحصيله العلمي والعملي.

لقد أحسن مجلس القضاء الأعلى الفلسطيني الحالي صنيعاً بتشكيل لجنة لدراسة الدورات الخارجية ومدى انطباق شروط الدورة الخارجية على القاضي المبتعث كون أن مثل هذه اللجنة تشكل ضامناً للابتعاد عن المزاجية والشخصية في إرسال القضاة إلى الخارج حتى يمكن للقاضي المرسل أن يحقق منه الغاية المرجوة من ابتعاثه متمنياً على هذه اللجنة أن تكون موضوعية وأن تتبع الأسباب العلمية عند اختيار المبعوثين للدورات حتى تحدث رضا عام عند السادة القضاه .

ختاماً….
بناءً على ما سبق فإن التدريب القضائي يساعد على اتخاذ قرارات قضائية وإدارية سليمة، وبصفة عامة فإن التدريب القضائي يؤدي إلى انضباط المنظومة القانونية بالدولة مما يؤدي إلى الاستقرار القانوني والاجتماعي الذي هو الهدف الأسْمَى لمهنة القضاء.