مناقشة قانونية للعقوبات الاقتصادية الدولية

العقوبات الاقتصادية القيود القانونية والسياسية

في السنوات الخمس والأربعين الأولى, لم تصدر قرارات من مجلس الأمن الدولي بشأن العقوبات الاقتصادية إلا في حالتين هما:

روديسيا (1966) وجنوب أفريقيا (1977). ومنذ انتهاء الحرب الباردة.

لجأ مجلس الأمن, بصورة متزايدة, إلى العقوبات الاقتصادية الجماعية. فقد فرضت عقوبات على العراق وعلى يوغوسلافيا السابقة وعلى هايتي والصومال وليبيا وليبيريا وأنغولا ورواندا والسودان. وكما نلاحظ من هذه الأمثلة, فإن عقوبات الأمم المتحدة يمكن أن تفرض في زمن السلم كما تفرض في أوقات النزاع المسلح.

وفي السنوات الأخيرة, أصبحت العقوبات, وبخاصة العقوبات التجارية الشاملة, تثير قلق المنظمات الإنسانية, بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر, بسبب ما يترتب على هذه العقوبات من آثار إنسانية. ولقد تمكنت هذه المنظمات, أثناء عملياتها الميدانية, من ملاحظة الآثار الإنسانية القاسية لبعض أنظمة العقوبات سالفة الذكر. ذلك أن العقوبات قد لا تؤثر سلبيا على الأوضاع الإنسانية لسكان الدولة المستهدفة فحسب, وإنما قد تؤثر أيضا على تقديم المساعدة الإنسانية.

ونظرا لتزايد لجوء المجتمع الدولي لفرض عقوبات اقتصادية, وبالنظر إلى ما يترتب على هذه العقوبات من آثار إنسانية, يصبح من المهم بحث الإطار القانوني الذي يمكن أن تفرض داخله عقوبات اقتصادية, والحدود القانونية لفرضها والأسباب السياسية التي تدعو إلى وضع حدود لممارسة مجلس الأمن لسلطته في فرض العقوبات.

الإطار القانوني – الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة

يمكن لمجلس الأمن أن يدعو إلى فرض عقوبات اقتصادية جماعية بمقتضى المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة, إذا كان قد قرر أولا, بمقتضى المادة 39, أن هناك تهديدا للسلام, أو خرقا للسلام أو عملا من أعمال العدوان, وإذا كان الهدف من فرض العقوبات هو الحفاظ على السلام والأمن الدوليين أو إعادتهما.

على أنه قبل استعراض الاعتبارات القانونية والسياسية التي تحدد سلطة مجلس الأمن في فرض عقوبات اقتصادية, يصبح من المهم وضع السلطة المجلس في فرض العقوبات في إطارها القانوني والسياسي . فالأهداف التي من أجلها أنشئت الأمم المتحدة واردة في المادة الأولى من الميثاق. ولا شك أن الهدف الرئيسي هو الحفاظ على السلام والأمن الدوليين, الذي تنص الفقرة الأولى من المادة الأولى على تحقيقه من خلال التدابير الواردة في الباب السادس من أجل التسوية السلمية للمنازعات أو الإجراءات القسرية المنصوص عليها في الباب السابع.

وإذا ما قرر مجلس الأمن وجود تهديد للسلام أو انتهاك له أو عمل من أعمال العدوان, فسوف يصدر توصيات أو يقرر اتخاذ التدابير للحفاظ على السلام والأمن الدوليين أو إعادتهما (1). وقد تكون هذه التدابير هي المنصوص عليها في المادة 41 ” التي لا تتضمن استخدام القوة المسلحة ” , مثل العقوبات الاقتصادية, أو التدابير الواردة في المادة 42 والتي تتضمن ” الأعمال العسكرية التي تمليها الضرورة للحفاظ على السلام والأمن الدوليين أو إعادتهما ” .

القيود على العقوبات بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي

هناك من يقول بأن مجلس الأمن ليس ملزما بتنفيذ قانون حقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني عندما يفرض عقوبات اقتصادية بمقتضى المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة. وتستند هذه الحجة على نص المادة 41, التي يبدو أنها تعطي مجلس الأمن سلطة غير مقيدة فيما يتعلق بفرض عقوبات اقتصادية جماعية (بشرط ت وفر ظرف تهديد السلام أو خرقه أو حدوث عمل من أعمال العدوان وبشرط أن يكون الهدف من فرض العقوبات هو الحفاظ على السلام والأمن الدوليين أو إعادتهما), كما تستند إلى المواد 1 فقرة 1 و 25 و 103 من الميثاق (3). ويستخلص من هذا التفسير أن التدابير القسرية الجماعية التي يتخذها مجلس الأمن يمكن أن تجب الالتزامات التعاقدية للدول الأعضاء المنصوص عليها في قانوني حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني, وليس هذا فقط بل يستخلص أيضا أن مجلس الأمن ليس مقيدا بمبادئ العدالة والقانون الدولي في تطبيقه للعقوبات الاقتصادية الجماعية بمقتضى المادة 41.

على أن هذه الحجة لم تكتب لها الغلبة, ومن الواضح والمقبول بصفة عامة أن مجلس الأمن ملزم بمراعاة مبادئ قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني عند تصميم نظم العقوبات ورصدها ومراجعتها. ولابد من النظر إلى سلطة فرض العقوبات في سياق ميثاق الأمم المتحدة ككل كما يتعين ممارسة هذه السلطة بما يتفق وأهداف الميثاق ومبادئه, التي تتضمن تعزيز حقوق الإنسان والقواعد السائدة للقانون الدولي

عند وضع الحدود القانونية لفرض عقوبات اقتصادية في أوقات النزاع المسلح, لابد من النظر إلى أحكام القانون الدولي الإنساني والأحكام غير القابلة للانتقاص في قانون حقوق الإنسان. وعند وضع الحدود القانونية لفرض عقوبات اقتصادية في زمن السلم, لابد من النظر إلى قانون حقوق الإنسان. واستنادا إلى قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني, والى الاعتبارات الأولية للإنسانية, ذهب كثير من الكتاب إلى أن نظام العقوبات ينبغي ألا ينزل بمستوى معيشة شريحة كبيرة من السكان إلى ما دون مستوى الكفاف. وعلى المنوال نفسه ذهب آخرون إلى أنه لا يجوز للعقوبات أن تحرم الناس من الحقوق الإنسانية الأساسية في الحياة والبقاء.

هناك الآن قبول متزايد لهذا المنهج – الذي يقول بأن هناك حدودا لمدى المعاناة التي يجوز للعقوبات أن تسببها – يمكن رؤيته في الممارسات الأخيرة والبيانات الصادرة عن مجلس الأمن وعن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, والقرارات الصادرة عن المؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر بشان العقوبات الاقتصادية وبيان اللجنة الدائمة فيما بين الوكالات بشأن الآثار الإنسانية المترتبة على العق وبات.

الحدود التي يفرضها القانون الدولي في أوقات النزاع المسلح

لا يشير القانون الدولي الإنساني إلى العقوبات الاقتصادية بالتحديد, كما لا يتناول آثارها على السكان المدنيين. على أنه, عندما تفرض العقوبات في سياق نزاع مسلح دولي كان أو داخلي, تطبق القواعد العامة المتعلقة بحماية المدنيين من آثار العمليات العسكرية. وهكذا فإن أي قرار بفرض مثل هذه التدابير ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار القانون الدولي الإنساني, وخاصة القواعد المتصلة بالإمدادات الطبية والغذائية إلى مختلف شرائح الأشخاص موضع الحماية.

واقع الحال أن أي نظام للعقوبات الشاملة, بل أي نظام للعقوبات يمكن أن يؤثر على السكان المدنيين, ينبغي أن يتضمن ” إستثناءات إنسانية ” . وهذا الأمر ضروري سواء فرضت العقوبات بواسطة دولة أو بواسطة مجلس الأمن. فالدول ملتزمة, شأنها شأن مجلس الأمن, بأن تأخذ بعين الاعتبار القواعد ذات الصلة بحماية السكان المدنيين , والجماعات المعرضة للخطر بين صفوف السكان المدنيين, من آثار النزاع المسلح.

ويمكن تلخيص هذه القواعد على النحو التالي:

1- حظر تجويع السكان المدنيين

لا يجوز حرمان المدنيين من الحصول على الإمدادات الضرورية لحياتهم, فتجويع المدنيين كأسلوب للحرب أمر محظورا. وهكذا يحظر فرض التطويق أو الحصار أو نظام للعقوبات الاقتصادية بغرض تجويع السكان المدنيين.

2- الحق في المساعدة الإنسانية

للمدنيين الحق في تلقي المساعدة الإنسانية, وهذا الحق مضمون بأسلوبين: الأحكام التي تطلب من الدول السماح بمرور مواد الإغاثة بشروط معينة. والأحكام التي تسمح للوكالات الإنسانية بتقديم المساعدة بشرط موافقة الأطراف. وتختلف الأحكام طبقا لما إذا كان النزاع المسلح دوليا أو غير دولي.

ففي النزاعات المسلحة الدولية, تطبق القواعد التالية:

(1) تسمح الدول بحرية المرور لما يلي:

– البضائع الطبية وتلك الخاصة بالمستشفيات, والأشياء اللازمة للعبادة الموجهة إلى السكان المدنيين وحدهم; و

– المواد الغذائية والملابس والمقويات الضرورية الموجهة إلى الأطفال دون الخامسة عشرة والنساء الحوامل وحالات الأمومة.

(2) وسعت القاعدة المنصوص عليها في الفقرة (1) أعلاه بمقتضى البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977, لكي تشمل القيام بأعمال الإغاثة الإنسانية وغير المتحيزة, بشرط موافقة الأطراف المعنية, إذا كان السكان المدنيون لا يتوفر لديهم ما يكفي من الملابس ووسائل النوم والإيواء, وغيرها من الإمدادات الضرورية لحياتهم والأشياء اللازمة للعبادة . وعلى أطراف النزاع وكل الدول أن تمسح وتسهل مرور شحنـات الإغاثة ومعداتها وأفرادها. كما يتعين على أطراف النزاع أن توفر الحماية لشحنات الإغاثة وأن تسهـل توزيعهـا بسرعة.

(3) يجوز للجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من المنظمات الإنسانية غير المتحيزة, وبشرط موافقة أطراف النزاع, أن تقوم بأنشطة إنسانية لحماية الأشخاص المتمتعين بالحماية وإغاثتهم.

وفي النزاعات المسلحة غير الدولية, تطبق القواعد التالية:

(1) تقدم مساعدات الإغاثة الإنسانية وغير المتحيزة , بشرط موافقة الدولة المعنية, إذا كان السكان المدنيون يعانون من مصاعب جمة بسبب نقص الإمدادات اللازمة لحياتهم, مثل المواد الغذائية والإمدادات الطبية (18).

(2) يجوز للجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من المنظمات الإنسانية غير المتحيزة أن تقدم خدماتها لأطراف النزاع.

3- إمدادات الإغاثة في حالات الحصار البحري

تنطبق المبادئ نفسها على حالات الحصار البحري, بمعنى:

(1) أن على الدول أن تسمح بحرية المرور للمواد الغذائية الضرورية للأطفال والنساء الحوامل وحالات الأمومة, وكذلك الإمدادات الطبية والأشياء اللازمة للعبادة للسكـان المدنيين عمومـا.

(2) تجري أعمال الإغاثة الإنسانية وغير المتحيزة, بشرط موافقة الأطراف المعنية.

وقد جرى النص على هذه الالتزامات بصورة أوضح في ” دليل سان ريمو ” , الذي ينص على أنه يتعين على القوة القائمة بالحصار أن تسمح بمرور شحنات الإغاثة عبر الحصار, على أنه , كما ورد في التعقيب على دليل سان ريمو ” , لا تزال قضية ما إذا كان لمثل هذا الالتزام وجود بمقتضى البرتوكول موضع جدل شديد.

4- إمدادات الإغاثة للأراضي المحتلة

تلتزم الدولة القائمة بالاحتلال بقبول وتسهيل عمليات الإغاثة, هذا فضلا عن واجبها في ضمان حصول السكان المدنيين على الإمدادات الغذائية والطبية (24), إذا كان هؤلاء السكان, أو جزء منهم يعاني من نقص في الإمدادات (25). وعلاوة على ذلك , يتعين على الدول الأطراف ” أن تسمح بحرية المرور لهذه الشحنات وأن تضمن حمايتها. ” (26) وهذا يعني أن شحنات الإغاثة لسكان الأراضي المحتلة ينبغي السماح بمرورها عبر الحصار, ويكون هذا الالتزام مصحوبا بالتزام آخر هو ضمان حمايتها. وهكذا, فإن على كل الدول المعنية أن تحترم الشحنات وأن تحميها عندما تكون معرضة للخطر بسبب العمليات الحربية (27).

وتتناول الفقرات من 2 إلى 4 سالفة الذكر أحكام اتفاقيات جنيف والبروتوكولين الإضافيين إليها التي تحمي توفير المواد الغذائية الضرورية وغيرها من المواد للسكان المدنيين في أوقات النزاع المسلح. ويجدر بنا هنا ملاحظة بعض الاختلافات بين هذه الأحكام. فأولا, تسمح المادة 59 من اتفاقية جنيف الرابعة ,والمادة 70 من البروتوكول الإضافي الأول, والمادة 18 (2) من البروتوكول الإضافي الثاني; بالقيام بأعمال الإغاثة في ظروف معينة, بينما تسمح المادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة بتقديم سلع معينة. ثانيا, يحتاج تقديم شحنات الإغاثة بمقتضى المادة 70 من البروتوكول الإضافي الأول والمادة 18 (2) من البروتوكول الإضافي الثاني, إلى موافقة الأطراف المعنية, بينما لا يشترط ذلك في تقديم السلع المنصوص عليها في المادة 23 أو إمدادات الإغاثة للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة بمقتضى المادة 59 من اتفاقية جنيف الرابعة (28).

الحدود التي يفرضها القانون الدولي في زمن السلم

قبل النظر في القواعد القابلة للتطبيق على نظم العقوبات في زمن السلم,وهي مستمدة من قانون حقوق الإنسان. من المهم أن نذكر أن استخدام الحصار البحري أو الجوي لفرض نظام للعقوبات في زمن السلم لن يؤدي بالضرورة إلى تحويل الوضع من وضع سلمي إلى حالة النزاع المسلح. ذلك أن المرحلة التي ينبغي أن ينظر فيها إلى مثل هذا الحصار على أنه يخلق نزاعا مسلحا ليست واضحة سواء من حيث الممارسة أو من حيث المبدأ. فهذه مسألة تتعلق بالوقائع وبالقانون ويلزم النظر في كل حالة بحسب ظروفها. لكن أحد العناصر الحاسمة بوضوح هي ما إذا كان هناك قتال لفرض أو تأمين الحصار.

تعترف صكوك حقوق الإنسان بالحق في الحياة والصحة والمستوى اللائق من المعيشة, بما فيه الغذاء والملبس والمسكن والرعاية الطبية والتحرر من الجوع. وتفرض هذه الصكوك على الدول الالتزام بالعمل من أجل الوفاء بتلك الحقوق. وقد يقال, من المنظور القانوني والإنساني, إن على مجلس الأمن أن يأخذ هذه الحقوق بعين الاعتبار عند وضع نظام للعقوبات, وإن عليه ألا يضع نظما للعقوبات تحرم الناس من هذه الحقوق.

ومن وجهة النظر الإنسانية, فإن الحاجة إلى أخذ هذه الحقوق بعين الاعتبار تبدو واضحة كل الوضوح, أما من وجهة النظر القانونية فإن المسألة أكثر تعقيدا إلى حد ما, فبعض المؤلفين يرون أن ” الحق في الحياة ” لا يحمي إلا من الحرمان من الحياة بصورة تعسفية من خلال الإعدام والاختفاء والتعذيب وما إلى ذلك, ولكنه لا يمتد إلى الحرمان من الحياة عن طريق التجويع أو عدم تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والخدمات الصحية الأساسية والرعاية الطبية . ويوضح التعقيب العام الأول للجنة حقوق الإنسان على المادة 6 من العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية أن اللجنة لا توافق على هذه النظرة المحدودة لمعنى عبارة ” الحق في الحياة ” . و في هذا تقول اللجنة:

” تلاحظ اللجنة أن الحق في الحياة غالبا ما يفسر بصورة ضيقة. ذلك أن تعبير (الحق الأصيل في الحياة) الوارد في المادة 6 لا يمكن أن يفهم بصورة صحيحة من خلال تفسير ضيق, ويتطلب حماية هذا الحق أن تبنى الدول تدابير إيجابية ” .

وطبقا لهذا الرأي, فإن أي نظام للعقوبات ي نبغي ألا يحرم السكان من الحصول على الحد الأدنى من السلع والخدمات الأساسية اللازمة للإبقاء على حياتهم.

وحتى إذا ما قرأنا تعبير ” الحق في الحياة ” بصورة ضيقة ومحدودة وافترضنا أنه لا ينطبق على الحرمان من الحياة عن طريق الحرمان من الأغذية الضرورية, فإنه يكون من الصعب أن نرى كيف يمكن أن يكون الحق في الغذاء, ولا سيما الحق في التحرر من الجوع, محدودا بهذا الشكل, إن أهم الأحكام فيما يتعلق بالحق في الحياة والتحرر من الجوع هو المادة 11 من العهد الدولي بشأن الحقوق الاقتصادية والثقافية, ونصها كما يلي:

1- تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في مستوى المعيشة مقبول له ولأسرته, بما في ذلك الغذاء الكافي والملبس ولامسك, وكذلك حقه في التحسين المستمر لظروف معيشته. وسوف تتخذ الدول الأطراف الخطوات المناسبة لضمان إقرار هذا الحق, وهي تعترف في هذا الصدد بالأهمية الضرورية للتعاون الدولي المرتكز على الموافقة الحرة.

2- إن الدول الأطراف في هذا العهد, إذ تعترف بالحق الأساسي لكل إنسان في أن يكون متحررا من الجوع, سوف تتخذ, فرديا ومن خلال التعاون الدولي, كل ما يلزم من تدابير بما في ذلك برامج محددة: (أ) لتحسين طرق إنتاج الغذاء وحفظه وتوزيعه عن طريق الاستفادة الكاملة من المعرفة التقنية والعلمية, ونشر المعرفة بمبادئ التغذية, وعن طريق تطوير النظم الزراعية أو إصلاحها بطريقة تجعل من الممكن تحقيق التنمية الكفؤة للموارد الطبيعية واستخدامها; (ب) وهي إذ تأخذ بعين الاعتبار مشكلات البلدان المستوردة والمصدرة للغذاء, سوف تعمل من أجل ضمان توزيع منصف لإمدادات الغذاء العالمية طبقا للحاجة إليها.

ويمكن القول بأن الحق في الغذاء والحق في التحرر من الجوع يفرضان التزاما على الدول بتقديم المواد الغذائية للمحتاجين. ولكن حتى إذا لم يكن القول مقبولا, فإن وجود هذه الحقوق يعني, في أقل القليل, أنه من المحظور أن يتم التصرف عمدا بطريقة تؤدي إلى حرمان الأفراد من الغذاء وتسبب الجوع و/أو التضور جوعا. وفيما يتعلق بفرض العقوبات, فسوف يبدو الأمر على جانب كبير من الشذوذ إذا ما حظر تجويع المدنيين أثناء النزاع المسلـح بينما يسمح به في زمـن السلـم.

وبالتوازي مع حق الفرد في الحياة والغذاء , وهو ما أشرنا إليه من قبل, فإن اتفاقية إبـادة الجنـس تحمي ما يمكن وصفه بأنه ” الحق الجماعي في الحياة ” وهي تحظر التجويع عمدا لأي جماعة قومية أو عرقية أو عنصرية أو دينية إذا ما ارتكب بقصد تدمير هذه الجماعة, وهو ما يرد في تعريف إبادة الجنس. وينطبق حظر إبادة الجنس في وقت السلم وفي زمن الحرب على السواء.

يظهر أن ممارسة مجلس الأمن تتجه إلى إدراج إستثناءات إنسانية في نظم العقوبات الشاملة, سواء فرضت هذه العقوبات أثناء نزاع مسلح أو في زمن السلم (أنظر أدناه). وبعبارة أخرى, فإن المشاغل الإنسانية سوف تؤخذ بعين الاعتبار سواء فرضت العقوبات أثناء النزاع المسلح أو في وقت السلم. ففي أوضاع النزاع المسلح يعبر عن هذه المشاغل الإنسانية بواسطة القانون الدولي الإنساني. وفي وقت السلم, يعبر عنها من خلال قانون حقوق الإنسان.

الحجج السياسية لتقييد ممارسة مجلس الأمن لسلطته في فرض العقوبات:

المنظمات الإنسانية ونظم العقوبات

تعتبر العقوبات, وبخاصة العقوبات التجارية الشاملة, كما أوضحنا من قبل, سببا للانشغال بسبب ما يترتب عليها من آثار إنسانية. وقد لا يقتصر تأثير العقوبات السلبي على الوضع الإنساني لسكان الدولة المستهدفة, بل قد يمتد إلى تقديم المساعدة الإنسانية.

ولقد أدى الانشغال حول شرعية العقوبات وجدواها وحول آثارها الإنسانية, ببعض المعقبين إلى انتقاد فكرة العقوبات ذاتها. أما بالنسبة للمنظمات الإنسانية, فإن المسألة تبدو أكثر تعقيدا إلى حد ما. ذلك أن المنظمات الإنسانية, استنادا إلى قانون حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني والاعتبارات الإنسانية الأولية, قد تذهب إلى أن هناك حدودا لمدى المعاناة التي قد تسببها العقوبات; وأن على الدول, وكذلك مجلس الأمن, أن تراعي مبادئ حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني والاعتبارات الإنسانية الأولية عند وضع نظام للعقوبات ورصده ومراجعته.

على أن الأرجح أن تمارس المنظمات الإنسانية – و لاسيما تلك التي تقدم أو ترغب في تقديم مساعدة لدولة تخضع للعقوبات – قدرا من الحيطة في إصدار بيانات عامة عن العقوبات, كما يتضح من المناقشة أد ناه:

عوامل تؤخذ في الاعتبار عند تقييم نظام للعقوبات

يطرح سؤالان فيما يتعلق بأي نظام للعقوبات, أولهما, وهو سؤال يتصل بالقانون والحقيقة, يتضمن تقدير ما إذا كانت الشروط الواردة في المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة متوفرة, أي ما إذا كان هناك تهديد أو خرق للسلام أو عمل من أعمال العدوان و ما إذا كان الهدف من العقوبات هو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما. أما السؤال الثاني, وهو سؤال يتصل بالسياسة والحكم, فهو ما إذا كانت العقوبات بعامة, أو نظام معين من نظم العقوبات, ” مشروعة ” عندما ينظر إلى آثارها على سكان الدولة المستهدفة من زاوية القانون الدولي والاعتبارات الإنسانية.

هناك كثير من العوامل ذات الأهمية في تقييم نظام للعقوبات, ويمكن تقسيم هذه العوامل إلى شريحتين, تتفقان بصورة عامة مع السؤالين المذكورين أعلاه. وتتكون الشريحة الأولى من ” العوامل السياسية ” المتصلة بالقرار الأصلي لفرض نظام للعقوبات ومدى فعاليته المحتملة. أما الشريحة الثانية فتتكون من ” العوامل الإنسانية ” المتصلة بطبيعة نظام العقوبات, وما يسببه من معاناة وما يقدمه لتوفير الاحتياجات الإنسانية لسكان الدولة المستهدفة.

ويحتاج الأمر إلى النظر في الاعتبارات السياسية التالية:

طبيعة الخطأ الدولي الذي تهدف العقوبات إلى علاجه. وفي هذا الصدد من المهم أن نلاحظ أن تعبير ” التهديد للسلام أو خرقه أو عمل من أعمال العدوان ” , الوارد في المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة, إنما هو تعبير واسع للغاية بحيث يتضمن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان حيثما كانت تشكل تهديدا للسلام. وقد يكون لنظام صارم من العقوبات ما يبرره إذا ما فرضت هذه العقوبات لاحتواء أو تفادي نزاع فعلي أو محتمل عما إذا كانت قد فرضت كرد على انتهاكات لحقوق الإنسان.

الفعالية المحتملة لنظم العقوبات. إن إحدى السبل الأكثر وضوحا للحكم على مدى فعالية العقوبات هو قدرتها على تغيير سلوك الدولة المستهدفة. غير أن هذا ليس هو المقياس الوحيد للفعالية. فقد تكون العقوبات أداة هامة للدبلوماسية الدولية, بحيث تسمح للمجتمع الدولي بأن يظهر عدم موافقته على أنماط مع ينة من السلوك وتصميمه على التصدي لها.

أثر نظام العقوبات على احتمال زعزعة الاستقرار. الهدف المعلن لنظام العقوبات هو, عادة, تغيير سلوك الدولة المستهدفة. على أنه من المهم أن نتذكر انه قد يكون هناك هدف غير معلن أو نتيجة غير مقصودة للعقوبات تتمثل في تغيير التركيب السياسي للدولة المستهدفة. ولذلك يصبح من الضروري أيضا, عند النظر في نظام العقوبات, أن نأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن العقوبات قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي أو إلى التوترات أو العنف.

موقف سكان الدولة المستهدفة. في بعض الحالات يؤدي سكان الدولة المستهدفة فرض العقوبات بصرف النظر عما تسببه من معاناة. وهذه مسألة لابد من أخذها بعين الاعتبار عند تقييم نظام العقوبات.

صياغة قرار العقوبات. يتعين صياغة أي قرار بفرض عقوبات بلغة واضحة, وأن يحدد بعبارة محددة السلوك المتوقع من الدولة المستهدفة بحيث يكون واضحا ما هو التغير في السلوك الذي يؤدي إلى رفع العقوبات. وهذه مسألة هامة لأن العقوبات الممتدة تحمل في طياتها احتمالا قويا بإحداث أضرار طويلة الأجل للمجتمع.

لابد من أخذ الاعتبارات الإنسانية التالية بعين الاعتبار:

درجة المعاناة التي تسببها العقوبات. تتراوح نظم العقوبات بين حظر الأسلحة أو القيود على الروابط الثقافية/ الرياضية / الاجتماعية أو القيود المالية حتى المقاطعة التجارية الكاملة. ويتعين على أي نظام جيد التصميم للعقوبات أن يسعى للتأثير في من يتولون السلطة ( وهم من ثم في وضع يسمح لهم بإحداث التغيير) في الدولة المستهدفة. وليس التأثير في السكان ككل.

وتشعر المنظمات الإنسانية بالقلق البالغ إزاء العقوبات التجارية الشاملة, حيث أنها هي التي تنطوي على أكبر الاحتمالات بإنزال المعاناة بالسكان المدنيين للدولة المستهدفة. وغني عن القول أن أي نظام شامل للعقوبات التجارية سوف يؤثر على وضع السكان المدنيين. ومن الضروري, عند تقييم نظام للعقوبات, أن ينظر إلى درجة المعاناة التي يسببها ومن هو الأكثر تأثرا ( وعلى سبيل المثال, تحديد ما إذا كانت قد بذلت جهود لاستثناء الأقسام الأكثر تضررا, لاسيما الأطفال وكبار السن ). وفضلا عن العوامل المحددة مثل نقص إمدادات الغذاء والإمدادات الطبية والمشكلات في نظام الصحة العامة, فقد يكون من المناسب النظر في تأثير العقوبات عل ى النسيج الاجتماعي وعلى البنية التحتية للمجتمع.

الاستثناءات الإنسانية. لابد لأي نظام للعقوبات أن يتيح فرصة لاستثناءات إنسانية للحد من المعاناة بين صفوف السكان المدنيين. ولابد لنظام الاستثناءات الإنسانية المبينة في قرار العقوبات أن يكون فعالا. وبينما يحتاج التنفيذ السليم لنظام العقوبات إلى رصد السلع المشحونة إلى الدولة المستهدفة, إلا أنه من الضروري التأكد من أن هذا الرصد لا يضر بالإعفاءات الإنسانية. كما ينبغي ألا يحمل أي نظام فعال للاستثناءات الإنسانية بإجراءات معقدة أو طويلة من شأنها أن تزيد من تكلفة المساعدة الإنسانية وتؤخر وصولها.

وفيما يتعلق باللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الإنسانية الأخرى, من الضروري أيضا ألا يضر نظام الاستثناءات الإنسانية باستقلاليتها أو بقدرتها على تقديم المساعدة الإنسانية.

المساعدة الإنسانية. يتعين على نظام العقوبات أن يعترف بقدرة الدول والوكالات الإنسانية على تقديم المساعدة الإنسانية في أوقات النزاع المسلح حيثما يسمح بذلك القانون الدولي الإنساني . وإذا كان هناك احتمال بأن تؤدي العقوبات إلى مصاعب جمة للسكان المدنيين. فلابد لقرار العقوبات أن يتضمن تقديم مساعدة إنسانية كافية لضمان ألا يعرض نظام العقوبات حياة السكان أو صحتهم للخطر.

تصميم العقوبات ورصدها. لابد لوضع السكان المدنيين في الدولة المستهدفة أن يؤخذ بعين الاعتبار عند تصميم أي نظام للعقوبات. ولابد أثناء نظام العقوبات من رصد

الآثار طويلة الأجل وقصيرة الأجل لهذه العقوبات.

إن السبب في فرض العقوبات والفعالية المحتملة لنظام العقوبات عاملان لابد من أخذهما بعين الاعتبار حتى يمكن التوصل إلى وضع ذكي ومستدام فيما يتعلق بالنظام. ومن الضروري, بصفة خاصة, أن يكون ماثلا في الأذهان أن الخيارات المتاحة أمام مجلس الأمن, بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة, عندما يواجه بتهديد للسلام أو خرقه أو عمل من أعمال العدوان إنما هي خيارات محدودة. وإذا ما أراد مجلس الأمن أن يتصدى لتحد للسلم والأمن الدوليين, فإنه قد يستخدم تدابير لا تتضمن استخدام القوة, مثل العقوبات الاقتصادية. على أنه إذا ما أثبتت التدابير التي لا تتضمن استخدام القوة أنها غير كافية لاستعادة السلم والأمن الدوليين, فبوسع مجلس الأمن أن يقوم بعمل عسكري, وقد تكون العقوبات الا قتصادية أفضل من العمل العسكري; غير أن هذا يتوقف على طبيعة العقوبات أو العمل العسكري المتصور. وهذا النمط من التقييم هو, بالطبع, ذو طبيعة عسكرية – سياسية وربما تكون المنظمات الإنسانية راغبة في تفادي التعقيـب علنـا على الموضوع (40).

كذلك يتعين على المنظمات الإنسانية, في تعقيبها على الوضع الإنساني لسكان الدولة الخاضعة للعقوبات, أن تتوخى درجة من الحذر. وعليها أن تقتصر على التعقيب على الأوضاع التي تتوفر لديها عنها معلومات يعتمد عليها ويمكن الدفاع عنها. ولابد لهذه المنظمة أيضا من التفكير فيما قد يحدث من تداعيات لأي تعقيب, ولا سيما التعقيب العلني, تقوم به على أنشطتها لمساعدة سكان الدولة المستهدفة, وعلى علاقاتها, في حالة عقوبات الأمم المتحدة, بلجنة العقوبات التي تتولى إدارة نظام ما للعقوبات. ذلك أنه يتحتم الحفاظ على علاقات طيبة مع الدولة المستهدفة ومع لجنة العقوبات على السواء.

وتحقيقا لذلك, فعلى المنظمة أن تعمل لضمان القيام بأنشطتها بطريقة تتسم بالشفافية الكاملة. ومن وجهة النظر العملية, يكون من المستصوب أن تحيط المنظمات الإنسانية لجنة العقوبات علما بكل أنشطتها في مجال المساعدة وأن تتفادى كل ما قد يوحي بأنها تحاول ” الالتفاف ” على نظام العقوبات. وفيما يتعلق باللجنة الدولية للصليب الأحمر, فإن على الدولة المستهدفة أن تكون مدركة تماما لدور اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمقتضى القانون الدولي الإنساني, وحيادها واستقلالها عن الحكومات وعن الأمم المتحدة,وقدرتها على العمل كوسيط محايد.

أمثلة عن القيود على عقوبات الأمم المتحدة:

ممارسات مجلس الأمن الدولي في العراق ويوغوسلافيا السابقة وهايتي

يتناول هذا القسم ثلاث حالات فرض فيها مجلس الأمن الدولي عقوبات جماعية وهي:

حرب الخليج ويوغوسلافيا السابقة وهايتي. وتوضح الأمثلة أن مجلس الأمن يعتبر بالفعل أن الاستثناءات الإنسانية ينبغي أن يكون لها مكان عند فرض عقوبات جماعية. كما يوضح مثالا العراق ويوغوسلافيا السابقة أهمية التعاون بين لجان العقوبات وال منظمات الإنسانية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر .

العراق – في حالة العراق يستثنى قرار مجلس الأمن رقم 661 (لسنة 1990) ” من نظام العقوبات ” الإمدادات المخصصة للأغراض الطبية فقط, كما يستثنى المواد الغذائية, في ” الظروف الإنسانية ” . وهكذا, فقد استثنت الإمدادات للأغراض الطبية استثناء كاملا, بينما سمح باستيراد المواد الغذائية إذا ما دعت ” الظروف الإنسانية ” لذلك, وبشرط الحصول على ترخيص. وفي القرار رقم 666 (لسنة 1999) وضع مجلس الأمن نظاما يتعين على لجنة العقوبات بمقتضاه أن ترصد الوضع في العراق وفي الكويت المحتلة. وأن تسمح, في حالة الضرورة, بتسليم المواد الغذائية لصالح السكان المدنيين تخفيفا للمعاناة الإنسانية. ودعا القرار الأمين العام للأمم المتحدة إلى تزويد لجنة العقوبات بالمعلومات استنادا إلى ما تتوصل إليه وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى, بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر .

وفي السياق نفسه, اتخذ مجلس الأمن قراره رقم 986 لشهر أبريل / نيسان 1995 والذي يصرح للعراق بتصدير كمية معينة من البترول وأن يبيعها في الأسواق الخارجية, على أن تستخدم عائدات البيع ” للوفاء بالاحتياجات الإنسانية للشعب العراقي ” ( ” النفط مقابل الغذاء ” ). وقد استخدم الجزء الأكبر من الأموال لتمويل استيراد ” الأدوية والإمدادات الصحية والمواد الغذائية والإمدادات اللازمة للاحتياجات المدنية الضرورية ” .

جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية – في القرار رقم 757 (لسنة 1992), قرر مجلس الأمن فرض عقوبات اقتصادية شاملة على جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية, ونص القرار على ألا يشمل حظر المعاملات التجارية والمالية مع جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية ” الإمدادات الموجهة فقط للأغراض الطبية والمواد الغذائية التي تخطر بها ] لجنة العقوبات [ وهذا مثال آخر على المنهج الذي يتبعه مجلس الأمن بالنسبة للاحتياجات الخاصة للسكان المدنيين في بلد يخضع للحظر.

لقد اضطرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قيامها بعمليات الإغاثة, إلى المرور بإجراءات ترخيص معقدة وطويلة, مما أدى في بعض الحالات إلى تأخير تسليم مواد الإغاثة. وفي الفترة التي أعقبت شهر أبريل/نيسان 1993, عندما شدد القرار رقم 870 نظام العقوبات, صادفت اللجنة الدولية بعض الصعوبات في الحصول على شهادات بعدم الممانعة, ولا سيما بالنسبة لمواد مثل الوقود ومواد البناء وأنابيب المياه ( رغم أنه لم يحدث مطلقا أن رفض طلب اللجنة الدولية للصليب الأحمر).

ومع مرور الوقت أمكن إقامة علاقة عمل جيدة بين اللجنة الدولية للصليب الأحمر ولجنة العقوبات, وفي 7 فبراير / شباط 1995, منحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر استثناء شاملا لكل المواد التي تستخدمها في برامجها الإنسانية.

هايتي – في سنة 1993, ومن خلال القرارين 841 و 873 فرض مجلس الأمن على هايتي حظرا محدودا ( يشمل الأسلحة والبترول وتجميد الأرصدة الأجنبية). وفي القرار رقم 917 (لسنة 1994), وسع نطاق الحظر ليشمل كل السلع والمنتجات باستثناء ” الإمدادات الموجهة فقط للأغراض الطبية والمواد الغذائية ” و ” غيرها من السلع والمنتجات اللازمة للاحتياجات الإنسانية الضرورية ” التي توافق عليها لجنة العقوبات بمقتضى إجراء عدم الممانعة الذي أنشئ عقب القرار رقم 841.

المؤتمر الدولي السادس والعشرون للصليب الأحمر والهلال الأحمر

في المؤتمر الدولي السادس والعشرون للصليب الأحمر والهلال الأحمر ( جنيف 1995), الذي حضرته 138 دولة و 165 جمعية وطنية واللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر, اعتمد بتوافق الآراء قرار يتناول العقوبات, وهذا القرار الموجه إلى الدول والي الحركة قرار مهم, حيث يوضح أن الدول تدرك الحاجة إلى اخذ التبعات الإنسانية بعين الاعتبار عند فرض العقوبات (41).

التعقيبات العامة رقم 8 ورقم 12 الصادرة عن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

(4 ديسمبر/ كانون الأول 1997 و 5 مايو/أيار 1999)

في تعقيبها العام رقم 8, بشأن العلاقة بين العقوبات الاقتصادية واحترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, ركزت اللجنة على حقيقة أن الدول والمنظمات التي تطبق عقوبات اقتصادية ينبغي دائما أن تأخذ في كامل اعتبارها أحكام العهد الدولي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . وأكدت اللجنة ضرورة تركيز الانتباه على أثر العقوبات على المجموعات المتضررة وأن حماية حقوق الإنسان ينبغي أن تكون جزءا لا يتجزأ من تصميم ورصد كل نظم العقوبات.

وفي تعقيبها العام رقم 12 بشأن الحق في الغذاء الكافي, أوردت اللجنة الخطوط العريضة للمحتوى المعياري للمادة 11 من العهد وقالت:

” على الدول الأطراف أن تمتنع في كل الأوقات عن فرض حظر على الغذاء أو التدابير المماثلة التي تعرض للخطر ظروف إنتاج الغذاء والحصول عليه من بلدان أخرى. فلا ينبغي مطلقا استخدام الغذاء كأداة للضغط السياسي أو الاقتصادي. “

بيان من اللجنة الدائمة فيما بين الوكالات إلى مجلس الأمن بشأن الآثار الإنسانية للعقوبات

(29 ديسمبر/ كانون الأول 1997)

تضم اللجنة الدائمة فيما بين الوكالات المعنية بالآثار الإنسانية للعقوبات, والمشكلة بناء على قرار الجمعية العامة رقم 46/182 الصادر في 19 ديسمبر/ كانون الأول 1991, منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية النشطة في مجال عمليات المساعدة الإنسانية. وقد أكدت اللجنة, في بيانها بتاريخ 29 ديسمبر/ كانون الأول 1997, الحاجة إلى أخذ قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بعين الاعتبار عند تصميم نظم العقوبات, كما أكدت مجددا وجهة نظرها بأن العقوبات ينبغي ألا تعوق عمل المنظمات الإنسانية التي تقدم مساعدة إنسانية للسكان المدنيين في الدولة المستهدفة.

مذكرة من رئيس مجلس الأمن

عمل لجنة العقوبات (29 يناير/كانون الثاني 1999)

في مذكرته بتاريخ 29 يناير / كانون الثاني 1999 بشأن عمل لجنة العقوبات, وضع رئيس مجلس الأمن مقترحات عملية لتحسين عمل لجنة العقوبات. وطبقا لهذه المقترحات, التي وافق عليها كل أعضاء مجلس الأمن, يتعين على لجنة العقوبات:

* أن تضع الترتيبات المناسبة لتحسين رصد نظم العقوبات وتقييم آثارها الإنسانية على سكان الدولة المستهدفة وكذلك آثارها الاقتصادية على الدول المجاورة وغيرها من الدول;

* أن تعقد اجتماعات دورية للمناقشات حول الأثر الإنساني والاقتصادي للعقوبات;

* أن ترصد, طول فترة قيام نظام العقوبات, الأثر الإنساني للعقوبات على المجموعات المتضررة, بما في ذلك الأطفال, وأن تدخل التعديلات المطلوبة على آليات الاستثناء تسهيلا لتقديم المساعدة الإنسانية;

* أن تسعى للاستفادة من خبرة الدول الأعضاء ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية وجميع المنظمات الإنسانية وغيرها من المنظمات ذات الصلة, ومن مساعدتها العملية.

وكانت هناك اقتراحات أخرى هي:

* على وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية وغيرها من المنظمات ذات الصلة أن تتبع إجراءات خاصة ومبسطة في طلبها إستثناءات إنسانية;

* يتعين النظر في الأسلوب الذي يمكن للمنظمات الإنسانية أن تتبعه لتقديم طلبات الاستثناء إلى لجنة العقوبات مباشرة;

* يتعين استثناء السلع الضرورية, مثل المواد الغذائية والأدوية والإمدادات الطبية والمعدات الطبية والزراعية الأساسية والمواد التعليمية الأساسية أو القياسية, من نظم عقوبات الأمم المتحدة.

خاتمــة

وفي الختام, يبدو اللجوء إلى العقوبات الاقتصادية الآن, جزءا مقررا من رد المجتمع الدولي على الأوضاع التي تنطوي على عنف أو خطر العنف. ومثل هذه العقوبات قانونية من وجهة نظر القانون الدولي, بشرط أن تلتزم بالقواعد القابلة للتطبيق من حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني . وهذا يعني أن نظم العقوبات ينبغي أن تصاغ بطريقة لا تمثل خطرا على حياة سكان الدول ة المستهدفة أو صحتهم. ولابد لهذه العقوبات أن تتضمن إستثناءات إنسانية للحد من معاناة السكان المدنيين وان تلتزم بحقوق الإنسان وبالقانون الدولي الإنساني. وعلاوة على ذلك, يتعين رصد نظم العقوبات, طوال فترة استمرارها, للتأكد من أنها لا تسبب معاناة لا لزوم لها لسكان الدولة المعنية وأن تسمح بآليات الاستثناء بتقديم المساعدة الإنسانية