التحكيم ماهيته و أنواعه بحث قانوني شامل

Arbitration  comprehensive legal research

اعادة نشر بواسطة محاماة نت 

المقـدمـة

لما يشهده العالم من تغييرات وتطورات تناولت جميع مناحي الحياة التشريعية و عملية التقاضي و الدفاع عن الحقوق كغيرها من مناحي وأساسيات الحياة في شتى مناحيها لم تسلم من رياح التغيير ولم تبق بعيداً عن ذلك , ومما أصاب التشريعات القانونية إجراء تعديلات عليها لتضمن الحقوق والحريات , لتتناسب مع تطورات الحياة التي جعلت العالم كقرية صغيرة تعقدت معه العلاقات وأصبحت أكثر تشابكاً , لا بل وظهرت علاقات قانونية ومراكز قانونية جديدة , فكان لا بد من أن تتطور مع ذلك كله التشريعات التي تعتبر الخادم الأول لهذه العلاقات وتديرها وتنظمها قدر الإمكان , وكنتيجة طبيعية لهذه التطورات تزايد الضغط وكثرة القضايا المنظورة لدى القضاء مما زاد معه العبء الملقى على القاضي نظراً لكثرة الدعاوى التي ينظرها كان لا بد من استحداث طرق جديدة ومبتكرة بحيث لا تؤثر على الحقوق بل تخدم المصالح والحقوق .
ومن هذه الطرق ما سمي بالحلول البديلة لتسوية النزاعات المدنية , والتي معها أتيح للمتنازعين اللجوء إلى طرق أخرى غير القضاء العادي لدى المحاكم تخدم مصالحهم وتحافظ عليها وتصون حقوقهم , والتحكيم هو أحد هذه الحلول .
وقد أثبت التحكيم من خلال الحياة العملية أنه طريقة فعالة ومنتجة في الفصل في النزاعات بين الأطراف , وبطرق أقرب ما تكون إلى الصلح والتراضي وضمن أجواء مريحة للأطراف على عكس إجراءات التقاضي العادي لدى محاكم الدولة التتي تتسم بالجمود .
ولأهمية التحكيم فإنني سوف أتناول في هذا البحث التعريف بالتحكيم وبيان أنواعه ضمن التقسيم الآتي :-
المبحث الأول :- ماهية التحكيم .
الفصل الأول :- تعريف التحكيم .
الفصل الثاني :-الطبيعة القانونية للتحكيم .
الفصل الثالث :- أسباب اللجوء للتحكيم .
الفصل الرابع :- عيوب التحكيم .
الفصل الخامس :- النشأة التاريخية للتحكيم .
المبحث الثاني :- أنواع التحكيم .

المبحث الأول
ماهية التحكيم

الفصل الأول :- تعريف التحكيم :-

يقصد بالتحكيم هو إختيار المتنازعين لقاضيهم , أو التفويض بالحكم , بمعنى آخر هو نزول أطراف النزاع عن اللجوء إلى القضاء و إلتزامهم بعرض النزاع على شخص أو أكثر يطلق عليه المحكم أو المحكمين , وكذلك حسم النزاع بإصدار قرار نهائي وملزم .(1)

فالتحكيم هو نظام العدالة الخاص , وبفضله يأخذ إختصاص حل النزاعات من قضاء الدولة و يوكل إلى أشخاص معروفين بحيادهم واستقلالهم ونزاهتهم . إلا أن التحكيم كنظام قانوني ليس بعيداً عن سلطة القضاء , فالقيمة الحقيقية لهذا النظام تستند على الدور الذي تؤديه هذه السلطة والذي يتبلور في دعامتين هما : المساعدة والرقابة .(2)

وبذلك نجد أن التحكيم قضاء , ولكنه قضاء خاص , لنوع خاص من المنازعات كونته الإرادة المشتركة لأطراف الخلاف , ولكنه قضاء يعمل في مناخ تتبدد منه بعض حرارة و حدة الخصومة التي نراها أمام القضاء . يبحث هذا القضاء ( التحكيم ) في إعطاء كل ذي حق حقه بجانب إيجاد حل قانوني ويراعي كثيراً حسن النية في الخلاف الذي ينظر فيه ويبحث عن الوصول إلى وضع مقبول من الطرفين . فإن ضغط الخصومة في التحكيم أقل حدة ويعمل في مناخ تغلب فيه أجواء الصلح على أجواء الخصومة .(3)

1. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008-ص24
2. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008-ص24
3. د.المحامي عبد الحميد الأحدب- التحكيم أحكامه ومصادره – الجزء الأول –ص19
كما عرفـت المادة (1790) من مجلة الأحكام العدلية: “التحكيم عبارة عن اتخاذ الخصمين حكماً برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما” .(1)

تأسيساً على ما سبق يمكننا تعريف التحكيم بأنه “إتفاق بين طرفين أو أكثر على حسم نزاعهم الناشىء أو الذي سوف ينشأ بواسطة شخص أو أكثر يختارونهم بأنفسهم , وذلك فإقامة محكمة خاصة دون اللجوء إلى القضاء التقليدي في الدولة , ويحددون موضوع النزاع ويفصلونه ” .

الفصل الثاني :- الطبيعة القانونية للتحكيم (2) :-

تباينت الآراء الفقهية بشأن الطبيعة القانونية للتحكيم , وذلك لأن التحكيم عملية تبدأ من تاريخ الإتفاق عليه وتنتهي بصدور الحكم وطلب تنفيذه , فالنظرية التعاقدية أو الإتفاقية ترى في عملية التحكيم أنها عقد من بدايتها إلى نهايتها . أما النظرية القضائية ترى أن عملية التحكيم هي عمل قضائي صرف . وظهر رأي حديث يرى أن عملية التحكيم تتصف بطبيعة مختلطة أو مركبة أو هجينة , حيث يرى أصحاب هذا الرأي أن عملية التحكيم تبدأ بالإتفاق عليه وتنتهي بصدور الحكم وهو الرأي السائد , فإذا كان واضحاً أن إستقلال إرادة الفرقاء يتأكد بوجه خاص من الإعتراف بالبند التحكيمي الذي هو أساس العنصر الإتفاقي , فإن العنصر القضائي يظهر بوضوح في التأكيد على الحجية العائدة للقرار التحكيمي , على غرار الحكم القضائي العادي , فاختلاط هذين العنصرين الإتفاقي والقضائي يمنحان الطبيعة المختلطة أو المركبة للتحكيم .

وخلاصة ما تقدم أن التحكيم هو قضاء خاص إتفاقي يستمد قوته من إرادة الأطراف , يقوم على مبدأ سلطان الإرادة . فهو يقوم على ثلاثة عناصر وهي : نزاع قائم , محكم مزود بسلطة الحسم وأتفاق بين المتنازعين على اللجوء للتحكيم .

1. علي حيدر-درر الأحكام-شرح مجلة الأحكام-ج16-ص523
2. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008-ص33 و ص34
ويجدر هنا ذكر أنه ليس جميع المنازعات يمكن التحكيم بها بدون قيد أو شرط (1)، بل إن هناك منازعات لايجوز أن تكون محلاً للاتفاق على التحكيم بشأنها، وتختلف الشرائع في تحديد ما يجوز التحكيم به. حيث تناولت المادة 9 من قانون التحكيم الأردني ذلك من خلال النص “لا يجوز الإتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الإعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه، ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح, إذ أجازت المادة اللجوء إلى التحكيم في المسائل التي يجوز فيها الصلح. وحيث إن الاتفاق على التحكيم لا يسلب القضاء اختصاصه للبت في النزاع إلا إذا تقدم أحد الخصوم بطلب لوقف الإجراءات قبل الدخول في أساس الدعوى إعمالاً لأحكام المادة 109/ب نص المادة: 109 من قانون أصول المحاكمات المدنية والمادة: 25 من قانون التحكيم الأردني. والمسائل التي لا يجوز فيها الصلح هي:
أ) المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية البحتة كالنسب والزواج والطلاق وإثبات الوراثة والخلع، والحكمة من ذلك بتعلق هذه المسائل بالنظام العام أي لا يجوز التحكيم فيها وكل اتفاق يخالف ذلك يُعدُّ باطلاً بشكل مطلق.
‌ب) المسائـل المتعلقة بالجنسيـة من حيث اكتسابها أو إسقاطها، فهي مظهر من مظاهر سيادة الدولة ولا يجوز التحكيم فيها.
‌ج) المسائل الجنائية: لا يجوز أن تكون مسائل التجريم والعقاب محلاً للاتفاق على التحكيم سواء أكان الأمر متعلق بجناية أم جنحة أم مخالفة والحكمة من ذلك أن هذا الأمر منوط بالمشرع ذاته ولا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بأمور محظورة قانوناً لتعارضها مع الأدب مثل المعاشرة غير المشروعة وممارسة الدعارة .

يتضح مما تقدم أنها لا تتعلق بالأمور المادية وإنما لتعلقها بالنظام العام، وإذا صدر حكم من هيئة التحكيم في مثل هذا النزاع كان الحكم باطلاً تجسيداً للقاعدة القانونية: “ما بني على باطل فهو باطل”, وهذا ما نصت عليه المادة: (231) من القانون المدني الأردني: “إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه.
1. عمر الطعين – التحكيم في القضايا العمالية ص 190-191( المنارة , المجلد 15 العدد2 2009)
الفصل الثالث :- أسباب اللجوء إلى التحكيم ( مزايا التحكيم ) :-

أولاً :- يتسم التحكيم بالحسم السريع للمنازعات الداخلية والدولية , مما أدى بالمتنازعين تفادي عرض منازعاتهم على القضاء لما يتسم به من بطء وتعدد الدرجات وإمكانية الطعن في حين أن التحكيم على درجة واحدة و إجراءاته تتسم بالمرونة بسبب مواكبته للتطورات (1) .

فالتحكيم ييحسم النزاع بسرعة أكثر وبتكاليف أقل , ووفقاً لإجراءات أقل صلابة , ومن أشخاص يعرفهم أو يعرف بعضهم أطراف النزاع , وهم أشخاص يتمتعون بمعارف تقنية ليس من الأكيد توافرها لدى القضاة (2) .

ثانياً :- يحقق التحكيم سرية للمتنازعين من تجار ورجال أعمال ومستثمرين , بحيث لا يطلع على نزاعهم سوى المحكمون المختارون والمحامون المدافعون وهؤلاء ملتزمون بالمحافظة على سر المهنة , هذا بخلاف ما يحصل أمام القضاء العادي حيث تكون الإجراءات والجلسات علانية , مما يتعذر معه إخفاء نوع المعاملة وحجم النزاع ومقدار المال المتعلقة بالنزاع وكثيراً ما يكون في ذلك ضرراً على المتنازعين أو أحدهم (3) .

1. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008 ص39-ص40
2. د.المحامي عبد الحميد الأحدب- التحكيم أحكامه ومصادره – الجزء الأول –ص19
3. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008 ص 40

وتجدر الإشارة هنا إلى أمرين (1) :-
أولاهما :- أن التجار وأصحاب العمل عمـوماً يفضلون، في بعض الأحيان، سرية الإجراءات على علنيتها وذلك حفاظاً، ما أمكن، على سريـة طبيعة العمل والصفقات التجارية التي يبرمونها وتفصيلاتها المختلفة، وأسماء الأشخاص الذين يتعاملون معهم. بل إن بعض هذه الصفقات قد تتطلب السرية التامة بحكم طبيعتها، أو بحكم انتماء أحد الأشخاص لجنسية دولة تحظر دخوله في هكذا صفقات. فإذا نشب نزاع بين طرفي العقد، فإنهما يفضلان تسويته بالطرق الودية، أو بأحسن الظروف، عن طريق التحكيم

ثانيهما: أنّ السرية في كثيـر من الأحيان ما تنقلب إلى علنية، وخاصة عند تنفيذ قرار التحكيم. فالنتيجة الطبيعية لكل دعوى، سواء أكانـت قضائيـة أم تحكيميـة، أن يكسب أحـد طرفي الدعوى، ولو جزئيا، القضية في حين يخسرها الآخـر ولو جزئيا. لذلك، فإن أحـد الطرفين قد يرفض تنفيذ القـرار وديا، مما قد يضطر الآخر للجوء إلى القضاء الوطني لتنفيذه جبراً. وعندئذ سيعرض القرار التحكيمـي، وأسماء الأطراف، وممثليهم وكل ما يتعلق بالقضية، على القضاء لاتخاذ الحكم المناسب بشأن القرار التحكيمي من حيث تنفيـذه أو عدم تنفيذه ولو جزئيا. ويترتب على ذلك، أن السرية التي حافظ عليها الأطراف وهيئـة التحكيم إلى حين صدور القرار، انقلبت إلى علنية من حيث النتيجة عند عرض الأمر على القضاء .
ثالثاً :- من دوافع اللجوء إلى التحكيم أن الأطراف يبحثون أحياناً عن تطبيق ليس للنصوص وحدها , بل لروح القانون بنوع خاص , فنجد أن ذلك غير موجود في عالم القضاء العادي ولا سيما وأنه مجرد تطبيق للنصوص (2) .

1. عمر الطعين – التحكيم في القضايا العمالية ص 188 ( المنارة , المجلد 15 العدد2 2009)
2. د.المحامي عبد الحميد الأحدب- التحكيم أحكامه ومصادره – الجزء الأول –ص20

ولذلك نرى أن المحكم يتمتع بحرية أكثر من القاضي لا سيما في تحديد القانون الذي يطبق على موضوع النزاع ولا يتقيد إلا بالضمانات الأساسية للتقاضي والقواعد الآمرة في الدولة التي يجري فيها التحكيم , وفي هذا الصدد فقد قال الفيلسوف الغريقي أرسطو يماً ما ” إن أطراف النزاع يفضلون التحكيم عن القضاء لأن المحكم يرى العدالة بينما لا يعتد القاضي إلا بالتشريع ” (1) .
رابعاً :- يقترب التحكيم كثيراً من الصلح وليس طريقاً هجومياً , وهو أقرب إلى التفاهم بين المتنازعين وغالباً ما تستمر العلاقات بين المتنازعين على الأساس الذي قرره التحكيم , بينما الملاحظ من المنازعات المعروضة على القضاء العادي قد يستعمل فيها كل من الطرفين أساليب الكيد للطرف الآخر وتنتهي المسألة إلى حد اللاعودة للعلاقات التجارية بينهم ولذلك قيل سابقاً ” إحتكم ولا تتقاض “(2) . ففي الغالب يبحث أطراف النزاع على حل له في أجواء قريبة من الصلح ويكون مقبولاً من الطرفين (3) .
كما تُعدُّ طريقة اختيار هيئة التحكيم، ودور أطراف النزاع في ذلك من مميزات التحكيم التي تمنحهم الراحة النفسية . فالأطراف أو ممثلوهم تكون لهم الفرصة الأولى والكبرى في اختيار المحكمين سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة. فإذا كانت هيئة التحكيم مكونة من أكثر من محكم، وهم عادة ثلاثة محكمين، يتولى طالب التحكيم (المدعي) تعيين محكمه أو ترشيح هذا المحكم للتعيين، في حين يقوم بالشيء ذاته المطلوب التحكيم ضده (المدعى عليه). بالنسبة للمحكم الثاني. أما المحكم الثالث الذي يتولى رئاسة هيئة التحكيم، فإما إن تعطى الفرصة لتعيينه لطرفي النزاع، أو للمحكمين اللذين اختارهما الطرفان عنهما وذلك حسب قواعد التحكيم المطبقـة على النزاع. ومثل هذا الأمر يعطي

1. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008 ص 40-ص 41
2. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008 ص 41
3. د.المحامي عبد الحميد الأحدب- التحكيم أحكامه ومصادره – الجزء الأول –ص20

الأطراف نوعا من الأمان والراحة النفسية، حيث يساهم الشخص في اختيار قاضيه الذي سينظر النزاع، بل يساهم ولو بطريقة غير مباشرة في اختيار المحكم الثالث. وهذا بخلاف اللجوء للقضاء الوطني، حيـث نجد أن المحكمة مكونـة من قضاة رسميين في الدولة، لا دور للأطراف في تعيينهم أو تعيين أي منهم، وفي كثير من الأحيان، تكون الأطراف أو بعضهم غرباء عن ذلك النظام القضائي الوطني(1) .
خامساً :- يأخذ التحكيم أحياناً مفهوماً يتعلق بحقوق الإنسان وحريته , حتى أن بعض الدساتير نصت على حرية اللجوء إلى التحكيم , وذلك للبعد عن القيود التي يضعها مشرعوا القوانين , فالتحكيم هو تعبير عن روح العدالة وتغليب المصالحة على روح النزاع (2) .
سادساً :- يعالج التحكيم الحالات الجديدة من التنازع تتميز عن الخلافات التقليدية التي تنشأ عن علاقات التجارة الدولية بخاصيتين . أولاهما :- أن الخلاف ينشأ بين شخص أجنبي , هو في الغالب شركة ذات وزن إقتصادي كبير , ودولة ذات سيادة أو مصلحة حكومية تابعة لها . وثانيتهما :- تعلق النزاع بعملية إقتصادية طويلة الأمد يقوم بها الشخص الاجنبي داخل إقليم الدولة , أو يلتزم بالقيام بها عن طريق عقود يبرمها مع الدولة أو المؤسسة العمومية التابعة لها.
فهذه الفئات الجديدة من النزاعات تثير عدة تساؤلات تهم التكييف القانوني للعلاقات وخاصة التعاقدية منها , بالإضافة إلى أن هذه النزاعات يجب أن تسوى بطرق ترضي الطرفين , باعتبار أن وسائل التسوية التقليدية سواء الداخلية أو الدولية لا تعطي حلاً يرضي كلا الطرفين (3) .

1. عمر الطعين – التحكيم في القضايا العمالية ص 188 ( المنارة , المجلد 15 العدد2 2009)
2. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008 ص 41
3. د.المحامي عبد الحميد الأحدب- التحكيم أحكامه ومصادره – الجزء الأول –ص20
الفصل الرابع :- عيوب التحكيم :-

تقابل محاسن التحكيم أو ميزاته المشار إليها عيوب عدة لا يمكن التجاوز عنها، بحيث يمكن القول إن التحكيم، كأي نظام قانوني آخر، ليس كله محاسـن ولا كله عيوب ومن عيوب التحكيم مايلي :-

أولاً :- من حيث السرعة :-

في ظل التطور التجاري الغير معروف مسبقاً وتنوع العلاقات التجارية وتشابكها , نتيجة ثورة التكنولوجيا الحديثة والعولمة وغيرها من الظواهر التي إكتسحت العالم , لم يعد التحكيم بديلاً مغرياً عن القضاء العادي حيث بات مقروناً ببطء القضاء و ارتفعت تكاليفه , حيث بدأ التجار والشركات ورجال الأعمال يشككون بأن القضاء والتحكيم هما الوسيلتين الوحيدتين التي تضمن حقوقهم في الوقت المناسب , وذلك لأن التجارب العملية أثبتت إنتشار قرارات تأجيل قضايا التحكيم مما يطيل أمد الفصل في النزاع الذي قد يصل إلى عدة سنوات , رغم أن مراكز التحكيم الدولي تنص على تحديد مدة قصير يجب خلالها حسم النزاع (1) .

ثانياً :- من حيث الكلفة :-
فمن الانتقادات التي يمكن أن توجه للتحكيـم، كثرة مصاريفه بالمقارنـة مع القضاء، وخاصة عندما يكون التحكيم دوليا. ففي هذه الحالة، قد يكون كل من أعضاء هيئة التحكيم (الثلاثة مثلا) وأطراف النزاع والمحامين من جنسيات مختلفة، أو مقيمين في دول مختلفة، مما يعني زيادة مصاريف التحكيم بالنسبة لتنقلاتهم واجتماعاتهم في مكان معين. هذا بالإضافة لأتعاب المحكمين والمصاريف الإدارية الخاصة بالمركز الذي ينظم التحكيم؛ حيث يكون التحكيم مؤسسيا. وعلى

1. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008 ص 44

الأغلب، فأن هذه الأتعاب والمصاريف تتناسب طرديا مع قيمة النزاع، بحيث يزداد مقدارها كلما زادت هذه القيمة(1).
فالتحكيم يكلف المتنازعين أكثر من القضاء الرسمي , حيث أن الدولة هي من تدفع رواتب القضاة ولا يدفع من يرفع الدعوى سوى الرسوم المقررة , بينما في التحكيم يدفع الخصوم أتعاب المحكمين ومصاريف انتقالهم وإقامتهمبالإضافة إلى الرسوم المطلوبة لمراكز التحكيم وغيرها من المصاريف (2) .
ثالثاً :- من حيث السرية :-
تعتبر السرية التي يتميز بها التحكيم عن القضاء الرسمي من أهم الأسباب التي تدفع الأطراف إلى التوجه إليه وقد تم الحديث عن هذه الميزة مسبقاً وحرصاً على عدم التكرار فإنني سأتطرق إلى الإنتهاكات التي شابت هذه الميزة (السرية) .
لقد تعرضت سرية التحكيم مؤخراً لبعض الإنتهاكات , فالقوانين الحديثة في التحكيم التجاري الدولي لم تعد تعير اهتماماً لمبدأ السرية لا سيما القانون الصادر عام 1985 للأمم المتحدة والمعروف بالUncitral فإن هذا القانون لم يأخذ أي موقف حول مبدأ سرية أو عدم سرية عملية التحكيم على عكس قانون 1976 للأمم المتحدة والذي اعتبر مبدأ السرية مبدأ عام ونص على ذلك صراحةً علماً أن قانون 1985 أخذت به العشرات من الدول في تنظيم أحكامها المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي , وكذلك الحال في القانون الإنجليزي لعام 1996 الذي لم يتعرض لمبدأ سرية التحكيم ولم يعرعه اهتماماً (3) .
ونتيجة لما شاب التحكيم من عيوب سبقذكرها كثرت الإنتقادات بشأنه مما دفع أح الفقهاء إلى القول “إن التحكيم ليس أكثر ولا أقل من التقاضي في القطاع الخاص ” .

1. عمر الطعين – التحكيم في القضايا العمالية ص189 ( المنارة , المجلد 15 العدد2 2009)
2. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008 ص 45
3. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008 ص 45-46-47

الفصل الخامس : – النشأة التاريخية للتحكيم وتطوره:-

عرفت الشعوب القديمة التحكيم كوسيلة فعالة لحسم خلافاتهم , والحقائق التاريخية تؤكد ظهور التحكيم قبل ظهور القضاء , وذلك لأن ظهور القضاء ارتبط بظهور المجتمعات المنظمة أو شبه المنظمة بشكلها الحديث أي الدولة (1) .
وعرف نظام التحكيم منذ أن وجد الإنسان على وجه الأرض ولعل النزاع الذي حصل بين هابيل وقابيل على أيهما أحق بالزواج من شقيقتهما هو الصورة البدائية لنظام التحكيم , وقد عرف التحكيم لدى قدماء الإغريق على شكل مجلس دائم لحسم الخلافات , وكذلك الروم فقد عرفوا التحكيم حيث استقر في أذهان الناس حتى أصبح عادة أصيلة في نفوسهم , وفي القرون الوسطى كانت الدولة الأوروبية المسيحية تحتكم إلى البابا في حسم منازعاتها, وعند قدماء المصريين و الفراعنة فقد كان الملك هو الحكم الذي يحسم المنازعات بحكم نهائي لا يقبل الطعن فيه. كما كان التحكيم شائعاً عند عرب الجاهلية وقبل مجيء الإسلام, والمحكم هو صاحب الرأي فيما ينشأ بين المتنازعين من نزاع , ويتولى شيخ القبيلة عادةص مهمة حسم المنازعات التي كانت تحدث ضمن القبيلة , ويدعوا المتنازعين للإشتراك في حل الخلاف والوصول إلى نتيجة ترضي الأطراف , وكان الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم هو أول المحكمين . كما عرفت الشريعة الإسلامية السمحاء التحكيم , واستمدت مشروعيته من القرآن الكريم فالآية الكريمة التي كرست مبدأ التحكيم بالعدل خير دليلاً على ذلك في قوله تعالى “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل” (2).

1. حفيظة السيد حداد – الموجز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي ,2004 ص 9
2. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008 ص 35
وقد تطور التحكيم في الوقت الراهن ليصبح وسيلة بديلة لحسم النزاع إذا إختار الطرفان نزع إختصاص المحاكم القضائية و إيلاء التحكيم سلطة البت بالنزاع , وقد وصل لمرحلة يكاد معها أن يصبح الوسيلة الأساسية لحسم منازعات التجارة الدولية(1) .
· نظام التحكيم في المملكة الأردنية الهاشمية :-
– تتميز الأردن عن كثير من الدول العربية بأنها أوردت الأحكام القانونية للتحكيم في قانون خاص بالتحكيم , وليست واردة في فصل من فصول قانون أصول المحاكمات المدنية حيث أن قانون التحكيم الإنجليزي له أثر كبير فيهعلى خلاف باقي الدول العربية التي تأثرت بالنظام الفرنسي .
ففي سنة 1953 صدر قانون التحكيم الأردني وألغى قانون التحكيم الذي كان سائداً , والصادر سنة 1933 والمعدل سنة 1946 , كما ألغى أصول التحكيم الصادرة سنة 1935 , ثم أدخل على قانون 1953 تعديلاً بعد تسعة أشهر من صدوره , كما عدل مرة ثانية سنة1962 (2) وقد ألغي قانون 1935 بموجب قانون التحكيم رقم 31 لسنة 2001 الساري المفعول في الوقت الراهن والمنشور على الجريدة الرسمية على الصفحة رقم2821 بتاريخ 16/7/2001 والمعمول به منذ تاريخ 16/8/2001 (3) .

1. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008 ص 36-37
2. د.المحامي عبد الحميد الأحدب- التحكيم في البلاد العربية – الجزء الثاني –ص5
3. الموقع الإلكتروني الخاص بالتشريعات الأردنيةwww.lob.gov.jo
المبحث الثاني
أنواع التحكيم
أولاً :- من حيث طبيعة التحكيم :-

ينقسم التحكيم من حيث طبيعته إلى تحكيم داخلي (وطني) وتحكيم دولي , حيث يُعرِّف الفقه التحكيم المحلي أو التحكيم الداخلي بأنه ذلك التحكيم الذي يتعلق بنزاع وطني في جميع عناصره ، أو أن يصدر الحكم فيه وفقاً لإجراءات وتشريع وطني ، وبمعنى أدق يكون التحكيم محلياً إذا اتصلت جميع عناصره بدولة معينة دون غيرها (1) .
أما التحكيم فيوصف بأنه دولي لمجرد تعلق الرابطة القانونية محل النزاع بالتجارة الدولية وهذا المعيار أخذت به الإتفاقية الأوروبية الخاصة بالتحكيم الدولي لعام 1961 في المادة الأولى منه , وكذلك إتفاقية واشنطن لعام 1965 والمتعلقة بتسوية النزاعات الخاصة بالإستثمارات ذات الطبيعة الدولية (2) .
ومن أهم الإجابات التي تجيب على التساؤل ” متى يعتبر عقد التجارة دولياً ” هي تلك التي جاءت بها محكمة النقض الفرنسية سنة 1934 بقولها ” حين يتجاوز الإطار الإقتصادي الداخلي ”
وكذلك قولها ” أن العقد يصبح دولياً حين يتضمن إنتقالاً للأموال والسلع عبر الحدود الجغرافية للدول , وكذلك ما جاء به الفقه بقوله ” في كل مرة تتجاوز فيها العملية التجارية الإطار الداخلي لدولة واحدة تصبح التجارة دولية”(3) .
ولعل أفضل تعريف هو ذلك الذي يعتبر التحكيم دولياً بمجرد توفر نقاط إتصال ذات معنى في العقد , أو علاقات واقعية تفرض على المحكمة القبول بها , ويكون من شأن هذه العلاقاتوهذه
النقاط إستبعاد تطبيق القانون الداخلي وحده على الأقل على الأراضي التي يجري عليها التحكيم ,

1. مقالة منشورة على موقع جوريسبيديا الإلكتروني – بدون إسم .
2. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008 ص 27-28
3. د.المحامي عبد الحميد الأحدب- التحكيم أحكامه ومصادره – الجزء الأول –ص46

ومن هنا فإن التحكيم التجاري يصبح دولياً من اللحظة التي لا يمكن أن تربط المنازعة فيه أو التحكيم نفسه بدولة معينة (1) .
أهمية التفرقة بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي أن الإتجاه العام في الفقه والاجتهاد أخذ يجيز في التحكيم الدولي أموراً لا يجيزها في التحكيم الداخلي ومنها(2) :-
أولاً :- أنه أخذ يجيز لمصالح حكومية تابعة للدولة أن تدخل في تحكيم دولي , في حين أن ذلك محظور عليها في التحكيم الداخلي وبالتالي فإن الشرط التحكيمي إذا كان باطلاً في التحكيم الداخلي فإنه يصبح مشروعاً في التحكيم الدولي .
ثانياً :- أنه يجيز للمصالح الحكومية عقد مصالحات في التجارة الدولية ( لضرورات التجارة الدولية) في حين أنه لا يجيز ذلك في التجارة الداخلية .
ثالثاً :- إن إستقلالية الشرط التحكيمي عن العقد مقبولة ومتوافق عليها في التحكيم الدولي بينما هي ما تزال موضع نقاش في التحكيم الداخلي .
رابعاً :- بل أن الإجتهاد والفقه ذهبا أحياناً إلى قبول التحكيم في مواضيع متصلة بالنظام العام ولكن لها طابع دولي . ومن هنا اعتبر الفقه أن هناك نظاماً عاماً دولياً ونظاماً عاماً داخلياً وأن النظام العام الدولي أوسع نطاقا من النظام العام الداخلي .
ويعتبر الأردن من بين الدول العربية الست الأولى التي وضعت معاهدة تنفيذ الأحكام بين البلاد العربية في نطاق ميثاق جامعة الدول العربية سنة 1952 والتي ألغيت بموجب إتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي والتي انضم الأردن إليها أيضاً . وقد صادق الأردن أيضاً على معاهدة نيويورك سنة 1979 , كما نشط الأردن على صعيد التحكيم النظامي الدولي وفي هيئاته التحكيمية الدائمة, مثل غرفة التجارة الدولية ومجالس التحكيم التابعة لغرفة التجارة المختلطة الأوروبية العربية , , كما صادق في 12/11/1972 على إتفاقية
البنك الدولي للإنشاء والتعمير I.B.R.D بإنشاء المركز الدولي لتسوية الخلافات المتعلقة
1. د.المحامي عبد الحميد الأحدب- التحكيم أحكامه ومصادره – الجزء الأول –ص46
2. د.المحامي عبد الحميد الأحدب- التحكيم أحكامه ومصادره – الجزء الأول –ص45

باستثمارات بين دول ورعايا دول أخرى I.C.S.I.D (1) .
ثانيا :-ً من حيث وجود منظمة تديره :-
ينقسم التحكيم من حيث هذا المعيار إلى تحكيم خاص (حر) و تحكيم نظامي (مؤسساتي) فالتحكيم الحر هو الذي يتم تحت إشراف وإدارة أطراف النزاع أو مندوبيهم , فيختارون بأنفسهم المحكم أو المحكمين و يتولون في الوقت عينه تحديد الإجراءات والقواعد التي تطبق بشأنه , دون الإشراف من منظمة أو مؤسسة تحكيم وغالباً ما يخضع هذا النوع من التحكيم لقواعد الـ Unicitral للتحكيم , التي وضعتها لجنة الامم المتحدة للتنظيم التجاري الدولي (2).
أما التحكيم النظامي أو المؤسسي فهو الذي يتم تحت إشراف مؤسسة أو منظمة دولية مختصة بالتحكيم وتقتصر مهمتها على وضع قوائم بأسماء المحكمين , لكي يتولى المتنازعون بأنفسهم اختيار من يريدون القيام بالمهمة , هذا وأصبح التحكيم المؤسساتي يشكل الحجر الأساس في التحكيم .
ثالثا :-ً من حيث مدى تقيد المحكم بالقواعد القانونية :-
التحكيم إما أن يكون عادياً(التحكيم بالقانون) أو مطلقا (التحكيم بالصلح) حيث يعتبر التحيكم عادياً عندما يكون المحكم ملزماً بالفصل في النزاع وفقاً لقواعد القانون. أما عندما يُعفى المحكم من تطبيق هذه القواعد ويحكم بمقتضى الإنصاف، فإن التحكيم يكون مطلقاً. وعند قيام الشك في وصف التحكيم فهو يعتبر تحكيماً عادياً. ولا يعني ذلك أن المحكّم في التحكيم المطلق محروم من تطبيق قواعد القانون، إذ يمكنه تطبيقها إذا وجد فيها معياراً كافياً للعدالة والإنصاف. لكنه ملزم في جميع الحالات بتطبيق قواعد القانون المتعلقة بالنظام العام (3). والأصل هو التحكيم العادي أما التحكيم المطلق فهو استثناء (4) .
1. د.المحامي عبد الحميد الأحدب- التحكيم في البلاد العربية – الجزء الثاني –ص7-8
2. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008 ص 29
3. الموقع الإلكتروني للجيش اللبناني – مجلة الجيش –العدد 228 حزيران 2004
4. علاء آباريان-الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارية-2008 ص 30

الخاتمة
تبين لنا من خلال هذا البحث أن التحكيم بات وسيلة قانونية حياتية , وجد منذ قديم الزمن لدى معظم الحضارات , وأنه وجد في الأردن حتى ضمن الحياة القبلية القديمة فهو يعتبر من الأعراف القديمة , وكغيره من القواعد القانونية المستمدة من الأعراف لرسوخ فكرتها وعمومها لدى الناس , فقد تم إستحداث التحكيم كأحد الوسائل القانونية البديلة لحل النزاعات , بل وبات أهمها من حيث النتائج العملية وأثرها على القضاء العادي .
هذا بالإضافة إلى إقتراب التحكيم إلى نفوس أطراف النزاع أكثر من القضاء العادي حيث رأينا أنها يمتاز عنه بعدة ميزات مهمة يبحث عنها المتنازعين ولا توجد في نطاق القضاء الرسمي مثل السرية وسهولة الإجراءات وسرعة الفصل في النزاع وغيرها .
وهذا ما حذا بالمشرع الأردني للإهتمام بالتحكيم كغيره من المشرعين , بل وتميز عنهم بوضع قانون خاص بالتحكيم ولم يكتف بالنص عليه ضمن قوانين أخرى كما هو الحال في معظم الدول الأخرى .
كما ولاحظنا أن المشرع أعطى للمحكم صلاحيات عدم التقيد بالقانون في بعض الظروف على عكس القاضي في المحاكم الرسمية . وللأطراف الحرية في إختيار من يفصل في نزاعهم . وعدم تحديد مكان معين مخصص للتحكيم , وأنه نوع خاص من القضاء تتبدد فيه حرارة التقاضي لدى المحاكم الرسمية .
والله ولي التوفيق