التجارة الالكترونية في القانون الجزائري

رغم التطور الهائل الذي يعرفه العالم في ميدان التجارة الالكترونية التي صارت تنافس التجارة التقليدية من حيث الحجم والتي يتوقع الخبراء أن تتجاوزها خلال السنوات القادمة في ظل نسب النمو العالية التي تسجلها التجارة الالكترونية ، إلا أن الجزائر لم تسن لحد الآن قانون ا خاصا ب التجارة الالكترونية رغم الحديث عن تدارك هذا الأمر خلال تعديل ال قانون المدني، الذي من المنتظر أن يفرد لها موادا خاصة بها تحددها و تضبط قواعدها.

ومع ذلك فقد سنت الجزائر بعض القوانين والنصوص التطبيقية التي تمس بشكل أو بآخر أحد جوانب التجارة الالكترونية كال قانون الخاص بموردي الانترنيت ، أو المواد المتعلقة بالجريمة الالكترونية ، أو تلك المتعلقة بالملكية الفكرية والتي تتضمن موادا متعلقة بالملكية الصناعية خاصة وأن عدة شركات عالمية تصنف الجزائر كإحدى أكبر المناطق التي ترتفع فيها نسب قرصنة البرمجيات والجريمة الالكترونية مما حذا بشركة مايكوسوفت العملاقة إلى تنصيب مكتبها الجهوي في الجزائر. غير أن هذه القوانين التي تم إصدارها جاءت بناء على إلحاحات دولية ورغبة الجزائر في الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة جعلها تعدل وتعد ترسانة هامة من القوانين حتى تتوافق منظومتنا التشريعية مع القوانين العالمية وهو ما يعني أن الجزائر مقبلة في المستقبل القريب على إصدار قانون خاص ب التجارة الالكترونية بحكم الالتزامات الدولية التي يفرضها الاندماج العالمي ورغبة الجزائر في اللحاق بركب التطور في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال والاستفادة من المزايا التي تتيحها التجارة عبر الانترنيت علما أن عدة دول عربية كتونس ،والامارات العربية المتحدة، والسعودية، و مصر قطعت أشواطا هامة في المجال التشريعي الخاص بتقنين التجارة الالكترونية .

ملامح التجارة الالكترونية في الجزائر

يخطئ الكثير من الناس عندما يعتقدون أن الجزائر لم تعرف لحد الآن أي شكل من أشكال التجارة الالكترونية ، فموردوا الإنترنيت (بروفايدر) يعتبرون مثالا واضحا لممارسة التجارة الالكترونية في الجزائر ، فتزويد المؤسسات والأفراد بالإنترنيت يدخل في نطاق التجارة الالكترونية التي تعني في أبسط تعريفاتها “مجموعة التبادلات التجارية التي تتم عبر شبكة اتصالات” ، وليس بالضرورة أن يتم الدفع إلكترونيا فحتى لو قام الزبون بدفع ثمن اشتراكاته بالانترنيت نقدا أو عبر الشيك فإن ذلك يعد أيضا ضمن معاملات التجارة الالكترونية ، وهذا رغم توفر بطاقات الدفع الالكترونية . وتجدر الإشارة إلى أن أول من أسس شركة تجارية خاصة بتزويد الإنترنيت في الجزائر هو يونس قرار الملقب بـ “بيل غايتس الجزائر” و الذي قام بمغامرة فريدة من نوعها عندما استغل الفراغ ال قانون ي في مجال توريد الانترنيت حيث استورد في 1997 تجهيزات خاصة بشركة “جيكوس” متعلقة بربط الناس بالانترنيت بشكل جماهيري، بعد أن احتكر مركز البحث في الإعلام العلمي والتقني (سريست) المملوك للدولة التعامل بالانترنيت وحصره في نطاق ضيق خاص بالباحثين فقط وذلك لمدة أربع سنوات. غير أن السلطات العليا في البلاد حجزت هذه التجهيزات المستوردة من الولايات المتحدة الأمريكية في المطار، ومنعت قرار من تحقيق هذا المشروع على أساس أن الدولة لم تقرر فتح هذا الميدان للخواص، إلا أن الصحافة الجزائرية تحركت وأثارت ضجة إعلامية حول هذا المنع مما أجبر السلطات العمومية على الرضوخ للأمر الواقع ، وتم رفع الحجز عن التجهيزات وباشرت شركة جيكوس نشاطها، وأنشأت أول نادي للأنترنيت في حيدرة بالعاصمة في نفس العام، وصار بإمكان أبسط جزائري لأول مرة الإبحار في عالم الأنترنيت. ولم يكن أمام السلطات العمومية في هذه المرحلة سوى إصدار نص تشريعي متعلق بالسماح للخواص بإنشاء شركات لتزويد الأنترنيت لملء الفراغ ال قانون ي في هذا الجانب (راجع بورتري حول يونس قرار منشور في يومية الجزائر نيوز في 2005) ، وبحلول عام 2000 فاق عدد الشركات الخاصة التي ترغب في الاستثمار في هذا المجال عشرين شركة غير أن شركتين فقط فرضتا أنفسهما في السوق ويتعلق الأمر بـ “ إيباد “ و”جيكوس”.

مليون أنترناتي في الجزائر يمثلون قاعدة التجارة الالكترونية

لا يمكننا الحديث عن التجارة الالكترونية في أي بلد في العالم قبل الحديث عن بيئتها والمتمثلة أساسا في عدد الأفراد الذين يستعملون الانترنيت بانتظام، والذين يمثلون قاعدة التجارة الالكترونية التي تعتمد بشكل أساسي على الفضاء الافتراضي الذي يلتقي فيه البائع مع الزبون ويوثقون معاملاتهم التجارية عبر عقود إلكترونية لا تقتضي بالضرورة أن يكون هناك سابق معرفة بين البائع والزبون. وفي الجزائر تجاوز عدد مستعملي الانترنيت أو ما يطلق عليهم بالأنترناتيين على حد تعبير الدكتور محمد لعقاب مليون أنترناتي في 2006 ، إذ تضاعف عددهم عشر مرات منذ عام 2000 ، كما تضاعف عدد نوادي الانترنيت بشكل كبير مع تزايد عدد الأنترناتيين ، وأضحت الشركات الاقتصادية والهيآت العمومية والخاصة أكثر اهتماما بالتواجد على الأنترنيت عبر مواقع إلكترونية خاصة بها ، وإن كان يغلب على هذه المواقع اللغة الفرنسية بحكم خصوصية الجزائر في المنطقة العربية واعتقاد البعض ـ عن جهل ـ أن اللغة العربية لا تتلاءم مع طبيعة التكنولوجيا ، فضلا على أن معظم الحواسب الآلية التي استوردت من الخارج في منتصف التسعينيات لم تكن مزودة ببرمجيات تتيح الإطلاع على المواقع الإلكترونية بالعربية أو الكتابة بها والتواصل بها عبر الانترنيت. غير أن شركة مايكروسوفت العالمية المختصة في البرمجيات طورت في 1995 برمجية خاصة باللغة العربية ويندوز أربيك 95 حسب عبد الغني بلغنبور مدير شركة “إياسي”، كما ساهم إنشاء الإمارات العربية المتحدة لمدينة متخصصة في تكنولوجيات الإعلام و الاتصال تجمع فيها المكاتب الفرعية لكبريات الشركات العالمية المتخصصة في هذا الميدان إلى جانب شركات عربية ساهم في تطوير عملية تصفح المواقع العربية عبر الأنترنيت.

أما في الجزائر فأدى ازدياد الطلب على أجهزة الإعلام الآلي التي تسمح بتصفح المواقع العربية إلى الإهتمام بهذا الجانب أكثر ، فضلا عن صدور قانون لتعميم استعمال العربية في 1998 والذي بموجبه تمت إعادة برمجة الكثير من أجهزة الإعلام الآلي بالعربية وهو ما أدى إلى انتشار أكبر للبرمجيات العربية في السوق لتزايد الطلب عليها خاصة في الولايات الداخلية ، كما قامت جرائد ناطقة باللغة العربية بإنشاء مواقع لها على الانترنيت، وأنشأت بعض الهيآت الرسمية وغير الرسمية مواقع لها باللغتين العربية والفرنسية ، وشرع حينها في الاهتمام أكثر بإنشاء مواقع إلكترونية بالعربية استجابة لطلب السوق. وشجع احتكاك المؤسسات الجزائرية بالشركات العالمية الكبرى ـ التي تستثمر في الجزائر أو التي لها معاملات تجارية مع شركاء جزائريين ـ للتعرف عن قرب على التقنيات الحديثة في مجال التجارة الإلكترونية، كما ساهمت الملتقيات العالمية والعربية التي شارك فيها جزائريون للإطلاع على آخر هذه التطورات ، ونظمت جامعة التكوين المتواصل ملتقى حول التجارة الإلكترونية عرضت فيه دراسات وبحوث حول هذا الموضوع وسبل تطوير التجارة الإلكترونية في الجزائر، علاوة على دراسات أنجزها طلبة الكليات والأقسام الجامعية في هذا الشأن كما أصدر باحثون جزائريون كتبا تتناول بالشرح و التمحيص هذا النوع الحديث من التجارة على غرار الدكتور إبراهيم بختي. ورغم بداية اهتمام السلطات العمومية بتكنولوجيات الإعلام والاتصال في الفترة الأخيرة بدليل تعديل اسم”وزارة البريد والمواصلات” إلى “وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال”، وسعيها لإنشاء مدينة متخصصة في هذا الميدان في سيدي عبد الله، وتحضيرها لإنشاء حكومة إلكترونية، وإعدادها لمشروع قانون حول بطاقة التعرف الإلكترونية هو الآن قيد الدراسة على مستوى وزارة الداخلية والجماعات المحلية، إلا أنه ومع ذلك فإن الحكومة لا تبدو على عجلة من أمرها فيما يتعلق ب التجارة الإلكترونية التي تطرح عدة إشكاليات على المستوى حركة الأموال، الضرائب، الحجية ال قانون ية لدى العدالة بالنسبة للعقود والتوقيعات الإلكترونية، والجرائم الإلكترونية التي قد يصعب التحكم فيها إذا تم الدخول إلى نطاق التجارة الإلكترونية بشكل متسرع وغير واع بحجم المخاطر رغم كثرة المزايا، فالهند التي تعتبر من دول العالم الثالث بلغت مداخيلها من التجارة الالكترونية 20 مليار دولار في السنة وهو ما يمثل حجم الواردات الجزائرية.

الإصلاح المصرفي يفتح المجال لتطوير التجارة الإلكترونية

شروع الجزائر في إصلاحات مصرفية عميقة خاصة مع مطلع هذا العام من شأنه التسريع في تطوير التجارة الالكترونية والتسوق عبر الأنترنيت من خلال تحديث وسائل الدفع الإلكتروني، والتي يأتي على رأسها بطاقة الدفع الإلكترونية العالمية “سي.بي.أ ـ فيزاـ غولد” وهي عبارة عن بطاقة إئتمانية ترخصها هيئة عالمية “فيزا” وعن طريق هذه البطاقة يمكن لصاحبها شراء السلعة التي يرغبها على الانترنيت من أي مكان في العالم وتحويل الأموال إلى البائع عن طريق إرسال المعلومات البنكية عبر البريد الإلكتروني بشكل مشفر لضمان عدم قراءتها في حالة اعتراضها.

غير أن ما يعيق هذه العملية في الجزائر هو بطء إجراءات تحويل الأموال عبر البنوك ، فحسب مستثمر سعودي فإن تحويل الأموال من وكالة بنكية في بسكرة إلى وكالة أخرى في العاصمة تابعة لنفس البنك يتطلب عشرة أيام كاملة، ناهيك عن تحويل الأموال إلى مصرف آخر خارج البلاد فهذا يتطلب وقتا أطول قد يتجاوز الشهرين ،غير أن وزير المالية مراد مدلسي أكد بأن الإصلاحات الجارية في القطاع المصرفي ستقلص مدة التحويلات. وإلى جانب الاتفاق مع “فيزا” صرحت غنية هوادرية المديرة العامة لبريد الجزائر عن مفاوضات تجريها الجزائر مع “ماستركارد” للانضمام إلى نطاقها ، علما أن هاتين الهيأتين (فيزا و ماستركارد)هما التين تصدران البطاقات الائتمانية ذات الاستعمال العالمي الواسع، أما بطاقة الدفع الإلكتروني “كاش يو” المنتشرة في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط فأبدت اهتماما خاصا بالسوق الجزائرية ، حيث نشرت عدة إعلانات في موقع مكتوب ـ الذي يشترك في بريده الإلكتروني أكثر من أربعة ملايين عربي ـ تبحث عن موزعين لبطاقاتها الإلكترونية في الجزائر رغم أن المديرة العامة لبريد الجزائر نفت وجود أي اتفاق أو حتى مفاوضات مع إدارة “كاش يو” لتوزيعها في الجزائر رغم إبداء بعض الجزائريين رغبة في التعرف على التسوق الالكتروني بواسطة بطاقات كاش يو التي تنظم عدة حملات إعلانية ومسابقات عبر الانترنيت تقدم خلالها جوائز مغرية ولكنها تشترط مقابل ذلك شراء بطاقاتها الالكترونية .

عوائق في الطريق

على الرغم من الانتشار الواسع للتجارة الإلكترونية في العالم وبلوغها حجما يقدر بـ 2.6 ترليون دولار في 2004 حسب بعض التقديرات، أو ما نسبته 15 بالمائة من الاقتصاد العالمي وتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 30 بالمائة مع حلول عام 2010 إلا أن العديد من العوائق ما زالت تحد من انتشار التجارة الالكترونية في دول العالم الثالث مثل الجزائر،بدليل أن 89 بالمائة منها يتركز في 12 دولة فقط في حين تتقاسم بقية دول العالم 11 بالمائة المتبقية، فأمريكا الشمالية على سبيل المثال تحتكر 35 بالمائة من التجارة العالمية إذ أن 60 بالمائة من شركاتها تستخدم التجارة الالكترونية ، أما في الوطن العربي الذي لا يتجاوز حجم التجارة الالكترونية به خمسة مليارات من الدولارات حسب بعض التقديرات تتركز معظمها في دول الخليج التي يقدر حجم التجارة الالكترونية بها بـ3.1 مليار دولار، تليها مصر بـ 500 مليون دولار أما في الجزائر فلا توجد أي دراسات تتحدث عن حجم التجارة الالكترونية بها نظرا لغياب أي إطار تشريعي يحددها وتأخر الإصلاحات المصرفية ومشكل الشحن وأمور أخرى