ان المشرع العراقي ضمن قانونه المدني نصاً احتوى على اسباب سقوط خيار الرؤية ومنها وصف المعقود عليه في عقد البيع وصفاً مغنياً عن الرؤية ان ظهر لدى رؤيته بعد العقد مطابقاً لما وصف به (1). ويعتبر هذا الحكم خروجاً عما ذهب اليه فقهاء المسلمين …إذ انهم ذهبوا الى ان مطابقة المعقود عليه لما وصف به سابقاً لا تؤدي الى سقوط الخيار وانه كان لمطابقة الوصف تأثير على الخيار فذلك التأثير يتمثل لدى جمهور الفقهاء في افضل حالاته بالمنع من قيام الخيار لا بسقوطه وهذا ما تنبه اليه شراح القانون المدني العراقي فأنتقدوا اتجاه المشرع بأعتبار ان هذه الحالة وما سبقها من ذكر اقرار المشتري في العقد انه عالم بالمعقود عليه وكذلك ما رآه المتعاقد سابقاً ومن ثم تعاقد عليه قاصداً شراءه اسباباً يؤدي حدوثها الى سقوط خيار الرؤية وذهبوا الى القول كان الاولى بالمشرع العراقي ان يعتبر هذه الحالات مانعة من قيام الخيار لا مسقطه له فالخيار في الحالات اعلاه لم يقم بعد فكيف يمكن الحكم بسقوطه (2).

ونحن نؤيدهم في هذه الملاحظة كما نرى ان المشرع العراقي لم يكن مصيباً في جعله وصف الشيء في العقد وظهوره على ما وصف به سبب في سقوط خيار الرؤية لخروجه في هذا الحكم على المصدر التشريعي الذي استمد منه احكام الخيار وهو الفقه الاسلامي لذا نتأمل من المشرع العراقي اعادة النظر في هذا الحكم ومنح المتعاقد خيار الرؤية وان جاء المعقود عليه مطابقاً للوصف اذ ان هذا الخيار الشرعي جاء مطلقاً للوصول للغاية التي شرع من اجلها لذا ينبغي تركه على اطلاقه دون ايراد أي قيد يحول دون تحقق الحكمة التي اراد النص تحققها فضلاً عن ان ذلك يوافق ما ذهب اليه جمهور الفقهاء . والقانون المدني اليمني لم يورد نصاً يقضي بسقوط خيار الرؤية بوصف المعقود عليه في العقد إذ جاء النص الذي تضمن اسباب سقوط الخيار خالياً من اشارة دالة على ذلك (3). ويمكن استنتاج هذا الحكم مما تضمنه هذا القانون إذ اعتبر ذكر الاوصاف الاساسية للمعقود عليه في العقد يؤدي الى تحقق علم المتعاقد بالمعقود عليه في هذا القانون ويؤدي الى سقوط حقه في رفع دعوى عدم العلم (4).

وبذلك يعد القانون المدني اليمني قد خرج ايضاً عما ذهب اليه جمهور فقهاء المسلمين إذ ان الوصف لا يؤثر على قيام خيار الرؤية لدى بعضهم ويمنع من قيام الخيار لدى البعض الاخر ان تحققت مطابقة المعقود عليه له لدى رؤيته دون ان يؤدي الى سقوطه اما القانون المدني الاردني فلم يشر الى وصف المعقود عليه وصفاً مغنياً عن الرؤية بأعتباره سبب لسقوط الخيار اذا ظهرت مطابقة المعقود عليه لدى رؤيته بعد العقد لما وصف به وذلك يظهر من خلال النص الذي تضمن اسباب سقوط خيار الرؤية (5). ولم يتعرض لهذه الحالة غير ان هذا القانون في مجال اخر نص على ضرورة تحقق علم المتعاقد بالمعقود عليه هذا العلم الذي لا يتحقق الا بذكر الاوصاف الاساسية للمعقود عليه في العقد او بإقرار المتعاقد بعلمه بالمعقود عليه فأن تم ذلك فأن تحقق العلم يؤدي الى سقوط حق المشتري في المطالبة بالابطال لعدم العلم (6).

وبذلك فأن القانون المدني الاردني وقع في ذات اللبس الذي وقع فيه القانون المدني اليمني لذا تصدق عليه الملاحظة التي ذكرت عند التطرق لاحكام القانون المدني اليمني . والقانون المدني المصري الذي يعد مصدراً استمدت منه القوانين المدنية العربية حكم العلم بالمبيع واستغنت بهذا الحكم عن النص على احكام خيار الرؤية محاولة التقريب بين احكام هذا الخيار وبين القواعد العامة ومع ذلك فخيار الرؤية يعد اصل شرط العلم بالمبيع في هذه القوانين (7). والعلم بالمعقود عليه يتحقق في القانون المدني المصري بإدراج الاوصاف الاساسية له في العقد بحيث يتمكن المتعاقد من التعرف عليه (8).وبذلك يسقط حق المتعاقد في المطالبة بأبطال العقد لعدم العلم أي ان المشرع المصري ساوى في الحكم بين رؤية المعقود عليه ووصفه في العقد فكلا الامرين في هذا القانون يؤديان الى تحقق علم المتعاقد بالمعقود عليه ورتب على ذلك العلم سقوط الحق في طلب الابطال وهو ما اعتبره شراح هذا القانون خروجاً على احكام الفقه الاسلامي الذي منح للمتعاقد الحق في استعمال خيار الرؤية وان جاء المعقود عليه مطابقاً للوصف فلم يكن لمطابقة المعقود عليه للوصف اثر في سقوط الخيار فكيف يتصور سقوط الخيار قبل قيامه والخيار لا يقوم الا بتحقق شرطة والشرط هو رؤية المعقود عليه ووصف الشيء في العقد يسبق رؤيته (9). ونحن نؤيدهم في هذه الملاحظة  .

ويمكن ان نستنتج مما سبق :

ان موقف القوانين المدنية العربية يختلف عما ذهب اليه جمهور فقهاء المسلمين فقد اعتبرت هذه القوانين ان مطابقة المعقود عليه لما وصف به في العقد سبباً في سقوط خياره او حقه بالمطالبة بابطال العقد لعدم العلم بينما يذهب جمهور فقهاء المسلمين الى منح المتعاقد الحق في استعمال خيار الرؤية وان ظهر المعقود عليه لدى رؤيته مطابقاً للوصف كما يذهب بعضهم الى اعتبار تلك المطابقة تؤدي الى لزوم العقد ولزوم العقد يمنع من قيام الخيار .اذاً فقهاء المسلمين على الرأي الاغلب لديهم لم يقولوا بسقوط الخيار ان ظهرت مطابقة المعقود عليه للوصف .

______________

1- جاء في نص المادة (523/1) من القانون المدني العراقي ( يسقط خيار الرؤية وبوصف الشيء في عقد البيع وصفاً يقوم مقام الرؤية وظهوره على الصفة التي وصفت … )

2- راجع نص المادتين ( 522،523/1 ) من القانون المدني العراقي وللوقوف على موقف شراح هذا القانون انظر ; د. سعدون العامري ، الوجيز في شرح العقود المسماة في البيع والايجار ، ط3 ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1974م ص42-43 ; د. سعيد مبارك ، طه الملا حويش ، صاحب عبيد الفتلاوي ، الوجيز في العقود المسماة البيع والمقاولة ، دار الحكمة للطباعة والنشر ، بغداد ، 1992،1993م ص33-34 ; د. غني حسون طه ، الوجيز في نظرية الالتزام الكتاب الاول مصادر الالتزام ، بغداد ، 1971م ص85-86 ; د. جعفر الفضلي ، الوجيز في شرح العقود المدنية البيع والايجار والمقاولة دراسة في ضوء التطور القانوني معززة بالقرارات القضائية ، دار الكتب للطباعة والنشر ، 1989م – ص37 ; د. الذنون – العقود المسماة – شرح القانون المدني العراقي العقود المسماة (عقد البيع) ، بدون سنة طبع – ص67 .

3- راجع نص المادة (243) من القانون المدني اليمني .

4- جاء في نص المادة (481) من القانون المدني اليمني ( يكون المشتري عالماً بالمبيع علماً كافياً نافياً للجهالة اذا اشتمل العقد على بيان المبيع واوصافه الاساسية بياناً يمكن من التعرف عليه ) كما جاء في نص المادة (482) من القانون المدني اليمني ( اذا ذكر في عقد البيع ان المشتري عالماً بالمبيع سقط حقه في التمسك بدعوى عدم علمه به الا اذا اثبت غش البائع ) .

5- راجع المادة (187) من القانون المدني الاردني .

6- راجع نص المادتين ( 466 ، 467 ) من القانون المدني الاردني .

7-جاء في نص المادة (419) مدني مصري (1. يجب ان يكون المشتري عالماً بالمبيع علماً كافياً اذا اشتمل العقد على بيان البيع واوصافه الاساسية بياناً يمكن من تعرفه . 2. اذا ذكر في عقد البيع ان المشتري عالم بالمبيع سقط حقه في طلب ابطال البيع بدعوى عدم علمه به الى ان اثبت تدليس البائع ) ; وراجع نصوص المواد (352) من القانون المدني الجزائري ; (408) من القانون المدني الليبي ; (387) من القانون المدني السوري ; (577) من القانون المدني التونسي ; (456) من القانون المدني الكويتي ; ولمزيد من المناقشة راجع د. رمضان ابو السعود ، دروس في العقود المسماة عقد البيع في القانون المصري واللبناني ، بدون سنة طبع – ص94 ; د. مصطفى احمد الزرقاء ، شرح القانون المدني السوري العقود المسماة عقد البيع والمقايضة ، ط6 ، مطابع فتى العرب ، دمشق ، 1384هـ،1965م ص62-63 ; د. عباس حسن الصراف شرح عقد البيع في القانون المدني الكويتي دار البحوث العلمية ، الكويت ، بدون سنة طبع ص246 .

8- قضت احدى المحاكم المصرية في حكم لها بأنه ( يجب ذكر الحدود والمعالم في العقد بكيفية لا تقبل الالتباس اما ما جرت العادة على ذكره في العقود بلفظ عام بأن المشتري عالم بالمبيع العلم الكافي النافي للجهالة فهو قول لا يعتد به اذا نقض العقد وصف العين اللازم لتعيينها كذكر المعالم والحدود ( محكمة مصر 26 يوليو – 1907م – حقوق س23-ص76 ; ومجموعة حمدي بيع نمرة – 2370 ) نقلاً عن د. احمد نجيب الهلالي ، د. حامد زكي ، شرح القانون المدني (البيع والحوالة والمقايضة ) ، ط3 ، مطبعة الفجالة الجديدة ، 1954م ، ص82 .

9- د. انور العمروسي ، التعليق على نصوص القانون المدني المعدل بمذاهب الفقه واحكام القضاء الحديثة في مصر والاقطار العربية ، دار المطبوعات الجامعية ، 1983– ص50 ; د. عبدالعزيز عامر ، عقد البيع ، الناشر دار النهضة العربية ، 1387هـ ، 1967م ،ص55 ; د. رمضان ابو السعود – مصدر سابق – ص94 ; د. خميس خضير ، البيع في القانون المدني ، الناشر مكتبة القاهرة الحديثة ، 1969م ص53-54 ; د. اسماعيل غانم ، مذكرات في العقود المسماة عقد البيع ، مطبعة الكتاب العربي ، مصر ، 1958م – ص70 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .