المبادئ القانونية المعترف بها في الأمم المتمدنية

إن مضمون (المبادئ المشتركة) أو (المبادئ القانونية المعترف بها في الأمم المتمدنية) أو (مبادئ وقواعد القانون) والتي يغلب عليها طابع التآلف بين مبادئ تشريعية تتطابق أو تتقارب بعضها مع بعض مثل: (العقد شريعة المتعاقدين) و (عدم الإثراء دون سبب) و(الحق في التعويض عن الأضرار) و(مبدأ حسن النية في تنفيذ العقد)، كما قد يأخذ هذا التآلف أحيانا أخرى طابعا نوعيا عندما يتعلق الأمر بتطبيق المحكم لقواعد مشتركة في بعض النظم القانونية التي تتقارب فيما بينها مثل: النظم القانونية فيما بين مجموعة دول القانون العام أي النظم الأنجلوسكسونية أو مجموعة دول القانون المكتوب، أي الدول اللاتينية أو مجموعة الدول الاشتراكية أو مجموعة الدول الاسنكدنافية أو مجموعة الدول العربية[1].

إن تطبيق المبادئ العامة في القانون أو المبادئ المشتركة للأمم المتحضرة يواجه بعض الصعاب منها:
1- إن تطبيق هذا المبدأ يعتمد إلى حد بعيد على الثقافة القانونية للمحكم الدولي وقدرته الذهنية على استخلاص هذه المبادئ من خلال تحليل مقارن لكثير من القوانين الوطنيـة أو من خلال قناعات المحكم الدولي بتطابق حكمه في موضوع النزاع مع هذه المبادئ العامة أو المشتركة أو قواعد القانون.

2- إن تطبيق المحكم الدولي لمصطلحات مثل: المبادئ العامة في القانون أو المبادئ المشتركة للأمم المتحضرة كثيرا ما تكتنفه بعض المحاذير مثل صعوبة تحديد مضمون هذه القواعد القانونية، كما أن هذه القواعد مفهومها غامض وغير محدد والتي يمكن أن تكون ستارا يخفي وراءه المحكم الدولي حلولا قد تصطدم بالقانون وبالموضوعية في الفصل في المنازعات وغالبا ما يكون تطبيق هذا المبدأ في المنازعات التي تتعلق بما يسمى بعقود القانون العام وهي العقود التي تكون الدولة أو إحدى هيئاتها العامة طرفا فيها باعتبارها صاحبة سلطان وسيادة مع أحد الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص المعنوية، مثل الشركات الخاصة من رعايا الدول كعقود الامتيازات الدولية، وعقود التوريدات الصناعية، واستيراد واستغلال التكنولوجيا، وهذه العقود تثير حساسيات خاصة بما قد تتضمنه في الغالب من إشارات ذات طابع سياسي تتعلق بضرورة احترام مبدأ سيادة الدولة وحصانتها القضائية، الأمر الذي لابد أن ينعكس بصورة أو بأخرى على الحلول القانونية للمنازعات التي تثور بشأنها.

ومن ناحية أخرى فإن إخضاع مثل هذه العقود لأي من القوانين الوطنية لاسيما القانون الوطني للدولة الطرف في العقد، قد يكون فيه نوع من عدم الاستقرار القانوني أو التوازن في العلاقة التعاقدية الأمر الذي يتعارض وطبيعة التعامل بمثل هذه العقود في التجارة الدولية لذلك فإن هناك تيارا في الفقه يتجه إلى تدويل القواعد القانونية التي تخضع لها، وذلك بإخضاع المنازعات التي تنشب بسببها إلى القواعد العامة في القانون أو المبادئ المشتركة للأمم المتحضرة وبمعنى آخر يكون حل المنازعات التي تثور بشأن هذه العقود بمقتضى قانون غير وطني أو إن شئنا قانون يعلو فوق الدول وهو في النهاية يبدو وكأنه قانون دولي للعقود[2].
3- إن حجم التناقضات ونوعها على المستوى العالمي تقف عقبة أمام تدويل العقود، سواء بين الدول النامية والدول المتقدمة، أو بين دول الاقتصاد المخطط (الاشتراكي) ودول اقتصاد السوق وحتى فينا بين الدول ذات التوجه المشترك (مثلا الرأسمالية) يوجد اختلاف في المفاهيم (الدول الانجلوسكسونية والدول اللاتينية).

4- إن سجل قرارات التحكيم الدولي بالنسبة لتطبيق مصطلحات مثل: (المبادئ المشتركة في الأمم المتحضرة) على منازعات عقود القانون العام ليس سجلا ناصعا تماما، حيث إن المحكمين من دول الغرب لا ينظرون إلى مبادئ القانون أو المبادئ المشتركة في الأمم المتحضرة، إلا بمنظار يتأكد من خلاله إعمال قانون القوي على الضعيف، الأمر الذي يصبح معه أمر (تدويل) القواعد التي تحكم النزاع في هذه العقود هو في الواقع تكريس لمفاهيم قوانين الدول المتقدمة.

إلا أنه وبالرغم من هذه المصاعب فإن هناك عدة مبادئ عامة متعارف عليها في كل النظم القانونية تلعب دورا لا يستهان به في تسوية بعض منازعات العقود الدولية. ومثال ذلك مبدأ القوة الملزمة للعقد ومبدأ توازن الأداءات المتقابلة ومبدأ تنفيذ العقد بحسن نية ومبدأ وجوب عدم جواز تفسير العقد وفقا للإرادة المشتركة للأطراف ومبدأ عدم جواز الإثراء بلا سبب ومبدأ بقاء الشيء على حاله واحترام الحقوق المكتسبة ومبدأ عدم جواز التعسف في استعمال الحق.

إن هذه المبادئ موجودة وملازمة بدرجة وثيقة للفكر القانوني والتي توجد عمليا في النظم القانونية الكبرى التي تحتل بفعل الضرورة مكانها في النظام القانوني الدولي الذي تقبله كل الدول والذي تجد فيه بالتبعية انعكاسا لأفكارها القانونية، وهذه المبادئ تشكل المنقذ لكل قاض أو محكم في مأزق، فعموميتها تسمح لها بالتطبيق على مختلف الأوضاع والمسائل التي تعرض على القضاء أو التحكيم ومن النادر ألا نجد مبدأ عاما يكون قابلا لإعطاء أو تبرير حل معين. إن تلك المبادئ بما لها من عمومية تعطي المحكم أو القاضي حرية تقدير واسعة لتصحيح الآثار الناتجة عن تطبيق قواعد القانون المختص وكذلك لمعالجة ما قد يعتري النظم القانونية الوضعية من قصور.
وهذا ما طبقته أحكام التحكيم، كما فعلت محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية في باريس سنة 1979 حيث طبقت مبدأ حسن النية في تنفيذ الالتزامات التعاقدية والذي اعتبرته من مبادئ قانون المحكم الواجب التطبيق في كل حال، فقد قضت بمناسبة عقد وكالة تجارية بين تركي وآخر فرنسي عدم الرجوع إلى التشريع التركي أو التشريع الفرنسي وتطبيق القانون الموضوعي للتجارة الدولية. حيث إن أحد المبادئ الذي يستلهمه هذا الأخير هو حسن النية الذي يجب أن يهيمن على تكوين وتنفيذ العقد، ووفقا لمبدأ حسن النية، فإن المحكمة بحثت ما إذا كان إنهاء الوكالة في القضية المعروضة يرجع إلى سلوك أحد الأطراف، وما إذا كان قد سبب ضررا للآخر، ويكون بذلك غير مبرر، والذي تفرض العدالة إصلاحه أو تعويضه[3].

[1] – المرجع السابق، ص 191-192.
[2] – المرجع السابق، ص 195-196.
[3] – د. أحمد عبد الكريم سلامة، نظرية العقد الدولي الطليق بين القانون الدولي الخاص وقانون التجارة الدولية، مرجع سابق، ص 22.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت