عالجت التشريعات المدني الالتصاق باعتباره سبباً من أسباب كسب الملكية. والواقع ، انه إذا كان يصح في المجتمعات التي تسودها الافكار الفردية ، الاقرار بشرعية التملك عن طريق الالتصاق بالعقار بفعل الطبيعة. فإن ذلك لم يعد مقبولاً في المجتمعات التي تدين بالأفكار الاشتراكية . ولهذا نجد ان قانون اصلاح النظام القانوني (1) قد اعتبر من الاهداف العامة للقانون المدني في نطاق الملكية “حظر نشوء الملكية الخاصة بالعقار عن طريق الالتصاق”.

وعلى كل حال فإن القانون المدني العراقي ، شأنه في ذلك شأن القوانين التقليدية الأخرى. قد اقر بالالتصاق كسبب من اسباب كسب الملكية ، ونظم احكامه في المواد (1113-1125).

تعريف الالتصاق وشروطه :

الالتصاق سبب من اسباب كسب الملكية يكون بمقتضاه لصاحب الشيء ان يتملك ما اتصل به اتصالاً بتعذر معه فصله منه دون تلف. فالالتصاق يفترض توفر شروط معينة هي:

1- ان يوجد سيئان ماديان متميزان احدهما اكثر اهمية من الآخر بحيث يمكن اعتبار احدهما اصلاً والآخر تابعاً (2).

2- ان يتحد السيئان مادياً بحيث يتعذر فصلهما عن بعضهما دون تلف.

فالكنز الموجود في العقار مثلاً لا يعتبر مما التصق به.

3- إلا يكون السيئان مملوكين عند التصاقهما لنفس المالك ، إذ ان الالتصاق يفترض اندماج شيئين مملوكين لشخصين . مختلفين بدون رضا أحد المالكين او كليهما فالبناء الذي يقيمه شخص على ارضه بمواد مملوكه له لا يكتسب بالالتصاق بل هو مملوك له اصلاً . كذلك اذا اتفق مالك الارض مع مقاول ليبي له منزلاً على ارضه بمواد يقدمها هذا المقاول فأن مالك الارض لا يملك هذه المواد بسبب الالتصاق، بل بالأسناد إلى عقد المقارنة نفسه.

تكييف الالتصاق:

وإذا كان من شأن الالتصاق ان يمتلك مالك أحد الشيئين الشيء الآخر الذي التصق به ، فإن الفقهاء قد اختلفوا حول تأصيل هذا الحكم. فالالتصاق عند البعض منهم ليس سبباً لكسب ملكية جديدة ، وانما هو واقعة تؤدي إلى الحاق الشيء الذي التصق باعتباره من الملحقات أو التوابع (3) وهو عند البعض الآخر . وهذا ما يرجح في نظرنا ، سبب مستقل لكسب الملكية فمالك الشيء لا يمتلك الشيء الآخر الذي التصق به باعتباره من ملحقاته بل بواقعة الالتصاق ، لأن الشيء الذي التصق لم يكن مملوكاً من قبل لمالك الشيء الاصلي (4).

ويميز القانون المدني العراقي بين الالتصاق بالعقار والالتصاق بالمنقول كما يميز في الالتصاق بالعقار بين الالتصاق بفعل الطبيعة والالتصاق بفعل الانسان. اما ما يسمى بالتصاق عقار بعقار فامر غير منصور ، إذ حتى بالنبة للطمي الذي يتراكم على ارض احد فإنه يعتبر التصاق منقول بعقار لأن حبيبات الطمي كانت منقولة عندما التصقت بالأرض ، ثم اكتسبت الصفة العقارية بهذا الالتصاق ، شأنها في ذلك شأن مواد البناء التي تكتسب الصفة العقارية بتشييد البناء بها (5).

على ان المادة 559 من القانون المدني الفرنسي قد نصت على حالة يمكن وصفها بأنها التاق بمقدار اقتبستها من القانون الروماني ، وهي حالة اقتلاع المياه لجزء من ارض مملوكه لشخص والحالة بأرض مملوكة لشخص آخر . فللمالك ان يطالب خلال سنة باسترداد هذا الجزء ، فإن لم يفعل ، كان هذا الجزء ملكاً لصاحب الارض التي التحق بها. من الواضح ان هذا الفرض نادر الوقوع في العمل (راجع: ريبير وبولا نجيه ، المرجع السابق ، جـ 2 ، ف2493).

_________________

1- قانون اصلاح النظام القانوني ، ص42.

2- انظر كولان وكابيتان وجوليودولا مور الندير، المطول في القانون المدني ، ج2 باريس 1959 جـ 1 ، ف1940.

3- ريبير وبولانجيه ، جـ ، ف249 ، عبد الفتاح عبد الباقي ، دروس الاموال ، القاهرة ، 1956 ، ف 208 ، عبد المنعم البدراوي، شرح القانون المدني ، في الحقوق العينية الاصلية ، طـ2 ، القاهرة ، 1956، ف 30 . وانظر ايضاً في هذا المعنى حسن علي الذنون ، الحقوق العينية الاصلية ، بغداد 1954، ف127 شاكر ناصر حيدر ، الموجز في الحقوق العينية الاصلية ، بغداد 1971 ، ص205.

4- أوبري ورو ، المطول في القانون المدني الفرنسي ، ط6 ، باريس 1951 ، جـ2 ،ص47 ، عبد المنعم فرج الصدد ، حق الملكية، القاهرة 1964، ف 250 ، منصور مصطفى منصور ، حق الملكية او القانون المدني المصري ، القاهرة ، 1965 ، ف113.

5- انظر: عبد الفتاح عبد الباقي ، الاموال ، ف209 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .