الاختصاص بمنازعات بيع أملاك الدولة الخاصة وفقاً للقوانين المصرية – حكم قضائي هام

الأصل عدم اختصاص مجلس الدولة بمنازعات بيع أملاك الدولة الخاصة لتعلقها بالملكية .

القضية رقم 3 لسنة 39 ق ” تنازع ” جلسة 2 / 6 / 2018
الجريدة الرسمية العدد 22 مكرر (ط) في 6 / 6 / 2018 ص 91
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من يونيه سنة 2018م، الموافق السابع عشر من رمضان سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو
والدكتور طارق عبدالجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 3 لسنة 39 قضائية ” تنازع “.
المقامة من
1- محافظ القاهرة
2- مدير عام ادارة أملاك الدولة بمحافظة القاهرة
3- مدير عام الإدارة العامة لإيرادات محافظة القاهرة
4- رئيس اللجنة العليا لتثمين الأراضى بمحافظة القاهرة
ضد
عبدالفتاح عبدالمقصود سيد أحمد عمر
الإجراءات
بتاريخ الرابع من مارس سنة 2017، أقام المدعون الدعوى المعروضة، بإيداع صحيفتها قلم كتاب هذه المحكمة، طلبًا للحكم بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 26/4/2016 في الدعوى رقم 8072 لسنة 62 قضائية، لحين الفصل في النزاع المعروض. وفى الموضوع: الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية بجلسة 31/5/2000 في الدعوى رقم 6451 لسنة 1999 مدنى كلى، والمؤيد بالحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة الصادر بجلسة 27/9/2006 في الاستئناف رقم 5310 لسنة 4 قضائية، دون الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري السالف بيانه.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليه كان قد أقام الدعوى رقم 6451 لسنة 1999 مدنى كلى ، أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية ، ضد المدعيين الأول والثاني، بطلب الحكم أولاً: بإلزامهما بتحرير عقد بيع له عن قطعتي الأرض رقمي 19 و37 تقسيم المنطقة الصناعية بجسر السويس، على أساس سعر المتر جنيه مصري واحد مع اعتبار الثمن مسدد بالكامل. ثانيًا: ببراءة ذمته من أى مستحقات مالية كمقابل انتفاع عــن قطعتي الأرض سالفتي الذكر. ثالثًا: إلزام المدعى عليهما – المدعيان الأول والثاني في الدعوى المعروضة – بأن يؤديا إليه ضامنين متضامنين مبلغًا قدره 17485 جنيهًا مع الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة حتى تاريخ السداد. وذلك على سند من أن المدعى في تلك الدعوى يضع يده على قطعتي تلك الأرض ويحوزهما حيازة هادئة ومستقرة وأقام عليهما مصنعين مرخصين، وأنه بتاريخ 20/1/1980 تقدم إلى المدعى الثاني بطلب شراء هاتين القطعتين، وتأشر على طلبه بالدراسة، إلا أن طلبه قد التُفتْ عنه دون مبرر، رغم سداده مبلغ 20800 جنيه للإدارة العامة لأملاك محافظة القاهرة بموجب شيكين مصرفيين، بما يجاوز ثمن قطعتي الأرض بمبلغ قدره 17485 جنيهًا ، الذى يطلب استرداده مع فوائده القانونية. وبجلسة 31/5/2000 قضت المحكمة برفض الدعوى. استأنف المدعى عليه في الدعوى المعروضة ذلك الحكم، أمام محكمة استئناف القاهرة، بالاستئناف رقم 5310 لسنة 4 قضائية، التي اندبت خبيرًا في الدعوى انتهى في تقريره إلى أن أساس شغل المستأنف عيني النزاع – قطعتي الأرض المذكورتين – هو محضر استلام كل منهما، للانتفاع بها واستغلالها بمقابل لحق الانتفاع، وأن محافظة القاهرة باعت عددًا من قطع الأراضي الكائنة بالتقسيم الواقع به عيني النزاع نفاذًا لقرار رئيس مجلس الـوزراء رقم 1107 لسنة 1995، إلا أن تلك البيوع لم تشمل قطعتي الأرض محل الدعوى المستأنفة، على النحو الذى تبين من مطالعة إضبارتيهما بالإدارة العامة لأملاك محافظة القاهرة، وتضمن تقرير الخبير أن المستأنف لم يقدم ما يؤيد موافقة الجهة المستأنف ضدها على بيع قطعتي الأرض السالف ذكرهما إليه. وبجلسة 27/9/2006 حكمت تلك المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف على سند من أن “المستأنف عليهما – المدعيين الأول والثاني في الدعوى المعروضة – لم يعلنا بداءة عن رغبتهما في البيع رغم انعقاد لجان التثمين، وعلى الجانب الآخر لم يعلنا قبولهما إيجاب المستأنف الراغب في الشراء والتصديق عليه بقبول البيع ممـــــن يملكه، الأمر الذى يكون معه شرط انعقاد العقد – غير متوافر – وهو وجوب تلاقى إرادة طرفيه على إبرامه”. لم يرتض المدعى عليه ذلك القضاء وطعن عليه بالتماس إعادة النظر، المقيد برقم 10009 لسنة 11 قضائية، وبجلسة 23/2/2011 قضى برفض الالتماس. ومن جهة أخرى ، كان المدعى عليه قد أقام الدعوى رقم 8072 لسنة 62 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة ، مخاصمًا المدعين الأربعة في الدعوى المعروضة ، بطلب الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار محافظة القاهرة بتقدير سعر المتر للقطعتين رقمي 19 و37 بتقسيم المنطقة الصناعية بالنزهة الجديدة، وتحرير عقد بيع بواقع أربعة جنيهات للمتر، وبراءة ذمته من المبالغ المطالب بها، استنادًا إلى الأسباب ذاتها التي أقام عليها دعواه أمام جهة القضاء العادي سالفة الذكر، وبجلسة 26/4/2016 قضت تلك المحكمة بإلغاء تقدير جهة الإدارة المدعى عليها لسعر المتر بأرض القطعتين رقمي 19 و37 بتقسيم المنطقة الصناعية بالنزهة محافظة القاهرة بواقع 1440 جنيهًا للأولى و1500 جنيه للثانية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إلزام هذه الجهة بتحرير عقد بيع لصالح المدعى عن هاتين القطعتين بواقع 150 جنيهًا للمتر. وشيدت تلك المحكمة قضاءها على سند من أن “الثابت من الأوراق – خاصة مذكرة مدير عام إدارة أملاك محافظة القاهرة المؤرخة 20/1/2008 – أن المدعى – المدعى عليه في الدعوى المعروضة – يضع يده منذ عام 1977 على أرض القطعتين رقمي 19 و37 بتقسيم المنطقة الصناعية بالنزهة محافظة القاهرة – حيث تبلغ مساحة الأولى 1000 متر مربع والثانية 1315 مترًا مربعًا ، وأقام على الأولى مصنعًا لصناعة الجلود، والثانية ورشة لتصنيع البلاستيك، وقــــدم عدة طلبات لتملكها اعتبارًا من عام 1997، وقد وافقت المحافظة على التصرف بالبيع له، إلا أنها قدرت سعر المتر بالقطعة الأولى بواقع 1440 جنيهًا، والثانية بواقع 1500 جنيه ، فتظلم المدعى من هذا التقدير خاصة أنه سبق أن سدد عام 1999 مبلغ 10000 جنيه على ذمة ثمن القطعة الأولى، ومبلغ 10800 جنيه على ذمة ثمن القطعـة الثانية، بموجب شيكين – حسبما ثبت من مستندات المدعى -، وأن السعر السائد بذات المنطقة الواقع بها الأرض محل التداعي عام 2006/2007 لواضعي اليد في التاريخ المعاصر لوضع يد المدعى هو ما بين 100 جنيه و150 جنيهًا للمتر.

وإذ ارتأى المدعون أن ثمة تناقضًا بين الحكم النهائي في الاستئناف رقم 5310 لسنة 4 قضائية، الصادر من محكمة استئناف القاهرة، المؤيد للحكم الابتدائي الصادر في الدعوى رقم 6451 لسنة 1999 مدنى كلى شمال القاهرة، الذى قضى برفض إلزام المدعيين الأول والثاني تحرير عقد بيع للمدعى عليه عن قطعتي الأرض رقمي 19 و37 تقسيم المنطقة الصناعية بجسر السويس النزهة محافظة القاهرة، وبين الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعوى رقم 8072 لسنة 62 قضائية ، الذى قضى بإلزام المدعين جميعًا بتحرير عقد بيع لصالح المدعى عليه عن قطعتي الأرض المذكورتين بواقع مائة وخمسين جنيهًا للمتر، وأنه يتعذر تنفيذ هذين الحكمين معًا، أقاموا الدعوى المعروضة بغية فض ذلك التناقض.
وحيث إن مناط قبول طلب الفصل في النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين طبقًا للبند ثالثًا من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، هو أن يكون أحد الحكمين صادرًا من أى جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى منها، وأن يكونا قد حسما موضوع النزاع في جوانبه كلها أو بعضها وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معًا. متى كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن حكم محكمة استئناف القاهرة المؤيد لحكم محكمة شمال القاهرة الابتدائية المشار إليهما قضيا برفض إلزام جهة الإدارة تحرير عقد بيع للمدعى عليه عن قطعتي الأرض السالف بيانهما، وأن حكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة قضى بإلزام جهة الإدارة بتحرير عقد بيع للمدعى عن قطعتي الأرض ذاتهما، ومن ثم فإن الأحكام المشار إليها تكون قد اتحدت نطاقًا، وتعامدت على محل واحد، وتناقضت بحيث يتعذر تنفيذها معًا، وتحقق بالتالي مناط قبول طلب فض التناقض المعروض بينها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المفاضلة التي تجريها بين الحكمين النهائيين المتناقضين، لتحدد على ضوئها أيهما أحق بالاعتداد به عند التنفيذ؛ إنما تتم على أساس ما قرره المشرع من قواعد لتوزيع الولاية بين جهات القضاء المختلفة.
وحيث إنه من المقـرر قانونًا أن العقـود التي تكون الإدارة طرفًا فيها، لا تعتبر جميعها من العقود الإدارية، وإنما مرد الأمر في تكييفها القانوني، إلى مقوماتها، وبوجه خاص إلى ما إذا كانت شروطها تدل على انتهاجها لوسائل القانون العام.
متى كان ذلك، وكانت المادة (31 مكررًا) من قانون المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 والمضافة بالقانون رقم 148 لسنة 2006 قد أجازت التصرف في العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة بطريق الاتفاق المباشر لواضعي اليد عليها الذين قاموا بالبناء عليها، وذلك وفقًا للقواعد والإجراءات التي يصدر بها قرار مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية، بالشروط التي يلزم توافرها لإجراء التصرف، وتحديد السلطة المختصة بإجرائه واعتماده، وأسس تقدير المقابل العادل له وأسلوب سداده . وكان قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2041 لسنة 2006 قد صدر نفاذًا لذلك القانون، ناصًّا في مادته التاسعة على أن “يكون التعامل على أملاك الدولة بالبيع أو التأجير أو الترخيص بالانتفاع أو بالاستغلال في الحالات سالفة البيان وفقًا لشروط عامة على النحو الآتي: ألا يكون العقار محل طلب التعامل مخصصًا لمنفعة عامة، وأن تكون الحيازة محل وضع اليد ظاهرة وهادئة ومستقرة، ويحظر على الأسرة الواحدة (الزوج والزوجة والأولاد القصر) الاستفادة أكثر من مرة من أحكام هذا القرار في غير حالة التعامل على زوائد التنظيم. وفى حالة الإخلال بأي شرط من الشـروط التي تم التعامل على أساسها يكون العقد مفسوخًا من تلقاء ذاته دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو حكم قضائي أو اتخاذ أى إجراء قانوني آخر….”، فإن مـؤدى ما تقدم أن التنظيم القانوني للتعامل على أملاك الدولة الخاصة بالبيع وغيره من صور التعامل الأخرى – بحسب الأصل – لا تظهر فيه جهة الإدارة بمظهر السلطة العامة، كما لا يتصل هذا التنظيم بتسيير مرفق عام، بالنظر إلى أن هذه الأموال تُشَبَّهُ في خصائصها ونظامها القانوني بالملكية الخاصة، وتدار بأساليب القانون الخاص التى تلائم أغراض استخدامها واستثمارها؛ ولا يعدو استعمال جهة الإدارة لحقها في الفسخ أن يكون إعمالاً من جانبها لنص المادتين (157 و158) من القانون المدني التي تجيز أحكامها الاتفاق في العقــــــود الملزمة للجانبين، على أن يعتبر العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه. ومن ثم فإن منازعة المدعى عليه جهة الإدارة في قبول بيع قطعتي الأرض سالفتي البيان إليه، إنما ينضبط الفصل فيها بقواعد القانون الخاص التي تحكم بيع العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة، ومن بينها نصوص قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968، والذى تساند الحكمان المتناقضان إلى أحكامه؛ إذ شيد حكم محكمة استئناف القاهرة قضاءه بعدم قبول جهة الإدارة إيجاب المدعى عليه، على النتائج التي خلص إليها تقرير خبير الدعوى المار بيانها، في حين أقام حكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة قضاءه فيما ذهب إليه من قبول جهة الإدارة لإيجاب المدعى عليه، على حجية بيانات المحرر الرسمي الصادر عن المدعى الثاني السالف الإشارة إليه.
ومقتضى ما تقدم أن المنازعة بشأن قبول جهة الإدارة بيع العقارين سالفي البيان إلى المدعى عليه – غير المقترن بشروط استثنائية غير مألوفة في روابط القانون الخاص والتي تدل على انتهاجها وسائل القانون العام – تعد من قبيل المنازعات التي تدور حول بيع أملاك الدولة الخاصة، والتي تختص جهة القضاء العادي بنظرها، بحسبانها صاحبة الولاية العامة في نظر المنازعات المتعلقة بالملكية، ومن ثم يكون الحكم الصادر من جهة القضاء العادي – دون الحكم الصادر من جهة القضاء الإداري – هو الأحق بالاعتداد به في مجال التنفيذ.
وحيث إنه بالنسبة لطلب وقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري المشار إليه فإن من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن طلب وقف تنفيذ أحـــــــــد الحكمين المتناقضين – أو كليهما – فرع من أصـل النزاع حول فض التناقض بينهما، وإذ تهيأ ذلك النزاع للفصل في موضوعه – علـى ما تقدم – فإن قيام المحكمة بمباشرة اختصاص البت في هذا الطلب يكون قد صار غير ذى موضوع.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بالاعتداد بالحكم الصادر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية بجلسة 31/5/2000 في الدعـوى رقم 6451 لسنة 1999 مدنى كلى ، المؤيد بالحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة بجلسة 27/9/2006 في الاستئناف رقم 5310 لسنة 4 قضائية، دون حكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة الصادر بجلسة 26/4/2016 في الدعوى رقم 8072 لسنة 62 قضائية.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .