الاهمية القانونية لتفعيل الرقابة الدستورية في التعديل الدستوري القادم

يجمع الفقه الفرنسي والدستوري عموما على ضعف الرقابة السياسية على دستورية القوانين، مقارنة بالرقابة القضائية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول التي أخذت بنظام المحاكم الدستورية (النمسا- ألمانيا– مصر.. الخ)، ما جعل أحد الفقهاء الفرنسيين يقول إن مهمة المجلس الدستوري الفرنسي هي الصياغة الفنية للقوانين. يعود ذلك حتما إلى طبيعة الرقابة السابقة التي تكون قبل صدور القانون، ما يجعلها قد تغفل في كثير من الأحيان بعض العيوب الخفية وغير الدستورية في القوانين، والتي لا تتضح بشكل جلي وواضح، إلا حين الممارسة الفعلية حال تطبيق القانون والتي لم تكن واضحة لحظة صدوره، وكذا حصر جهة الإخطار في جهات محددة على سبيل الحصر، على عكس الرقابة القضائية التي تكون مكفولة لجميع المواطنين على السواء، ما يجعل الرقابة القضائية أكثـر فعالية وواقعية. وعليه تظل الرقابة الدستورية في فرنسا قاصرة ومتخلفة بكثير عما هو موجود في الولايات المتحدة الأمريكية والدول التي أخذت بنظام الرقابة القضائية، خصوصا أن المجلس الدستوري لا يتصدى للرقابة من تلقاء نفسه. مع العلم كذلك أن الجهات القضائية لا تملك حق الإحالة على المجلس الدستوري في حالة تمسك أحد الأطراف بأن النص القانوني مخالف للدستور، كما أن القوانين والتنظيمات التي تصدر وقد تمس بحقوق الإفراد وحرياتهم لا يمكنهم الطعن فيها أمام المجلس الدستوري، ما يجعلهم مجبرين على الانصياع إليها في طوع يشبه الكره أو كره يشبه الطوع.

الرقابة الدستورية في الجزائر

نصَّ دستور سبتمبر 1963 على إنشاء مجلس دستوري يتولى الرقابة على دستورية القوانين، يتكون من 07 أعضاء يتم انتخاب رئيسه من قِبل أعضائه، وليس له صوت مرجح يتلقى الإخطار من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الوطني. هذا المجلس لم ير النور للظروف التاريخية المعروفة، أما دستور 26 نوفمبر 1976 فقد غيبت فيه الرقابة الدستورية، ثم كان دستور التعددية في 23 فبراير 1989 الذي نصّ على إنشاء مجلس دستوري يتكون من 7 أعضاء يتولى إخطاره رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الشعبي الوطني، ثم في التعديل الدستوري 28 نوفمبر 1996 تم رفع عدد أعضاء المجلس إلى 9 أعضاء وتوسيع جهة الإخطار لتشمل رئيس مجلس الأمة.

وللمجلس الدستوري أهمية بالغة في النظام المؤسساتي الجزائري، نظرا للاختصاصات المخوّلة له بموجب الدستور والتي تهدف إلى احترام نصوص الدستور، وذلك عن طريق مطابقة النص القانوني مع الدستور، وإبداء رأيه وجوبا في دستورية القوانين العضوية والفصل في دستورية المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بالإضافة إلى مطابقة النظام الداخلي لغرفتي البرلمان لنصوص الدستور، وكذلك باعتباره محكمة انتخابية، فهو يسهر على صحة عمليات الاستفتاء والانتخابات الرئاسية والبرلمانية وإعلان نتائجها، إضافة إلى المهام الاستشارية المخولة له دستوريا، خصوصا إذا تعلق الأمر بتعديل الدستور وحالة الضرورة وشغور منصب رئيس الجمهورية.

ضرورة توسيع جهات إخطار المجلس الدستوري

يرى كثير من فقهاء القانون الدستوري أن الرقابة الدستورية في الجزائر لا تزال ضعيفة وبعيدة عن تحقيق أهدافها الدستورية، نظرا لهيمنة السلطة التنفيذية ومحدودية جهة الإخطار، ما يجعل المجلس الدستوري يده مغلولة عن ممارسة دوره الرقابي، خصوصا أن الجهات المخطرة هي نفسها الجهات التي يصدر عنها القانون محل الإخطار، ما يجعلها الخصم والحكم في الوقت نفسه، خصوصا إذا كانت الأغلبية البرلمانية ورئيس الجمهورية من التيار السياسي نفسه، من أجل ذلك وجب توسيع سلطة إخطار المجلس الدستوري لضمان رقابة أفضل على احترام الدستور وضمان الحقوق والحريات المكفولة دستوريا. ويمكن ذلك عن طريق توسيع سلطة الإخطار لتشمل الكتل البرلمانية لتمكين المعارضة السياسية من ممارسة دورها الرقابي، كما يمكن إعطاء صلاحيات الإخطار إلى 1/3 أعضاء مجلس الأمة تدعيما وتفعيلا لمركز مجلس الأمة كجهة رقابية وإلى 60 عضوا من المجلس الشعبي الوطني.

أما فيما يخص توسيع سلطة الإخطار لتشمل كافة المواطنين فهو أمر لا يستقيم مع واقع الحال، نظرا لطبيعة المجلس الدستوري السياسية والذي يعتمد الرقابة السابقة، ولا يمكن إعطاء المواطنين حق الرقابة على قوانين لم تصدر بعد، ولم يكونوا مخاطبين بها ولا يتأتى ذلك إلا بالتغير من الطبيعة القانونية للمجلس الدستوري إلى محكمة دستورية، وبالتالي التحوّل إلى الرقابة القضائية، وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي، لأن الرافعة السياسية في البلاد لا تزال ضعيفة ولا ترقى إلى ذلك.

أما فيما يخص رئيس المجلس الدستوري، والذي وجب انتخابه من طرف أعضاء المجلس الدستوري مثلما كان عليه الحال في دستور سبتمبر 1963، حيث تنصّ المادة 63 منه ”.. ينتخب أعضاء المجلس الدستوري رئيسهم الذي ليس له صوت مرجح”، الأمر الذي يبعده عن هيمنة السلطة التنفيذية ويجعل قراره مستقل، إضافة إلى ضرورة الرفع من عدد أعضاء السلطة القضائية داخل المجلس الدستوري، باعتبارها السلطة التي تملك المكنة القانونية في الرقابة على القوانين وإضفاء الطابع القضائي على المجلس، خصوصا في مجال الطعون الانتخابية باعتباره محكمة انتخابية ولتحقيق التوازن المطلوب بين السلطات.