عرض تاريخي لتشريع الدساتير العراقية

لقد عرف العراق عدة دساتير منذ تاريخ تاسيس الدولة العراقية، جميعها في عدة خصائص ابرزها طابعها المؤقت وابتعادها عن الاسلوب الديمقراطي في اقامة الدساتير مما ادى الى سقوطها بسقوط القوى الحاكمة التي وضعتها والتي طالما استخدمتها كاداة لتحقيق اهدافها وطموحاتها بعيدا عن مصالح الشعب العراقي.

اولا: القانون الاساسي العراقي (دستور عام 1925)

كان هذا الدستور هو اول دستور يعرفه العراقيون بعد الاحتلال البريطاني وقد مر مشروع هذا الدستور بعدة مراحل ليأخذ شكله النهائي. فأول مسودة له وضعت عام 1921 من قبل عدد من الموظفين البريطانيين في العراق من ضمنهم مستشار وزارة العدلية العراقية المستر دراور والمستر فيجل دافيس والمقدم يونك. ثم بعد ذلك في آذار عام 1922 قام الملك فيصل الاول بعرض المشروع على لجنة عراقية مؤلفة من وزير العدلية ناجي السويدي ووزير المالية ساسون حسقيل وسكرتير الملك رستم حيدر. وقد قامت هذه اللجنة باجراء بعض التعديلات على هذا المشروع. ثم تم تنقيحه من قبل وزارة المستعمرات البريطانية في 16 نيسان عام 1922. ليعاد مرة اخرى الى بغداد ليقرر مجلس الوزراء بعد ذلك عرضه على جنة مشتركة عراقية بريطانية تضم وزير العدلية ناجي السويدي والمستر دراور مستشار وزارة العدلية ليخضع المشروع للتنقيح مرة اخرى من قبل وزارة المستعمرات البريطانية بعد ذلك خضع مشروع الدستور للمناقشة في مجلس الوزراء واجراء توجيهات الملك عليه وبعد انتخاب اعضاء المجلس التأسيس العراقي في 25 شباط عام 1924 ابتدأ المجلس بتأليف لجنة من اعضائه لدراسة مشروع الدستور وقد روعي في تأليف اللجنة بضمنها عضوا من كل لواء من الوية العراق وفي 14 حزيران عام 1924 بدأت مناقشات الدستور والتي كانت مقيدة بنصوص المعاهدة البريطانية العراقية واستغرقت المناقشات ثماني عشرة جلسة انتهت في 10 تموز عام 1924 بموافقة المجلس التأسيس على الدستور الذي بدأ يعرف باسم القانون الاساسي العراقي باعتبار ان كلمة دستور غير عربية ولم تتم مصادقة الملك عليه ولم ينشر في الجريدة الرسمية حتى اذار عام 1925.

ثانيا: دستور 27 تموز 1958 (المؤقت)

بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 واعلان قيام النظام الجمهوري في العراق البيان الذي اذاعه رئيس الوزراء مساء يوم 27 تموز 1958 واكد فيه على انهيار القانون الاساسي واشار فيه الى ان الثورة قد قررت ان تتخذ معها دستورا مؤقتا يعين اساس الحكم لحين تشريع دستور دائم. وفي 20 تموز عام 1958 اتصل كل من وزير الارشاد السيد محمد صديق شنشل والسيد محمد حديد وزير الاقتصاد بالمحامي والسياسي حسين جميل. الذي عرف عنه اهتماماته في الدراسات الدستورية. ونقل له التكليف بوضع مشروع دستور يلائم متطلبات الحكم خلال فترة انتقالية. وقد اعتمد حسين جميل في عمله على احكام الدستور المصري المؤقت لسنة 1953 ودستور سنة 1956 وكذلك دستور الجمهورية العربية المتحدة المؤقت الصادر في 5 آذار عام 1958م. واستغرق اعداد مشروع الدستور يومين فقط من تاريخ تكليف السيد حسين جميل باعداده. بعد ذلك تم مناقشة مشروع الدستور المؤقت من قبل مجلس الوزراء ووافق عليه بعد اضافة مادتين له الاولى تنص على ان الاسلام دين الدولة الرسمي والثانية على ان القوات المسلحة في الجمهورية العراقية ملك الشعب ومهمتها حماية سيادة البلاد وسلامة اراضيه. بعدها تم نشره في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 2 في 28/ 7/ 1958.

ثالثا: قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة (دستور نيسان 1963)

في الثامن من شباط 1963 اعلن عن اسقاط النظام السياسي لثورة 14 تموز والاعلان عن قيام نظام سياسي يقوده المجلس الوطني لقيادة الثورة ويمارس السلطة في الجمهورية العراقية بما فيها السلطة التشريعية وقيادة القوات المسلحة وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة. وباستثناء هذا البيان لم يصدر اي تنظيم دستوري للنظام السياسي الجديد حتى 4 نيسان 1963. وذلك بصدور قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة رقم 2 لسنة 1963 وعلى الرغم من عدم الاعلان عن اسلوب وطريقة اقامة هذا القانون فأضبارة هذا القانون لا تتضمن اشارة تفيد في هذا الخصوص الا ان بعض المعلومات غير الموثقة تشير الا ان المجلس الوطني لقيادة الثورة قد الف لجنة تضم بعض الوزراء قامت بوضع القانون المذكور والذي نصت المادة 18 منه على (يعتبر هذا القانون قانونا دستوريا). ونشر في الوقائع العراقية بالعدد 797 في 25/ 4/ 1963.

رابعا: دستور 29 نيسان 1964 (المؤقت)

بعد 9 اشهر قام نظام سياسي آخر اثر الانقلاب العسكري الذي حدث في 18/ تشرين الثاني عام 1963 والذي اصدر قانونا جديدا باسم (المجلس الوطني لقيادة الثورة المرقم 61 لسنة 1964). وقد تم اعداد مشروع هذا القانون والمصادقة عليه من قبل رئيس الجمهورية والوزراء. وهذا القانون لم يتضمن سوى تنظيم هذه المؤسسة الدستورية في الوقت الذي بقيت كافة المؤسسات الاخرى دون تنظيم دستوري في ممارستها للسلطة. لذلك فقد كلف رئيس الجمهورية وزير العدل في ذلك الوقت السيد كامل الخطيب بوضع مشروع دستور مؤقت، فقام بدوره بتشكيل لجنة من كبار الفقهاء ومن اعضاء ديوان التدوين القانوني لانجاز المهمة وتوصلت هذه اللجنة الى وضع مشروع دستور مؤقت اعتمدت في وضعه على دساتير بعض الدول العربية والاجنبية الا ان مشروع هذا الدستور رفض من قبل رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء. وتم تشكيل لجنة جديدة ضمت عددا من الوزراء وبعض موظفي رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء وترأسها رئيس الجمهورية بنفسه. والتي اعتمدت في عملها على دستور 25 آذار 1964 للجمهورية العربية المتحدة وبعد مناقشات طويلة وحادة تمت المصادقة على هذا الدستور المؤقت من قبل رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء في 29 نيسان 1964.

خامسا: دستور 21 ايلول عام 1968.

بعد انقلاب تموز عام 1968 قام القابضون على السلطة بتكليف بعض قضاة محكمة التمييز وبعض كبار موظفي رئاسة الجمهورية باعداد مشروع دستور للنظام السياسي الجديد وتم اصدار هذا الدستور من قبل ما يسمى مجلس قيادة الثورة عام 1968 اي بعد انقضاء 65 يوما من اعلان قيام النظام.

سادسا: دستور 16 تموز عام 1970 (المؤقت)

بعد سنتين من صدور دستور 1968 قام ما يسمى (مجلس قيادة الثورة المنحل) بتكليف لجنة لوضع مشروع دستور مؤقت وقد تألفت هذه اللجنة من رئيس مكتب الشؤون القانونية في هذا المجلس، واستاذين من اساتذة كلية القانون بجامعة بغداد وبعد ذلك عقدت هذه اللجنة سلسلة من الاجتماعات وضعت مشروع الدستور المؤقت، ثم بعد ذلك، تشكلت لجنة اخرى دخل فيها بالاضافة الى الاعضاء السابقين استاذين من كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد. ورئيس ديوان رئاسة الجمهورية يترأسها نائب ما يسمى (مجلس قيادة الثورة المنحل) بعدها تم مناقشة مشروع الدستور من قبل هذا المجلس ووافق عليه بموجب قراره المرقم 792 وصدر بتاريخ 16 تموز عام 1970 والذي ظل نافذا لحين سقوط نظام صدام المباد في 9/ 4/ 2003.

سابعا: مشروع دستور 1990

قام نظام صدام بمحاولة لوضع دستور جديد دائم للعراق. فقام بتشكيل لجنة فنية لاعداد مشروع هذا الدستور في آذار عام 1989 وتكونت من ثمانية اعضاء. ضمت في عضويتها وزيرين وثلاثة من اساتذة الجامعات واحد اعضاء محكمة التمييز واثنين من الموظفين القانونيين في وزارة الخارجية، وانتهت في 11 آب عام 1989 من وضع دستور يتكون من 217 مادة. الا ان هذا المشروع ظل مجرد حبر على ورق ولم ينشر او يصدر.

ثامنا: قانون ادارة الدولة للفترة الانتقالية

بعد سقوط النظام الدكتاتوري وتشكيل مجلس الحكم الانتقالي في تموز عام 2003. قام هذا المجلس بوصفه اول سلطة عراقية تشكيل في العراق بعد سقوط النظام البعثي بتشكيل لجنة دستورية تتكون من مجموعة من السياسيين ورجال الدين والقانونيين تعمل على دراسة افضل الآليات لصياغة دستور دائم للدولة. ويظل الدستور الشغل الشاغل لجميع افراد الشعب العراقي بكافة اطيافه والوانه والهم الاكبر لجميع القوى السياسية والدينية بتنوع توجهاتها الفكرية والآيديولوجية لما يتضمنه من مبادئ واسس تنظم شكل الدولة ونظام الحكم فيها وكذلك ما يتضمنه من حقوق وحريات المواطنين وعلاقتهم مع السلطة الحاكمة.

تاسعا : دستور سنة 2005 النافذ والمعمول به حاليا وكتب بواسطة لجنة صياغة الدستور عام 2005 وهي لجنة أنبثقت عن الجمعية الوطنية تضم ممثلين عن كافة أطياف الشعب العراقي وأقر بالأستفتاء العام من قبل الشعب .