ان عقد الوساطة التجارية هو عقد غير لازم بحيث يجوز لأي من طرفيه انهاؤه في أي وقت يشاء بإرادته المنفردة فيكون للموسط عزل الوسيط التجاري عن اداء مهمته وكذلك يكون للوسيط الحق في التنحي عن اداء هذه المهمة (1).وانقضاء عقد الوساطة التجارية بعزل الوسيط او اعتزاله يبين السمة الارادية لهذا الانقضاء فالمتوسط يستطيع بإرادته ان يضع حدا لوساطة الوسيط وكذلك يستطيع الوسيط بإرادته المنفردة ان يفعل الشيء نفسه ، فالوسيط التجاري يمارس عمله بناء على تفويض الموسط ورغبته في ان يقوم الوسيط بمساعدته في البيع او في الشراء بإيجاد متعاقد للتعاقد معه فيكون للموسط ان يتراجع عن فعله هذا ويعزل الوسيط ، وكذلك الحال بالنسبة للوسيط التجاري فهو قد رضي بممارسة هذا العمل بإرادته فهو غير مجبر عليه ولذلك فإن له ان يتنحى عن ممارسة هذه الوساطة بمعنى اخر ان يعزل نفسه (2)، وبناء على ماتقدم سنتناول عزل الوسيط اولا ثم بعد ذلك نتناول اعتزال الوسيط (تنحيته عن مهمته ) .

اولاً – عزل الوسيط .

ان الموسط يستطيع ان يعزل الوسيط في أي وقت يشاء ويمنعه من القيام بالوساطة لصالحه لان عقد الوساطة التجارية هو عقد غير لازم بالنسبة لكلا الطرفين وذلك بناء على وضوح الطابع الشخصي عليه فهو يقوم على ثقة كل من طرفيه في الاخر وقيامه على هذه الثقة يعني انه من العقود التي تراعى فيها شخصية طرفي التعاقد لذلك يكون الحق لكل من طرفي التعاقد في انهاء مايربطه بالطرف الاخر بإرادة منفردة اذ لامعنى لبقاء هذه الرابطة بعد تزعزع او زوال ثقة احدهما بالاخر وتردي او تأزم العلاقة الشخصية بينهما كما لو شعر الموسط بأن الوسيط يتواطؤ مع المتعاقد الذي جلبه للتعاقد مع الموسط ويسعى الى تحقيق مصلحته فله ان يعزله ، وفضلا عن ذلك فإن الموسط قد لجأ الى الوسيط من اجل تحقيق مصلحته فإذا وجد الموسط ان تلك المصلحة قد انتفت حق له انهاء الوساطة بعزل الوسيط (3).

وعزل الوسيط يكون بإرادة منفردة تصدر من الموسط موجهة الى الوسيط فتسري بشانها القواعد العامة ، وان هذا العزل قد يكون صريحا كما قد يكون ضمنيا ، ومن امثلة العزل الضمني ان يعين الموسط وسيطا اخر لنفس العمل بحيث يحصل تعارض بينهما ، ويعتبر كذلك عزلا ضمنيا ان يقوم الموسط بنفسه بتنفيذ العمل محل الوساطة بان يجد متعاقداً يتعاقد معه دون تدخل وسيط بينهما وهذا مايحدث في اغلب الحالات ، ولاينتج العزل اثره الا اذا وصل الى علم الوسيط فإذا لم يعلم الوسيط بالعزل واستمر في اداء مهمته ووجد متعاقداً للموسط فإن للاخير ان يرفض التعاقد معه استنادا الى انعدام ثقة الموسط بهذا الوسيط وعدم الاطمئنان للشخص الذي جلبه للتعاقد معه (4) ، ولكن على الموسط تعويض الوسيط عن عمله هذا مادام قد قام بواجبه وعثر على متعاقد له . واذا ما اخذنا موقف المشرع الاردني بموقف المشرع الاردني بقياس عقد الوساطة التجارية على عقد الوكالة فإن جواز عزل الوسيط يعتبر قاعدة من النظام العام فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفها ولذلك لايجوز للوسيط ان يشترط بقاءه وسيطا حتى يتم انتهاء العمل الموسط فيه ويستطيع الموسط عزل الوسيط قبل اتمام العمل لان اشتراط عدم العزل فيه اجبار للموسط واعتداء على ارادته اذ سيبقى الوسيط مستمرا في اداء مهمته رغما عن الموسط وهذا غير مقبول ابدا ، ولايجوز للوسيط ان يشترط تقاضي تعويض اذا عزله الموسط لان في هذا تقييداً لحرية الموسط في عزله وسيطه(5).

واذا كان الموسط يستطيع عزل الوسيط في أي وقت يشاء وذلك يعتبر حقاً له فيجب عليه ان لا يتعسف في استعمال هذا الحق بل يجب عليه اذا اراد عزل الوسيط ان يعزله بعذر مقبول وفي وقت مناسب ، فإذا عزله بعذر غير مقبول او في وقت غير مناسب كان العزل صحيحاً ولكن الوسيط يرجع بالتعويض على الموسط اذا لحقه الضرر من جراء العزل بحيث يغطي الضرر الحاصل كان يقضي له بالأجر كله او بعضه حسب تقدير القاضي لان العزل في هذه الحالة ينطوي على تعسف يستوجب التعويض كما لو تم العزل في وقت كان الوسيط قد قطع شوطا كبيرا في مسعاه كما لو كان على وشك التوصل الى اتفاق مع الغير الذي كلفه الموسط بالبحث عنه لا جل ابرام العقد معه (6). والوسيط هو الذي يجب عليه اثبات ان عزله كان في وقت غير مناسب او بعذر غير مقبول لان الاصل ان الوسيط لا يتقاضى تعويضاً عن عزله فإذا طالب بتعويض وجب عليه ان يثبت السبب القانوني الذي يستحق التعويض من اجله (7).

ثانياً – تنحي الوسيط ( اعتزال الوسيط ) .

مثلما يحق للموسط انهاء عقد الوساطة التجارية بإرادته المنفردة من خلال عزل الوسيط عن اداء مهمته ، كذلك فإن للوسيط التجاري الحق في اعتزال الوساطة وعدم المضي فيها بإرادته المنفردة ويمكن تعليل ذلك بأن الوسيط التجاري قد اراد من خلال القيام بالوساطة تقديم خدمة للموسط وتحقيق مصلحة له بالحصول على الاجر لذلك فإن له ان يتنحى عن القيام بهذه الوساطة في أي وقت اذا راى انه لم يعد من الملائم له ان يمضي في تنفيذ الوساطة (8). وتنحي الوسيط التجاري يكون بإرادة منفردة تصدر منه ولايشترط ان يكون ذلك في شكل خاص فأي تعبير عن الارادة يفيد معنى التنحي يكفي وكما يكون التنحي صريحا يصح كذلك ان يكون ضمنيا (9). وقياسا على عقد الوكالة فإنه يشترط لصحة اعتزال الوسيط ان يعلم به الطرف الاخر ( الموسط ) لان الاخير قد اعتمد على قبول الوسيط للقيام بمهمة الوساطة واعتقاده بانه مستمر في عمله بالبحث عن متعاقد للتعاقد معه ولم يلجأ الى وسيط اخر ، فإذا اراد الوسيط الاعتزال فعليه اعلام الموسط بذلك حتى يلجأ الموسط الى وسيط اخر يقبل القيام بهذه المهمة عوضا عن الوسيط التجاري الذي اعتزل (10).

وجواز تنحي الوسيط كجواز عزله يعتبر قاعدة من النظام العام قياسا على عقد الوكالة كما بينا ذلك في عزل الوسيط ولايجوز الاتفاق على مايخالفها ومن ثم لايجوز للموسط ان يشترط على الوسيط البقاء في الوساطة حتى يتم العمل الموسط فيه ولايجوز ايضا ان يشترط الموسط ان يتقاضى تعويضاً من الوسيط اذا تنحى عن الوساطة لان في هذا تقيداً لحريته في التنحي (11). وكما هو الحال عند عزل الموسط للوسيط يشترط ان يتم تنحي الوسيط واعتزاله في وقت مناسب وان يكون هذا الاعتزال بسبب وبمبرر مقبول فإذا خالف الوسيط هذا الشرط واعتزل دون مبرر مقبول او في وقت غير مناسب كان متعسفا في استخدامه لحقه في التنحي والتزم بتعويض الموسط عن الضرر الذي يمكن ان يلحقه بسبب ذلك فيعتبر الاعتزال بسبب مقبول اذا كان الوسيط مريضا مثلا او قرر الهجرة من البلاد(12).

_____________________

[1]- ينظر : راهي حنظل سليمان ، المصدر السابق ، ص 64 .

2- ينظر : جمال مرسي بدر ، المصدر السابق ، ص 363

3- ينظر : جاسم العبودي ، المصدر السابق ، ص 331 .

4- ينظر: د. محمد كامل مرسي المصدر السابق،ص452-453،وكذلك انور العمروسي،المصدر السابق، ص242 .

5- ينظر : د. عبدالرزاق السنهوري ، المصدر السابق ، ص 665 ، والنص العراقي والمصري صريح بهذا الشأن بالنسبة للوكالة اذ تنص المادة (947) من القانون المدني العراقي على ان ((للموكل ان يعزل الوكيل او يقيد من وكالته وللوكيل ان يعزل نفسه ولاعبرة بأي اتفاق يخالف ذلك )) ، وتنص الفقرة الاولى من المادة (715) من القانون المدني المصري على (( يجوز للموكل في أي وقت ان ينهي الوكالة او يقيدها ولو وجد اتفاق يخالف ذلك)) ولكن القانون المدني الاردني على خلاف القانون العراقي والمصري فلم يعتبر حق الموكل في عزل وكيله متى شاء من النظام العام ولم يقضِ صراحة بعدم جواز الاتفاق على ما يخالفه وبالتالي يمكن القول بجواز اشتراط الوكيل بقاءه وكيلا حتى انهائه العمل الموكل به فلا يجوز عندئذ للموكل عزله عند وجود مثل هذا الشرط ، للمزيد من التفصيل في هذه المسألة يراجع : د. عدنان ابراهيم السرحان ، المصدر السابق ، ص 177، وموقف القانون الفرنسي يماثل موقف القانون الاردني حيث لايوجد نص يعتبر هذه القاعدة من النظام العام فيجوز الاتفاق على عدم قابلية الوكيل للعزل ، ينظر ( السنهوري ، المصدر السابق ، ص 664) .

6- للمزيد من التفصيل ، ينظر : د. محمد علي عرفة ، المصدر السابق ، ص 344 ؛ ود. عدنان ابراهيم سرحان ، المصدر السابق ، ص 176 ؛ ود. زهير عباس كريم ، المصدر السابق ، ص 394 ؛ ود.فوزي محمد سامي ، القانون التجاري الاردني ، المصدر السابق ، ص 319 . اذ تطبق في هذه الحالة المواد – الفقرة الاولى من المادة (947) مدني عراقي اذ تنص على (( اذا كانت الوكالة بأجرة فإن من صدر منه العزل يكون ملزما بتعويض الطرف الثاني عن الضرر الذي لحقه من جراء العزل في وقت غير مناسب وبغير عذر مقبول ) ويقابل النص العراقي الفقرة الاولى من المادة (715) من القانون المدني المصري ، والمادة (864) من القانون المدني الاردني .

7- ينظر : د. عبدالرزاق السنهوري ، المصدر السابق ، ص 666 .

8- ينظر : د. عبدالرزاق السنهوري ، المصدر السابق ، ص 669 .

9- ينظر : د. انور العمروسي ، المصدر السابق ، ص 448 .

0[1]- اذ تنص الفقرة الثانية من المادة (947) على (( لا يتحقق انتهاء الوكالة بالعزل ، الا بعد حصول العلم للطرف الثاني )) .

1[1]- ينظر : د. عبدالرزاق السنهوري ، المصدر السابق ، ص 671 .

2[1]- ينظر : د. محمد علي عرفة ، المصدر السابق ، ص 349 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .