يطلق العديد من الفقهاء(1). تسمية “خيار الرجوع عن الإيجاب القائم غير الملزم” على الخيار الممنوح للموجب في مجلس العقد الحقيقي، ويبدو لنا أن هذه التسمية قد جاءت بحسب المنظور الذي تنظر به غالبية التشريعات العربية ومنها القانون المدني العراقي والمصري والأردني من اعتبار بأن الأصل في الإيجاب في مجلس العقد الحقيقي هو عدم اللزوم، وهذا ما أكده جانب من الفقه(2). بقولهم، أن الإيجاب في هذه الحالة ليس له بحد ذاته قوة إلزامية وأن للموجب أن يرجع عن أيجابه ما دام لم يقترن به قبول. إلا أن هذا القول يثير تساؤلاً مهماً وهو أيتمتع الموجب بحرية مطلقة في الرجوع عن أيجابه أم أن للمسألة وجهاً أخر؟ مما لا شك فيه أن للموجب في مجلس العقد (الحقيقي) الرجوع عن أيجابه، عندما لا تتحدد مدة للقبول، ولم يمكن استنتاج ميعاد ضمني لذلك القبول(3). وهو القول الذي نتفق معه، إلا أنه يجب الأخذ بنظر الاعتبار عند استعمال خيار الرجوع طبيعة الإيجاب في الوصول إلى إبرام العقد، فالإيجاب وإن لم تكن نتيجته الحتمية هي إبرام العقد، إلا أن إبرام العقد هو هدفه النهائي. ويبدو أن القانون المدني العراقي قد جعل حرية الموجب في الرجوع عن أيجابه هي الأصل وهذا ما يمكن فهمه بشكل واضح من نص المادة (82) منه(4). كما يمكن أن يفهم ذلك من مفهوم المخالفة للمادة (84) منه، إذ اعتبرت هذه المادة أن الموجب يلتزم بأيجابه إذا حدد مدة يلتزم خلالها، بمعنى أنه إذا لم يحدد مدة لا يجابه فإنه لا يلتزم بالإيجاب، بل يكون له حق الرجوع، وهذا ما يمكن القول به بالنسبة إلى موقف القانونين المصري والأردني، إذ أعطى المشرعان المذكورين آنفاً للموجب الحرية في الرجوع في المادتين (94 فقرة 2 مصري و 96 أردني)، كما ألزما الموجب بأيجابه في المادتين (93 مصري و 98 أردني). ويبدو أن موقف القانون المدني العراقي والمصري والأردني قد جاء متفقاً مع رأي جمهور الفقهاء المسلمين من الحنفية والشافعية والحنابلة، ومعتمداً على المادتين (182 ، 184) من مجلة الأحكام العدلية، وما يؤكد ذلك ما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الأردني بأن “المشرع أخذ بالمذهب الحنفي الذي يقرر بأن الإيجاب يظل قائماً إلى أخر المجلس، ولكن للموجب العدول عنه ما لم يكن قد قبله الموجب إليه(5). أما القانون المدني الفرنسي فلم يرد نص قانوني يعالج فيه خيار الرجوع، ومع ذلك فقد ذكر جانب من الفقه الفرنسي(6). أن “الأصل في القانون الفرنسي أن الإيجاب غير ملزم وأن خلاف الأصل هو اللزوم“. أما القضاء الفرنسي فقد أعطى للإيجاب قيمة قانونية أقوى من أن يكون عنصراً بسيطاً في المفاوضات العقدية، فقد أخذ القضاء بنظر الاعتبار أنه لابد من توفير قدر من الحماية للعلاقات، ويتم ذلك بواسطة عدم الإخلال بالثقة المشروعة التي يولدها الإيجاب عند من وجه إليه(7). إذ يستخلص القضاء الفرنسي من غياب المبرر المقبول للرجوع عن الإيجاب دليلاً على سوء النية. ويستدل عادة على غياب المبرر المقبول بقرينة مستخلصة من وجود مبرر أخر غير مشروع كان هو السبب الحقيقي للإنسحاب من مجلس العقد(8). وتجدر الإشارة إلى أن هنالك اتجاهاً في الفقه الفرنسي، يميل إلى اعتبار كل أيجاب أنه مقترن ضمناً بميعاد معقول يكون ملزماً خلاله، ويتيح لمن وجه إليه فرصة مناسبة للتفكير(9). فيتبين بأن هذا الاتجاه يعتبر الإيجاب ملزماً أياً كان بمدة أو من دونها. وقد أخذ بهذا الاتجاه جانب من الفقه(10). بقولهم “إذا لم يتم تحديد مدة ما في الإيجاب فإن الموجب يبقى ملتزماً بأيجابه الفترة المعقولة، ويتم تحديد هذه المدة من قبل المحكمة، وتعتبر مسألة تحديد الفترة المعقولة هي مسألة واقع تعتمد على ظروف الفرد وكذلك حسب الحالة وعرف الأعمال المتبعة“. بيد أن هذا الالتزام الذي يقيد حرية الموجب في الرجوع عن أيجابه ليس التزاماً تعاقدياً، فلا يؤدي الإخلال به إلى تطبيق أحكام المسؤولية العقدية، بمعنى أن مصدره ليس نصاً قانونياً. وهنا فقد أثير الخلاف في أساسه القانوني؟ ويبدو أن هنالك رأيين في المسألة:

الرأي الأول: ويذهب إلى أن الموجب وإن لم يلزم بالإيجاب تعاقدياً إلا أنه لا يجوز أن يتعسف في استعمال حريته في الرجوع عن الإيجاب(11). إلا أن هذا الرأي منتقد من حيث أن التعسف في استعمال الحق لا يصلح لأن يكون مصدراً للالتزام بالإبقاء على الإيجاب.

الرأي الثاني: وهو الذي يرى أن الثقة المشروعة التي يولدها الإيجاب هي ذاتها الأساس الذي يبنى عليه الالتزام، بالإبقاء على الإيجاب(12). فإذا حصلت الثقة المشروعة لدى مَن وجه إليه الإيجاب، فيفترض أن الموجب يلتزم بالإبقاء على الإيجاب على النحو الذي لا يخل بهذه الثقة.

ونعتقد بأنه وإن كان للثقة المشروعة المتولدة عن الإيجاب من دور وأهمية كبيرة في إلزام الموجب في البقاء على أيجابه، إلا أنها لا تصلح لأن تكون الأساس القانوني الذي يبنى عليه التزام الموجب بإيجابه، بل هي سبب من الأسباب، التي يؤدي الإخلال بها إلى تطبيق الأساس القانوني (في حالة نص المشرع على اعتبار أن الإيجاب ملزمٌ للموجب). أما فيما يتعلق بموقف المشرع العراقي فلم يورد في القانون المدني نصاً يلزم الموجب في مجلس العقد الحقيقي بأيجابه، بل على العكس، فقد جعل المشرع للموجب حرية الرجوع هي الأصل. ولذلك فمن الضروري أن يعالج المشرع هذه المسألة بوضع موازنة عادلة ما بين حرية الموجب في الرجوع وإلزامه بالإيجاب، بأن يجعل المشرع العراقي الأصل هو الإلزام واستثناءً وضمن ضوابط معينة كعلم الموجه إليه الإيجاب بالرجوع وعدم الإضرار بالموجه إليه، يجيز الرجوع عنه في مجلس العقد الحقيقي، فيكون الأساس القانوني لالتزام الموجب هو نص القانون.

ولم يكن هذا القول غريباً على القوانين المدنية، فقد نص المشروع التمهيدي المصري في المادة (129) على مضمون ذلك، إذ نصت هذه المادة على أن “كل من صدر منه أيجاب يلتزم بايجابه، ما لم يصرح بأنه غير ملزم أو ما لم يتبين من الظروف أو من طبيعة التعامل أنه لم يقصد أن يلتزم بايجابه(13). ولكن هل يعني أن قصد المشرع العراقي في جعل الأصل هو حرية الرجوع هو أن للموجب الحرية الكاملة في الرجوع، إذا لم يحدد للإيجاب مدة ما بصورة صريحة؟

جاءت المادة (82) من القانون المدني العراقي لتوضيح الحكم في هذه المسألة، وعلى الرغم من وصف أحد الفقهاء(14). لعبارة هذه المادة في معالجة خيار الرجوع بأن المشرع العراقي “قد صاغ هذه القاعدة بعبارة محكمة شاملة“، فإن الأمر ليس كذلك، فظاهر النص يفيد أن الموجب يتمتع بالحرية الكاملة في الرجوع عن الإيجاب ما دام قد صدر دون أن تحدد له مدة، وما دام القبول لم يصدر بعد، وهذا قد يتعارض مع الواقع في بعض الحالات التي سنوردها وكالآتي:

1)إن الرجوع عن الإيجاب يؤدي إلى بطلانه على وفق أحكام القانون المدني العراقي(15). فلا يمكن إبرام العقد إذا تراجع الموجب عما صدر عنه من إرادة، بيد أن ذلك لا يمنع من تكييف سلوك الموجب على أنه خطأ، وبالتالي قيام مسؤولية الموجب عن هذا الرجوع(16). فيتوجب على الموجب التعويض النقدي أو العيني مع الإشارة إلى أن التعويض العيني لا يمكن أن يصل إلى اعتبار أن العقد منعقدً لأن ذلك يتعارض مع مفهوم التراضي في العقود وهذا ما يتعارض مع اعتبار الإيجاب ساقطاً، فالإيجاب الباطل لا ينتج أثراً، وهنا قد أحدث أثراً في قيام المسؤولية، وبذلك تتوضح الخصوصية للإيجاب في فترة مجلس العقد.

2)قد يستلزم مبدأ حسن النية ونزاهة المعاملات أن يستمر الموجب في أيجابه وبذلك فلا يجوز للموجب الرجوع عن أيجابه وتتقيد حريته في خيار الرجوع، وقد ذهب بعض الفقهاء(17). إلى القول “أن حرية الموجب ليست مطلقة في الرجوع عن التعاقد، فقد يستلزم مبدأ حسن النية، ونزاهة المعاملات أن يستمر المتفاوض فيها خاصة عندما يكون المتعاقدان في مرحلة متقدمة بعد أن يصدر من الموجب ما يطلق عليه بـ”التعبيرات العقدية” بمعنى أن ما يصدر عن الموجب من تعبير يكشف عن النية الحقيقية في إبرام العقد، لذلك قد يجد الموجب نفسه ملزماً بالاستمرار في الإيجاب، فإن رجع عن أيجابه فإنه قد يضيع على الموجه إليه فرصة، وحينئذٍ يستحق الموجه إليه الإيجاب التعويض عن هذا الضرر(18). لم يشترط المشرع العراقي في المادة (82) علم الموجه إليه الإيجاب بالرجوع عن الإيجاب، كما لم يورد نصاً قانونياً عاماً يطبق على الإرادة في اشتراط العلم بها (وكذلك المشرع الأردني)، وعلى العكس من ذلك كان موقف المشرع المصري، فقد جاء القانون المدني المصري بنص عام للإرادة في المادة (91) منه التي جاء فيها: “ينتج التعبير عن الإرادة أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك“، والذي يمكن تطبيقه على إرادة الرجوع بوصفها إرادة، ولذلك يمكن القول بأنه يشترط في القانون المدني المصري أن يعلم الموجه إليه الإيجاب بالرجوع عنه حتى ينتج الرجوع أثره، أما إذا لم يعلم بالرجوع فلا أثر لهذا الرجوع. وعلى ذلك فإنه من الأولى بمشرعنا أن ينص على شرط العلم قبل الرجوع عن الإيجاب لأن الرجوع ما هو إلا إرادة، ومن ثم فإنه يجب أن يتم توجيه هذه الإرادة، فلو أنها بقيت حبيسة دواخل صاحبها فإن القانون لا يحفل بها(19). وبذلك يكون الحال بأن الموجب يستطيع الرجوع عن أيجابه، على أن يصل الرجوع إلى علم من وجه إليه قبل أن يقبل الموجه إليه الإيجاب وينعقد العقد(20). وهذا ما أكده جانب من الفقه(21). بقولهم إذا وجه أيجاب غير مقترن بميعاد إلى حاضر في مجلس العقد وعلم به، ثم رجع الموجب عن أيجابه فيشترط أن يعلم الموجه إليه الإيجاب بهذا الرجوع. فإذا رجع الموجب عن أيجابه قبل قبول الموجه إليه الإيجاب وكان هذا الأخير قد قبل الإيجاب دون أن يعلم برجوعه وأنفق بسبب ذلك مصاريف وتكبد خسارة وجب على الموجب الذي رجع عن أيجابه أن يعوضه عن ذلك(22). ويرى بعض الفقهاء(23). بأنه يمكن معالجة حالة الإخلال بالثقة المشروعة أو عدم الالتزام بمبدأ حسن النية، باعتبار أن الموجب إذا ارتكب خطأ أو عملاً غير مشروع فإنه يسأل حينئذٍ على أساس القواعد العامة في المسؤولية التقصيرية(24)، إلا أن هذا القول لا يعطي للإيجاب خصوصية في قيام المسؤولية، خاصة وأن الإيجاب تعبير محدد ودقيق يجعل العقد وشيك الإبرام، فالإيجاب هو في الحقيقة أكثر من مسألة التعبير عن الرغبة أو الأمل في أن يتم إبرام العقد(25). إذ قد لا يبقى لإبرام العقد، إلا صدور قبول الموجه إليه والذي يكفي فيه أن يكون بكلمة واحدة أو قد يعتبر مجرد السكوت قبولاً للإيجاب في بعض الأحيان(26). فصدور الإيجاب يعني أن الثقة المتولدة في التعاقد تكون في أعلى درجاتها، وهذا ما يعكس التزام طرفي مجلس العقد وليس فقط الموجب بعدم الإخلال بهذه الثقة المتولدة عن سلوكهما(27). كما أن الموجب لا يصل إلى مرحلة الإيجاب عادة إلا بعد مفاوضات بينه وبين الطرف الأخر، وأن رجوع الموجب قد يترتب عليه إضرار بالغة للموجه إليه(28). لذلك نؤيد ما ذهب إليه جانب من الفقه(29). في أن المسؤولية التي قد تقع عن خطأ الموجب في استعمال خيار الرجوع هي مسؤولية خاصة تدعى “مسؤولية ما قبل التعاقد” بما لها من خصوصية(30). وبهذا يتم التفريق ما بين قيام المسؤولية التقصيرية في مرحلة المفاوضات، وقيام هذه المسؤولية بعد الإيجاب وقيام مجلس العقد. وبالتالي فيكون تبرير هذا القول على أساس أن الإيجاب قد أحدث ثقة مشروعة عند الموجب إليه وإن هذه الثقة قد خيبها الموجب فكان بذلك مسؤولاً

(31). فتكون للقاضي السلطة التقديرية في تقدير الفترة التي توفرت فيها هذه الثقة . لذلك فلا يجوز الرجوع عن الإيجاب في مجلس العقد الحقيقي قبل مضي مدة مناسبة إذا لم يكن للإيجاب مدة(32). ويجب أن تكون للموجب مبررات معقولة في الرجوع(33). لأن قطع التعاقد دون سبب مبرر، مع أن التعاقد قد بلغ حداً كان يظن معه الموجه إليه الإيجاب أن العقد يوشك على الانعقاد، يعتبر خطأ في أثناء التعاقد، لأنه لو اتيح للموجب الرجوع عن إيجابه دون سبب مبرر، بعد علم المخاطب به، لكان تعبيره بمثابة لغو لا قيمة له، مما يعتبر قرينة على توافر نية الإضرار بالطرف الأخر، ويستوجب التعويض عن الضرر الذي أصابه(34). كما ويشترط علم الموجه إليه الإيجاب بالرجوع، وأخيراً عدم الإضرار بالطرف الأخر وهو الموجه إليه الإيجاب. وبعد هذا فقد يثار السؤال الآتي. هل يجوز الاتفاق أو الاشتراط بأنه لا يجوز للموجب استعمال خيار الرجوع؟ إن مثل هذا الشرط يعد صحيحاً لأن النصوص التي أجازت للموجب الرجوع عن أيجابه سواء في القانون المدني العراقي أو المصري أو الأردني تعد من قبيل النصوص المكملة والتي يجوز للأطراف الاتفاق على ما يخالف أحكامها، فضلاً عن أن خيار الرجوع عن الإيجاب شرع لمصلحة الموجب فإذا اتفق على نفيه فإن الموجب يكون قد أسقطه وتنازل عنه برضاه، ويكون بذلك قد ألزم نفسه بالإيجاب فإذا رجع بعد ذلك فلا يعتد برجوعه. كما لو أصدر الموجب إيجاباً إلى الموجه إليه الإيجاب، ويشير فيه أن أيجابه (لا رجوع فيه) وهذا الرأي هو ما يتفق مع الشريعة الإسلامية لقوله “المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً (35). ومثل هذا الشرط ليس فيه تحريم لحلال ولا تحليل لحرام. والخلاصة في مسألة خيار الرجوع في مجلس العقد الحقيقي هي أن موقف المشرع العراقي والمتمثل بنص المادة (82) منه يعطي للموجب الحرية المطلقة في الرجوع عن الإيجاب قبل اقترانه بالقبول، إلا أن هذه الحرية بالرغم من أنها توفر فائدة عملية وهي إعطاء الموجب فرصة للتروي، والتفكير، فأنها مع ذلك قد تؤدي في بعض الأحيان إلى إلحاق الضرر بالطرف الأخر، وذلك بإخلال هذا الرجوع بالثقة المشروعة التي يولدها الإيجاب عند من وجه إليه، كما قد يتعارض مع مبدأ حسن النية ونزاهة المعاملات. كما أن اعتبار المسؤولية التي قد تنتج عندما يعتبر الرجوع خطأ بأنها مسؤولية تقصيرية هو ما يتعارض مع طبيعة مجلس العقد وخصوصية الإيجاب فيه، لذلك فإن المسؤولية هي مسؤولية ناتجة عن فعل الرجوع نفسه إذا لم تتوافر فيه ضمانات، وهذه الضمانات هي شرط علم الموجه إليه الإيجاب بالرجوع وشرط أن يكون للموجب مبرر معتبر. ولذلك نعتقد أن على المشرع العراقي أن يضع نصاً قانونياً يعالج فيه خيار الرجوع ويراعي في هذا النص شروط الرجوع، ليحسم به أي خلاف قد ينشأ، وليكون التشريع هو الأساس الذي تبنى عليه هذه الضمانات والأساس القانوني للمسؤولية التي قد تترتب على الموجب عند الرجوع. وأخيراً فإننا نقترح على المشرع العراقي إيراد النص الآتي بدلاً من نص المادة (82) منه.

1-كل مَن صدر منه أيجاب في مجلس العقد الحقيقي يلتزم بأيجابه لفترة معقولة، ما لم يصرح بأنه غير ملزم، أو ما لم يتبين من الظروف أو من طبيعة التعامل أنه لم يقصد أن يلتزم بأيجابه.

2-للموجب خيار الرجوع، على أن تكون له مبررات معقولة للرجوع، وبشرط علم الموجه إليه الإيجاب بالرجوع قبل انعقاد العقد.

3-للقاضي سلطة تقديرية في تحديد فترة الالتزام، وفي تحديد المبررات في حالة الرجوع عن الإيجاب.

___________________

1- د.عبد المجيد الحكيم، المصدر السابق، ص66 – د.توفيق حسن فرج / د.محمد يحيى مطر، الأصول العامة للقانون، المصدر السابق، ص397-398 – د.مصطفى محمد الجمال / د.عبد الحميد محمد الجمال، القانون والمعاملات، الدار الجامعية، بدون مكان وسنة طبع، ص222.

2- د.سليمان مرقس، المصدر السابق، ص154 – عبد الودود يحيى، المصدر السابق، ص35 – د.رمضان أبو السعود، مبادئ الالتزام، المصدر السابق، ص79.

3- د.عبد الرزاق السنهوري، الوسيط، المصدر السابق، ص208 وما بعدها – د.عبد الحي حجازي، النظرية العامة للالتزام، ج2، مصادر الالتزام، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، 1954م، ص154-155 – د.عبد الودود يحيى، المصدر السابق، ص35 – د.عبد الفتاح عبد الباقي، نظرية العقد، المصدر السابق، ص127 – د.فتحي عبد الرحيم عبد الله، المصدر السابق، ص94 وما بعدها.

4- إذ نصت المادة (82) من القانون المدني العراقي على ما يأتي:

“المتعاقدان بالخيار بعد الإيجاب إلى أخر المجلس. فلو رجع الموجب بعد الإيجاب وقبل القبول أو صدر من أحد المتعاقدين قول أو فعل يدل على الإعراض يبطل الإيجاب ولا عبرة بالقبول الواقع بعد ذلك”.

5- المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الأردني، ج1، ص104.

6- Gerard Legier ، OP. Cit ، P.22 .

7- V.CIV. 8 OCT. 1958 BULL. Civ. N. 413 . P.331

نقلاً عن: سليمان براك دايح الجميلي، المفاوضات العقدية، المصدر السابق، ص20.

8- د.محمد إبراهيم دسوقي، الجوانب القانونية في إدارة المفاوضات وإبرام العقود، مكتبة الملك فهد الوطنية، مكة المكرمة، 1995م، ص95.

9- Mazeaud_Locons De Droit Civil _ P.134

نقلاً عن: د.عبد الفتاح عبد الباقي، نظرية العقد، المصدر السابق، ص132.

10-Clarence W. Dunhan، contracts specifications and Law for Engineers،OP. Cit، P.34

11- Carbonnier(j) les obligations، 1985، P.81

نقلاً عن: د.صبري حمد خاطر، قطع المفاوضات العقدية، المصدر السابق، ص128.

وبنفس المعنى: ينظر – د.عبد الواحد كرم علي، المصدر السابق، ص350.

12- Schmidt(j)، negociations et conclusion de contract، Paris، 1981، P.116

نقلاً عن: د.صبري حمد خاطر، قطع المفاوضات العقدية، المصدر السابق، ص128.

13- المادة (129) من المشرع التمهيدي المصري.

مشار إليها لدى: د.محمد كامل مرسي، الالتزامات، ج1، مطبعة العالمية، القاهرة، 1954م، ص83.

14- د.صلاح الدين عبد اللطيف الناهي، الوجيز الوافي (مصادر الحقوق الشخصية)، مصادر الالتزامات، بغداد، 1984م، ص47.

15- إذ ورد في المادة (82) من القانون المدني العراقي عبارة (يبطل الإيجاب) وكالآتي:

“المتعاقدان بالخيار ….. فلو رجع الموجب بعد الإيجاب وقبل القبول أو ….. يبطل الإيجاب ولا عبرة بالقبول الواقع بعد ذلك”.

16- ونشير في هذا المجال إلى أن هنالك رأياً يذهب إلى اعتبار أن التعويض سيكون عينياً، باعتبار أن العقد منعقداً. واعتبر أصحاب هذا الرأي بأن للقاضي تحديد شروط العقد الذي يريد إبرامه جبراً على إرادة الموجب الذي رجع عن إيجابه بعد صدور الإيجاب وعلم الموجه إليه الإيجاب به، كما اعتبر بأن سلطة القاضي في ذلك هي سلطة تقديرية للحكم بالتعويض فقد يكون الحكم هو بالتعويض النقدي وليس العيني.

ينظر – سليمان دايح الجميلي، المفاوضات العقدية، المصدر السابق، ص109.

17- د.عبد الحي حجازي، النظرية العامة للالتزام، المصدر السابق، ص160.

18- وتجدر الإشارة إلى ما أورده أحد الفقهاء من “أن التحديد الضمني لوصول القبول إلى الموجب، لا يقتصر على التعاقد بين غائبين بل ينطبق أيضاً على التعاقد بين حاضرين – ويسترسل أصحاب هذا الرأي – وفي رأينا أنه لا يعقل أن يبادر المخاطب في مجلس العقد إلى إصدار قبوله أو رفضه فوراً …. بل لا بد له من فترة معقولة يتدبر فيها أمره، ويتمعن خلالها في جدوى إبرام الصفقة، والآثار التي تترتب عنها، غير أن هذه المدة تكون في التعاقد بين حاضرين قصيرة …. ونرى إن منح الموجب الحق في التحلل من إيجابه في التعاقد بين حاضرين في مجلس العقد إذا لم يصدر القابل قبوله فوراً يفرغ التعاقد من الجدية المفترضة لما يرتبه من التزامات متبادلة على طرفيه”.

ينظر – د.عبد الواحد كرم علي، المصدر السابق، ص350.

19- سليمان براك دايح الجميلي، المفاوضات العقدية، المصدر السابق، ص16.

20- د.أحمد حشمت أبو ستيت، مصادر الالتزام، المصدر السابق، ص95.

21- د.عبد الرزاق السنهوري، مصادر الحق، ج2، المصدر السابق، ص58.

22- قال بهذا بوتيه، ووافقه على ذلك أوبرى ورو، ص343، وحكمت بمقتضاه محكمة استئناف بوردو (سيرى 1870 – 2 – 219)، وأخذ به القانون المدني الإيطالي في المادة 1328، مع أنه لم يأخذ بمبدأ الإيجاب الملزم، فقال: يجوز سحب الإيجاب ما دام أن العقد لم ينعقد. ومع ذلك إذا كان الموجب له قد قام بالتنفيذ بحسن نية قبل أن يعلم بسحب الإيجاب التزم الموجب بتعويضه عن المصاريف التي أنفقها وعن الخسارة التي وقعت به بسبب البدء في التنفيذ. نقلاً عن: فكري أبو الخير، قانون ولائحة المفاوضات والمزايدات، ط1، دار الفكر العربي، بيروت، 1975 م، ص198.

23- د.عبد المنعم فرج الصدة، المصدر السابق، ص82 – د.أحمد حشمت أبو ستيت، المصدر السابق، ص95.

24- وهذا ما يطبق بحسب القانون المدني العراقي، إذ نصت المادة (7) منه على ما يأتي: “1- مَن استعمل حقه استعمالاً غير جائز وجب عليه الضمان 2- ويصبح استعمال الحق غير جائز في الأحوال الآتية: (أ) إذا لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الإضرار بالغير. (ب) إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مطلقاً مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها. (ج) إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها غير مشروعة”.

25- Clarence W. Dunham، OP. CIT، P.33 .

26- ينظر نص المادة (81) فقرة (2) من القانون المدني العراقي.

27- سليمان براك دايح الجميلي، المفاوضات العقدية، المصدر السابق، ص18.

28- أستاذنا الدكتور عباس زبون العبودي، المصدر السابق، ص97.

29- د.صبري حمد خاطر، قطع المفاوضات العقدية، المصدر السابق، ص131.

30- تتميز هذه المسؤولية بأنها تنشأ في نطاق المساومات التي يشترك فيها الأشخاص بإرادتهم في سبيل إبرام العقد، فالإيجاب وإن لم ينصرف إلى الالتزام إلا أنه لا يجوز أن يفقد خصوصيته من حيث جعله من السهل توقع حدوث الإلزام. ولذلك فإن هذه الخصوصية تميز مسؤولية ما قبل التعاقد عن المسؤولية التقصيرية.

وتقوم هذه المسؤولية على أركان ثلاثة هي: 1- الخطأ، والذي يتحقق عندما يؤدي الرجوع عن الإيجاب إلى الإخلال بالثقة المشروعة الناشئة عن المفاوضات. 2- الضرر، والذي غالباً ما يتمثل بالخسارة التي يتعرض لها الموجه إليه الإيجاب، كالنفقات التي دفعها لإعداد مشروع العقد بما فيها أجور الدراسات التي أجريت لهذا الغرض، وأجرة المخازن و… . 3- العلاقة السببية، وهي أن يكون الضرر نتيجة لرجوع الموجب عن إيجابه

للمزيد من التفاصيل حول هذه المسؤولية ، ينظر – المصدر نفسه ، ص130 وما بعدها .

31- فكري أبو الخير، المصدر السابق، ص198.

32- د.يوسف الكبير، مقايسة القوانين المدنية، المصدر السابق، ص32.

33- سليمان براك دايح الجميلي، المفاوضات العقدية، المصدر السابق، ص20.

34- د.عبد الواحد كرم علي، المصدر السابق، ص353-354.

35- أخرجه الترمذي في سننه، باب ما ذكر عن رسول الله  في الصلح بين الناس، رقم الحديث (1352)، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، ج3، بيروت، ص634.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .