آثــار حجز ما للمدين لدى الغير:

آثار هذا الحجز تترتب على مجرد إعلان المحجوز لديه، ولكنها تكون معلقة على شرط فاسخ، فإذا لم يحصل إبلاغ المحجوز عليه خلال ثمانية أيام – أو لم ترفع في ذلك الميعاد دعوى صحة الحجز حيث يجب رفعها. زالت آثار الحجز، وهذه الآثار تتلخص فيما يأتي:

الأثر الأول:

لهذا الحجز هو امتناع المحجوز لديه عن الوفاء بما لديه إلى دائنه “المحجوز عليه” وهذا هو الالتزام السلبى الذى يقع على المحجوز لديه نتيجة لنهيه في إعلان الحجز عن ذلك الوفاء، وهو ما يعبر عنه بحبس المال. وهذا الحبس كلى بمعنى أن المحجوز لديه يمتنع عن الوفاء بأي مبلغ يكون في ذمته ولو كان دين الحاجز ضئيلاً وذلك لاحتمال أن يقع حجز آخر يستغرق ما في ذمة المحجوز لديه، فيتزاحم مع الحجز الأول وينكمش بذلك ما كان الحاجز الأول يتوقع أنه سيحصل عليه. ذلك بأن الحجز لا يؤدى إلى اختصاص الحاجز بالمال الذى لدى المحجوز لديه. وينبغي في بيان هذا الأثر أن نعالج الأمور الآتية:

الأمر الأول- تحديد محل الحبس:

أي بيان الأموال التي يتناولها هذا الحبس والتي يمتنع على المحجوز لديه الوفاء بها أو تسليمها إلى المحجوز عليه، وفى هذا لا خلوا الحال من أن يكون المال – الموجود لدى المحجوز لديه – ديناً أو عيناً.

فإن كان محل الحجز ديناً: فإن الحجز قد يكون واقعاً على دين معين وقاصرا عليه وقد يكون شاملا فيقع على كل ما يكون المحجوز لديه مديناً به للمحجوز عليه.

ففي الحالة الأولى: لا يتناول الحجز الا الدين المعين الذى تم الحجز عليه، ومثال ذلك أن يستأجر منك عقاراً ويقترض منك مائة جنيه ويوقع دائن لك حجزاً تحت يد ذلك المستأجر على ما هو مدين به من دين الأجرة، فعندئذ لا يكون له الحق في أن يحبس عنك مبلغ القر لأن الحجز لا يشمله بل يقتصر الحجز على دين الأجرة.
وإنما تستوى في ذلك الأجرة المتأخرة أو ما يستجد منها بعد الحجز، لأن المديونية بالأجرة متحققة وقت الحجز. وتحقق المديونية هنا معناه قيما سببها وقت الحجز.
فلو لم يكن المحجوز لديه مستأجراً وقت الحجز وإنما استأجر بعدها فإن الحجز يكون واقعاً على غير محل. أما إذا ثبت أن عقد الإيجار كان قائماً وقت الحجز فإن الحبس يتحقق بالنسبة للمتأخر من الأجرة، وكذلك بالنسبة للأجرة التي تستحق مستقبلاً. وهو ما يعبر عنه بأن يكون سبب المديونية قائماً وقت الحجز فيقع الحجز على ما هو مستحق من ذلك الدين وقت الحجز وعلى ما يستجد أو يستحق بعد الحجز ومثال ذلك دين الأجرة فالحجز يشمل الأجرة المستحقة عند توقيعه وما يستجد منها مستقبلاً.
والحجز على الدين يشمل الدين وفوائده.

أما في الحالة الثانية: أي متى كان الحجز شاملاً لجميع ما يكون المحجوز لديه مديناً به للمحجوز عليه – فغن الحجز يتناول جميع هذه الديون.
ولكن الغريب في هذه الحالة أن الحجز لا يقتصر على الديون القائمة في ذمة المحجوز لديه وقت إعلانه بالحجز، بل يمتد إلى ما ينشأ منها في ذمته بعد إعلان الحجز إلى وقت التقرير بما في الذمة. وهذا الحكم استثنائي ومخالف للقواعد العامة ولكنه مقرر بنص القانون.
وعلى كل حال، فإن ما ينشأ سببه من هذه الديون بعد التقرير بما في الذمة يخرج من نطاق الحجز. فالعبرة بسبب الدين فإذا كان متحققاً وقت الحجز فإن الحجز يشمل كل ما ينشأ بهذا السبب في ذمة المحجوز عليه من ديون: أي ما يستجد من مبالغ راجعة إلى ذات السبب.

وأما إذا كان محل الحجز عيناً: فإن الحجز لا يتناول إلا ما يكون مملوكا للمدين وقت الحجز، وموجوداً في حيازة المحجوز لديه في ذلك الوقت، فلا يشمل ما تستجد للمدين ملكيته بعد الحجز كما لو باع المحجوز لديه بعض منقولات للمدين بعد الحجز، ولا يشمل كذلك ما خرج عن ملكيته كما لو كان المدين قد باع قبل الحجز بعض منقولاته المودعة لدى المحجوز لديه ويلزم في كل هذه التصرفات اثبات تاريخها.
كذلك لا يشمل الحجز ما لا يكون في حيازة المحجوز لديه وقت الحجز من منقولات المدين. فيخرج من نطاقه ما يكون قد خرج من حيازة المحجوز قبل الحجز وما يدخل في حيازته من المنقولات بعد الحجز.

أي أنه يشترط هنا شرطان: ملكية المدين، وحيازة الغير للشيء، وأن يجتمع هذان الشرطان وقت ايقاع الحجز. ولا يمتد الحجز هنا إلى ثمار المنقول المحجوز أو ما ينتج عنه من غلة أو ريع إذ تطبق هنا المبادئ التي رأيناها في حجز المنقول لأن الحجز واقع على منقول وان كان واقعا بطريقة حجز أموال المدين لدى الغير.

الأمر الثاني- قصر أثر الحجز:

لما كان الحجز يشمل كل ما في يد المحجوز لديه، وهو ما يعبر عنه بالحبس الكلى، ولما كان ذلك ضاراً بالمحجوز عليه، فقد هيأ المشرع الوسيلة لقصر أثر الحجز وذلك بما قررته المادتان 302، 303 من جواز إيداع مبلغ في خزينة المحكمة يخصص للحاجز فينصب الحجز عليه وحده ويزول قيد الحجز عما سواه.
ولكل من المادتين حكم يختلف عن حكم الأخرى، فالمادة 302 خاصة بالإيداع في حالة تعيين دين الحاجز فعندئذ يودع مبلغ مساو لدين الحاجز ويخصص للوفاء بدينه، ويتم الإيداع والتخصيص بمعرفة المحجوز عليه أو المحجوز لديه، أو أي شخص آخر يرى القيام بهذا الإيداع والتخصيص، فعبارة المادة قد جاءت بصيغة المبنى للمجهول، ويتم التخصيص في هذه الحالة بتقرير في قلم الكتاب يحرره المودع ويقرر فيه تخصيص الوديعة للحاجز.
أما المادة 303 فهي خاصة بالإيداع في حالة عدم تعيين دين الحاجز. حيث يتم التعيين برفع دعوى أمام قاضى التنفيذ بتقدير مبلغ يودع ويعتبر مخصصاً للحاجز دون حاجة إلى تقرير ذلك أي أن التخصيص يتم بمجرد الإيداع متى كان الإيداع حاصلاً بالتطبيق للمادة 303. ويتم الإيداع هنا بمعرفة المحجوز عليه.
ويترتب على الإيداع المقترن بالتخصيص زوال قيد الحجز أو انتهاء اثر الحجز بالنسبة للمحجوز لديه فيحقق له الوفاء بما تحت يده للمحجوز عليه وتبقى الوديعة في خزينة المحكمة على ذمة الحاجز وهو ما عبر عنه المشرع في المادة 303 بأن الحجز ينتقل إلى المبلغ المودع: فإذا حكم له بدينه أو حصل الإقرار له به قام بصرفها أو بصرف ما يعادل دينه منها، ولا يتأثر بالحجوز الواقعة عليها فقد نصت المادة 303 على أن المبلغ المودع يصبح مخصصاً للوفاء بمطلوب الحاجز عند الإقرار له به أو الحكم له بثبوته. وإذا لم يثبت دين الحاجز ترد الوديعة لصاحبها إلا إذا كانت قد وقعت عليها حجوز أخرى من دائني المودع تحت يد قلم الكتاب.

الأثر الثاني:

أما الأثر الثاني لهذا الحجز فهو عدم نفاذ تصرفات المدين: ولبيان هذا الأثر يجب أن نتذكر أن الحجز لا يخرج المال من ملك صاحبه. وهذه قاعدة عامة تنطبق في جميع الحجوز. ويترتب على ذلك أمران:

أولهما: أنه يجوز لصاحب المال أن يتصرف فيه ويكون تصرفه صحيحاً فيما بينه وبين من تصرف إليه، ولكنه لا ينفذ في حق الحاجز. فالجزاء إذن هو عدم النفاذ وليس البطلان.

وثانيهما: أنه يجوز عند وجود دائنين آخرين لنفس المدين أن يحجزوا على ماله المحجوز عليه، لأن ذلك المال رغم الحجز يظل باقياً على ملكه.

وتطبيق هذه القاعدة بشطريها في حجز ما للمدين لدى الغير يؤدى إلى القول بأن للمدين أن يتصرف في ماله الذى وقع عليه الحجز فان كان منقولا جاز له أن يبيعه أو يهبه وان كان دينا جاز له أن يقوم بتحويله للغير. ويكون تصرفه صحيحاً. ولكن لا ينفذ في حق الحاجز. الا أنه يراعى أن عدم النفاذ انما يقرر لمصلحة الدائن الذى يكون حجزه سابقاً على التصرف. أما إذا كان الحجز لاحقاً للتصرف فإنه بحكم هذه القاعدة يقع على غير محل لأنه عندما يقع يكون المال قد خرج من ملك صاحبه بمقتضى تصرفه فيه. ولهذا يقال أن الحبس في حجز ما للمدين لدى الغير هو حبس نسبى بمعنى أن عدم نفاذ تصرفات المحجوز عليه انما يتقرر بالنسبة للحاجز السابق الذى يكون حجزه واقعاً قبل التصرف لا بالنسبة للحاجز اللاحق.
كما أن تطبيق القاعدة المتقدمة في حجز ما للمدين لدى الغير يؤدى من ناحية أخرى إلى أنه يجوز للدائنين الآخرين أن يوقعوا حجزاً تحت يد الغير على نفس المال الذى سبق حجزه، ويتزاحمون بذلك مع الحاجز الأول فيقتسمون المال المحجوز قسمة غرماء.

وتطبيق هذه القاعدة: يبدو يسيراً في الفروض البسيطة أي حيث يوجد حجز واحد وتصرف، أو حيث يوجد حجزان أو أكثر. ففي حالة الحجز والتصرف – أن كان التصرف لاحقاً للحجز فإنه لا يكون نافذا في حق الحاجز بمعنى أن الحاجز يستوفى حقه من المبلغ المحجوز بأكمله بغض النظر عن التصرف أي على افتراض أن التصرف غير قائم في مواجهته، ولكن هذا التصرف ذاته يكون صحيحاً بحيث لو سقط الحجز أو زال – زال معه ما يترتب عليه من وقف أثر التصرف، فينفذ التصرف عندئذ بين طرفيه.
أما إذا كان التصرف سابقاً على الحجز فإن الحجز يكون واقعاً على غير محل نظراً لأن التصرف قد أخرج المال من ملك المدين.
أما في حالة تعدد الحجوز دون وجود تصرف سابق أو لاحق فإن الدائنين الحاجزين يتقاسمون المال المحجوز قسمة غرماء أن لم يكن كافياً لوفاء حقوقهم جميعاً.

حالة التصرف بين حجزين:

ولكن يدق الأمر في حالة ما إذا كان ثمة تصرف يتخلل حجزين وفى هذا نفرق بين ما إذا كان المال المحجوز عليه عيناً أو ديناً.
فإذا كان المال المحجوز عليه عينا: أي منقولا مادياً – فصورة المسألة في هذا الفرض تتمثل في حجز يوقعه دائني على منقولات مدينه (الموجودة في حيازة غير المدين) تحت يد حائزها فإذا قام مالك المنقولات بعد ذلك ببيعها ثم أعقب ذلك إيقاع حجز ثان عليها من دائن آخر من دائني صاحب المنقولات، فإننا إذا فرضنا أن الحاجز الأول تنازل عن حجزه أو زال الحجز لأى سبب نجد أن المنقولات تصبح من حق المشترى ولا يكون للحاجز الثاني أن يطلب بيعها بالمزاد لأنه وقت أن أوقع الحجز عليها كانت قد خرجت من ملك مدينه فوقع حجزه على غير محل.
وإذا فرضنا أن الحاجز الأول اقتضى دينه من ثمن بعض هذه المنقولات فإن الباقي منها يكون من حق المشترى ولا يقتضى الحاجز الثاني منها شيئاً، لأن حجزه عديم الأثر لوقوعه بعد التصرف.
وهنا نرى أن طبيعة المال المحجوز لها أثرها، لأن التصرف في هذا المال المنقول من شأنه أن يعزل الحجز الأول عن الحجز الثاني: فالحجز الأول يجعل الحاجز بمعزل عن التصرف اللاحق له، وهذا التصرف يؤدى إلى عدم تأثير الحجوز التالية له، فعدم تأثر الحاجز الأول بالتصرف يؤدى بالتالي إلى عدم تأثره بالحجوز اللاحقة على التصرف، لأن أمر هذه الحجوز متوقف بدوره على التصرف، وهذا التصرف غير نافذ في حق الحاجز الأول. فهذا التسلسل المنطقي يجعل الحاجز بمنأى عن التصرفات اللاحقة وما يتلوها من حجوز. على أنه إذا سقط الحجز الأول أو زال فإن التصرف ينفذ وبذلك تعتبر الحجوز التالية التي أوقعت بعد التصرف واقعة على غير محل لأن المنقول المحجوز عليه قد خرج من ملك المدين وقت ايقاعها.
أما إذا كان المال المحجوز دينا: فهنا تبدو الصعوبة ويظهر التعقيد، لأن الطبيعة القانونية للمال المحجوز وكونه حقاً شخصياً لا عينيا – لها أثرها في مجال الحجز. وذلك لأن تصرف صاحب الدين في دينه لا يكون إلا حوالة. وبالحوالة يصبح المحال إليه – نظراً لعدم نفاذ التصرف – دائناً للمحيل فيرجع عليه ويجوز له أن يحجز ما له لدى الغير أي يزاحم الحاجز الأول، لنه يتساوى معه في كونه دائناً للمدين بدين شخصي مثله.

الحوالة بين حجزين:

وثمة رأى يذهب إلى اعتبار الحوالة بذاتها حجزاً أو بمثابة حجز تحت يد المدين، وإعفاء المحال إليه من اتخاذ اجراءات حجز ما للمدين لدى الغير، فإذا أخذنا بهذا الرأي (وهو الرأي الذى اعتمده القانون المدني المصري الجديد) فإن المحال إليه يتزاحم مع الحاجز، فإذا افترضنا أنه وقع بعد الحوالة حجز، فإن الحوالة لا تقف عازلاً بينه وبين الحجز السابق عليها (كما رأينا في مثال التصرف في المنقول) – بل يتصل الحجز الثاني بالأول عن طريق الحوالة التي تتخللهما والمعتبرة بدورها حجزاً كما هو الشأن مثلاً في السوائل التي يتصل بعضها ببعض عن طريق الأواني المستطرقة فيتزاحم الحاجز الأول والمحال إليه الأخير باعتبار الجميع حاجزين.
وهذه هى المسألة المعروفة باسم الحوالة بين حجزين. وقد اختلف في شأنها الرأي اختلافاً شديداً، وأخذ المشرع المصري بأحد الآراء العديدة التي قيلت فيها ونص عليه في المادة (314) من التقنين المدني فقرر أنه في حالة الحوالة بين حجزين يقسم الدين بين الحاجز المتقدم والمحال له والحاجز المتأخر قسمه غرماء – على أن يؤخذ من حصة الحاجز المتأخر ما يستكمل به المحال له قيمة الحوالة.
أي أن حل هذه المشكلة موجود في القانون المدني لا في قانون المرافعات.
ولفهم ذلك نضرب المثال الآتي: شخص له مبلغ 210 جنيهاً مودعة في بنك، فحجز عليها أحد دائنيه وفاء لدين قدره 300، ثم حول المدين منها 100 جنيه، ثم حجز دائن آخر بمبلغ 300 جنيه أيضاً. فما حكم هذه المسألة؟
أن حل هذه المسألة يقتضى تقسيمها إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: ينسب دين كل من الحاجزين إلى دين الآخر وتقرر لكل منهم حصة في التوزيع توازى مقدار دينه بالنسبة إلى مجموع الديون المحجوز بها، وفى حالتنا يكون التقسيم بنسبة 300-100-300.
أي 3/7 للأول، 1/7 للثاني، 3/7 للأخير.
المرحلة الثانية: يوزع المبلغ المودع في البنك بينهم بهذه النسبة توزيعاً نظرياً (على الورق) فيخص الحاجز الأول 90 جنيهاً والمحال له 30 جنيهاً والحاجز الأخير 90 جنيها.
المرحلة الثالثة: وعند التوزيع الفعلي يعطى للحاجز الأول حصته كما قدرت في التوزيع النظري. ولكن المحال إليه يزاحم الحاجز الأخير، أي يأخذ من حصته ا يكمل قيمة الحوالة بتمامها فإن بقى شيء فهو للحاجز الأخير.
ففي مثالنا يأخذ الحاجز الأول 90 جنيهاً وينتهى الأمر بالنسبة إليه، ويأخذ المحال إليه 30 جنيهاً حسب التوزيع ويكمل المائة من حصة الحاجز الأخير أي يأخذ من حصة الأخير 70 جنيهاً، فيبقى للحاجز الأخير من حصته 20 جنيهاً وتكون هى كل ما يعطى إليه.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .