نسبية آثار العقد:

وتعرض المادة (201) للأصل المقرر بأن آثار العقد نسبية ومن البداهة أن آثار العقد تنصرف إلى طرفيه، ولكنها لا تقف عندهما. فهي بعد الموت تنتقل إلى الخلف العام بيد أن انتقال آثار العقد إلى الخلف العام يكون في الحدود التي لا يُخل فيها بأحكام الميراث، على نحو ما يقضي به الشرع الإسلامي الحنيف، ومن بين ما قصده المشروع من هذا التحفظ، عدم المساس بقاعدة لا تركة إلا بعد سداد الديون. وإذا كان من شأن آثار العقد أن تنتقل بعد موت المتعاقد إلى خلفه العام، في الحدود التي لا يكون فيها مساس بأحكام الميراث، فإن هذه القاعدة ليست مطلقة، إذ أن هذه الآثار قد تكون مقصورة على المتعاقدين أو على أحدهما على حسب الأحوال، إذا اقتضى ذلك العقد أو طبيعة التعامل أو نص في القانون.

وقد استوحى المشروع نص المادة (201) من القانون المصري (المادة 145) – وهو نص شق طريقه بحرفيته إلى كل من القانون السوري والليبي والعراقي الأردني وكذلك قانون التجارة الكويتي (المادة 141) – وذلك مع إجراء تعديل في الصياغة اقتضته الملاءمة. وتعرض المادة (202) لأثر العقد الذي يعقده السلف على الخلف الخاص والأصل أن الخلف الخاص لا يـتأثر بالعقود التي يبرمها السلف ما لم يرتضِ هو ذلك، أو يقضي به القانون. ولكن هذا الأصل يترك مكانه لاستثناء جوهري هام بالنسبة إلى العقود التي يكون السلف قد أبرمها قبل الاستخلاف، متعلقة بذات المال الذي حصل الاستخلاف فيه، إذا كان من شأن هذه العقود أن تولد حقوقًا أو التزامات متصلة بذلك المال نفسه، لا متصلة أساسًا بشخص السلف، بحيث تنشأ الحقوق لمنفعة المال مباشرةً، على نحو يمكن معه القول بأنها من توابعه، وبحيث تنشأ الالتزامات مضيقة لمجال المال أو مقيدة للانتفاع به، على نحو يمكن القول معه أنها تعتبر من محدداته. فالحقوق والالتزامات التي من هذا النوع تنتقل من السلف إلى الخلف الخاص مع المال المرتبطة به والذي يحصل فيه الاستخلاف.

ولقد وصل القضاء في فرنسا في سهولة ويسر إلى هذا الحكم من غير أن يستمده من نص تشريعي يقرره مباشرة. كما وصل إليه أيضًا، في ظروف مماثلة، القضاء في مصر، تحت ظل قانونها المدني القديم، ولقد جاء القانون المصري الحالي وقنن هذا الحكم (المادة 146) دون أن يستند في تقنينه إلى سابقة تشريعية، مستظلاً بالسوابق القضائية وحدها، ومن القانون المصري شق الحكم طريقة إلى كافة القوانين العربية الأخرى التي استوحته، فنقلته عنه بذات عبارته، ومن تلك القوانين، قانون التجارة الكويتي (المادة 142)، واعتنقه المشروع وتفادى ما به من عيب في الصياغة. وغني عن البيان أن الحكم الذي جاء به المشروع في المادة (202) لا يتعلق إلا بالحقوق الشخصية التي تثقل المال الذي يحصل فيه الاستخلاف، فوجه الحكم في شأن هذه الحقوق الأخيرة ظاهر لا يحتاج إلى بيان، فالحق العيني الذي يرد على مال معين، حق الرهن مثلاً يثقل هذا المال في أية يد يكون، بحكم طبيعة الحق العيني ذاتها، وما يمنحه لصاحبه من حق التتبع.

تبقى الحقوق الشخصية أو الالتزامات التي تتعلق بالمال الذي يحصل الاستخلاف فيه، وهي التي تحتاج إلى بيان وجه الحكم فيها، اعتبارًا بأنها لا تثقل المال ذاته على نحو ما يكون في الحق العيني. وفي خصوص تلك الحقوق والالتزامات، تقرر المادة (202) أنه إذا أنشأ العقد الذي سبق للسلف أن أبرمه شيئًا منها، قبل حصول الاستخلاف في المال المتعلق هي به، فإنها تنتقل إلى الخلف الخاص في نفس الوقت الذي ينتقل فيه المال ذاته، ويشملها الاستخلاف بدورها، على أنه يلزم هنا، بالنسبة إلى الحقوق، أن تكون متصلة بالمال على نحو يجعلها من توابعه الخادمة له والمفيدة في استخلاص المنفعة منه، الأمر الذي يتطلب أن تكون مقررة أساسًا باعتبار المال ذاته intuiti rei لا على أساس الاعتبار الشخصي للمتعاقد، ويلزم بالنسبة إلى الالتزامات أن تكون متصلة بالمال على نحو يجعلها مضيقة لمجاله أو محددة للانتفاع به، وهي الالتزامات التي جرى البعض على أن ينعتها بالالتزامات العينية.

وقد حرص المشروع على أن يتحاشى الوصف الذي أضفاه القانون المصري وما تبعه من قوانين البلاد العربية الأخرى على الحقوق والالتزامات التي ينشئها عقد السلف والتي يحصل فيها الاستخلاف بأنها (من مستلزمات الشيء) نظرًا لغموض مدلول هذه العبارة من وجه، ولعدم دقتها من وجه آخر كما حرص المشروع على أن يقتصر، في تطلب علم الخلف الخاص أو في استطاعته هذا العلم، على حالة الاستخلاف في الالتزامات وحدها، دون حالة الاستخلاف في الحقوق، إذ أنه بالنسبة إلى الحقوق المتعلقة بالمال، يكون علم الخلف بها غير ذي موضوع، ثم إنها تنتقل مع المال الذي يحصل فيه الاستخلاف لمجرد أنها من توابعه، إعمالاً لقاعدة أن التابع يتبع الأصل.

وتقرر المادة (203) قاعدة أساسية من القواعد التي تحكم العقود، ومؤداها أن آثار العقود تقتصر على عاقديها وخلفائهما، على نحو ما تقضي به المادة (201) والمادة (202) وإن كان من شأنها أن تنعكس على الدائنين من حيث زيادة الضمان العام المقرر لهم على أموال مدينهما أو نقصه، على حسب الأحوال، وإذا كانت العقود تقف بالنسبة إلى الآثار التي تنتجها، عند المتعاقدين والخلفاء الدائنين، فهي بمجردها وذاتها، لا يكون لها أثر في مواجهة الغير، فهي لا تنفع هؤلاء الغير، كما أنها لا تضرهم. بيد أن قاعدة أن العقود لا تنفع الغير ولا تضرهم بعيدة عن أن تكون مطلقة، فنطاقها ينحسر بالضرورة عن كل حالة ينص فيها القانون على تأثر الغير بالعقد، إن ضرًا أو نفعًا، وإذا كانت الأحوال التي ينص فيها القانون على مضرة الأشخاص بعقود غيرهم جد نادرة بحيث تقارب العدم، فأحوال نفعهم من عقود غيرهم أخذت، في وقتنا الحاضر، تتزايد وتتكاثر، متمثلة في نظام أخذ يعم ويشيع وهو نظام الاشتراط لمصلحة الغير.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .