_ أولاً : العادة الاتفاقية : 

العادة الاتفاقية هي سلوك يستقر الناس على اتباعه مدة من الزمن دون الاستناد الى عقيدة الزامية بوجوب مراعاتها واحترامها ، فهي مجرد سنة مضطردة في العمل ينقصها ركن الاعتقاد باللزوم . وهكذا فالعادة عرف ناقص ، فاذا استمر الناس مدة ظويلة في العمل بقاعدة معينة ولكن الشعور بضرورة احترامها لم يتوافر لديهم ، لم يكن هناك عرف بل مجرد عادة .

ويتضح من ذلك أن العادة ليست قانوناً ولا تتضمن قاعدة قانونية ، ولا تطبق الا اذا اتفق الأفراد على اتباع حكمها . وهى ليست ملزمة بذاتها ، بل تستمد الزامها من ارادة واتفاق الأطراف بقبول اتباع هذه العادة ، والاتفاق على اتباع حكم العادة قد يتم بصورة صريحة بين الأطراف وقد يقع الاتفاق على اتباع العادة ضمناً ، أي يتضح هذا الاتفاق من ظروف التعاقد و ملابساته . ويمكن أن يستشف تراضي الأطراف ضمنياً على الأخذ بالعادة من مجرد علمهما بوجودها . ويفترض هذا العلم من شيوع العادة وجريان الناس عليها .

ونظراً لأن العادة ليست قانوناً فان القاضي لا يطبقها من تلقاء نفسه ، بل ينبغي على الأفراد التمسك بتطبيقها . ولا يجوز للمحكمة أن تطبق العادة الاتفاقية الا اذا طلب منها أحد الخصوم ذلك بشرط أن يثبت اتجاه قصد الأطراف الى أعمال حكمها صراحة أو ضمناً ، وأن يقيم الدليل على وجود مثل هذه العادة . أي أن عبء اثبات العادة يقع على عاتق صاحب المصلحة . لذا قضى بأنه متى كان الطاعن يدعي قيام العادة بين الشركة و موظفيها على العمل في الخارج وفي غير أوقات العمل لديها فان عليه هو لا على الشركة اثبات وجودها واثبات أن المتعاقدين كليهما قد قصدا الالتزام بها واتباعها .

والعادة الاتفاقية هي مجرد واقعة مادية يجوز اثباتها بكافة طرق الاثبات ، ويتمتع قاضي الموضوع بسلطة تقديرية كاملة في اثبات العادة بوصفها عنصراً من عناصر الواقع ، دون الخضوع في ذلك لرقابة محكمة النقض .

_ ثانياً : العرف : 

أما العرف فهو كالقانون المكتوب سواء بسواء ، فالقاعدة العرفية كالقاعدة التي ينص عليها التشريع تلزم الناس ولا يجوز لهم الاحتجاج بجهلها ، وذلك أن العرف قانون ولا يعذر أحد بجهله القانون ، ويطبق على الناس ولو لم يعلموا به ، وان كان من الصعب تصور قيام عرف لا يعلم الناس به لأنه سلوك تلقائي شائع بين الناس يقومون باتباعه مع الاعتقاد بالزامه .

ويترتب على ذلك أن المتخاصمين لا يلزمون باثبات وجود العرف لأنه قانون ويفترض في القاضي أن يعلم به ، ذلك أن واجبه أن يكون ملماً بالقانون أياً كان مصدره . فالمفروض في القاضي العلم بالقواعد القانونية بما في ذلك القواعد العرفية . ويجب على المحكمة أن تطبق العرف من تلقاء نفسها حتى ولو لم يثبته أو لم يتمسك به الخصم طلما لم يوجد تشريع يحكم النزاع المعروض عليه ، واذا تخلف القاضي عن ذلك اعتبر مخطئاً في تطبيق القانون .

ولا يمكن انكار الصعوبة العملية التي يجدها القاضي في التثبت من قيام العرف بالمقارنة بالتشريع . فالتشريع يصدر في وثيقة مكتوبة لذا يسهل على القاضي العلم به والتعرف عليه . أما العرف فسنة متواترة يجري العمل عليها في الجماعة ، وقد يصعب على القاضي العلم الكامل والاحاطة التامة بالعرف وتبين أركانه ، خاصة بالنسبة للعرف الطائفي أو المحلي الذي يختلف باختلاف الطوائف والمناطق . لذلك يجوز للقاضي أن يطلب من الخصوم معاونته في اثبات العرف . بل أن الخصم صاحب المصلحة الذي يتمسك بالعرف هو الذي يبادر غالباً بتقديم الدليل على وجود القاعدة العرفية المراد تطبيقها .

ولكن ينبغي ملاحظة أن مجرد عجز الخصم عن اثبات العرف لا يعد في ذاته سبباً كافياً لرفض الأخذ بالعرف ، فيجدر بالقاضي أن يتحرى بنفسه قيام العرف وتوافر ركنيه وأن يثبت ذلك في حكمه مع بيان الأسباب المؤدية لما أخذ به . واذا رفض القاضي تطبيق العرف وجب أن يكون هذا الرفض مبنياً على الاقتناع بعدم قيام هذا العرف . مثال ذلك ما قضت به محكمة النقض بأنه ليس من الثابت وجود عرف مستقر يقضي بوجود وكالة ضمنية من الزوجة لزوجها بمجرد قيام الزوجية . أي أنه لا يوجد عرف في مصر على أن الزوج هو وكيل عن زوجته في معاملاتها لمجرد كونه زوجاً .

ونظراً لأن اثبات العرف يتعلق بوجود قاعدة قانونية ، فانه لا يجوز التعويل على الاقرار أو اليمين لأن القانون لا يثبت عن طريقهما ، وانما يجوز اثبات العرف عن طريق السوابق العلمية أو القضائية أو شهادة ذوي الخبرة ، فيمكن اثبات العرف التجاري عن طريق شهادة من الغرفة التجارية مثلاً ، وقد تلجأ المحكمة الى أهل النقابات المهنية في اثبات العرف المهني . ويجوز للقاضي ندب خبير للتحقق من وجود العرف .

_ ثالثاً : رقابة محكمة النقض لقيام العرف وتطبيقه : 

من المتفق عليه أن قاضي الموضوع يتمتع بسلطة تقديرية كاملة في كل ما يتعلق بالعادات الاتفاقية من حيث التثبت من قيامها أو من حيث تفسيرها وتطبيقها ، وهو لا يخضع ذلك لرقابة محكمة النقض .

أما بالنسبة للعرف فقد استقرت محكمة النقض على التفرقة بين أمرين :

التحقق من قيام العرف من جهة ، وصحة تطبيقه من جهة أخرى .

استقر قضاء محكمة النقض على أن تحري العرف في ذاته والتثبت من قيامه يعتبر من أمور الموضوع التي لا تخضع لرقابة محكمة النقض . ومن ثم فان المنازعة فيه تعتبر من قبيل الجدل الموضوعي الذي لا يجوز اثارته لأول مرة أمام محكمة النقض . بل ينبغي التمسك به أمام محكمة الموضوع حتى يمكنها التثبت من أمر قيام العرف .

ويبدو أن قضاء النقض قد صدر انطلاقاً من الضرورات العملية التي تجعل من الصعب على القاضي التثبت من قيام العرف والتحقق من شروطه ودور القاضي في هذا الشأن يتصل بالواقع . ومن ثم فان محكمة النقض اعتبرت أن الامر يتعلق بالموضوع ويصعب عليها أمام عدم وجود صياغة لفظية للقاعدة العرفية مراقبة وجودها وتفسيرها .

اعتبرت محكمة النقض أن تطبيق العرف مسألة قانونية ويخضع بالتالى لرقابة محكمة النقض . وقضت بأنه وان كان التثبت من قيام العرف متروكاً لقاضى الموضوع الا أنه لا يعفي من بيان دليله على قيامه والمصدر الذي استقى منه ذلك اذا نازع أحد الخصوم في وجود العرف .

يتضح من ذلك القضاء أن محكمة النقض وان كانت لا تراقب قاضي الموضوع في التحقق من وجود العرف الا أنها تتطلب منه أن يبين في حكمه دليله على قيام العرف والمصدر الذي استقى منه ذلك والسند الذي استند اليه في هذا الشأن . ومن جهة أخرى فانه ليس لقاضي الموضوع أن يمتنع عن تطبيق عرف متى تثبت لديه وجوده .