امكانية تنفيذ الاحكام المتناقضة مانع من قبول دعوى فض التنازع الدستورية

قضية رقم 30 لسنة 33 قضائية المحكمة الدستورية العليا “تنازع”

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الأول من يوليو سنة 2012م، الموافق الحادى عشر من شعبان سنة 1433ه.
برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيرى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين:عدلي محمود منصور وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي وعبد الوهاب عبد الرازق والدكتور/حنفي على جبالى ومحمد عبد العزيز الشناوي نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ محمد عماد النجار رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 30 لسنة 33 قضائية “تنازع” .
المقامة من
شركة مصر للتأمين بصفتها الشركة
الدامجة لشركة الشرق للتأمين
ضد
1. السيد/ محمد متولى محمد
2. السيد رئيس مجلس إدارة البنك العربى الأفريقى.
3. السيد معاون تنفيذ الأحكام بمحكمة جنوب القاهرة.
4. السيد محضر أول محكمة قصر النيل الجزئية.

“الإجراءات”
بتاريخ 12/12/2011، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلباً للحكم، أولاً: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ وإلغاء الحكم الصادر من محكمة الاستئناف بالاستئنافين رقمى 1742 و1730/127 ق استئناف عالٍ القاهرة، والمؤيد للحكم الصادر من محكمة أول درجة فى الدعويين رقمى 3170، 3964 لسنة 2008 عمال كلى جنوب القاهرة، ثانياً: باختصاص القضاء الإدارى بالنظر فى النزاع القائم بين الشركة المدعية والمدعى عليه الأول بالدعوى رقم 59 لسنة 42 ق تأديبية لوزارة المالية والصحة بمجلس الدولة دون جهة القضاء العادى، ثالثاً: تعيين الجهة المختصة بين جهات القضاء بنظر النزاع بين الشركة المدعية والمدعى عليه الأول بعد أن أصرت كل من جهتى القضاء على اختصاصها بنظره.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

“المحكمة”
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى عليه الأول، كان يعمل فى وظيفة محام بشركة الشرق للتأمين – المدمجة فى الشركة المدعية – وبتاريخ 13/8/2007 قامت الشركة المذكورة بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه وتحميله بمبلغ خمسة وستين ألف وخمسمائة جنيه، استناداً إلى ما نسب إليه بتحقيقات إدارة التفتيش الفنى بوزارة العدل فى الشكوى رقم 38 لسنة 2006/2007 من أنه خلال عامى 2005 و2006 بدائرة عمله أهمل فى مباشرة الدعوى رقم 489 لسنة 2005 كلى الفيوم ولم يعرض أمر استئنافها والتقرير بالطعن بالنقض على الحكم الاستئنافى الصادر فيها على رؤسائه على النحو المبين بالأوراق، مما أدى إلى صدور حكم ضد الشركة التى يعمل بها بإلزامها بالتعويض بمبلغ أربعة وستين ألف جنيه رغم عدم التزامها قانوناً بذلك؛ أقام المذكور – المدعى عليه الأول فى هذه الدعوى – الدعويين رقمى 334، 335 لسنة 2007 أمام محكمة بنى سويف الابتدائية طالباً الحكم:

أولاً: بإلغاء قرار الجزاء الموقع عليه واعتباره كأن لم يكن،

ثانياً: إلزام الشركة برد المبالغ التى قامت بخصمها من راتبه ومشتملاته، وبجلستى 27/2/2008 و31/5/2008 قضت هذه المحكمة بعدم اختصاصها محلياً بنظرهما وإحالتهما إلى محكمة جنوب القاهرة الابتدائية للاختصاص، حيث قيدت بجدولها برقمى 3170، 3964 لسنة 2008 عمال كلى جنوب القاهرة، وبجلسة 3/3/2009 قررت هذه المحكمة ضم الدعويين معاً ليصدر فيهما حكم واحدٌ، وأثناء نظرهما عدل المدعى طلباته الختامية إلى الحكم:

أولاً: بإلزام الشركة المدعى عليها بأن تؤدى إليه مبلغ 29ر63479 قيمة المبالغ التى تم خصمها من راتبه ومشتملاته،

ثانياً: بإلزام الشركة المذكورة بأن تؤدى إليه مبلغ 30 ألف جنيه تعويضاً مادياً وأدبياً عما أصابه من أضرار من جراء إيقاع الخصم عليه، وبجلسة 30/3/2010 قضت هذه المحكمة بإلزام الشركة المدعى عليها بأن تؤدى للمدعى فى الدعويين المذكورتين مبلغاً وقدره ثلاثة وستون ألفًا وأربعمائة وتسعة وسبعون جنيهاً وتسعة وعشرون قرشاً، قيمة ما تم خصمه من راتبه، ورفض ما عدا ذلك من طلبات وقد تأيد هذا القضاء بموجب الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة “الدائرة 131عمال” فى الاستئنافين رقمى 1730 و1742 لسنة 127 قضائية بجلسة 18/1/2011.

ومن جانب آخر كان المدعى عليه الأول قد أقام بتاريخ 23/12/2007 الدعوى رقم 59 لسنة 42 قضائية أمام المحكمة التأديبية لوزارتى الصحة والمالية بمجلس الدولة ضد الشركة المدعية طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً ووقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بمجازاته بخصم خمسة أيام من أجره وتحميله بمبلغ خمسة وستين ألفاً وخمسمائة جنيه، وبجلسة 28/12/2008 قضت هذه المحكمة بقبول الدعوى شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من أجره وتحميله بمبلغ خمسة وستين ألفاً وخمسمائة جنيه.

ومن حيث إن الشركة المدعية ترى أن ثمة تناقضا بين الحكمين الصادرين عن جهتى القضاء – القضاء العادى ومجلس الدولة – على النحو المتقدم، الأمر الذى حفزها إلى اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا لفض ما رأته تنازعاً بين الحكمين المشار إليهما آنفاً والقضاء لها بطلباتها الواردة بصحيفة الدعوى على نحو ما سلف بيانه.
وحيث إن المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن: “تختص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بما يأتى: أولاً:…… ثانياً:…….. ثالثاً: الفصل فى التنازع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادراً أحدهما من أى جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائى والآخر من جهة أخرى منها”.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن مناط قبول طلب الفصل فى التناقض بين حكمين نهائيين طبقاً للبند الثالث من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا هو أن يكون النزاع بشأن حكمين نهائيين، صادرين من جهتين قضائيتين مختلفتين، تعامدا على محل واحد، وكانا حاسمين لموضوع الخصومة ومتناقضين بحيث يتعذر تنفيذهما معاً، فإذا كانا غير متحدين محلاً، أو مختلفين نطاقاً فلا تناقض وكذلك كلما كان التعارض بينهما ظاهرياً لا يتعمق الحقائق القانونية، أو كان مما تزول الشبهة فيه من خلال التوفيق بينهما؛

ذلك أن الأصل فى النزاع حول التناقض بين الحكمين النهائيين الذى يستنهض ولاية المحكمة الدستورية العليا للفصل فيه أن يكون هذا التناقض واقعاً فى مجال تنفيذهما، وهو ما يقتضى أن يكون تنفيذهما معاً متصادماً وتعذر التوفيق بينهما، بما مؤداه: أن شرط هذا التناقض أن يكون إعمال أحد هذين الحكمين متهادماً مع إنفاذ الآخر، ولازم ذلك أن يكون موضوعهما واحدًا.

وحيث إنه بإنزال المبادئ المستقرة السابقة على الدعوى الماثلة، فإن الثابت من الأوراق أن حدى التناقض المدعى بهما يتمثلان فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارتى الصحة والمالية فى الطعن رقم 59 لسنة 42 قضائية الواجب النفاذ وينصرف موضوعه إلى الفصل فى قرار مجازاة المدعى عليه الأول فى الدعوى الماثلة بخصم خمسة أيام من أجره وتحميله بمبلغ خمسة وستين ألفاً وخمسمائة جنيه، أما الحد الآخر فينصرف إلى الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة فى الاستئنافين رقمى 1730 و1742 لسنة 127 قضائية والذى انتهى إلى تأييد الحكم الابتدائى الصادر للمدعى عليه الأول فى الدعوى الماثلة بإلزام الشركة المدعية بأن تؤدى له مبلغ ثلاثة وستين ألفاً وأربعمائة وتسعة وسبعين جنيهاً وتسعة وعشرين قرشاً قيمة ما تم خصمه من راتبه مع رفض طلب التعويض المقام منه فى هذا الشأن،

ومن ثم فليس ثمة تناقض فى مجال تنفيذ الحكمين أو شبهة تصادمهما وتعذر التوفيق بينهما على النحو الذى يستنهض ولاية هذه المحكمة، ذلك أنه أياً كان الأمر فى شأن وحده الموضوع فى الحكمين فقد اجتمعا على الآثار القانونية ذاتها التى ترتبت على قضائهما متمثلة فى إهدار قرار الجزاء الموقع على المذكور وتعييبه فيما انتهى إليه واستحقاقاته المالية وغيرها، بما يضحى معه تنفيذ هذين الحكمين معاً ممكناً، ويكون الادعاء بوجود تناقض بينهما مفتقراً إلى شروط قبوله متعيناً لذلك القضاء بعدم قبول الدعوى.

وحيث إنه من المقرر – وعلى ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة – أن طلب وقف تنفيذ أحد الحكمين المتناقضين – أو كليهما – فرع من أصل النزاع حول فض التناقض بينهما. وإذ تهيأ النزاع المعروض للفصل فى موضوعه – على ما تقدم – فإن طلب الفصل بصفة عاجلة بوقف التنفيذ يكون قد صار على غير ذى موضوع.
“فلهذه الأسباب”
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.