إذا ترتب على أداء الشهادة ضرر فهل للشاهد التخلف عن أدائها؟

هذا المقدمة مفروضة في الحالات التي تتعين فيها أداء الشهادة كما في حقوق الآدميين التي لا يثبت الحق فيها إلا بشهادته ، أو في حقوق الله تعالى إذا كان المشهود ضده متهتكاً لا يُستر على مثله .

فإذا كان أداء الشهادة متعيناً في حقه لكن يلحقه بأدائها ضرر متحقق أو غالب فهل يلزمه الأداء والحال ما ذكر ؟ .

نص الفقهاء على أنّ الشاهد لا يلزمه أداء شهادته مع الضرر ؛ لعموم قوله تعالى : {ولا يضار كاتب ولا شهيد} ، ولعموم قوله  : ” لا ضرر ولا ضرار ” ( )؛ ولأن دفع الضرر الذي سيلحق النفس أولى من دفع ضرر يلحق غيرها وفي الصحيح : ” ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك ” ( ) .

جاء في الجوهرة النيرة : ( إذا خاف الشاهد على نفسه من سلطان جائر أو غيره أو لم يتذكر الشهادة على وجهها وسعه الامتناع ) ( ) .

وجاء في كشاف القناع : ( ( ويشترط في وجوب التحمل و ) وجوب ( الأداء أن يدعى إليهما من تقبل شهادته ) لقوله تعالى { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} . ( و ) أن ( يقدر ) الشاهد ( عليهما بلا ضرر يلحقه في بدنه أو ماله أو أهله أو عرضه ولا تبذل في التزكية ) أي وبلا ضرر يلحقه بتبذل نفسه إذا طلبت منه تزكيتها فإن حصل له ضرر بشيء من ذلك لم تجب لقوله { ولا يضار كاتب ولا شهيد } ) ( ).

وجاء في الموسوعة الكويتية : ( وإذا وجب أداء الشهادة على إنسان ولكنه عجز لبعد المسافة , كأن دعي من مسافة القصر أو كان سيلحقه ضرر في بدنه أو ماله أو أهله فلا يلزمه الأداء لقول الله تعالى : { ولا يضار كاتب ولا شهيد } , وقول النبي  : { لا ضرر ولا ضرار } . ولأنه لا يلزمه أن يضر نفسه لنفع غيره ) ( ).

على أنه ينبغي أن يُستحضر في هذا الشأن أن شهادة رجل الأمن ضد المجرمين ونحوهم من لوازم وظيفته ، وهو يتقاضى راتباً مراعى فيه بدلات لما قد يلحقه من ضرر – بدل خطر – ، ثم إن الضرر المتوقع لحوقه برجل الأمن بسبب شهادته على الجاني ، متوقع حصوله أيضاً بسبب قبضه عليه فهل يقال : بدفع هذا الضرر أيضاً بألا يُقبض على المجرم ابتداءً ؛ لئلا يلحق رجل الأمن ضرر ! وليس طلب دفع أحد الضررين بأولى من الآخر .

ثم إن دفع هذا الضرر المتوقع حصوله -لو وقع – يكون بتشديد العقوبة على المعتدي وإشهارها .
والسؤال الذي يطرح نفسه : كم عدد الحالات التي لحق رجال الأمن ضرر بسبب التصريح بأسمائهم في الشهادة أو بسبب حضورهم مجلس الحكم لأدائها ؟ .
فإن كانت نادرة – وهذا هو الظن أو الواقع لأن شهاداتهم تُعد بالآلاف وحوادث الاعتداء بسبب أداء الشهادة نادرة جداً – فالنادر لا حكم له !( )

فقصارى هذه المقدمة : أن الشاهد متى ما تيقن أو غلب على ظنه لحوق الضرر به من المشهود عليه جاز له التخلف عن أداء الشهادة وسقط وجوب الأداء عنه إن كان متعيناً .
ومن نافلة القول : أن سقوط وجوب الأداء عن الشاهد لا يستلزم وجوب الحكم بطلب المدعي من غير بينة أو إقرار ، فالجهة منفكة ، وليس كل حق ثابتٍ ديانة يثبت قضاء

إعادة نشر بواسطة محاماة نت