المسؤولية القانونية للطبيب في التشريع السوري

مخطط البحث
مقدمة
الباب الأول: الخطأ الطبي
الفصل الأول : تعريف الخطأ الطبي
الفصل الثاني : أشكاله وأسبابه
الباب الثاني : المسؤولية القانونية للطبيب
الفصل الأول : تعريفها وأنواعها
الفصل الثاني : المسؤولية الجزائية
الفصل الثالث :المسؤولية المدنية
الباب الثالث : التنسيق بين المسؤولية الجزائية والمسؤولية المدنية
الفصل الأول : الفرق بين المسؤولية الجزائية و المسؤولية المدنية
الفصل الثاني : العلاقة بين القاضي الجزائي والقاضي المدني
الباب الرابع :الفصل الأول: حالات خاصة
الفصل الثاني: مقترحات تسهم في التخفيف من حصول الأخطاء الطبية المأساوية في سورية
الخاتمة
اجتهادات قضائية
مراجع البحث

مقدمة

مهنةالطب مهنة نبيلة وسامية لا غنى عنها أبدا نظرا لتنوع الأمراض وتعقدها وحاجة الإنسان الماسة للطبيب عند الإصابة بالمرض,وقبل أن تكون العلاقة بين المريض والطبيب علاقة قانونية هي بالدرجة الأولى علاقة إنسانية , والأخطاء الطبية واردة الحدوث شأن سائر المهن فمن يعمل يخطئ ,والرسول (ص) قال (كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون) وتوجد حكمة مشهورة أنه يجب على الرجل الحكيم أن يعتبر أن الصحة هي أعظم ما حصل عليه الإنسان من نعم وهي تاج يملكه الأصحاء لكن لا يراه سوى المرضى .

وسورية تكاد تكون البلد الوحيد في العالم الذي مازال يقدم أغلب الخدمات الطبية مجانا.والأخطاء الطبية حقيقة واقعية علينا مواجهتها لأنه لا فائدة من اتخاذ موقف النعامة تجاهها .
بحثي هذا يتناول ظاهرة الأخطاء الطبية التي تقع عادة في العيادات و المشافي والتي تكون نتيجتها عادة جسيمة من إصابات بسيطة إلى الوفاة .

وتطرقت مفصلا إلىمسؤولية الطبيب عن خطأه تجاه المريض الذي أصابه الضرر جراء ذلك.
وكان الهدف الأول والأخير من هذا البحث هو تسليط الضوء على ظاهرة الأخطاء الطبية وبذل جهد متواضع في نشر ثقافة قانونية يستفيد منها الجميع
وكما قال أبو قراط (أب الطب ):
كل مرض معروف السبب موجود الشفاء

الباب الأول : الخطأ الطبي Error Medicine
الفصل الأول: تعريف الخطأ الطبي
يقصد به انحراف الطبيب عن السلوكالطبي العادي والمألوف وما يقتضيه من يقظة وحذر لدرجة يهمل فيها الطبيب مريضه مما يسبب إلحاق الضرر بالمريض.
يعتبر القضاء والفقه القانوني في سورية أن التزام الطبيب تجاه مريضه هو التزام ببذل العناية أي يتوجب على الطبيب أن يبذل قصارى جهوده الصادقة المتفقة مع أصول الطب والقواعد الطبية المتبعة.
يحصل الخطأ الطبي عادة جراء تقصير أو إهمال من قبل الطبيب المداوي أو الجراح أو طبيب التخدير أو باقيال تخصصات.
ويسأل الطبيب عن خطئه أيا كان جسامته عندما يرتكب تقصير في سلوكه الطبي لا يتفق مع طبيب يقظ وجد في نفس الظروف الخاصة التي أحاطت بالطبيب المسؤول مع مراعاة ذات التخصص.
الفصل الثاني : أشكال الأخطاء الطبية وأسبابها
أولا : أهم الأخطاء الطبية الشائعة
الخطأ في تشخيص المرض

الخطأ في العلاج- Treatment Error : صحيح أن الطبيب حر في اختيار طريقة العلاج لكن ذلك مقيد بعد متعريض المريض للخطر أو التجربة .
أخطاء التخديرAnesthesia Error : وتقع خلال تنفيذ العمليات الجراحية ويسأل عنها طبيب التخدير.كالخطأ في تقدير كمية البنج أو طريقة التخدير.
أخطاء الجراحSurgery Error-:وهي النوع الشائع كما في حالة نسيان أداة جراحية مشرط , مقص, شاش,أو إهمال تنظيف الجرح وخياطته بشكل جيد أو استئصال عضو صالح عوضا عن العضو التالف …..
و- أخطاء التعقيم Sterilization Error-: وتعاني منها أغلبية المشافي والعيادات وتقع جراء استعمال أدوات جراحية غير معقمة من الطبيب أو الجراح أو عدم تعقيم غرف العمليات جيدا, وتقع أحيانا في عيادات أطباء الأسنان.

ثانيا: أسباب الأخطاء الطبية :
لا يمكن حصرها ولعل أهمها:
الإهمال الفاضحGross Negligence وضعف الكفاءة لدى بعض الأطباء .
عدم الانتباه والحذر .
عدم الالتزام بالقوانين والأنظمة الصحية .

إهمالا لتعقيم.
جشع بعض الأطباء وسعيهم وراء لزيادة دخلهم من خلال عيادتهم الخاصة على حساب صحة مرضاهم في المشافي العامة.
التقصير والإهمال الفاضح الذي يتصف به بعض أفراد الكادر التمريض في المشافي العامة
إحصاءات في العالم :

في بريطانيا تعد الأخطاء الطبية السبب الثالث للوفاة بعد السرطان و السكتات القلبية , في أمريكا هي السبب الثامن للموت , في روسيا يذهب ضحيتها سنويا حوالي 50 ألف شخص بينما ضحايا حوادث السير أقل من 35 ألف شخص ,في سورية وزارة الصحة لا تنفي وقوع الأخطاء الطبية التي نسمع عادة في وسائل الإعلام وخاصة الصحف اليومية والمواقع الالكترونية علىشبكة الانترنت. على سبيل المثال أشار تقرير لوزارة الصحة السورية لوفاة أم سورية يوميا نتيجة الإهمال وضعف الخبرة داخل مشافينا –موقع الملتقى الطبي السوري على شبكة الانترنت 31 \8 \2007
قانون مزاولة المهن الطبية في سورية:
الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 12 لعام 1970 الذي يتضمن تنظيم مهنة الطب في سورية وحدد واجبات الأطباء وحقوقهم ,وجاء في المادة الثانية من التنظيم الداخلي لنقابة الأطباء مهنة الطب مهنة إنسانية وأخلاقية توجب على الطبيب التحلي بروح التضحية وبالأخلاق السامية ).
لاشك أن أغلب الأطباء في سورية من سوية مهنية عالية ,لكن لابد من تواجد نسبة قليلة من الأطباء تخطئ .
وحددت المادة 66 من القانون 31المتضمن التنظيم النقابي للأطباء البشريين في سورية على وجود مجلس تأديبي في كل فرع بالمحافظات يتولى محاكمة الأطباء المخلين بواجباتهم المهنية والمسلكية. مؤلفة منُخمسة أعضاء :
1-رئيس المجلس بمرتبة قاضي بدائي يسميه وزير العدل.
2-طبيب من وزارة الصحة(عضو) .
3- ثلاثة أطباء من مجلس فرع الطبيب المخالف(أعضاء).
تخضع قراراتها للاستئناف خلال عشرة أيام أمام مجلس التأديب المركزي بدمشق(مادة 73 منا لتنظيم القانوني للأطباء البشريين في سورية ). وقرارات مجلس التأديب المركزي قطعية ماعدا المنع النهائي من مزاولة مهنة الطب الذي يقبل الطعن بالنقض (م 78).
وتتم الملاحقة حسب المادة (71) من التنظيم الداخلي بناء على شكوى أو إخبار خطي من المضرور .
وتفرض بحق الطبيب المخالف عقوبات مسلكية بموجب المادة 74 من النظام الداخلي للأطباء البشريين وهي:
-التنبيه مع أو بدون التسجيل.
– التأنيب
-الغرامة المالية وهي لا تزيد عن ثلاثة ألاف فقط.
-المنع من مزاولة المهنة لمدة لا تزيد عن سنة أو المنع النهائي (الشطب)ويتم بإصدار مرسوم عادي واقتراح وزير الصحة (المادة 51).

الباب الثاني :المسؤولية القانونية للطبيب
تمهيد تاريخي :
تناولت شريعة حمو رابي بالمواد 281و219 عقوبة الطبيب المخطأ من قطع اليد إلى العبودية.
عند الإغريق حدد الأطباء واجبات الطبيب وكان لديهم أشهر الأطباء مثل ابقراط الذي وضع قسم الأطباء,و جالينوس ومن حكم سقراط في الطب( ثمة شيء واحد حسن هو المعرفة وشيء رديء هو الجهل).
في العصور الوسطى :
كان الطب حكر اللنبلاء أما باقي الشعب فكانوا حقل تجارب للسحرة بينما كان الطب يشع ازدهارا لدى العرب المسلمين فكان الرازي وابن النفيس وابن سينا صاحب كتاب القانون في الطب الذيمازال مرجع هام في جامعات باريس الراقية
وعند المسلمين :
جاء في القرآن الكريم :
(ليس عليكم جناح فيما أخطأتم ولكن ما تعمدت قلوبكم ) الأحزاب (أية 5)
وجاء في الحديث النبوي عن الرسول (ص):
(من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن )
وتوجد قواعد فقهية مشهورة مثل ( الضرر يزال ولا ضرر ولا ضرار ), و( المباشر ضامن وإن لم يتعهد )و (الضرورات تبيح المحظورات ).
حاليا :
كل دول العالم لا تسمح بمزاولة مهنة الطب إلا من قبل الأطباء الحاصلين على الإجازة في الطب وفي سورية تخضع مزاولة مهنة الطب للمرسوم 12 لعام 1970
الفصل الأول : تعريف المسؤولية القانونية وأنواعها
المسؤولية-liability هي حالة الشخص الذي ارتكب أمر يستوجب المؤاخذة .
أقسامها:
أدبية (أخلاقية )
قانونية (جزائية أو مدنية أو كلاهما )

الفصل الثاني : المسؤولية الجزائية
تبنى المشرع السوري مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني وكرس ذلك في المادة 29 من الدستور و أخذ بمبدأ براءة المتهم حتى يدان بحكم قضائي مبرم (ف1 م 28 الدستور) كما كفل الدستور حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء(ف4 م28)

التطبيب هو فعل مباح بشرط التزام الطبيب بقواعد الطب و التقيد بشروط محددة وهي :
أن يكون الطبيب مرخصا له قانونا مزاولة المهنة .
هدف التطبيب العلاج وليس التجريب.
انطباق العمل الطبي على أصول الفن الطبي
الحصول عل إذن المريض أو وليه في حالة الإغماء أو الضرورة الماسة .
علما أنه لا يؤخذ إذن المريض في حالة الأوبئة والأمراض السارية مثل الكوليرا ,السل ,الأنفلونزا (الطيور , الخنازير …) أو في حالة وجود خطر على حياة المريض أو ضرورة التدخل الجراحي لإنقاذه ولا يوجد أحد من ذويه .
جاء في المادة 182عقوبات ( الفعل المرتكب في ممارسة حق دون إساءة استعماله لا يعد جريمة).
الخطأ الجزائي :
بين قانون العقوبات السوري بالمادتين(189)و(190) على الخطأ
المادة (189) تنص ( يكون الخطأ إذا نجم الفعل الضار عن الإهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة الشرائع والأنظمة ).
وعرفت محكمة النقض السورية الإهمال وقلة الاحتراز كما يلي :
الإهمال : هو الامتناع عن عمل وجب فعله
قلة الاحتراز : قلة التبصر وعدم تقدير النتائج تقدير كاف.

أما المادة 190 عقوبات سوري فنصت (نكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين ,وكان باستطاعته أو من واجبه أن يتوقعها وسواء توقعها فحسب أن بإمكانه اجتنابها).
وعليه يلاحق الطبيب في حالة ارتكابه الخطأ الطبي أمام القضاء الجزائي حسب النتيجة الجرمية فيحاكم أمام محكمة صلح الجزاء في حالة التسبب بالإيذاء للمريض و أمام محكمة بداية الجزاء في حالة سبب إهماله وفاة المريض ,وفي حالة ارتكابه القتل القصد يلاحق أمام قاضي التحقيق ثم قاضي الإحالة تمهيدا لمحاكمته لأمام محكمة الجنايات.
ويلاحق الطبيب المخالف بدعوى الحق العام ,ويستطيع المضرور أو وليه الادعاء شخصيا أو تقديم شكوى وبذلك تحرك النيابة العامة دعوى الحق العام وتدعي على الطبيب المسؤول عن الخطأ الطبي .
-انقضاء دعوى الحق العام :
ويكون من خلال العفو العام أو الحكم الباتب الإدانة أو البراءة أو التقادم وهو عشر سنوات في الجناية وثلاثة سنوات بالجنحة وسنة واحدة بالمخالفات من تاريخ وقوع الفعل الجرمي .

* دعوى الحق الشخصي :
إذا أقام المضرور دعوى التعويضCompensation تبعا للدعوى العامة فإنه يطبق قانون أصول المحاكمات الجزائية وتفصل المحكمة بالعقوبة والالتزامات المدنية معا .
-لا تأثير للعفو العام على الحقوق الشخصية للمضرور فتظل دعوى الحق الشخصي من اختصاص المحكمة الواضعة يدها على دعوى الحق العام.
** سقوط حق المضرور باللجوء للقضاء الجزائي في عدة حالات:
1-العفو الخاص
2-وفاة الطبيب المسؤول
3-تنازل المريض عن شكواه بحق الطبيب (الصفح)
اختيار المضرور الطريق المدني لطلب التعويض.
نصت المادة 185 عقوبات سوري على أحكام الإجازة القانون وجاء فيها:
1-لا يعد الفعل الذي يجيزه القانون جريمة .
يجيز القانون مايلي:
ا-ضروب التأديب…
ب- العمليات الجراحية والعلاجات الطبية المنطبقة على أصول الفن.
أعمال العنف في الألعاب الرياضية .
وتعتبر هذه الإجازة عند وجودها سببا لتبرير الفعل المجاز وبالتالي:1- تنتفي الصفة الجرمية عن الفعل وبالتالي لامسؤولية جزائية ولا عقوبة ولا تدابير احترازية2- تعطي مشروعية للفعل وعليه لا يسأل الطبيب مدنيا 3- يستفيد من سبب التبرير كل من ساهم بالفعل من فاعل وشركاء ومتدخلين .

-كما تضمن قانون العقوبات في الباب الثامن من القانون- الجنايات والجنح –التي تمس الإنسان وسلامته نذكر أهمها :
المادة 540 :التي تعاقب على الإيذاء الذي- لاينجم عنه تعطيل عن العمل يزيد عن عشرة أيام – بالحبس لمدة لا تزيد عن ستة أشهر على الأكثر أو الحبس التكديري وبغرامة من 25 إلى 100 ل.س.
وفي حالة تنازل الشاكي تسقط دعوى الحق العام .

المادة 541: تصبح العقوبة حبس لمدة لا تزيد عن السنةوغرامة 100 ل.س إذا تجاوز التعطيل عن عشرة أيام . وفي حالة تنازل الشاكي تخفف العقوبة للنصف.
المادة 542: إذا جاوز التعطيل العشرين يوما تصبح العقوبة حبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات والغرامة 100ل.س.
المادة 543:في حالة سبب الإيذاء عاهة دائمة أو بتر عضو أو تشويه جسم أو تعطيل حاسة تعاقب مسبب الضرر بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر.
المادة 550 : من سبب موت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أوعدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب المسبب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاثة سنوات.

ويملك القاضي صلاحية تقدير وإعطاء الأسباب المخففة التقديرية إن رأى لزوم ذلك .
وجاء في المادة 143 عقوبات عام (للمحكمة عند قضائه بالبراءة أن تحكم بالتعويض للفريق المتضرر إذا كان الفعل يؤلف عمل غير مشروع ) .
ويتحدد التعويض حسب جسامة الضرر اللاحق بالمريض ويعتبر الفعل الضار واقعة مادية وبذلك يستطيع المريض المتضرر من خطأ الطبيب إثبات الضرر بالشهادة والقرائن والخبرة الطبية والتقارير الطبية .

أركان الخطأ الطبي :
الخطأ الطبي لاعتباره فعل جرمي لابد من قيام الركن المادي والركن المعنوي معا.

أولا: الركن المادي وهو مكون من ثلاثة عناصر هي 1-الخطأ(التعدي)
2- الضرر
3-الرابطة السببية بين الخطأ والضرر
الشرح:
الخطأ: ويتمثل بسلوك إيجابي أو سلبي (امتناع عن تأدية واجب قانوني مثل عدم إيقاف الطبيب النزف مما سبب وفاة المريض ).عرفت محكمة النقض السورية الخطأ بأنه (انحراف في السلوك والتقصير ببذل العناية بصورة تؤدي إلى الإضرار بالغير) قرار 107 تا 26 \12\1962 المحامون 1962 العدد الرابع .ويتم إثبات خطأ الطبيب بإثبات إهماله وعدم يقظته أو جهله لأصول الطب.

الضرر : ويجب أن يكون محقق ومباشر

الرابطة السببية بين الخطأ والضرر ( النتيجة الجرمية ): أي أن الضرر اللاحق بالمريض نجم عن خطأ الطبيب ويستطيع بالمقابل الطبيب درء المسؤولية الجزائية بنفي رابطة السببية بإثبات خطأ المريض كإهماله تعليمات الطبيب أو وقوع الخطأ من قبل الغير أو إثبات حصول الضرر بفعل سبب أجنبي .

-علما أنه لامقاصة في الأخطاء في القانون الجزائي لكن خطأ المضرور يسهم في تخفيف العقوبة والتعويض المفروضة بحق الطبيب المهمل .

تقدير توافر الرابطة السببية:
يعود تقدير ذلك لمحكمة الموضوع التي تستطيع الاستعانة بالخبرة الطبية . في حال رأت المحكمة عدم توافر السببية ينجم عن ذلك عدم مسؤولية الطبيب جزائيا .
أخذ المشرع في سورية بنظرية السبب المنتج ويستدل على ذلك ما جاء في قرار لمحكمة النقض ( إذا تعددت أسباب الحادث أخذت المحكمة بالسبب المنتج دون السبب العارض )
نقض 356 – المحامون العددان 7- 12 لعام 1973
يقصد بالسبب المنتج :
السبب المألوف الذي يحدث الضرر عادة .

ثانيا : الركن المعنوي:
ويتطلب توافر الأهلية الجزائية والإرادة الحرة لحظة ارتكاب الفعل الجرمي من قبل الطبيب. وهنا نميز بين القصد والخطأ:
في القصد( العلم والإرادة متجهين للفعل والنتيجة)
أما في الخطأ (الفاعل عالم بالفعل وموجها إرادته إليه لكنه غير عالم بالنتيجة مع انه من واجبه أو باستطاعته العلم بها ولأكنه لم يتخذ الاحتياطات الكافية لتجنب حدوث تلك النتيجة ).

أخيرا : كيف يتم مقاضاة الطبيب المخطأ وما هي المحكمة الجزائية المختصة مكانيا في محاكمته :
التقاضي : يتقدم المضرور بإدعاء شخصي إلى النيابة العامة التي بدورها تحيله إلى فرع نقابة الأطباء لإجراء التحقيق المسلكي التي تقدم تقريرها إلى النيابة العامة وبناء على التقرير تحرك دعوى الحق العام .
وهنا لا بد من الإشارة إلى التطبيق العملي حيث يتم توقيف الطبيب بحجة حمايته من ردة فغل ذوي المريض (المضرور وخاصة في حالات الوفاة بسبب الإهمال )وقد تظهر فيما بعد براءة ذلك الطبيب فيما بعد أو عدم مسؤوليته مما يلحق ضرر كبير بسمعة ذلك الطبيب ولعل الحل الوحيد لذلك يكون بالسماح للطبيب بتقديم كفالة نقدية عالية تضمن حضوره حتى يتم الشروع بمحاكمته .
المحكمة المختصة : تخضع للتسلسل التالي محكمة مكان ارتكاب الجرم ثم محكمة موطن المدعى عليه ثم محكمة مكان إلقاء القبض على المتهم وتكون النيابة العامة هي الخصم الأصلي في دعوى الحق العام .

الفصل الثالث : المسؤولية المدنية- Civil Liability
أنواع المسؤولية المدنية :
النوع الأول :المسؤولية العقدية ( كما هي حال مسؤولية الطبيب في فرنسة ومصر وبريطانيا )حيث يعتبر الفقه القانوني هناك أن العلاقة بين الطبيب والمريض تستند لعقد تحقق من خلال فتح الطبيب عيادته وتعليق لوحة باسمه( الإيجاب )ودخول المريض العيادة ( قبول). وتترتب المسؤولية العقدية عندما لا يتم تنفيذ العقد وفق الوجه والشروط المتفق عليها.
أما النوع الثاني: وهي المسؤولية التقصيرية وتقوم استنادا إلى مسؤولية الطبيب عن عمله غير المشروع الذي ألحق الضرر بالمريض وأخذ القانون السوري بذلك لأحكام المادة 164 قانون مدني التي تنص على أن ( كل خطأ سبب ضرر للغير يلزم مرتكبه بالتعويض) ويعتبر الفقه القانوني السوري أن التزام الطبيب تجاه مريضه هو التزام ببذل العناية كالمحامي وليس بتحقيق نتيجة . وقررت محكمة النقض السورية ذلك قي القرار 56 تاريخ 9\8\
1970 مجلة المحامون العددان 1-2 لعام 1974 وجاء فيه ما يلي :

( مسؤولية الطبيب تخضع للقواعد العامة متى تحقق وجود الخطأ مهما كان نوعه سواء كان فني أو غير فني جسيم أو هين . فالطبيب الجراح مفروض عليه أن يتصل بالمستشفى ليسأل عنه مريضه وأن يترك عنوانه للاتصال به لإسعاف المريض ومخالفة ذلك تفسح المجال أمام القضاء لتقدير المسؤولية والتعويض عنها مادام الأمر يتصل بالإهمال أو الواجبات العامة للطبيب وليس بمسائل فنية ).

* يعتبر العمل غير المشروع أحد أهم المصادر الغير إرادية للالتزام ويطلق عليها بالواقعة المادية التي يستطيع المضرور ( المريض أو ذويه )إثباتها بكافة الطرق.
** يحق للمريض نقل دعوى التعويض عن الخطأ المرتكب من الطبيب المقامة أمام القضاء المدني يحق له نقلها إلى القضاء الجزائي بشرط لم يصدر بعد حكم بالدعوى المدنية .ويسقط حق المريض المضرور من رفع دعوى التعويض أمام القضاء المدني في حالة اختار سلوك الطريق الجزائي تبعا لدعوى الحق العام .
وتقام هذه الدعوى في المحكمة التي يوجد بدائرتها موطن المدعى إليه .
نقاط هامة للغاية :
التزام الطبيب تجاه مريضه هو التزام ببذل عناية وليس تحقيق نتيجة ويلاحق الطبيب عندما يخرج الطبيب في مسلكه الطبي Medicine Conduct عن سلوك طبيب أخر بذات التخصص وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسؤول(معيار الطبيب المعتاد ).

التقادم :
تتقادم الدعوى عن العمل غير المشروع بمرور 3 سنوات على ارتكاب العمل الضار وعلم المضرور بفاعله أو 15 سنة على ارتكابه, علما أن سقوط الدعوى المدنية لا يمكن أن يكون سابق لسقوط الدعوى الجزائية .
الإثبات :
يقع على عاتق المضرور ( المريض) إثبات خطأ الطبيب (إهماله أو تقصيره). وتلجئ عادة المحكمة إلى الاستعانة بالخبرة الطبية من قبل أطباء من نقابة الأطباء وعليه إن تضمن تقرير الخبرة الطبية حصول خطأ طبي تقرر المحكمة لزوم محاكمة الطبيب وإلا تقرر حفظ الأوراق وإعلان البراءة .

مدى التعويض عن الضرر اللاحق بالمريض :
يشمل كل من التعويض عن A- الضرر المادي ( أي ما لحق بالمريض من خسارة وما فاته من كسب)B-الضرر الجسدي (ويقصد به ما أصاب المريض في سلامة جسمه وكلفة العلاج والتداوي )C-الضرر الأدبي ( ويقصد بها ما يمس المريض بشعوره أو كرامته أو سمعته ويستطيع المريض أو الأقارب للدرجة الثانية المطالبة به).
في حالة وفاة المريض يطالب بالتعويض من قبل ورثة المريض وزوجه .
في جرائم الاعتداء على النفس تتلازم المسؤولية المدنية والجزائية معا.

التعويض هو لجبر الضرر ويقدر بمقدار الضرر أي ما لحق المضرور من خسارة ومافاته من كسب وعل ذلك استقر اجتهاد محكمة النقض السورية قرار 1565 أساس 425 لعلم 1995 المحامون العددان 9-10. ويقدر الضرر حسب جسامة الخطأ ونسبة المسؤولية وفترة التعطيل عن العمل ونسبة العجز في وظائف الجسم جراء الخطأ الطبي من تاريخ الادعاء . ويخضع تقدير التعويض لصلاحية محكمة الموضوع كما أكد اجتهاد النقض المنشور في مجلة المحامون العددان 3-4 لعام 2006 صفحة 103 قاعدة 148
وكل من ثبت مسؤوليته عن إحداث الضرر Tortكان مسؤول بالتضامن بدفع التعويض ( المادة 170 مدني سوري ).
لاتقوم المسؤولية التقصيرية إلا بارتباط الضرر بالفعل الضار ( الخطأ) بعلاقة سببية محققة(أي ليست محتملة )و مباشرة ( أي عن الضرر المباشر فقط تتم الملاحقة ) .

الإعفاء من المسؤولية التقصيرية :
يعد ذلك الإسقاط المسبق باطل المخالفته قواعد النظام العام وتضمن القانون المدني في المادة (218 ) يقع باطلا كل شرط يقضي بالإعفاء من المسؤولية المترتبة على العمل غير المشروع.

* لكن بإمكان المضرور التنازل عن الدعوى بعد رفعها مدنيا ( المصالحة مع الطبيب ).

** يعفى الطبيب من المسؤولية عن الأضرار إن أثبت الطبيب وقوع الخطأ بسبب قوة قاهرة أو خطأ المريض أو خطأ الغير أو إن تمكن من إثبات أن الاختلاطات الذي أضرت بالمريض ليس للطبيب دور مباشر أو ايجابي في حدوثها وإنما هي نتيجة لاحقة للعمل الجراحي أو الدوائي وليست من خطأ الطبيب طبعا هذا الأمر لا يمكن إثباته إلا من خلال تقرير لجنة طبية مختصة .

الباب الثالث : التنسيق بين المسؤولية الجزائية والمسؤولية المدنية

الفصل الأول
أهم الفروق بين دعوى الحق العام ودعوى التعويض
تتجلى في ثلاثة أمور أساسية
* الأول : دعوى الحق العام تهدف لحماية أمن المجتمع ومعاقبة المجرمين أما دعوى التعويض فتهدف للمطالبة بالتعويض النقدي
** الثاني : النيابة العامة هي الخصم الأصلي في الدعوى العامة ولا تستطيع تركها أو التنازل عنها بل تلزم على تحريكها بحق الطبيب إذا تقدم المريض بادعاء شخصي أمامها
في حين دعوى التعويض التي يرفعها المريض المضرور أو ورثته إضافة للتركة (في حال الوفاة ) بحق الطبيب وإدارة المستشفى (المسؤول بالمال ) أو أحدهما
هذه الدعوى بإمكان الجهة المدعية إسقاط حقها الشخصي في أي وقت و كذلك إسقاط الحق المدعى به .

*** الثالث التقادم :

سقوط الدعوى الجزائية بالتقادم يستتبع حكما سقوط الدعوى المدنية ولا يمكن أبدا أن تسقط الدعوى المدنية قبل الجزائية وذلك تسهيلا من المشرع للمضرور (المريض) من الحصول على حقه بالتعويض قرار نقض 355 المحامون العددان 10 – 11 ص 292 لعام 1962
الفصل الثاني : تأثير الحكم الجزائي على الدعوى المدنية :
أشرت في السابق عزيزي القارئ إلى حق المريض المضرور بسلوك الطريق الذي يرغب اختياره فله المطالبة بحقه الشخصي بالتعويض تبعا للدعوى العامة ولكن عندئذ لا يستطيع الادعاء مرة ثانية أمام القضاء المدني
و في حالة اختار المريض الطريق المدني يظل بإمكانه نقل دعواه للطريق الجزائي بشرط لم يصدر بعد حكم بات بالدعوى المدنية .
في حالة الدعوى العامة أقيمت من قبل النيابة العامة وكانت دعوى التعويض مرفوعة أمام القاضي المدني فهنا يطرح السؤال التالي

هل يستمر القاضي المدني بالنظر بالدعوى المدنية :
هنا في هذه الحالة يتوجب على القاضي المدني تطبيق مبدأ الجزائي يعقل المدني وهو مبدأ يتعلق بالنظام العام وعليه يتوقف القاضي المدني حتى يبت بالدعوى الجزائية من المحكمة الجزائية لأن الدعوى المدنية هي التيتق تفى أثر الدعوى الجزائية وهذا المبدأ يتطلب كي يطبق شرطان :

كل من الدعوى العامة ودعوى التعويض مصدرهما ذات الجرم (العمل غير المشروع ) حتى لو اختلف الأطراف والسبب والموضوع
القاضي المدني مازال ينظر بدعوى التعويض (أي لم يبت بعد فيها).

بالعودة للسؤال السابق ما هي حجية الجزائي البات بعد صدوره بالنسبة للقاضي المدني :
للحكم الجزائي البات حجية أمام القاضي المدني تطبيقا للمبدأ السابق لكن علينا التمييز بين حالتين هل الحكم صدر بالإدانة أم بالبراءة
1_ حالة الإدانة:
يتوجب على القاضي المدني التقيد بما تضمنه الحكم الجزائي لجهة وجود الخطأ ومسؤولية الطبيب وطبيعة الخطأ المرتكب عن عمد أو بالخطأ وهل يوجد ضرر أملا ( يستثنى فقط مدى جسامة الخطأ التي تؤثر على العقوبة الجزائية لكن لا تقيد القاضي المدني )

2_ حالة البراءة :
إذا جاءت البراءة بسبب عدم ارتكاب الطبيب أي خطأ أو اعتبر عدم مسؤول عن الجرم فهذا يلزم القاضي بذلك
أما بحالة قضى الحكم الجزائي بأن الفعل لا يعد جرما جزائيا فهذا لا يقيد القاضي المدني ويستطيع الأخير إلزام المدعى عليه( الطبيب و المسؤول بالمال أو أحدهما) بدفع التعويض النقدي للمريض المضرور (أو ورثته في حالة وفاة المريض جراء الخطأ الطبي ) .
أخيرا : هل يؤثر القرار الصادر عن القاضي المدني على القاضي الجزائي الذي ينظر بالدعوى العامة المقامة عنده :
يجيب عن ذلك قرار صادر عن محكمة النقض بأن الحكم البات الصادر عن المحكمة المدنية لجهة ثبوت أو عدم ثبوت الفعل لا يقيد المحكمة الجزائية وتملك الحكمببراءة المتهم رغم الحكم المدني إلزامه بدفع تعويض والعكس صحيح تستطيع المحكمة الجزائية أن تحكم بالعقوبة على متهم لم يلزمه القاضي المدني بأي تعويض
لأن لاحجية للحكم المدني بالنسبة إلى القاضي الجزائي وهذه من أثار تطبيق مبدأ ( الجزائي يعقل المدني )

– مراجع البحث
قانون العقوباتPenal law , القانونالمدني Civil law , قانون أصول محاكمات المدنية , قانون أصول المحاكماتالجزائية
المسؤولية التقصيرية للأطباء – المحامي محمود زكيشمس
مجلة المحامون أعداد متنوعة
مواقع متنوعةمن الانترنت :
منتدى الموقع السوري للاستشارات والدراساتالقانونيةwww.barasy.com

موقع القانون السوريwww.syrianlaw.com
سيرياستيبسwww.syriasteps.com
جريدة الثورة السوريةwww.althawra.com
موقع نقابة الأطباءالسوريين
موقع محاكم سوريةwww.syriacourt.com
المصادر غيرالإرادية للالتزام للدكتور محمد سوار
قانون العقوباتالقسم العام للدكتور عبود السراج عميد سابق لكلية الحقوق جامعةدمشق

والله ولي التوفيق