الكفالة لغةً مشتقة من الفعل كفَلَ – يكْفِل ويراد بها معانٍ عدة منها : الاول هو القيام بالاعالة والتربية والانفاق وهو المقصود من قوله تعالى (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا)(آل عمران: من الآية37) . والثاني هو الضمان(1). ومنها قوله تعالى (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) (صّ:23). ويبدو ان الكفالة قد استعملت بالمعنى الثاني في الاصطلاح القانوني ويمكن ملاحظة ذلك من تعريف المشرع العراقي للكفالة في المادة (1008) من القانون المدني والتي جاء فيها ان : “الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة بتنفيذ التزام” (2).

الاصل في الكفالة انها لاتكون تضامنية ، بمعنى ان الكفيل لايكون ملزماً بمبلغ الدين الذي كفله الا إذا لم يفِ به المدين نفسه لذلك وجب على الدائن الرجوع اولا على المدين فان عجز الاخير عن الوفاء جاز للدائن الرجوع على الكفيل ؛ ويجوز باتفاق المتعاقدين او بنص في القانون على جعل الكفالة تضامنية بين الكفيل والمدين وفي هذه الحالة يكون الكفيل ملزماً بالوفاء ، دون ان يستطيع دفع المطالبة (إذا ما وجهت اليه اولاً) بعدم جواز مطالبته قبل مطالبة المدين او دفع اجراءات التنفيذ على امواله بحق التجريد او طلب تقسيم المطالبة بينه وبين غيره من الكفلاء(3). وهذا ما قضت به المادة (1021) من القانون المدني العراقي(4). لذلك فان الكفالة التضامنية تخول الدائن ضماناً اوفى من الكفالة العادية(5). وهي بذلك تجمع بعض مزايا التضامن الصرفي من حيث وجود المسؤولية التضامنية في كل منهما بحيث يكون امام الدائن اكثر من ملتزم يستطيع الرجوع عليهم بصورة منفردة او مجتمعة دون ان يكون لاي منهم دفع الدائن بضرورة تجريد المدين المكفول . ولكن مع ذلك فثمة اختلافات توجد بين النظامين يمكن ادراج اهمها بالاتي:

اولاً: ان مصدر التضامن الصرفي هو نص القانون، في حين ان مصدر التضامن في الكفالة التضامنية هو الاتفاق او نص القانون ، إذ ان الاصل ان لا تضامن بين الكفيل والمدين المكفول وهو ما نصت عليه المادة (1030) من القانون المدني العراقي بالقول “1- لاتضامن بين الكفيل والمدين مالم يشترط ذلك في عقد الكفالة او عقد منفصل. 2- اما في الكفالة القضائية والقانونية والتجارية فيكون الكفلاء متضامنين فيما بينهم ومتضامنين مع المدين”. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز العراقية في العديد من قراراتها على عدم امكانية افتراض التضامن بين المدين وكفيله ما لم يشترط ذلك في عقد الكفالة(6) . يضاف إلى ذلك فارق اخر مفاده انه في حالة تعدد الكفلاء لدين واحد وبعقد واحد، فان الدين يقسم عليهم ولايجوز للدائن مطالبة كل كفيل الا بقدر نصيبه في الكفالة(7). مالم يتنازل الكفلاء عن حق التقسيم سواء اكان ذلك بالسكوت عن التمسك به الى ان يحكم عليه بكل الدين ام بقبول الكفيل الالتزام بالتضامن مع المدين إذ ان تضامنه مع المدين يفيد التزامه وحده بكل الدين ، ام بقبول تضامنه مع بقية الكفلاء ولو لم يكونوا متضامنين مع المدين لان تضامنهم فيما بينهم يجعل كل واحدا منهم مسؤولاً عن كل الدين ويحرمه من حق التقسيم(8). اما في الاوراق التجارية فان تعدد الملتزمين من درجة واحدة يجعلهم متضامنين في مواجهة الدائن (حامل الورقة التجارية) ومن ثم فان كل منهم يكون مسؤولاً عن كل الدين الصرفي .

ثانيا: في التضامن الصرفي يكون الدائن (الحامل) ملزم بمطالبة المسحوب عليه (بالنسبة للحوالة التجارية والصك) او المحرر (بالنسبة للسند للامر) اولاً فان امتنع عن الوفاء جاز له الرجوع على باقي المتضامنين ليطالبه بقيمة الورقة التجارية بعد اثبات امتناع المسحوب عليه او المحرر عن الوفاء عن طريق عمل احتجاج عدم الوفاء . اما في الكفالة التضامنية فان للدائن الحرية في البدء بمطالبة المدين او الكفيل المتضامن او مطالبتهما معاً وهو مانصت عليه المادة (1031) من القانون المدني العراقي بالقول “إذا كان الكفيل متضامنا مع المدين فالدائن مخير في المطالبة ان شاء طالب المدين وان شاء طالب الكفيل …” .

ثالثا: في الكفالة التضامنية يكون التزام الكفيل تابعا لالتزام المدين المكفول(9). وقد جاء باحدى قرارات محكمة النقض المصرية بان “التزام الكفيل متضامنا كان او غير متضامن هو التزام تابع لالتزام المدين الاصلي”(10) . اما في التضامن الصرفي فان التزام كل موقع على الورقة التجارية مستقل عن التزامات غيره من الموقعين الاخرين استنادا لمبدأ استقلال التواقيع السائد في الاوراق التجارية ، ويترتب على ذلك النتائج الاتية :

1.يترتب على بطلان التزام المدين المكفول ، في الكفالة التضامنية ، بطلان التزام الكفيل اما بالنسبة للاوراق التجارية فالاصل فيها ان بطلان التزام احد الموقعين عليها لايترتب عليه بطلان التزام غيره من المتضامنين الصرفيين ، وهو ماقضت به المادة (47) من قانون التجارة العراقي بالقول “إذا حملت الحوالة توقيعات اشخاص ليس لهم اهلية الالتزام بها او توقيعات مزورة او لاشخاص وهميين او توقيعات غير ملزمة لاسباب اخرى لاصحابها او لمن وقعت الحوالة باسمائهم ، فان التزامات غيرهم من الموقعين عليها تبقى مع ذلك صحيحة”(11) . وقد خرج المشرع التجاري على هذا الاصل في حالة الضامن إذ رتب على بطلان التزام المضمون لعيب في الشكل بطلان التزام الضامن (12). وهذا مايمكن استخلاصه من مفهوم المخالفة لنص المادة (82) من قانون التجارة العراقي والتي جاء فيها “ويكون التزام الضامن صحيحا ولو كان الالتزام الذي ضمنه باطلا لاي سبب غير عيب في الشكل”(13) .

2.في الكفالة التضامنية للكفيل ان يتمسك بجميع الدفوع الخاصة به والناتجة عن عقد الكفالة وبجميع الدفوع الخاصة بالمكفول ومن ثم فانه يستطيع ان يتمسك في مواجهة الدائن ببطلان التزامه او ببطلان التزام المدين لانعدام الرضا او لعيب في الشكل او لعدم توافر شروط المحل او لعدم مشروعية السبب او لاي سبب اخر من اسباب بطلان الالتزام(14). اما في الاوراق التجارية فان الامر مختلف إذ ان المتضامن الصرفي لايستطيع التمسك بالدفوع الشخصية الخاصة به قبل الحامل حسن النية استنادا لقاعدة تطهير الدفوع ، فضلا عن عدم امكانيته في التمسك بالدفوع الشخصية او الموضوعية الخاصة بغيره من المتضامنين الصرفيين استنادا لمبدأ استقلال التواقيع(15). باستثناء حالة الضامن فيما يتعلق بالدفع بالبطلان تبعا لبطلان التزام المضمون لعيب في الشكل .

رابعاً: ان محل التزام المتضامنين صرفياً هو مبلغ من النقود لان محل الورقة التجارية يجب ان يكون دائما مبلغا من النقود والا انقلبت إلى سند عادي ، في حين يلاحظ ان المحل في الكفالة التضامنية يمكن ان يكون اعطاء شيء او عملاً او امتناعاً عن عمل بمعنى انه لايشترط ان يكون دينا نقديا ما دام يمكن تقديره بصورة نقديه او يترتب على عدم تنفيذه الحكم بالتعويض(16).

خامساً: ان الكفالة التضامنية تعد مدنية وان كان الكفيل تاجراً وهو ماقضت به المادة (1016) من القانون المدني العراقي بالقول “كفالة المدين في دين تجاري تعتبر كفالة مدنية حتى لو كان الكفيل تاجراً” ، في حين ان التزام المتضامنين الصرفيين يعد عملاً تجارياً ، وهو ما نصت عليه المادة (1016) من القانون المدني العراقي واكدته المادة (6) من قانون التجارة العراقي (17). ينتج عن ذلك فروق عدة بين النظامين من حيث القانون الذي يحكمهما او من حيث سعر الفائدة القانوني او من حيث جواز او عدم جواز اعطاء مهلة قضائية … وحسب التفصيل الذي ذكرناه عند تناولنا لمسالة تمييز التضامن الصرفي من التضامن المدني .

سادساً: ان الكفيل المتضامن ملزم بحدود كفالته(18). ومن ثم فلايمكن مطالبته باكثر من ذلك. واذا ادى الكفيل ما كفل به من ماله فله الرجوع على المدين بما ادى بموجب الدعوى الشخصية المستندة إلى الكفالة او الاثراء بلا سبب، كما يستطيع ان يرجع بموجب دعوى الحلول محل الدائن(19) . اما إذا كان التضامن حاصلا بين الكفلاء انفسهم ففي هذه الحالة لايرجع الكفيل المتضامن (إذا ادى المبلغ الذي التزم به للدائن) بكل ما اداه على سائر الكفلاء بل يرجع بحصته في الدين وبنصيبه في حصة المعسر منهم(20). اما في التضامن الصرفي فان اداء احد الملتزمين المتضامنين مبلغ الورقة التجارية للحامل يخوله الرجوع بموجب الدعوى الصرفية على جميع الموقعين السابقين عليه بالمبلغ الذي اداه وبفوائده القانونية من تاريخ الاستحقاق اضافة إلى المصاريف التي تحملها.

__________________________

1- جبران مسعود ، الرائد ، مصدر سابق ، المجلد الثاني ، ص 1248.

2- اما المادة (772) من القانون المدني المصري فقد عرفت الكفالة بانها: “عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بان يتعهد للدائن بان يفي بهذا الالتزام إذا لم يفِ به المدين نفسه”.

3- د. سليمان مرقس ، عقد الكفالة ، ط1 ، دار النشر للجامعات المصرية ، القاهرة ، 1958، ص96.

4- تنص المادة (1021) من القانون المدني العراقي على انه “يفرض في الكفالة انها انعقدت معلقة على شرط عدم وفاء المدين بالدين مالم يكن الكفيل قد نزل عن هذا الشرط او كان قد تضامن مع المدين” وهو ذات المبدأ الذي قررته محكمة التمييز العراقية في قرارها ذو الرقم 173/ حقوقية ثالثة / 1969 بتاريخ 31/12/1969 ، قضاء محكمة تمييز العراق ، المجلد السادس ، ص384.

5- ابو اليزيد علي المتيت ، الكفالة التضامنية ، بحث منشور في مجلة المحاماة ، العدد التاسع ، السنة التاسعة والثلاثون ، 1959 ، ص 1271.

6- انظر قرار محكمة التمييز العراقية رقم 813/حقوقية /1962 بتاريخ 31/5/1962، مجلة القضاء ، العدد الرابع ، السنة الحادية والعشرون ، 1966 ، ص 120 ، كذلك قرارها رقم 1475 /حقوقية /1968 بتاريخ 20/10/1969 ، قضاء محكمة تمييز العراق ، المجلد السادس، ص386. كذلك قرارها رقم 173 /حقوقية ثالثة /1969 بتاريخ 31/12/1969 ، قضاء محكمة تمييز العراق ، المجلد السادس ، ص384.

7- انظر المادة (1024) من القانون المدني العراقي والمقابلة للمادة (792)من القانون المدني المصري ، اما بالنسبة للقانون المدني الفرنسي فانه قد نص في المادة (2026) على انه إذا التزم عدة اشخاص بصفة كفلاء لمدين واحد بدين واحد فانهم يكونون ملزمين كلا منهم بجميع الدين ، ثم اردف ذلك بان نص في نفس المادة على ان لكل من الكفلاء الحق في طلب التقسيم عند مطالبته بكل الدين مالم يكن متضامناً مع غيره من الكفلاء او متنازلا عن حق التقسيم.

8- د. سليمان مرقس ، مصدر سابق ، ص 108.

9- د. ابو اليزيد علي المتين ، مصدر سابق ، ص1273.

10- قرار محكمة النقض المصرية بتاريخ 15/3/1976 ، احمد حسني ، مصدر سابق، ص 408.

11- تقابلها المواد (114) من القانون التجاري الفرنسي ، (386) من قانون التجارة المصري.

12- للتفصيل انظر : المختار بكور ، تبعية التزام الضامن الاحتياطي وقاعدة عدم التمسك بالدفوع ، بحث منشور في المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد ، العدد الثامن عشر ، 1985 ، ص 10.

13- تقابلها المواد (32) من قانون جنيف الموحد ، (163) من قانون التجارة الاردني.

14- د. عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، ج10، في التامينات الشخصية والعينية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1970، ص 151.

15- تنص المادة (57) من قانون التجارة العراقي على انه “ليس لمن اقيمت عليه دعوى بحوالة ان يحتج على حاملها بالدفوع المبنية على علاقاته الشخصية بساحبها او بحامليها السابقين مالم يكن الحامل وقت حصوله على الحوالة قد تصرف بقصد الاضرار بالمدين” وتطبيقا لذلك قضت محكمة التمييز العراقية بانه “لاتسمع تجاه الحامل الدفوع المبنية على العلاقات الشخصية مع المظهر الا إذا قصد الحامل الاضرار بالمدين وقت حصوله على الورقة” قرار رقم 1363 /مدنية رابعة/1976 بتاريخ 20/6/1976 ، مجموعة الاحكام العدلية ، العدد الثاني ، السنة الثامنة ، ص 90. كذلك قرارها رقم 348 /مدنية اولى /1989 بتاريخ 11/1/1990 ، ابراهيم المشاهدي ، المبادئ القانونية لقضاء محكمة التمييز ، القسم التجاري ، مطبعة الجاحظ ، بغداد ، 1994 ، ص23.

16- د. محمد علي عرفة ، التقنين المدني الجديد (شرح مقارن على النصوص) ، ط2 ، مكتبة النهضة العربية ، القاهرة ، 1955، ص 568.

17- نصت المادة (1016) من القانون المدني العراقي في فقرتها الثانية “على ان الكفالة الناشئة عن ضمان الاوراق التجارية ضماناً احتياطيا او عن تظهير هذه الاوراق تكون دائما كفالة تجارية” اما المادة (6) من القانون التجاري العراقي فانها نصت على انه “يكون انشاء الاوراق التجارية والعمليات المتعلقة بها عملا تجاريا بصرف النظر عن صفة القائم بها ونيته” .

18- انظر قرار محكمة التمييز الاردنية رقم 1959 / حقوقية /1999 بتاريخ 26/2/2000 ، المجلة القضائية ، السنة الرابعة ، العدد الثاني ، شباط 2000، ص 237-238.

19- انظر المواد (1033) من القانون المدني العراقي ، (799) من القانون المدني المصري .

20- انظر نص المادة (1032) من القانون المدني العراقي والمقابلة للمادة (796) من القانون المدني المصري .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .