مؤسسات الدولة ودورها في مكافحة الفساد
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

لا يوجد خطر على المجتمع مثل خطر الفساد، فالفساد يهدد أهداف التنمية مباشرة، ذلك أنه يخلخل العدالة الاجتماعية تماما، ويخلخل التوزيع العادل للثروة، وهذا يولد مشكلات اقتصادية مختلفة، ليس الاحتكار بأقلها خطرا، فالفساد في منتهاه عملية “حقيرة” تآمرية، ليصبح المال دولة بين الأغنياء فقط، وهذا يجعل الفقر متفشيا، والبطالة لا تتزحزح والإنتاج في أقل مستوياته، ولهذا كانت محاربة هذه الآفة الخطيرة أولى أولويات خادم الحرمين الشريفين، وفي كل مناسبة تتم الإشارة إلى ضرورة مكافحة الفساد والشفافية في ذلك.

ورغم أن جهود مكافحة الفساد قد بدأت منذ عهد الملك عبدالله – رحمه الله – عندما أمر بإنشاء هيئة لمكافحة الفساد، إلا أن العمل الحقيقي لهذا المفهوم كان على يد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، الذي يردد المجتمع اليوم مقولته الشهيرة “لن ينجو أحد تورط في الفساد كائنا من كان”، ولعل التجربة الكبيرة للمملكة في هذا الشأن قد برزت للعالم أجمع عندما تمت إحالة أكثر من وزير إلى لجنة خاصة بهذا الشأن. لكن مشكلة الفساد – بوصفها ظاهرة اجتماعية خطيرة – أنها متلونة ومتعددة المظاهر، وإن تمحورت حول حصول فئة من المجتمع على مزايا وحقوق ليست لهم. وقد يكون ذلك من خلال تسهيلات غير نظامية من بعض الفاسدين في الحكومة، كما حدث قبل نحو شهر من الآن، عندما تم إيقاف مسؤول كبير في وزارة الدفاع.

وقد يكون من خلال الاعتداء السافر على الأراضي الحكومية بتزوير الصكوك والوثائق، مع تساهل في الفحص والتثبت، وهذا ما أعلنته الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “نزاهة” خلال الأيام الماضية، عندما تم ضبط تعديات على ثلاث أراض حكومية تقدر مساحتها بنحو 40.3 مليون متر مربع في العاصمة الرياض، منها أرض تبلغ قيمتها التقديرية أكثر من مليار ريال.

من المهم في شأن مكافحة الفساد ذلك الدور الأساس، الذي يقوم به المجتمع للإبلاغ عن الفساد وعن مرتكبيه، وهو ما يسمى في علم مكافحة الفساد والغش “المبلّغين Whistleblowers أو نافخي الصفارات بالمعنى الحرفي للعبارة”، فهناك قضايا لا يمكن اكتشافها بالطرق العادية أو الإجراءات الرقابية لأسباب عدة، من بينها أن مرتكب الفساد قادر على تعطيل هذه الإجراءات بحكم المنزلة الوظيفية أو الاجتماعية، أو مثلما حدث في الأراضي المعتدى عليها، فلم تكن هناك خلافات بين أطراف تكشف عن الفساد، بل تم تزوير صكوك الأراضي وتسويرها بناء على ذلك، ولولا ما قام به “المبلغون” فما كان ليُكشَف عن هذه الاعتداءات، وهذا يوضح دور المجتمع في التفاعل مع الحملة الكبرى التي يقودها الملك القائد ضد الفساد، ذلك أن أكثر من 90 في المائة من قضايا الفساد في العالم تم الكشف عنها من خلال مبلغين، لم يكن ذلك من خلال الإجراءات الرقابية العادية.

وإذا كان دور المجتمع الواعي مهما جدا في الحرب ضد الفساد، فإن هناك قضيتين متلازمتين لهذا الموضوع، أولاهما الجدية في البلاغات وعدم إشغال الجهات المختصة بشأن قضايا لا تمثل فسادا، بل مجرد خلافات في فهم النظام، أو أن هذه البلاغات كيدية، ذلك أن مثل هذا “لو كان بحسن نية” يضيع الجهود المؤسسية، ويضعف من مصداقية المبلغين، كما أنه يتيح فرصة نمو الفساد، مع انشغال الجهات المختصة بقضايا هامشية غير ذات أهمية نسبية، والقضية الأخرى هي أهمية وجود نظام لحماية الشهود، ونظام لحماية المبلغين ومكافأتهم، ذلك أن المبلغين – في الغالب – قد يتحرجون من التبليغ لأسباب، منها قلق التورط في قضايا قد تشغلهم عن حياتهم اليومية، أو قد تسبب لهم الفصل التعسفي أو الملاحقة القضائية، ولهذا فنحن بحاجة إلى هذه الأنظمة عاجلا، كما أن على هيئة مكافحة الفساد نشر الأرقام الخاصة بالبلاغات في كل الجهات وكل الطرق، فإن مجرد نشر هذه الأرقام سيعزز من ثقافة التبليغ، مع إرشادات خاصة لتجنب البلاغات الكيدية، كما أنه سيحد من جرأة الفاسدين؛ نظرا للتلاحم بين المجتمع والهيئة في محاربة هذه الآفة الخطرة، حتى إن لم تمثل ظاهرة في المجتمع السعودي، كما أشار إلى ذلك خادم الحرمين الشريفين، ولله الحمد.