مما لاشك فيه أن صدور الأحكام تعد مرحلة بالغة الأهمية من مراحل نظر الدعوى، حيث يشكل النطق به المرحلة الحاسمة، إذ تنتهي الدعوى به ويؤدي بالتالي إلى قطع النزاع، ويعد النطق بالحكم إجراءاً مهماً للغاية بالنسبة للمحكوم له، إذ لا يكتسب الأخير حقه إلا بعد النطق بالحكم. وتصدر الأحكام باسم الشعب(1). وإذا ما رأت المحكمة أن الدعوى قد تهيأت لإصدار الحكم عندها تقرر ختام المرافعة، ثم تصدر حكمها إما في ذات اليوم أو تحدد موعداً آخر للنطق به على أن لايتجاوز خمسة عشر يوماً من تاريخ تفهيم ختام المرافعة(2).وتجدر الإشارة أن الأحكام تصدر إما بالاتفاق أو بأكثرية الآراء، وإذا ما تشعبت الآراء، عندها يتوجب على العضو الأقل درجة الانضمام إلى أحد الآراء لتكوين الأكثرية اللازمة من أجل الحفاظ على تماسك أعضاء المحكمة والحيلولة دون زعزعة الثقة بهم(3).

بعدها تتم تلاوة منطوق الحكم وذلك في جلسة علنية بعدما يتم تحرير مسودته وكتابة أسبابه الموجبة في الجلسة المحددة، ويعد الطرفان مبلغين بمنطوق الحكم تلقائياً إذا كانت المرافعة قد جرت حضورية، سواء حضر الطرفان أم لم يحضرا في الموعد الذي حدد لتلاوة القرار(4).ونرى أن المشرع العراقي حسناً فعل باعتبار الطرفين مبلغين تلقائياً بمنطوق الحكم إذا كانا قد حضرا إحدى جلسات المرافعة مما ينتفي جهلهما التام بمنطوق الحكم على عكس الخصم الغائب والذي لم يحضر أية جلسة من جلسات المرافعة، إذ يتوجب تبليغه بمنطوق الحكم ليتسنى له من مراجعة طرق الطعن المقررة. وهناك نقطة في غاية الأهمية، ألا وهي أن التبليغ التلقائي الذي افترضه المشرع العراقي يوجب على الخصوم التنبه لهذه المسألة بكامل الحيطة والاهتمام، حيث يترتب على التبليغ بالأحكام سريان مدد الطعن المقررة، فبمجرد حضور الطرفين إحدى جلسات المرافعة يجعل من المرافعة حضورية وفق الفقرة (1) من المادة (55) من قانون المرافعات، ولا يؤثر على حضورية المرافعة غياب الأطراف في اليوم المعين لتلاوة الحكم. ونعتقد أن اتجاه المشرع العراقي له الأثر البالغ في حسم الدعوى، إذ التضييق واضح من حالات المرافعات الغيابية حتى عند صدور الأحكام وذلك لقطع الطريق أمام كل محاولة لعرقلة سير الدعوى. إذن، يترتب على تلاوة منطوق الحكم البدء في سريان مدد الطعن، حيث تبدأ مدد الطعن هذه من اليوم التالي لتبليغ الحكم أو باعتباره مبلغاً. وللخصوم الحق في مراجعة طرق الطعن وذلك قبل تبلغهم بالأحكام(5).

وقد جاء في قرار لمحكمة استئناف نينوى بصفتها التمييزية(6). “لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية لذا قرر قبوله شكلاً ولدى النظر في الحكم المميز فقد وجد أنه غير صحيح ومخالف للقانون، ذلك لأن الاعتراض على الحكم الغيابي كان قد قدم في مدته البالغة عشرة أيام عملاً بأحكام المادة (177/1) من قانون المرافعات المدنية، وحيث أن المميز (المدعى عليه) قد تبلغ بالحكم الغيابي بتاريخ 18/8/2002 وان الاعتراض قد وقع ودفع الرسم عنه بتاريخ 28/8/2002 وحيث أن سريان المدد القانونية يبدأ من اليوم التالي لتبليغ الحكم كما تقضي بذلك المادة (172) من القانون المذكور فكان على المحكمة والحالة هذه أن تقبل الاعتراض وتنظر فيه وفقاً للقانون لذا قرر نقض الحكم المميز وإعادة إضبارة الدعوى إلى محكمتها لاتباع ماتقدم وإصدار الحكم وفق القانون على أن يبقى رسم التمييز تابعاً للنتيجة…“. وإذا كان الأمر لا يشكل أدنى صعوبة بخصوص الأحكام الحضورية ومسألة تبليغها حيث تسري مدد الطعن من اليوم التالي لتبليغ الحكم أو باعتباره مبلغاً، إلا أن الأمر يختلف نوعاً ما مع الأحكام الغيابية والتي يلزم تبليغها للخصم الغائب.

فقد جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية(7).: “أن النص في المادة (213) من قانون المرافعات على أن (يبدأ ميعاد الطعن في الحكم من تاريخ صدوره مالم ينص القانون على غير ذلك، ويبدأ هذا الميعاد من تاريخ اعلان الحكم إلى المحكوم عليه في الأحوال التي يكون فيها قد تخلف عن الحضور في جميع الجلسات المحددة لنظر الدعوى ولم يقدم مذكرة بدفاعه…) يدل على أن القانون جعل مواعيد الطعن في الأحكام من تاريخ النطق بها كأصل عام إلا أنه استثنى من هذا الأصل الأحكام التي لا تعتبر حضورية والأحكام التي افترض المشرع فيها عدم علم المحكوم عليه بالخصومة وما اتخذ فيها من إجراءات فجعل مواعيد الطعن فيها من تاريخ إعلان الحكم، ومن ثم إذا ما ثبت أن المحكوم عليه لم يحضر في أية جلسة ولم يقدم مذكرة بدفاعه فان ميعاد الطعن لاينفتح إلا من تاريخ إعلانه بالحكم….“.تنبغي الإشارة إلى أن مدد الطعن هي مدد حتمية يتوجب مراعاتها وإلا سقط الحق فيه، إذ على الخصوم التقيد بضوابط الأحكام وما يترتب عليها، حيث تقوم المحكمة برد الطعن شكلاً إذا ما قدم خارج المدة القانونية المقررة(8)..

وتطبيقاً لذلك فقد جاء في قرار لمحكمة استئناف نينوى بصفتها التمييزية(9).: “لدى التدقيق والمداولة وجد أن الحكم الغيابي المميز قد صدر في 5/9/2001 وتبلغ به المميز بتاريخ 25/9/2001 وقدم الطعن التمييزي ودفع الرسم عنه بتاريخ 9/3/2002، وحيث أن مدة الطعن بطريق التمييز بالنسبة للحكم البدائي المميز هي عشرة ايام عملاً بأحكام المادة (204) من قانون المرافعات المدنية، وحيث يعتبر دفع الرسم مبدأ للطعن وأن المدد المعينة لمراجعة طرق الطعن في القرار حتمية ويترتب على عدم مراعاتها وتجاوزها سقوط الحق في الطعن ويبدأ سريان المدد القانونية من اليوم التالي لتبليغ الحكم كما تقضي بذلك المواد (171، 172، 173/2) من قانون المرافعات المدنية لذا تكون عريضة التمييز مقدمة بعد مضي مدة التمييز، عليه قرر ردها شكلاً وتحميل المميز رسم التمييز….“.

إن عريضة الطعن شأنها في ذلك شأن عريضة الدعوى، يتوجب أن تشتمل على مسائل عدة وإلا تعرضت للرد، ومن أهم تلك المسائل وجوب اشتمالها على أسباب الطعن، كذلك بيان المحل الذي يختاره الطاعن لغرض التبليغ، فضلاً عن احتوائها على الحكم محل الطعن وتاريخه كذلك يتوجب ذكر اسم المحكمة التي أصدرته(10). فالمحل المختار هنا لغرض التبليغ، هو ذلك المكان الذي يتخذه الخصم لإجراء التبليغات، وغالباً ما يكون المكان الذي يختاره الخصم لتنفيذ عمل قانوني معين، وعلى الخصم ابلاغ المحكمة بأي تغيير يطرأ على المحل المختار لغرض التبليغ من أجل أن توجه التبليغات إلى المحل بدقة دون أي تأخير. تجدر الإشارة، أن تبليغ الأحكام يخضع لذات القواعد الخاصة بتبليغ الأوراق الأخرى، حيث جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية(11).: “إعلان الحكم لا يعدو أن يكون ورقة من أوراق المحضرين، تخضع لذات القواعد الخاصة بإعلان هذه الأوراق وتسليمها وكل ما تقضي به المادة (213/3) من قانون المرافعات من أن يكون إعلان الحكم لشخص المحكوم عليه أو في موطنه الأصلي دون الموطن المختار لا يعد استثناءً من المادة (13/9-10) من قانون المرافعات فيلزم اتباع حكمها بتسليم إعلان للنيابة العامة لتوصيل الصورة بالطرق الدبلوماسية إذا كان للمعلن إليه موطن معلوم بالخارج، أو بتسليم الصورة إليه إذا كان موطنه غير معلوم“. إن مدد الطعن وان كانت مدد حتمية يتوجب مراعاتها، إلا أنه قد تطرأ حالات طارئة تستوجب وقف هذه المدد، وبزوال العذر الطارئ تستمر المدد في السريان وذلك وفقاً للوضع المألوف. مهما يكن من أمر، فان سبب الوقف –أي وقف مدد الطعن- اما أن يكون لعذر يتعلق بالمحكوم عليه أو قد يتعلق الأمر بالمحكوم له. فاذا ما توفي المحكوم عليه أو فقد أهلية التقاضي أو إذا زالت صفة من كان يباشر الخصومة عنه، بعد تبلغه بالحكم وقبل انقضاء المدد القانونية للطعن ففي هذه الحالات تقف المدد القانونية ولا يجوز اتخاذ أي إجراء خلال هذه الفترة(12). ويستمر وقف المدة ولا تسري إلا بعد تبليغ الحكم إلى الورثة أو إلى أحدهم وذلك في آخر موطن كان للمورث أو موطن من يقوم مقام من فقد أهلية التقاضي أو صاحب الصفة الجديدة(13).

نلاحظ هنا الدور الفعال الذي تشكله التبليغات القضائية، بحيث أن الفيصل أو العامل الحاسم في بدء أو عدم بدء سريان المدة القانونية الموقوفة تكمن في مرحلة التبليغات، فما دامت التبليغات غير متوجهة، فلا حديث عن بدء سريان المدد القانونية للطعن، لكن متى ما أجريت تلك التبليغات على الوجه الأكمل عندها يزول سبب الوقف، والعلة في ذلك واضحة وتتمثل أنه ليس في مقدور الورثة أو من يقوم مقام من فقد أهلية التقاضي أو من زالت صفته أن يعلم بمدة الطعن المقررة، لا بل قد لا يعرف أصلاً بالدعوى المقامة على مورثهم، فمن شأن التبليغات أن تزيل ذلك التجاهل وتمنح الورثة حق التمسك بحقوق مورثهم. ويرى جانب من الفقهاء(14). أن سبب التركيز على توجيه التبليغات في آخر موطن كان للمورث هي الرغبة في التيسير أو التسهيل لإجراء تلك التبليغات، وحتى لا يأخذ توجيهها الوقت الطويل، فضلاً عن ذلك فقد يتعذر الوصول بسهولة إلى موطن الورثة، كذلك فالمحكمة تعرف بالأساس ومن خلال عريضة الدعوى الموطن الذي اختاره المورث لغرض التبليغ. الجدير بالذكر أن وفاة المحكوم عليه أو فقدانه لأهلية التقاضي أو زوال الصفة حتى تكون موجبة لوقف المدد القانونية، لابد وأن تحصل في فترة زمنية محددة وهي الفترة الواقعة ما بعد التبلغ بالحكم وقبل انقضاء المدد القانونية للطعن، وبمفهوم المخالفة إذا حدثت إحدى هذه الأعذار الطارئة بعد انقضاء المدد القانونية للطعن فلا يكون ذلك موجباً لوقف المدد، كذلك إذا حدثت المسائل الطارئة قبل التبلغ بالحكم. وقد يتعلق العذر الطارئ بالمحكوم له، فإذا ما حدث وتوفي المحكوم له وذلك في أثناء ميعاد الطعن، ففي هذه الحالة أجاز المشرع تبليغ الطعن إلى أحد ورثته في آخر موطن كان لمورثهم لسهولة معرفته وللحيلولة دون تحمل عناء بحث عناوين جديدة للورثة وما قد يستغرقه ذلك من وقت، أما إذا فقد المحكوم له أهلية التقاضي أو زالت صفته عندها يتوجب تبليغ الطعن إلى من يقوم مقامه في موطنه(15).

ونعتقد أن مصطلح “الوقف” الذي استخدمه المشرع العراقي في الفقرتين (1-2) من المادة (174) في قانون المرافعات للدلالة على عدم سريان المدد القانونية للطعن بسبب وفاة المحكوم عليه أو فقدانه لأهلية التقاضي أو زوال صفة من كان يباشر الخصومة، يتعارض مع المصطلح الذي استخدمه المشرع في المادة (84) من القانون المذكور، إذ اعتبر المشرع في المادة الأخيرة أن الوفاة وفقدان الأهلية وزوال الصفة هي حالات “انقطاع” وليست حالات “وقف” إذ لكل من المصطلحين مفهومه الخاص. عليه، نرى أن تستبدل كلمة “تقف” في المادة (174) بفقرتيها (1-2) بكلمة “تنقطع” فهي أشمل معنى وأكثر دلالة، ولتجنب التناقض ما بين النصوص القانونية.

____________________________________

1- راجع المادة (154) مرافعات عراقي.

2- راجع المادة (156) مرافعات عراقي.

3-راجع المادة (158) مرافعات عراقي، والمادة (169) مرافعات مصري، المادة (529) أصول لبناني، والفقرة (2) من المادة (159) أصول أردني.

4- راجع المادة (161) مرافعات عراقي.

5- راجع المادة (172) مرافعات عراقي، وفيما يتعلق بالمدد القانونية يتم الرجوع إلى القواعد العامة وذلك فيما يتعلق بمواعيد التبليغات من حيث كيفية احتسابها وامتدادها والأمور المتعلقة بها وفقاً للمادة (25) من قانون المرافعات.

6- القرار التمييزي المرقم 487/ت.ب/2002 في 12/11/2002، غير منشور.

7- الطعن المرقم 2255 لسنة 54 ق، جلسة 22/1/1989، أشار إليه الفكهاني، الموسوعة الذهبية، مصدر سابق، ملحق رقم (4)، ص669-670.

8- راجع المادة (171) مرافعات عراقي، المادة (215) مرافعات مصري، المادة (618) أصول لبناني، المادة (172) أصول أردني.

9- القرار التمييزي المرقم 169/ ت.ب/2002 في 10/4/2002، غير منشور.

10- راجع الفقرة (1) من المادة (173) مرافعات عراقي.

11- الطعن المرقم 607 لسنة 56 ق، جلسة 25/3/1987، أشار إليه الفكهاني، الموسوعة الذهبية، مصدر سابق، ملحق (4)، ص666.

12- راجع الفقرة (1) من المادة (174) مرافعات عراقي، المادة (216) مرافعات مصري، المادة (619) أصول لبناني، المادة (174) أصول أردني.

13- راجع الفقرة (2) من المادة (174) مرافعات عراقي.

14- د. عبد المنعم الشرقاوي، د. فتحي والي، مصدر سابق، ص228-229. د. أحمد أبو الوفا، المرافعات المدنية، مصدر سابق، ص805.

15 راجع المادة (175) مرافعات عراقي.

تجدر الإشارة أن هناك اتفاق شبه تام ما بين موقف كل من المشرع المصري واللبناني بخصوص كيفية إجراء التبليغات عند وفاة المحكوم له أثناء ميعاد الطعن، حيث تؤكد المادة (217) مرافعات مصري: “إذا توفي المحكوم له أثناء ميعاد الطعن جاز لخصمه رفع الطعن وإعلانه إلى ورثته جملة دون ذكر أسمائهم وصفاتهم وذلك في آخر موطن كان لمورثهم، ومتى تم رفع الطعن واعلانه على الوجه المتقدم وجبت إعادة اعلانه لجميع الورثة بأسمائهم وصفاتهم لأشخاصهم أو في موطن كل منهم قبل الجلسة المحددة لنظر الطعن أو في الميعاد الذي تحدده المحكمة. واذا فقد المحكوم له أهليته للتقاضي أثناء ميعاد الطعن، أو إذا توفي أو زالت صفة من كان يباشر الخصومة عنه، جاز رفع الطعن واعلانه إلى من فقد أهليته أو من توفي من كان يباشر الخصومة عنه، أو إلى من زالت صفته، على أن يعاد اعلان الطعن إلى من يقوم مقام الخصم لشخصه أو في موطنه قبل الجلسة لنظر الطعن، أو في الميعاد الذي تحدده المحكمة”.

والى نفس الاتجاه ذهبت المادة (620) أصول لبناني.

ويؤكد د. أبو الوفا “ظاهر أن القصد من هذا النص التيسير بالمحكوم عليه بتمكينه من اعلان الطعن إلى الورثة في الميعاد حتى لايفوت هذا الميعاد بسبب التحري عن ورثة خصمه وموطن كل منهم، وأوجب المشرع أيضاً إعادة إعلان الطعن إلى الورثة في موطن كل منهم قبل الجلسة المحددة لنظر الطعن أو في الميعاد الذي تحدده المحكمة لذلك إذا لم يتمكن من اعلانهم قبل حلول الجلسة وذلك حتى لايصدر الحكم في الطعن في غفلة منهم”. د. أحمد أبو الوفا، المرافعات المدنية، مصدر سابق، ص805.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .