ينقسم القصد الجنائي الى عدة أنواع هي :

1.القصد العام والقصد الخاص :

يراد بالقصد العام، وهو القصد العادي، الذي يتعين توافره في كافة الجرائم العمدية ويكتفي القانون به في اغلب الجرائم وهو إرادة السلوك الاجرامي ونتيجته والعلم بهما. ومن امثله الجرائم التي يكتفى فيها بالقصد العام جرائم القتل والضرب والجرح وهتك العرض. ويراد بالقصد الخاص :- هو انصراف نية الجاني الى تحقيق غاية معينة او باعث خاص بالإضافة الى توافر القصد العام. كاشتراط نية التملك لقيام جريمة السرقة بالإضافة الى القصد العام فيها وهو العمد.

2.القصد المحدد والقصد غير المحدد :

يتوافر القصد المحدد عندما تكون إرادة الجاني متجهة نحو تحقيق نتيجة معينة بالذات كما لو أراد شخص قتل زيد من الناس فاطلق عليه الرصاص وارداه قتيلا. اما القصد غير المحدد، فانه يوجد عندما تنصرف إرادة الجاني الى تحقيق نتائج جرمية لا على التعيين والتحديد كما لو أراد الجاني ان يقتل انسانا او اناسا غير معينين بالذات. فمن يطلق الرصاص على حشد من الناس بقصد القتل ويصيب بعضهم فيودي بحياتهم يكون قد ارتكب جريمة او جرائم قتل عمد فيها القصد الجنائي غير محدد.

وكذلك من يلقي قنبلة في حشد من الناس بقصد القتل فيقتل بعضهم. ويتساوى القصد المحدد والقصد غير المحدد من حيث تحقيق الجريمة اذ ان كلا منهم يحقق الجريمة العمدية. وذلك لتوفر القصد الجنائي (الركن المعنوي) في الجريمة في الحالتين بالإضافة الى الاركان الأخرى. وفي ذلك تقول المادة (33 فقرة 4) من قانون العقوبات العراقي وهي في مجال تحديدها لسبق الاصرار : (ويتحقق سبق الاصرار سواء كان قصد الفاعل من الجريمة موجها الى شخص معين او الى أي شخص غير معين وجده او صادفه وسواء كان ذلك القصد معلقا على احداث امر او موقوفا على شرط).

3.القصد البسيط والقصد مع سبق الاصرار :

قد يقترن القصد الجنائي، الذي هو اتجاه إرادة الجاني الى ارتكاب الواقعة المحرمة مع علمه بذلك، وهو المسمى بالقصد البسيط، بظرف سبق الاصرار PRENEDI TATION وعندئذ يسمى بالقصد مع سبق الاصرار. وهكذا يظهر ان معيار التمييز بين الاثنين ان أولهما مجرد عن سبق الاصرار والآخر مقترن به. وفي ذلك تقول المادة (33 فقرة 2) من قانون العقوبات العراقي : (القصد قد يكون بسيطا او مقترنا بسبق الاصرار). ويعرف الفقه سبق الاصرار : بأنه الاصرار بانه التروي والتدبير قبل الاقدام على ارتكاب الجريمة والتفكير فيها تفكيرا هادئا لا يشوبه اضطراب (1). بينما عرفه قانون العقوبات العراقي بانه : (التفكير المصمم عليه في ارتكاب الجريمة قبل تنفيذها بعيدا عن ثورة الغضب الآني او الهياج النفسي). مما يعني انه يشترط لتحقق سيبق الاصرار ان يتحقق عنصران هما : عنصر التصميم السابق، وعنصر هدوء البال.

أ – عنصر التصميم السابق : ويقصد به عقد النية على ارتكاب الجريمة قبل تنفيذها بفترة زمنية مما يعني ضرورة قيام فترة زمنية بين العزم والتصميم على اقتراف الجريمة وبين وضعها موضع التنفيذ. ولم يحدد القانون مدى هذه الفترة الزمنية بل ترك ذلك لحرية القاضي وقد فعل حسنا لان ذلك يتوقف على ظروف كل واقعة وملابساتها.

ب – عنصر هدوء البال : وهو ألا يكون الجاني قد خرج عن طوره فارتكب الجريمة تحت تأثير عاطفة جامحة بل انه ارتكب الجريمة وهو هادئ النفس ثابت الاعصاب مطمئنا غير مضطرب ولا متهيج. مما يدل على التصميم الاكيد والعزم الذي لا رجعة فيه الاثم بعد ان زان الأمور وقدر العواقب فاختار الجريمة. أي ان يكون المجرم قد رسم خطة سابقة لتنفيذ الجريمة بطمأنينة بال لا يكتنفها اضطراب نفسي او هياج عاطفي. ويتحقق سبق الاصرار اذا ما تحقق عنصراه المتقدمان سواء كان القصد محدد او غير محدد. وفي ذلك تقول المادة (33 فقرة 4) من قانون العقوبات العراقي : (يتحقق سبق الاصرار سواء كان قصد الفاعل من الجريمة موجها الى شخص معين او الى أي شخص غير معين وجده او صادفه …).

مما يعني ان سبق الاصرار يتحقق سواء كانت ضحية الجاني معروفة مقدما ام كانت غير معروفة. فاذا صمم الجاني على قتل شخص معين واعد العدة لذلك بهدوء وروية؛ يكون قصده محدد وتكون جريمة مرتكبة مع سبق الاصرار وكذلك نفس الأمر اذا كانت ضحية غير معينة كمن يعد العدة بعد تصميم وروية لقتل أول داخل او قادم لبيته او للشارع الذي يسكنه، او من يعترض سبيله. كذلك يتحقق سبق الاصرار ولو كان القصد معلقا على حدوث امرا وموقوفا على شرط : – وفي ذلك تقول المادة (33 فقرة 4) (… سواء كان ذلك القصد معلقا على حدوث امر او موقوفا على شرط) ومثال ذلك ان يعزم المدين على قتل دائنه فيما اذا حضر الى محله ووضع الحجز على امواله، او ان يصمم على قتل زوجته اذا طالبته بصيغتها. اما سبق الاصرار الموقوف على شرط كأن تعد العشيقة العدة لقتل عشيقها اذا لم يتزوج منها وتنفذ الجريمة بعد ان تطالبه بالزواج فينكث.

4.القصد المباشر والقصد الاحتمالي :

يكون القصد مباشرا اذا قصد الجاني نتيجة فعله (أي : سلوكه) او نتائجه سواء كانت هذه النتائج محدودة كمن يتعمد قتل آخر معين، ام كانت غير محدودة كمن يتعمد قتل من يعترضه في عمل كائنا من يكون هذا المعترض. اما القصد غير المباشر او الاحتمالي فيعرض في صورة ما اذا أراد الجاني فيعرض في صورة ما اذا الجاني نتيجة معينة فتنشأ عن فعله نتيجة او نتائج أخرى لم يكن يقصدها. والفرق بين النوعين يتمثل في ان يتمثل في ان القصد المباشر يكون بالقياس الى نتيجة الفعل او نتائجه المقصودة من الجاني مباشرة، اما القصد غير المباشر فيكون بالقياس الى النتائج الأخرى التي قد تترتب على هذا الفعل بعينة بغير ان يكون الجاني قد قصدها مباشرة، وانما كانت نتيجة محتملة لعمله. وهذا النوع الأخير من النتائج يبدو – من حيث قصد الجاني – في صورة متعددة : –

فقد يكون الجاني قد توقع النتيجة حيث تمثلت في ذهنه ولكنه وان لم يكن قد اردها فانه لم يحفل بها بحيث كان تحققها وعدمه لديه سواء فيمضي في فعله فتحدث النتيجة. كمن يريد قتل عدو له بالسم فيضع له في طعامه مادة سامة ولا يمنعه من ذلك كونه قد توقع ان يشاركه الطعام المسموم أشخاص اخرون ويموتون. وقد يكون الجاني قد توقع هذه النتيجة ولكنه لم يقبلها ولم يردها واعتمد على التخلص منها بمهارته. كمن يسير بسيارة بسرعة كبيرة في طريق مزدحم ويتوقع ان يصدم بعض المارة فيقتله او يجرحه، ولكنه يعتمد على مهارته في القيادة لتفادي هذه النتيجة. وقد لا يكون الجاني قد توقع هذه النتيجة في حين انه كان يجب عليه توقها كمن يعتدي على امرأة حبلى بالضرب وهو يجهل انها حبلى فيؤدي الضرب الى اجهاضها. في جميع الصور لم يعمل الجاني على تحقق النتيجة ولكن تحققها كان محتملا. وهي في صورها هذه وسط بين القصد المباشر ومجرد الاهمال. فما هي مسؤولية الجاني فيها يا ترى؟ هل يسأل عن النتيجة التي وقعت كما لو كانت مقصودة منه مباشرة وبالتالي تتساوى المسؤولية في حالتي القصد المباشر والقصد الاحتمالي ام لا تتساوي من الاثنين؟

لم تلجأ التشريعات الجنائية الحديثة الى اسلوب واحد في معالجة هذه المسالة فمنها ما حمل الجاني مسؤولية النتيجة الاحتمالية كما لو كانت قد قصدها بالفعل فيما اذا توقع الجاني النتيجة وتمثلها ومع ذلك لم يحفل بها ومضى في عمله. اما ما عدا ذلك من صور الاحتمال فيسال الجاني عنها على أساس الاهمال وعدم الاحتياط لا العمد (2). ومن التشريعات ما فلرض لهذه الصور الاحتمالية حكما خاصا دون العمد وفوق الاهمال (3). ومن التشريعات ما سكت عن ايراد حكم لهذه الحالة. وترك الأمر للفقه (4).

موقف قانون العقوبات العراقي :

لقد عالج قانون العقوبات العراقي هذا الأمر في المادة (34) حيث قال : (تكون الجريمة عمدية اذا توافر القصد الجرمي لدى فاعلها. وتعد الجريمة عمدية كذلك (ب) اذا توقع الفاعل نتائج اجرامية لفعله فأقدم عليه قابلا المخاطرة بحدوثها).

وهكذا يظهر من هذا النص ان قانون العقوبات العراقي قد تبنى فكرة القصد الاحتمالي وجعله مساويا، من الناحية القانونية للقصد المباشر بشرط ان يكون الجاني قد توقع نتائج اجرامية لفعله فأقدم عليه قابلا المخاطرة بحدوثها. مما يترتب عليه انه يشترط لتحقق انطابق هذا النص : – توقع حصول النتيجة الجريمة وقبول المخاطرة بها :-

1.توقع حصول النتيجة الجرمية : ويراد به ان يتوقع الجاني حصول النتيجة كامر ممكن للفعل الذي ارتكبه، حيث قد تقع وقد لا تقع وهذا هو الذي يميزه عن القصد المباشر حيث في هذا الأخير يكون توقع النتيجة امر لازم للفعل الجرمي وليس احتمالي فاذا لم يتوقع الجاني النتيجة الجرمية فلا يمكن ان يتحقق عنده القصد الاحتمالي حتى وان كان في استطاعة او من واجبه توقعها. ذلك لان المعيار الذي يأخذ به النص هو المعيار الشخصي وليس المعيار الموضوعي.

2.قبول النتيجة الجرمية : ويراد به ان الجاني عندما يتوقع النتيجة الجرمية كأمر ممكن لفعله ان لا ينصرف عنه بل يقدم عليه قابلا بحصول هذه النتيجة كغرض يستحق السعي الى ادراكه.

ففي حالة من يسير بسرعة كبيرة في طريق مزدحم اذا كان قد اعتمد على مهارته في تجنب الحادث ثم اتضح ان مهارته ليست بكافية يكون قد توقع النتيجة ولكنه لم يقبل بها ولذلك لا يكون بالنسبة له قد تحقق القصد الاحتمالي المنصوص عليه المادة (34) مارة الذكر وكذلك نفس الأمر فيما اذا لم يتوقع الجاني النتيجة الجرمية كما هو في المثال الثالث اما في حالة مثال القتل بالسم فهنا يظهر الشرطان المتقدمان لتحقق حالة القصد الاحتمال المنصوص عليها في المادة (34) عقوبات عراقي ويسال بالتالي الجاني فيه وكأنه صاحب قصد مباشر.

وهكذا يظهر ان القانون العراقي ساوى بين القصد المباشر والقصد الاحتمالي في المسؤولية غير انه اخذ القصد الاحتمالي بأضيق صورة لتطبيق هذا الحكم وهي الصورة التي يتوقع فيها الجاني النتيجة الاجرامية المحتملة لفعله ومع ذلك يقبلها ويستمر بفعله غير مكترث بحدوثها او عدمه.

5.القصد المتعدي :

عرف الفقه الايطالي طائفة من الجرائم سماها (جرائم وراء القصد) أي الجرائم ذات النتيجة التي تجاوز قصد الجاني. وقد عرف قانون العقوبات الايطالي في المادة (43 فقرة 2) بقوله : (تعد الجريمة متجاوزة القصد او متعديته اذا ترتب على الفعل او الامتناع نتيجة ضارة او خطرة اشد جسامة من تلك التي ارادها الجاني). وقد انزل المشرع الايطالي هذه الجرائم منزلة وسطا بين الجرائم العمدية والجرائم غير العمدية حيث قرر لها عقوبات اخف من تلك المقررة للجرائم العمدية واشد من تلك المقرر للجرائم غير العمدية ومثالها البارز هي جريمة الضرب المفضي على موت (مادة 410 عقوبات عراقي).

وتتحقق هذه الجريمة اذا ارتكب الجاني سلوكا اجراميا بقصد احداث نتيجة جرمية معينة غير ان سلوكه هذا افضى الى حدوث نتيجة جرمية اشد جسامة من تلك التي سعى اليها في البداية ولم يكن يقصدها ابدا. ومما تجدر الاشارة إليه ان المسؤولية عن الجرائم ذات القصد المتعدي لا تقوم على أساس فكرة القصد الاحتمالي اذ ليس لها القصد من صلة بهذه الجرائم؛ لان هذا القصد الأخير كما بينا انما يتطلب تحققه وجود عنصر التوقع للنتيجة الجرمية وهذا العنصر لا وجود له في القصد المتعدي. ومن الجرائم القصد المتعدي في قانون العقوبات العراقي. جريمة الضرب المفضي الى موت (مادة 410)، وجريمة تعريض وسائل النقل للخطر عمدا مما ينشأ عنه موت إنسان (مادة 354 فقرة 1)، وجريمة الحريق العمد المفضي الى موت (مادة 342)، وجريمة الإيذاء العمد المفضي الى عاهة مستديمة (مادة 412)، وجريمة الاجهاض المفضي الى موت (مادة 417، 418).

________________________

1-انظر الدكتور احمد عبدالعزيز الالفي ص 403، ن 296.

2- ومن هذه التشريعات قانون العقوبات البولوني لعام 1932 كما أخذ بهذا الراي الفقه الالماني. انظر فون لست ج1 ن39 ص254.

3- ومن هذه التشريعات قانون العقوبات الايطالي لسنة 1930.

4- ومن هذه التشريعات قانون العقوبات الفرنسي.

المؤلف : علي حسين خلف – سلطان عبد القادر الشاوي
الكتاب أو المصدر : المبادئ العامة في قانون العقوبات

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .