ان المشرع الجنائي يضفي الحماية الجنائية في قانون العقوبات بحيث تغطي مجموع النشاط القانوني للافراد في المجتمع . ولذلك فان الحماية الجنائية في قانون العقوبات تتخذ صورتين ، الاولى حماية المراكز الشخصية والثانية حماية المراكز الموضوعية .

اولا : حماية المراكز الشخصية

المقصود بالمراكز الشخصية هو تطبيق القاعدة القانونية في حالة فردية بمعنى ان صفة الفردية تعدّ المظهر الشخصي للقاعدة القانونية بحيث لا تنفك عنها ، وهذا لا يمنع بطبيعة الحال ان تكون للقاعدة القانونية ذات المظهر الشخصي صفة العمومية ، الا ان المهم ان يكون المظهر الشخصي هو الغالب وهذا لا يعني سمو ارادة على اخرى ولكن المقصود هو الواجب الذي تفرضه القاعدة القانونية على الفرد باداء بعض الافعال او الامتناع عن ادائها او التمتع ببعض الميزات نزولاً على مقتضى مايفرضه النظام القانوني (1) . ولتحقيق ذلك فان المشرع الجنائي يتولى حماية المراكز القانونية الشخصية وما يتفرع عنها من حقوق وواجبات فيعاقب مثلاً في جريمة السرقة على العدوان على ملكية الغير بعدّها مركزاً قانونياً شخصياً يعتدي عليه السارق ويريد الاستئثار بالمسروق لنفسه دون مالكه . وكذلك عندما يعدّ المشرع خيانة الامانة جريمة ، فانما يعاقب فيها على ما يؤدي الى الاخلال بالثقة بين الناس باعتبار خيانة الامانة إخلالاً بالتزام ناشيء عن مركز قانوني شخصي ناشيء عن عقد الامانة الذي يقتضي الالتزام برد الشيء المسلم نتيجة الثقة المتبادلة بموجب عقد الامانة (2) .

ثانيا : حماية المراكز الموضوعية

المقصود بالمراكز الموضوعية هو تطبيق القاعدة القانونية بصورة عامة تحقيقاً للصالح العام . فالطابع المميز لهذه المراكز هو صفة العموم والدوام شأنه في ذلك شأن القاعدة القانونية ذاتها . وهي لا تحقق مزايا للافراد بل تقرر واجبات تلقى على عاتقهم كمركز المالك والزوج والمركز القانوني للمواطن بما يفرض عليه من واجبات والتزامات اهمها الخدمة العسكرية واداء الضرائب وغيرها (3). يتضح من ذلك ان حماية المراكز القانونية الموضوعية قد يكون عن طريق تجريم الفعل الذي يشكل عدواناً على مصلحة عامة او اباحة الفعل الذي يحمي تلك المصلحة او يساهم في حمايتها حتى لو كان في اصله يشكل جريمة وكذلك قد يكون عن طريق إعفاء الجاني من العقاب (4) . وهكذا يتضح ان الحماية الجنائية لا تقتصر على المراكز الشخصية بل يضفي المشرع حمايته كذلك على المراكز الموضوعية حتى يستطيع المشرع بذلك ان يشمل بالحماية جميع المراكز القانونية التي تخضع للحماية الجنائية وتكون موضوعاً لها . فالمشرع الجنائي يمكن ان يقرر الحماية الجنائية للمركز الموضوعي في ذاته ، ويمكن ان يقرر الحماية لواجب موضوعي متفرع عنه فمثلاً في جريمة الزنا يحمي المشرع الزواج كمركز قانوني موضوعي له صفة العموم والدوام الا ان هذه الحماية تغطي كذلك واجباً موضوعياً الى جانب حماية المركز الموضوعي هو واجب الزوج في الاخلاص لزوجته وعدم الاخلال بالثقة بينهما والتي أوجدها الزواج المركز القانوني الموضوعي المتحقق بينهما (5) .

___________________

[1]- انظر : عبد العظيم مرسي وزير ، الشروط المفترضة في الجريمة ، دار النهضة العربية ، مصر 1983 ، ص133 .

2- انظر : عبد العظيم مرسي وزير ، المصدر السابق ، ص142 . وحول من يعد المصلحة المحمية في جريمة خيانة الامانة هي “الملكية ” وليس “الاخلال بالثقة بين الناس” انظر : محمد مردان علي محمد البياتي ، مصدر سابق ، ص 135.

3- انظر : عبد العظيم مرسي وزير ، المصدر السابق ، ص ص130-131 .

4- انظر : محمد زكي ابو عامر ، الحماية الاجرائية للموظف العام ، المصدر السابق ، ص ص8-9 .

5- انظر : عبد العظيم مرسي وزير ، المصدر السابق ، ص ص141-142 . ومحمد مردان علي محمد البياتي ، مصدر سابق ، ص 187 .

المؤلف : عبد الحكيم ذنون يونس الغزال
الكتاب أو المصدر : الحماية الجنائية للحريات الفردية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .