ونعني بالدول تامة السيادة، اي التي لاتخضع في شؤونها الداخلية أو الخارجية لهيمنة دولة أخرى. وبعبارة أخرى فهي دولة مستقلة في تصريف شؤونها الداخلية والخارجية. وعلى العكس من ذل ك، يكون هو معنى الدولة ناقصة السيادة التي تكون تابعة لدولة أخرى في أدارة شؤونها الداخلية والخارجية. أو قد تكون دولة محمية فتكون بذلك خاضعة لهيمنة الدولة الحامية في ميدان العلاقات الدولية، كذلك الدول الموضوعة تحت الأنتداب أو الموضوعة تحت نظام الوصاية. وفيما يلي إيجاز لهذه الأنواع من الدول والتي عرفها القانون الدولي العام:

اولا : رابطة التبعية (1) :

وهذه الرابطة تنشأ بموجب نظام قانوني معين مابين دولتين تابعة ومتبوعة، بحيث تباشر الدولة المتبوعة عن الدولة التابعة كل أو بعض الأختصاصات الدولية والداخلية.

وفي الوقت الحاضر لاتطبيق لهذا النظام، إلا فيما سبق عندما وضعت مصر كدولة تابعة للأمبراطورية العثمانية بمقتضى أتفاقية لندن لعام 1840 وأستمرت حتى عام 1914 ، عندما أصبحت تحت الحماية البريظانية فيما بعد.

ثانيا : الحماية (2) :

والحماية هي علاقة قانونية مابين دولتين بموجب معاهدة دولية تضع الدولة نفسها في حماية دولة أخرى أقوى منها في العاد ة، لتتولى عملية الدفاع عن الدولة المحمية ضد اي عدوان خارجي، وفي المقابل فهي تمنح لها حق الأشراف على شؤونها الخارجية وحق التدخل في أدارة أقليمها. وهذا النوع من الحماية هو مايسمى بالحماية الدولية والتي تستند الى معاهدة تعقد بين الدولة الحامية والدولة المحمية. ومن أهم الأمثلة على هذا النوع من الحماية هي الحماية الفرنسية لأمارة موناكو والحماية الأيطالية لأمارة سان مارينو والحماية السويسرية لأمارة لختنشتاين. وقد يفرض نظام الحماية هذا فرضًا على الدولة المحمية، فغالبًا مايكون لأغراض وأهداف أستعمارية، وهو مايطلق عليه ايضًا بالحماية الأستعمارية. كما ان هذه الحماية لاتستند الى اي أساس شرعي طالما هي عمل من جانب واحد، وقد تلجأ الدولة الحامية الى الحصول على موافقة الدولة المحمية بالقوة لأبرام معاهدة الحماية، وذلك لأضفاء الشرعية القانونية على تصرفها هذا وخاصة في مواجهة الدول الأجنبية، لما ينشأ عن نظام الحماية من أوضاع ومراكز جديدة في دائرة العلاقات الدولية. ومن أبرز الأمثلة على تطبيقات الحماية الأستعمارية هي الحماية التي أعلنتها بريطانيا على مصر عام 1914 والتي أستمرت حتى عام 1922 والحماية التي أعلنتها فرنسا على تونس عام 1881 وعى مراكش عام 1912 والتي أستمرت حتى عام 1956

ثالثا : الانتداب (3) :

لقد عرف نظام الأنتداب بعد الحرب العالمية الأول ى، وذلك عندما طبق ولأول مرة على الدول والمستعمرات التي أنفصلت عن الأمبراطورية العثمانية والمانيا إثر هزيمتهما في الحر ب، وقد أدرج هذا النظام في عهد عصبة الأمم حيث تم تصنيف هذا النظام وفقًا للمادة 22 من العهد الى ثلاثة أصناف وهي: أنتداب من الدرجة ؛(Α) وأنتداب من الدرجة (Β)و أنتداب من الدرجة (C)

الانتداب من الدرجة (A)

وقد فرض هذا النوع من الأنتداب على الدول التي أنفصلت عن الأمبراطورية العثمانية، وهي على درجة من التطور بحيث يمكن ان تنال أستقلالها بعد ان تسترتشد بنصائح ومساعدة الدول المنتدبة كي تتمكن من أدارة شؤونها الداخلية والخارجية.

الانتداب من الدرجة (Β):

وقد فرض هذا النوع من الأنتداب على دول أفريقيا الوسطى عندما كانت مستعمرا ت، وذلك بأعتبارها ايضًا أقل تطورًا من الدول الموضوعة تحت النوع الأول من الأنتدا ب. وطبق هذا النوع على كل من الكاميرون وتنجانيقا ورواندا والتوغو واوروندى.

أنتداب من الدرجة (C) :

الانتداب من الدرجة وهذا النوع من الأنتداب فرض على بعض المستعمرات الواقعة في جنوب غرب أفريقيا والبعض من جزر المحيط الهادي، وذلك لبعدها عن مناطق التحضر ولقلة سكانها وصغر مساحتها. وجدير بالذكر ان نظام الأنتداب كان قد انتهى بنهاية الحرب العالمية الثانية، وذلك بأستبداله بنظام الوصاية الدولي والذي تم النص عليه في المادة 77 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، فضلا عن حصول العديد من الدول التي كانت تحت نظام الأنتداب على أستقلالها أو بتخلي الدولة المنتدبة عن الأنتداب كما هو الحال في الأنتداب البريطاني على فلسطين، عندما أعلنت الحكومة البريطانية عام 1947 قرارها بالتخلي عن الأنتداب، وذلك بعد صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والقاضي بتقسيم فلسطين.

رابعا – نظام الوصاية (4) .

لقد حددت المادة 77 من الفصل الثاني عشر من ميثاق منظمة الأمم المتحدة الأقاليم التي يمكن وضعها تحت الوصاية وقسمتها الى ثلاثة أقسام:

الأول- الأقاليم التي كانت موضوعة تحت الأنتداب؛ والثاني- الأقاليم المقتطعة من دول المحور بعد الحرب العالمية الثانية؛ اما الثالث- الأقاليم التي وضعت تحت الوصاية من قبل الدول المسؤولة عن أدارتها. وقد طبق نظام الوصاية على المستعمرات التي كانت لإيطاليا قبل الحرب العالمية الثاني ة، وهي الصومال وإريتيريا وليبيا، حيث وضعت ليبيا تحت الوصاية بقرار صادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة وأستمر حتى أستقلال ليبيا عام 1952 وهذا النظام قد أنعدم وجوده في الوقت الحاضر إلا من بعض الجزر في المحيط الهادي و التي كانت موضوعة تحت وصاية الولايات المتحدة الأمريكية وقد تمكنت من نيل أستقلالها عام 1991

خامسا – حالة الحياد :

والحياد هو نظام أو وضع قانوني يرتب مجموعة من الحقوق والألتزامات، وبموجب الحياد تمتنع الدولة عن المشاركة في الحرب أو التحيز لأي من الفريقين المتح اربين، وهو على نوعين: الحياد المؤقت أو الأختياري؛ والحياد الدائم.

أ- الحياد المؤقت او الاختياري :

هو الذي تعلنه الدولة عندما تكون هناك حرب قائمة بين دول أخرى، وهو حياد أختياري يبدأ بقيام الحرب وينتهي بأنتهائها، وخير مثال على ذلك، مافعلته السويد والبرتغال وتركيا خلال الحرب العالمية الثانية.

ب- الحياد الدائم :

وبموجبه تلتزم الدولة وبشكل دائمي وتستند في ذلك الى معاهدة دولية تتعهد فيها بعدم ممارسة اي تصرف يتعارض مع الحياد عند قيام الحرب بين الدول الأخرى، في مقابل ضمان سلامتها. وعرف نظام الحياد في أوربا خاصة خلال القرن التاسع عشر، وذلك لتحقيق هدفين أثنين: الأول- هو للمحافظة على السلم والأمن فيما بين الدول الأوروبية بايجاد دولة تفصل بين دولتين قويتين أو معروفتين بالعداء الدائم بينهما؛ والثان ي-للمحافظة على سلامة الدول الضعيفة وبالتالي تحقيق التوازن الدولي.

مميزات الحياد الدائم :

الحياد الدائم يمتاز بثلاث مميزات:

1) انه نظام دائمي وليس مؤقتًا، اي لاينتهي بأنتهاء حالة الحرب.

2) انه ينشأ نتيجة لمعاهدة دولية تعقد مابين دولتين أو أكثر.

3) انه يطبق على كامل أقليم الدولة لاعلى جزء معين منها.

واجبات الدولة المحايدة :

وهذه الواجبات تنبع من فكرتين وهما الأمتناع وعدم التحيز:

1- واجب الامتناع

ويشمل أمتناع الدولة الموضوعة في حالة الحياد الدائم من الأشتراك في اي حرب سواء كانت واقعة فعلا أو محتملة الوقوع. إلا في حالة واحدة فقط وهي حالة أستعمالها لحق الدفاع الشرعي، فيكون لها الحق في أتخاذ كل ماتراه مناسبًا من أجراءات لتأمين الحماية والدفاع عن نفسها. ولا يعتبر ذلك مخلا بحالة الحياد الدائم، شرط عدم تجاوز أستعمال حق الدفاع الشرعي عن النفس.

كما ويمتنع على الدولة المحايدة من عقد المعاهدات العسكرية أو الدخول في أحلاف عسكرية، ويحرم عليها ايضًا أستخدام أراضيها لمصلحة احدى الدول المتحاربة أو أنشاء قواعد عسكرية عليها. وفي مقابلة ذلك تلتزم الدول الدول الأخرى بأحترام سلامة الدولة المحايدة، وكذلك الدفاع عنها في حالة أنتهاك حرمة حيادها. وهذا مافعلته أنكلترا عام 1914 عندما دافعت عن بلجيكا عقب اعتداء المانيا عليها، حيث كانت موضوعة في حالة حياد دائم وكانت أنكلترا أحدى الدول الضامنة لهذا الحياد.

2- واجب عدم التمميز

واجب الحياد يتطلب ايضًا من الدولة المحايدة ان تلتزم مبدأ المساواة في التعامل وذلك مع جميع الدول المتحاربة من دون مجاملة أحد الأطراف على حساب مصلحة اطراف متحاربة أخرى(5). ومن أمثلة الدول التي مازالت موضوعة في حالة الحياد الدائم هي كل من سويسرا والنمسا. إذ تقرر وضع سويسرا في حالة الحياد الدائم منذ مؤتمر فينا لعام 1815 ، وقد تأكد هذا الحياد عام 1919 من خلال معاهدات فرساي للصلح. كما وقد أحترمت الدول المتحاربة فعلا هذا الحياد خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. اما عن حياد النمسا الدائم، فقد تم الأتفاق عليه بعد الحرب العالمية الثانية وذلك من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والأتحاد السوفياتي، حيث تأكد ذلك من خلال معاهدة الصلح المبرمة عام 1955 والتي نص عليها الدستور النمساوي ايضا، وذلك بالأعلان عن الحياد الدائم والألتزام بعدم الأنضمام الى اي حلف عسكري، وتوج هذا الأعلان الدستوري بأعتراف الدول الأربعة الكبرى بهذا الحياد للنمسا.

___________

1- أنظر في ذلك، د. محمد سامي عبد الحميد، العلاقات الدولية (مقدمة لدراسة القانون الدولي العام)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995 ،ص 79-80

2-المرجع سابق نفسه، ص82.

3-للزيادة راجع، د. محمد سامي عبد الحميد، العلاقات الدولية، المرجع سابق، ص83

4- للزيادة أنظر، د. محمد سامي عبد الحميد، العلاقات الدولية، مرجع سابق، ص 83-87.

5- للزيادة أنظر، د. الشافعي محمد بشير: القانون الدولي العام في السلم والحر ب، منشأة المعارف، الأسكندرية، 1971 ، ص 482.

المؤلف : علي خليل اسماعيل الحديثي
الكتاب أو المصدر : القانون الدولي العام
الجزء والصفحة : ج1،ص135-142

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .