بحث ودراسة قانونية معمقة حول عقد إمداد الكهرباء و ممارساته المعيبة في السودان

كاتب المقال قصد من هذا البحث الممارسات المعيبة لعقود الإذعان حين تنحصر السلعة المراد شراءها في يد جهة واحدة .. وأعطى مثال لذلك في عقود إمداد الكهرباء للمواطنين في السودان :

الممارسات المعيبة المصاحبة لعقود الإذعان

(أنموذج الهيئة القومية للكهرباء)
في هذا الفصل أشير إلى بعض الممارسات المصاحبة لعقود الإذعان، في مبحثين:
أحدهما: في ممارسات الهيئة القومية للكهرباء المصاحبة لعقود الإمداد بالتيار الكهربائي.
والثاني: في المعالجة المقترحة للممارسات المعيبة المصاحبة لعقود الإذعان.

المبحث الأول: بعض ممارسات الهيئة القومية للكهرباء المصـاحبة لعـقود الإمـداد بالتيار الكهربائي

لم ينص قانون الكهرباء لسنة 2001م صراحةً على إمداد الزبون( ) بالكهرباء، ولكنه أشار إلى ذلك ضمناً في مواضع متفرقة منه. من ذلك

ما ورد في اختصاصات الجهاز(2)، فقد نص القانون على الآتي:
أ- “وضع السياسات والقواعد العامة المتعلقة بتوليد الطاقة الكهربائية ونقلها وتوزيعها، ورفعها للوزير للموافقة عليها”. فكلمة توزيعها تَدُلُّ على الإمداد بالكهرباء( ).
هـ- “التوصية للوزير للموافقة على أسعار الطاقة الكهربائية وقوائم الأسعار”.
وكذلك نصت المادة 5-(1) على أنه: “يجوز للوزير بالتشاور مع الهيئة الترخيص لأي جهة، أو شخص بتوزيع الطاقة الكهربائية في المناطق التي توزع فيها الهيئة”.

هذه النصوص تَدُلُّ على توزيع وإمداد المستهلكين بالكهرباء، يُضاف إلى ذلك الواقع العملي، الذي يتمثل في حاجة الناس كافةً للكهرباء، وانتشار استخدامات الكهرباء في دواوين الدولة، ومدخلات الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي والطبي وغيرها. والمقصد الفعلي من توليد الطاقة الكهربائية هو الاستفادة منها في المصلحة العامة.
هذا بعض ما ورد في القانون من إشارات ضمنية خاصة بالإمداد الكهربائي.
أمَّا اللائحة التجارية للهيئة القومية للكهرباء لسنة 1993م؛ فقد أشارتْ صراحةً إلى الإمداد بالكهرباء، وكيفية تقديم طلبات الإمداد بها، والضمانات المطلوبة من طالب الإمداد بالكهرباء. وأشارتْ اللائحة إلى كيفية فحص الطلبات، ومتى يتم تزويد مقدِّم طلب الإمداد بالكهرباء بها، إلى غير ذلك من المسائل( ).

وقد أكَّدت اللائحة التجارية للهيئة القومية للكهرباء رغبتها في مَدّ المستهلكين بالطاقة الكهربائية، إذ نصتْ صراحةً على مساهمة مقدِّم الطلب في التكلفة الكلية للكهرباء في المادة 12-(1) التي تنص على أنه: “يجوز للهيئة أنْ تَمُدَّ مقدم الطلب بالتيار الكهربائي متى ما اكتملت إجراءات الطلب، وتَمَّ دفع مساهمته في تكلفة المعدات( ) الخاصة بالتوصيل حسب جدول المساهمات المقررة السارية المفعول، أو التكلفة التي تُحدِّدها الهيئة من وقت لآخر، وتعتبر جميع المعدات الخاصة بالتوصيل ملكاً للهيئة على أنْ تتولى الهيئة مستقبلاً تشغيل وصيانة وتجديد تلك المعدات متى ما استدعى الأمر”.

فالمساهمة التي صارتْ أمراً ملزماً للمستهلك بما يُفهم من نص المادة 12-(1) ذاتها، حيث ورد فيها “… وتم دفع مساهمته في تكلفة المعدات الخاصة بالتوصيل حسب جدول المساهمات المقررة السارية المفعول …”، والتي لا يستطيع الزبون أنْ يصل إلى غرضه ـ وهو مَدّه بالتيار الكهربائي ـ إلاَّ إذا دفعها، وهي تُمثِّل تكلفة الشبكة الخارجية للإمداد بالكهرباء، مثل: المحوِّلات في الحالة التي يقتضي الأمر فيها شراء محوِّل، وأعمدة الكهرباء، والأسلاك، وجميع المعدات الكهربائية الخاصة بالشبكة الخارجية( ). ثم بعد ذلك يدفع الزبون قيمة التوصيلات الداخلية الخاصة بمنزله. كل هذا يدفعه الزبون( ) جبراً عنه، وتسميه الهيئة مساهمة.
ومن الممارسات المصاحبة لعقود الإمداد بالتيار الكهربائي الآتي:

[1] تكرار مساهمة الزبون في الشبكة الكهربائية:

[أ] الزبون الذي يقوم بدفع المساهمة المفروضة عليه، هو ذاته دافع الضرائب للدولة، التي يُفترض أنْ تُسخَّر لمصالحه، من خدمات مثل: التعليم، والطرق، والمياه، والصحة، والكهرباء، وغيرها.

فالزبون دفع مساهمته أصلاً لإنشاء تلك الخدمات، عبر دفعه للضرائب الاتحادية، والولائية، وضرائب المحليات( ). وبهذا يكون الزبون قد ساهم في تكلفة الشبكة القومية للكهرباء مرتين، مرة عند دفعه للضرائب، وأخرى عند دفعه لمساهمته الخاصة بالإمداد الكهربائي.

[ب] أيّ منظمة عند وضعها لموازنتها السنوية، تؤسس مصروفاتها على إيراداتها، ولا أشك في أنَّ أكبر بند للإيرادات في الهيئة القومية للكهرباء، هو بند الاستهلاك الشهري للزبائن. ومعلوم أنَّ أهم مصروفات لأيّ منظمة هي: مصروفات الفصل الأول “الأجور والمرتبات”، ثم الفصلين الثاني والثالث، الخاصيْن بالتسيير والتنمية.
والهيئة القومية عند وضعها لتعريفة( ) الاستهلاك الشهري، تضع في اعتبارها بنود الصرف المختلفة، فتحسب على المستهلك قيمة تكلفة تلك البنود ومن بينها شبكات التوصيل الكهربائي، وبهذا يكون المستهلك قد دفع قيمة الشبكة القومية للمرة الثالثة.

[2] بيع الشبكة الكهربائية ذاتها لأكثر من زبون:

إنَّ أغرب ممارسة تمارسها الهيئة القومية للكهرباء تجاه زبائنها؛ هي أنها تقوم ببيع الشبكة الخارجية للتوصيلات الكهربائية ـ في بعض الأحيان ـ لأكثر من زبون. وسَمَّيتُ المسألة بيعاً؛ لأن الممارسة الفعلية تَدُلُّ على البيع، إذ تقوم الهيئة بتحديد أسعار المعدات الخاصة بالشبكة الكهربائية، ثم تطلب من طالب الإمداد بالكهرباء دفعها، فإنْ لم يدفع لا يتم إمداده بالكهرباء، في حين أنَّ اللائحة تسميها مساهمة ولكنها في حقيقتها بيع.
ولأدُلِل على ذلك أسوق المثال الآتي:

نفرض أنَّ شخصاً يريد مَدَّ عقاره بخدمات الكهرباء ـ وبالطبع له جيران ـ عند تقديمه لطلب الإمداد بالكهرباء حسب نص المادة (6) من اللائحة التجارية للهيئة القومية للكهرباء لسنة 1993م( )، يُفتح له ملف، ثم تُوجِّه إدارة الهيئة القومية للكهرباء جهات الاختصاص بها لزيارة الموقع، بغرض تحديد المعدات الكهربائية المطلوبة للتوصيل، ثم يُصدَّق له فيما بعد. بعد تسلُّمه للتصديق يُوجَّه لإدارة الحسابات لدفع المساهمة المطلوبة منه، وهي تعادل قيمة المعدات المطلوبة لتوصيل الشبكة الخارجية لعقاره من أقرب شبكة كهربائية للعقار. يقوم الزبون بدفع المساهمة، وبعدها تقوم إدارة الهيئة بتوصيل الكهرباء له.
إذا رَغِبَ أحد جيران الشخص المذكور أعلاه في توصيل الكهرباء لعقاره المجاور، ولم يكن قد اشترك مع جاره في دفع قيمة الشبكة الخارجية التي دفع قيمتها جاره المذكور آنفاً، تأمره الهيئة القومية للكهرباء بدفع قيمة تلك الشبكة مرةً أخرى، وهذا الأمر يسري على جميع الجيران الآخرين إذا طلبوا مَدَّهم بخدمات الكهرباء، فلو كان العمود الواحد يَمُدُّ أربعة من الجيران بالكهرباء، فإنهم إنْ لم يكونوا قد اشتركوا في دفع قيمة الشبكة الكهربائية معاً، فإنَّ كل واحد منهم يكون ملزماً بدفع قيمتها مرةً أخرى.
هذا الأمر يضاعف من قيمة الشبكة الخارجية بطريقة غير معقولة، وفيه أكل لأموال الناس بالباطل، لأن الهيئة القومية كان يلزمها أنْ تعيد جزءً من المبالغ التي قام بدفعها جيران مَنْ تَمَّ إمداده بالكهرباء أولاً إليه، إلاَّ أنَّ هذا لا يحدث.
قُمْتُ بمناقشة مدير إدارة التشغيل بالرئاسة، ومدير إدارة التعريفة بها، وبعض مهندسي رئاسة إدارة الهيئة القومية للكهرباء بأم درمان( ) في هذه المسألة، فوجدتهم كلهم مقتنعين بها، بل قال أحدهم: إذا لم نفعل هذا كيف نستطيع تسيير أمورنا؟ قلت له: التسيير مضمن في بند الاستهلاك الشهري للزبائن، وغيره من بنود الموازنة. والحق يُقال: إنَّ الشخص الوحيد الذي اقتنع بأنَّ في المسألة شيء يحيك في النفس هو مدير إدارة التعريفة، وبعض المحاسبين.

هذه الطريقة في المعاملات لم ينص عليها قانون الكهرباء، ولا قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م، ولا اللائحة التجارية للهيئة القومية للكهرباء، ولا مستند لها على الإطلاق، تعتمد عليه. ولم أجد لذلك تخريجاً في فقه الإسلام.
من هذا يبدو أنَّ إدارة الهيئة القومية للكهرباء قد توسَّعت في فهمها للمادة 12-(1) من اللائحة التجارية للهيئة القومية للكهرباء، التي ورد فيها: “يجوز للهيئة أنْ تَمُدَّ مُقدِّم الطلب بالتيار الكهربائي متى ما اكتملتْ إجراءات الطلب، وَتَمَّ دفع مساهمته في تكلفة المعدات…”. فطبَّقتْ هذا النص بطريقة لم تُراعِ فيها قواعد العدالة، ولم تُراعِ القواعد العامة التي تحكم العقود، وأطلقتْ يدها في أموال الناس رغبةً في زيادة إيراداتها من غير وجه حق، إلاَّ أنْ تبرِّر فعلها ذلك بأنها هي المالكة للشبكة، إذ أنَّ الشبكة الخارجية والداخلية، بل جميع المعدات الكهربائية تُعَدُّ ملكاً للهيئة بمجرد إكمال الزبون لإجراءات طلبه لمده بالكهرباء، ودفعه لمساهمته في تكلفة الشبكة، وبذلك يكون لها الحق في التصرف في ملكها كيف شاءتْ، وذلك ما نصت عليه المادة 12-(1)، التي تقرِّر ملكية الهيئة لجميع المعدات الخاصة بالتوصيل، حيث نصَّت على أنه “…تعتبر جميع المعدات الخاصة بالتوصيل ملكاً للهيئة على أنْ تتولى الهيئة مستقبلاً تشغيل وصيانة وتجديد تلك المعدات متى ما استدعى الأمر”.

هذا الحق الذي منحته الهيئة لنفسها اقتضاه الواقع العملي، وذلك أنَّ إدارة هذه المعدات، والإشراف عليها، لا يستطيع أنْ يتولاه الزبون، بل يحتاج لجهة تقوم عليه. ولكنه لا يعطيها الحق في بيع المعدات، وبالقيمة نفسها لأكثر من شخص، ولو بأقلَّ من القيمة النهائية لتلك المعدات، باستثناء تكلفة الشبكة الداخلية للتوصيلات، فهذه لا غبار على أنْ تتحصل الهيئة قيمتها من كل زبون على حده.
وهناك ممارسة أخرى على قدر كبير من الخطورة، وهي تصنيع أعمدة الكهرباء بوساطة الزبائن، وفق أمر تشغيل يصدر عن الهيئة، ويتم التصنيع تحت إشراف مهندسيها. آمل أنْ أتناوله في دراسة لاحقة ـ بإذن الله ـ.
هذه بعض الممارسات المصاحبة لعقد الإذعان، لذا لَزِمَ تناول المعالجات المقترحة لمثل هذه الممارسات التي تصاحب عقود الإذعان.

المبحث الثاني: المعالجات المقترحة للممارسات المعيبة المصاحبة لعقود الإمداد الكهربائي

[أ] مشروعية ملكية الهيئة للشبكة الكهربائية:

إنَّ من أهم مميزات عقود الإذعان أنها عقود تَرِدُ على سلع وخدمات مُحْتَكرة للجهة المنتجة لها غالباً، وأنها عقود تكاد تنعدم بشأنها المنافسة، وأنَّ الطرف القوي في العقد “المُحتكِر” هو الذي يملي شروطه، وأنَّ الطرف الضعيف لا يحق له مناقشة تلك الشروط، أو الاعتراض عليها. فعقود الإذعان عبارة عن استجابة واقعية للاحتكار.
أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية على منع احتكار أقوات الناس، واختلفوا فيما وراء ذلك، ولكنهم اتفقوا على أنَّ “الحكمة في تحريم الاحتكار [هي] دفع الضرر عن عامة الناس”( ).
ومستند العلماء في تحريم الاحتكار هو قوله e: (مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ)( )، وهذا الحديث “صريحٌ في تحريم الاحتكار”( ). ويلاحظ أنَّ لفظ الحديث جاء عاماً لجميع أوجه الاحتكار، لا لاحتكار الأقوات وحده.
وأنَّ من باع بيعاً لرجلين فهو للأول منهما، وذلك لقوله e: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَمَنْ بَاعَ بَيْعًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا)( ).
فالهيئة القومية للكهرباء ـ في بعض الحالات ـ تبيع الشبكة أكثر من مرة ـ كما سبق ـ فملكية أصل الشبكة لمن دفع قيمتها من الزبائن، وإنْ نصت اللائحة على خلاف ذلك.
وملكية الهيئة للشبكة اقتضتها المصلحة العامة، وهي دليل شرعي واقتضاها واقع الحال، إذ أنَّ الشبكة تحتاج إلى جهة تقوم على شؤونها حتى لا تضار مصلحة المجتمع ولكنها لا تبرِّر تصرفها في بيع الشبكة ذاتها أكثر من مرة، لأن ذلك يخالف ما ذهب إليه قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م من أنَّ القاضي يستصحب: “أنَّ المشرِّع لا يقصد مخالفة الشريعة الإسلامية، تعطيلاً لواجب قطعي، أو إباحة لمحرَّم بيِّن، وأنه يراعي توجيهات الشريعة في الندب والكراهة”( ).
ومراعاة توجيهات الشريعة تقتضي ألاَّ يُظلم أحد من أفراد المجتمع قط، وإعمالاً لمبدأ أنَّ المشرِّع لا يقصد مخالفة الشريعة الإسلامية، تفسر اللائحة التجارية للهيئة القومية للكهرباء على هذا الأساس. فحيث ما وُجِدَتْ مخالفة تشريعية تخالف قواعد الشريعة الإسلامية، أو تخالف مقتضى تلك القواعد، يصار إلى أنَّ المشرِّع لا يقصد مخالفة الشريعة الإسلامية.

[ب] مقترح معالجة الممارسات المعيبة المصاحبة لعقود الإمداد الكهربائي:

إنَّ قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م هو المرجع في شأن المعاملات المدنية عند تنازع القوانين، وعلى ذلك نصت المادة (10) منه: “يكون هذا القانون هو المرجع في تكييف العلاقات المدنية عندما يطلب تحديد نوع هذه العلاقات في قضية تتنازع فيها القوانين لمعرفة القانون الواجب تطبيقه من بينها”.

وهذا لا يتعارض مع ما ذهب إليه القانون في مسألة مراعاة القوانين الخاصة، إذ نص على الآتي: “تراعى القوانين الخاصة، وتُقدَّم عليها المبادئ الأساسية، وأحكام هذا القانون حيث ينص على ذلك)”. وقد نص قانون المعاملات المدنية ذاته على الآتي: “تُطبَّق أحكام هذا القانون على جميع الالتزامات والحقوق الناشئة عن المصادر الآتية:
[أ] العقد.
[ب] الملكية بوجهٍ عام.
[ج] الإثراء بلا سبب مشروع”( ).
وهذه كلها واضحة في قانون الكهرباء لسنة 2001م.
ونص القانون على القواعد الأساسية لتطبيق أحكامه والتي منها الفقرات الآتية:
[ي] “على اليد ما أخذت حتى تؤديه”. وبيع الشبكة لأكثر من زبون يخالف هذا المبدأ.
[ن] “الأمر بالتصرُّف بملك الغير باطل إلاَّ بإذنه”. فأين إذْنُ الزبون؟
[ق] “يُضاف الفعل إلى الفاعل ما لم يكن مجبراً”. والهيئة غير مجبرة في تصرفها بالبيع.
[ر] “المباشر ضامن وإنْ لم يتعمَّد”. والهيئة باشرت البيع.
[ث] “العقد شريعة المتعاقدين”. وعقد البيع يقتضي ملكية المشتري للمبيع.
[خ] “يجب الضمان على من استعمل حقه استعمالاً غير مشروع”. فيلزم الهيئة ردّ الأموال التي أخذتها بغير وجه حق من الزبائن.
[ز] “الضرورات تبيح المحظورات، على أنَّ الاضطرار لا يبطل حق الغير”. فملكية الشبكة حق للزبون.
[ض] “ما ثبت خلاف القياس فغيره لا يُقاس عليه”. وبيع الشبكة أكثر من مرة يخالف القياس.
[ط] “لا اجتهاد مع النص”( ). والهيئة خالفتْ جميع المبادئ الشرعية الواردة في هذا الشأن.

كما أنَّ القانون نص على أنَّ منافع الشيء لا تكون إلاَّ لمالكه، وهذا ما نصت عليه المادة 516-(2): “لمالك الشيء وحده أنْ ينتفع بالعين المملوكة، وبغلتها، وثمارها، ونتاجها، ويتصرف في عينها بجميع التصرفات الجائزة شرعاً”.
وقد منع قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م نزع ملكية الأشخاص، وحدَّد الحالات التي يمكن فيها نزع ملكية الأشخاص، وعالج طرق نزع الملكية. وهذا ما نص عليه القانون إذ قال:
1- لا يُنزع ملك أحد إلاَّ بسبب شرعي.
2- لا يُنزع ملك أحد إلاَّ للمنفعة العامة، وفي مقابل تعويض عادل، ووفقاً لأحكام القانون)( ). فأين تعويض الهيئة للزبون؟
في ضوء هذه النصوص الواردة في قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م، وقانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م. وهما قانونان حاكمان على قانون الكهرباء لسنة 2001م، ولائحته التجارية لسنة 1993م. وبناءً عليه أقترح المعالجات الآتية بغرض رَدّ العقد إلى طبيعته:
[1] مراجعة وزارة الكهرباء، وإدارة المبيعات التابعة للهيئة القومية للكهرباء، موقف الهيئة القومية للكهرباء من بيع شبكة توصيلات الكهرباء لأكثر من زبون ـ في بعض الحالات ـ وذلك للأسباب الآتية، والتي تقتضيها سيادة قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م، على جميع القوانين الأخرى في مسألة تكييف العلاقات المدنية:

[أ] إنَّ الهيئة القومية للكهرباء تتصرف بملك الغير دون إذنه، وقد باعته الشبكة الكهربائية، والتصرُّف بملك الغير باطل بنص القانون، وبمقتضى العقد.
[ب] إنَّ الزبون يوقِّع عقد الإمداد بالكهرباء وهو مضطر إليه، والاضطرار لا يبطل حق المضطر في ملكه.
وقد نص قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م على أنَّ: “الضرورات تبيح المحظورات، وعلى أنَّ الاضطرار لا يبطل حق الغير”( ). فلا يكون الاضطرار حُجة يُتمسَّك بها في وجه الآخرين.
[ج] إنَّ نزع ملك الغير لا يجوز إلاَّ بسبب شرعي تقتضيه مصلحة عامة، وإذا نُزع ملك الغير للمصلحة العامة، وجب تعويضه تعويضاً عادلاً. وقد نص على ذلك القانون، فقد ورد فيه:
1- لا يُنزع ملك الغير إلاَّ بسبب شرعي.
2- لا يُنزع ملك أحد إلاَّ للمنفعة العامة، وفي مقابل تعويض عادل، ووفقاً لأحكام القانون( ).
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل عَدَلَتْ الهيئة القومية للكهرباء في معاملة طالبي الإمداد بالكهرباء ـ في مسألة بيع الشبكة لأكثر من زبون ـ؟
إنَّ الإجابة التي يقول بها الواقع: اللهم لا. ولكن هل نتعشَّم في عدل إدارة الهيئة؟ الإجابة: اللهم نعم. وذلك لِمَا يتوقعه المرء، ويظنه من وجود قدر كبير من العدالة في نفوس القائمين على إدارة شؤون الهيئة.
[2] تؤول ملكية الشبكة الكهربائية التي يقوم بدفع تكلفتها الزبائن، بكامل معداتها للهيئة القومية للكهرباء. وهذا الأمر تقتضيه مراعاة المصلحة العامة، والمصلحة العامة دليل من أدلة الشرع. وهذا ما نصت عليه المادة 517-(2): “لا يُنزع ملك أحد إلاَّ للمنفعة العامة..”.
[3] تقوم الهيئة القومية للكهرباء بإضافة المبلغ الذي دفعه الزبون مساهمةً منه دون رضاه، وإنْ كان قد اختار الدخول معها في تعاقد لحساب الزبون ما لم يتنازل عنه، وهذا مراعاةً للآتي:

[أ] إنَّ الزبون قد ساهم أصلاً في إنشاء الشبكة الكهربائية عند دفعه للضرائب.
[ب] وأنه ساهم في بناء الشبكة من خلال التزامه بدفع قيمة استهلاكه الشهري للهيئة القومية للكهرباء، لأن تكاليف الإنشاء والتسيير المختلفة تكون الهيئة قد ضمَّنتها موازنتها السنوية ضمن بنود ميزانيتها.
[ج] تطبيقاً لأحكام المادة 517-(2) والتي تنص على الآتي: “لا يُنزع ملك أحد إلاَّ للمنفعة العامة، وفي مقابل تعويض عادل، ووفقاً لأحكام القانون”. ومراعاةً للعدالة التي تقتضيها مبادئ الشريعة الإسلامية التي انبنى عليها قانون الكهرباء، تلتزم الهيئة بتطبيق هذا النص.
[4] تضيف الهيئة القومية للكهرباء فقرة إلى المادة (12) من لائحتها التجارية تبيِّن فيها أنَّ مساهمة الزبون في تكلفة إنشاء الشبكة، تُضاف لصالحه وتُخصم من حساب استهلاكه الشهري. وذلك بغرض رَدّ العقد إلى طبيعته التي تقتضي التعادل في التبادل، وتطبيقاً لأحكام قانون المعاملات المدنية آنفة الذكر، خاصةً المادة (118) منه، والتي نصها: “إذا تَمَّ العقد بطريق الإذعان، وتضمَّن شروطاً تعسُّفية، جاز للمحكمة أنْ تُعدِّل هذه الشروط، أو أنْ تعفي الطرف المُذْعِن منها، وذلك وفقاً لما تقضي به العدالة، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك”.
ويلاحظ أنَّ العقد الذي يوقعه الزبون مع الهيئة القومية للكهرباء، خالٍ تماماً من أيّ إشارة لِمَا دفعه الزبون من مساهمة في بناء الشبكة الكهربائية( ).
كما يُلاحظ أنَّ الإيصالات المالية لدفع المساهمة ليس بها فقرة تبيِّن الغرض من المبلغ المدفوع، فلا يعرف الزبون لأي غرض دفع المبلغ( ).