بحث قانوني كبير حول محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية

إعداد: صبحي صالح المحامى

أثارت مسألة محاكمة أشخاص مدنيين أمام المحاكم العسكرية في مصر العديدَ من المنازعات والإشكاليات ما بين مؤيد ومعارض، واعتبرها البعض دليلاً على انعدام الديمقراطية والحريات العامة في مصر، ومن الناحية القانونية يرى بعض الباحثين أن لجوءَ السلطات السياسية إلى إحالة بعض القضايا المتهم فيها أشخاصٌ مدنيُّون إلى القضاء العسكري أمرٌ تُمليه ضروراتُ الواقع واعتبارات الأمن العام، ويجد سنده في القانون.
كما يرى البعض الآخر أن إحالة هذه القضايا إلى القضاء العسكري هو بمثابة مصادرة للرأي والحريات العامة ويتنافَى مع مبادئ العدالة والمساواة والتشريعات القانونية المصرية الدستورية، فضلاً عن الاتفاقات والمعاهدات الدولية، كما أن ذلك يُعدُّ ولا شكَّ تدخُّلاً من الجيش في المسائل السياسية وفي هذا نوعٌ من القهر والديكتاتورية والتسلط، وهذا ما دعانا لخوض غمار هذا البحث، والذي سوف نتناوله من أربع زوايا وفقًا لخطة البحث الآتية:
المبحث الأول:
الأسانيد القانونية التي تستند إليها الإحالة للمحاكم العسكرية
وفيه سنبحث وفق المنهج الاستقرائي النصوص التي تمثل أداة الإحالة للقضاء العسكري.
المبحث الثاني:
مدى توافق الأسانيد القانونية للإحالة مع الأسس القانونية.
وفي هذا المبحث نتناول بالدراسة وفق منهج تحليلي الوضعَ القانونيَّ للمادة السادسة الفقرة الثانية من القانون 25/ 1966 وفق كل تعديلاته.
وسينقسم هذا المبحث إلى فرعين:
الفرع الأول:
ونتناول فيه أثَر إصدار الدستور الحالي عام 71 وما تضمَّنه من أحكام، مع بحث نظام التنظيم التشريعي الجديد إثْر إنشاء هذه المحاكم الجديدة.
الفرع الثاني:
ونتناول فيه مدى توافق المادة 6/2 مع الدستور المصري.
المبحث الثالث:
الطبيعة القانونية للقضاء العسكري
وفي هذا المبحث سوف نتناول بالدراسة وفقًا للمنهج التحليلي محاولة الإجابة على التساؤل، عما إذا كان القضاء العسكري يُعتبر قضاءً طبيعيًّا بالمعنى الفني الدقيق أو لا؟
وينقسم هذا المبحث كذلك إلى فرعين:
الفرع الأول:
ونتناول فيه الوضع القانوني للإدارة العامة للقضاء العسكري.
الفرع الثاني:
ونبحث فيه المركز القانوني للقاضي العسكري وبيان مدى تمتُّعه بالحصانة والاستقلال.
المبحث الرابع: وسوف نُجمل فيه النتائج التي توصلنا إليها من هذا البحث (في خاتمة موجزة).

المبحث الأول
الأسانيد القانونية التي تستند إليها الإحالة للمحاكم العسكرية

يحق لرئيس الجمهورية- استنادًا إلى الحق المقرَّر له بالمادة السادسة (الفقرة الثانية) من قانون الأحكام العسكرية 25/1966 (المعدل القوانين: 5 و7/1968- 82/1968- 5/1968- 14/1970- 72/ 1970- 46/1975، 1979- 1/1983)، والتي تنص على:
(تسري أحكام هذا القانون على الجرائم المنصوص عليها في البابين الأول والثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وما يرتبط بها من جرائم، والتي تحال إلى القضاء العسكري بقرار من رئيس الجمهورية، ولرئيس الجمهورية متى أُعلنت حالة الطوارئ أن يُحيل إلى القضاء العسكري أيًّا من الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر).
ولما كانت المادة سالفة البيان تتكلم عن سريان قانون الأحكام العسكرية على بعض الجرائم التي لها حساسية خاصة وطابع سياسي أو ما يسمَّى بالإجرام السياسي أو جرائم الرأي (وهي جرائم الكتاب الثاني من قانون العقوبات)، وكان من ثم يعطي لرئيس الجمهورية الحق في إحالتها للقضاء العسكري.. فإنه والحال كذلك فإن مدى قانونية حق رئيس الجمهورية في إحالة المدنيين للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية مرتبط بمدى قانونية النصّ القانوني سند الإحالة ارتباط السبب بالمسبب ارتباطًا لا يقبل التجزئة؛ إذ إنه من المستقرّ أن العلة تدور مع المعلول وجودًا وعدمًا.
وحيث إن هذا النص مشكوك في مدى قانونيته من وجهين: (الوجه الأول أنه نصٌّ غير واجب الإعمال لسبق إلغائه، ومن وجه آخر فإنه على فرض جدلي بوجوده فإنه نصٌّ مطعونٌ عليه بعدم الدستورية لاصطدامه مع أكثر من مادة من مواد الدستور، وهذا ما سوف نتولَّى بحثه في هذا البحث).

المبحث الثاني
مدى قانونية تلك الأسانيد وفق التشريعات المصرية المعمول بها

ولما كانت المادة محلّ البحث- هي المادة السادسة (الفقرة الثانية) من قانون الأحكام العسكرية 25/1966 الصادر في 23 مايو 1966 والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 123 في أول يونيه 1966، ولما كان هذا القانون قد عدل بالقوانين (5 و7/1968- 82/1968- 5/1968- 14/1970- 72/ 1970- 46/1975، 1979- 1/1983)، ولما كانت المادة محل البحث لم تتعرض لأي تعديل سوى ما ورد بالقانون رقم 5 لسنة 1970 المنشور بالجريدة الرسمية في 29/1/ 1970م، ولما كان الدستور المصري قد عدِّل بالدستور الحالي الصادر في 11 سبتمبر 1971 فإن هذه المادة باتت محكومًا عليها بالإعدام من وجهين: الوجه الأول أنها مادة ملغاةٌ ومن ثم فهي غير واجبة الإعمال، والوجه الآخر أنها وعلى فرض جدلي بوجودها فإنها مقضيٌّ عليها بعدم الدستورية؛ وذلك لاصطدامها مع أكثر من مادة من مواد الدستور)، وذلك كما يلي:

الفرع الأول:
إثر صدور الدستور الحالي عام 1971 وما تضمنه من أحكام بشأن إنشاء محاكم أمن الدولة وصدور القانون رقم 105 لسنة 1980..
لما كانت المادة الثانية من القانون رقم 131/ 1948 بإصدار القانون المدني والتي تنص على أنه:
(لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحةً على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظِّم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرَّر قواعده ذلك التشريع) فإنه والحال كذلك تصبح أحكام المادة السادسة من القانون 25/ 1966 ملغاةً بكل صور الإلغاء المنصوص عليها قانونًا- على النحو سالف البيان- وذلك على النحو التالي:
1- الصورة الأولى من صور الإلغاء
1- بتاريخ 5 رجب 1400 الموافق 20 مايو 1980 صدر القانون رقم 105/ 1980 (بإنشاء محاكم أمن الدولة) والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 23 مقرر في 21/5/1980، مشيدًا لنظام قانوني متكامل متخصص للجرائم التي تمس أمن الدولة بكافة صورها وأشكالها بل بجناياتها وجنحها على النحو المبين تفصيلاً بالمادة الثالثة من الباب الأول من ذلك القانون.
2- كما وأنه لما كانت نية المشرع تتجه إلى البعد التام بالقوات المسلحة عن مسائل السياسة والرأي وأمن الدولة الداخلي ومع رغبة المشرع بالاحتفاظ بمساحة يراها هامة ولازمة للمصلحة العامة ومن ثم فقد نظم هذا التشريع نظام الخلط والمزاوجة عند اللزوم بما نص عليه بالمادة الثانية من القانون 5/ 1980 بصدد حديثه عن تشكيل المحاكم إذ نص صراحة على أنه (تشكل محكمة أمن الدولة العليا من ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف على أن يكون الرئيس بدرجة رئيس محكمة استئناف.

ويجوز أن يضم إلى عضوية هذه المحكمة عضوان من ضباط القوات المسلحة والقضاء العسكري برتبة عميد على الأقل ويصدر بتعيينها قرار من رئيس الجمهورية) ويبين من مطالعة مجمل نصوص القانون 105/ 1980 أن المشرع (نظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع). (م 2 من القانون المدني) وبما يكشف عن اتجاه نية المشرع لإلغاء أي اختصاص للقضاء العسكري بهذه الجرائم إذا ما أتهم بها مدنيون.

مظاهر التنظيم التشريعي الجديد

وهذا النظام الجديد راعى فيه المشرع مفاداة كافة المطاعن والمآخذ التي توجه وتثار عادة لدى إحالة قضايا لأفراد مدنيين إلى القضاء العسكري… مع احتفاظه بكافة صلاحياته المقررة بقانون الطوارئ والأحكام العسكرية والذي يمكن ملاحظتها في الأمور الآتية:-
1- إنشاء محاكم متخصصة في كل محكمة من محاكم الاستئناف (م 1).
2- تشكيل هذه المحاكم من مستشاري محكمة الاستئناف يكون رئيسها بدرجة رئيس محكمة استئناف (م 2).
3- تتبع الإجراءات والأحكام المقررة بقانون الإجراءات الجنائية (م 5).
4- تختص النيابة العامة بالاتهام والتحقيق إلخ (م 7).
كما احتفظ بهذه المحاكم بكل المبررات التي كانت تساق عادة لتبرير إحالة أشخاص مدنيين للقضاء العسكري كاملة غير منقوصة يمكن ملاحظتها من مجرد مطالعة نصوص القانون مثل:

1- يجوز أن يضم إلى عضوية هذه المحكمة عضوان من ضباط القوات المسلحة بالقضاء العسكري برتبة عميد على الأقل ويصدر بتعيينها قرار من رئيس الجمهورية (م2 /2).
2- ترفع الدعوى في الجنايات المنصوص عليها إلى المحكمة مباشرة من النيابة العامة ويفصل فيها على وجه السرعة (م3 / 2).
3- يجوز أن تنعقد محكمة أمن الدولة العليا في أي مكان آخر في دائرة اختصاصها أو خارج هذه الدائرة عند الضرورة (م 4/ 2).
4- لا يقبل الإدعاء المدني أمام محاكم أمن الدولة (م5/ 2).
5- تكون أحكام محكمة أمن الدولة العليا نهائية- ولا يجوز الطعن فيها إلا بطريق النقض وإعادة النظر (م 8/1).

ثانيًا:وبتاريخ 18/ 8/ 1992 صدر القانون رقم 97/ 1992 والذي أقر القانون 105/ 1980 وأبقاه على نظامه بل وأضاف إليه بحصر الاختصاص المكاني لمحكمة استئناف القاهرة دون غيرها ومن ثم أصبحت محاكم أمن الدولة العليا بمحكمة استئناف القاهرة (في دائرة أو أكثر) هي المختصة وحدها ولائيًّا ونوعيًّا ومكانيًّا- دون غيرها.
ثالثًا: وحيث إن المادة الثانية من مواد إصدار القانون 105/ 1980 نص على أنه: (يلغى كل حكم يتعارض مع أحكام هذا القانون) ومن ثم فإنه ومن جماع ما تقدم يتضح- أن المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية رقم 25/ 1966 وتعديلاته ألغيت إلغاءً تامًا ونسخت أحكامها بكافة صور الإلغاء المقررة قانونًا:- أ- ألغيت بإعادة تنظيم الموضوع على خلاف المقرر بمقتضى حكمها.
ب- ولاشتمال تشريع لاحق عليه على نصوص تعارض نصوصه ولا يفوت على فطنة المحكمة أن أحكام القانون 105 لسنة 1980 هي قواعد خاصة وبالتالي هي ناسخة لأحكام القانون 25/ 1966 بما تضمنه من أحكام خاصة أيضًا.
وحيث إن لما كان الأمر كذلك يضحى النص محل البحث معدوم قانونًا ومن ثم فاقدًا للمشروعية ومبنيًّا على تأويل فاسد وتفسير خاطئ.

الفرع الثاني:
مدى توافق المادة السادسة فقرة 2 مع أحكام الدستور.
وعلى فرض جدلي- لا نسلم به- بأن هذا النص الشاذ لا زال ساريًا فإنه معيب بعدم الدستورية- ولما كان القرار الصادر بإحالة قضية متهم فيها مدنيون إلى القضاء العسكري استنادًا لنص المادة السادسة من قانون 25/ 66 بمواد الاتهام (المواد 30، 86 مكرر و8 مكرر/ د من قانون العقوبات) وهي مواد تتضمن عقوبات السجن والأشغال الشاقة والمصادرة فضلاً عن التدابير الواردة بالمادة 88 مكرر (د) عقوبات.
وهي عقوبات تتسم بالغلظة والقسوة والجسامة كما أنها تنصب على حريات المواطنين وحقوقهم بل وحياتهم ويتعدى أثرها إلى أسرهم بوالديهم وزوجاتهم وعيالهم. وبديهي أنها تنتهي بضياع مستقبلهم المهني والأدبي والمادي، فضلاً عن حرمانهم من مباشرة حقوقهم السياسية وفق صريح نص المادة 2/ 1 من قانون 73/ 1956 وهو ما يسمى (بالإعدام المدني)
ولما كانت هذه الحقوق والحريات غالية ولا تقدر بثمن وأحاطها الدستور بجملة من النصوص وأفرد لها الباب الثالث- الذي توجه المشرع الدستوري بالمادة 57 التي قررت بعدم سقوط الدعوى الجنائية ولا المدنية بالتقادم لأى جريمة اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة.
وعلى هذا نص الدستور على الضمانات الآتية:-

1- سيادة القانون أساس الحكم في الدولة (م64).
2- تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات (م65).
3- (المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه) مادة 67/1
4- (التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي) مادة68/1-2.
6- (السلطة القضائية مستقلة- وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها) (مادة 165).
7- (القضاء مستقلون- لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون- ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو في شئون العدالة ) (مادة 166)
8- (رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان- وتكون لها

قوة القانون بعد إبرامها- والتصديق عليها- ونشرها وفقا للأوضاع المقررة) (المادة 151/1).
وبناء على هذه النصوص فإن لكل مواطن عدة حقوق وضمانات كفلها له الدستور يمتنع على أى قانون أو قرار كائنًا ما كان شأنه أو شأن من أصدره أن يمسها أو ينتقص منها فضلاً عن ابتلاعها أو اغتيالها وتتمثل في:-
أ- التمتع بسيادة القانون التي تعلو على سيادة الحكم والحكام (م 64، 65).
ب- الحق (إذا ما وجه إليه اتهام). في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه (م67/ 1).
ج- الحق في الالتجاء لقاضية الطبيعي- المتمتع بالحصانة والاستقلال- وهو حق مكفول للكافة (م 65 و68 و166).
د- والحق في تكافؤ الفرص (مادة 8).
هـ- الحق في المساواة أمام القانون (م 40)
وبناء على هذه النصوص فإن لكل مواطن عدة حقوق وضمانات كفلها له الدستور يمتنع على أي قانون أو قرار كائنًا ما كان شأنه أو شأن من أصدره أن يمسها أو ينتقص منها فضلاً عن ابتلاعها أو اغتيالها وتتمثل في:-

أ- التمتع بسيادة القانون التي تعلو على سيادة الحكم والحكام (م 64، 65).
ب- الحق (إذا ما وجه إليه اتهام). في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه) (م 67/ 1).
ج- الحق في الالتجاء لقاضية الطبيعي وهو حق مكفول للناس كافة (م 68).

وحيث إن الإحالة للمحاكمة العسكرية تعصف بكل هذه الحقوق مجتمعة لأنها تسلم الخصم لخصمه ثم تأمنه على التفرد به واغتيال حقوقه وتدمير مستقبله بمنأى عن رقابة القضاء وبعيدًا عن مظلة حماية الدستور عندما يجرد من كافة حقوقه وضماناته في محاكمة تتلاشى فيها كافة الضمانات الدستورية وتنهار فيها الثوابت والمبادئ الدستورية المقررة.

المبحث الثالث
الطبيعة القانونية للقضاء العسكري

تنص المادة الأولى من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 /1966 على ما يلي:-
(الإدارة العامة للقضاء العسكري إلى إحدى إدارات القيادة العليا للقوات المسلحة ويتبع هذه الإدارة نيابة عسكرية ومحاكم عسكرية وفروع أخرى حسب قوانين وأنظمة القوات المسلحة). (م1).
كما تنص المادة الثانية على:- (يتولى الإدارة العامة للقضاء العسكري مدير…… يتبع نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة مباشرة) (م2).
ومن مطالعة النصين تتبين خصائص القضاء العسكري وهى:-
1- القضاء العسكري (إدارة عامة) وهذا مصطلح إداري وظيفي.
2- إنها إحدى إدارات القيادة العليا مثل إدارة المركبات وإدارة المهمات…… إلخ.
3- يرأسها مدير (يعنى موظف إداري).
4- يتبع وزير الدفاع (وهو أحد أعضاء السلطة التنفيذية).
5- الإدارة العامة للقضاء العسكري يتبعها:
– (إدارة المدعي العام- (نيابة عسكرية).
– (إدارة المحاكم).

إذًا…. رئيس المحكمة العسكرية العليا هو موظف في إدارة المحاكم- التي تتبع الإدارة العامة ويترأسها مدير والتي تتبع وزير الدفاع- الذي يتبع رئيس مجلس الوزراء- الذي يتبع رئيس الجمهورية بصفته رئيس السلطة التنفيذية.
إذًا…. رئيس المحكمة العسكرية العليا موظف في السلطة التنفيذية يأتي بعد كل من: 1- رئيس السلطة التنفيذية. -2- رئيس الحكومة -3- رئيس الوزراء -4- وزير الدفاع -5- مدير الإدارة العامة للقضاء العسكري -6- مدير إدارة المحاكم العسكرية.
وهؤلاء جميعًا عسكريون (يعينهم رئيس الجمهورية ويعفيهم من مناصبهم عملاً بأحكام الدستور المادة 141، 143 هذا بالإضافة إلى ما نص عليه الدستور أيضًا بالمادة 157 من أن الوزير هو الرئيس الإداري الأعلى لوزارته ويتولى رسم سياسة الوزارة في حدود السياسة العامة للدولة ويقوم بتنفيذها).
(إذًا هو ينفذ سياسة وزارة في حدود السياسة العامة للدولة وليس من اختصاصه إقامة العدالة بين الناس ويترتب على ذلك بداهة انتفاء استقلال القاضي العسكري.

الفرع الثاني:
المركز القانوني للقاضي العسكري
إذا كان القاضي العسكري ليس مستقلاً كما بينا فإنه أيضًا لا يتمتع بأي حصانة على الإطلاق سواء في (التعيين أو الندب أو الإعادة أو العزل والمساءلة)وذلك على النحو التالي:- من خلال أحكام القانون25/1966.
1- يكون تعيين قضاة العسكريين لمدة سنتين قابلة للتجديد (م 59/ 1).
2- يعين القضاة العسكريون من ضباط القوات المسلحة (م 55) (من غير اشتراط مجرد الحصول على ليسانس الحقوق).
3- يصدر بتعيين القضاة العسكريين قرار من نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة (وزير الدفاع) بناء على اقتراح مدير القضاء العسكري (بدون اشتراط أي مواصفات خاصة م54).
4- يجوز نقله إلى مناصب أخرى للضروريات العسكرية (م59 /2).
5- يخضع القضاة العسكريون لكافة الأنظمة المنصوص عليها في قوانين الخدمة العسكرية (م 57).
(فلا حصانة ولا حماية لا في التعيين ولا في النقل أو العزل ولا المساءلة والمحاكمة).
لما كان ذلك وكان الدستور ينص على أن:
(استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات) (م 65)
إن استقلال القضاء وحصانته ليست مزية للقضاء بقدر ما هي ضمانة لحقوق المواطن وحرياته وكان القضاء العسكري مجرد مجالس عسكرية (إدارية) لها اختصاص قضائي لا يتمتع أعضاؤها بأي قدر من الحصانة ولا الاستقلال ويتبعون تبعية بعيدة المدى لأكثر من ست سلطات تنفيذية تابعة للسلطة التنفيذية.

فإنه تضحى الحقوق والحريات بلا أدنى قدر من الحماية والرعاية وفى ذلك مصادمة صريحة ومخالفة مفضوحة لأحكام الدستور.
والحق في تكافؤ الفرص ( مادة 8)- والحق في مساواته مع غيره أمام القانون (م 40.
وكذا حقه في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه (م 67/ 1) وأهمها حق الطعن الصادر بحقه بطرق الطعن العادية وغير العادية- إعمالاً لنصوص مواد الدستور رقم 8 و40 و67.
والقول بغير ذلك من شأنه الإخلال بحقوقه وضماناته الدستورية مثل:-
هذا.. بالإضافة إلى الإخلال بالضمانة المقررة في مبدأ التقاضي على درجتين ويعتبر مبدأ التقاضي على درجتين من المبادئ الهامة في تنظيم القضاء بما يتيحه من نظر مرتين بواسطة محكمتين مختلفتين- وهو يفترض وجود تدرج في المحاكم.
فالفصل في القضايا يتطلب اجتهادًا من القاضي- والمجتهد قد يخطئ وقد يصيب- ولذلك فلا بد من إيجاد وسيلة لمراقبة ما قضى به القاضي لإقراره إذا كان صحيحًا وإلغائه أو تعديله إذا كان خاطئًا.

والوسيلة الفينة لتحقيق مبدأ التقاضي على درجتين هي الاستئناف أي نظر موضوع القضية بواسطة محكمة أخرى أعلى في التدرج القضائي من المحكمة التي نظرت القضية للمرة الأولى.
ولما كان للاستئناف مزايا محققة- أوجبت الأخذ به في النظام القانوني- ضمانًا لتحقيق العدالة؛ وذلك للأسباب الآتية:-
1- طبيعة العملية القانونية- والقضائية بالذات- تحتمل حدوث الأخطاء؛ ولذلك لا بد من الالتجاء إلى وسيلة لتصحيح هذه الأخطاء وهذه الوسيلة هي الاستئناف.
2- الحق في الاستئناف يولد الثقة لدى الخصوم ويوفر لهم ضمانًا هامًا بما يوفر لديهم من اطمئنان بأن النظام القانوني نفسه يكفل لهم نظامًا فعالاً ومحايدًا لتصحيح أخطاء القضاة في تحصيل الوقائع أو فهم القانون.
3- قضاة أول درجة سوف يبذلون أقصى ما لديهم من حرص وعناية في نظر القضية- لتفادي إلغاء أحكامهم أو تعديلها بواسطة محكمة ثاني درجة.
4- المحكمة الاستئنافية باعتبارها أعلى في التدرج القضائي تتكون من عدد أكبر من القضاة ومن قضاة أكثر خبرة وكفاءة.
5- المحكمة الاستئنافية أكثر بعدًا عن الخصوم- وهذا من شأنه أن يبعدها من التأثيرات المحلية الوقتية ويجعلها أكثر حيادًا في الفصل بين الخصوم.
6- إذا أضفنا عدد قضاة أول درجة إلى عدد قضاة ثاني درجة الذين نظروا القضية لوجدنا أن المجموع يتراوح ما بين أربعة وستة قضاة- وهذا من الناحية النفسية يوزع مسئولية الحكم- وحتى في حالة حدوث خطأ يكون الخصم الذي تأثر به أكثر استعدادًا لتقبله باعتبار أن هذا العدد الكبير من القضاة لم تستطع جهودهم المتضافرة أن تتفاداه. ( راجع- المحاكم الخاصة في مصر للمستشار الدكتور/ أسامة الشناوي)

لا سيما بعد صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 536 لسنة 1981 بشأن الموافقة على الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16/12/1966م، ووقعت عليها مصر في 4/8/1967م،- ثم نشرها بالجريدة الرسمية (العدد 15) في 15/4/1982م،- وقد تضمنت هذه الاتفاقية نص (المادة 14 بند 5) ما نصه:- (لكل محكوم بإحدى الجرائم- الحق في إعادة النظر بالحكم والعقوبة بواسطة- محكمة أعلى بموجب القانون).
إذًا: هل القاضي العسكري هو القاضي الطبيعي ؟؟؟
لما كان القضاء العسكري إدارة تابعة لإحدى إدارات السلطة التنفيذية وخاضعة لها تمام الخضوع ولا تتمتع في مواجهتها بأي قدر من الحصانة والحماية فهل تعتبر هي السلطة القضائية المنصوص عليها في الدستور المادة 68؟؟
والإجابة:
( أ) – أوردتها المذكرة الإيضاحية للقانون 25 لسنة 66 والتي تنص على أن (هذه السلطات هي أقدر من غيرها على تفهم مقتضيات النظام العسكري وتصرفات أفراد القوات المسلحة سواء في الحرب أو السلم) وبمفهوم المخالفة فإن القضاء العادي هو القاضي الطبيعي وهو أقدر من غيره على تفهم الحقوق والحريات للمواطنين ومدى اتساقها وانضباطها في إطار المصلحة العامة وفق حدود الدستور والقانون.
(ب) كما أوردتها المادة 54 من ذات القانون (يعين القضاة العسكريون من ضباط القوات المسلحة).
(ج) وأنهم يخضعون (لكافة الأنظمة المنصوص عليها في قوانين الخدمة العسكرية (م57).
فهل هؤلاء يمثلون القاضي الطبيعي؟؟؟
وعلى ذلك يصبح الدفع بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بإحالة المدنيين للمحاكمة العسكرية– وكذا ما استند إليه من نص المادة السادسة من القانون 25/ 1966م وتعديلاته دفعًا صحيحًا واقعًا وقانونًا.

المبحث الرابع
خاتمة ونتيجة

وأخيرًا… وبعد ما سلف بيانه- يثور التساؤل أليس قرار إحالة المدنيين للمحاكمة أمام القضاء العسكري- تطبيقًا نموذجيًّا لفكرة التعسف وإساءة استعمال السلطة و الانحراف بها؟
واستقراء الأحكام الصادرة عن تلك المحاكم فقط- هي التي تجيب.