بحث قانوني هام حول محاكمة الهاتف المحمول

محاكمة الهاتف المحمول
1
د.عبدالوهاب عمر البطراوي
أستاذ القانون الجنائي
كلية الحقوق – جامعة العلوم التطبيقية

مقدمة

ما أن انتهت الحرب العالمية الثانية التي اتخذت من الأنظمة القمعية وقودا لها، كجزاء لكل يد تعبث بحقوق الإنسان، الا وبدأت إرهاصات العصر الإنساني تلوح مبشرة بثورات علمية أعقبتها ثورات صناعية تمخضت عنها ثورات تكنولوجية في سائر المجالات خاصة في مجال المعلومات والاتصالات التي لازالت- في تطور سريع يشبه البركان فإن هذا التطور قدم للإنسان من أسباب السعادة والرفاهية الكثير الا انه لم ينس ان يجر في أذياله العديد من أسباب التعاسة والشقاء.
وقد اخترت من هذا الجانب السلبي جزئية متناهية الصغر تتعلق بالمخاطر التي يتعرض لها الإنسان من اصغر واحدث الأجهزة الالكترونية اللاسلكية وأكثرها انتشارا وشيوعا (الهاتف المحمول) الذي وصل إلى أيدي بليون شخص على مستـوى المعمورة دون تفرقة حتى الأجنة في بطون أمهاتها تعاني منه الآن .
وسوف أتعرض لمخاطر المحمول بمنظور علم الإجرام الذي يشكل همزة وصل بين العلوم الإنسانية والسياسة الجنائية. واقصد من ذلك البحث عن الأسباب التي أفرزت تلك المخاطر وفي أي موطن كانت، فإذا وصلنا إليها هانت معالجتها إما عن طريق العلم أو القانون.
فمنذ ان بدأت شركات التصنيع في الولايات المتحدة بإنتاج المحمول عام1983، الا وتبعتها باقي الشركات العالمية التي اتخذت من العالم الثالث ميدانا خصبا لترويج هذا الهاتف خاصة – وهذا قدرنا- الموديلات(القديمة) مستغلة وجود عجز بأنظمتنا الهاتفية الأرضية، وسهولة وسرعة اقتنائه وانخفاض أسعاره.

مخاطر المحمول ومصادرها

الهاتف المحمول هو: محطة إذاعية فائقة الصغر قادرة على الإرسال والاستقبال اللاسلكي، وذلك عن طريق بث إشعاع كهرومغناطيسي Transmit power ذات موجات قصيرة للغاية.
وتكمن مخاطر هذا المحمول في مكوناته الستة: ثلاث منها داخلية (البطارية) التي تعد مصدر الإشعاع وتستخدم (السماعة والهوائي) كوسائل أو طرق لتوصيله إلى جسد الكائن والخارجية وهي ثلاث (القرن، البرج والشبكة).
وما ان انتشر هذا الجهاز إلا وانتشرت من خلفه المشاكل الصحية، وبدلا من ان تنظر شركات التصنيع – حسبما تعبر منظمة الصحة العالمية- إلى الخلف لتعالج ما فات ، نظرت إلى الأمام لتستحدث العديد من المخاطر الأمنية بعد ان عرفت طريقها إلى WAP لتخترق الحياة الخاصة للشعوب والحكومات بشكل سافر. وهذا ما سنتعرض له تباعا حسبما يلي:-
لقد بدأت تلك المخاطر تستشري في أجساد البشر من الوهلة الأولى ، دون ان يستطيع احد من العلماء ذوي العلاقة تسبيب تلك المخاطر، سوى شركات التصنيع التي سارعت بنفي أية علاقة بين تلك المخاطر والهاتف الخلوي وذلك عام 1991.
بعد ذلك بنحو عامين وتحديدا عام 1993 استضافت إحدى القنوات التليفزيونية الأمريكية زوج إحدى ضحايا المحمول التي ماتت بسبب سرطان المخ من كاليفورنيا، ومن خلفها امرأة من أريزونا لنفس السبب. ومن ثم بدأت وسائل الاعلام معبرة عن الرأي العام تتساءل عن مدى تلك العلاقة؟ .

فكان رد الفعل من العلماء المختصين سريعا، ومن شركات التصنيع بطيئا، حيث اتخذوا للإجابة على هذا السؤال كافة أساليب البحث العلمي فردية كانت أو جماعية نظرية كانت أو تجريبية ، كملاحظة الحالة ، وفحص المرضى ، والمقارنة بين شريحتين مرضية وضابطة، والتجارب على الحيوانات وقد حظيت الفئران بنصيب وافر من هذا الإشعاع والديدان والبقر وأجنة الدجاج، وأكثر من ذلك استنسخوا خلايا بشرية لإجراء التجارب عليها، وكذلـــك الأجنة الميئوس من حياتها .
وعن نتائج تلك الجهود العلمية فيمكن تصنيفها إلى اتجاهين: الأول يشكل هيئة الاتهام والآخر يشكل هيئة الدفاع وتقف من خلفها مع جد الآسف بعض الجهات الرسمية والمراكز العلمية غير مستقلة القرار، وبعض الحكومات لأسباب اقتصادية تدفن رأسها في الرمال كأمريكا وانجلترا.

ان مصدر تلك المخاطر يعود إلى دونية الإشعاع الكهرومغناطيسي ذو الموجات القصيرة جدا وتسمى بالـ Micro Wave- (حدها الأقصى 6،. واط) الذي يخترق الجمجمة لمسافة من1-1.5بوصة (متوسط 3.5 سم) مثله مثل الأشعة السينيةX-ray التي تخترق الجدران.
لا تظهر تلك المخاطر الا في حالة تكثيف المكالمات فالمحمول كالخمر لا يصيب سوى المدمن وهنا المرسل والمستقبل سواء.
ان أكثر الشرائح تأثرا بهذا الإشعاع ضعاف الخلايا كالصبية والعجزة والأجنة في بطون أمهاتها وكذلك البالغين ممن يمتهنون قيادة السيارات.
ان الخلاف القائم بين هيئتي الاتهام والدفاع ينحصر في الأمراض الجسيمة التي تصيب الإنسان والحيوان مثل: الاضطرابات السلوكية والفسيولوجية وما يترتب عليها من نفوق الحيوانات وحوادث السيارات، والأورام السرطانية في الرقبة والمخ، ولكل هيئة مبرراتها وموقفها .

موقف هيئة الدفاع:

لقد قامت شركات التصنيع بايجابية في البداية وذلك بتمويل عدد من البحوث، وعندما جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، التزمت الصمت أحيانا والرد بالكلام المرسل أحيانا أخرى ومن ذلك :
انه لا يستطيع احد ان يجزم أو لا يجزم بوجود تلك العلاقة، ومن ثم طالبت بالتريث منذ عام 1995 ولا تزال.
ان شركات التصنيع اتبعت الطرق القانونية للحصول على براءة الاختراع من الأجهزة الحكومية وذلك قبل ترويج هذا الجهاز. وهي حجة داحضة فإتباع الخطوات القانونية لا يبيح الضرر ولا ينفي المسئولية القانونية.
ان البحوث التي أثبتت وجود علاقة بين الإشعاع والأمراض الجسيمة لايجوز التعويل عليها بدعوى ان العينات التي استندت عليها قليلة لاتمثل المجتمع البشري. وهذا حق في البداية الا انها انتهت بعينات كبيرة بمرور الأيام والسنوات .
انّ من الصعب قياس مستوى الإشعاع ونسبة اختراقه للجسم حيث تختلف تلك النسب من بيئة لأخرى ومن إنسان لآخر. وهي حجة تحتاج إلى وقفة وهو ما سنتعرض له تفصيلا في مكانه من مكافحة المخاطر.

موقف هيئة الاتهام:

منذ عام 1993 وحتى اليوم والجهود العلمية في بقاع الأرض تسير على قدم وساق لا بقصد الاتهام بل الوصول إلى الحقيقة فكانت المعطيات تشير إلى فكرة الاتهام ومن أمثلة ذلك:-
ان العلاقة بين اشعاع المحمول والأمراض يسيرها وجسيمها أصبحت حقيقة علمية أكدتها الأحداث التي شملت الإنسان والحيوان سواء.
فاتضح بان هذا الإشعاع يعشق الرأس ويلوث الهواء المحيط وله اثر خفي ومزمن .
انّ الأمراض التي يورثها هذا الإشعاع متدرجة من البساطة إلى الجسامة بحكم وحدة المصدر، ويتحكم فيها معدلات التردد وفترة التعرض والحالة البيولوجية للشخص.

فالإشعاع الكهرومغناطيسي ذو طبيعة حرارية microwave ويخترق الجمجمة أو الجسم فيؤدي – بداهة – إلى تسخين الأوردة السطحية بطريقة غير طبيعية فتختل وظائفها الفسيولوجية، ومن ذلك الأوردة الدموية حيث تضعف كرات الدم الحمراء في جذب الأوكسجين من الرئتين فيرتفع ضغط الدم. هذا والأوعية اللمفاوية تعجز عن أداء وظيفتها في خلق كرات الدم البيضاء كجندي لحراسة الجسم فيشعر الشخص بأعراض سلبية مثل الخمول والصداع والإرهاق.
ومع استمرارية جرعات الإشعاع يزداد نشاط مئات البروتينات خاصة البروتين Hsb 27 شديد العلاقة بالخلايا المبطنة للأوعية الدموية كجندي لحراسة المخ فيتأثر بذلك الجهاز العصبي المركزي ليعيق الذاكرة ابتداء ثم تظهر الاضطرابات السلوكية الفسيولوجية التي قد تعدم الذاكرة ويصيبها بالجنون .

الصبية :

الصبي في مجالنا هو كل شخص لازال تحت مرحلة تكوين العظام وبحسب أرجح الأقوال لم يبلغ السادسة عشر من عمره. حيث تكون الجمجمة اقل سمكا والخلايا اضعف من ان تواجه بمثل إشعاع الميكروويف خاصة أجهزة المناعة أي شرطي الجسم ودرع المخ.

الأجنة:

بعد إجراء المزيد من التجارب على بيض الدجاج المخصب في ألمانيا والفئران الحوامل في أمريكا وعشرة آلاف امرأة حامل حمل جبان في استراليا، أعلنت النتائج التي تؤكد مدى اثر الإشعاع على أجنة الأمهات اللواتي يحملن الهاتف النقال في المنطقة الوسطى لمدة طويلة، حيث يخترق الإشعاع الألياف الضعيفة في أجسادهن خاصة الرحم فيؤدي إلى اختلال تدفق الدم إلى المشيمة، والعبث بالحامض الوراثي DNA . وهذا يؤدي إلى زيادة حالات الإجهاض وتشوه الجنين ان لم يمت داخل الرحم.
اختراق الأمن القومي
لم تقف مخاطر المحمول عند حد انتهاك معصومية الجسد بل توغلت
ان أدق أسراره وفي أدق علاقاته ، وللدول أمنها واستقرارها.
فبعد ان قامت شركات التصنيع بترويج المحمول بحوالي أربعة عشر سنة بدأت تتنافس على شراء برامج إضافية لتطوير خدماتها للمستهلكين (الضحايا) ، والتي وصل عددها حتى اليوم أربعة برامج ظهرت تتراً- الأقدم منها يمهد للاحدث ثم يأتي هذا الأخير ليتوسع في خدماته ليزيح سلفه، وهي بحسب الاقدمية (برنامج WAP-Wep–وبرنامجBlue Tooth وبرنامج mode وبرنامج Broud bond ، فضلا عن استحداث أربعة أنظمة الكترونية لخدمة تلك البرامج هي(نظام sms ونظام gsm ونظام Erp ونظام gps .
والمعول عليه هنا تحديد المخاطر الأمنية ومصادرها حسبما يلي:

أولا: إن تلك البرامج خاصة الـ WAP – الأكثر شيوعاً وانتشاراً- مهدت الطريق لهذه الأنظمة عندما ربطت المحمول بالانترنت من جانب، ثم ربطت الانترنت بشبكة المعلومات الدولية – عن طريق الأقمار الصناعية – من جانب آخر، فأصبح المحمول من أحدث وأدق الوسائل الاستخباراتية في العالم وذلك عن طريق أنظمته الحديثة خاصة ERP,gps التي يمكن اختراقها بسهولة، بسبب عدم تشفير معظم شبكات المحمول .

ثانيا: بشأن نظام gps استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي سابقاً بطريقة سرية في حربهما الباردة وذلك في المجال العسكري كوسيلة تجسس، ثم قامت الدولة الأولى بفتح هذا المجال ليشمل المجالات المدنية كذلك، ومنحت حق استخدامه لكافة الدول المصنعة – دون غيرها – في التسعينات، وذلك بعد أن أنشأت ستة مراكز للتجسس في ست دول منها دول كبرى بعالمنا الثالث، ثم ربطتها بالشبكة الدولية في ولاية clorado الأمريكية، هذا فضلا عن مراكز التجسس التقليدية التي أسمتها بأسماء وهمية لتخفيها بعيداً عن الأفهام والأنظار والهدف من ذلك غير خاف.

إن الإظهار المزدوج للصورة الحية حال الحديث للمرسل والمستقبل في حد ذاته يقيد حرية كلا الطرفين كل منهما في مكانه الخاص عارياً كان أو مرتدياً، وعلى صعيد آخر يشكل معونة جبارة لشركات الدعارة في الداخل والخارج.
وهذا النظام وإن كان يقدم لسلطات الاتهام المحلية والدولية (الانتربول) وسيلة جديدة للتحري وجمع الأدلة عن الجريمة والمجرم ، إلا أنه يشكل وسيلة للتنصت بالصوت والصورة على أي شخص ولأي سبب مشروع أو غير مشروع.
ستصبح الحكومات خاصة في عالمنا الثالث بلا أسرار لتتحول إلى مجرد كيانات الكترونية تحركها الدول ذات النزعة الاستعمارية بالريموت كنترول من عواصمها ، وهذا ما بدأت تلك الدول التخطيط له من بضع سنوات تحت ما وصفته بالحكومات الالكترونية ، وقد استخدمت أميركا نظام gps في اجتياح دولة أفغانستان ودولة العراق، وتستخدمه إسرائيل لسحق قادة المقاومة الإسلامية في دولة فلسطين. وكان مدير المخابرات الأمريكية على حق عندما وصف العالم الثالث ( بلعبة الأمم Game of Nations).
ثالثا: لقد احتل المحمول، بفضل نظام ERP محل بطاقات الائتمان لدى كافة المؤسسات المالية والتجارية حيث يستطيع حامله السحب المباشر وغير المباشر، هذا واحتل مكانته بين وسائل عقود التجارة الالكترونية. فإذا لم يتحقق الخطر من مالك المحمول فمن حائزه كالمستعير بحسن نية أو الحائز مادياً في حالتي السرقة أو الضياع عملاً بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية أو في حالة وانتشار الفيروس، وهذا ما استخدمه المجرمون بالفعل في دولة الإمارات.

محاكمة الهاتف المحمول 2-2

د.عبدالوهاب عمر البطراوي
أستاذ القانون الجنائي
كلية الحقوق – جامعة العلوم التطبيقية

عرضنا في الحلقة الأولى لهذا البحث المعنون ” مكافحة الهاتف المحمول ” الذي بقدر ما يحمله من سعادة ورفاهية للإنسان فله من المضار ما تسبب التعاسة والشقاء له.
وقد انصب اهتمامنا بمخاطر هذا الجهاز لكونها ستلحق بأعداد هائلة من البشر الذين وصل عدد من يستخدمون الهاتف المحمول بليون شخص على مستوى العالم مما تتسع معه دائرة المتضررين في حالة إصابتهم بالأمراض التي تنجم عن استخدامه وإن لم تبادر الشركات المصنعة إلى إيجاد وسائل حماية للمستهلك من تداعيات نتائج استعمال هذا الجهاز التي عددناها في الحلقة الأولى ، ونواصل ما انقطع من سرد هذا العدد الذي نكمل فيه الحلقة الثانية والأخيرة في هذا البحث والتي نأمل أن نكون قد أحطنا فيها بالمخاطر الكامنة في جهاز الهاتف المحمول.

مكافحة تلك المخاطر

لقد انتهينا من المطلب الأول بتحديد المخاطر الصحية والأمنية وأسبابها، ونحاول هنا مواجهة تلك الأسباب بقصد معالجتها، ولتحقيق تلك الغاية نوجز هنا تلك الأسباب لمواجهة كل منها على حدته:-
أولا: تكمن المخاطر الصحية في انخفاض مستوى الإشعاع، خاصة عدم إمكانية استخدام المحمول الا وهو ملتصق بالدماغ. هذا وإقامة الأبراج في الأماكن الآهلة بالتجمعات البشرية والحيوانية، خاصة على ارتفاعات منخفضة.
ثانيا: تكمن المخاطر الأمنية في احدث الأنظمة الالكترونية وهي نظام ERP و gps فهما مصدر رئيسي لاختراق الأمن القومي خاصة في عالمنا الثالث .
وسنحاول مواجهة تلك المخاطر بنوعين من ردود الأفعال .

موقف العلوم ذات العلاقة

نقصد بهذا الموقف أوجه الإصلاح التي اقرها أهل الفن على مختلف تخصصاتهم بهدف المعالجة العلمية ضمانا لاستمرارية الانتفاع بثمار التقدم التكنولوجي حسبما يلي:

مستوى الإشعاع :
يبدو ان قياس مستوى الإشعاع ونسبة اختراقه لجسم الكائن الحي (إنسان، حيوان) ليس سهلا من الناحية العملية ذلك لوجود بعض الاعتبارات التي تتحكم فيه مثل البيئة والحالة البيولوجية للكائن ومدة التعرض، لهذا وضعت كل قارة مقياسا لدولها وأن لم تفلح في تقنين حد أدنى للامان، بدليل ان المخاطر المترتبة على الإشعاع الصادر من المحمول حدثت مع وجودها.
وأخيرا وعدت شركات التصنيع بإعداد هذا القياس عام /1999 الا انها لم تنفذه، فبدأت هيئة الانترنت والأجهزة الخلوية منذ عام 2000 تطالبها بوضع تلك القياسات وإبلاغها عن طريق شبكة المعلومات الدولية. وأخيرا أعلنت ألمانيا ان فشل القياسات الحالية يرجع إلى قدم الأجهزة المستخدمة، وبأنها ستصنع أجهزة رقمية متطورة وأكثر دقة لهذا الغرض، إلا أنها – هي الأخرى – لم تنجز هذا المشروع حتى اليوم.

التصاق المحمول:
لقد تجاوبت شركات التصنيع لإزالة هذا السبب الا انها لم تفلح كذلك. حيث استحدثت بعض الأجهزة التي تفصل ما بين المحمول ودماغ المستخدم. بدعوى تخفيض كمية الإشعاع فأظهر العمل غير ذلك:-
1-السماعة الخارجية: وهي جزء منفصل عن المحمول توضع في الأذن وتتصل به عن طريق سلك طوله حوالي 5بوصة ، لتحتل محل السماعة الداخلية وادعت تلك الشركات بانها تقلل الإشعاع بنسبة 90% ومن قال 60 % .
لقد اعد بعض العلماء من ذوي الاختصاص البحوث حول هذه السماعة وانتهوا بانها تركز لا تخفف الإشعاع، ومن ثم صرحت جمعية المستهلكين بعدم جدواها والأفضل عدم ترويجها.

درع الوقاية: بعد فشل السماعة الخارجية في استبعاد الإشعاع قامت الشركات بتصنيع هذا الدرع المسمى SAR ليشكل منطقة عازلة بحوالي 6 بوصة، مدعية بانه يقلل الإشعاع بنسبة 50% إلى 60%.
لقد فشل هو الآخر في مواجهة الإشعاع وهذا ما صرحت به نائبة رئيس منظمة الصحة العالمية وتصريح مماثل لهيئة الانترنت والاتصالات الخلوية ومن خلفها إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية بعدم استخدام تلك الدروع لوجود شك في تخفيف هذا الإشعاع .
وأمام فشل تلك الوسائل ما كان لشركات التصنيع سوى التهرب من مواجهة المشكلة، هذا ووقفت عناصر هيئة الدفاع عند حد ترديد التحذيرات تلافياً لتفاقم النتائج ومن ذلك:-
أ- عدم استعمال المحمول الا للضرورة القصوى ولمدة يسيرة.
ب- حظر استعماله على عدد ليس بقليل من الشرائح الاجتماعية كالموظفين الذين تحتاج طبيعة عملهم إلى التركيز العقلي ، والصبية، والمرضى، والمسنين، والحوامل، والسائقين حال القيادة.

ليس لتلك التحذيرات-مع فرض صحتها- من قيمة قانونية الا إذا علم بها الناس علما يقينا لا مفترضا، وهذا يتحقق إذا دونت في عقود شراء تلك الهواتف أو على جسم الهاتف ذاته. ثم نتساءل ما هي الشرائح الباقية في المجتمع البشري بعد استبعاد هؤلاء؟ فقط الشباب الذين سيواجهون بمشكلة أخرى في ارتفاع نفقات الواب على ما سنرى.

الأبراج

لم يتحرك من شركات التصنيع لمواجهة هذا السبب سوى ثلاث منها وعدت بنقل وتخفيف إعداد تلك الأبراج.
من الثابت ان للأبراج والقرون مقاييس ومواصفات دولية من حيث التركيب والارتفاع والمسافة من سطح المكان الإقامة عليه، بينما الشركات المصنعة خالفت تلك المقاييس خاصة الإفراط في إعدادها – وتدنى ارتفاعها- وربما لذلك اتخذت سلطات البلديات و السلطات المحلية في العديد من الدول تدابير إدارية بإزالة أو تقليص هذه الأبراج كرد فعل على حالات الوفاة الجماعية للإنسان والحيوان على ما سنرى.

نظام GPS , ERP

تلك مسألة سياسية تأخذ شكل الجبرية لا حيلة لنا على مواجهتها حالياً ولكن يبدو ان الخبراء والفنيين في الدول الغربية فطنوا إلى الكارثة التي ستصيب الأمن القومي في مقتل، فانتهزوا انعقاد مؤتمر Net media عام 2000 ليضعوا التوصيات الرامية إلى توقف ترويج برنامج WAP بأنظمته بدعوى ان الشكوك بدأت تحوم حول إمكانية نجاحه، هكذا دون تصريح. ومن ناحية أخرى بدأت الشركات المصنعة للمحمول تئن من التكاليف الباهظة لهذا البرنامج وحتى لا تحملها على عاتق شريحة الشباب فيتسربون لانعدام دخولهم، لهذا بدأت تطالب بالاندماج في شبكة واحدة درءا لتلك التكاليف، فهل لنا أن نتفاءل بتلك الإرهاصات ونقرر بان نجم WAp أصبح اليوم آيلا للسقوط؟

موقف القوانين ذات العلاقة

رغم إعلان نتائج البحوث العلمية لهيئة الاتهام على الكافة والتي أكدت مدى المخاطر التي تحيق بكل كائن حي من جراء هذا المحمول وأبراجه، ورغم ان القانون يمنح رجال الإدارة سلطة اتخاذ قرارات وقائية لمواجهة مثل تلك الظروف كصورة من صور الحيطة والحذر، ورغم ان تلك المخاطر قد حدثت بالفعل في العديد من الدول لتدمر الإنسان والحيوان، لم تتخذ الإدارة أي رد فعل اجتماعي الا ما ندر.

القانون الادارى

لقد اتخذت بعض الدول تدابير إدارية كرد فعل لمواجهة تلك المخاطر وان جاءت تلك الردود متأخرة وقاصرة، حيث لم تتخذ الا بعد وقوع الأحداث والنوازل وفي مواجهة مصدر واحد من مصادر الخطر(الأبراج) ومن ذلك:-
ألمانيا: بعد نفوق قطعان عديدة من الماشية في بافاريا، وبرن. وجنون بعض قطعان البقر وانخفاض ناتج الألبان من بعضها الآخر، قامت المحليات بإزالة الأبراج القريبة من التجمعات الحيوانية وكذلك القريبة من المدارس والمستشفيات والمساكن والمكاتب الحكومية وذلك عام /1996 وحتى تلزم شركات التصنيع بإعادة التخطيط.
ايرلندا : بعد انتشار حالات الوفاة الجماعية في بلفاست بين أصحاب المساكن المجاورة للأبراج عام 1999 ، قررت المجالس البلدية إزاحتها.
استراليا: بعد ان ساد الرعب والفزع لدى السكان المجاورين لثلاثة أبراج شمال سدني بسبب انتشار الأورام السرطانية قامت الوحدات المحلية بإزالة تلك الأبراج.
اسبانيا: بعد ان مات عدد ليس بقليل من تلاميذ مدرسة ابتدائية على سطحها برج تابع لأحدى تلك الشركات عام 2002، لجأ أولياء الضحايا إلى القضاء الإداري الذي حكم بإزالة هذا البرج فما كان لرجال المحليات الا إزالة الأبراج المجاورة للتجمعات.
وبعد ذلك قامت بعض المحليات بإزاحة تلك الأبراج تحوطا لما قد يسفر عنها من مخاطر، وذلك في انجلترا وسويسرا والسويد.
وما كان الا أن تقوم بعض الحكومات بوقف تجديد الرخص لشركات تصنيع المحمول من أول يناير 2002 إلى ان تعيد تخطيط تلك الأبراج كروسيا ورومانيا.
القانون الجنائي
بوجه عام نتعرض هنا إلى موقف القانون الجنائي والقانون المدني من تلك المخاطر، ومما يذكر في هذا المجال:-
ان شركات التصنيع هي أشخاص معنوية أحدثت تلك المخاطر بوسائلها الخاصة، وعن موظفي منافذ البيع فهم تابعين لها وتحت إشرافها ويعملون باسمها ولحسابها.

وعن اتصال القضاء بالدعوى فتكون في الشق الجنائي من النائب العام بوصفها مخاطر اجتماعية فهو الممثل القانوني لهذا المجتمع. وفي الشق المدني عن طريق المدعي الشخصي سواء كان هو المضرور أو ورثته بعد وفاته.
القانون الجنائي يعتد بالخطوات القانونية التي تسبق استخدام المحمول لعلاقته بالصحة العامة شأنه شأن أي جهاز طبي آخر كإجراء التجارب وبراءة الاختراع، بينما لا يعتد القانون المدني بمثل ذلك.
وعن أساس مسئولية شركات التصنيع جنائيا فهي قائمة على ما يلي:-
لم تلتزم بقواعد الحد الأدنى للحيطة والحذر عندما روجت الهاتف المحمول دون إتباع الخطوات الآتية:- إجراء بحوث ميدانية أو عملية على حيوانات التجارب مع نشر نتائجها في دوريات علمية متخصصة حتى يثار النقاش حول جدوى هذا الاختراع وعلاقته بالصحة العامة.

لقد حصلت على وثيقة براءة الاختراع من السلطات المختصة بطرق غير مشروعة. وبالفعل لمح البعض بوجود علاقة بين هذه الوثيقة والرشوة فضلا عن التزوير عندما قدمت شهادة بعدم وجود مخاطر صحية من استخدامه عكس الحقيقة. لهذا تسحب عن هذه الوثيقة طابع الشرعية لتقف تلك الشركات عارية من الحصانة أمام القانون الجنائي بصفتها أشخاص معنوية.
ومن ثم تسأل عن النتائج الإجرامية التي ترتبت على استخدام هذا المحمول كلها مرة واحدة بحسب أخطرها وهي الوفاة فجرائم تلك الشركات – من ناحية الركن المادي – هي جرائم متتابعة وحتى لا تعاقب على الجريمة مرتين،وجرائمها–من ناحية الركن المعنوي- عمدية مع تجاوز القصد حتى تخفف عقوبتها. وعن القصد فهو ثابت حسبما يلي:-
ان تلك الشركات كانت تعلم قبل ترويج هذا الجهاز بأنه ضار بالصحة العامة وان وصفت هذا الضرر باليسير.
وعندما أرسلت الحكومة الانجليزية لها منشورا لتنذر كل مشتر بهذه المخاطر أخفته 75% من تلك الشركات.
الجزاء الذي يتناسب مع طبيعة الشخص المعنوي من جانب ، وحاجة المجتمع إلى جني ثمار التطور التكنولوجي من جانب آخر هو:-

الغرامة النسبية من الأرباح التي جنتها تلك الشركات.
وقف نشاط تلك الشركات لمدة محدودة لإزالة مسببات المخاطر الصحية التي أوضحناها سلفا.
مصادرة احدث الأنظمة لبرنامج WAP خاصة ERP, gps – وذلك لحماية الحقوق الخاصة للمواطنين وعدم اختراق الدول الكبرى المصنعة لأمن واستقرار الدول النامية في عالمنا الثالث.
فإذا لم تزال تلك الأسباب فالحكم بالتصفية النهائية، مع مصادرة كافة الأجهزة وما يتبعها من قرون وأبراج.

القانون المدني
ان المسئولية المدنية قائمة في كل الحالات وذلك وفقا للنظرية الموضوعية التي تختلف عن قرينتها الجنائية من حيث السبب المنشئ والهدف، فقوامها الضرر (دون أي شرط آخر) سواء كان الضرر يسيرا أو جسيما، ماديا أو أدبيا، سواء كان فاعله آدمياً أو معنويا، متعمدا، أو مخطئا، مميزا أو غير مميز فالهدف تعويض هذا الضرر.

الدفوع:
هل يقبل من شركات التصنيع الدفع بانعدام المسئولية تأسيسا على ان مشتري الهاتف المحمول وقد حضر إلى منافذ البيع بإرادته، وكذلك أصحاب العقارات التي شيدت عليها الأبراج وقد تعاقدوا على ذلك بإرادتهم ؟
من الناحية الجنائية: غير مقبول كقاعدة، الا إذا كان الضرر على الأموال كنفوق الحيوانات أو كان يسيرا على الأشخاص. وهذا يرجع إلى ان جرائم الإيذاء ذات طبيعة اجتماعية فالمجتمع هو المجني عليه فيها،والرضاء هنا صادرا ممن لا صفة له فيه.
من الناحية المدنية: كذلك غير مقبول كقاعدة، لان سبب الضرر لم يكن- في بداية الأمر- معروفا حتى للخاصة على ما مر، ومن ثم يأخذ حكم العيوب الخفية التي لا يضمنها المشتري بل البائع، الا في حالة انقضاء ستـة أشهر من تاريخ استلام المحمول، أو كان الضمان بالعقد أطول من ذلك. ومن ثم لاتلومن الشركات الا نفسها.