بحث ودراسة قانونية مميزة حول رابطة الجنسية و التطور التشريعى لقوانين الجنسية

د * وليد رمضان عبد التواب

في هذا الفصل سوف نقوم بالتمهيد لدراستنا بصدد موضوع الجنسية ، من حيث توضيح المقصود بمدلول الجنسية من جانب ، ومن الجانب الآخر ببيان التطور التاريخي لتشريعات الجنسية ، قانعين بأن خوض غمار هذين الموضوعيين من شأنه أن يمهد السبيل أمام الإلمام بكافة جوانب موضوع
بحثنا بشأن الجنسية .
وبناء على ذلك فإن هذا الفصل يتكون من مبحثين على النحو الآتي:
المبحث الأول : المقصود بالجنسية .
المبحث الثاني : التطور التاريخي لتشريعات الجنسية .

المبحث الأول المقصود بالجنسية

لتحديد المقصود بالجنسية ينبغي لنا تعريفها في اللغة أولا ثم نعقب ذلك بإيضاح مضمونها القانوني ، وذلك على النحو الآتي :

أولا:- الجنسية في اللغة :

تشتق كلمة جنسية في اللغة العربية من كلمة (جنس) ، والتعريف في اللغة العربية وفي اللغات الأوربية يرتبط بفكرتي (الجنس) و(الأمة). ( )
وجاء بالمعجم الوجيز ما نصه :
جانسه : شاكله ، وجانس الأشياء : شاكل بين أفرادها ونسبها إلى أجناسها.
وتجانس الشيئان : اتحدا في الجنس .
وتجنس فلان : اكتسب الجنسية .
والجنسية : الصفة التي تلحق بالشخص من جهة انتسابه لشعب أو أمة ، وفى القانون : علاقة قانونية تربط فردا معينا بدولة معينة ، وقد تكون أصلية أو مكتسبة .

ثانيا:- تعريف الجنسية قانونا :-

تعرض الفقه والقضاء لتعريف الجنسية ، ولا تختلف هذه التعريفات عن بعضها البعض في مضمونها وإن اختلفت في صياغتها على نحو ما سنري .
ولتحديد المقصود بالجنسية قانونا ينبغي التعرض لتعريفات كلا من الفقه والقضاء ثم نعقب ذلك بتعريف الجنسية من وجهة نظر التشريع ، وذلك على

البيان التالي :-

1- المقصود بالجنسية فقها :-
تعريفات الفقه للجنسية عديدة ، فيرى البعض أن الجنسية هي ” صلة قانونية وسياسية واجتماعية تربط الدولة بأفراد شعبها “.( )
ويذهب البعض الآخر إلى أن الجنسية هي ” فكرة قانونية وسياسية ينتمي الفرد بمقتضاها إلى دولة معينة بحيث يعتبر جزءا من شعبها يتمتع بالحقوق المترتبة على تمتعه بجنسيتها ويلتزم بالالتزامات التي تترتب على حملة الصفة الوطنية ” . ( )
ومن جانبنا نرى أن الجنسية هي” رابطة قانونية بين الفرد والدولة بمقتضاها يكون للفرد الحق في التمتع بالحقوق التي تسبغها الدولة على رعاياها والتحمل بالالتزامات المفروضة عليهم ، وإن جاز القول فإن الجنسية في الغالب هي رابطة تسمو بكثير عن الروابط القانونية ، فلا يكفى من وجهة نظرنا أن يكون ارتباط الإنسان بوطنه مستندا إلى القانون وحده .

2- المقصود بالجنسية قضاءا :-

وردت العديد من التعريفات للجنسية في أحكام المحاكم العليا ونورد بعضا منها فيما يلي :-

أ- تعريف المحكمة الإدارية العليا للجنسية :-

عرفت المحكمة الإدارية العليا الجنسية في العديد من أحكامها ، حيث ذهبت إلى أن ” ومن حيث إن الجنسية المصرية – وفقا لصريح أحكام المادة (6) من الدستور – التي تضفى على من يتمتع بها وصف المواطن المصري ، أمر يختص به القانون وحده الذي ناط به الدستور أمر تنظيمها، وهى صفة غالية وشرف لا يدانيه شرف، يترتب عليها تمتع الشخص بحقوق المواطنة والمشاركة في إدارة الشئون العامة للوطن وللشعب التي تستلزم الولاء العميق والتام لهذا الوطن، بحسبان الجنسية، على نحو ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة، هي رابطة سياسية وقانونية تربط بين الفرد والدولة يتعهد بمقتضاها الفرد بالولاء وتتعهد الدولة بالحماية. والجنسية بهذه المثابة هي التي يتحدد على أساسها الركن الأصيل لقيام الدولة، إذ بها يتحدد الشعب، وشعب مصر هو الذي يقوم عليه وبه كيان دولة مصر “.
” الطعن رقم 7068 لسنة45 ق
جلسة 24/2/2001 ”
” الطعنان رقما 1946 ، 1947 لسنة 47 ق
جلسة 10/12/2000″

كما عرفت المحكمة الإدارية العليا الجنسية أيضا بأن ” الجنسية تعنى فقها وقضاء، رابطة تقوم بين فرد ودولة بحيث يدين الفرد بولائه للدولة التي ينتمي إليها بجنسيته، وفى المقابل يكون ، بل يتعين ، على تلك الدولة أن تحميه بإسباغ الحماية عليه إذا ما تعرض في دولة أخرى لأي مساس أو تعد. فإذا كان ذلك فإن مفاد ما تقدم ومؤداه الحتمي والمنطقي أن يكون الشخص الذي ينتمي إلى دولتين بحكم تمتعه بجنسيتين متعدد الولاء بتعدد الجنسية ………………… الجنسية هي في تعريفها الأصولي رابطة ولاء وواجب حماية للدولة المنتمى إليها الشخص بجنسيته ”
الطعن رقم 1960 لسنة 47 ق
جلسة 6/11/2000
الطعنان رقما 5329 ، 5344 لسنة 47 ق
جلسة 27/8/2001″
“الطعن رقم 1960 لسنة47 ق
جلسة 6/11/2000
س47ق- ص126”

وذهبت أيضا إلى أن ” الجنسية تعنى فقها وقضاءا رابطة سياسية وقانونية تربط بين الفرد والدولة يتعهد بمقتضاها الفرد بالولاء وتتعهد الدولة بالحماية ، والجنسية بهذه المثابة هي التي يتحدد على أساسها الركن الأصيل لقيام الدولة ” .
” الطعن رقم 2125لسنة 47 ق – جلسة 7/4/2001
س47- ص15″

وفى سبيلها إلى تعريف الجنسية المصرية على وجه الخصوص ذهبت المحكمة الإدارية العليا إلى أن ” الجنسية المصرية مركز قانوني يستمده الشخص من أحكام الدستور والقانون ويتصل بسيادة الدولة والنظام العام الدستوري ويرتبط بكيانها وتحديد من هم مواطنوها مثلما يحدد الدستور إقليمها ونظام الحكم فيها ويتعين في جميع الأحوال توافر الشروط والوقائع القانونية التي تطلبها الدستور وأحكام قانون الجنسية الواجبة التطبيق فيمن يعتبر مصريا طبقا لهذه الأحكام دون أن يكون لأحد أو لسلطة ما أي تقدير في إسباغ وصف المصري على شخص أو حرمانه من هذا الشرف على خلاف حكم القانون وما حتمه في هذا الشأن ، وفى ضوء هذه الأصول والمبادىء القانونية صاغت القوانين المتتابعة في شأن الجنسية المصرية أحكامها ” .
” الطعن رقم 1011 لسنة 45 ق – جلسة 23/6/2001″
” الطعن رقم 5174 لسنة 43 ق – جلسة 27/1/2001″
” الطعن رقم 2444 لسنة 44 ق – جلسة 20/1/2001″
” الطعن رقم 160 لسنة 44ق – جلسة 10/12/2000″
وفى ذات الخصوص ، ذهبت المحكمة الإدارية العليا على أن ” الجنسية المصرية مركز قانوني ينشأ مباشرة من أحكام الدستور والقانون ويتحقق في المصري الأصيل بواقعة ميلاده لأب مصري ، أو من خلال إقامة أصوله أو إقامته وفقا للشروط والمدد التي تحددها القوانين المتعاقبة للجنسية والتي حددت طوائف المصريين الأصلاء والاشتراطات الواجب توافرها في كل طائفة من الطوائف ”
“الطعن رقم 470 لسنة 44 ق – جلسة 31/3/2001”
“الطعن رقم 6854 لسنة 43 ق- جلسة 13/1/2001”

ب- تعريف المحكمة الدستورية العليا للجنسية :-

كما ذهبت المحكمة الدستورية العليا في سبيل تعريفها للجنسية إلى أن ” الجنسية هي رابطة أصلية بين الدولة والفرد يحكم القانون نشأتها ويحدد آثارها ، وإذ تقوم في الأصل على فكرة الولاء للدولة فتتميز عن غيرها من الروابط القانونية بطابعها السياسي ، وتنشئها الدولة بإرادتها المنفردة ، فتحدد بتشريعاتها الوطنية الأسس والمعايير التي يتعين تطبيقها لتحديد من يعتبر متمتعاً بها أو خارجاً عن دائرة مواطنيها ” .
” حكمها في الطعن رقم 8 لسنة 8 ق ” دستورية”
جلسة 7/3/1992″

ج – تعريف محكمة النقض للجنسية :-

أما عن محكمة النقض فقد ذهبت في سبيل تعريفها للجنسية إلى أن ” الجنسية من المعاني المفردة البسيطة التي لا تحتمل التخليط ولا التراكيب والقانون الدولي لا يعرف شيئا اسمه جنسية عثمانية مصرية ولا عثمانية عراقية أو حجازية أو سورية . ذلك أن الجنسية فرع من السيادة ولازمة
من لوازمها وللسيادة وحدانية يهدمها الإشراك والتخليط ” ( )

المبحث الثاني التطور التاريخي لتشريعات الجنسية

مرت تشريعات الجنسية المصرية بالعديد من التطورات وفقا للظروف السياسية والاجتماعية بل والاقتصادية التي مرت بها مصر منذ تبعيتها للدولة العثمانية حتى الآن ، ومن وجهة نظرنا فلا يمكن استيعاب أحكام وقواعد الجنسية المصرية بدون الإلمام بهذه التطورات والتي كثيرا ما ساهمت في وضع هذه القواعد والأحكام ، وفيما يلي سوف التطورات التاريخية لتشريعات الجنسية المصرية .
والحقيقة أن الجنسية المصرية من حيث تطورها التشريعي مرت بأطوار ثلاثة على البيان التالي :-

الطور الأول ( تشريع سنة 1869) :-

وهذا التشريع ليس تشريعا مصريا ولكنه قانون الدولة العثمانية ، وقد صدر بتاريخ 29 من يناير سنة 1869 وخضعت له مصر بحسبانها إحدى ولايات الإمبراطورية العثمانية آنذاك ، كما كان هذا القانون هو أول تشريع ينظم الجنسية في الدولة العثمانية ، وعلى الرغم من خضوع مصر لهذا القانون باعتبارها إحدى الولايات العثمانية كما سبق الإشارة إلا أنها كانت تتميز بشخصية سياسية واجتماعية خاصة أدت إلى نتيجة مفادها عدم اندماج الرعايا المصريين مع باقي الرعايا العثمانيين في شتى أنحاء المعمورة ، فقد ظل المصري يحمل صفة الرعوية المصرية أو رعوية الحكومة المحلية في مصر .

الطور الثاني ( مرسوم 26 مايو سنة 1926) :-

نتيجة للضعف الذي اعترى أوصال الإمبراطورية العثمانية فقد أصبحت أقاليم هذه الإمبراطورية نصب أعين الدول الأوربية الحديثة مثل انجلترا وفرنسا وايطاليا وغيرها .
فسقطت أغلب الولايات العثمانية فريسة للاحتلال الأوربي ، حيث احتلت بريطانيا مصر عام 1882 ، واستولت إيطاليا على ليبيا في سنة 1912 …الخ.
وباندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918 ) وبحكم تبعية مصر الفعلية لبريطانيا ، دخلت مصر الحرب ضد الدولة العثمانية ( تركيا) في 5 من نوفمبر سنة 1914 ، الأمر الذي أدى وبحق إلى انفصام الرابطة بين مصر والدولة العثمانية في هذا التاريخ الذي عول عليه المشرع المصري كثيرا بعد ذلك في تحديد الرعايا المصريين الأصلاء في تشريعات الجنسية اللاحقة . وفى تاريخ لاحق لانفصام هذه الرابطة أعلنت بريطانيا حمايتها على مصر في( 18 من ديسمبر سنة 1914).
ومن ثم وبناء على ما سبق وعلى اثر هذا الانفصام عن الدولة العثمانية ظهرت الحاجة إلى وجود تشريع للجنسية المصرية مستقلا عن قانون الجنسية العثماني الذي كان معمولا به في ظل التبعية العثمانية .
وبانتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة تركيا عقدت معاهدة (سيفر) في 10/8/1920 والتي اعتبرت تاريخ انفصال مصر عن الدولة العثمانية هو تاريخ إعلان الحماية عليها من جانب بريطانيا (18/12/1914).

وبصدور تصريح 28 فبراير سنة 1922 أعلنت مصر دولة حرة مستقلة ذات سيادة واعترفت تركيا مع العديد من الدول بهذا الاستقلال في معاهدة (لوزان) المبرمة في 24يولية سنة 1923 .

ولم يصدر قانون للجنسية المصرية إلا عام 1926 ، وتحديدا في 26 مايو سنة 1926 .
إلا أنه للأسف فقد شاب هذا القانون الغموض كما أنه لم ينفذ فعليا من جانب الإدارة المصرية آنذاك على الرغم من أنه قد حدد الوجهة القانونية لقواعد الجنسية المصرية ، وظلت أحكام هذا المرسوم معطلة ، ويرجع السبب في عدم العمل بأحكام هذا القانون إلى انه صدر في فترة تعطيل البرلمان المصري ، ويحضرني في هذه الجزئية حكم للمحكمة الإدارية العليا أوضحت فيه هذا اللبس والغموض الذي اعترى هذا المرسوم بقانون منذ صدوره ، حيث جاء بأحد أحكامها ما نصه ” وإذ لم يرتضى الطاعن هذا الحكم ، فقد طعن عليه بالطعن الماثل ، ناعيا عليه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله ، إذ استند في رفض طلبه بإثبات تمتعه بالجنسية المصرية إلى المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 المشار إليه ، في حين أنه كان يستند في طلبه إلى نص المادة الثالثة من المرسوم بقانون الصادر سنة 1926 ، كما أخذ الطاعن على الحكم إخلاله بحق الدفاع وعدم الرد على المذكرات والمستندات المقدمة تأييدا لدعواه .

ومن حيث أن مقطع النزاع في الطعن الماثل ، يدور حول مدى ثبوت الجنسية المصرية الأصلية لوالد الطاعن استنادا إلى أحكام المادة الثالثة من المرسوم بقانون الصادر في يوم 26 من مايو سنة 1926 والتي تنص على أن ” يعتبر قد دخل الجنسية المصرية منذ تاريخ نشر هذا القانون وبحكمه أيضا الرعايا العثمانيون الذين جعلوا إقامتهم العادية في القطر المصري بعد تاريخ 5 من نوفمبر سنة 1914 وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا القانون ” . وإذا كان نص هذه المادة جليا وواضحا ، فإن مثار الصعوبة في تطبيقه يكمن في أن مرسوم سنة 1926 وأن كان قد حدد من الوجهة القانونية قواعد الجنسية المصرية إلا أن الجهة الإدارية لم تنفذه عملا ، فقد صدر هذا المرسوم بقانون في فترة تعطيل البرلمان والذي حدث على ما عبرت عنه المذكرة التفسيرية للمرسوم رقم 19 لسنة 1929 المرفوعة من وزارة الداخلية إلى مجلس الوزراء ” لما صدر القانون نمرة 2 لسنة 1926 بجعل المراسيم بقوانين الصادرة في المدة من 24 ديسمبر من 1924 لغاية 10 من يونيه لسنة 1926 في حكم الصحيحة فوزعت على لجان مجلس النواب كل فيما يخصه ، القوانين التي صدرت في تلك المدة للنظر فيما إذا كانت تقترح عدم الموافقة على شيء منها أو تعديلها حتى إذا أقرها المجلس على ما رأت سقط القانون في الحالة الأولى أو أرسل إلى مجلس الشيوخ في الحالة الثانية كما يرسل أي قانون آخر ليصدر التعديل باتفاق المجلسين ” .

ومن حيث أن الوجود القانوني للمرسوم بقانون الصادر سنة 1926 على نحو ما تقدم لا خلاف فيه بعد أن صدر القانون نمرة (2) لسنة 1926 بجعل القوانين الصادرة في المدة من 24 ديسمبر سنة 1924 لغاية 10 من يونية سنة 1926 في حكم الصحيحة ، وقد أقرت محكمة النقض في فجر أحكامها بهذا الوجود (حكمها في القضية رقم 6 لسنة 5 القضائية جلسة 16 مايو سنة 1935 ) وسارت على دربها ونسجت على منوالها محكمة القضاء الإداري ، فرسخت في أحكامها هذا الوجود ( حكمها في القضية رقم 1168 لسنة 5 القضائية جلسة 27 من يناير سنة 1953 والقضية رقم 413 لسنة 6 القضائية بجلسة 24 من يناير سنة 1956 ) ، وعلى ذلك استقر أيضا قضاء هذه المحكمة فانحسم الأمر فيه ، خاصة وأن المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية لم ينص على إلغاء المرسوم بقانون الصادر في 1926 بأثر يرتد إلى الماضي ، لا صراحة ولا ضمنا .

ومن حيث انه لما كان ذلك ، وكان من المستقر في قضاء هذه المحكمة أن قوانين الجنسية لا تعنى زوال الجنسية عن الأفراد الذين اكتسبوا مركز المصري وفقا لأحكام أحد هذه القوانين إبان سريانه بل أنهم يظلون متمتعين بهذا المركز ما دام القانون الجديد قد خلا من نص صريح يحرمهم منها ، فمن اعتبر مصريا فإنه يظل مصريا ولا تتأثر جنسيته بصدور قانون لاحق قد يتضمن تعديلا في الشروط اللازمة لشغل مركز المصري ما لم يكن القانون الجديد قد انطوى على نص صريح يقضى بذلك . وإذا كان الأمر كذلك وكان والد الطاعن قد قدم إلى البلاد في عام 1919 استمرت إقامته فيها حتى تاريخ نشر المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 ، فإنه يعتبر قد دخل في الجنسية المصرية بحكم القانون ، ولا أثر بعد ذلك في ثبوت هذه الجنسية الأصلية ، إن المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية قد استلزم لإثبات الجنسية المصرية الأصلية للرعايا العثمانيين الذين قدموا إلى البلاد بعد 5 من نوفمبر سنة 1914 ، التقدم بطلب خلال سنة من تاريخ نشر المرسوم بقانون المشار إليه ، ذلك أن هذا النص الجديد إنما ينطبق على الوقائع والمراكز الخاضعة لسلطانه دون أن يمتد إلى الأفراد الذين اكتسبوا مركز المصري طبقا لأحكام المرسوم بقانون الصادر في سنة 1926 . وإذا كان الأمر كذلك ، وكان والد الطاعن قد ثبتت له الجنسية المصرية الأصلية فإن ابنه ( الطاعن بالطعن الماثل ) الذي ولد في عام 1929 يكون مولودا لأب مصري وتثبت له هو أيضا الجنسية المصرية الأصلية .

ومن حيث أن الحكم المطعون فيه خالف هذا النظر ، فإنه يكون مستوجب الإلغاء مع القضاء مجددا بإثبات الجنسية المصرية الأصلية للطاعن ، ولا محل بعد هذا القضاء للنظر في الطلب الاحتياطي بإلغاء قرار الامتناع ، عن منح الجنسية بطريق التجنس ، بعد إذ تحقق للطاعن صفة ، وشرف المصرية الأصلية ” .
” الطعن رقم 5265 لسنة 42 ق
جلسة 9/6/ 2001 “

كما قضت المحكمة الإدارية العليا أيضا أنه ولئن كان المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية قد سبقه المرسوم بقانون الصادر في 26من مايو سنة 1926 إلا أن هذا الأخير ظل معطلا عملا ، لكون الظروف السياسية التي قارنت صدوره وتلته جعلت من العسير على الإدارة وضعه موضع التنفيذ الفعلي حتى على الرغم من صدور القانون رقم 2 لسنة 1926 الذي قضى باعتبار معظم المراسيم بقوانين الصادرة في غيبة البرلمان ومنها هذا المرسوم بقانون في حكم الصحيحة .

وقد ألغى هذا المرسوم بقانون بالمادة (25) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 الذي يستشف من أعماله التحضيرية أنه هو التشريع الوحيد المنظم للجنسية المصرية . وإذا كان المرسوم بقانون الصادر سنة 1926 قد نص في مادته الثانية على أن ” يعتبر قد دخل الجنسية المصرية منذ 5 من نوفمبر سنة 1914 وبحكم القانون الرعايا العثمانيون الذين كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في ذلك التاريخ وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا القانون ” ، إلا أن لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ عندما صاغت الفقرة الثالثة من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 ـ وهى المقابلة للمادة الثانية المذكورة ـ عدلت فيها بأن حذفت منها عبارة ” يعتبر قد دخل الجنسية المصرية منذ 5 نوفمبر سنة 1914 ” مستبعدة بذلك ارتداد هذه الجنسية إلى ذلك التاريخ ، كما مدت شرط الإقامة إلى 10 مارس سنة 1929 تاريخ نشر هذا القانون .

ومقتضى هذا هو عدم إمكان أفراد هذه الفئة التحدي باكتسابهم الجنسية المصرية منذ 5 نوفمبر سنة 1914 ، إذ مهما يكن من أمر في شأن الخلاف على قيام مرسوم سنة 1926 قانونا أو اعتباره كأن لم يكن أصلا ، فإن من المقرر أن مسائل الجنسية هي من صميم الأمور الداخلة في كيان الدولة ، وأن تنظيمها يتعلق بسيادتها لاتصالها بالنظام العام من جهة ولكونها من عناصر الحالة الشخصية من جهة أخرى ، ومن ثم فأن للمشرع مطلق الحرية بمقتضى القانون العام في تنظيم الجنسية وتقديرها على الوجه الملائم الذي يتفق وصالح الجماعة . ولا محل للاحتجاج بوجود حق مكتسب أو ترتب مركز ذاتي للفرد قبل الدولة في اكتساب جنسيتها على وجه معين متى كان المشرع قد رأى تعديل ذلك بتشريع جديد ، ذلك أن الأخذ بفكرة الحق المكتسب في هذه الحالة يفضى إلى تعطيل شرط امتداد الإقامة التي أوجبت الفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1929 المحافظة عليها حتى 10 من مارس سنة 1929 ، إذ لو صح اكتساب الحق في الجنسية فعلا في سنة 1926 لما أثر على الحق عدم المحافظة على الإقامة بعد ذلك ، ولصار تطلب امتداد هذه الإقامة لغوا وهو ما ينزه الشارع عنه “

” مجموعة المبادىء التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
في خمس سنوات “1965- 1970 ”
مجموعة أبو شادي
مبدأ رقم 159 – ص 142 ،143 “

الطور الثالث ( المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 وما تلاه من تشريعات للجنسية المصرية ) :-

ويتميز هذا الطور بصدور العديد من التشريعات المنظمة للجنسية ، وإن كانت جميعها وليدة ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مرت بها مصر ، ونورد هذه التشريعات فيما يلي :-

1- المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 :-
ويعتبر هذا المرسوم بقانون أول تشريع مصري حقيقي ينظم الجنسية المصرية وذلك على أثر عدم العمل بمرسوم سنة 1926، فقد حل المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 محل مرسوم سنة 1926 .
وقد حدد ت المادة الأولى من هذا المرسوم بقانون المصريين الأصلاء .
وجاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية ما نصه ” يعتبر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 أول تنظيم تشريعي للجنسية المصرية في عصرها الحديث بعد أن استقر رأى القضاء على أن المرسوم بقانون الخاص بالجنسية والصادر سنة 1926 لم يوضع موضع التطبيق ( حكم المحكمة الإدارية العليا بجلسة 30/3/1957 – قضية رقم 1652 لسنة 2 ق).” وكانت أول محاولة تشريعية لتنظيم الجنسية المصرية هي المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو 1926 وقد بقى معطلا غير نافذ للظروف السياسية التي لابسته “. فقد أرسى ذلك التشريع أصول جنسية التأسيس أو التعمير “

2- القانون رقم 160 لسنة 1950 :-
وأهم ما يميز هذا القانون أنه كان يطمح في بسط الجنسية المصرية على الإقليم السوداني باعتبار أن المملكة المصرية تتكون من مصر والسودان ، وفى هذا الخصوص تقول المحكمة الإدارية العليا في احد أحكامها ” الإقامة في السودان – أيا كانت الروابط والصلات الوثيقة التي تربط البلدين – لا تتوافر فيها كل هذه الاعتبارات التي كانت في الواقع من الأمر هي المناط في فرض الجنسية بقوة القانون على أساس الإقامة وحدها بالبلاد المصرية طوال الفترة التي حددها ، فكان يلزم كي تعتبر الإقامة في السودان كالإقامة في مصر قانونا سواء بسواء – من حيث اكتساب الجنسية المصرية فرضا – أن يقرر ذلك نص قانوني صريح ، ولا يغنى عنه العبارة التي وردت في ختام المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 160 لسنة 1950 من أن ” تعبير المملكة المصرية يشمل أيضا الأراضي السودانية دون حاجة لإثبات نص خاص بذلك في القانون ذاته …………..” ، ذلك أنه يتضح بجلاء من تقصى المراحل التشريعية لهذا القانون ، وتتبع المناقشات البرلمانية في شأنه ، أن هذه العبارة إنما كانت للتعبير عما كان يجيش في الصدور وقتذاك ، من أنه لا يقبل التفريق بين المصري والسوداني وعما كان يتمناه الجميع من أن تنبسط الجنسية المصرية على السوداني كأخيه المصري سواء بسواء ، لكن لم يغب عن الأذهان عندئذ أن ثمة من الموانع ما يحول دون جعل تلك الأمنية حقيقة قانونية نافذة ملزمة ، فتحاشى المشرع المصري النص على ذلك في القانون ذاته ، تفاديا ، لما يترتب عليه من إشكالات ، وهذا واضح بوجه خاص من تطور المناقشات بمجلس الشيوخ ، ثم تغيرت الظروف والأوضاع بعد ذلك واستقل السودان ، فكان من الطبيعي ألا يتعرض القانون رقم 391 لسنة 1956 الخاص بالجنسية المصرية لهذا الأمر ، لا في مؤداه ولا في مذكرته الإيضاحية “.
مجموعة المبادىء
التي قررتها المحكمة الإدارية العليا في خمس سنوات
-1965- 1970 – مجموعة أبو شادي-
مبدأ رقم 158 – ص141،142”

3- القانون رقم 391 لسنة 1956 :-
وهذا القانون هو أول تشريع ينظم الجنسية المصرية بعد القضاء على الملكية وإعلان الجمهورية ، وبتغير الظروف السياسية والاجتماعية نتيجة تغير نظام الحكم من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري ، كان من الطبيعي صدور تشريع جديد لتنظيم الجنسية المصرية في ظل المتغيرات الجديدة التي طرأت على المجتمع المصري، وتماشيا مع تلك المتغيرات والظروف الجديدة .

4- القانون رقم 82 لسنة 1958 :-
صدر هذا القانون أيضا وليد ظروف سياسية خاصة كانت تمر بها مصر آنذاك ، وهى الوحدة مع سوريا ، وذلك على أثر تبنى مصر لفكرة القومية العربية ، وللأسف الشديد فقد انفصمت عرى هذه الوحدة سريعا وتحديدا في 28سبتمبر من عام 1961.
فكان الغرض من صدور القانون رقم 82 لسنة 1958 هو تنظيم جنسية الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها المصري والسوري .

5- القانون رقم 26 لسنة 1975 :-
وأخيرا وفى 21 مايو سنة 1957 صدر قانون الجنسية الحالي رقم 26 لسنة 1975 ، والذي سوف نتناوله بالدراسة والبحث في الفصول القادمة ، بمشيئة الله تعالي .
وفى شأن التطور التاريخي لتشريعات الجنسية قضت المحكمة الإدارية العليا بأن ” ومن حيث أن الجنسية المصرية قد بدأ تنظيمها في أول تشريع للجنسية صدر في الدولة العثمانية سنة 1869 ، وخضعت مصر لهذا التشريع بحسبانها ولاية عثمانية إلى أن انفصمت عرى هذه الرابطة وزالت التبعية وأصبح لمصر الحق في إنشاء جنسية خاصة بها فصدر أول مرسوم بقانون للجنسية المصرية في 26/5/1926 ، ثم أصدر المشرع المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بديلا عن القانون الصادر في سنة 1926 ثم صدر القانون رقم 160 لسنة 1950 وظل العمل به حتى صدر القانون رقم 391 لسنة 1956 لمسايرة ظروف المجتمع والتغير الاجتماعي في عهد الجمهورية ، ولما قامت الوحدة بين مصر وسوريا في 22 من فبراير سنة 1958 تم إصدار القانون رقم 82 لسنة 1958 بشأن جنسية الجمهورية العربية المتحدة ، وبعد الانفصال في 28/9/1961 صدر قانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975 وهو التشريع المعمول به حاليا “.
” الطعن رقم 2444 لسنة 44 ق- جلسة 20/1/2001″
” الطعن رقم 5174 لسنة 43 ق- جلسة 27/1/2001″
” الطعن رقم 6854 لسنة 43 ق – جلسة 13/1/2001″
” الطعن رقم 7068 لسنة 45 ق – جلسة 24/2/2001″
” الطعن رقم 160 لسنة 44 ق – جلسة 10/12/2000″
” الطعن رقم 1011 لسنة 45 ق – جلسة 23/6/2001″

كما قضت المحكمة الإدارية العليا أيضا بأن ” أنه ولئن كانت الجنسية المصرية ترتبط في واقع وجودها بالدولة المصرية ذاتها الممتد إلى فجر التاريخ ، إذ لا تنشأ دولة دون شعب ينتمي إليها ويتصف بجنسيتها ، إلا أنها – بوصفها رابطة سياسية وقانونية بين فرد ودولة – ظلت غير محددة المعالم من الوجهة الدولية إلى أن صدرت التشريعات التي تنظمها . وكانت القوانين المختلفة السابقة على ذلك والتي استهدفت بيان صفة الرعوية المحلية لم تعالج الجنسية المصرية مباشرة بتنظيم أسسها ، بل اكتفت ببيان الشروط التي استلزمها تطبيقها لتحقيق الغاية المقصودة منها ، وهى شروط كانت تختلف باختلاف الغرض من هذه القوانين ، وكانت يد المشرع المصري مقيدة بأغلال الامتيازات الأجنبية ، وكانت أول محاولة تشريعية صميمة لتنظيم الجنسية المصرية هو المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926 ، وقد بقى معطلا غير نافذ للظروف السياسية التي لابسته ، ثم صدر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 ……………..الجنسية بوصفها رابطة سياسية وقانونية بين فرد ودولة لم تعرف في مصر بمعناها هذا إلا منذ 19 من يناير سنة 1869 ، تاريخ صدور قانون الجنسية العثمانية ، وقت أن كانت مصر تابعة للدولة العثمانية وكان المصريون يعتبرون عثمانيين من الوجهة الدولية .

ثم كان أن انفصلت مصر عن تركيا بدخولها الحرب ضد هذه الأخيرة في 5 من نوفمبر سنة 1914 وفى 18 من ديسمبر سنة 1914 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر ، فلما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عقدت في 10 من أغسطس سنة 1920 بين تركيا والحلفاء معاهدة سيفر التي اعتبرت تاريخ انفصال مصر عن تركيا هو تاريخ إعلان الحماية البريطانية ، ثم أعلن بعد ذلك أن مصر دولة حرة مستقلة ذات سيادة بتصريح 28من فبراير سنة 1922 ، واعترفت الدول – بما فيها تركيا – بهذا الاستقلال بمعاهدة لوزان المبرمة في 24من يولية سنة 1923 التي أرجعت تاريخ انفصال مصر عن تركيا إلى 5من نوفمبر سنة 1914 بدلا من تاريخ إعلان الحماية وقد كان مقتضى هذا أن يصدر قانون بتنظيم الجنسية المصرية عند انفصال مصر عن الإمبراطورية العثمانية ، بيد أن هذا القانون لم يصدر ، حتى لقد ذهب البعض إلى القول باستمرار سريان أحكام قانون الجنسية العثماني باعتباره قانونا مصريا ، وأخذت بذلك المحاكم المختلطة . فلما صدر الدستور المصري في 19 من ابريل سنة 1923 نص في مادته الثانية على أن الجنسية المصرية يحددها القانون ، ولما كان هذا القانون لم يصدر وقتذاك فقد درج أولو الأمر على وضع ضوابط لتمييز المصريين عن غيرهم في التمتع بالحقوق وتحمل التكاليف غير أنهم لم يلجئوا إلى تقرير ضابط عام تستخلص منه جنسية خاصة بالمصريين ، بل حددوا من هو المصري في كل مناسبة اقتضت ذلك بتشريع ، وذلك بالقدر اللازم لتحقيق أغراض هذا التشريع في المناسبة التي صدر من أجلها .

ومن ثم اختلف معنى لفظ ” مصري ” بحسب مقام استعماله ، وكانت نتيجة هذا أن أطلق على المصري في ذلك العهد اصطلاح ” رعية محلية ” ولم تكن هذه الرعوية المحلية جنسية تلحق الأشخاص في الخارج ، إذ لم يكن يعتد بها من الوجهة الدولية ، بل كانت وصفا يستعمل لترتيب حقوق والتزامات بين المحكومين والحكام داخل البلاد كشغل الوظائف العامة والانتخاب والقرعة العسكرية . ففيما يتعلق بحق التوظف تحدد معنى المصري بالمادة 19 من الأمر العالي الصادر في 4 من ديسمبر سنة 1892 والمادة الأولي من الأمر العالي الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1893 بشأن الشروط اللازمة للتوظيف في المحاكم الأهلية والمادة العاشرة من دكريتو 24 من يونية سنة 1901 بالتصديق على لائحة المستخدمين الملكيين في مصالح الحكومة ، وفيما يختص بحق الانتخاب في الهيئات النيابية تحدد معنى المصري الذي له هذا الحق طبقا لقانون الانتخاب الصادر فى أول مايو سنة 1883 والقانون رقم 30 لسنة 1913 والقانون رقم 11 لسنة 1923 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 1924 بالرجوع في هذا التحديد إلى الأمر العالي الصادر في 29 من يونية سنة 1900 ، وفيما يتعلق بأداء الخدمة العسكرية ، نص قانون القرعة العسكرية الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1902 المعدل بالقانون رقم 3 لسنة 1922 على أنها تفرض على الأشخاص الذين عينهم ، يضاف إلى ذلك ما جاء من نصوص أخرى بالقوانين العامة التي تناولت بيان اختصاص المحاكم الأهلية والمختلطة بالنسبة للأشخاص القاطنين بمصر .

ويبين من مقارنة هذه التشريعات جميعا عدم وحدة نظام الرعوية ، وأن لفظ ” مصري ” الوارد بكل منها لا ينصرف مدلوله إلى الأشخاص ذواتهم في جميع الأحوال ، فمن يعتبر مصريا في نظر قانون القرعة العسكرية لا يعتبر كذلك في نظر قوانين الانتخاب أو قوانين التوظف . وهكذا كان هذا اللفظ غير مستقر المعنى ، إذا كان مدلوله يضيق تارة حتى لا يشمل غير أهالي البلد الأصليين ، ويتسع تارة أخرى حتى يصبح مرادفا للفظ ” عثماني ” . ولما كانت التشريعات المذكورة إنما وضعت لبيان من هم المصريون تبعا للأغراض الخاصة التي استلزمت وضعها ، فإنه لم يكن لها أن تتعرض للمسائل المتصلة بكيفية اكتساب الجنسية وفقدها أو تغييرها وتأثير ذلك في حقوق الأفراد وأحوالهم ، كما لم يكن ليترتب عليها لأحد مركز قانوني في هذه الجنسية ، وبذلك لم توجد ثمة قوانين خاصة بتنظيم الجنسية المصرية ، حتى أن المشرع نص في المادة 93 من قانون الانتخاب رقم 11 لسنة 1923 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 1924 على أنه ” للعمل بهذا القانون وإلى أن يصدر قانون بشأن الجنسية المصرية يعتبر مصريا كل من ورد ذكره في المادتين الأولى والثانية من الأمر العالي الصادر في 29 من يونية سنة 1900 بشأن من يعتبرون من المصريين عند العمل بقانون الانتخاب الصادر سنة 1883 ” . وقد ردد المشرع هذا النص في المرسوم الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1925 بقانون الانتخاب ………………………..ظلت الجنسية المصرية غير محددة المعالم من الوجهة الدولية إلى أن صدر التشريع الذي ينظمها.

ولما كانت القوانين المختلفة السابقة على ذلك والتي استهدفت بيان صفة الرعوية المحلية لم تعالج الجنسية المصرية مباشرة بتنظيم أسسها ، بل أكتفت ببيان الشروط التي استلزمها تطبيقها لتحديد الغاية المقصودة منها ، وهى شروط كانت تختلف باختلاف الغرض من هذه القوانين ، فلا حجة إذا في الاستناد إلى القوانين المذكورة ولا إلى تطبيقها في حق شخص معين للقول بثبوت الجنسية المصرية له نتيجة لذلك ، ومن ثم فإن إلحاق شخص بإحدى وظائف الحكومة المصرية بناء على شهادة عرفية بأنه من رعايا الحكومة لإقامته في القطر المصري موقعة في 10 من أغسطس سنة 1915 من اثنين من الموظفين لا ولاية لهما في تحقيق الجنسية أو إثباتها أو تسليمه جواز سفر من السلطة المصرية في 6 من سبتمبر سنة 1916 باعتباره مولودا في لبنان ومقيما بمصر ومستخدما بالحكومة المصرية ، أو صدور كتاب من نظارة الحربية في 25 من نوفمبر سنة 1915 بأنه لم يعامل حتى ذلك التاريخ بالقرعة وانه لا مانع من استخدامه ، وآخر في 21 من مارس سنة 1916 بإعفائه من الخدمة العسكرية لكونه عين كاتبا تحت الاختبار بمصلحة الأملاك الأميرية – كل أولئك لا يصلح بذاته سندا قانونيا لإضفاء الجنسية المصرية في ذلك الحين على من تهيأت له مثل هذه الظروف ، كما لا يعد اعترافا مقيدا للحكومة في شأن هذه الجنسية ” .
” مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا

في خمس سنوات “1965- 1970”
مجموعة أبو شادي
المبادىء أرقام 152 ، 153 ، 154
صـ135 وما بعدها “

وأخيرا قضت المحكمة الإدارية العليا بأن ” ومن حيث أن الجنسية المصرية مرت بأطوار ثلاثة ، الطور الأول عندما انتظمها القانون العثماني الصادر في 29 يناير سنة 1896 ، إذ ورغم سريان أحكام هذا القانون علي مصر إلا أنها كانت تتمتع بشخصية سياسية واجتماعية أدت إلى عدم اندماج أهلها مع أهالي الأجزاء الأخرى من الدولة العثمانية لذلك نشأت صفة خاصة للمصري تميزه عن بقية العثمانيين ، وهي صفة الرعوية المصرية أو رعوية الحكومة المحلية في مصر ، وحددت هذه الرعوية في عدة قوانين مصرية ، حال دخلت الجنسية المصرية طورها الثاني بصدور المرسوم بقانون الخاص بالجنسية المصرية في 26 من مايو سنة 1926 ، أي بعد مرور مدة علي زوال الرابطة التي كانت قائمة بين مصر والدولة العثمانية ، ذلك الزوال الذي استلزم بالتبعية عدم اعتبار الجنسية العثمانية أساسا ضروريا للرعوية المصرية ، علي أن هذا الأساس بقي قائما في التشريع المصري وكان يلزم توافر الجنسية العثمانية في الشخص لإمكان اعتباره مصريا ، علي أن مرسوم سنة 1926 وإن كان قد حدد من الوجهة القانونية قواعد الجنسية المصرية إلا أنه لم ينفذ عملا ، فبقيت أحكامه معطلة إلي أن صدر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 والذي نصت المادة (1) منه علي أن ” يعتبر داخلا في الجنسية المصرية بحكم القانون :

(أولا) – ……………
(ثانيا) – كل من يعتبر في تاريخ نشر هذا القانون مصريا بحسب حكم المادة الأولي من الأمر العالي الصادر في 29 يونيه سنة 1900.
(ثالثا) – من عدا هؤلاء من الرعايا العثمانيين الذين كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في 5 من نوفمبر سنة 1914 وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا القانون .
ومن حيث أن الفقرة الثانية من المادة (1) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 تتناول من يعتبر في تاريخ نشر ذلك المرسوم بقانون ، مصريا بحسب حكم المادة الأولي من الأمر العالي الصادر 29 من يونيه سنة 1900 التي تنص علي أنه ” عند إجراء العمل بقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 يعتبر حتما من المصريين الأشخاص الآتي بيانهم :
1- المتوطنون في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848 وكانوا محافظين علي إقامتهم فيه
2- الرعايا العثمانيون المولودون في القطر المصري من أبوين مقيمين فيه متي كان هؤلاء الرعايا قد حافظوا علي توطنهم فيه .
3- الرعايا العثمانيون المولودون والمقيمون في القطر المصري الذين يقبلون المعاملة بمقتضي قانون القرعة العسكرية ، سواء بأدائهم الخدمة أو بدفع البدلية .
4- الأطفال المولودون في مصر من أبوين مجهولين .
ويستثني من الأحكام المذكورة الذين يكونون من رعايا الدول الأجنبية أو تحت حمايتها ” . كما تتناول الفقرة الثالثة من المادة ذاتها الرعايا العثمانيين الذين كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في 5 من نوفمبر سنة 1914 وحافظوا علي تلك الإقامة حتى تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 المشار إليه . والظاهر من مقارنة الفقرتين الثانية والثالثة آنفتي الذكر أن الأشخاص المذكورين في الأولي منهما هم عثمانيون في الأصل ولكنهم استوفوا شروطا وأوصافا معينة جعلتهم في نظر الشارع مصريين أصلاء . وقد كان في وسعه أن يقصر الجنسية الأصلية عليهم ، بيد أنه بسط هذه الجنسية علي طائفة أخري من العثمانيين لم يتطلب فيهم سوي ثبوت الإقامة في القطر المصري والمحافظة عليها خلال الفترة التي
حددها “.
” الطعن رقم 3881 لسنة 37 ق
جلسة 24/2/2001 “

– جواز مخالفة القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية في حالة تعارض أحكامه مع اتفاقية دولية :-
أجاز المشرع المصري مخالفة أحكام قانون الجنسية المصرية في حالة تعارضها مع معاهدة أو اتفاقية دولية وقعت عليها مصر ، حيث نصت المادة (26) منه علي أن ” يعمل بأحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالجنسية التي أبرمت بين مصر والدول الأجنبية ، ولو خالفت أحكام هذا القانون ” .
وهذا الحكم ليس مستحدث ، بل ورد في العديد من قوانين الجنسية السابقة ، مقررا قاعدة قانونية مستقرة في القانون الدولي العام .
وجاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية ، في هذا الصدد ما نصه ” أما المادة 26 من فتقرر أولوية أحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالجنسية التي تكون مصر طرفا فيها ولو خالفت أحكام القانون . والمقصود هنا المعاهدات التي تتعرض لأحكام موضوعية كما قررت ذلك الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة ، والحكم مأخوذ من المادة 30 من القانون رقم 82 لسنة 1958 ومن المادة 26 من القانون رقم 391 لسنة 1956 ، والمادة 22 من القانون رقم 160 لسنة 1950″ .
6- القانون رقم 154 لسنة 2004 :-
وقد صدر هذا القانون بتاريخ 14/7/2004 ، وتم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ بذات التاريخ – العدد (28) مكرر (ا) ، وكان الغرض الرئيسي من إصداره هو تعديل بعض أحكام القانون الحالي رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية

تأليف وإعداد
الدكتور / وليد رمضان عبد التواب