دراسة و بحث قانوني حول نفقة المتعة

إعداد الطالبة :
مها مرزوق العنزي

إشراف الدكتورة :
شيماء عطا الله
إهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــداء

إلى والدي العز يز ين
إلى من تعجز الكلمات عن شكرهم ، ويتوقف القلم عند ذكرهم
إلى الشموع التي أضاءت لي دروب الحياة ..
إلى النبع الذي استقي منه كل علم ..
إلى والدي العز يز ين أمد الله في عمركما ومتعكما بالصحة والعافية
أهدي إليكما بحثي هذا كنوع من الحب والتقدير
وجزاكما الله عني خير الجزاء..
إلى أخوتي
أشكركم على صبركم على راحتي وتقديركم لي لكل ما احتاج إليه أبقاكم الله لي .. ومتعكم بالصحة والعافية ..
إلى الدكتورة الغالية شيماء عطا الله :
التي قدمت لي المساعدة والنصح والإرشاد متعها الله بالصحة والعافية

الشكر والتقدير
نحمد الله كثيراً ونشكره على نعمة وتوفيقه لنا في إكمال هذا البحث
ونصلى ونسلم على خاتم النبيين وسيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
وإلى والدي وأخوتي
وإلى دكتوراتي وزميلاتي اللائي أكن لهن كل الاحترام والتقدير
وإلى كل من قدم لي نصيحة في سبيل العلم

الباحثة

خطة البحث
* البسملة
* آية قرآنية
* الإهداء
* الشكر والتقدير
* خطة البحث
* المقدمة
الفصل الأول : نفقة المعتدة
المبحث الأول : تعريف وحكم وأنواع المعتدات
تعريف العدة لغةً وشرعاً
حكم العدة
أنواع المعتدات وحقهن في النفقة والسكنى
حق النفقة والسكنى للمعتدة من طلاق رجعي
حق النفقة والسكنى للمعتدة من طلاق بائن
حق النفقة والسكنى للمعتدة من وفاة
المبحث الثاني : التنازل عن النفقة ونفقات أخرى
تنازل المرأة عن حقها في النفقة والسكنى في العدة
نفقة المعتدة إذا أدعت الحمل
حكم النفقة في حال نفي الزوج حمل زوجته المعتدة
وضع المعتدة ما أدعته من حمل
نفقة الأمة الحامل المعتدة
تطور تشريعي لنفقة المعتدة في القانون المصري
الفصل الثاني: نفقة المتعة
المبحث الأول : تعريف وأدلة ورأي المذاهب في نفقة المتعة
تعريف المتعة لغة واصطلاحاً ومعانيها
تعريف متعة الطلاق والنفقة
النص القانوني لنفقة المتعة
أدلة مشروعية المتعة
نفقة المتعة وأراء المذاهب
المبحث الثاني : شروط وأحكام نفقة المتعة
شروط استحقاق نفقة المتعة
توافر شرط الشهادة على العقد
كيف يدرأ الزوج بنفقة المتعة
حكمة مشروعية المتعة
حكم متعة الطلاق
حكم متعة الطلاق للمطلقات بطلاق يوقعه الزوج بإرادته المنفردة
تقدير نفقة المتعة وسدادها
الحد الأعلى والأدنى للمتعة
الاختصاص بدعوى المتعة
رأي قانون الأحوال الشخصية الأردني
تقدير نفقة المتعة في قانون الأحوال الشخصية الحالي
* الخاتمة
* قائمة المراجع
* الفهرس

المقدمة

جمع نفقة : وهي كفاية من يمونة خبزاً وإداماً وكسوة ومسكنة وتوابعها . ( يلزم الزوج نفقة زوجته قوتاً ) أي خبزاً وإداماً ( وكسوة وسكناها بما يصلح لمثلها ) لقوله صلى الله عليه وسلم : (( ولهن عليكم رزقهم وكسوتهم بالمعروف )) رواه مسلم وأبوا داوود . ( ويعتبر الحاكم ) تقدير ( ذلك بحالهما ) أي بيسارهما أو إعسارهما أو بيسار أحدهما وإعسار الآخر ( عند التنازع ) بينهما .
بالنسبة للعدة هي المدة التي تنتظر فيها المرأة، وتمتنع عن التزويج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها، مأخوذة من العد والإحصاء، أي ما تعده المرأة وتحصيه من الأيام، بعد الطلاق أو الوفاة ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا))
إما بالنسبة لنفقة المتعة هي نفقة ما بعد الطلاق والرأي الراجح والمعمول به أوجب الشرع للمطلقة بعد الدخول بها حق المتعة، والأصل في المتعة أنها مستحبة، وهي هبة وتعويض من الزوج للزوجة عند طلاقها وقد تراخت المروءة في هذا الزمن، وانعدمت لاسيما بين الأزواج، إذا انقطع حبل المودة بينهما، وأصبحت المطلقة في حاجة إلي معونة، أكثر من نفقة العدة، تعينها من الناحية المادية، علي نتائج الطلاق، وفي المتعة ما يحقق المعونة، وفي الوقت نفسه، تمنع الكثيرين من التسرع في الطلاق والأصل في تشريع المتعة قوله تعالي: (( ومتعوهن علي الموسع قدره وعلي المقتر قدره )) البقرة 236 وكان إيجاب المتعة هو مذهب الشافعي حيث أوجبها للمطلقة بعد الدخول، إذا لم تكن الفرقة منها أو بسببها

الفصل الأول :نفقة المعتدة

المبحث الأول : تعريف وحكم وأنواع المعتدات

المبحث الثاني : التنازل عن النفقة ونفقات أخرى

المبحث الأول : تعريف وحكم وأنواع المعتدات

تنهي العلاقة بين الزوجين بموت أحدهما، وكذلك بالطلاق البائن، وتبقى في حالة الطلاق الرجعي، ونظراً لكون العلاقة الزوجية خلال وجودها تترتب عليها أمور لها تأثير حتى بعد الفراق، كاحتمال وجود الحمل، أو إظهار حزن الزوجة بسبب موت زوجها بالحداد، فإنه يتعين على المرأة أن تعتد، بحيث لا تفارق مسكنها، ولا يحل لها أن تتزين بما يدعو إلى نكاحها، ولا أن تتزوج أو ترتكب دواعي الزواج حتى تنقضي عدتها. وحيث أن بقاءها في العدة حجز لها ولمنافعها لمصلحة نفسها، ولمصلحة الزوج الذي فارقها، وكذلك للجنين المحتمل وجوده في بطنها، فهل تستحق المعتدة النفقة والسكنى خلال فترة العدة، نظير ذلك الحجز ؟ أم أن حجزها منافعها قد قوبل بما حصلت عليه من مصالح خلال فترة بقاء النكاح، فلا تستحق شيئاً بعد انتهائه لعدم وجود تلك العلاقة، وإذا كانت تستحق النفقة والسكنى ففي أي صورة من صور المفارقة تستحق ذلك ؟ .
تعريف العدة :
العدة لغة : الإحصاء يقال عددت الشئ أي : أحصيته واعتددت بالشئ أي : أدخلته في العد والحساب فهو (معتد ) به محسوب غير ساقط وعدة المرأة قيل أيام أقرائها مأخوذة من العد والحساب وقيل تربصها المدة الواجبة عليها .
العدة شرعاً : العدة : تربص أي انتظار ووقف يلزم المرأة مدة معلومة فالمعتدة هي التي تتربص مدة العدة، يلزمها مسكنها وامتناعها عما يحرم عليها من زينة ونكاح ودواعيه( ) .

حكم العدة :

العدة واجبة على الزوجة عند فراق زوجها، سواء كان الفراق بموت، أو طلاق ونحوه ووجوب العدة ثابت بالكتاب والسنة والإجماع :
من الكتاب : فهنالك آيات نصت على وجوب العدة للمطلقة ذات القرء واليائسة التي لا تحيض والتي لم تحض بعد والحامل والمتوفي عنها زوجها .
فأما المطلقة ذات القرء فقد دل على وجوب العدة عليها قول الحق تبارك وتعالى: ((وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ))( )
وأما اليائسة التي أنقطع حيضها والتي لم يأتيها الحيض وذات الحمل فإن وجوب العدة عليهن ثابت بقوله تعالى : ((وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ))( )
وأما المتوفي عنها زوجها فبقوله تعالى ((وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ))( ) .
وأما السنة : فقد وردت أحاديث كثيرة نصت على وجوب العدة من وفاة وطلاق ونحوها منها :
ما رواه البخاري عن نافع أن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما طلق امرأة له وهي حائض تطليقة واحدة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر من حيضها فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء وكان عبد الله إذا سئل عن ذلك قال لأحدهم إن كنت طلقتها ثلاثاً فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجاً غيرك وزاد فيه غيره عن الليث حدثني نافع قال أبن عمر لو طلقت مرة أو مرتين فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا .

وما رواه البخاري عن زينب بنت أبي سلمة قالت : لما جاء نعي أبي سفيان من الشام دعت أم حبيبة رضي الله عنها بصفرة في اليوم الثالث فمسحت عارضيها وذراعيها وقالت إني كنت عن هذا لغنية لولا أني سمعت النبي () يقول : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا )) والحديث متفق عليه .
وأما الإجماع : ( فقد اجتمعت الأمة على وجوب العدة في الجملة )
ويقول أبن حزم رحمه الله : ( اتفقوا أن من طلق امرأته التي نكحها نكاحاً صحيحاً طلاقاً صحيحاً وقد وطئها في ذلك النكاح في فرجها مرة فما فوق أن العدة لها لازمة وسواء كانت الطلقة أولى أو ثانية أو ثالثة ) .
وقال : ( واتفقوا أن العدة واجبة من موت الزوج الصحيح العقل وسواء كان وطئها أو لم يكن وطئ وسواء كان قد دخل بها أو لم يدخل بها ) .

أنواع المعتدات وحقهن في النفقة والسكنى :

تختلف المعتدة بحسب حالات الفراق الواردة عليها فقد تكون : متوفي عنها زوجها وقد تكون مطلقة والمتوفي عنها زوجها قد تكون حاملاً وقد تكون حائلاً، كما أن المطلقة قد تكون بائناً وقد تكون رجعية والرجعية أو البائن قد تكون حاملاً وقد تكون حائلاً .
ولكل من المعتدات المذكورات أحكاماً خاصة بها، مذكورة في مظانها من كتب الفقه، وإنما القصد هنا معرفة من تستحق منهن النفقة والسكنى( )

حق النفقة والسكنى للمعتدة من طلاق رجعي :

اتفق الفقهاء على أن للمعتدة من طلاق رجعي حاملاً كانت أو حائلاً النفقة والسكنى وذلك لقوله تعالى : ((أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ))( ) . ولأن الرجعية زوجة، فيجري عليها أحكام الزوجات وتستحق ما تستحقه الزوجات حتى تنقضي عدتها لقول الحق تبارك وتعالى : ((وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ))( ) .
ولما رواه أحمد عن عامر من حديث فاطمة بنت قيس أن النبي () قال : (انظري يا ابنة آل قيس إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت لها عليها رجعة فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى ) .
وللإجماع على ذلك فقد قال ابن المنذر رحمه الله : ( وأجمعوا على أن للمطلقة التي يملك زوجها الرجعة : السكنى والنفقة ) .
قال الشافعي :
ولو كان يملك الرجعة فلم تقر بثلاث حيض أو كان حيضها مختلفاً فيطول ويقصر لم أجعل لها إلا الأقصر لأنه اليقين وأطرح الشك .
قال المزني : إذا حكم بأن العدة قائمة فكذلك النفقة في القياس .
أما الطلاق الرجعي فالنفقة في العدة فيه واجبة حاملاً كانت أو غير حامل لأن أحكام الزوجات عليها جارية فاستمتاعه بها ممكن إذا أراد .

وإن أنفق عليها وادعت حملاً ظهرت إماراته وجب لها النفقة مدة حملها وبتعجيلها يوماً بيوم قولاً واحداً لأنها تستحق النفقة في العدة مع وجود الحمل وعدمه فتعجلت لوقته ولم يوقف على الوضع بالنسبة لها .
* أن ينفش حملها ويظهر أنه كان ريحاً وغلطاً فتنقضي عدتها بثلاثة أقراء تستحق فيها نفقتها وترد ما زاد على ذلك ويرجع إلى قولها في مقدار الأقراء الثلاثة ولا يخلو حالها فيما نذكره من مدة أقرائها( ) .

حق النفقة والسكنى للمعتدة من طلاق بائن :

المطلقة من طلاق بائن إما أن تكون حاملاً أو حائلاً :
فأما المطلقة البائن الحامل فقد أتفق الفقهاء على وجوب النفقة والسكنى لها وإن كانوا قد اختلفوا وإن كانوا قد اختلفوا فيمن تفرض له النفقة السكنى للحمل أم للحامل واتفاقهم على وجوب النفقة والسكنى للبائن الحالم لأدلة منها :
قوله تعالى ((وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ))( ) .
وللإجماع على ذلك فقد قال ابن المنذر رحمه الله : ( وأجمعوا على أن عليه نفقة المطلقة ثلاثاً أو المطلقة للزوج عليها الرجعة وهي حامل ) .
وأما المطلقة البائن الحامل فقد أختلف الفقهاء في وجوب النفقة لها إلى ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن المطلقة البائن لها النفقة والسكنى وإن لم تكن حاملاً وهو قول الحنفية وقد استدلوا لذلك بأدلة منها :
قوله تعالى : (( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ))( ) .
قال الجصاص رحمه الله : في الآية المذكورة ( وجب ذلك للجميع من البائن والرجعي وقال : وقد نصت هذه الآية وجوب نفقة المبتوتة من ثلاثة أوجه : أحدهما :
أن السكنى لما كانت حقاً في مال وقد أوجبها الله لها بنص الكتاب إذا كانت الآية قد تناولت المبتوتة والرجعية فقد أقتضى ذلك وجوب النفقة إذ كانت السكنى حقاً في مال وهي بعض النفقة .
والثاني قوله : ((وَلَا تُضَارُّوهُنَّ)) والمضارة تقع في النفقة كهي في السكنى
والثالث : قوله : (( لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)) والتضييق قد يكون في النفقة أيضاً فعليه أن ينفق عليها ولا يضيق عليها فيها ولأنها محبوسة لحقه فاستحقت النفقة كالزوجة .

القول الثاني : أن لها السكنى دون النفقة وهو قول المالكية والشافعية ورواية أحمد وقد استدلوا لذلك بأدلة منها :
قوله تعالى ((أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)) .
قال القرطبي رحمه الله : ( يعني المطلقات اللاتي من أزواجهن فلا رجعة لهن وعليهن وليست حاملاً فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة وقال : قال ابن العربي : وبسط ذلك وتحقيقه أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر السكنى أطلقها لكل مطلقة فلما ذكر النفقة قيدها بالحمل فدل على أن المطلقة البائن لا نفقة لها ) .
القول الثالث : لا نفقة لها ولا سكنى وهو قول الحنابلة في رواية وقد استدلوا لذلك بأدلة منها :
ما رواه مسلم عن فاطمة بنت قيس أنه طلقها زوجها في عهد النبي () وكان أنفق عليها نفقة دون فلما رأت ذلك قالت : والله لأعلمن رسول الله () فإن كان لي نفقة أخذت الذي يصلحني وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ منه شيئاً . قالت : فذكرت ذلك لرسول الله () فقال ( لا نفقة لك ولا سكنى ) . وفي لفظ أخر عنها قالت : طلقني زوجي ثلاثاً فلم يجعل لي رسول الله () سكنى ولا نفقة .

وفي لفظ أخر عن الشعبي قال : دخلت على فاطمة بنت قيس فسألتها عن قضاء رسول الله () عليها فقالت : طلقها زوجها البتة، فقالت : فخاصمته إلى رسول الله () في السكنى والنفقة . قالت : فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة وأمرني أن أعتد في بيت ابن أم مكتوم . وفي لفظ عنها عن النبي () في المطلقة ثلاثاً قال : ( ليس لها سكنى ولا نفقة ) . فالحديث بألفاظه المتعددة ينص على أن المعتدة من طلاق بائن لا نفقة لها ولا سكنى ولأن المطلقة البائن ليست زوجة فيجب لها النفقة والسكنى كما أنها ليست حاملاً فيجب لها النفقة للحمل .

ولا يخفى أن حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها نص في الموضوع وواضح الدلالة وصريح في عدم النفقة والسكنى للمطلقة البائن وفيه رد كذلك على من جعل لها السكنى دون النفقة إذ لو كان لها السكنى لما أمرها النبي () أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم .

حق النفقة والسكنى للمعتدة من وفاة :

إن العلاقة الزوجية بين الرجل وزوجته تنتهي بموت الزوج وأمواله تنتقل إلى ورثته من حين موته، إلا أن المرأة لا بد وأن تعتد وتتربص أيام العدة، صيانةً لماء زوجها وولده وحداداً عليه .
والمعتدة من وفاة زوجها، قد تكون حاملاً، وقد تكون حائلاً، وقد أختلف الفقهاء في استحقاق المتوفي عنها زوجها، النفقة والسكنى إلى أقوال :

القول الأول : لا نفقة لها ولا سكنى سواء كانت حاملاً أو حائلاً وهو قول الحنفية ورواية عن أحمد وتعليلهم لذلك ( بأن النفقة في باب النكاح لا تجب بعقد النكاح دفعة واحدة كالمهر وإنما تجب شيئاً فشيئاً على حسب مرور الزمان فإذا مات الزوج انتقل ملك أمواله إلى الورثة، فلا يجوز أن تجب النفقة والسكنى في مال الورثة).
لأن الله تعالى إنما جعل للزوجة ثمن التركة أو ربعها وجعل باقيها لسائر الورثة والمسكن من التركة فوجب أن لا يستحق منه أكثر من ذلك . ولأنها بائن من زوجها فأشبهت المطلقة ثلاثاً .
القول الثاني : أن لها السكنى دون النفقة سواء كانت حاملاً أو حائلاً وهو قول المالكية بشرط أن يكون الدار للميت أو اكتراهاً ودفع كراءها، والشافعية وتعليلهم لذلك بأن النفقات تسقط بالموت . ولأن النفقة تجب للاستمتاع وذلك غير وارد هنا فلم تستحق النفقة .
أما وجوب السكنى لها فلما رواه النسائي عن فريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري، قالت : توفى زوجي بالقدوم فأتيت النبي () فذكرت له إن دارنا شاسعة فأذن لها ثم دعاها فقال : ( أمكثي في بيتك أربعة أشهر وعشراً حتى يبلغ الكتاب أجله ) .
فقد أمرني النبي () في بيتها من غير استئذان الورثة ولو لم تجب السكنى لم يكن لها أن تسكن إلا بإذنهم كما أنها ليس لها أن تتصرف في شئ من مال زوجها بغير إذنهم .

القول الثالث : أن لها النفقة والسكنى إذا كانت حاملاً وهو رواية عن أحمد مرجوحة وتعليلهم لذلك بأنها حامل من زوجها فكانت لها السكنى والنفقة كالمفارقة في الحياة .

والذي يبدو رجحانه أن المعتدة من وفاة زوجها لا نفقة لها ولا سكنى سواء كانت حاملاً أو حائلاً وذلك لكون النفقة والسكنى إنما تجب بالزوجية شيئاً فشيئاً وقد زالت فلم تجب كما سبق ذكره وأما كونها مشغولة بالحمل للزوج فلا يوجب لها ذلك النفقة والسكنى لعدم وجود مال في ملك زوجها الميت لزوال ملكه عن أمواله بموته وانتقاله إلى ورثته ومنهم زوجته التي تستحق من ميراث زوجها المحدد لها من عند الله تعالى وكذلك الحال بالنسبة للحمل الذي يستحق تركة أبيه .
وأما التفريق بين النفقة والسكنى فتفريق غير مفرق لعدم الفرق بين النفقة والسكنى في الاستحقاق وقد قال ابن رشد رحمه الله : ( وأما التفريق بين إيجاب للنفقة والسكنى فعسير ووجه عسره ضعف دليله ) .
وأما حديث فريعة الذي أستدل به الموجبون للسكنى فهو حديث ضعيف لم يثبت ومع فرض صحته فإنه لا يستقيم الاستدلال به لأن الحديث قد نص على أن زوج فريعة لم يكن يملك مالاً ولا داراً كما أخبرت به فريعة رضي الله عنها ( لم يدع مالاً ينفق علي ولا مالاً ورثته ولا داراً يملكها ) فأمر النبي () فريعة أن تمكث في البيت، لم يكن لاستحقاقها السكنى في بيت الزوج لعدم تملكه بيتاً وإنما كانت قضية في عين يتحمل أنه عليه الصلاة والسلام علم أن الوارث يأذن في ذلك، كما ذكر ذلك ابن قدامة رحمه الله فلم يصح بناء الحكم عليه .

المبحث الثاني : التنازل عن النفقة ونفقات أخرى

تنازل المرأة عن حقها في النفقة والسكنى في العدة :

حكم تنازل المرأة عن النفقة والسكنى في العدة تابع لحكم استحقاقها لهم وبناء عليه :
لا اعتبار لتنازل المرأة عن النفقة والسكنى في عدة الوفاة سواء كانت حاملاً أو حائلاً لعدم استحقاقها النفقة والسكنى أصلاً على القول الراجح وما لم يستحق أصلاً لم يصح إسقاطه هذا مع كون اعتدادها في بيت العدة دون مفارقته واجب عليها. وكذلك الحكم للمطلقة طلاقاً بائناً وهي غير حامل .
وأما المطلقة البائن وهي حامل أو المطلقة الرجعية حاملاً كانت أو حائلاً فلكون الواحدة منهن تستحق النفقة والسكنى فإن تنازلها عن حقها في النفقة ينطبق عليها الأحكام التي سبق ذكرها في مبحث تنازل الزوجة عن النفقة .
وخلاصة ذلك أن المعتدة لو أرادت أن تتنازل عن حقها في نفقة العدة لزمن المستقبل فإن الإبراء لا يقع صحيحاً ولا اعتبار له على القول الراجح لأن وجوب الحق شرط في الإبراء فلا يصح بدونه وإن أنعقد السبب، فلو أرادت بعد أن تتراجع عن تنازلها عن النفقة مستقبلاً كان لها ذلك لعدم وقوعه صحيحاً( ) .
وهو قول الجمهور ( الحنفية، وقول للمالكية، والشافعية في الأظهر، الحنابلة )
وإما إن أرادت أن تتنازل عن حقها في نفقة العدة لزمن الماضي فإنه يقع الإبراء صحيحاً على القول الراجح وليس لها بعد أن تتراجع عن تنازلها ذلك، لسقوطه صحيحاً (والساقط لا يعود) كما تقول القاعدة وهو قول الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) وقد عللوا لذلك :

بأنها وجبت في ذمة الزوج كسائر الديون كما سبق بيانه وما وجب في الذمة يصح الإبراء فيه .
وأما تنازلها عن السكنى فلا يجوز لتعلق حق الله به واعتدادها في بيت الزوجية واجب عليها شرعاً فلم يصح إسقاط ما يحب شرعاً لأن من موانع الإسقاط أن يكون أداؤه واجباً شرعاً .

ويدل على وجوب السكن في بيت الزوجية وعدم جواز الخروج منه قول الحق تبارك وتعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ))( ) .
قال القرطبي رحمه الله : ( أي : ليس للزوج أن يخرجها من سكن النكاح ما دامت في العدة ولا يجوز لها الخروج أيضاً لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة والرجعية والمبتوتة في هذا سواء وهذا لصيانة ماء الرجل وهذا معنى إضافة البيوت إليهن ) .

وقد أتفق الفقهاء على أن الرجعية لا يجوز لها الخروج من بيت العدة وكذلك المتوفي عنها زوجها .
ويقول الكاساني رحمه الله : مبيناً عدم جواز خروج المرأة المعتدة من طلاق من بيت العدة ومعللاً له : ( لأن حرمه الخروج بعد الطلاق لمكان العدة وفي العدة حق لله تعالى فلا يملك إبطاله بالإذن لها بالخروج بخلاف ما قبل الطلاق لأن الحرمة ثمة لحق الزوج خاصة، فيملك لإبطال حق نفسه بالإذن بالخروج .
وبهذا تبين أنه لا يجوز للمعتدة أن تتنازل عن حقها في السكنى في الحالات التي يجب لها ذلك .
ويجوز لها أن تتنازل عن نفقة الماضي أو أن تتنازل عنها شيئاً فشيئاً بحسب ما تجب لها فإن أرادت أن ترجع عن تنازلها عن النفقة لما يجب لها مستقبلاً كان لها ذلك( ) .

نفقة المعتدة إذا ادعت الحمل :

قال الشافعي : (رضي الله عنه) : فإن دعت الحمل ففيها قولان :
أحدهما : أنه لا يعلم بيقين حتى تلد . فتعطى نفقة ما مضى لها . وهكذا لو أوصى لحمل أو كان الوارث أو الموصى له غائباً ولا يعطى إلا بيقين .
أرأيت لو أعطيناها بقول النساء ثم انفشى أليس قد أعطيناها (من ماله ما لم) يجب عليه ؟( ) .
والقول الثاني : أن تحصى من يوم فراقها فإذا قال النساء أن بها حملاً أنفق عليها حتى تضع ولما مضى .
قال المزني : هذا عندي أولى بقوله . لأن الله تعالى أوجب بالحمل النفقة والحمل قبل الوضع .

اعلم أن الأحكام المتعلقة بالحمل تنقسم ثلاثة أقسام :

أحدهما : ما يعمل فيه على اليقين بالولادة ولا يعمل فيه على غلبة الظن قبل الوضع ، وذلك الميراث والوصية له أو به . فإذا بانت أمارات الحمل وغلب وجوده في الظن كان حكم الميراث والوصية موقوفاً على يقين أمره بعد وضعه .
والقسم الثاني : ما يعمل فيه على غلبة الظن ولا يوقف على اليقين بالولادة ، كقوله : (ألا لا توطأ حامل حتى تضع) وكقوله في إبل الدية : منها أربعون خلفة في بطونها أولادها .
والقسم الثالث : ما اختلف قول الشافعي فيه ، هل يعمل فيه على اليقين أو على غلبة الظن على قولين – وهو نفقة الحامل في عدتها :
أحد القولين : أن العمل فيها على اليقين ، وأن لا يدفع النفقة إليها إلا بعد الولادة كالميراث والوصية . لجواز أن يكون ما ظن بها من الحمل غلطاً أو ريحاً تنتفش ، ولا تستحق به نفقة .
والقول الثاني : وهو اختيار المزني وأكثر الأصحاب وهو الأظهر ، إن العمل فيه على غلبة الظن ، فإذا قال أربع من نساء ثقات من القوابل أن بها حملاً ، حكمنا لها بالنفقة ، وإن جاز خلافه في الباطن ، كما قلنا في تحريم الوطء (والرد) بعيبه في البيع ، لأن الله تعالى أوجب لها النفقة في مدة الحمل .

والفرق بين النفقة حيث حمل فيها على غلبة الظن وبين الميراث والوصية حيث عمل فيها على اليقين :
إن النفقة تستحق بالحمل حياً وميتاً . فجاز أن يحكم به قبل الولادة ، والميراث والوصية متعلقان بحياته . فلم يتعلق إلا بالولادة .
فإذا قيل بالأول : إنه لا يعمل في النفقة إلا على اليقين وقف أمر الحامل حتى تضع ، فإذا وضعت حياً أو ميتاً ، تاماً أو ناقصاً ، أعطيت نفقة ما مضى لها إلى أن وضعت ، ولا تعطى النفقة في مدة نفاسها ، لأنها تحل فيه لعقد الزواج .
وإذا قيل : إنه يعمل فيها على غلبة الظن ، أعطيت نفقة يوم بيوم ، فإن ولدت إلى مدة أربع سنين من وقت الطلاق تحقق استحقاقها لما أحدث . وإن أنفش ما بها أو ولدت لأربع سنين فصاعداً علم أنها لم تستحق ما أحدث فيسترجع جميعه إن كان الطلاق بائناً وإن كان رجعياً استرجع ما زاد على نفقة ثلاثة أقراء على ما سنذكره .

حكم النفقة في حال نفي الزوج حمل زوجته المعتدة :

قال الشافعي (رضي الله عنه) : (ولو ظهر بها حمل فنفاه وقذفها لاعنها ولا نفقة عليه). وهذا صحيح .
إذا نفى حمل زوجته ولا عن منها بعد قذفه صح لعانه من الحمل على القولين فيه لأن نفيه تبع لرفع الفراش ولها السكنى في مدة العدة ، لأنها فرقة عن نكاح صحيح .

ولا نفقة لها وإن كانت حاملاً ، لانتفاء حملها عنه باللعان فصارت كالحائل سواء قيل : إن النفقة لحملها أو لها لأجل الحمل .
فإن قيل : فإذا انقضت عدتها بوضعه ، كما لو كان لاحقاً به ، هلا وجبت لها النفقة كاللاحق قبل العدة ، تجب لاستبراء الرحم (وللتعبد) ولئلا يلحق بزوج غيره . وهو أقوى ما يقع به الاستبراء . فاستوى في الاستبراء وانقضاء العدة به من يلحق به من يلحق . والنفقة تجب للحمل لأنه مناسب ، والمنفي غير مناسب فلم تجب له ولا به نفقة . فإن نفى حملها بعد أن أبانها بالخلع أو بالطلاق الثلاث ففي ، جواز لعانه منها لنفي الحمل قولان ، مضياً في كتاب اللعان :
أحدهما : يجوز له نفيه اعتباراً بغلبة الظن في نفيه ونفقته ، فعلى هذا تسقط النفقة إذا لاعن ورجع عليها بما أنفق .
والقول الثاني : لا يجوز أن يلاعن النفقة حتى تضع اعتباراً باليقين في نفيه ونفقته ، فعلى هذا إذا وضعت لاعن . وتسقط عنه النفقة .

وضع المعتدة ما ادعته من حمل :

والحالة الثانية : أن تضع ما ادعته من الحمل فهذا على ضربين :
أحدهما : أن تضعه إلى مدة أربع سنين من وقت الطلاق ، فيكون الولد لاحقاً بالمطلق وتستحق النفقة في مدة الطلاق إلى وقت الولادة لانقضاء العدة بوضع الحمل .
والضرب الثاني : أن تضعه لأكثر من أربع سنين من وقت الطلاق ، ففي لحوقه به قولان ذكرناهما في كتابي الرجعة والعدد :
أحدهما : يلحق به بخلاف البائن ، لاختلافهما في أحكام الزوجية فعلى هذا تنقضي عدتها بوضعه ، ولها عليه النفقة من وقت الطلاق إلى وقت الولادة لانقضاء العدة بوضع الحمل .
والقول الثاني : لا يلحق به كالبائن ، لاجتماعهما في استحالة علوقه قبل طلاقها .
فعلى هذا فتسئل عن حال الحمل ، ولا يخلو حال جوابها قيه من أربعة أقسام :
أحدهما : أن تدعي أن الزوج المطلق أصابها في العدة برجعة أو غير رجعة .
والقسم الثاني : أن تدعي أن أجنبياً أصابها بشبهة .
والقسم الثالث : أن تقر به إلى جهة .
والقسم الرابع : أن لا تقر به إلى جهة .
فأما القسم الأول : وهو أن تدعي على الزوج أنه أصابها في العدة فيسئل الزوج عن دعواها:
فإن صدقها لحق به الولد ، وانقضت به العدة . فأما النفقة فتستحق منها النفقة في مدة ثلاثة أقراء ، وفي استحقاقها لنفقة ما بعدها من بقية مدة الحمل قولان ، لأنه من وطء شبهة لا من نكاح .
وإن كذبها فالقول قوله مع يمينه ولا يلحق به الولد . ولا تنقضي به العدة على الظاهر من مذهب الشافعي وقول جمهور أصحابنا لانتفائه عنه .

وقال أبو حامد الإسفراييني :
تنقضي به العدة لإمكان أن يكون ، وإن انتفى عنه كحمل الملاعنة ، تنقضي به العدة ، وإن انتفى عنه باللعان . وليس لهذا القول عندي وجه ، لأن حمل الملاعنة كان قبل اللعان لاحقاً ، فجاز أن تنقضي به العدة . وحمل هذه المطلقة قد كان هذه الدعوى المردودة غير لاحق ولذلك لم تنقض به العدة ثم ناقض أبوحامد في قوله ، فجعل عدتها منقضية بوضع الحمل ، ولم يجعل لها النفقة في مدة الحمل ، وكان فرقه بين العدة والنفقة :
إن العدة حق عليها ، والنفقة حق لها ، فقل قولها فيما عليها ولم يقبل قولها فيما لها .
والتعليل بهذا الفرق يفسد :

بالمدعية في عدة أقرائها زيادة على عادتها ، قولها مقبول في العدة واستحقاق النفقة وإن كانت العدة عليها والنفقة لها .
وقد قال المزني : (إذا حكم بأن العدة قائمة ، فكذلك النفقة في القياس لها) .
وأما الجواب عن هذا القسم على الظاهر من مذهب الشافعي وقول جمهور أصحابنا في أن العدة لا تنقضي بوضع هذا الحمل :
أن تسئل عما ادعته من وطء الزوج :

فإن قالت : وطئني عقب طلاقي لزمها أن تعتد بعد الولادة بثلاثة أقراء ، لأنها مقرة أنها لم تعتد بشيء من الأقراء الثلاثة بعد الولادة ، لإقرارها بانقضاء العدة بالولادة ولا رجعة فيها للزوج ، لإكذابها فيما ادعته من الإصابة .
وإن قالت : وطئني بعد مضي بعض أقرائي كأنها قالت : وطئني في القرء الثالث بعد مضي قرءين احتسبت بالقرءين الأولين واعتدت بقرء ثالث بعد الولادة تنقضي بها بقية العدة .
وأما القسم الثاني : وهو أن تدعي أن أجنبياً أصابها بشبهة ، فدعواها إصابة الأجنبي غير مقبولة عليه إلا بالتصديق ، فإن صدقها لحق به الولد وانقضت به عدتها من إصابته ، فأما عدة المطلقة :
فتسئل المطلقة عن الوقت الذي أصابها فيه الأجنبي ، ولها في الجواب عنه أربعة أحوال:
أحدهما : أن تدعيه عقيب طلاقها ، فيكون ذلك إقراراً منها أنها لم تعتد عن مطلقها ، فيلزمها أن تعتد عنه بعد ولادتها بثلاثة أقراء ، وله أن يسترجع منها نفقة الحمل ، وعليه أن يدفع إليها نفقة عدتها بعد الحمل ، وله أن يراجعها في هذه العدة إن صدقها على إصابة الأجنبي ، ولا رجعة له إن كذبها .

(والحال الثانية : أن تدعي إصابة الأجنبي ) بعد انقضاء عدتها بالأقراء الثلاثة فيقبل قولها في انقضاء العدة ، ولا يلزمها أن تعتد للزوج بعد ولادتها ، ويسترجع منها نفقة حملها إلا مدة أقرائها الثلاثة . والقول في قدرها على ما مضى من الأقسام السبعة إذا نفش حملها .

والحالة الثالثة : أن تدعي إصابة الأجنبي في تضاعف أقرائها ، كأنها ادعت إصابته في القرء الثاني بعد استكمال الأول ، فتحسب لها قرء واحد ، ويدفع إليها نفقة قرءين بعد الولادة .
والحال الرابعة : أن تجهل الوقت الذي ادعت فيه الإصابة ولا تخبر به ، فتصير شاكة في انقضاء عدتها ، فيلزمها أن تعتد بعد الولادة بثلاثة أقراء ، لتقضي عدتها بيقين ويسترجع الزوج منها نفقة حملها ، لأنها لم تعتد بشيء منه ، ويدفع إليها نفقة عدتها بعد الولادة ، لأنها ما التزم لها قبل ذلك نفقة عدة . ولا يراجعها في هذه العدة للشك في استباحتها .
وأما القسم الثالث : وهو أن تقر أن رجلاً زنى بها ، فتعتد بما مضى من أقرائها قبل الزنا وبعده ، ولا تفسد الأقراء بوطء الزنا ، وتعتد لحيضها على الحمل ، سواء قيل : إن ما تراه الحامل من الدم حيضاً أو ليس بحيض ، لأنه قد سقط في العدة حكم هذا الحمل ، فاعتدت فيه بالحيض ، وإن سقط حكمه في العبادات ، إذا قيل ليس بحيض وتسترجع نفقة حملها إلا مدة ثلاثة أقراء يرجع فيها إلى قولها على ما مضى من الأقسام السبعة .
وأما القسم الرابع : وهو أن لا تعزي وطئها إلى أحد أو تنكر أن يكون قد وطئها أحد فيجرى عليها في العدة حكم وطء الزنا ، فيكون حكمها في العدة حكم وطء الزنا فيكون حكمها في العدة على ما قدمناه .

نفقة الأمة الحامل المعتدة

فإذا تقرر توجيه القولين تفرغ عليهما أن يبت الحر طلاق زوجته الأمة وهي حامل . فإن قيل بالقول الأول : إن النفقة للحامل دون الحمل ، وجبت عليه نفقتها مدة حملها .
وإن (قيل) بالقول الثاني : إن النفقة للحمل دون الحامل :
وجبت نفقتها على سيدها دون زوجها ، لأن الحمل مملوك للسيد ، فوجبت نفقتها عليه دون الأب .
ولو بت العبد طلاق زوجته الحرة وهي حامل ، فعلى القول الأول أن النفقة للحامل دون الحمل :
تجب نفقتها على الزوج . وعلى القول الثاني إن النفقة للحمل دون الحامل : تسقط نفقتها عنه ، لأن العبد تجب عليه نفقة زوجته ، ولا تجب عليه نفقة ولده( ) .

تطور تشريعي لنفقة المعتدة في القانون المصري :

كانت المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920م الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية تنص على :
* تعتبر نفقة الزوجة التي سلمت نفسها لزوجها ولو حكما ديناً في ذمته من وقت امتناع الزوج عن الإنفاق مع وجوبه بلا توقف على قضاء أو تراض ولا يسقط دينها إلا بالأداء والإبراء .
المادة 2 :
المطلقة التي تستحق النفقة تعتبر نفقتها ديناً كما في المادة السابقة من تاريخ الطلاق .
وفي سنة 1929م صدر المرسوم بقانون 25 لسنة 1929م الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية نص في المادة 16 منه على :
المادة 16 :
تقدر نفقة الزوجة على زوجها بحسب حال الزوج يسراً أو عسراً مهما كانت حال الزوجة .
المادة 17 :
لا تسمع الدعوى لنفقة عدة لمدة تزيد عن سنة من تاريخ الطلاق كما أنه لا تسمع عند الإنكار دعوى الإرث بسبب الزوجية لمطلقة توفى زوجها بعد سنة من تاريخ الطلاق .

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون الأخير :

كان المتبع إلى الآن في تقدير نفقة الزوجة على زوجها أن يراعي في ذلك حال الزوجين معاً يساراً وإعساراً وتوسطاً فإن أختلف حال الزوجين بأن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً قدر للزوجة نفقة المتوسطين فإذا كان الزوج هو الموسر أمر بأداء ما فرض وإذا كان هو المعسر أمر بأداء نفقة المعسرين والباقي يكون ديناً عليه يؤديه إذا أيسر .
وبما أن هذا الحكم ليس متفقاً عليه بين مذاهب الأئمة الأربعة فمذهب الشافعي ورأي صحيح في مذهب أبي حنيفة لا تقدر نفقة الزوجة إلا باعتبار حال الزوج مهما كانت حالة الزوجة استناداً إلى صريح الكتاب الكريم : (( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا. أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم )) .
وبما أنه لا يجب أن تأخذ الزوجة من زوجها أكثر مما يقدر عليه لأنها تعاقدت معه على أن ينفق عليها مما يستطيع حسب اختلاف الأزمان والأحوال فكان من المصلحة الأخذ بمذهب الشافعي والرأي الأخر من مذهب أبي حنيفة في تقدير نفقة الزوجة على زوجها ولهذا وضعت المادة 16 من المشروع .

كذلك بناءً على الأحكام الواجب تطبيقها الآن بمقتضى القانون رقم 25 لسنة 1920م تستطيع المطلقة أن تأخذ نفقة عدة مدة طويلة بدون حق فإنها إذا كانت مرضعة قد تدعي أن الحيض لم يأتها طول مدة الرضاعة وهي سنتان ثم تدعي بعد ذلك أنه لا يأتيها إلا مرة واحدة كل سنة وقولها مقبول في ذلك وتتوصل إلى أن تأخذ نفقة عدة مدة خمسة سنين . وإذا كانت غير مرضع قد تدعي أن الحيض يأتيها مرة واحدة في كل سنة فتتوصل إلى أن تأخذ نفقة عدة مدة ثلاث سنين ولما كان هذا الإدعاء خلاف العادة الشائعة في النساء كثرت شكوى الأزواج من تلاعب المطلقات واحتيالهن لأخذ نفقة عدة بدون حق .
فرأت الوزارة أن المصلحة داعية إلى تعديل هذا الحكم بناء على ما ثبت من تقرير الطبيب الشرعي وهو أن أقصى مدة الحمل سنة وعلى أولى الأمر حق منع القضاة من سماع بعض الدعاوي التي شاع فيها التزوير والاحتيال فوضعت الفقرة الأولى من المادة 17 من مشروع القانون( ) .

الفصل الثاني : نفقة المتعة
المبحث الأول : تعريف وأدلة ورأي المذاهب في نفقة المتعة
المبحث الثاني : شروط وأحكام نفقة المتعة

الفصل الثاني : نفقة المتعة

المبحث الأول : تعريف وأدلة ورأي المذاهب في نفقة المتعة

تعريف المتعة لغةً :

المتعة بالضم والكسر – أي ضم الميم وكسرها – اسم للتمتيع كالمتاع ، والمتعة والمتاع اسمان يقومان مقام المصدر الحقيقي وهو التمتيع .
والأصل في معنى المتعة – كما يقول الأزهري – فكل شيء ينتفع به ، ويتبلغ به، ويتزود، والفناء يأتي عليه في الدنيا .
من معاني المتعة والمتاع ما يلي :
1/ الأداة أو الوعاء ، ومنه قوله تعالى : ” وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ ” ( ).
2/ الانتفاع والمنفعة ، ومنه حديث الأكوع قالوا يا رسول الله : ” لولا متعتنا به ” أي لو تركتنا ننتفع به ، ومنه قول الله تعالى ” وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ “( ). وقوله تعالى : ” وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ” .
3- والمتاع كل ما تمتعت به الجوانح . يقول الراغب الأصفهاني : وكل ما ينتفع به على وجه ما فهو متاع ومتعة وعلى هذه قوله ” وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ “، أي طعامهم فسماه متاعا ً .
من المعاني المجازية للمتعة :
1/ متعة النكاح بالضم أن تتزوج امرأة أياماً ثم تخلى سبيلها .
2/ متعة الحج ، وهو أن تضم عمرة إلى حجك ومنه قوله تعالى : ” فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ” ( ).
3/ متعة المطلقة ما وصلت به من بعد الطلاق من ثوب أو طعام .

تعريف المتعة اصطلاحاً :

لقد عرف الفقهاء المتعة تعريفات متباينة ، ويرجع اختلافهم في تعريفها إلى اختلافهم في أحكام فروعها ، وسنتحدث عن تعريفها عند الفقهاء حسب المذاهب الفقهية .

تعريف متعة الطلاق :

هي التعويض المالي للمرأة عما لحقها من ضرر بسبب الفرقة من زواج لم تكن هي المتسببة فيها .

تعريف نفقة المتعة :

نفقة المتعة هي مال يعطيه الزوج إلى مطلقته زيادة عن الصداق وذلك تخفيفاً على الزوجة لما قد يصيبها من آلم وحسرة بسبب تطليقها لسبب غير راجع إليها أيضاً بسبب استعمال الرجل لحقه في إطلاق زوجته

النص القانوني لنفقة المتعة

تنص المادة 18 مكرراً من الرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على أن : ” الزوجة المدخول بها في زواج صحيح إذا طلقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قبلها تستحق فوق نفقة عدتها متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل وبمراعاة حال المطلق يسراً أو عسراً وظروف الطلاق ومدة الزوجية ويجوز أن يرخص للمطلق في سداد هذه المتعة على أقساط ” .

أدلة مشروعية المتعة :

إن الأدلة على مشروعية المتعة متوافرة في الكتاب والسنة ، وعمل الصحابة والتابعين :
1) الأدلة من الكتاب :
1/ قال تعالى : ” لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ “( ) .
وجه الاستدلال : أن الله أوجب المتعة للمطلقة قبل الفرض والمساس بصيغة الأمر بقوله ” وَمَتِّعُوهُنَّ ” والأمر للوجوب ، وبحرف على بقوله تعالى : ” عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ” وعلى من أحرف الإلزام والإثبات التي تفيد الوجوب وبقوله ” مَتَاعًا ” وهي مصدر يدل على وجود أمر بالإمتاع ، وبجعل المتعة حقاً بقوله ” حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ” وليس في ألفاظ الإيجاب أكد من قوله حقاً عليه .

2/ قال تعالى : ” وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ “( ) .
وجه الاستدلال : إن الله في هذه الآية أوجب المتعة لجميع المطلقات المدخول بهن وغير المدخول بهن ، والمسمى لهن مهر وغير المسمى لهن مهر ، لأن لفظ المطلقات من ألفاظ العموم وآل الجنس تفيد الاستغراق ، ودليل الوجوب أنه أضاف المتعة للمطلقات بلام الملك ، ويجعلها حقاً على المتقين ، وكل إنسان مأمور أن يكون من المتقين .
2/ الأدلة من السنة :
1/ عن عائشة أن عمرة بنت الجون تعوذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدخلت عليه، فقال : لقد عذت بمعاذ فطلقها وأمر أسامة وأنساً فمتعها بثلاث أثواب رزاقبة .
2/ عن عبد الرحمن بن سهل عن أبيه وأبي أسيد قالا : تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل فلما أدخلت عليه بسط يده إليها فكأنها كرهت ذلك فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رزاقين .
3/ الأدلة من أفعال الصحابة :
1/ عن سويد بن غفلة قال : كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي بن أبي طالب فلما أصيب علي وبويع الحسن بالخلافة قالت لتهنك الخلافة يا أمير المؤمنين : فقال : يقتل علي وتظهرين الشماتة : أذهبي فأنت طالق ثلاثاً . قال فتلفعت بساجها وقعدت حتى أنقضت عدتها فبعث إليها بعشرة ألاف متعة وبقية ما بقي من صداقها فقالت : متاع قليل من حبيب مفارق . فلما بلغه قولها بكى وقال : لولا إني سمعت جدي أو حدثني أبي أنه سمع جدي يقول : أيما رجل طلق امرأته ثلاثاً مبهمة أو ثلاثاً عند الإقراء لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره لراجعتها .

نفقة المتعة وآراء المذاهب :

أولاً : المالكية :

يرى أصحاب هذا المذهب أن نفقة المتعة مستحبة لكل مطلقة سواء كان الطلاق رجعياً أو بائناً . واستدلوا على ذلك من قوله تعالى : (( لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ))
إلا أن أصحاب هذا المذهب لم يطلقوا نفقة المتعة لكل مطلقة بل ذكروا بعض النسوة لا يحق لهن نفقة متعة . وهن :
1) المطلقة قبل الدخول لأن لها نصف المهر .
2) المطلقة على تؤديه هي لزوجها .
3) من فوضت في طلاقها (صاحبة العصمة) .
4) من اختارت فسخ عقد الزواج أو المفارقة لوجود عيب في زوجها .
5) لا متعة في اللعان .

ثانياً : الشافعية :

أوجب أصحاب هذا المذهب أداء متعة للمطلقة وجبت على الزوج المفارق والفرقة نوعان إذا كانت بموت الزوج فلا تجب متعة . أما إذا كانت الفرقة بسبب الطلاق ففرقوا بين أمرين أولهما إذا كانت الفرقة قبل الدخول فإذا كان المهر لم ينشطر بالطلاق وجبت للمطلقة متعة ، وإذا انشطر المهر فلا متعة لأن الرجل لم يستوفي منفعة بضعها ، وتشطر المهر لما لحقها من امتهان فلا حاجة لمتعة . ثانيهما إذا كانت الفرقة بعد الدخول . فللزوجة متعة لقوله تعالى :
(( فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)) فقد حصلت الزوجة على المهر مقابل البضع والمتعة مقابل الامتهان نتيجة تطليقها .
وقالوا أيضاً أن كل فرقة بسبب الرجل ولا سبب للزوجة فيه فتجب متعة للزوجة أما إذا كانت الفرقة بسبب الزوجة فلا تجب لها متعة .

ثالثاً : الأحناف :

يرى الأحناف أن نفقة المتعة واجبة في حين ومستحبة في حين آخر وقالوا أنها واجبة لمفوضه قبل الوطء وهي التي فوضت أمرها لوليها فزوجها بلا مهر . ثم طلقت بعد خلوه صحيحة والخلوة الصحيحة تقوم مقام الوطء الحكمي . فتجب لها النفقة إذا طلقت وفي حين آخر تكون نفقة المتعة مستحبة لغير المفوضة .
وقالوا أن المطلقة قبل الدخول ولم يسمى لها مهراً تجب لها نفقة المتعة أما المطلقة قبل الدخول وسمي لها مهر ، فمتعتها غير واجبة ولا مستحبة أما المطلقة بعد الدخول وسمي لها مهراً فمتعتها مستحبة كذلك المطلقة بعد الدخول ولم يسمي لها مهراً .

رابعاً : الحنابلة :

اتفق الحنابلة على أن المتعة تجب على كل زوج لكل زوجة مفوضة طلقت قبل الدخول والتفويض لديهم أما تفويض البضع وهو أن يزوج الأب ابنته البكر دون مهراً وتجب لها المتعة وأما تفويض مهر – وهو أن يزوجها الأب على ما شاء .
ويرى الحنابلة أن كل فرقة ينتصف بها المهر المسمى توجب المتعة إذا كانت المرأة مفوضة وكل فرقة من قبل المرأة تسقط المهر المسمى ولا تجب معها متعة .
(راجع في آراء المذاهب الأربعة على وجه التفصيل أستاذنا / أحمد نصر الجندي – التعليق على قانون الأحوال الشخصية )

المبحث الثاني : شروط وأحكام نفقة المتعة

شروط استحقاق نفقة متعة :

أوردت المادة 18 مكرراً من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لستة 1985 شروط استحقاق نفقة المتعة . ومجمل هذه الشروط هي :

1) أن يكون الطلاق بعد الدخول :
والدخول هنا هو الدخول حقيقة أو حكماً . فلا بد لتوجب نفقة المتعة أن يختلي الزوج بزوجته خلوة صحيحة حتى ولم لم يحدث دخولاً . فتعتبر الخلوة صحيحة دخول حكمي والخلوة أن ينفرد الزوج بزوجته بدون أن يكن معهما أحداً ثالثاً فإذا لم يتوافر ذلك ولم يدخل بها لا حقيقة ولا حكماً فلا تنطبق المادة 18 ولا تجب لها متعة في حالة طلاقها . إلا إذا كانت عند زواجها لم يسمى لها مهراً فتجب لها متعة .

2) أن يكون الزواج صحيحاً :
أي توافرت شروط الصحية في عقد الزواج . لكي يصير عقداً منتجاً لإثارة الشرعية وإذا لم تتوافر شروط الصحة أصبح الزواج فاسداً فلا أعمال لنص المادة 18 مكرراً . ولا تجب متعة .
ولكي يكون الزواج صحيحاً يجب أن يتوافر فيه ثلاث شروط هي :

توافر شرط الشهادة على العقد :

من شاهدي عدل يتسما بالعقل والبلوغ والحرية والسماع ليتمكنا من سماع إيجاب وقبول المتعاقدين ، والإسلام ، حيث لا تجوز شهادة غير المسلم على المسلم لقوله تعالى : ” وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ” . النساء 141 .
1) إلا تكون الزوجة محل العقد محرمة على من يريد الزواج منها :
لا تحريماً مؤبداً ولا تحريماً مؤقتاً . والعبرة بوقت العقد في التحريم المؤقت .
2) أن تكون صيغة العقد مؤبدة :
حيث يجب أن تكون صيغة العقد مؤبدة غير موقوتة بمدة محددة للدلالة على الرغبة في الاستقرار الأسري بين الزوجين .
فإذا توافرت كل هذه الشروط في العقد أصبح عقداً صحيحاً . فإذا حدثت فرقة وجبت للزوجة متعة ما دامت الفرقة بعد الدخول في زوجية صحيحة بشرط أن يثبت الشرط الثالث والرابع .
3) أن يقع الطلاق من الزوج بدون رضا الزوجة :
والمقصود بالطلاق هو الطلاق البائن أو الرجعي الذي أصبح بائناً . على أن يكون هذا الطلاق بغير رضا المطلقة وبسبب لا يرجع إليها ومن ذلك لا تجب متعة لمن فوضت في تطليق نفسها وطلقت بالفعل نفسها وبانت من زوجها . كذلك الذي يطلقها القاضي لا تستحق نفقة متعة . فقد أقتصر النص على طلاق الزوج . فإذا كان الطلاق برضا الزوجين وثبت ذلك فلا تستحق متعة أو كان بسبب يرجع إليها فلا تستحق متعة
4) استظهار سوء استعمال حق الطلاق من جانب الزوج :
وهذا الشرط يتبين لقاضي الموضوع من استظهار أن الطلاق لا يرجع إلى الزوجة . بل قد استغل الزوج حقه بإرادته المنفردة . ومن هنا إذا ثبت الشرط الثالث يثبت بالتبعية الشرط الرابع . ويحق للزوجة (المطلقة) إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات بما فيه البينة وشهادة الشهود .

كيف يدرأ الزوج بنفقة متعة ؟

أمام الزوج سبيلين لكي يحول دون صدور حكماً ضده بأداء نفقة متعة لمطلقته والطريقان هما إما أن يثبت أن الطلاق تم برضاء الزوجة كذهابها معه للمأذون أو يثبت أن سبب الطلاق راجع إليها أي اقترفت فعلاً أدى إلى قيام الزوج بطلاقها ويحق للزوج إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات .

حكمة مشروعية المتعة :

إن من شروط الزواج في الإسلام أن لا يكون مؤقتاً ، والرجل والمرأة يدخلان في هذا العقد ، وفي غالب ظنهما أن الحياة الزوجية ستبقى مستمرة ماداما على قيد الحياة ، فإذا ما استعمل الرجل حقه في الطلاق ، ووضع حداً للحياة الزوجية به ، فإن المرأة تتأثر نفسياً ومادياً واجتماعياً من وقوع هذا الطلاق ، ذلكم أن هذا الطلاق يشعر الناس أن زوجها ما طلقها إلا وقد رابه منها شيء ، فتقل الرغبة بالزواج منها ، وتلوكها الألسن ، ويظن بها سيء الظن، ويشمت بها الأعداء ، فإذا ما طلقها قبل الدخول فربما لا تتزوج أبداً بسبب لعنة الطلاق، وإن كان قد دخل بها وطلقها وهي صغيرة السن ، فإن الامتناع من الزواج منها يكون أشد ، وبهذا فإن الطلاق يعمل في الغالب على حرمان المرأة من العيش في حياة زوجية مستمرة سعيدة .
إن هذه الأضرار التي تلحق بالمرأة نتيجة الطلاق، تولد الحقد في نفسها ، وتجعل الكراهية تنمو في قلبها، والحسرة تفتت كيدها، والألم يعتصرها ، وشعور بالظلم يحيط بها، والإسلام دين العدل والمحبة يأبى أن يكون في مجتمعه الحقد والكراهية والظلم فكان الشارع الحكيم سباقاً في إزالة الحقد، وتخفيف الألم، ورفع الظلم عن المرأة المطلقة، وهل هناك أرأف بها من الله ؟ فأوجب لها حقاً مادياً يخفف عنها من وحشة الطلاق، ويسليها عن ألم الفراق، ويطيب به نفسها، ويعوض به عما فاتها ويجبر به خاطرها، ويمنع الألسن أن تلوكها، والأعداء أن يشمتوا بها، ذلكم الحق هو المتعة.

حكم متعة الطلاق :

لا بد لنا لمعرفة حكم متعة الطلاق ، من استطلاع أراء الفقهاء ، ومعرفة أدلتهم ، ومناقشتها ، لنخرج بعد ذلك مرجحين أحد هذه الآراء ، مبينين أسباب ترجيحنا لذلك الرأي .
وحتى يسهل علينا دراسة أراء الفقهاء فقد رأيت أن أقسم هذا المبحث إلى مطلبين :
الأول : حكم متعة الطلاق للمطلقات بطلاق يوقعه الزوج بإرادته المنفردة .
الثاني : حكم متعة الطلاق للمفترقات عن أزواجهن بطلاق أو فسخ لم يوقعه الزوج بإرادته المنفردة .
حكم متعة الطلاق للمطلقات بطلاق يوقعه الزوج بإرادته المنفردة :
لقد اختلف الفقهاء في حكم متعة هذا القسم من المطلقات ، اختلافاً واضحاً كبيراً ويمكننا أن نجمل مذاهبهم على النحو التالي :

المذهب الأول : المتعة واجبة لكل مطلقة .
وإلى هذا ذهب الإمام أحمد في قول ، وابن جرير الطبري ، وابن حزم الأندلسي ، وبه قال الحسن ، وأبو العالية ، وسعيد بن جبير ، وعلي بن أبي طالب ، وابن شهاب الزهري ، وأبو قلابة ، وعطاء ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، والضحاك ، وأبو ثور ، وابن تيمية ، والأباضية في قول ، ونسب القرطبي هذا المذهب إلى الشافعي في قول .

المذهب الثاني : المتعة مندوبة لكل مطلقة .
وإلى ذلك ذهب الإمام مالك في المشهور ، والليث بن سعد ، وابن أبي ليلى ، وفقهاء المدينة السبعة ، وأبو عبيدة ، ورواية عن شريح .

المذهب الثالث : المتعة واجبة لكل مطلقة ما عدا المطلقة قبل الدخول وبعد تسمية المهر فلها نصف المهر ، وليس لها متعة .
وإلى هذا ذهب الإمام مالك في قول ، والشافعي في الجديد ، وقال به ابن عمر وسعيد بن المسيب ، ومجاهد ، ونافع ، وشريح في رواية أخرى .

المذهب الرابع : المتعة واجبة للمطلقة قبل الدخول وقبل تسمية المهر فقط ولا تجب لغيرها .
تقدير نفقة المتعة وسدادها :
قدر القانون المادة 18 مكرراً أن المتعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل أي أن المشرع وضع حداً أدنى للمتعة وهو نفقة سنتين فيجوز له أن يزيد ذلك شريطة مراعاة حال المطلق يسراً وعسراً كذلك مع مراعاة ظروف الطلاق ومدة الزوجية .
وقد أجاز النص للقاضي أن يصرح للمطلق أداء المتعة على أقساط ويجب أن يصدر الحكم متضمناً ذلك بناء على طلب المطلق على أن تحدد المحكمة الأقساط وقيمة كل قسط وذلك يرجع لرؤية قاضي الموضوع .

*جنس مقدار المتعة :

نقصد بجنس مقدار المتعة ، أنواع المال الذي يصح تقدير المتعة به ، وقد اختلف الفقهاء في ذلك :
فذهب الحنفية إلى أن المتعة تقدر بالعروض وهي درع ، وخمار ، وملحفة ، وبهذا قال الحسن ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء والشعبي ، ويجوز إعطاء قيمتها عند الحنفية ويختلف نوع العروض الذي تقدر به حسب خلافهم فيمن يعتبر حاله في التقدير ، فمثلاً من اعتبر حال المرأة فإن المتعة وهي الدرع والخمار والملحفة تكون حسب حالها ، فإن كانت من السفل فمن الكرباس ، وإن كانت من الوسط فمن القز ، وإن كانت مرتفعة الحال فمن الابريسم ، وهكذا يقال فيمن اعتبر حاله أو حالها .
واستدل الحنفية على مذهبهم أن الأصل تقدير المتعة بالعروض بعدة أدلة أهمها :
1/ قال تعالى : ” وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ” ( )
وجه الاستدلال : أن المتاع اسم للعروض في العرف وهو المتبادر إلى الفهم .
2/ إن لإيجاب الأثواب نظيراً في أصول الشرع وهو الكسوة التي تجب لها حال قيام النكاح والعدة ، وأدنى ما تكتسي به المرأة وتستتر به عند الخروج ثلاثة أثواب وهو اللباس الذي تصلي به غالباً .
3/ عن أبي مجلز قال : قلت لابن عمر رضي الله عنهما أخبرني عن المتعة وأخبرني عن قدرها فإني موسر فقال اكس كذا ، اكس كذا فحسبت ذلك فوجدت قدره ثلاثين درهماً .
وجه الاستدلال : إن عبدالله بن عمر أمره بالكسوة ولم يأمره بدراهم مقدرة ، إلا أنه اتفق أن قيمة الكسوة بلغت ثلاثين درهما .
4/ إن هذا التقدير مروي عن عائشة وابن عباس ومن بعدهم سعيد بن المسيب ، والحسن ، وعطاء ، والشعبي ، وحيث قدروها به مع فهم اللغة يعرف منه أن لفظ المتعة لا يقال في إعطاء الدراهم بل فيما سواها من الأثاث والأمتعة .
وذهب الشافعي إلى التفريق بين القدر المستحب في المتعة والقدر الواجب ، فقال في المستحب في قديم المذهب يمتعها بقدر ثلاثين درهماً ، وقال في بعض كتبه ، أستحسن أن يمتعها بخادم فإن لم يكن فمقنعة فإن لم يكن فثلاثين درهماً ، ويقصد بالمقنعة التي قيمتها أكثر من ثلاثين درهماً ، وقال بعض الشافعية : المستحب أن يمتعها بخادم إن كان موسراً ، وإن كان متوسطاً بثلاثين درهماً ، وبمقنعة إن كان معسراً .

* معيار تقدير متعة المطلقة :

لقد اختلف الفقهاء في كيفية تقدير متعة المطلقة ، اختلافاً كبيراً ، بل إن فقهاء المذهب الواحد قد اختلفوا في ذلك أيضاً ، ويمكننا أن نجمل أراء الفقهاء في هذه المسألة بالمذاهب التالية :
المذهب الأول : أن المتعة تقدر حسب حال الزوج .
ذهب إلى ذلك الحنفية في قول وهو قول أبي يوسف وصححه الميرغناني والبابرتي وبهذا قال المالكية في المشهور من المذهب ، والشافعية في وجه ، والحنابلة في الصحيح من المذهب وابن حزم الظاهري ، والأباضية والجعفرية وبه قال عطاء والحسن البصري وابن جرير الطبري .
المذهب الثاني : المتعة تقدر حسب حال الزوجة .
ذهب إلى هذا الإمام الكوخي من الحنفية وهو اختيار القدوري ، والشافعية في وجه وقول في مذهب أحمد والمالكية في قول .
المذهب الثالث : تقدر المتعة حسب حال الزوجين معاً .
وبهذا قال الحنفية في قول ، وهو قول الخصاف ورجحه ابن الهمام والحصكفي ، وصححه الولوالجي وقدري باشا ، وعليه الفتوى في المذهب الحنفي وإلى هذا ذهب الشافعية في وجه والحنابلة في قول .
المذهب الرابع : المتعة الواجبة حسب حال الزوجة المستحبة حسب حال الزوج وبهذا قال بعض الحنفية والشافعية في وجه .
المذهب الخامس : أن تكون المتعة وسطاً لا بغاية الجودة ولا بغاية الرداءة وبهذا قال صاحب الذخيرة من الحنفية .
الحد الأعلى والأدنى للمتعة :

إن تقدير المتعة من الأمور التي يحتاجها القاضي ، ولا بد له أن يعرف الحد الأعلى الذي لا ينبغي له تجاوزه إن كان لها حد أعلى ، وأن يعرف الحد الأدنى الذي لا ينبغي له أن يقدر دونه إن كان لها حد أدنى ، فإن لم يكن لها حد أعلى ولا حد أدنى فعليه أن يعرف ذلك أيضاً ، ليكون على بصيرة من أمره .
ولهذا سنتحدث أولاً عن الحد الأعلى للمتعة ونرى آراء الفقهاء وأدلتهم في ذلك ، ثم نتحدث عن الحد الأدنى للمتعة وآراء الفقهاء في ذلك ، وأدلتهم ، والحد الأعلى والأدنى إنما يعتبره الفقهاء عند النزاع .

* الحد الأعلى لمتعة الطلاق :

إن بعض الفقهاء لم يقدر حداً أعلى للتمتع ، وترك أمر تقديرها إلى القاضي ، يقدرها باجتهاده وفق معيار معين ولكن البعض الآخر من الفقهاء وضع حداً أعلى للمتعة لا ينبغي تجاوزه ، وبناءً على ذلك يمكننا أن نجمل الآراء الفقهية في هذا الموضوع كما يلي :
1/ المذهب الأول : أنه لا حد أعلى للمتعة يقدرها القاضي باجتهاده ، وبهذا قال المالكية والشافعية في وجه والحنابلة في رواية والأباضية والحسن البصري وعطاء .
2/ المذهب الثاني : لا يجوز أن تزيد المتعة عن نصف مهر المثل وبهذا قال الحنفية والشافعية في وجه .
3/ المذهب الثالث : أعلى المتعة خادم .
وبهذا قال الحنابلة في الرواية الثانية وابن حزم وهو قال للشافعية وبه قال ابن عباس والزهري والحسن والجعفرية .
استدل أصحاب المذهب الأول على مذهبهم بأنه لا يوجد حد أعلى للمتعة بالأدلة التالية:
* قال تعالى : ” وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ” ( ) .
وجه الاستدلال : أن الله تعالى في هذه الآية لم يقدر المتعة بقدر معين ولا بين حدها الأعلى ، وإنما بين كيف تقدر ” عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ” وأن تكون بالمعروف .
* أن الحد الأدنى للمتعة أمر لم يرد الشرع بتقديره ، وهو مما يحتاج إلى الاجتهاد فيجب الرجوع فيه إلى الحاكم كسائر المجتهدات كالنفقة .

* الحد الأدنى لمتعة الطلاق :

كما اختلف الفقهاء في الحد الأعلى لمتعة الطلاق ، فقد اختلفوا في الحد الأدنى ، وإن كان يوجد ما يمكن أن تعتبره أدلة الفقهاء في موضوع الحد الأعلى للمتعة ، فإننا لا نجد لجميع الفقهاء الذين قالوا بالحد الأدنى للمتعة أدلة بل يوجد لبعضهم أدلة ولا يوجد لبعضهم الآخر ، ولهذا سأذكر رأي كل مذهب وأسرد أدلته مباشرة إن كان له أدلة ، ويمكننا أن نجمل المذاهب الفقهية في هذا الموضوع كما يلي :
1/ إنه لا حد أدنى للمتعة فأقل ما متمول يجزئ ، وبهذا قال بعض الشافعية والحسن البصري ، والإمام مالك بن أنس واستدلوا على مذهبهم بما يلي :
أ) قال تعالى : ” وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ”
وجه الاستدلال : أن الله لم يحدد حداً أدنى للمتعة وإنما بين كيف تقدر يقول القرطبي : وهذا دليل على رفض التحديد .
ب) إن سبب نزول قوله تعالى : ” لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ …….. ” أن رجلاً من الأنصار تزوج امرأة من بني حنيفة ولم يسم لها مهراً ثم طلقها قبل أن يمسها فنزلت الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” متعها ولو بقلنسوتك ”
فهذا الحديث يدل أنه لا يوجد حد أدنى للمتعة كما قدرها الفقهاء الآخرون .
ج) قياساً على الصداق فإنه لا يوجد له حد – عند الشافعية – والمتعة بدل عن الصداق فتأخذ حكمه .
2/ إن الحد الأدنى للمتعة هو خمسة دراهم وبهذا قال الحنفية واستدلوا ذلك .
* إن مهر المثل هو العوض الأصلي لكنه تعذر تنصيفه لجهالته فيصار إلى المتعة خلفاً عنه ، ولا مهر عند الحنفية أقل من عشرة دراهم وحيث أن المتعة بدل نصف مهر المثل فلا يجوز أن تكون أقل من خمسة دراهم .

الاختصاص بدعوى المتعة :

ينعقد الاختصاص بنظر دعوى المتعة إلى المحكمة الابتدائية والدليل على ذلك أن مرجع الاختصاص النوعي إلى لائحة ترتيب المحاكم الشرعية حيث كونها المرجع في تحديد قواعد اختصاص القضاء على مختلف درجاته بنظر دعاوي الأحوال الشخصية حيث ورد بالمادة 6 من اللائحة تحديد اختصاص المحكمة الجزئية حيث نصت هذه المادة في نهايتها على “.والمواد المتعلقة بالزوجية غير ما سبق ” أي أن اختصاص هذه المحكمة ينعقد في المسائل التي تكون الزوجية سبباً مباشراً فيها . أما سبب دعوى المتعة فهو الطلاق وليس الزوجية لذلك فإن نظر هذه الدعوى يدخل ضمن الاختصاص النوعي للمحكمة الابتدائية بناء على نص المادة 8 من ذات اللائحة حيث نصت على أن ” تختص المحاكم الابتدائية الشرعية بالحكم الابتدائي في المنازعات في المواد الشرعية التي ليست من اختصاص المحاكم الجزئية بمقتضى نص المادتين الخامسة والسادسة ” فلما كانت المادة الخامسة والسادسة لم تذكر دعوى المتعة لذا فينعقد الاختصاص بنظرها إلى المحكمة الابتدائية .

رأي قانون الأحوال الشخصية الأردني :

إن قانون الأحوال الشخصية أخذ أحكام متعة الطلاق من مذهب الإمام أبي حنيفة كما سبق وبينا ، فالقانون لم يوجب متعة إلا لمطلقة واحدة وهي المطلقة قبل الدخول وقبل تسمية المهر كما نصت على ذلك المادة 55 من قانون الأحوال الشخصية ، وسكت القانون عن الفرقة بغير طلاق هل تجب المتعة أم لا ؟ فقد نصت المادة 55 من قانون الأحوال الشخصية الأردني على ما يلي :
إذا وقع الطلاق قبل تسمية المهر وقبل الدخول والخلوة الصحيحة فعندئذ تجب المتعة ، والمتعة تعين حسب العرف والعادة ، بحسب حال الزوج عل أن لا تزيد عن نصف مهر المثل .
فإذا فسخ النكاح قبل الدخول وقبل تسمية المهر ، كأنه فسخ لعدم الكفاءة ، أو لفعل الزوج ما يوجب حرمة المصاهرة ، أو فعلها ما يوجب حرمة المصاهرة ، أو بسبب ردة الزوج …الخ فإن القانون لم ينص بصراحة على متعة هذه المفترقة وهنا نقول أنه لابد من أعمال نص المادة 183 من قانون الأحوال الشخصية ” ما لا ذكر له في هذا القانون يرجع فيه إلى الراجح من مذهب أبي حنيفة.( )
تقدير نفقة المتعة في قانون الأحوال الشخصية الحالي :
في عدد الوقائع المصرية 192 الصادر في 17 أغسطس سنة 1979م صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 44 لسنة 1979م وأضاف المادة 18 فقرة (أ) (الزوجة المدخول بها في زواج صحيح إذا طلقها زوجها بدون رضاها ولا بسبب من قبلها تستحق فوق نفقة عدتها متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل وبمراعاة حال المطلق يسراً وعسراً وظروف الطلاق ومدة الزوجية ويجوز أن يرخص للمطلق في سداد في سداد هذه المتعة على أقساط .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون تحت عنوان المتعة للمطلقة بعد الدخول :
( ولما كان من المستقر عليه شرعاً أن الطلاق حق للزوج وكان القانون القائم لا يوجد المتعة المالية للمطلقة بعد الدخول وحسبها أنها استحقت المهر كله بالدخول ولها نفقة العدة أما المتعة فهي مستحبة ولا يقضي بها وإذا قد تراخت المروءة في هذا الزمن وانعدمت لاسيما بين الأزواج إذا انقطع حبل المودة بينهما وأصبحت المطلقة في حاجة إلى معونة أكثر من نفقة العدة تعينها من الناحية المادية على نتائج الطلاق وفي المتعة ما يحقق المعونة وفي الوقت نفسه تمنع الكثيرين من التسرع في الطلاق .
ولما كان الأصل في تشريع المتعة هو جبر خاطر المطلقة وكانت مواساتها من المروءة التي تطلبها الشريعة وكان من أسس تقديرها قول الله تعالى : (( ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره )) وكان إيجاب المتعة هو مذهب الشافعي الجديد حيث أوجبها للمطلقة بعد الدخول إن لم تكمل الفرقة منها أو سببها وهو قول لأحمد أختاره أبن تيمية كما أنه أخذ بها مذهب أهل الظاهر وهو قول لمالك أيضاً .
وعلى هذا وضع نص المادة 18 بمراعاة ضوابط أقوال هؤلاء الأئمة وللقاضي أن ينظر في تقديرها عدا ما سبق إلى ظروف الطلاق وإلى إساءة استعمال هذا الحق ووضعه في موضعه ولا تقل في تقديرها عن نفقة سنتين وتخفيفاً على المطلق في الأداء أجاز النص الترخيص له في سداد جملة المقرر للمتعة على أقساط( ) .

الخاتمة:

من خلال دراستي لهذا الموضوع توصلت إلى بعض النتائج التي تعتبر خلاصة للبحث أسردها تسهيلاً لاستيعاب البحث وليجد القارئ العادي مبتغاه مما أتفق عليه العلماء وما هو الراجح من أقوالهم عن الاختلاف من الأحكام المتعلقة بحقوق المرأة الزوجية والتنازل عنها دون الحاجة إلى الخوض في تفاصيل الأقوال في المذاهب المختلفة والوقوع في الحيرة لمعرفة الراجح منها والمعمول به فقها وقانونا أن المعتدة تقضي عدتها في منزل الزوجية، وكان عمر بن الخطاب، يرد المتوفي عنهن أزواجهن في البيداء يمنعهن الحج وأباح بعض الفقهاء للمعتدة، الانتقال لقضاء عدتها مع أهلها، أو حيث تراه أنسب لها فالمقصود عندهم من العدة، التربص والانتظار، في مكان أمين، يضمن للمعتدة الحفاظ علي نفسها آمنة مطمئنة ترعي حق الله وحق الشرع الشريف
* النتائج :
1/ إن الإسلام كرم المرأة ومنحها حقوقها الكاملة ومنها الحقوق الزوجية .
2/ إن للمرأة سلطة مشروعة ممنوحة لها على ما يخصها من أمور تتعلق بحياتها الخاصة وما يخصها كذلك من حقوقها الزوجية .
3/ إن من حقوق المرأة الزوجية ما يجب لها على غيرها كحقها في النفقة والسكنى ومنها ما يجب على سبيل الاستئثار والاختصاص لا على شخص بعينه كحقها في الكفاءة المعتبرة .
4/ يشترط في الحقوق الزوجية المتنازل عنها أن لا يؤدي التنازل عنها إلى مخالفة شرعية وأن لا يتعلق بها حق لله تعالى كحق المعتدة من طلاق رجعي في السكن في دار الزوجية .
5/ تجب متعة الطلاق لكل زوجة مفوضة طلقت قبل الدخول .
6/ للمرأة أن تتنازل عن حقها في متعة الطلاق بعد ثبوته كسائر حقوقها المالية .
7/ العدة واجبة على المرأة لفراق زوجها بموت أو طلاق أو نحوه .
8/ عدة المطلقة ذات الحيض ثلاثة قروء وعدة اليائسة والتي لم تحض ثلاثة أشهر كما أن تضع حملها وأما عدة المتوفي عنها زوجها فهي أربعة أشهر وعشراً .
9/ تستحق المطلقة الرجعية أثناء عدتها النفقة والسكنى .
10/ تستحق المطلقة البائن إن كانت حاملاً النفقة والسكنى اتفاقاً وإما إن كانت حائلاً فلا نفقة لها ولا سكنى على القول الراجح.
11/ لا تستحق المعتدة من وفاة النفقة والسكنى حاملاً كانت أو حائلاً على القول الراجح .

المراجع :

م اسم المرجع ومؤلفه
1 أحمد فتحي بهنسي ، كتاب نفقة المتعة بين الشريعة والقانون ، القاهرة ، دار الشروق ، الطبعة الأولى ، 1408هـ .
2 السرطاوي ، محمود علي ، كتاب شرح قانون الأحوال الشخصية ، عمان ، دار الفكر الطبعة الثانية ، 1428هـ .
3 ذياب ، زياد صبحي علي ، كتاب متعة الطلاق وعلاقتها بالتعويض عن الطلاق التعسفي ، عمان ، دار الينابيع ، الطبعة الأولى ، 1992م .
4 الماوردي ، علي بن محمد ، كتاب النفقات ، بيروت ، دار ابن حزم ، الطبعة الأولى ، 1418هـ .
5 الدهلوي ، محمد يعقوب ، كتاب حقوق المرأة الزوجية والتنازل عنها، الرياض دار الفضيلة ، الطبعة الأولى ، 1422هـ .
6 عزمي ، ممدوح ، كتاب دعوى النفقة ، الإسكندرية ، دار الفكر الجامعي، بدون طبعة ، 1997م .
7 القرآن الكريم

فهرس الموضوعات

م الموضـــــــــــــــــــــــــــوع رقم الصفحة
1 البسملة أ
2 آية قرآنية ب
3 الإهداء ج
4 الشكر والتقدير د
5 خطة البحث هـ – و
6 المقدمة 1
الفصل الأول : نفقة المعتدة 2
7 المبحث الأول : تعريف وحكم وأنواع المعتدات 3
8 تعريف العدة لغةً وشرعاً 3
9 حكم العدة 3
10 أنواع المعتدات وحقهن في النفقة والسكنى 5
11 حق النفقة والسكنى للمعتدة من طلاق رجعي 5
12 حق النفقة والسكنى للمعتدة من طلاق بائن 6
13 حق النفقة والسكنى للمعتدة من وفاة 8
14 المبحث الثاني : التنازل عن النفقة ونفقات أخرى 10
15 تنازل المرأة عن حقها في النفقة والسكنى في العدة 10
16 نفقة المعتدة إذا أدعت الحمل 11
17 حكم النفقة في حال نفي الزوج حمل زوجته المعتدة 13
18 وضع المعتدة ما أدعته من حمل 13
19 نفقة الأمة الحامل المعتدة 16
20 تطور تشريعي لنفقة المعتدة في القانون المصري 16
الفصل الثاني: نفقة المتعة 19
21 المبحث الأول : تعريف وأدلة ورأي المذاهب في نفقة المتعة 20
22 تعريف المتعة لغة واصطلاحاً ومعانيها 20
23 تعريف متعة الطلاق والنفقة 21
24 النص القانوني لنفقة المتعة 21
25 أدلة مشروعية المتعة 21
26 نفقة المتعة وأراء المذاهب 22
27 المبحث الثاني : شروط وأحكام نفقة المتعة 25
28 شروط استحقاق نفقة المتعة 25
28 توافر شرط الشهادة على العقد 25
29 كيف يدرأ الزوج بنفقة المتعة 26
30 حكمة مشروعية المتعة 26
31 حكم متعة الطلاق 27
32 حكم متعة الطلاق للمطلقات بطلاق يوقعه الزوج بإرادته المنفردة 27
33 تقدير نفقة المتعة وسدادها 28
34 الحد الأعلى والأدنى للمتعة 30
35 الاختصاص بدعوى المتعة 32
36 رأي قانون الأحوال الشخصية الأردني 32
37 تقدير نفقة المتعة في قانون الأحوال الشخصي الحالي 33
37 الخاتمة 35
38 قائمة المراجع 37
39 الفهرس 38