أضواء على مشروع دستور الجمهورية العربية السورية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت

حلب
قضايا قانونية
الأحد19-2 – 2012
المحامي أحمد حاج سليمان
أولاً : مقدمة :

تتسم الدساتير عموماً بسمو قواعدها وقداسة مضمونها لاكتنافها على سلافة ووجدانية وضمير وتطلعات الشعب فضلاً عن جملة مبادئ دستورية تتصل بهوية الشعب والوطن وطبيعة نظام الحكم وموضوع السيادة والحقوق والحريات والمبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية .‏
يضاف إلى ذلك سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية .‏
ويمكن القول أن الدستور هو الأساس التشريعي الذي يقام عليه بناء الدولة والمجتمع وهذا يستدعي بالضرورة أن يعبر الدستور عن كلية العناصر المنتجة للحالة الوطنية وبالشكل الحضاري المتمدن وهذا يفرض لغة بناء وصياغة قويمة للقواعد الدستورية ومن مقتضيات لغة البناء البعد المستقبلي لما يجب أن يكون عليه المجتمع والدولة ومعلوم لدى الجميع ان سورية تعيش أزمة مركبة متشعبة اختلطت فيها الكثير من القضايا والمسائل سياسياً واجتماعياً واقتصادياً .‏
وثمة مطالبات لأطياف سياسية ومكونات اجتماعية ولاعتبارات موضوعية وواقعية وسياسية بتعديل الدستور النافذ منذ عام 1973م .‏
وبعيداً عن استحضار المناخ والظرف التاريخي والسياسي والاقتصادي محلياً ودولياً الذي كان سائداً في ظل وضع دستور عام 1973 م ، إلا أنه لا ينكر أن هناك ضرورات متعددة فرضت تعديل كثير من المبادئ الدستورية النافذة واستحداث مبادئ جديدة وعلى هذا كان مشروع الدستور الجديد الذي تألف من /157/ مادة و /6/ أبواب واحتوى على جملة مبادئ دستورية جديدة حيث كانت المواد كالتالي :‏
ـ /14/ مادة جديدة .‏
ـ /34/ مادة معدلة صياغياً .‏
ـ /47/ مادة معدلة جوهرياً .‏
وباقي المواد على حالها .‏
ثانياً : الأساسيات في مشروع الدستور الجديد :‏
يمكن الإشارة إلى أساسيات المبادئ الدستورية الجديدة وهي :‏
1ـ التأكيد على مبدأ السيادة الوطنية التامة وأن سورية جزء من الوطن العربي والشعب جزء من الأمة العربية‏
2ـ طبيعة نظام الحكم بأنه جمهوري وأن السيادة للشعب .‏
3ـ الاقتصاد وطني أساسه تنمية النشاط الاقتصادي العام والخاص وهدفه زيادة الدخل وتطوير الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والتنمية يضاف إلى ذلك صون الملكية الخاصة الجماعية والفردية وفي حال نزع الملكية للمنفعة العامة يجب أن يكون بمرسوم مقابل تعويض معادل للقيمة الحقيقية للملكية وكذلك فيما يخص الضرائب والرسوم والتكاليف العامة لا تفرض إلا بقانون وأن النظام الضريبي يجب أن يقوم على أسس عادلة وأن تكون الضرائب تصاعدية تحقق المساواة والعدالة الاجتماعية .‏
4ـ احترام جميع الأديان وكفالة حرية القيام بالشعائر الدينية وأن الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع ودين رئيس الدولة الإسلام .‏
5ـ التعددية السياسية أساس النظام السياسي للدولة وممارسة السلطة ديمقراطياً عبر الاقتراع .‏
6ـ كفالة واحترام التنوع الثقافي للمجتمع .‏
7ـ استقلالية المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والجمعيات وتعمل لتطوير المجتمع وتحقيق مصالح أعضائها .‏
8ـ التأكيد على مبدأ سيادة القانون كأساس للحكم ومبدأ استقلالية السلطة القضائية واحترام حق التظاهر السلمي والإضراب وفقاً للقانون .‏
9ـ التأكيد على مبدأ فصل السلطات الثلاث .‏
10ـ حماية الحريات العامة والحقوق والتأكيد على مبدأ المواطنة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والديمقراطية .‏
11ـ تحديد مدة ولاية رئيس الجمهورية بـ/7/ سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط .‏
12ـ تعديل آلية وطبيعة الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حيث أصبحت انتخاباً بدلاً من الاستفتاء ويجب أن يكون أكثر من مرشح وأن يقترن ذلك بتأييد خطي من /35/ عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب والتأييد لمرشح واحد .‏
13ـ تعديل اختصاصات المحكمة الدستورية العليا حيث تنظر في الطعون الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية والطعون الخاصة بصحة عضوية أعضاء مجلس الشعب وتقدم لها طلبات الترشح لمنصب رئيس الجمهورية .‏
14ـ اعتبار الوزارة مستقيلة حكماً عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية وعند انتخاب مجلس شعب جديد وعند تقديم أغلبية الوزراء استقالاتهم .‏
15ـ وجوب إجراء انتخابات تشريعية خلال /90/ يوماً من تاريخ الإقرار للدستور بالاستفتاء الشعبي .‏
16ـ وجوب تعديل التشريعات النافذة والصادرة قبل إقرار الدستور بما يتوافق مع أحكامه وخلال مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات ميلادية .‏
ثالثاً : الآثار والانعكاسات بعد الإقرار بالاستفتاء الشعبي‏
بديهي أن تتباين الآراء في مدى قبول هذا الدستور الجديد بما تضمنه من مبادئ دستورية جديدة سياسية واقتصادية واجتماعية .‏
وسيدور جدل طويل حول الجديد في الدستور من مواد وطبيعة نظام الحكم وصلاحيات البرلمان والسلطة التنفيذية .‏
والأسبق في ذلك من حديث هو ما يدور حول المناخ الذي يعرض فيه الدستور للاستفتاء ومدى تمكن الأخوة المواطنين من ممارسة هذا الحق لا سيما أن هناك مناطق ليست آمنة لممارسة هذا الحق .‏
وهنا نؤكد على وجوب توفير المناخ اللازم والآمن للمواطنين لتمكينهم من ممارسة هذا الحق سنداً لأحكام المرسوم التشريعي رقم /8/ تاريخ 1/3/1973م وفيه القواعد الخاصة للاستفتاء على الدستور .‏
حيث نوضح أن من حق القضاة والعسكريين والشرطة ممارسة هذا الحق بخلاف موضوع الانتخاب حيث يحظر عليهم ذلك .‏
ويمكن القول أن هذا المشروع للدستور في حال اقترانه بموافقة الأكثرية المطلقة من مجموع أصوات المقترعين سيكون نافذاً واعتباراً من تاريخ 26/2/2012م وهذا سيفرض حالة جديدة في سورية على كل الصعد ويستدعي ذلك عقلية جديدة للتعامل مع النصوص الدستورية بما ستفرزه من مناخ ديمقراطي وتشاركية وحراك سياسي حقيقي وبناء مؤسسات وطنية حقاً ، واستقلالية في الدور ، وتكامل بين المؤسسات والمنظمات والنقابات وكذلك السلطات باختلافها لبناء الوطن وقضيته فعلياً وبناء المجتمع على أساس المواطنة الفاعلة .‏
ومن الضرورات العاجلة التالية للاستفتاء ونفاذ الدستور الجديد هو :‏
ـ تعديل التشريعات التي لا تأتلف أحكامها مع الدستور الجديد وفي هذا ثورة تشريعية كبيرة تستدعي جهداً نوعياً وحماسة وهمة عاليتين .‏
رابعاً : خاتمة‏
إن الدستور هو روح الأمة وضميرها الجمعي وهو محاكاة للواقع وتطلع نحو المستقبل .‏
فالحاضر دوماً في أي تشريع ليعيش ويستمر هو الوطن والمواطن .‏
وهذا ما نأمله في هذا الدستور الجديد .‏