أحكام قضائية مصرية في التعويض عن الاستيلاء على الأراضي التي تزيد عن الحد الأقصى للملكية الزراعية

ضوابط التعويض عن الاستيلاء على الأراضي التي تزيد عن الحد الأقصى للملكية الزراعية

الدعوى رقم 21 لسنة 41 ق “منازعة تنفيذ” جلسة 5 / 10 / 2019

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من أكتوبر سنة 2019م، الموافق السادس من صفر سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبدالعليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 21 لسنة 41 قضائية “منازعة تنفيذ”.

المقامة من
وزير المالية
ضد
أولاً: ورثة المرحوم / أحمد حسن رشيد، وهم:
1- أشرف أحمد حسن رشيد
2- حسن أحمد حسن رشيد
ثانيًا: ورثة المرحوم / عبد المجيد محمود رشيد، وهم:
1- زينب بهيجة عبد الحميد محمود رشيد
2- حسين هانى رشيد عبد الحميد محمود رشيد
ثالثًا: ورثة المرحوم / أحمد عادل رشيد، وهم:
1- عايدة بهيجة أحمد عادل حسن رشيد
2- اسمت هان زادة أحمد عادل حسن رشيد
رابعًا: ورثة المرحوم / محمد عصام الدين رشيد، وهم:
1- عمرو محمد عصام الدين حسن أحمد رشيد
2- علاء الدين محمد عصام الدين حسن رشيد
3- سهير محمد أبو الغيط

الإجراءات
بتاريخ التاسع من أبريل سنة 2019، أودعت هيئة قضايا الدولة، نيابة عن المدعى، صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم، أولاً: وبصفة مستعجلة وقف تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 2696 لسنة 2013 مدنى كلى جنوب القاهرة بجلسة 30/3/2017، والمؤيد بالحكم الصادر في الاستئنافين رقمى 5703، 6481 لسنة 134 قضائية بجلسة 14/8/2017، والقرار الصادر تأييدًا له من محكمة النقض في غرفة مشورة، في الطعن رقم 15497 لسنة 87 قضائية بجلسة 1/4/2018. ثانيًا: وفى الموضوع بعدم الاعتداد بالحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي وقرار غرفة المشورة المؤيد لهما السالف الإشارة إليها، والاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 28 لسنة 6 قضائية “دستورية” بجلسة 6/6/1998.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمـــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليهم كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 2696 لسنة 2013 مدنى كلى، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، ضد المدعى وآخرين، طلبًا للحكم – وفق طلباتهم الختامية فيها – بإلزام المدعى بأن يؤدى إليهم قيمة التعويض المستحق لهم عن الاستيلاء على الأراضي الزراعية المملوكة لمورثيهم، نفاذًا للمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي، والمقدر بمبلغ 15321869,79 جنيهًا، طبقًا لتقريــر الخبير المودع في الاستئناف رقم 707 لسنة 122 قضائية، من محكمة استئناف القاهرة، المردد بين الخصوم ذواتهم، وعن الموضوع والسبب السابق بيانهما، وبجلسة 30/3/2017 قضت تلك المحكمة بإلزام المدعى بصفته بأن يؤدى إلى المدعى عليهم المبلغ الوارد بتقرير الخبير المشار إليه، كل حسب نصيبه كمقابل تعويض عن الاستيلاء على أرض التداعي. وتساندت في هذا القضاء إلى أن المبلغ المقضي به يُعد تعويضًا عما لحق المدعين من أضرار، تمثلت في تجريدهم من ملكيتهم، ومن ثمار الأرض وملحقاتها، وعدم انتفاعهم بريعها. طعن المدعى على الحكم السالف ذكره، بالاستئناف رقم 5703 لسنة 134 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة، كما طعن المدعى عليهم على ذلك الحكم، بالاستئناف رقم 6481 لسنة 134 قضائية، أمام المحكمة ذاتها. وبجلسة 14/8/2017، قضت محكمة الاستئناف أولاً: في الاستئناف المقام من المدعى بقبوله شكلاً ورفضه موضوعًا وتأييد الحكم المستأنف، وفى الاستئناف المقام من المدعى عليهم بقبوله شكلاً، وعدم قبوله موضوعًا. طعن المدعى على حكم محكمة الاستئناف المشار إليه بطريق النقض، وقيد طعنه برقم 15497 لسنة 87 قضائية، وقضى فيه، في غرفة مشورة، بجلسة 1/4/2018 بعدم قبول الطعن.
وإذ ارتأى المدعى أن قرار محكمة النقض – في غرفة مشورة – المؤيد لحكمي محكمة استئناف القاهرة، وجنوب القاهرة الابتدائية، السابق بيانها، قد ناقضت حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 6/6/1998 في الدعوى رقم 28 لسنة 6 قضائية “دستورية”، فيما تضمنته أسبابه، في غير موضع، من وجوب ارتباط تقدير التعويض عن الاستيلاء على الأراضي الزراعية طبقًا للمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي، بقيمة تلك الأراضي وقت الاستيلاء عليها، في حين خلص قرار محكمة النقض في غرفة مشورة، وحكمي محكمة استئناف القاهرة ومحكمة جنوب القاهرة الابتدائية المشار إليها، إلى الاعتداد بقيمة الأرض الزراعية المستولى عليها وفق أسـس التقدير الواردة بتقرير الخبير المودع في الاستئناف رقم 707 لسنة 122 قضائية مستأنف القاهرة، والمعول فيه على قيمة تلك الأرض في تاريخ لاحق على الاستيلاء عليها، مما تكون معه أحكام جهة القضاء العادي السالف بيانها، عقبة تحول دون جريان آثار حكم هذه المحكمة السابق الإشارة إليه، ومن ثم أقام المدعى دعواه المعروضة.

وحيث إن منازعة التنفيذ – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – قوامها أن التنفيذ لم يتم وفقًا لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانونًا- بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه، وتعطل تبعًا لذلك، أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها، بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان. ومن ثم، تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ أو محلها، تلك المنازعة التي تتوخى في ختام مطافها إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صدر عن المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية نص تشريعي، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التي يضمها، والآثار المتولدة عنها في سياقها، وعلى ضوء الصلة الحتمية التي تقوم بينها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية، وما يكون لازمًا لضمان فعاليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا – وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – لهدم عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها كاملة، في مواجهة الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين جميعهم، دون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق- سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- قد حالت فعلاً أو من شأنها أن تحول دون تنفيذ أحكامها تنفيذًا صحيحًا مكتملاً، أو مقيدة لنطاقها. ثانيها: أن يكون إسناد هذه العوائق إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعة التنفيـذ لا تُعد طريقًا للطعن في الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.

وحيث إن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية – وعلى ما استقر عليه قضاؤها – يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، ولا تمتد إلى غير تلك النصوص، حتى لو تطابقت في مضمونها. كما أن قوة الأمر المقضي لا تلحق سوى منطوق الحكم وما هو متصل بهذا المنطوق من الأسباب اتصالاً حتميًّا لا تقوم له قائمة إلا بها.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة 6/6/1998 في الدعوى رقم 28 لسنة 6 قضائية “دستورية”:
أولاً: بعدم دستورية ما نصت عليه المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، من أن يكون لمن استولت الحكومة على أرضه، وفقًا لأحكام هذا القانون، الحق في تعويض يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية لهذه الأرض، وأن تقدر القيمة الإيجارية بسبعة أمثال الضريبة الأصلية المربوطة بها الأرض، وبسقوط المادة (6) من هذا المرسوم بقانون في مجال تطبيقها في شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة العقارية.
ثانيًا: بعدم دستورية ما نصت عليه المادة الرابعة من القرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي من أن يكون لمن استولت الحكومة على أرضه تنفيذًا لأحكام هذا القانون الحق في تعويض يقدر وفقًا للأحكام الواردة في هذا الشأن بالمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المشار إليه وبمراعاة الضريبة السارية في 9 سبتمبر سنة 1952، وبسقوط المادة الخامسة من هذا القرار بقانون في مجال تطبيقها في شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة العقارية.
وتساندت هذه المحكمة في قضائها المتقدم على أن: “تقدير التعويض عن الأراضي المستولى عليها بما يعادل سبعين مثل الضريبة العقارية الأصلية المربوطة بها الأرض في تاريخ الاستيلاء عليها، لا يعدو أن يكون تقديرًا جزافيًّا منفصلاً عن قيمتها السوقية، وذلك من وجوه متعددة:
أولها: أن الضريبة العقارية المشار إليها لا شأن لها بأصول الأموال محلها، وإنما يتعلق فرضها بتقدير تصوره المشرع لإيراد نجم عن استغلالها، فلا يكون هذا الإيراد إلا وعاء لها.
وثانيها: أن الأموال المحملة بهذه الضريبة تتباين قيمتها فيما بينها على ضوء ظروفها وخصائص بنيانها حتى داخل المحافظة الواحدة، ولا يمكن من ثم أن يجمعها معيار واحد ينفصل عن أوضاع عرضها وطلبها التي تؤثر فيها إلى حد كبير عناصر متعددة تتداخل في مجال تقييمها، من بينها ما إذا كان أصحابها يزرعونها بأنفسهم أم يؤجرونها لغيرهم.
وثالثها: أن الضريبة العقارية المشار إليها – وحتى بفرض جواز الرجوع إليها لتحديد التعويض المستحق – لا يُعاد النظر فيها سنويًّا، وإنما يمتد تقديرها في شأن الأراضي الزراعية جميعها – أيًّا كان موقعها وبغض النظر عن خصائصها – سنين عشرًا، مدها المشرع بعدئذ لمدد تماثلها، فلا يكون التعويض المقدر على أساسها إلا تصوريًّا.
وحيث إن المثالب الدستورية التي أبطلت نصى المادتين الخامسة من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، والرابعة من القرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي، وما ترتب على ذلك من سقوط المادة (6) من المرسوم بقانون والمادة الخامسة من القرار بقانون المذكورين في مجال تطبيقهما في شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة العقارية، إنما تحددت في مخالفة التنظيم التشريعي المقضي بعدم دستوريته لنصوص المواد (32، 34، 36، 40، 165) من دستور سنة 1971، ومن ثم تكون التقريرات الدستورية التي وردت بحكم هذه المحكمة المشار إليه، واستطالت إلى معايير التعويض العادل – ولم تكن بهذا المؤدى سندًا لما قُضى به من إبطال وسقوط النصوص التشريعية المار ذكرها -، قد أبانت في إفصاح جهير، الضوابط المتعين الأخذ بها في شأن التعويض عن الاستيلاء على الأراضي التي تزيد عن الحــد الأقصى للملكية الزراعية، ولتَغْدُ هذه التقريرات توجيهًا لا يفارقـه المشرع، فيما لو أعاد تنظيم المسألة عينها، وذلك ضمانًا لصون الملكية الخاصة، والحيلولة دون مصادرتها بعيدًا عن أحكام الدستور.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان أى من قرار محكمة النقض في غرفة مشورة الصادر بجلسة 1/4/2018 في الطعن رقم 15497 لسنة 87 قضائية، المؤيد لحكم محكمة استئناف القاهرة الصادر بجلسة 14/8/2017 في الاستئنافين رقمى 5703، 6481 لسنة 134 قضائية، ولحكم محكمة جنوب القاهرة الابتدائية الصادر بجلسة 30/3/2017 في الدعوى رقم 2696 لسنة 2013 مدنى كلى، لم يتخذ من عناصر التعويض التي تضمنها النصان القانونيان المحكوم بعدم دستوريتهما في الدعوى رقم 28 لسنة 6 قضائية “دستورية” سندًا لما قضى به، ومن ثم لا يكون قرار محكمة النقض المؤيد لحكمي محكمة استئناف القاهرة ومحكمة جنوب القاهرة الابتدائية السالف الإشارة لهما، مصادمًا لحكم هذه المحكمة في الدعوى رقم 28 لسنة 6 قضائية “دستورية” السابق بيانه، ولا تشكل عقبة في تنفيذه، مما تنحل معه المنازعة المعروضة، والحال كذلك، إلى طعن فيما قضى به قرار محكمة النقض في غرفة مشورة، لا يستنهض ولاية هذه المحكمة للفصل فيه، الأمر الذى تضحى معه الدعوى المعروضة قمينة بعدم القبول.
وحيث إنه عن طلب المدعى بوقف تنفيذ قرار محكمة النقض في غرفة مشورة، المؤيد لحكمي محكمة استئناف القاهرة، ومحكمة جنوب القاهرة الابتدائية، سالفي البيان، فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء بعدم قبول الدعوى، على النحو المار ذكره، فإن قيامها بمباشرة اختصاص البت في طلب وقف التنفيذ – طبقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – يكون قد بات غير ذى موضوع.

فلهــذه الأسبــاب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .